رواية نعيمى وجحيمها الفصل السابع والخمسون 57 بقلم امل نصر

 

رواية نعيمى وجحيمها الفصل السابع والخمسون بقلم امل نصر

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السابع والخمسون

عاد بخطواته المسرعة صباحًا ليلج إلى منزله اَخيرَا بعد قضائه عدة ساعات في البرد وتحت رحمة هذا المجنون، ليُفرج عنه اَخيرًا بعد أن استكفى منه، وقد نال من الإهانة ما يجعله يود القضاء على كل من يراه أمام، فما بالك بما كانت السبب الأساسي لما حدث له!

وصل إليها ليجدها جالسة على مائدتها تتناول وجبة إفطارها، بيدها شطيرة صغيرة من الخبز المحمص، مغمسة بالمربى تقضم منها بتمهل ويدها الإخري تقلب في الهاتف وتتصفح به، رفعت رأسها فجأة على قدومه من الخارج في هذا الوقت من الصباح بوجه متجهم، وهيئة مبعثرة لا تدل على هيئته المعتادة على الإطلاق، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء القاء التحية عليها، لتسأله باستغراب: - هو انت خرجت امتى عشان ترجع كدة؟ في حاجة يا ماهر؟

ألقى مفاتيحه بإهمال قبل أن يجلس على إحدى الكراسي أمامها، يفرك بكفيه على وجهه بعنف متجاهلًا الرد عليها، لتعيد السؤال مرة أخرى بقلق: - انا بسألك يا بني، رد عليا على الأقل بكلمة طمني بيها.
التف أليها يحدق بوجه مظلم ونظرات نارية ليصرخ بها هادرًا: - كنت متثبت أنا والسواق بتاعي والحارس يا ميرفت، متثبت في عز البرد وانا عريان بالأندر وير، وعارفة مين بقى اللي كان مثبتني يا أختي العزيزة؟

طالعته باستفهام مع ارتياع قلبها مما ذكره لها لتجده متابعًا بصراخ،
- اللي كان مثبتني هو نفس الحيوان الضخم اللي خطف غادة من داخل البيت هنا وبعد ما ضربني.
صاحت به مستنكرة وهي تنهض عن مقعدها: - يعني أيه الكلام ده؟ هو ازاي الحيوان دا أساسًا يتجرأ ويعمل حركة زي دي مع أسياده، هو فاكرنا قليلين في البلد دي ولا ايه؟ دا أنا...

قاطعها بصرخته ضاربًا بكفيه على سطح المائدة حتى اهتزت بعنف: - إنت السبب يا ميرفت، عشان نزلتِ بمستواكِ ومستوى العيلة، وجرأتي الناس دي علينا، لولا عملتك الزفت لما خدت الصور ع البت دي وهددتيها بيها، مكانش الحيوان دا ذنبني أنااا واخدلي صور وفيديوهات وانا بالطقم الداخلي بتاعي ويقولي احمد ربنا اني برضوا مراعي الستر معاك ومش عايزلك الفضيحة، أنا يتقالي كدة من ناس زي دي؟ تتهان كرامتي وابقى مهدد في أي وقت بنشر الصور اللي خدهالي لو بس فكرت وأذيت السنيورة بتاعته.

- دي بني أدم غبي وانا هعرف أربيه كويس هو والجربوعة اللي بيدافع عنها.

صاحت بها تعقيبا على كلماته وكانت النتيجة أنه ثار أكثر بها: -دا انتِ اللي غبية عشان مستهونة بالناس دي وفاكراهم مش قد مستوى ذكائك، دا قالهالي بنفسه يا ميرفت وهو بيستهزأ بيا، قالي انت باشا كبير وصورة زي دي لو عملنالها فيديو حلو هتجيب ألاف المتابعات وتبقى نجم، انتِ فاهمة دا معناه إيه؟ معناه دمار لسمعتي، ومهما كانت الصور اللي انتِ خدتيها للبت دي مش هيبقالها نص التأثير اللي هيحصل معايا لو نفذ تهديده، انا صباعي بقى تحت درس الولد ده وانتِ السبب يا ميرفت بحوارتك الهبلة.

برقت عينيها وهي تطالعه بعدم استيعاب، جسدها يهتز من فرط أنفعابها وعقلها يرفض التصديق، حتى صرخت بدورها عليه: - ولما زفت زي دا يثبتك، حراسك كانوا فين؟ اللي اسمه رعد دا اللي مرافقك زي ضلك فايدته إيه لما يحصلك انت حاجة زي دي؟
-رعد ما كنش معايا يا ميرفت.

