رواية احفاد الجارحي 5الخاتمة 4 بقلم اية محمد رفعت


 

رواية احفاد الجارحي 5الخاتمة 4 بقلم اية محمد رفعت

 

طاولة فخمة طويلة، تحمل أفخم أنواع الأطعمة والعصائر، ومن حولها المقاعد المطعمة بالستان الأسود الباهظ، ستائر النوافذ المحاطة بغرفة الضيافة السفلية تحمل نفس لون المقاعد، وعلى مقدمتي الطاولة جلس ياسين الجارحي من طرف والمقدمة الأخرى يحيى، ومن بينهما الشباب بأكملهم دون وجود الفتيات بضيافةٍ تخص الأغراب، امتلأت القاعة بشباب عائلة الجارحي، على جوانب الطاولة وعن يسار ياسين كان يجلس رحيم زيدان وعن يمينه الجوكر المزعوم، ومن جواره جلس عدي لقربه من مراد، بالرغم من صداقته التي تشمل كلاهما ولكن سيظل مراد الأقرب إليه لتشابه خصالهما، الأغلب بينهم تآلق بالحلى الرسمية السوداء، حتى الفتيان، وخاصة زين وياسين الجالسان جوار يحيى بنهاية الطاولة.

 انطلق آذان المغرب ليبدأ الجميع بكسر صيامه، فقام حازم بتوزيع التمر عليهم جميع. اتباعًا لسنةٍ رسول الله الكريم (عليه أفضل الصلاة والسلام). 

جذبوا أكواب العصائر والمياه لكسر صيام يومًا شاق، وأشار ياسين بيده مردفًا: 
_اتفضلوا. 
منحه رحيم بسمة هادئة وبدأ بتناول الطعام المقدم من أمامه، بينما تابع مراد بمزحٍ يخص رفيقه:
_كل واشبع من الأكل البيتي كلها كام يوم وهنسافر. 
تساءل عمر بدهشةٍ: 
_يسافر فين؟ 
رد عليه رحيم وهو يلوك قطعة اللحم: 
_عندنا مهمة برة البلد ولأول مرة هنجتمع فيها مع بعض. 
بدت الدهشة جلية على وجه أحمد، الذي ردد: 
_بس تخصص عدي غير تخصصكم، انتوا مخابرات! 
أكد عليه مراد، موضحًا: 
_نادرًا لما بيحصل، خاصة مع صعوبة المهمة. 
هز رأسه بتفهمٍ، واستكملوا تناول أطمعتهم ليجذب إنتباه الجميع حديث الصغار، حينما تساءل ياسين بفضولٍ: 
_أنت عايز تكون في أي تخصص يا زين؟ 
جفف فمه بمنديله الورقي ليزيح بقايا الشوربة بأناقةٍ اتبعت حديثه: 
_زي بابي تمامًا. 
ارتسمت بسمة صغيرة على أوجه الجميع، فتبادل زين بدوره بسؤالٍ أخر: 
_وأنت؟ 
زم شفتيه بحيرةٍ وهو يخبره: 
_لسه مش عارف بس الأكيد إني وقتها هختار اللي يناسبني. 
راقبهما ياسين الجارحي بابتسامةٍ هادئة، وردد بصوته الرخيم: 
_أنا شايف إن هتجمعكم صداقة لطيفة! 
تبادلا النظرات فيما بينهما، فابتسم حفيده وهو يؤكد: 
_وأنا حاسس بكده. 
وجذب هاتفه ثم ناوله لزين هاتفًا: 
_سجلي رقمك يا زين هنكون على تواصل. 
جذب منه الهاتف ثم سجل رقمه، وقام بإرسال طلب صداقة باختيار حسابه الشخصي، راقبهما عدي ببسمةٍ خافتة وسأل رحيم باهتمامٍ: 
_هو مش زين بنفس مدرسة ياسين؟ 
هز رأسه باستغرابٍ، وسلطت نظراتهما على الطفلين، فأجاب زين: 
_يمكن في class غير اللي أنا فيه. 
فصل ياسين الحديث بينهما حينما قال لرحيم: 
_انقلهم لفصل واحد. 
هز رحيم رأسه وهو يجيبه بتأكيدٍ وبسمته الخبيثة تحيط به: 
_اعتبره حصل. 
اعترض مراد بسخطٍ: 
_لأ، بلاش رحيم هيقتل مدير المدرسة كده،  أنا اللي هنقلهم بالحسنى!. 
اندهشت نظرات ياسين الموزعة بينهما، وخاصة مع رؤية بسمة الشر تحيط بالاسطورة، لاحت منه ابتسامة هادئة وتناول طعامه بهدوءٍ تام، تاركًا للشباب مهمة التعارف عليهما. 
                        ******
أما بالخارج، وبالأخص بالردهة الرئيسية للقصر، حيث تجتمع الفتيات، اتجذبت رحمة لأشجان بشكلٍ أثار فضول الجميع، ظلتا تتوددان طوال تناولهما للطعام حتى بعدما انتقلوا للصالون، وأضافت نور وحنين بمرحهما لمسة ساحرة للاجواء، وخاصة حينما أشارت حنين لشجنٍ: 
_أول مرة ألقى حد عنده نفس الكميا، بجد يا نور أنا حبيتك جدًا وشكلك هتبقي البيست عندي وشجن هتبقى بلح! 
تعالت الضحكات بينهن، فاستطردت بجديةٍ: 
_والله بكلمك جد، لابسالي الوش الخشب طوال النهار لما كرهتني في نفسيتي الظريفة الكيوتة لكن أنتي زيي بالظبط كريزة! 
ضحكت نور وهي تجيبها: 
_يا بنتي إحنا قيمة لا تقدر جوه العيلتين دول، من غيرنا كانوا هيفضلوا لابسين الوش الخشب طول النهار ومفيش ضحكة عابرة بتمر عليهم. 
أوقفتها نسرين باعتراضٍ: 
_وحازم وحمايا كانوا قصروا في أيه يا نور! 
زمت شفتيها بسخطٍ: 
_إحنا بنتكلم عن الصنف الناعم يا بت! 
واستدارت تجاه حنين التي ترتشف أحد العصائر، لتشهدها: 
_مش كده يا نونا! 
هزت رأسها بضحكة واسعة: 
_كده ونص يا نوري. 
