روايه مصاص دماء الفصل الواحد و الخمسون والاخير بقلم غزلان
في تلكَ الليلة الهادئة قد غفت الصغيرة براحة متناسية ألم بطنها و تعب جسدها
و الفضل يعود للغرابي الذي منحها بعض الإهتمام و الدفئ من خلال نومه بقربها
وها هو ذا صباح اليوم الجديد يحل سريعاً
وخلال الساعة الخامسة صباحاً
كان جيون قد غادر سرير الصغيرة و حمل معه كتابه الذي سرقته منه إميليا
وغادر غرفتها نحو أشغاله
..
الجو هذا الصباح كان غريباً بعض الشيء
حيث أن السماء كانت غائمة وبشدة
لم تتساقط أية أمطار ولا وجود لرياح حتى !
فقط الجو قاتم و ساكن للغاية
هدوء ما قبل العاصفة ربما ..
القصر كان هادئاً للغاية و مساعدي جيون جميعهم قد خرجو دفعة واحدة قبل فترة
سوى من ألبرت الذي ظل في القصر مع عدد كبير من الحراس المحيطين بكل ناحية من الأبواب و المداخل
حتى الغرابي قد غادر كذلك
الصغيرة قد إستيقظت منذ فترة وهي الآن تسير في أروقة القصر بإستغراب شديد من هذا الهدوء الغريب
لا تنكر أنها بدأت تشعر بالخوف وعدم الأمان
أخذت خُطاها نحو المطبخ كما كل يوم
تنهدت أخيراً ببعض الراحة حينما وجدت أن الخدم جميعهم مجتمعون هناك
ذكوراً و إناثاً بثيابهم الموحدة
حالما دخلت الصغيرة حتى أشارت العجوز ماري لها بالجلوس قرب المائدة المملوءة بالأطعمة المتنوعة
جلست بالفعل و بدأت بمشروب الأعشاب قبل أي شيء
فهي لاتزال تشعر ببعض الألم الطفيف
"أين الجميع؟"
نطقت توجه حديثها نحو العجوز التي جلست على أحد الكراسي بينما تدلك كتفها بإرهاق
خرجوا جميعاً"
"إلى أين؟"
"أعلِنت الحرب ضد مملكة العدو جانغ"
تركت الصغيرة مابين يداها ببعض القلق
لم تتوقع حلول حرب ثانية و مجدداً
"لكن لماذا؟!"
زفرت العجوز أنفاسها بضيق
لكنها مضطرة على الإجابة على كل سؤال تنطقه الصغيرة
فهي تعلم جيداً أنها لن ترتاح حتى تعلم بكل شيء
"أمس، حاول بعض من رجال تلك المملكة إقتحام القصر، وإستطاع الملك الإمساك بهم"
أذلك ما يفسر غضب جيون أمس و مظهر تلك الدماء التي كانت تلوثه ؟
"هل المملكة العدوة قوية؟"
"جداً"
جيون أقوى منها صحيح
"لا أدري إميليا، لطالما كانت مملكة جانغ من أقوى الممالك سابقاً، ولم تخض مملكة جيون نزالاً ضدها من قبل، لذا لا أحد يعلم مدى قوتها"
"لكن جانغ قُتل على يد جيون!"
"جانغ ليس الحاكم، هو مجرد تابع ضعيف"
خللت الصغيرة أنامل كفها بين خصلات شعرها الطويل ببعض القلق
لم تتخيل يوماً أن هذه المملكة تحمل كل تلك المشاكل و الحروب
كما أنها قلقة حول جيون
فقد لاحظت مؤخراً تعبه الواضح
وكانت أول مرة تراه متعباً أو مرهقاً..
"بالتأكيد الملك جيون سيهزمهم!"