هتف بها ردًا على سؤالها وأستطرد: - رعد استأذن مني فجأة عشان يلحق والده اللي رجليه اتكسرت بالصدفة امبارح، والحارس التاني ولا السواق محدش فيهم قدر يصُد ولا يرد بعد ما تحاصرنا في الشارع الضيق وحاوطونا رجالة الباشا ده، شوفتي بقى اللي كنتِ فاكرها هتبقى خاتم في صباعك، طلعت مرافقة ناس بلطجية وبيعرفوا يوقعوا اللي زينا بالمظبوط.

صمت يحدق بها بغيظ يدفعه للفتك بها انتقامًا لما حدث له، وكاد ان يتسبب بمقتله لو تهور هذا الضخم وقتله في لحظتها، ليختم بقوله في الاَخير وهو يتناول سلسلة مفاتيحه على سطح المائدة: - انا البلد دي مابقاليش سكن فيها تاني.
أوقفته بأعين راجية قبل يغادر: - تقصد إيه بكلامك ده يا ماهر؟
- قصدي اني هسوي كل أموري هنا وهسافر يا ميرفت.

قالها واستدار عنها متجهًا نحو الدرج ليصعد إلى غرفته، وتسقط هي بحملها على الكرسي بأقدام مرتخية لم تعد تحملها تردف بقنوط: - برضوا حتى دي كمان فشلت، نار قلبي دي هتفضل كدة دايمًا ما فيش حاجة تهديها؟ لكن لأ.
توقفت لتغمغم بتصميم: - مهمها حصل انا مش هسكت غير لما اَخد حقي بحرق قلوبهم زي ما حرقوا قلبي، ساعتها بس اقدر اسافر واسيب البلد كلها كمان.

جالسة على فراشها متكتفة الذراعين، مستندة بظهرها على الوسادة خلفها تتطلع إليه بغيظ وهو يتزين أمام المرأة ويرش بكثافة بعطره المميز على عنقه وبعض أجزاء من قميصه، بعد حرمانها من الذهاب إلى عملها معه، ليتبقى لديها فقط مراقبته وتفحصه جيدًا ولكن يبدوا لها اليوم يزيد بتأنقه ومزاجه العالي في الغناء بهذه الأغاني الأجنبية التي لا تفهم منها شيئًا ولكنها تليق على صوته الأجش القبيح...
- زهرة انتِ سرحانة؟

قالها بعد أن استدار إليها فجأة يجفلها، تداركت لتنفي بهز رأسها، فتبسم يفرد ذراعيه إليها بتخايل قائلًا: - إيه رأيك بقى؟
- رأيي في إيه؟
تسائلت باندهاش ليُجيبها على الفور: - في البدلة يا زهرة، اصلها جديدة وقولت اشوف رأيك فيها عشان عندي النهاردة مشوار مهم.
- وحشة.
- نعم!

قالها بصدمة من ردها ليلتف مرة أخرى للمراَة ويتفحص حلته بتمعن، فتراجعت في قولها لتردف بفضول: - أنا مش قاصدي انها وحشة وحشة، انا بس عايزة اعرف مشوارك المهم عشان ادلك.
قال بعدم تركيز وهو يلتف يمينًا ويسارُا يبحث عن
العيب في ما يرتديه: - مشوار إيه بقى اللي احضره بيها بعد اللي قولتيه ده، أنا طالع معايا اغيرها كلها، مع اني مش شايف فيها حاجة وحشة والله.

- ماهي مش بطالة يا جاسر، إنت بس قولي ع المشوار وانا اقولك تليق ولأ.
رفع رأسه فجأة وقد انتبه اخيرًا ليُجيبها كابحًا ابتسامة ملحة: - عندي مقابلة انا ومصطفي عزام شريكي مع وفد أجنبي يا زهرة، أديكي عرفتي المشوار، ها إيه رأيك بقى؟