وجذبتها إليها لتتساءل بجدية تامة: 
_العصير ده جميل أوي ومميز، مسبقش ليا إني شربته قبل كده  مين اللي عامله! 
اتجهت نظراتها تجاه آية وهي تجيبها بفخرٍ: 
_حماتي السكرة، عندها خلطة باللوز والمكسرات والجوفا واللبن وغيرها من التكات خطيرة. 
شكرتها حنين بامتنانٍ: 
_بجد تسلم إيد حضرتك يا طنط العصير تحفة،  ده تاني عصير أعشقه بعد عصير مراد. 
ابتسمت آية وهي تجيبها في حبورٍ: 
_ألف صحة على قلبك يا حبيبتي. 
جذبتها نور إليها لتتساءل بفضولٍ: 
_أيه عصير مراد ده أوعي يكون منكر! 
تعالت ضحكاتها وهي تشير لها بالنفي، قائلة بغموض: 
_هحكيلك حكاية العصير وبالمرة حكايتي مع الجوكر، أيه رأيك؟ 
كانت فكرة مغرية للغاية، فجذبت نور أحد أطباق التسالي وجذبتها لركنٍ بعيدًا عن الفتيات، حيث تكون تحت مراقبتها، ورددت بحماسٍ: 
_اتفضلي، كلتا أذني صاغية! 
                        ******
بينما بالخارج رددت شجن ببسمةٍ واسعة: 
_بجد يا رحمة انتي كمان حامل؟! 
رمشت بعينيها وهي تبادلها بسؤالها المشكك: 
_متقوليش انتي كمان! 
هزت رأسها بتأكيدٍ وقالت: 
_أنا لسه عارفة من يومين بحملي. 
وهمست على استحياءٍ: 
_معرفتش حد لسه حتى رحيم! 
قوست جبينها وهي تستكمل باسئلتها الفضولية: 
_ليه؟ 
ردت عليها بهمسٍ خافت: 
_هعمله مفاجآة في عيد ميلاده بعد عشر أيام. 
ابتسمت وهي تدعو لها بصفاء قلبها: 
_ربنا يفرحك ويكملك على خير يا حبيبتي. 
أمسكت شجن يدها وهي تخبرها بحبٍ: 
_وليكِ بالمثل يا روح قلبي. 
واستكملت بفضولٍ: 
_قوليلي يا رحمة إنتي بتابعي مع مين علشان يكونلنا فرصة نتقابل على طول. 
ارتسمت بسمة رقيقة على وجهها وقالت برقةٍ: 
_لو عايزين نتقابل هنتقابل من غير أي دكتور، معاكي رقمي هيكون في بينا مكالمات دايمًا لاني بصراحة حبيتك وحسيتك شبهي أوي. 
واستكملت بمرحٍ: 
_أما حكاية الدكتور ده فالموضوع مضحك ومحير. 
تساءلت بعدم فهم: 
_ازاي؟ 
ضحكت وهي تخبرها: 
_كلنا بنتابع مع دكتورة هيلينا طول فترة الحمل ولحظة الولادة بتختفي في مؤتمرات فجأة، فبنلجأ لدكتور صديق عمر، حرفيًا بقى متعقد مننا فجأة بيلاقينا في وشه ومعانا حالة الولادة اللي ميعرفش عنها أي حاجة غير إنه بيجمع مننا التفاصيل بسرعة قبل ما يدخل يقوم بمهمته. 
تعالت ضحكات أشجان حتى أحمر وجهها، فاسترسلت رحمة بثقةٍ: 
_عشان كده المرادي خدتها من قصرها وروحتله من البداية، عشان ميجيلوش صرع مننا بنهاية الشهر. 
عادت للضحك مجددًا ومازالت رحمة تقص عليها بعض الطرائف من مواقف الفتيات المضحكة، والاخيرة انسجمت معها حتى انفطرا معًا من الضحك، لتلتقطهما أعين المارة وبالأخص رحيم وعدي الذي يتبعان ياسين الجارحي لمكتبه الرئيسي، ومن بعدهما مراد برفقة أحمد فانتبه لتلك الثرثارة التي تجلس بعيدًا عن شجن التي لا تفارقها، وتجلس برفقة فتاة رقيقة الملامح على ما يبدو بأنها قد وجدت صداقة جديدة لها، اتبعهم للمكتب، فأشار له أحمد بابتسامةٍ هادئة وهو ينسحب للاعلى: 
_ده المكتب يا مراد، عن إذنك أنا. 
هز رأسه بتفهمٍ وولج للداخل حيث اللقاء الذي سيشمل العمالقة! 
                              *****
اصطحب ياسين زين لغرفته، فانسجما بممارسة ألعاب القتال والاسلحة الالكترونية، لأول مرة يمضي برفقة أحدًا من الاطفالٍ ويشعر بذلك الارتياح الغريب، مشاركته بنفس تفكيره ونفس هواياته جعله يرغب في أن يمضي أكبر وقتًا ممكنًا برفقته، مضت ساعةٍ كاملةٍ ومازال اللعب مسلي والحديث لا يتوقف عن شخصهم الهادئ الذي يبغض الحديث المتواصل. 
ابتسم زين وهو يراقب تسديد ضربة ياسين بالجهاز الالكتروني عبر حاسوبه، فإلتفت إليه وقال: 
_بتمنى أنكل مراد يقدر ينقلنا لفصل واحد يا ياسين. 
ابتسم وهو يشير إليه بثقةٍ غريبة تنتابه لذلك الغريب: 
_هيقدر. 
وعادا ليتابعا المعركة القتالية بالجهاز، إلى أن قطعهما صوت دقات الباب، ومن ثم ولجت شقيقته للداخل برفقة مرين، تطلع تجاهها فوجدها تمنحه ابتسامة هادئة ومن ثم انسحبت عينيها تراقب غرفته بانبهارٍ عجيب، وبالأخص من تأمل الرسومات التي تملأها، استغل ياسين انشغالها بتأمل الحائط المكتنز برسوماته، وجذب شقيقته جانبًا وهو يعنفها بغضبٍ: 
_انتي ازاي تجبيها هنا، مامي هتزعقلك! 
أجابته بضجرٍ بدى على ملامحها: 
_هعمل أيه مش عاجبها لعبي كلها، وكل اللي بيعجبها لعب الاولاد بس فقولت تيجي تلعب معاكم أحسن أنا ماليش بالمسدسات والالعاب المملة دي. 