قاطع الصمت صوت جُوِيل
والتي هي إحدى الخادمات
كانت تشع عيناها بالعزم و القوة
هي واثقة للغاية في مدى قوة الملك
إبتسمت إميليا نحوها بهدوء مؤيدة لقولها
هي الأخرى واثقة بقدرات جيون
فكلما سمعت إسمه حتى تذكرت اليوم الذي حطم فيه الشجرة الضخمة بقبضة يده فقط
..
مرت ساعتان بشكلٍ ثقيل للغاية
إميليا لا تزال في المطبخ مع جميع الخدم
حيث أنهم جميعاً مجتمعون
البعض يتبادل الأحاديث و البعض الآخر منشغل بالقيام بأي شيء عشوائي لتمضية الوقت
الصغيرة شاردة في الفراغ طوال الوقت
هي فقط قلقة وللغاية
يمكنها ملاحظة توتر و خوف الجميع
فتلكَ الحرب قاسية للغاية
ولا أحد يعلم ما قد يحدث
بعثرت الصغيرة نظرها حول الجميع
أليس لم تكن من بينهم
هي مختفية منذ آخر مرة رأتها فيها حيث الزنزانة
لاتزال غاضبة منها لكنها في ذات الوقت قلقة من عدم ظهورها هذا
فلم تكن تراها في أي عمل أو حتى تظهر ولو بالصدفة
كما لو أن الأرض قد إنشقت و إبتلعتها
ما يخيفها أكثر أن أليس بالتأكيد تشعر بتأتيب الضمير بالإضافة إلى موت الرجل الذي أحبته
حشرت الصغيرة وجهها بين كفاها الرقيقة وهي تعض شفاهها بقسوة
تشعر بكونها ستنهار للغاية
و معدتها تؤلمها بشدة و تأبى التوقف رغم كل الأعشاب و المسكنات التي تناولتها
حملت ثقل جسدها ببطء ثم غادرت المطبخ وهي تسند نفسها على جدار الأروقة الباهتة و خصلات شعرها الطويل قد غطت ملامح وجهها بالكامل
"إميليا!!؟"
رفعت نظرها بهدوء نحو ألبرت الذي كان يركض بإتجاهها حالما لمح هيئتها المتعبة
"أنتِ بخير؟!"
نطق بقلق وهو يحاول إسناد جسدها
لكنها رفعت كفها نحو وجهه تمنعه من الإقتراب منها أكثر
لا تود قربه..
"أنا بخير"
"لا تبدين كذلك!، دعيني أساعدكِ لتـ.
ألبرت !!"
صرخت الصغيرة نحو الأشقر بنفاذ صبر
مزاجها ليس جيداً و إلحاح الآخر كان مزعجاً
هي تشعر بصداع شديد
رفقة آلام معدتها و جسدها بالكامل
زفرت أنفاسها بضيق قبل أن ترفع رأسها بالكامل نحو ألبرت الذي ينظر نحوها بقلق و عيناه تلمع بشدة
عيناه تشرح كل ما يشعر به..
"آسفة، لم أقصد.."
نطقت الصغيرة أخيراً وقد شعرت ببعض النغزات في قلبها
ألبرت شخص لطيف ولا يستحق معاملتها السيئة ..
"لا بأس أنا أتفهمكِ"
ويال المشاعر السلبية التي قد هاجمت قلب الصغيرة
ويال نقاء و حنية قلب ألبرت !