صمتت لتطالعه من جديد بتشكك مع هذا التأنق المبالغ فيه ثم اعتدلت لتنزل بأقدامها على الأرض، لتتحرك نحوه قائلة باهتمام الزوجة المخلصة: - مدام قولت ع المشوار المهم يبقى اقوم اشوفها عن قرب بقى، عشان بالمرة دي اتأكد من لونها، هي مش زرقة باين؟
- زرقة ازاي يا زهرة دي كحلي!
هتف بها مذهولًا، ليجدها اقتربت منه مرددة: -اه صح دي فعلًا كحلي، شكلي كدة لخبطت من الشمس، لكن الوفد دا فيه ستات يا جاسر؟

باغتته بسؤالها ليفتر فاهه بابتسامة متسلية يسألها هو الاَخر: - وانتِ عايزة تعرفي ليه؟ دي مقابلة شغل يعني مش فسحة.
زامت بفمها ترمقه بغيظ قبل أن تجيبه: - دا سؤال عادي، انا مقصدتش بيه حاجة على فكرة.
تحرك من جوارها ليرد وهو يضبط رابطة عنقه مع انتباهه لتحديقها به وتخصرها خلفه بتحفز: - تمام يا روحي فهمتك، بس عشان تعرفي يعني انا قريت الأسامي بسرعة ومقدرين اتأكد ان كان فيهم ستات ولا لأ.
- ياراجل!

تفوهت بها ساخرة من خلفه لتجده استدار إليها قائلا بمرح: - هو انتِ ليه محسساني انك مش مصدقة، طب يعني تيجي معايا تتأكدي بنفسك؟
- صحيح يا جاسر بجد، يعني انا ممكن اجي معاكم؟ انا فعلا نفسي اخرج والله عشان اتخنقت.
قالتها بلهفة وحماس لتجده أجابها بهدوء يغيظ: - طبعًا يا قلبي زي ما تحبي أكيد، بس انتِ ناسية بقى مشوارك مع ماما النهاردة وحكاية شرا الهدوم وحاجة البيبي؟

عضت على شفتيها بتفكير ثم خاطبته برجاء وهو يدور من حولها يبحث عن أشياءه قبل المغادرة: - طب ماهي محبكتش يعني النهاردة، دا انا لسة في الخامس وباقي شهور ع الولادة، والست والدتك محسساني إن الولادة بكرة، ما تكلمها انت يا جاسر تأجل.

رفع رأسه عن الحاسوب الذي القى على شاشته المفتوحة نظرة سريعة يقول بجزع: - يا نهار أبيض، لا طبعًا مقدرش يا زهرة، خصوصًا وانا شايف حماس الوالدة بتحضير أؤضة البيبي والألوان والتجهيزات اللي عملتها، لو عايزة تكلميها انتِ ماشي بس انا متحملش غضبها.
استشاطت غيظًا لتزفر هاتفة بإحباط وتزيده استمتاعًا بمشاكستها: - يعني انت متقدرش وانا اللي اقدر!

صمتت برهة بتفكير ثم قالت بتذكر: - طب كلها كام يوم وفرح خالي يتم، وانا بقى كنت عايزة احضر التحضيرات وليلة الحنة والحاجات البلدي اللي احنا متعودين عليها، يعني ابات الكام يوم دول هناك، هترفض هي بقى على كدة كمان دي؟
ترك ما بيده لينتبه لها، ويرد بجدية ووجه غاب عنه الهزل: - معلش بقى يا زهرة عشان الرفض هيبقى مني انا المرة دي.

تطلعت إليه باستفهام، ليتابع لها: - بصراحة بقى رغم كل احترامي وحبي لرقية وفرحتي لخالد كمان، لكن انا لا يمكن هقدر اطمن واسيبك تباتي هناك، حتى لو قولتي انك متعودة والكلام ده كله، لكن برضوا وربنا ما هقدر احط راسي على المخدة، اقسم بالله، دا غير والدتي كمان، يستحيل توافق، واذا اصريتي مش بعيد تبات معاكِ، ما انتِ عارفها بتعيد على مواعيد علاجك انتِ ووالدي بالثانية.

تنهدت بيأس تتكتف بذراعيها وتبتعد عنه، ليصبه الحزن لمشاهدتها هكذا، فاقترب يحاوطها من الخلف بكفيه على أكتافها، ليهمس بجوار أذنها بصوته الدافئ: - عارف انك زعلانة، بس انا عايزك تقدري خوفي من حاجة زي دي انا شوفتها بنفسي، العمارة ايلة للسقوط يا زهرة، ثم انه كمان نصبر شوية مدام الحال اتعدل، خالك وهيغير السكن بعد جوازه من نوال، ورقية وهتتنقل مع العروسين بعد رجوعهم من شهر العسل، يعني ساعتها بقى هنقدر ننقل اخواتك البنات للبيت اللي اخترناه انا وانتِ قبل كدة، عشان والدك لما يخرج قريب من المصحة ان شاء الله، يسكن معاهم على طول.