وتركتهم رحمة وغادرت بضيقٍ بعدما بذلت مجهودًا كبيرًا لتجعلها تسترخي بجلوسها برفقتها وبرفقة ليان والصغيرات، وبالأخير لم تندمج معهن بما يحملوه من عرائس وألعاب المطبخ وغيره مما يخص الفتيات، كانت نظراتها تحوم بما يحمله الأولاد من ألعاب، لذا اهتدت لأخيها عساه يعاونها على حل تلك المعضلةٍ، خاصة بعد أن شددت عليها والدتها بأن تحرص على بقاء الضيفة سعيدة، حانت منه نظرة إليها فوجدها تتلامس احدى رسوماته بإعجابٍ شديد، وكانت تخص إحدى الجدائل دون رسم وجه الفتاة، تعجبت للغاية من رسمه لمقبض الشعر، يشابه ما كانت ترتديه بلقائهما الأول، استدارت تجاهه وتساءلت باستغرابٍ: 
_ده نفس الدبوس اللي بحطه دايمًا! 
زم شفتيه بتوترٍ من فرط الاحراج، فقال وهو يدنو منها: 
_عجبني شكله فرسمته! 
وأشار لها: 
_تقدري تأخدي اللوحة لو عجباكي. 
تساءلت بلهفةٍ: 
_بجد؟ 
أكد لها بإشارته وعينيه تجوبها باستغرابٍ، نهض زين عن أريكته وصاح بها بعنفوانٍ: 
_انزلي إلعبي تحت مع البنات مينفعش تقعدي هنا! 
واجهته بوجهٍ عابس، يرفض تحكمات هذا المتسلط بها وبشقيقتها، ولطالما لم تترك له الساحة فكانت تنتصر عليه دومًا،  لذا قالت: 
_أنا مش حابة ألعب معاهم، ألعابهم تافهة! 
وتطلعت تجاه الشاشة بعينين متسعتين بحماسٍ لحق نبرتها: 
_خليني ألعب معاكم دور، أنا واثقة إني هكسبك المرادي يا زين! 
تجهمت معالمه وأشار لها بغضب: 
_مش هتعرفي، المرة اللي فاتت قولتي نفس الكلام وموتي بسلاحك المعفن من أول جولة. 
اشتعلت عينيها بلهيبٍ محرق، ودنت منه وهي تواجهه: 
_هنشوف، المرادي هكسبك. 
تابع ياسين حالة التحدي العارمة بينهما بصمتٍ، فعلى ما بدى له قوة شخصية تلك الفتاة، اعتاد دائمًا على سماع نصائح أبيه حول التعامل مع شقيقته، حيث أن الفتيات رقيقة بطباعها، مازال يتذكر رقة والدته بالتعامل، لم تنحاز يومًا لمفضلات أبيه، بعيدة كل البعد عن هواياته،  تلك الفتاة تخرق كل القوانين التي تربى عليها داخل حصن آل الجارحي! 

جلست مرين على الأريكة المطولة القريبة من الجهاز، والتقطت القطعة المتحكمة به مثلما فعل زين، بينما جلس ياسين على المقعد القريب منهما، اختار زبن سلاحه بعنايةٍ ولم ينكر ياسين إعجابه الشديد باختياره الخببث، بينما تفحصت مرين الأسلحة بتمعنٍ، خيارها الخاطئ بالمرة الأخيرة جعله يفوز عليها بجدارة، ابتسم ياسين ومال عليها يهمس: 
_إختاري السلاح الأبيض. 
ضيقت عينيها إليه، يبدو سلاحًا عاديًا، لن يصمد أمام خيار زين، ومع ذلك وجدت ذاتها تختاره، بالرغم من عدم اقتناعها من شكله الصغير. 

انطلقت المعركة الدامية بينهما، وتفاجئ ياسين بموهبة كلا منهما بالقتال وكأنهم تربوا على ممارسة ألعاب القتال، وكانت لمرين جزءٍ من المفاجآة مع تجربة السلاح الذي فجأها حقًا، طوال ممارستها لتلك اللعبة لم تحاول استخدام هذا السلاح أبدًا، يبدو بأنه لا يمتلك قوة المواجهة مع باقي الاسلحة الضخمة، والآن بفضل انسياقها خلف خياره تمكنت من الانتصار على زين الذي ألقى جهازه بغضب حينما صفقت بغرور: 
_قولتلك هكسبك! 
                               *******
تعالت الضحكات الرجولية بينهم، وخاصة حينما استرسل مراد بحديثه عن أخيه: 
_فالبداية كده يا عدي المهمة دي تستبعد فيها رحيم من أي مساعدة ليها علاقة بالجنس الناعم، هيكشفنا على طول. 
ومن بين ضحكاته استكمل: 
_سلاحه اللي بيتكلم عنه مبيديش فرصة للسانه ياخد ويدي لحد ما يوقع المعلومة! 
منحه رحيم نظرة قاتمة، فأشار بسخطٍ وهو يتناول عصيره دون مبالاة: 
_الوحش طالع معانا لأول مرة واجب أنبهه عشان تبقى دنيتنا سالكة ونرجع بيتنا سلام نعيد مع الاولاد، مش كده ولا أيه يا ياسين باشا؟ 
اتجهت النظرات جميعًا إليه، كان مبتسمًا، مستمتعًا بالسماع إليهما، فناب عنه رحيم حينما قال بإعجاب: 
_الباشا عنده دماغ عالية ما شاء الله، حقيقي فجأتني بعد ما قدرت تكشف أمجد السلاموني والدول اللي فيها ناس بتسانده برة مصر. 
واستكمل بابتسامة تنبع بوقاره واحترامه إليه: 
_حقيقي يا باشا لو حضرتك كنت بالداخلية كان فرق معانا كتير، الدماغ دي متكلفة. 
استند بجسده العلوي على حافة مكتبه، وقال برزانته الهادئة: 
_كلنا كنا سبب يا رحيم. 
ووزع نظراته بينهما بثباتٍ وهو يتابع:
_أنا سعيد بالصداقة اللي جمعتكم بعدي. 
ونهض عن المقعد وهو يشير إليهما: 
_هسيبكم تتكلموا مع بعض في شغلكم.. خدوا راحتكم. 