حاولت إميليا إكمال سيرها نحو غرفتها
لكن ذات الجسد الصغير قد أوقفتها حينما عانقتها بقوة شديد
كانت الطفلة بيلي المبتسمة
إبتسمت إميليا بخفوت نحوها
فقد أصبحت مثل طفلتها الصغيرة
و تقضي الكثير من الوقت معها
حتى أن بيلي صارت متعلقة بإميليا لدرجة كبيرة
"بيلي لمَ لستِ مع جدتكِ؟"
"مللت"
رفعت إميليا كفها الرقيقة نحو رأس الطفلة لتبعثر خصلات شعرها ثم تنحني نحوها ببطء محاولة ضبط ملامح وجهها و عدم إظهار تألمها
"المكان هنا غير آمن عليكِ، عودي لجدتكِ و سآتي لكِ بعد قليلا، حسنا ؟"
"حسناً"
نطقت الطفلة بصوتٍ خافت ثم غادرت وهي تنظر نحو إميليا بأعين متوسعة و هادئة
حسناً، إميليا قد إعتادت على تصرفات الطفلة الغريبة بالفعل
ولم تعد تواجه مشكلة معها
فحسب ما فهمته أن الطفلة تعاني من التوحد و أمراض نفسية
أخرى
بالإضافة لأنها تحمل بعض القوى السحرية
ما يجعلها ذات تصرفات غريبة
إستقامت إميليا في وقفتها وهي تنظر نحو ألبرت الذي كان متجمداً مكانه بأعين مرتبكة وهو ينظر نحو النافذة الكبيرة و المطلة خارجاً
ناظرت الصغيرة المنظر خارجاً بدورها
لتتفاجئ بذلك الشعاع القاتم و المندفع نحو القصر بسرعة هائلة
لم تكد تستوعب ما حولها حتى إصطدم ذلك الشعاع مع جدار القصر الخارجي مسبباً جعله حطاماً وقد إندفع الغبار و الحجارة الخاصة بالجدار نحو الصغيرة و ألبرت
إستطاع الأشقر تمالك الموقف و سحب الصغيرة معه بعيداً عن الحطام قبل تلقيها للأذى
صوت التحطم قد دوى في القصر بأكمله مفزعاً الخدم
"م..ماكان هذا.."
نطقت الصغيرة بصوتٍ مرتجف وهي تحاول تمالك نفسها و الإبتعاد عن ذراعي ألبرت التي تحيطها
تراجعت للخلف حينما لمحت ألبرت يخرج سيفه من غمده و قد إحتدت عيناه الحمراء بينما ينظر نحو مجموعة من الرجال الملثمين بالسواد و هم يتقدمون نحوه
لم يكونوا من المملكة قطعاً
"إميليا ! غادري من هنا بسرعة"
هسهس ألبرت بكلماته نحو التي قد شُلت تماماً، لا يمكنها الشعور بقدماها من فرط خوفها من أولئك الرجال
فلم تكن لهم أي ملامح !
مجرد هيئة شديدة السواد بعيون حمراء مضيئة !
تراجعت للخلف أكثر تحاول الركض بعيداً حينما بدأ ألبرت قتالهم
كان عددهم كبير للغاية
إلى أن ألبرت كان قوياً للغاية
وكيف ألا يكون كذلك وقد تدرب على أيدي جيون نفسه ؟!
ركضت الصغيرة بكل قوتها المتبقية نحو غرفة جيون، لن تجد
الأمان سوى في غرفته
لكنها وقبل أن تصل إلى هناك قد شهقت بخوف من أحد أولئك الرجال يعترض طريقها و يتقدم نحوها و بين يداه قطعة معدنية حادة
الصغيرة في أقصى مراحل ضعفها الآن
وليست قادرة على الدفاع عن نفسها
أو حتى المقاومة
أغمضت عيناها بقوة وهي تتراجع للخلف حينما إنقض الرجل عليها بسرعة و هو يوجه القطعة المعدنية الحادة نحوها
في تلك اللحظة..
كل ما سمعته هو صوت خطوات أقدام سريعة ثم شهقة خافته و متألمة
لحظات صمت عدة قد حلت ..
وهي لا تشعر بأي ألم..
لكنها تشعر جيداً بشخص يقف أمامها مباشرة
شدت يداها حول طرف قميصها ثم فتحت عيناها ببطء شديد
توسع بؤبؤ عيناها بشدة حينما وجدت صاحبة الشعر البني الطويل تقف أمامها
أليس !
