رواية نعيمي وجحيمها الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر





رواية نعيمي وجحيمها الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر




ممسكة بطبق الحلوى الذي أعطته لها كاميليا؛ تتناول منه نادرًا، مع اندماجها في الحديث المرح مع ابنة حارتها والتي كانت جارتها سابقًا، قبل ان تنتقل مع عائلتها إلى شقة أجمل وبمنطقة أهدى عن منطقتهم الشعبية العتيقة، بحديث مسلي انساها ماأخافها سابقًا وتسبب في توترها، انتفضت فجأة تكتم شهقة كادت أن تخرج منها حينما أجفلتها غادة بوضع يدها على خصرها من الخلف، هامسة بميوعة اثارت الحنق لدى زهرة: - اَخيرًا جيتي يازوزو؟


طافت زهرة بعيناها على باقي الموظفين حولها بقلق قبل أن تعود إلى غادة قائلة من تحت أسنانها: - دي عملة تعمليها؟ عايزاني اصرخ من الخضة واتفضح وسط الناس اللي ماليها اول ولا اَخر دي؟

ردت غادة بسماجة أذهلتها: - وماله ياقلبي، على الأقل بكدة هانبقى نجوم الحفلة بدال ما احنا تايهين كدة في الزحمة وماحدش شايفنا، ولا إيه ياكاميليا؟


كاميليا وهي تنظر اليها بدهشة وابتسامة اعتلت وجهها: - يخرب عقلك، دا انتِ مجنونة بجد، بقى هي دي فكرتك عن لفت الإنتباه؟

- اعمل إيه بس يابنات ماانا غُلبت.

هتفت بها قبل ان تتدراك نفسها وتخفض صوتها وكأنها تخبرهم سرًا: - بقى مش صعبان عليكم بالذمة؟ الصالة اللي بتشغي بالبهوات والناس النضيفة دي، نطلع منها كدة من غير مانستلقط واحد منهم.


كتمت زهرة بكف يدها شهقة أخرى كادت ان تخرج منها، مصعوقة من جرأة ابنة عمتها، أما كاميليا فالتي ارتفع حاجبيها واهتزت رأسها رددت بعدم استيعاب: - انا قولت مجنونة وربنا، انتِ فعلًا مجنونة يابنتي.

لوت فمها مرددة هي الأخرى: - مجنونة مجنونة، بس انول اللي في بالي.

استسلمن الفتاتين لعدم الجدال معها وفضلن الرد عليها بالصمت؛ يبتسمن لها بيأس، حتى أنتبهن على من أتى بالقرب يلقي التحية عليهن.

- مساء الخير يابنات.


ردت زهرة و رددت كاميليا خلفها التحية لعماد، الذي رمقته غادة من منبت شعره حتى أخمص أقدامه وهو يتحدث الى زهرة بلطف كعادته مع بعض التلجلج: - ااا أنا قولت اشوفكم يعني، لو محتاجين أي حاجة في الدنيا الزحمة دي؟

قالت زهرة بخجل.

- لا متشكرين ياأستاذ عماد، ربنا يخليك.

- يعني بجد مش محتاجين أي حاجة؟ أنا تحت الخدمة؟

كرر عماد متمعنًا النظر الى خجلها باستمتاع، فقطعت غادة عليه اللحظة قائلة بحدة.


- ماقالتلك مش محتاجين حاجة ياأستاذ، متشكرين ياسيدي، ولما نحتاجك هانبقى نقولك.

انسحب مرددًا بإحراج: - طيب تمام، اَسف ياجماعة لو ازعجتكم.

نظرت الفتاتين في أثره وهو يبتعد عنهم بأسف، فخاطبتها كاميليا بلوم: - حرام عليكِ ياغادة، ليه أحرجتي الراجل، كان يكفي أنك تردي عليه ببعض الزوق.

- هي كدة غادة، اي حد طيب او غلبان بتعتبره مايستهلش التعبير حتى.

قالتها زهرة بحزن، لم يؤثر في غادة التي مصمصت بشفتيها مستنكرة.