وتركهم ياسين وكاد بالخروج، فعاد ليطل من خلف الباب مجددًا وهو يشير ببسمةٍ غامضة: 
_مراد، عايزك! 
تعجب من طلبه الغريب ومع ذلك أسرع إليه، ونظرات عدي ورحيم تلاحق كلاهما، فابتعدوا معًا لشرفة المكتب الخلفية، راقب مراد ما سيخبره به باهتمامٍ، فقطع ياسين صمته حينما قال: 
_أنا دايمًا عندي بعد نظر، لذا اختارت أتكلم معاك على انفراد وأنا على ثقة إنك هتكون أد المسؤولية اللي هكلفك بيها. 
رمش بعينيه بدهشةٍ، وأسرع بقوله: 
_أنا تحت أمرك يا باشا. 
ربت على كتفه ومن ثم اقترب ليهمس إليه بمكرٍ:
_حفيدي هتكونوا انتوا التلاتة مسؤولين عنه وعن تدريبه بس أنت اللي هتكون مسؤول عنه قدامي لو طلع نسخة منهم بالتعامل مع الجنس الآخر. 
وابتعد وهو يردد بخبثٍ: 
_أظن فهمتني! 
هز رأسه وهو يجيبه بضحكة مرحة: 
_عيني، أول دروس هتكون في كيفية التعامل مع الانثى بشياكة! 
                               *******
ولج أحمد لجناحه الخاص، فحرر عنه جاكيته ووضعه على المقعد باهمالٍ،  كاد بالتوجه لحمام غرفته ولكنه توقف مندهشًا حينما لمحها تجلس على الأريكة مندمجة بقراءة واردها اليومي من القرآن الكريم، جحظت عينيه صدمة وتساءل: 
_آسيل أنتي هنا بجد؟ 
انتبهت إليه فانتهت من قراءتها وتطلعت إليه وهي تردد بذهولٍ: 
_أيوه في حاجة ولا أيه؟! 
زم شفتيه وهو يردد ساخطًا: 
_مستغرب إن حالة الاغماء مجتلكيش يعني. 
ردت عليه ببسمةٍ واسعة: 
_أصل النهاردة اتلبخنا في تحضيرات عزومة أصحاب عدي ومقرتيش الورد بتاعي فقولت أعوض بليل. 
تلألأت حدقتيه بمكر طاغي، فنزع عنه جرفاته وهو يشير لها: 
_ كويس جدًا، خليكي قاعدة أنا هغير هدومي وراجعالك لإني عايزك في موضوع مهم. 
ضيقت عينيها باستغرابٍ: 
_موضوع أيه ده، قلقتني! 
جذب بيجامته وإتجه للحمام وهو يردف: 
_دقايق وراجعالك بس أقلع البدلة خنقاني! 
هزت رأسها بعدم اقتناع ومع ذاك هتفت: 
_أوكي هستناك.
                            ******
دقائق انتهى بها من أخذ حمامه الساخن المريح، وخرج يجفف شعره بالمنشفة والبهجة أعادت لوجهه الدموية من جديدٍ، فما أن خرج إلى الغرفة وأزاح عنه المنشفة حتى جحظت عينيه في دهشةٍ كادت بقتله حينما وجدها تغفو على الأريكة بإسدالها وبين أحضانها مصحفها الصغير، حك أحمد جبهته بغيظٍ كاد بسلخ جلده، فجلس على حافة الفراش يتطلع لها بصدمة، فهمس بغيظٍ: 
_أمال لو مش مأكد عليكي! 
وزفر بضيقٍ وعينيه تتطلعان إليها بفتورٍ انتقل لنبرته: 
_هو صيام من كله، صبح وليل! 
ونهض بملل، ثم حملها للفراش بعدما نزع عنها اسدالها، فجذب إليها الغطاء وهو يراقب انغماسها بنومٍ كالاموات، حتى أنها لم تشعر به وهو يحملها من مكانٍ لأخر، أبعد أحمد خصلاتها المتمردة على عينيها ببسمةٍ عاشقة، فابتعد عنها واستقام بجلسته على الفراش وهو يحاول منع ذاته من التطلع إليها، زفر بيأسٍ من محاولته، فعاد يتطلع إليها باستسلامٍ هامسًا بسخريةٍ: 
_ودي أتحرش بيها وهي نايمة ولا أعمل أيه؟! 
                                ******
كان ياسين بطريقه للأعلى حينما لمح حفيده يقف قبالة غرفته بصحبة فتاة صغيرة سبق رؤيتها برفقة مراد بالأسفل، وعلى ما بدى من لحظة وصولهم بأن هناك شيئًا غامضًا يصيب حفيده الصغير، والآن تأكدت شكوكه حينما وجده يقف برفقتها ويتحدثان عن شيءٍ، اقترب منهما ليتسلل لمسمعه قولها: 
_أنا هحتفظ بالرسمة دي مع الهدية اللي أخدتها منك قبل كده. 
واستكملت بطفولية ومازالت عينيها تراقب رسمته: 
_عندي فضول أشوف باقي رسوماتك. 
ابتسم وهو يخبرها: 
_أنتي شوفتي جوه جزء من رسوماتي، لو حصل وجيتي هنا تاني هجمعلك الرسومات القديمة بس هي مكنتش ألطف حاجة. 
تملكها الحماس وسألته بفضول ولهفة: 
_هو أنت تعرف ترسمني؟ 
ارتبك وهو يحاول إخفاء أمر لوحته السرية، ومع ذلك قال بتوترٍ غريبٍ: 
_الفنان لما عينه بتشوف حاجه حلوة بيحاول ينفذها، وأكيد هيجي اليوم اللي أرسمك. 
برق ياسين بعينيه بصدمة مما يستمع إليه، لوهلةٍ ظنه شابًا يافعًا لا يتعدى عمره الخامسة والعشرون، هم بالاقتراب منهما حتى بات يقف نصب عينه، لعق الصغير شفتيه بارتباك وهو يجاهد بقول: 
_ده جدو اللي كلمتك عنه المرة اللي فاتت. 
مفاجآة أخرى أضافها في لائحته، فسحب عسليته المسلطة على حفيده واتجهت لمرين، ليردد بحبورٍ: 
_ويا ترى بقا قولتلها عني أيه؟ 
ابتسمت مرين وهي تجيبه: 
_اداني تذكار خاص بحضرتك، لاني هديته سلاح مميز وخاص بأنكل رحيم. 