أليس قد وقفت أمامها و تلقت الضربة مكانها
بدأت قطرات الدماء الحمراء الصافية تتسرب و تلوث الأرضية الرخامية
تلك القطعة المعدنية الحادة كانت تخترق جانب معدة أليس
بينما سيف كبير بين يديها و الذي قد حشرته حيث موضع قلب الرجل
وقع جسد الرجل تزامناً مع إفلات أليس للسيف الذي بين يداها
ثوبها الأبيض قد تلوث بدمائها النقية
"أ..أليس.."
لم تمر سوى ثواني قليلة حتى هوى جسد أليس أمام الصغيرة المصدومة
الدماء لا تتوقف عن التسرب من جانب معدة أليس بشكل مهول
حتى أن حذاء الصغيرة و طرف بنطالها الواسع قد تلوثا بالفعل
إنهار جسد الصغيرة بهستيرية نحو الأخرى
"أليس.. !! أليس!!"
صرخت إميليا بصوت مرتجف وهي تضع رأس أليس فوق فخذاها و الدموع قد بدأت بالتسرب و بشكل غزير من عيناها المتوسعة
أما أليس فقد كانت تغمض عيناها و بعض الدموع تنهمر بسكون، كانت تبتسم بخفوت و ملامح وجهها تنكمش بألم بين الحين والآخر
هي سعيدة أنها أنقذت الصغيرة..
وضعت إميليا يداها المرتجفة حيث الجرح العميق تحاول إيقاف الدماء عن التسرب لكن ذلك لم يجدي نفعاً
لا يمكنها رؤية رفيقتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة
لا يمكنها !
شعرت بأذرع قوية تلتف حولها ثم تحملها بعيداً عن جثة أليس الهادئة
كانت الصغيرة تحاول الإفلات من يدي الغرابي الذي قد حملها وهو يركض بعيداً بها
صراخها قد ملئ الممرات بينما تنظر نحو ملامح أليس التي سكنت تماماً معلنة عن مفارقة روحها لجسدها
إنهارت إميليا تماماً بين ذراعي جيون
تشعر أنها غير قادرة على التنفس
أما جيون فهو يضم جسد صغيرته بين ذراعيه بينما يركض
بسرعة خاطفة خارج القصر
ملامحه كانت حادة للغاية بعيون حمراء قرمزية و هيئة أقل ما يقال عنها أنها كانت مخيفة
هو غاضب للغاية كون عدوه قد غدر به و هاجم قصره أثناء نزالهم
لقد توقع ذلك ما جعله يترك الحراس و ألبرت للحماية
لكنهم كانو ضعفاء للغاية أمام مكرهم ..
قد ترك الحرب ثم عاد بأقصى ما لديه
فقط ليبعد صغيرته عن الأذى
كل ما يفكر فيه الآن هو تأمين حياتها
مُقرراً إعادتها لعالمها
على الأقل للوقت الراهن
فلا مكان أكثر أمان لها سوى عالمها
كانت الصغيرة تحشر ملامح وجهها ضد صدر الغرابي العريض بينما تتشبث بأطراف قميصه
شاعرة بحركاته السريعة للغاية
دموعها لم تتوقف للحظة واحدة
هي تود أليس ..
لا يمكنها تقبل وفاتها
و السبب يعود لها
كانت تفضل تلقي الضربة تلك بدل تضحية أليس بحياتها من أجلها
وما يجعلها منهارة أكثر..
أن أليس فقدت حياتها قبل أن تصالحها إميليا و تنسى غضبها منها
وحتى قبل أن تحضنها أو تودعها ..
لمَ لم تسامحها تلك المرة فقط و تنهي الأمر ؟! المرء يخطئ دوماً وذلك أمر طبيعي مهما كان
لكنها فقط كبرت الموضوع ..