- قال غلبان وطيب! هي ناقصة تلزيق وتناحة يااختي انتِ وهي، اقولكم؛ أنا ماشية وسايبهالكم، اروح لزميلات الفرفشة احسن، البنات الحلوة اللي بتقدم الحلويات والساقع هناك دي، بلا وكسة.

راقبنها وهي تبتعد عنهم وتذهب لتنضم لفريق البنات المضيفات، كي تقترب وتحتك بالموظفين الكبار، فقالت كاميليا: - ماتزعليش منها يازهرة، بنت عمتك طاقه وانتِ عارفاها.


- عارفة والله انها طاقة، بس انا بيصعب عليا الناس اللي بتحرجهم؛ خصوصًا لما يكون راجل محترم زي استاذ عماد و...

قطعت جملتها وهي ترتد بعيناها نحو كاميليا مرددة: - ياساتر يارب الراجل ده بيبصلي كدة ليه؟

- راجل مين؟


سألت كاميليا وهي تشرئب بأنظارها نحو الجهة التي اشارت اليها زهرة، فوجدت رئيسها الجديد ينظر نحوهم بتجهم ووجه عابس، قطبت مندهشة فقالت: - تلاقيه بس عايز مني انا حاجة، مش لازم تكوني انتِ المقصودة يعني؛ انا هاروح اشوفه.

اوقفتها متشبثة بذراعها تردف بخوف؛.


- لا والنبي ياكاميليا ماتسيبنيش لوحدي، ثم ان هو لو عايزك هايبعتلك، عشان خاطري ماتمشيش، دا انا حاسة بنظراته بتخترق ضهري من ورا، انا مش فاهمة هو بيعمل معايا كدة ليه؟

ربتت كاميليا على كف يدها المطبقة على ذراعها بغرض تهدئتها: - طب خلاص اهدي كدة وماتكبريش الموضوع، جاسر بيه هو دا طبعه من الأساس على فكرة؛ دايمًا مكشر وحواجبه كدة مقلوبة تمانية، على العموم هو بِعد بنظره وجاتله مكالمة تلهيه عننا.


- والنبي بجد؟

قالت زهرة وهي تلتفت مرة أخرى نحوه، تنفست الصعداء فور أن رأته أعطى ظهره لها، أردفت مخاطبة كاميليا: - طب خلينا نمشي بقى!

وفي الجهة الأخرى

ابتعد عن باقي الموظفين ودلف لمكتبه حتى يستطيع أن يتابع المكالمة التي أتته بغتةً من والدته، صفق باب الغرفة بقوة وخرج صوته بحرية: - كنتِ بتقولي إيه بقى ياماما؟ سمعيني تاني كدة.

- بقولك ياحبيبي ميرا رجعت النهاردة الصبح من رحلتها.


اومأ برأسه وكأنها أمامه قائلًا بسخرية؛

- ااه، طب وانا مالي بقى ان كانت رجعت ولا مرجعتش حتى، بتتصلي بيا ليه؟

وصله صوت والدته المصدومة: - ازاي بس انت مالك يابني؟ دي مش مراتك دي؟ طب حتى عشان تتفاهموا...

قاطعها بحدة سائلًا: - ممكن اعرف انتِ بتتصلي تبلغيني ليه ياماما؟

- ياحبيبي انا باتصل عشان بس تعمل حسابك وماترجعش متأخر زي كل يوم.


ضغط على شفتيه يهز برأسه يائسًا قبل أن يرد منهيًا الجدال: - تمام انا فهمت ياماما، اقفلي بقى دلوقتي انتِ عشان انا معايا شغل.

- يعني هاتتصالحوا ياجاسر؟

ضغط على أسنانه كابحًا غضبه: - طب معلش ياماما قفلي بقى وانا هابقى أكلمك من تاني ماشي، سلام بقا.


نهى المكالمة وخرج سريعًا من غرفة مكتبه لينضم الى والده ومن يعملون معه بالشركة في تجمعهم للإحتفاء به، بمناسبة تقلده لمنصب ادارتها، ذهبت انظاره تلاقئيًا لمكانها على الفور فلم يجدها ثم طاف بعيناه على جميع الوجوه فلم يجدها أيضًا، اقترب من والده يهمس سائلًا: - هي كاميليا راحت فين ياوالدي؟ أنا مش شايفها يعني.