زوى حاجبيه بدهشةٍ خلقت لأجله بتلك اللحظةٍ، فراقب ملامح حفيده الذي ود لو انشقت الأرض وابتلعته من فرط الحرج، هز ياسين رأسه وهو يهمس ببسمةٍ ساخرة: 
_عظيم! 
ومرر يده بين خصلات شعر ياسين البنية وهو يسترسل: 
_في حوارات كتيرة هتجمعنا، خد مرين تحت عن والدتها ميصحش تكون هنا لوحدها. 
أومأ برأسه وهبطا معًا للأسفل ومازالت عسليته تراقبه بغموضٍ وبسمة تتسلل بخفةٍ على شفتيه. 
                               ******
درس رحيم وعدي جوانب المهمة جيدًا، فأتقن دورهما باجتيازٍ، وسرعان ما اندمج معهم الجوكر موضحًا خطورة تلك المهمة وحساسيتها من كافة النواحي، خاصة بأنها تمس العرب بشكلٍ كبيرٍ، لذا ولأول مرة يتحدى ثلاثة من أكفئ الظباط لحل تلك المعضلة، اتفقوا على المخططات اللازمة استعدادًا للسفر بشكلٍ سري مخيف،  لا يعلم ثلاثتهم بأن لتلك المهمة آثرًا سيستكمله أولادهم الثلاثة حتى تكون نهاية للشر ولعصرٍ لن يصدق أحدٌ وجوده في ذلك الزمان، وما يجن العقل بأنه اصطنع من دهاء البشر، عتاولة الشر ستجتمع ومحاربيها لا يستهان بهم، اليوم ذاته الذي اجتمع به الجوكر والوحش والاسطورة هو نفسه بداية لصداقة وعلاقة حب ستهز أرجاء المملكتين، مملكة آل الجارحي ومملكة عائلة زيدان، وهي نفسها لحظة نشوب الشر برحم الشيطان! 
شرًا لم يسبق له مثيل، وواجب سيخوضه شرطة المخابرات للقضاء على تلك العصبةٍ التي لم يسبق للعقل البشري تصديقه، ولا لشرطة محاربته، ولكل فيلم ساد به شروره، أبطال قوتهم كفيلة برضخه عن موضعه، ولكن ماذا لو وُلد من بين الشر بذرةٍ خير تكافح للخلاص؟! 
(أشباح المخابرات..) 
                             ******
انتهت المقابلة بينهم واستعدوا للرحيل، فكان عدي ورحمة أول من قام بوداعهم للسيارة، وما أن ابتعدت كليًا عن مرمي القصر حتى رددت رحمة بشرودٍ بطيف الطريق الخاوي: 
_رحيم ده شكله مخيف وله هيبة كبيرة، للحظة شكيت إن اللي جاي يزورنا وزير الداخلية أو شخصية مهمة جدًا!  
واسترسلت ببعض الارتباك: 
_ شكله مرعب رغم إن ملامحه مش وحشة أبدًا! 
زم عدي شفتيه بحيرة من عدم فهم ما تود زوجته قوله،  فعادت لتشير إليه بوضوحٍ: 
_يعني ياسين الجارحي مخيف بهييبته وحضوره لكن كشكل هو مش وحش، يعني أنا فاكرة اما إتعرفت على العيلة هنا اترعبت منه بس بعد كده لقيت مفيش أطيب من قلبه، صاحبك ده نفس الشيء! 
منحها ابتسامة هادئة، وهو يراقب تأثرها بشخص رحيم زيدان الذي مازال يرهب من حوله بلقائه، بالرغم من ذوقه الرفيع بالتعامل مع من حوله، فضمها إليه وهو يخبرها: 
_رحيم طباعه صارمة وحازمة شوية، تحسيه شبه الانسان الآلي، بس لما تعاشريه هتلاقيه شخص عظيم زي ياسين الجارحي تمامًا زي ما وصفتيه! 
ابتعدت عنه ومازالت تواصل أسئلتها بفضولٍ غريب: 
_بس شخصية صعبة زي دي إزاي أشجان مراته بتتعامل معاه، أنا لما اتعرفت عليها لقيتها طيبة جدًا وشكلها مسالم بتتعامل ازاي مع الوحش ده! 
تعالت ضحكاته الرجولية دون توقف، وصاح من بينها: 
_في أيه يا رحمة، أنتي ليه محسساني إنه مصاص دماء! 
وطوفها بذراعه وهو يخطو بها للتراس مستطردًا: 
_رحيم ومراته بينهم قصة حب اسطورية زي ما بيقولوا، بيحبوا بعض من الطفولة يعني خوفك مالوش مبرر، لإنك متعرفيش حاجة عن الاسطورة وشجن! 
رمشت بعينيها بفضولٍ، اتبع صوتها المتحمس: 
_لا احكيلي. 
ابتسم وهو يشير إليها: 
_نطلع وهحكيلك. 
                             *******
اختبئ خلف الستائر الباهظة بالطابق السفلي يتابع رحيلها باهتمامٍ، وملامح حزينة للغاية، لا يعلم لما تغلبه عاطفته الغريبة تلك، وكأنه يفترق عن شخصٍ يقربه ويجمعه به صلة قرابة، تجهمت معالمه مع اختفاء شبح السيارة الضخمة، فأغلق النافذة وأعاد الستائر والتفت ليغادر، تخشب الفتى محله بتوترٍ حينما وجد ياسين الجارحي قبالة عينيه يراقبه بثباتٍ كان قاتلا لمن ينتظر حديثه، صمته كان إنتظار لبوحه عما يخفيه مثلما اعتاد، فقال بحرجٍ: 
_أنا آسف إني فرطت في المجسم اللي هدتني بيه وإني خبيت على حضرتك الموضوع. 
واقترب منه قليلًا وهو يتابع بدهشةٍ: 
_أنا مكنتش هفرط فيه بس هي ادتني هدية غالية جدًا مكنش ينفع أقبلها بدون ما أديها شيء قيم مش حضرتك اللي علمتني ده! 