غدرت بها أليس صحيح
لكن إميليا أيضاً خدعتها سابقاً
هما متعادلانِ
إميليا ليس الضحية
وليست المظلومة
هي فقط ذات كبرياء عالٍ
جسدها منهك للغاية
ما جعلها تغمض عيناها بهدوء مستسلمة للنوم بين أذرع الذي لا يتوقف عن الركض منذ دقائق
لا تعلم إلى أين هو ذاهب بها
لكنها غير مهتمة..
...
الساعة الثامنة صباحاً..
أشعة الشمس الحارة تخترق نافذة تلك الغرفة الهادئة و العصرية
وتلك الستائر الشفافة قد تحركت ببطء جراء نسمات الرياح الدافئة و الخفيفة
في ذلك السرير الأبيض يقع جسد ذات البنية الصغيرة وهي منكمشة حول نفسها
رفرفت عيناها ببطء ثم تحركت تستدير للجهة الثانية وهي تحاول تفادي أشعة الشمس المزعجة
حدقت حيث خزانة الثياب و تلك المزهريات الزجاجية الملونة
المكان يبدو مألوف للغاية لها
إستقامت بسرعة تحدق في غرفتها
هي في عالمها البشري..
حالما حاولت الوقوف من مكانها حتى وقعت عيناها المرتبكة
على ألبرت الذي يجلس في الزاوية و يسند خده على ذراعه و عيناه مسلطة نحو الشارع الهادئ خارجاً
كان بثياب مختلفة عن المملكة
حيث يرتدي قميص أبيض ذو أزرار رفقة بنطال أزرق اللون و يسرح شعره الأشقر للجانبين
كان يبدو مثل أحد سكان المدينة
"ألبرت !"
نطقت الصغيرة وهي تبعد الأغطية الخفيفة عنها و تقف متجهة نحوه
قد إنتبهت أن ثيابها قد تغيرت من خاصة الأمس إلى فستان قمحي اللون و فضفاض
لم يلتفت ألبرت نحوها رغم صوتها الذي كان مرتفعاً
هو فقط كان يستمر في التحديق خارجاً بملامح هادئة للغاية
جلست الصغيرة على الأرضية الصلبة أمامه بينما تهز كتفاه بقوة، هي قلقة للغاية و منهارة
يكفيها ما حصل أمس
ألبرت !! أنا أتحدث لك !! لما أنا هنا وماذا حدث للمملكة ؟!!"
إلتفت الأشقر نحوها أخيراً
لكن عيناه كانت منطفئة، لم تكن تحتوي على تلك اللمعة المعتادة
"جيون من جلبكِ هنا، تفادياً لأي أذى قد يحصل لكِ بسبب الحرب"
"ولكن لمَ أنت هنا؟؟"
"لِحراستكِ إلى حين عودته"
تحدث بهدوء قاتل وهو يستقيم
و إتباعاً له قد إستقامت الصغيرة هي الأخرى
شردت للحظة في الجدار
قبل أن ترفع عيناها المحمرة بعض الشيء نحو ألبرت
"أعدني"
"ماذا؟"
"أعدني للمملكة ! لا أود البقاء هنا"
"تلك أوامر جيون"
"لا يهمني!! فقط أعدني بحق الجحيم!!"
قد نفذ صبرها و صرخت بصوتٍ مرتفع للغاية بينما الدموع قد بدأت بالتسرب من عيناها بغزارة
لمَ الأمور لا تسير على خير دوماً ؟!
كانت بخير قبل يومٍ فقط ..