اجابه عامر: - كاميليا استأذنت ومشيت، هو انت كنت عايز منها حاجة؟


لوح بكفه نافيًا بصمت وهو يتراجع للخلف، وقد أصابه الإحباط بعد أن فقد اللون الوردي بزهرته التي بعثت على يومه بعض البهجة التي افتقد الشعور بها منذ سنوات.

وفي مكانٍ اَخر.


تحت اليافطة المدون بها بخطوطٍ باهتة قديمة( المعلم محروس الشربتلي للتنجيد) والتي اعتلت الدكان المتواضع في الحارة الضيقة، كان جالسًا على كنبته الصغيرة يرتشف من كوب الشاي الذي بيده والسيجارة في فمه، قطع القطن واكياس الوسادات القديمة البالية تحت اقدامه، وعدته التي يعمل بها مرمية على الارض بإهمال، انتبه على صوت الصبي الذي يعمل بركن وحده في الداخل وهو يهتف عليه: - انا خلصت الحتة اللي في آيدي ياعم محروس هاتيجي تشوفها بقى وتقولي رايك.


- اترزع ياد مكانك وشوفلك حاجة تانية اشتغل فيها عبال ما اجيلك اطل عليك.

ردد الفتى بتردد: - اشتغل ازاي بس يامعلمي؟ وشوية القطن اللي في الشوال الجديد مايكفوش مخدة حتى.

- طب نجدلك في حتة قديمة ياخويا وماسمعش نفسك تاني، فاهم.


غمغم الفتى من الداخل بحنق على اهمال معلمه وعدم مراعاته لصنعة قد ياكل منها الشهد كما يتصور الفتى، لو انتبه لها محروس وحرص على الأنتهاء من الأعمال المتراكمة بداخل الدكان من وسادات ومراتب جديدة أو بالية وبحاجة لتجديد، ولكن كيف؟ وقد سيطرت المكفيات على عقله، وألهته عن صنعته وعن العالم اجمع، دوى الصوت القبيح في الخارج: - محروس باشا، قاعد عالكنبة ومسلطن ياعم؛ طب مش تندهلي عشان اَخد مكاني جمبك.


تمتم الفتى بغيظ: - وادي كمان صاحب السوء وأوس البلاوي كلها وصل، كملت!

وعند محروس الذي رد بتأفف: - عايز ايه يافهمي؟ ومالك بقى ان كنت اقعد متسلطن ولا اقعد على دماغي حتى، مش خلاص فاضيناها احنا وخلصنا.

اقترب فهمي يجلس بجواره على الكنبة قائلًا بسماجة: - ومين بس اللي قال ان احنا خلصنا ياعم محروس؟ دا انت حبيبي والنعمة.


نفض محروس كف فهمي التي استندت على ركبته يبعده عنه بتأفف: - انت اللي قولت يافهمي، لما مشتني امبارح من عندك وقفايا يقمر عيش، من غير ماتبل ريقي بحتة صغيرة حتى ولا انت نسيت.

بضحكة متوسعة اظهرت أسنانه الصفراء، اخرج فهمي من جيبه قطعة ملفوفة صغيرة يضعها بكف محروس الذي تلاقاها بلهفة: - طب كدة بقى احنا بقينا متصالحين ياعم.


قبض على القطعة محروس داخل كفه يردف بعدم تصديق: - بس انت مرديتش تديني أمبارح عشان الفلوس اللي معايا مكنتش مقضية، وخلتني ابات ليلتي اخبط في الحيطان من الصداع اللي مسك راسي يافهمي، هونت عليك وانت عارفني، دا انا مش بقصر معاك غير في الشديد القوي.


اتعوج فهمي بجلستة يضع قدمًا فوق قدم بميل وهو يردف بسيطرة: - عارف ياعم محروس عارف، بس انا عايزك تنسي الليلة دي خالص، عشان من هنا ورايح، انا مش هاخليك تحتاج لأي حاجة ولا تتعب، كل طلباتك من الصنف هاتوصلك من قبل ماتشاور.