صمت برهة ليسألها بقبلة كبيرة على وجنتها: - ها بقى اقتنعتي باللي بقوله؟
هزت برأسها بخفة كموافقة، لتزيد بداخله الحماسة بضمها أكثر ويزيد معها من قبلاته الناعمة على وجنتيها مرددًا: - عايزة اسمعها بصوتك مش بهز الدماغ.
اجبرها بمناكفته على الضحك لتبادله المزاح ولكن بقصد: - ماشي دي اقتنعت بيها، فاضل بقى تقنعني بالثانية: سألها بإجفال: - ايه هي التانية؟

اعتدلت ليُصبح وجهها مقابل وجهه سائلة بتصميم: - تقنعني انك مش عارف الوفد الأجنبي في ستات ورجالة ولا رجالة بس.

بجلستها معه في كافتيريا الشركة ورغم أنها المرة الأولى التي يتم فيها ذلك، إلا أنها كانت منطلقة في الحديث وكأنها تجلس معه كل يوم، تقلب في صور الهاتف التي التقطها أمس لهذا المدعو ماهر، بعد تهديدات شقيقته لها ثم تطلق ضحكتها بفرح منها بعد حالة الخوف التي تملكتها الليلة السابقة لدرجة الرعب: - يالهوي دا شكله مسخرة هههه، لا وكمان واقف بتناكة كدة ههه.

رغم سعادته بمشاركتها لهذه الجلسة إلا أن ضحكاتها العالية كانت تدفعه للغضب منها، فيتمتم يحذرها بهدوء وعينيه تتلفت حولهم: - قلبي كمان وشوفي بقية الصور بس وطي صوت الضحك شوية.
اومأت برأسها له على عجل وهي تركز في الصورة الأخرى لماهر وهو جالس على ركبتيه كطفل مذنب في مدرسة، لتقهقه غير قادرة على التوقف: -وربنا يستاهل الأهبل ابن الهبلة ده.

تبسم ضاحك ببهجة من داخله بعد أن التزمت قليلًا بالصوت وظهر سنها بضحكة من القلب دون تصنع أو ادعاء، أجفلته بنظرة متسعة من عينيها سائلة بهمس
- دا قلع القميص...
غمز بوجنته يجيبها بابتسامة شريرة: - وقلع البنطلون كمان.
سمعت منه لتنسى جميع تحذيراته وتطلق ضحكة صاخبة بصوت لفت انتباه رواد الكافتيريا حولهم، بشكلٍ أثار حميته ليخطف الهاتف منها فجأة ويهدر من تحت أسنانه: - قولتلك وطي صوتك الناس بتبص علينا.

أومأت برأسها وقد أسكتتها نظراته المرعبة، ثم قالت تخاطبه بتردد: - طب اشوف بقية الصور.
رد بحزم وهو يدخل الهاتف في جيب ستريته: - كفاية عليك كدة، الباقي مالوش لازمة أصلًا.

أسبلت أهدابها وهي تزم شفتيها بطاعة جديدة عليها، جعلته يتراجع عن حدته ويتابع لها ناصحًا: - خلي بالك يا غادة مش كل الناس ضميرها سالك عشان تسمع ضحكتك وتسكت أو تنبسط لانبساطك، واحنا مش هنفتش على ضماير الناس، بس ع الاقل نلتزم من نفسنا وناخد بالنا.
أطرقت رأسها بانكسار أظهر تأثير كلماته عليها ليستطرد بمرح: - بس ضحكتك عسل.