أدارت رأسها بسرعة نحو باب غرفتها الذي قد فُتح و إندفع والداها للداخل بسرعة
يمكنها رؤية ملامحهم المصدومة
فكيف لإبنتهم المختفية منذ فترة الظهور مجدداً وفي غرفتها بهاذا الشكل الغريب
شهقة متفاجئة قد غادرت شفاه والدتها بين تضع يدها على فمها بعدم تصديق أما والدها فقد كان موسعاً لعيناه فقط
أعادت إميليا نظرها نحو ألبرت بسرعة
لكنها تفاجئت من المكان الفارغ من حولها
لقد إختفى تماماً
وذلك جيد فقد خافت للحظة من رؤية والداها له
حاولت التراجع للخلف بعيداً عن موقعها لكنها توقفت مكانها بسبب والدتها التي إنقضت عليها بحضن قوي للغاية بينما شهقاتها قد تعالت في الأرجاء
ولم يمضي سوى ثواني حتى شارك والدها في العناق هو الآخر
لم تكن الصغيرة تشعر بشيء
هي فقط تنظر بعيون حادة نحو شقيقتها الكبرى التي تطل عليها برهبة من خلف الباب
باتت تخاف من إميليا بعد تلك الليلة
فمنذ ذلك الوقت و الكوابيس الكثيرة تطاردها
كما لو أنها تحاول إبقاء فمها مغلقاً
فهي الوحيدة العالمة بالحقيقة وراء إختفاء إميليا طوال تلك الأيام السابقة و حتى الحالية
شعرت تمارا بالخوف من نظرات إميليا الحادة ما جعلها تتراجع للخلف و تركض من هناك نحو غرفتها سريعاً
..
نصف ساعة كاملة قد مرت و إميليا جالسة على طرف سريرها شاردة الذهن
بينما والدتها محتضنة إياها بقوة و والدها يمسح على خصلات شعرها بلطفٍ شديد
"غادراَ"
وجهت الصغيرة حديثها الخافت نحو والداها اللذان نظرا لبعضهما بقلق قبل أن تقبل والدتها جبينها ثم يُغادرا
قد قررا تركَ طفلتهم وشأنها رغم كل الأسئلة و الاستفسارات التي يودون معرفتها حول إختفائها
وقفت تنظر لفستانها بهدوء شديد
تستطيع و بوضوح الشعور بعطر الغرابي عالق على قماشه
متيقنة أنه من قام بتغيير ثيابها ثم تخلص من التي كانت ترتديها
و بالتأكيد حتى لا ترى دماء أليس العالقة عليها..
سارت بخطواتٍ بسيطة نحو خزانة كتبها المدرسية و مستلزماتها
سحبت ذراع درج الخزانة ثم إمتدت يدها الرقيقة لتحمل ذاك الكتاب القديم و المتحدث عن مملكة مصاصي الدماء
لازال في غرفتها فقد نست إعادته لمكتبة ثانويتها، ولا شكّ أن المسؤولة عن المكتبة غاضبة منها .. رُبما
ألقت الكتاب بين ذراعي ألبرت الذي قد ظهر مجدداً منذ مغادرة والدي الصغيرة الغرفة
"أتستطيع فهم تلكَ اللغة؟"
"أجل"
"ماهيتها؟"
"هي لغة خاصة بالمملكة، تُستعمل في أوقات معينة، مثل تشفير الرسائل السرية"
همهمت إميليا وهي تلقي ثقل جسدها المنهك على كرسيها الخشبي و القابع قرب مكتبها الصغير
"ولمَ الكتاب في عالم البشر؟"
وجهت كلماتها نحو الأشقر الذي يتصفح الكتاب بهدوء و يقرأ بعض من كلماته
"وصل هناَ بسرية، كتبه بشري عاش معظم حياته في المملكة و تعلم اللغة.. كما يبدو أنه قد لقي حتفه بعد كتابته للكتاب مباشرة"
"وما محتوى الكتاب؟"
تفاصيل كثيرة عن المملكة و مكان البوابة، كذلك قد تحدث عن الملك السابق لها، والد جيون"
إقترب ألبرت ليجلس على طرف سرير الصغيرة بينما يستمر في قراءة الكتاب
"ماكانت صفات والد جيون؟"
"وحشية"
توسعت أعين إميليا رغبة في معرفة المزين و المزيد
"لكن جيون ليس سيئاً!"