أشار ياسين بيده بالاقتراب، فاقترب منه ليجده يبتسم وهو يردد بمكرٍ: 
_متحاولش تتخابث عليا وتفكرني بوجهات نظري، لإني واثق إن مش ده السبب الأساسي اللي خلاك تفرط في شيء جبتهولك. 
وتابع بصوته الرخيم: 
_في شيء بيدور جوه دماغ حفيدي اللي مازال واقف يلف ويدور على أستاذه! 
وابتسم بتهكمٍ وهو يضيف: 
_هتتبع نفس طريقة أبوك وتعاندني ولا هترجع عن طريقه وتختار طريقك بنفسك، ونرجع أصدقاء زي ما كنا. 
حك أنفه بتفكيرٍ وصمت طال لدقيقةٍ، ثم قال على استحياءٍ: 
_أنا  إني غلط أقول الكلام ده، بس أنا مبحبش ألعب مع حد، لإني معمريش لقيت حد يشاركني فكري وطريقتي، البنت دي شبههي أوي وميولها كمان شبههي. 
وتابع بحيرةٍ: 
_حتى لما اتعرفت على زين من شوية ولقيت إنه ممكن يكون صديقي مازلت مشدود ليها! 
انزوى حاجييه بسخطٍ لما يستمع إليه من حفيده الذي لا يكاد يصل لمنتصف بطنه، ومع ذلك يتحدث بما يفوقه عمرًا، التقط نفسًا مطولًا وهو يحاول السيطرة على ثباته الثقيل، وقال: 
_ياسين أنت لسه صغير على الكلام ده كله، علاقتك بيها هتكون صداقة طيب وبعدين؟ 
واسترسل ببعض الحدة: 
_لا دينك ولا تربيتك تسمحلك بأن يكون في شيء يجمعكم أبدًا، وبعرفك من صغرك الكلام ده عشان تحطه حلقة في ودانك، عمر ما في صداقة تجمع البنت بالولد ولا أي علاقة تانية غير الارتباط الرسمي، الجواز.. 
وربت بيده على خده بحنانٍ: 
_كل ده بعيد عنك تمامًا، طريقك لسه طويل أوي، قدامك أول خطوة دراستك، تاني خطوة تحقق حلمك وتكون زي ما أنت حابب. 
وغمز بعسليته المهلكة وهو يتابع بمشاكسةٍ لم يسبق له التحلي بها: 
_بعدها لو فضلت لسه في دماغك ومجدش جديد أوعدك أنا بنفسي اللي هخطبهالك، وبلاش تقول لحد ليفكرني بشجعك على الجواز وأنت لسه في العمر ده! 
تعالت ضحكات الصغير الذي اندس داخل أحضانه بحبٍ واحترامًا لجده وصديقه المقرب! 
                                *******
بغرفة عدي. 
عملت جاهدة على الحاسوب لأكثر من ساعةٍ كاملة، واتجهت للشرفة تراقب الضوء النافذ من غرفة المكتب، وحينما وجدته مازال مضيئًا، اتجهت رحمة للفراش وحركت عدي بهدوءٍ وهي تناديه على استحياءٍ: 
_عدي، نمت! 
فتح عسليته بانزعاجٍ، وهو يحاول البحث عن صوتها، فاستقام بجلسته وهو يردد ببعض الخوف: 
_بتتوحمي على مانجا تاني ولا على أيه المرادي؟  اتحفيني. 
كبتت ضحكاتها بصعوبةٍ، وقالت بحرجٍ: 
_لا مش عايزة حاجه أنا تمام، بس كنت عايزاك تنزل معايا تحت في المكتب. 
بدأ بالافاقة، وسألها بجدية: 
_ليه؟! 
أشارت على حاسوبها وهي تخبره: 
_عمي مكلفني بصفقة تانية ومحتاجة أتكلم في كام نقطة مع ياسين، هو تحت في المكتب وأنا مكسوفة أنزله لوحدي، خاصة إن الوقت إتاخر أوي، انزل معايا معلش. 
زوى حاجبيه وهو يردد بغضبٍ: 
_على أساس إني مش هعرف أفيدك! 
سيطرت على ضحكة كادت بالانقلات منها، وقالت بوضوحٍ: 
_ياسين وأحمد أكتر خبرة منك يا عدي. 
وحينما وجدته يكاد ينقلب بتحول قتامة عينيه أسرعت تردد: 
_وأنت في مجال شغاك باشا، لكل مهمة بطلها يا وحش! 
تعالت ضحكاته وهو يرى غمزة عينيها المشاكسة، فنهض عن فراشه وهو يبحث عن قميصه، جذبته رحمة وألقته إليه وهي تخبره ببسمةٍ مشرقة: 
_اتفضل يا باشا. 
وكأنها طفلة صغيرة تحاول أن تميل والدها للخروج للتنزه، عاونته رحمة على ارتداء قميصه، وجذبت حاسوبها ولحقت به للأسفل. 

طرق عدي باب المكتب قبل أن يدلف للداخل، فوجده مازال يعمل بالأسفل ومن أمامه كوب من القهوة، ضيق ياسين عينيه وتساءل باستغرابٍ: 
_عدي، أنت لسه صاحي؟ 
تثاءب بشكلٍ ملحوظ وهي يجيبه على مضضٍ: 
_كنت نايم والله يا ابني بس هنعمل أيه، في ناس مجتهدة لازم تذل منافس ناس ملهاش في الليلة دي من أولها. 
لم يستوعب حديثه الا حينما دنت منه رحمة، فجلست قبالته على المقعد المقابل لمكتبه، ووضعت الحاسوب من أمامه وهي تخبره بخجلٍ: 
_معلش يا ياسين عايزة أستفسر منك عن حاجه في ملف الصفقة الجديدة. 
أغلق ياسين حاسوبه، وهو يقابلها ببسمة هادئة: 
_أوي أوي، اتفضلي. 
تثاءب عدي مجددًا وأشار إليهما وهو يتجه للأريكة المقابلة إليهما بنهاية الغرفة، هاتفًا بنومٍ: 
_خدوا راحتكم، أنا هريح هنا شوية. 
عرضت رحمة من أمامه معضلتها الوحيدة بعد دراسة الملف، فلم يمل من شرح بعض النقاط الهامة إليها حتى بات أمرها الشاق هين للغاية، شكرته رحمة كثيرًا، ومازالت تراه الأفضل بين الشباب بادارة المقر، ابتسم ياسين وهو يخبرها: 
_حقيقي متوقعتش إنك هتباشري شغلك معانا حتى في رمضان وبالنشاط ده. 