اشرق وجهها الذي رفعته أليه مستجيبة بابتسامة لمدحه، وتابع: - بس تضحكيها لوحدك أو في بيتكم، لكن برا لا.
أومأت برأسها كإجابة مع راحة أصبحت تغمرتها بهذا الشعور الجديد عليها، أن تجد من يوجهها بخوف عليها ونية خالصة، ليست بقصد اَخر، والأروع من هذا كله هو الأمان وإحساس الحماية التي يحاوطها به، فقالت تخاطبه بامتنان: - أنا متشكرة أوي يا إمام، بجد مش عارفة اقولهالك على إيه ولا أيه؟

- ولا على اي حاجة، مافيش داعي للشكر أصلًا.
رددت خلفه بتصميم: - لأ في وفي كتير أوي كمان، انا لو قعدت العمر كله اشكرك مش هكفيك ولا اوفي حقك بجد ربنا يسعدك.
أومأ بهز رأسه مع طيف خفيف من الخجل فضحته عيناه التي زاغت مقلتيها في التجول حولها رغم خشونة هيئته، ليزيد من اندهاشها ورؤيتها الجديدة عنه، فتابعت هذه المرة بسؤال: - هو انا ممكن اكلم خلود واصاحبها؟

اجيبها على الفور: - طبعًا دي مش محتاجة استئذان، اعتبريها زي اختك كمان.
ازداد اتساع ابتسامتها لتردف بطلبها الاَخر: - طب انا كنت عايزة اعزمك على فرح خالد خال زهرة، انت أكيد هتيجي طبعًا عشان شغلك مع جاسر باشا، بس انا بقى عايزاك تدخل وتبقى تبع المعازيم.
صمت قليلًا يرمقها باستغراب لتفكيرها في شئ كهذا وتدعوه عليه فقال يجيبها بتحفظ: - ان شاء الله خير وأكيد هاجي طبعًا.

ظهر على وجهها الفرح لتقبله دعوتها، لتنظر بساعتها وتنهض على عجل مرددة: - طب انا هستأذن بقى عشان البريك بتاعي خلص، سلام.
غادرت من أمامه ليجد الفرصة في النظر إليها من الخلف، ترتدي ملابس عادية تليق بالعمل وليست مبهرجة ولا قصيرة بتعمد للفت الأنظار، خطواتها رغم سرعتها لكن مظبوطة من غير ميلان أو ادعاء الدلع، غمغم بصوت خفيض: - الظاهر كدة في أمل إنها تتعدل.

- عجبتك الصورة؟
تفوه سائلًا بها لها وهي واقفه باندهاش أمام الإطار المعلق على الحائط لصديقهم الثالث وشقيق لينا رمزي، اثناء أنتظارهم بغرفة المعيشة في المنزل المتوسط الحال لكن برقي، ردت تُجيبه بشرود: - مش حكاية عجبتني، بس الصورة قريبة من القلب فعلا وكأن الواحد يعرفه من سنين...




التفت أليه تكمل: - مش عارفة ليه بقى؟ يمكن عشان يشبه لينا بلمحة بسيطة او لون العيون المشترك ما بينهم، ولا يمكن عشان يشبهك أنت يا طارق.
عقد جاجبيه يلتف للصورة خلفها ينظر بتمعن ويسألها بعدم تصديق: - في أي حتة بالظبط؟ دا راجل بشعر اصفر وعيون فيرزي، بشرته رايحة ناحية الخواجات، لكن انا بقى مصري في كله، البشرة القمحي والعيون العسلي والشعر الأسود، فين الشبه يا كاميليا؟
- في الروح.

قالتها كإجابة سريعة بدون تفكير لتكمل: - ملامحه الطيبة كدة وهو بيضحك فكرتني بيك،
اومأ بسبابته نحوه مع ابتسامة ماكرة: - انا روحي طيبة؟
- ضحكت تجيبه: - جدًا يا طارق، حتى لو بينت غير ذلك.
تبسم يخفض عينيه يرد بادعاء الخجل: - الله يحفظك يارب ويسعدك وليه الإحراج دا بس؟

قالها وارتفعت رأسه فجأة على ضحكتها التي أطلقتها بحرية وبدون تحفظ، فصمت يشاهدها حتى انتهت لتردف له: - اللي يشوفك وانت منزل عينك كدة يصدق انك بتتكسف هههه
شاركها هذه المرة الضحك مع قوله: - يعني ولا كدة عاجب ولا كدة عاجب.
- وانت من امتى بتعجب حد اصلًا.
قالتها لينا وهي تلج إليهم بخطواتٍِ متأنية ووجه عابس حتى وصلت لترحب بهما بالتصافح وإلقاء التحية، قبل أن يجلسا ثلاثتهم، فبادر طارق بمشاكشتها كالعادة.