- بتتكلم جد يافهمي ولا انت جاي تتضحك عليا؟


سأل محروس بتشكك وارتياب، اخرج فهمي من جيبه علبة السجائر وقداحته، يتحدث بتمهل: - لا صدق ياعم محروس، انا مش بضحك عليك ولا بثبتك، مانت عارفني بعزك قد ايه، هي بس حاجة صغيرة اوي اللي طالبها منك.

حرك رأسه محروس يسأله بتفسير: - هي إيه الحاجة دي؟ قول.


وضع فهمي السيجارة بفمه وهم لإشعالها ولكنها سقطت من فمه بعد أن تدلى فكه فور رؤيتها وهي تقطع الشارع امامهم، دون ان توجه نظرة نحوه او حتى تلقي السلام لوالدها، تنهد قائلًا لمحروس: - هاقولك على طلبي وعلى الله بقى ماتنفذهوش

فتحت زهرة باب الشقة بالمفتاح ثم دلفت تهرول بسعادة للداخل نحو جدتها الجالسة بمحلها على ارض الشرفة من وقت أن تركتها زهرة وذهبت للعمل

- ستي ياستي، قومي ياستي، شوفي انا جيبالك ايه؟


اعتلت السعادة ملامح وجه المرأة المجعدة بدلوف زهرة اليها بهذا الحماس، فسألتها بلهفة: - جايبة إيه بقى ياعين ستك انتِ؟

افترشت بجوارها على الارض غير مبالية بفستانها الجديد، تخرج من حقيبتها لفة أصناف الحلويات الجميلة والغريبة عنهم، تقطع بيدها قطعة صغيرة تضعها في فمها: - شوفي كدة ياستي ودوقي الحاجات اللي تهبل دي.


لوكت رقية داخل فمها تستطعم الطعم الجديد عنها: - اممم دي حلوة اوي يابت، جبتيها من فين دي؟ ولا اشترتيها بكام يامقصوفة الرقبة؟

ضحكت زهرة وهي تناولها قطعة اخرى بفمها: - هههههه اطمني يارقية مقربتش على حق الدوا والعلاج بتوعك، انا مشترتهمش اساسًا.

لوكت رقية بفمها مضيقة عيناها بمكرها المحبب على قلب زهرة: - امال انتِ جيباهم منين يابت؟ قولي على طول وقري بدل ما لف شعرك بإيدي، قولي يابت.


قهقهت زهرة وهي تجد كف جدتها التي حطت على رأسها تحاول الأمساك بها فقالت من بين ضحكاتها: - خلاص ياستي هاقول، هاقول يارقية خلاص والنبي.

- طب ياللا قولي وسمعيني.


قالت رقية متصنعة الحزم، ردت زهرة بعد ان هدأت ضحكاتها: - ياستي النهاردة كانوا في الشركة عاملين احتفال بتولي المدير الجديد اللي هو يبقى ابن رئيس الشركة، إدو الموظفين اجازة نص يوم، وفرقوا علينا بقى ساقع والحلويات الغريبة اللي انتِ شايفاها دي، دا غير كمان المكافأت.

اومأت رقية بتفهم، وتابعت زهرة: - وعارفة مين اللي مسك ياستي، الراجل الكشر اللي نشف ريقي امبارح في مكتب زهرة اعوذ بالله.


- هو شكله وحش اوي لدرجادي يابت؟

سألتها رقية بتوجس، اجابتها زهرة بابتسامتها المعهودة: - شكل ايه بس ياستي اللي بتتكلمي عنه؟ الناس النضيفة دي برضوا فيها حد وحش، دا بالعكس كمان، الراجل دا لما تشوفيه من بعيد تفتكريه كدة زي نجوم السيما. لكن في الحقيقة بقى هو يخوف بجد

- مايخوف اللي يخوفه يابت واحنا مالنا، مش هو ماسك قي حتة وانتِ بتشغلي في حتة تانية.


رفعت زهرة حاجبيها تردف بابتسامة واندهاش: - اه والله صح يارقية، اينعم هو رئيس الشركة، بس انا والحمد لله شغلي بعيد عنه، حبيبتي انتِ ياروكا.