وتابع مازحًا: 
_شوية كمان وعمي هيستغنى عننا كلنا، مكانتنا بقت في خطر. 
ابتسمت ورددت: 
_لا طبعًا احنا بنتعلم منكم والله. 
قاطعهما ولوج يحيى الصغير حاملًا بين يده شقيقته الرضيعة الباكية، تعجب ياسين من رؤيتها بين ذراعيه فهم إليه وهو يتساءل بحيرةٍ: 
_واخد ملاك على فين يا يحيى؟ 
أجابه الصغير بحزنٍ: 
_مامي مصدعة ونايمة تعبانه لقيت ملاك بتعيط ومش راضية تسكت فقولت أتماشى بيها وبردو لسه زعلانه يا بابي ومش راضية تسكت! 
حملها عنه ياسين بضحكة هادئة، فألقى عليها نظرة متفحصة ثم همس لابنه الذي قهقه عاليًا: 
_طبيعي لإنها عملاها! 
وعاد ليهمس إليه مجددًا: 
_هنضطر نصحي مامي تغيرلها البامبرز. 
نهضت رحمة عن مقعدها، فوضعت الحاسوب بيد يحيى وحملت الصغيرة عن ياسين بحنانٍ وهي تخبره: 
_لا مدام تعبانه سبوها نايمة أنا هغيرلها. 
وطبعت قبلة خافتة على جبين الصغيرة، ذات الوجه الملائكي، فما أن غادرت للأعلى حتى اتجه ياسين بالحاسوب لعدي الذي بدى له يغفو بعمقٍ، فحركه وهو يناديه: 
_عدي أنت نمت؟ 
فجأه برده وعينيه تغفو: 
_لا صاحي، سيب اللاب عندك واخلع أنت. 
ردد بدهشةٍ: 
_أخلع فين، أنت في المكتب!! 
فتح عينيه بانزعاجٍ بدى بحدقتيه، فجذب الحاسوب عنه واتجه للخارج وهو يصيح بسخطٍ أضحك ياسين الذي لحق به: 
_هو الواحد مش عارف ينام جوه البيت ده، وفيها أيه لو نمت في أوضة المكتب هقع في المحظورات!! 
رد عليه وهو يلحق به: 
_هتعتبر مطرود وده لا يليق بسمعتك يا وحش! 
منحه نظرة ساخطة فكبت ياسين ضحكاته وهو يردد: 
_آسف! 
                            ********
انقضى اليوم مثل المعتاد عليهم، وانتهى بجلوس الجميع على طاولة الطعام يترقبون انطلاق آذان المغرب، وحينما فرغوا من طعامهم اجتمع الشباب بالأعلى للانتهاء من العمل العالق على كهلهم. 
_خلاص كده يا أحمد، أنا ظبطت كل حاجة وواقفة على توقيع عمي ياسين. 
كلماتٍ هدر بها رائد وهو يغلق حاسوبه، فاكتفى أحمد بإشارة صغيرة من رأسه، ثم التفت برأسه تجاه معتز متسائلًا بفضولٍ:
_وأنت يا معتز عملت أيه في العرض اللي حضروه البنات للمناقصة. 
أجابه وهو يلتهم أحد قطع (القطايف)  :
_عملين عرض عظمة بصراحة أنا خايف إن عمي يستغنى عننا، البنات ثابتين نفسهم وبزيادة. 
ضحك ياسين وردد ساخرًا: 
_هما لسه هيثبتوا نفسهم!  ما خلاص بقوا بيناطحونا الراس بالراس! 
شاركه أحمد بجاذبية ابتسامته، مضيفًا: 
_عندك حق.. فاضل إنهم يستلموا ادارة المقر بدالنا! 
مال برأسه تجاه الصالون فوجد مازن وأخيه مازالوا بصراع اللعب على جهاز (البلايستيشن)، فتمدد على الأريكة بتعبٍ ثم تساءل:
_أمال فين جاسم؟ 
لاحت على وجه معتز ابتسامة خبيثة، فأسرع باجابته: 
_بيحب تحت في مراتك. 
انتفض بجلسته جراء نطقه لتلك الكلمة الخطيرة، فعاد ليتساءل: 
_بتقول أيه أنت؟ 
حدجه ياسين نظرة مشككة لحالة ادراكه، فقال باستهزاءٍ: 
_أنت فاقد الذاكرة ولا أيه يا أحمد.. جاسم يبقى أخوها يا حبيبي.
نهض عن الأريكة ثم اتجه للاسفل وهو يصيح بانفعالٍ:
_سيب توازن العلاقات دي للضرورة! 
همس رائد بسخطٍ وهو يراقبه يهرع للاسفل والشرار يتطاير من عينيه: 
_هو الصيام تقريبًا قصر مع الكل حتى أحمد الطيب! 
بالأسفل. 
كان يتابع التلفاز بتركيزٍ، ويده تعبث بخصلات شعر شقيقته المستندة برأسها على قدميه، فجذب طبق الفشار الشاخن ثم بدأ بإلتهامه وهو يتابع الأحداث باهتمامٍ، حانت منه نظرة جانبية تجاهه فوجدها تضم يدها اليها بانزعاجٍ، خلع جاسم عنه جاكيته ثم داثرها به بحنانٍ، فلاحت على شفتيها بسمة هادئة لشعورها بالدفءٍ، انحنى تجاهها ثم طبع قبلة على جبينها، وحينما استقام بجلسته انخطف لونه من مجابهة تلك النظرات الحادة التي تخترقه، سحب نفسًا مطولًا قبل أن ينفثه بضيقٍ: 
_فزعتني يا أحمد! 
وزع نظراته المشتعلة بينه وبين زوجته التي تحتضن جاكيته، فاقترب منه وهو يشير اليه: 
_قوم عايزك. 
ردد باستغرابٍ:_دلوقتي! 
صاح بعصبية بالغة: 
_قولتلك قوم. 
حمل رأس شقيقته عن قدميه ثم وضعه على الوسادة الصغيرة، وانتصب بوقفته أمامه، آن منه أحمد وهو يحرك رقبته يسارًا ويمينًا محاولًا السيطرة على انفعالاته، فقال بصوتٍ يخادع هدوء زائف: 
_آآ... أنت بتعمل أيه هنا؟ 
رغم غرابة سؤاله الا أنه أجابه: 
_مفيش بشوف المسلسل اللي بتابعه. 