- قالبة خلقتك كدة ليه يا زفتة؟ دا شكل تقابلي بيه ناس لاول مرة تدخل بيتك؟
- انت عارف اني مش قاصدة كاميليا.
هتفت بها إليه بابتسامة صفراء قبل تتوجه لكاميليا بقولها: - وانتِ أكيد عارفة اني مش قاصداكٍ صح؟
اومأت برأسها كاميليا لها كإجابة، فتدخل طارق بقوله: - الله، دا انتِ قاصداني انا بقى.
ردت بتأكيد لتخمينه: - أيوة قصداك انت، عشان اللي عملته مع نيازي في المستشفى، هو حكا...

قطعت مجفلة من هيئته وهو يكاد أن يقع على الأرض من الضحك مرددًا: - طب بذمتك دا إسم واحد ترتبطي بيه واحدة؟ حتى اسمه مش لا يق عليكِ يخرب عقلك، لينا ونيازي ههههه
اكمل بالضحك غير قادر على التوقف حتى أصابت كاميليا العدوى على الرغم من محاولاتها للكبت أمام لينا التي كانت تفور غيظًا، وهو ترمقه محدقة به بعضب، حتى التفتت لكاميليا تخاطبها: - عاجبك اللي بيعمله ده؟ وهو بيستهزأ بيا وباختياراتي؟

أجابتها كاميليا بابتسامة تجاهد لكبحها: - انا متسألنيش يا لينا، سيبيني في حالة الذهول اللي انا فيها دي، الشقلبة دي اللي انتوا عملتوها في دماغي، اقسم بالله انا لسة باستوعب أساسًا.
- تستوعبي إيه بالظبط؟ ممكن تفهميني؟

رمقتها كاميليا من اعلى رأسها حتى اقدامها لتُجيبها: - كلك على بعضك يا لينا، اللي يشوفك في الشغل باللبس العصري والمكياج اللي يهبل ولا الشعر الحرير، عكس اللي شايفاها قدامي خالص، البيجاما دي اللي انتِ غرقانة فيها، الشعر المنعكش ولا الشبشب اللي في رجلك، دي مش اللهلوبة خالص يا قلبي.
- نيازي بهت عليها.

هتف بيها طارق ليُشعل غضبها مرة أخرى وهي تجيب كاميليا وتتجاهل استفزازه لها: - اولا دا انا عشان عيانة وعملية وانتِ عارفة طبعًا، وثانيًا بقى عشان في فرق بين الشغل وبين البيت، ما انا قولت امبارح. الشغل دا أكل عيش.
أومأت لها كاميليا تدعي الفهم برغم عدم اقتناعها، وتمتم طارق.
- وحتى لو مش عيانة، برضوا نيازي أثر عليكِ.
زفرت تنفخ بفمها كالأطفال لتردف لكاميليا بسأم: - شايفة استفزازه، قوليلوا يقعد ساكت احسن.

لم تتمكن كاميليا فهي أيضًا كانت تضحك ولا تستطيع التوقف حتى انتبهت على دخول والدة لينا بصنية كبيرة، من المشروبات الساخنة وعدة أطباق من الحلويات، تلقي التحية وهي تضعها أمامهم: - ها يا ولاد عاملين إيه؟
- فل يا أنيسة فل والله.
هتف بها طارق وهو يتناول أحد الأطباق سريعًا بلهفة ليقدمه لكاميليا التي حاولت الرفض: - لأ لا انا مش هشرب ولا هاكل أي حاجة.

خاطبتها المرأة بمودة صادقة تشدد: - لأ بقولك ايه، دي عادة وانا اتعودت عليها مع احبابي بس، يعني مش مع أي حد. ، لمتا تدخلي عندي لازم تشربي الحاجة السخنة او الساقعة وتاكلي معاها الحلويات، ولا انتِ مش معتبرة نفسك من حبايبي.
- لا طبعًا أكيد من حبايبك.

قالتها كاميليا ردًا للمرأة التي أحرجتها بزوقها لتقبل الدعوة وتتناول من طبق الحلوى مع ثلاثتهم طارق ولينا ووالدتها، في جلسة عائلية يغمرها الدفئ الأسري ومشاكسات طارق ولينا الناقمة عليه، لسخريته الدائمة من شاعر قلبها؛ نيازي.