"جونغكوك، مناقض لوالده تماماً"
عم الصمت للحظات قليلة
فالصغيرة قد شردت مجدداً
جيون لطيف حقاً رغم القسوة التي تغطي مظهره الخارجي
طيب القلب لكنه سيء التعبير
"ألبرت.."
"نعم؟"
"ما أحوال المملكة؟"
تنهيدة مهزوزة قد غادرت صدر ألبرت
بينما رفع يده ليدعكَ جبينه
قبل أن يرفع عيناه نحو الصغيرة بينما يحاول عدم إظهار ملامح وجهه المنزعجة
"ليست جيدة تماماً"
"ما قصدك ؟! هل حدث أي شيء؟!"
"قد إنقلبت جميع الممالك الأخرى ضد جيون، هي مؤامرة، فقد تحالف الجميع مع مملكة العدو"
"أيعني أن جيون في خطر ؟!!"
"أنا واثق من أن جيون قادر على محو جميع الممالكِ بدون مساعدة، لكن المشكلة في سكان المملكة فقد أصيب عدد كبير منهم بسبب عدم قدرة الحراس و المساعدين على حماية الجميع"
"يا إلهي !"
شدت الصغيرة خصلات شعرها بين كفيها بينما تناظر الأرض بقلق كبير
منذ متى تخاف على سكان المملكة؟!
هل أصيب أحد المساعدين ؟"
"الكثير، هيلينا و جاكِي، راڤ، بيلين، وحتى زوراَ.. جميعهم تلقوا إصاباتٍ ليست ببسيطة"
وعلى ذكر إسم زوراَ قد إنتفض جسد إميليا لتقف بسرعة من مكانها ثم تقف أمام الأشقر بملامح خائفة للغاية
زوراَ ! ماذا جرى لزوراَ !!"
"لاشيء خطير، فقط إصابة في قدمها"
أي حظ هذاَ ؟
أولاً بداية الحرب الجديدة
ومن ثم موتُ أليس
ثم تحالف الممالك ضد جيون
و الآن إصابة زوراَ رفقة المساعدين
لايمكنها تحمل المزيد
ستنهار في أية لحظة
هي بحاجة للغرابي
توده بجانبها..
لكنه في نزاعٍ عظيم الآن
والقلق ينهش قلبها
رُبما يُصاب !
أو رُبما يُهزم أمام العدد الهائل الخاص بجنود الممالك كلها !
لكنها واثقة منه
واثقة جداً في قوته و قدرته
واثقة أن لاشيء أقوى منه !
"ألبرت عد أرجوك للمملكة و قف بجانب البقية"
"ذلك يعني كسري لأوامر جيون!"
"أوامره ليست مهمة الآن، فقط عد، أنا بخير هنا مع عائلتي و عالمي"
"حسناً.."
تنهد ألبرت ثم إختفى من المكان بلمح البصر أمام أنظار التي قد ألقت جسدها بين أغطية سريرها وقد بدأ التفكير يحتل عقلها مجدداً
إلى أن غفت
ومن دون أن تشعر حتى
وماهي سوى دقائق حتى أتت والدتها لتفقدها
وقد جلست على طرف السرير تحدق بملامح وجه طفلتها الساكنة
لا تعلم ما يحل بإبنتها
تود فقط لو تعلم أين كانت وأين إختفت في تلك الغابة
تشعر بندمٍ شديد حيال معاملتها السابقة لإبنتها الصغيرة
ففي النهاية ستظل أم
أم تخاف على أطفالها مهما كان الوضع
نهضت تغلق ستائر النافذة
حتى لا تزعج أشعة الشمس قيلولة صغيرتها
ثم غادرت و أغلقت الباب خلفها بهدوء
..