بعد انتهاء اليوم وانصراف الجميع من عملهم، سارت غادة تطرقع بكعبها العالي على ارض الرواق المؤدي الى الباب الرئيسي، في طريقها للمغادرة وحدها، بعد ان تركتها الفتيات كاميليا وزهرة وغادروا مبكرًا دونها، كانت تغمغم بداخلها حانقة ومحبطة، بعد أن فشلت كل محاولاتها في جذب انتباه جاسر الريان؛ الذي تصدرت أمامه بجوار فتيات التقديم، ولم يرمقها حتى بنظرة عادية، حتى الرجال الأفاضل رؤساء الأقسام او موظفين الشركة الكبار، لم ترى من أحدهم فعل واحد يريح قلبها ويبعث في نفسها ماتستحقه من تدليل، كل مانالته هو نظرات الاعجاب التي تبعث في نفسها بعض الثقة الوقتية، ثم تعود لإحباطها فور انتهاء اللحظة، خرجت متأففة تنزل الدرج الرخامي بخطواتٍ مسرعة خففتها فور ان رأت سيارة جاسر الريان المصطفة امام الشركة بسائقها الذي تشاجر مع زهرة، يبدوا انها في انتظار خروجه، تباطئت خطواتها أكثر وهي تلتفت خلفها كل دقيقة، علٌه يخرج وتراه حتى وقفت بزواية قريبة تراقب؛ عقلها يدور بدون هوادة تريد التقاط ولو فكرة صغيرة، تجعله يلتفت اليها أو يراها.


- أخ بس عايزاه يشوفني، يمكن يحصل.

هو ايه اللي هايحصل؟

شهقت مرتدة للخلف واضعة يدها على قلبها حينما دوت هذه الجملة المفاجئة بجوار أذنها بخفوت وحينما التفت نحو صاحب الصوت ارتعبت بحق، من هيئة الرجل الأسمر، ضخم الجسد بلحية حول فكيه ورأسه الكبيرة صلعاء تمامًا من الشعر، غمز لها بعيناه قائلًا: - ايه ياحلوة اتخضيتي؟ سلامة قلبك.

رفعت شفتها قائلًا بازدراء: - وماتخضش ليه بقى وانا شايفة عفريت قدامي.


فتح فمه بضحكة مجلجلة فقال: - عفريت عفريت بس اعيش، بس لعلمك بقى، انا عفريت في كله.

ختم جملته المبهمة بغمزة بعيناه قبل ان يتركها راكضًا نحو سيارة جاسر الريان بمجرد رؤيته وهو يقترب منها، راقبته وهو ينضم اليه بداخلها ثم تحركت السيارة وغادرت، تمتمت بسبة بذيئة نحوه قائلة: - ابو شكلك يا بعيد، وقفت قلبي وقطعتلي الخلف، بشكلك اللي يخوف ده، ياساتر.


حينما عاد جاسر الى منزله مع والديه، بمجرد دلوفه لداخل المنزل الكبير، هتفت عليه والدته غاضبة توقفه قبل ان يصعد الدرج: - استنى عندك ياجاسر.

استدار اليها مرددًا بهدوء: - نعم يا أمي، في حاجة؟

اقتربت منه بوجه مكفهر تتحدث جازة على أسنانها: - ممكن اعرف انت أتأخرت ليه في الشركة، وانا حسب ما سمعت من والدك ان الموظفين انصرفوا من نص اليوم.


مط شفتيه قائلًا ببساطة: - عادي يعني، الموظفين انصرفوا بس انا كملت شغل مع نفسي في مراجعة ملفات الشركة وعقود الصفقات اللي مضاها والدي.

ردت بأنفاسٍ لاهثة تكتم غيظها: - النهاردة ياجاسر، وبعد مانبهت عليك برجوع ميرا، في ايه يابني؟

- وماترجع ميرا ولا تزفت حتى، اسيب الشغل وارجعلها بدري ليه انا؟ هاعملها استقبال مثلًا؟


قال بعدم اكتراث اثار استياء والدته التي هتفت بصوتٍ خفيض: - انت هاتجنني ياولد انت؟ هو احنا مش اتفقنا انك تتكلم معاها وتحاول عشان تقدر تصفي اللي ما بينك معاها.