في التجمع التجاري الكبير
وبعد أن انتقت مع لمياء معظم احتياجات الطفل من ملابس، والعاب وبعض الاشياء التي تزين الغرفة، تبقى فقط اَخر محل تدخله معها لاختيار ملابس واسعة لها تناسب وضعها الجديد في الشهور القادمة.
- شايفة يا زهرة، اهو ده هيبقى حلو قوي عليكِ.

قالتها لمياء وهي تفرد أمامها إحدى القطع بصحبة عاملة المحل، تناولته منها زهرة تطالعه بتمعن قبل أن تدلى برأيها: - بس دا ممكن يحزأ عليا شوية، حاسة كدة قماشته خفيفة.
القت نظرة نحوه لمياء قبل ان ترد: - لا يا زهرة انا مش شايفاه خفيف لدرجة وحشة بالعكس، انتِ هتحتاجي الأنواع دي صدقيني.

تدخلت العاملة: - فعلا يا فندم، كل ما الحمل بيكبر كل ما كانت الأنواع دي من القماش مطلوبة اكتر، ودا صنف فاخر مصنوع لراحة المدام الحامل، خصوصًا في الشهور الأخيرة.
أثنت على كلمات الفتاة لمياء لتردف لزهرة: - عندها حق على فكرة، انا باخد بالي، فعلا هو دا النوع اللي سائد كموضة للحوامل الايام دي وبشوفه كتير، ها إيه رأيك بقى؟

اومأت لها رأسها بتعب: - خلاص يا طنت زي ما تحبي، بس مش كفاية كدة بقى، احنا اشترينا كتير اوي النهاردة.
ردت لمياء بإصرار: - لا طبعا كفاية دا أيه؟ انتِ لسة عايزالك كام طقم استقبال، ولا انتِ ناسية ان هتيجي ناس كتير تزورنا.
- اَه.




تفوهت بها باستسلام رغم اعتراضها من الداخل، وذلك لمعرفتها الكبيرة بعدم جدوى النقاش مع لمياء والتي تتعامل مع الوضع وكأنه سيصير غدًا وليس بعد شهور بولادة الطفل، فقالت: - ماشي يا طنت اختاري مجموعة وانا هنقي منهم، بس اسمحيلي بخمس دقايق بس، اعمل مكالمة تليفون.
- تمام، بس متأخريش.
قالتها لمياء لتتخذها فرصة زهرة وتتناول هاتفها لتتصل به.

و في خارج المحل وقفت أمام واجهة العرض الزجاجي، تنتظر إجابة اتصاله، والتي أتت بعد وقت بصوت قلق: - الوو، أيوة يا زهرة، بتتصلي ليه دلوقت؟ في حاجة؟
أجابته بهدوء: - لا مافيش حاجة، أنا قولت بس اطمن عليك، لكن انت بتنهت ليه؟
أجابها على عجالة: - بنهت يا زهرة عشان سيبت الإجتماع المهم وخرجت من الجلسة على اتصالك، خوفت ليكون حصل حاجة.
ردت بلهجة مطمئنة قبل الوصول لهدفها.

- لا الحمد طبعًا اطمن مافيش حاجة، انا بس قولت اسألك عن الشركا وعن الجلسة.
- بعدين يا زهرة بعدين، هقولك على كل حاجة، سبيني دلوقت ارجعلهم، مصطفى لوحده بيتفاوض معاهم جوا.
هتف بها وهمَ لأنهاء المكالمة ولكنها لحقته بقولها: - طب دقيقة بس يا جاسر هاسألك قبل ما تقفل.
تنهد بسأم يجيبها: - لخصي يا زهرة وقولي بسرعة.

عضت على شفتيها بحرج قبل أن تسأله بتردد وصوتٍ خفيض: - بعد ماشوفت الوفد كدة بنفسك وقعدت معاهم، هما بينهم ستات؟
شعرت بضحكته رغم صدورها من غير صوت، ليردف لها باقتضاب قبل ان يغلق الهاتف: - هبقى اقولك بعدين، سلام بقى.
نظرت لهاتفها الذي انتهت به المكالمة، لتتمتم بالكلمات الحانقة عليه وعلى مرواغته الدائمة لها، لتختم بتوعد: - ماشي يا جاسر.