_ الواحد و العشرين من شهر أغسطس
ثلاث أيام كاملة قد مرت منذ آخر مرة رأت فيها إميليا ألبرت أو سمعت أي خبر عن المملكة أو حتى عن حال جيون
حاولت خلال تلك الأيام البحث عن طريقة للعودة للمملكة بشتى الطرق
لكنها لم تعثر على البوابة أو حتى سبيل ليفيدها
فقدت القليل من الأمل
كما أن القلق و الخوف دمر قلبها
هي خائفة من أن حيون أو المملكة قد حدث لها مكروه
و خائفة أكثر من عدم عودة ألبرت لها
رغم أنه قد أخبرها بكونه سيعلمها بكل شيء يحدث
لازال لديها أمل كبير بأن جيون سيأتي قريباً ليعيدها له
مهما طالت الأيام سيعود ..
...
حيث تلكَ الشوارع المليئة بالبشر
يسيرون هنا وهناكَ و السيارات تمر من خلال الطرق العديدة
بين الجميع ..
تمشي تلك الصغيرة ذات الفستان الزهري اللطيف و الشعر المنسدل
ملامحُ وجهها مزينة بقليل من مستحضرات التجميل بألوان ناعمة
تتمشى في الأرجاء بغير وجهة
فقط تحاول تغيير الجو الكئيب الذي أصبحت تعيشه مؤخراً
توقفت أمام محل ذو واجهة زجاجية يظهر من خلالها ثياب و مستلزمات خاصة بالأطفال الرضع
هي و فجأة تذكرت قول جيون
(مسؤولية إنجاب طِفلي)
تبسمت بهدوء رغم ملامح وجهها المرهقة قليلاً
أحقاً ستكون أم طفل جيون المستقبلي ؟
رفعت كف يدها الرقيقة تناظر الخاتم اللامع و المزين لإصبعها
زفرت أنفاسها الخفيفة ثم أكملت سيرها
لكنها توقفت تشعر بقلبها ينبض بقوة هائلة حالما وقعت عيناها على تلك الهيئة
رجلٌ ذو ثياب قاتمة و معطف طويل أسود
قبعة بذات اللون تغطي ملامح وجهه
و خصلات غرابية تتطاير ببطء مع الرياح الخفيفة
بنية ضخمة و يداه محشورة داخل جيوب المعطف
رفعَ الرجل ملامحه للأعلى لتظهر تقاسيم وجهه بوضوح
عيون قاتمة و إبتسامة جانبية
كذلك ندبة تتوسط خده !
كذلك ندبة تتوسط خده !
"ج.. جونغكوك!!؟!"
نطقت الصغيرة بصوتٍ مرتجف و غير مصدق بينما أخذت تتقدم نحوه أكثر فأكثر
إرتجفت جميع حواسها حينما سمعت صوتهُ الثقيل و الهادئ
"كما قلت سابقاً، الزهري يليق بكِ"
لم تلبث إلا وقد قفزت سريعاً بين ذراعيه في حضن قوي و قد بدأت دموعها الهطول و بغزارة
غير آبهة لكل تلك الأنظار التي توجهت لهما من قبل الناس المارين
تشعر بذراعيه تلتف حولها
و أنفاسه تصبحُ قريبة منها
ذالك هو النعيم ..
الجميع يعتقدُ أنهما مجرد عاشقين إلتقياَ بعد فراق طويل
لكن لا أحد منهم يعلم أن الرجل الذي يحتضن الصغيرة هو ذاته صاحب غابة الموت، و سافكَ دماء كل من تطئ قدمه أرضها
ومن فوق كل هذا
هو مصاص دماء
عفواً، قصدتُ مَلِك مملكَة مصاصِي الدماء
انتهت احداث الرواية نتمنى ان تكون نالت اعجابكم وبأنتظار اراؤكم فى التعليقات وشكر
لزيارة عالم روايات سكير هوم
لمتابعة روايات سكيرهوم زوروا قناتنا على التليجرام من هنا