لوح بكفيه أمامها نافيًا: - انتِ اللي قولتي، انا ماقولتش حاجة، عن اذنك بقى ياست الكل عشان عايز اطلع اغير هدومي واَخد شاور.

نهى جملته والتف ليصعد الدرج أمامها غير مبالي بصدمة المرأة التي ظلت متسمرة دقائق تستوعب مواقف ابنها الغير مفهومة.


وفي الأعلى وبعد أن دلف لغرفته، وجدها مستلقية على فراشه بملابس شبه عارية، تفحصها قليلًا والتوت شفته بابتسامة ساخرة وهو يتناول المقعد يقربه من رأسها حتى جلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى، فرك بيده على فكه الأسفل قائلًا: - ممكن تفهميني ايه اللي منيمك على سريري وانا مش موجود؟ وجاوبي على طول عشان انا معنديش خلق للأستهبال والتمثيل.













فتحت عيناها على الفور تعتدل بفراشها زافرة بقوة تنظر اليه حانقة: - اعوذ بالله منك ياأخي، هو انت على طول كدة قطر، مافيش وقت للتفاهم.

اعتدل بظهره لخلف المقعد قائلًا: - وليه ماتقوليش اني مليت من تمثلياتك الخايبة، وانت مفكرة ان ممكن انطس في عقلي واتأثر بكتف ولا رجل عريانة منك، ايه ياميرا هو انت لسه عايشة في الوهم.؟


شحب وجهها للحظات من مفعول كلماته القاسية لها، لكن سرعان مااستعادت توزانها فتبسمت وهي تعبث بشعرها تعيده للخلف: - جلف وبترمي دبش من بوقك على أساس اني هاتأثر يعني ولا هاتهز ثقتي في نفسي، لكن لا ياحبيبي، انا عارفة كويس اني مرغوبة، مش محتاجة شهادتك.


سأل رافعًا حاجبه: - اااه ومين بقى اللي عرفك انك مرغوبة؟ يكونش الرجالة الأغراب اللي كنتِ بتسهري معاهم يوميًا في رحلة المسخرة اللي عمليتها انتِ وصحباتك الفاشلين، ولا في حاجات تانية أنا معرفهاش؟

مالت اليه برأسها مرددة: - إيه ياجاسر؟ أسميها غيرة دي بقى ولا إيه بالظبط؟


برقت عيناه هاتفًا بغضب: - فوقي لنفسك يامريهان، غيرة ايه دي اللي اغيرها انا على واحدة زيك؟ أنا كل اللي هاممني هو اسمي واسم العيلة، اسم حضرة الوزير والدك، اللي ممرطاه مع اللي يسوي واللي مايسواش بعمد؛ عشان تستفزيني وتخرجي مني رد فعل يرضي جنونك، لكن لا يا مريهان، انا برضوا هاسيبك كدة مع نفسك، لعل بغباءك ده تشيلي والدك من كرسي الوزارة يمكن ساعتها يحس على دمه ويشوف عمايلك.


بصق كلماته ثم خرج مغادرًا دون حتى الإلتفاف نحوها، ورؤية أثرهم عليها وعلى جسدها الذي كان ينتفض من الغيظ والغضب.

في اليوم التالي.


وفور أن دلف لداخل الشركة بهيبته المعتادة والخاطفة للإنفاس، حزمه وصرامته رغم مظهره البراق، لمحها واقفة أمام المصعد الخاص بالموظفين، ممسكة ببعض الملفات دون أن انتباه لم تترد اقدامه في السير نحوها مفاجًأ كارم ذراعه الأيمن في جميع اعماله والذي تسمر محله مزبهلاً وهو يرى رئيسه يتجاهل مصعده الخاص كرئيس الشركة ليلحق بمصعد الموظفين على اخر لحظة قبل تحركه.


وفي الناحية الأخرى كانت زهرة منكفئة، تراجع الأوراق التي بيدها حينمأ أجفلت على دخول أحد الأشخاص، شهقت مرتدة للهخلف حينما تبينت هويته، يقف أمامها واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله، ونظرة عيناه التي وجهها على الفور نحوها، تثير بقلبها الشك والإرتياب. 

          الفصل الخامس من هنا 

تعليقات



×