قالتها والتفت لتستدير، فارتدت منتفضة للخلف برؤية اََخر شخص تود رؤيته الاَن وفي أي وقت، واقفًا أمامها بهيئته القبيحة ونظراته الوقحة وكأنها تجردها مما ترتديه: - إنت ايه اللي موقفك هنا قصادي يا حيوان؟
قالتها بقوة تدعيها رغم الرعب الذي يسطير عليها بداخلها، سمع منها وتبسم لها بسنه المكسور ليرد بعدم اكتراث: - انا واقف بقالي وقت هنا من ساعة ما شوفتك، بصراحة مقدرتش امنع نفسي، وحشتي عمك فهمي يا زهرة.

بداخل السيارة العائدة بهم للشركة، كانت ما تزال لا تستطيع التوقف عن الضحك معه، كلما تذكرت مشاكساته مع لينا التي تدافع بشراسة عن شاعرها المجنون ولا تتحمل عليه نقد: - حرام عليك اللي عملته فيها والبنت تعبانة أساسًا، دي هتكرهك بجد على فكرة.

مط بشفتيه يدعي التأثر وهو يقود السيارة بجوارها، ليقول: - عارف اني زودتها عليها، بس انا كمان معذور يا كاميليا، نفسي الاقي ميزة واحدة في الولد ده لكن مش لاقي، دا حتى اسمه...
توقف على مقاطعتها له مكملة من بين ضحكاتها: - لينا ونيازي ههههه كل ما افتكر شكلها وهي بتنفخ زي القطة الشرسة اللي عايزة تهجم عليك في أي لحظة ههههه فظيعة، بمجرد بس ما تجيب سيرته، دي شكلها بتحبه بجد باينها!

أومأ لها يردف وقد توقفت ضحكاته: - يا خوفي ليكون بجد يا خوفي.
توقفت هي الأخرى لتسأله: - يا خوفك ليه بقى؟ مش دا اختيارها وهي حرة.
- هي فعلا حرة.

تفوه بها قبل أن يلتف إليها برأسه متابعًا: - بس بقى لو حصل وأصرت على اختيارها ده، طبعًا انا مش هقدر اعترض على اختيارها، وهضطر اقبل بيه وأرحب، لا دا كمان ولو وصلت لكتب الكتاب هبقى وكيلها، بس كل ده هيبقى غضب عني، عشان بصراحة مش عجبني طريقة تفكير الولد، بس لازم اقف جمبها.
تسمرت قليلًا تستوعب كلماته قبل أن تسأله: - لدرجادي انت بتحبها؟

أجابها على الفور بدون تفكير: - ما انا قولتلك قبل كدة يا كاميليا، لينا اختي.
شدتها العبارة وهي تستشعر صدق ما يقوله من واقع ما التمسته بنفسها ورأته في تعامل الإثنان مع بعضهما بالإضافة إلى حنان المرأة والدة لينا معه وكأنه من الأسرة بالفعل، غلبها الفضول وهمت لتسأله عن طفله الذي يتركه وحده بدون أب تربيه عائلته المهاجرة في دلولة أخرى، كما أخبرها كارم ولكنها أجفلت على توقف السيارة متمتمًا: - خلاص وصلنا.

ليتبع قوله بغمغمة واضحة: - ودا من امتى رجع من سفره؟
انتبهت على جملته فانتقلت عينيها إلى ما ينظر إليه أمامها، لتفاجأ بجلوس زوجها المستقبلي أمامها على مقدمة سيارته، بهيئته البراقة دائما ونظارة شمسية أكملت المشهد،
تناولت حقيبتها واستأذنت مغادرة على الفور من السيارة، فخطت حتى توقفت أمامه تبادر بإلقاء التحية: - مساء الخير يا كارم، حمدلله ع السلامة، انت رجعت امتى؟

اعتدل عن جلوسه بتأني ليقبلها على وجنتيها بابتسامة مريبة: -الله يسلمك يا روحي، وحشتيني، وحشتيني أوي يا كاميليا.
- وانت اكتر، ما قولتش يعني انك راجع النهاردة.
قالتها بمجمالة قبل سؤاله وهو أجاب: -حبيت اعملهالك مفاجاة، انا جيت من المطار على هنا على طول.
أومات برأسها ترد بشبه ابتسامة: - حمدلله على سلامتك مرة ثانيه، طب اطلع معايا المكتب بقى، على ما اخلص الحاجات اللي في أيدي.

تبسم لها يلقي نظرة على طارق الذي كان يركن سيارته التي خرجت منها هي منذ قليل، ليسألها: - هو انا غيبتي طولت اوي لدرجادي يا كاميليا؟

تعليقات



×