وضع يده ليميل عليها برقبته ومازال يتحلى برزانته: 
_وأنت معندكش شاشة بجناحك! 
ضيق عينيه وتساءل بدهشةٍ: 
_مالك يا أحمد.. فيك أيه؟ 
اصطكت أسنانه ببعضها البعض وراح يهدر بضيق: 
_أنت كنت بتعمل أيه من شوية؟ 
حك أنفه وهو يحاول تذكر ما يقصده، فقال: 
_أنا مش فاهمك.. وده غريب عنك لانك صريح وواضح! 
تحرر عن ثباته، فجذبه من تلباب قميصه ثم صاح بغضب: 
_كل ما حد بيتخطى حدوده معايا يقولي أصلك طيب وصريح وواضح... طيب بما أني واضح هقولهولك بوضوح تام لو لمحتك بتقرب لآسيل تاني هشنقك في نجفة القصر يا جاسم. 
برق بعينيه في صدمة.، ففشل بكبت ضحكاته ومع ذلك هز رأسه بتفهم: 
_حاضر هتبرى منها! 
ترك القميص عن يده ثم هندمه بيده وهو يشير له: 
_كده تعجبني..
وتطلع تجاهها ثم عاد ليحدجه بغضب بعدما جذب حجابها ليخفي شعرها المحاط لخصرها: 
_سايبها من غير حجاب ليه افرض حد نزل. 
مازال يكبت ضحكاته، فقال بصعوبة الحديث: 
_كلكم بتشتغلوا فوق ومحدش تحت فقولت اسيبها تنام براحتها.. وأكيد لو حد نازل هيعمل أي صوت زي ما اتعودنا.. بس أنت اللي فزعتني بصراحة نازل شبه الاشباح! 
تجاهل حديثه وجذب جاكيته ثم القاه بوجهه وهو يردد بغدافيةٍ رغم برودة نبرته: 
_داليا أولى بيه.. مراتي حضني يدفيها. 
وحملها عن الأريكة ثم صعد بها للاعلى ومازال يحدجه بنظرة جعلت الاخير ينهار من الضحك ومازال لا يستوعب ماذا أصاب أعقل شابًا بنسل الجارحي! 
                         ******
بالخارج. 
اجتمع عز ورعد وحمزة وآدهم يحيون أمجادهم بالحديث عن شبابهم، فتفاخر عز بما كان يصنع مرددًا: 
_هو كان في حد زيي ولا في شقاوتي، أنا كنت واد حريف! 
لوى حمزة فمه بسخطٍ: 
_الله يرحم لما كان بيتزل للمزة من دول عشان ياخد رقم تليفونها! 
ضحك رعد وردد: 
_دي مش ذكريات شقاوة دي ذكريات منيلة بنيلة، ولو حد سمعها البيت هيتخرب بعد السنين دي، اتلموا وسيبوا حاجة متدكنة. 
ابتسم آدهم وقال بمشاكسة: 
_مين ده اللي بيتكلم الله يرحم البنات اللي كانت بتتحدف عليا يا عم المغرور. 
على التفاخر وجهه وهو يهمس بصوت خافت: 
_آه والله زمن. 
وتابع بمزحٍ: 
_محتاج بنت من دول دلوقتي تجددلي شبابي اللي بقى في ذمة الله! 
عبث عز بمعالمه: 
_سلمت نمر بدري كده إخس! 
لكزه بغضب: 
_مش الوقاحة اللي في دماغك دي، أنت متنفعش تصوم معانا رمضان ده أنت إبليس متبري منك! 
صاح بهما آدهم: 
_الشباب جوه يسمعونا. 
ردد حمزة مدعيًا صرامته بالحديث: 
_سبهم يا آدهم مهما مش محترمين وجودي ولا عاملين ليا أي احترام! 
واسترسل بحدة وهو يطرق على الطاولة فسقطت أكواب العصائر من فوق أقدامهم: 
_في نظام لازم يتحط هنا حتى لو كنتوا في أواخر أيامكم! 
_متخفش يا حمزة يا حبيبي النظام ده هيشملك أنت كمان وهيحتويك أحلى احتواء! 
ابتلع ريقه برعب وهي يردد بصوت يكاد مسموع: 
_الصوت ده مش غريب عليا، تقريبًا صوت تالين! 
ارتعبت نظراتهم حينما وجدوا زوجاتهم تحيط بهم، فلفت دينا ذراعها حول رقبة زوجها الجالس على المقعد، ورددت من بين اصطكاك أسنانها: 
_عايز واحدة ترجعلك شبابك يا رعودة وأنا موجودة! 
نفى باصبعه ورأسه، فجذبت الكوب المسكوب وهي تقربه منه صارخة بصوتٍ خرج الشباب فور سماعه: 
_أنا هرجعلك أيامك والذي مضى بس اديني فرصتي! 
ابتلع عز ريقه برعبٍ حينما وجد يارا تجلس على المقعد المجاور إليه بعدما ركض حمزة تجاه أحمد الذي يقترب منهم ليعلم ماذا هناك، فصاحت به: 
_أيام الشقاوة ها؟! 
بينما لطمت شذا الطاولة أرضًا وهي تصرخ: 
_بقى انتوا قاعدين تفكروا بالمنكر بدل ما ترتبوا لحياة أولادكم. 
وتابعت تالين وهي تركض خلف زوجها: 
_ده انتوا عندكم أحفاد قربوا يبقوا طولكم يا منحرفين! 
وقف أحمد مصدومًا مما يحدث أمامه، وخاصة حينما تمسك به حمزة ليسلطه بوجه والدته التي تصيح بغضب:
_أبعد يا أحمد من وشي.
شدد حمزة من التمسك به وهو يؤمره: 
_ولد أوعى تتحرك من هنا، سامع! 
أتى الشباب بأكملهم للخارج، فتساءل حازم وهو يلقي بقايا التسالي عن فمه أرضًا: 
_عملت أيه يا ميزو، شكلك لعبت بديلك في رمضان!!  يا راجل مكنت تستنى لبعد العيد وإحنا ننحرف سوا! 



تعليقات



×