رواية نعيمى وجحيمها الفصل التاسع والاربعون بقلم امل نصر
رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل التاسع والأربعون
دلفت تسبق والدتها في الدخول إلى المنزل، لترتمي سريعًا على اقرب مقعد وجدته أمامها، ورمت حقيبتها على المقعد الاَخر، لتستند بوجنتها على قبضة يدها، زامة شفتيها بوجه واجم ومتجهم، انتبهت عليها إحسان وهي تتأنى بخطواتها الثقيلة بجسدها البدين لداخل المنزل: - يا مشاءالله ع السنيورة، قالبة وشك ليه يا بت؟
زفرت غادة بقوة تحدجها وهي تتاَكل من الغيظ بداخلها، فالمرأة لم تكف على معايرتها من وقت أن غادرن حفل عقد قران كاميليا، التي ارتطبت بهذا المدعو كارم وعائلته الممتلئة بالرتب العالية من رجال الأمن بالإضافة إلى رجال الأعمال والأستاذة، بالإضافة لرؤية زهرة وهذا التغير طرأ عليها لتبدوا في ملابسها والهيئة الجديدة لها بجوار عامر الريان وزوجته الهانم وقد تصالحا وأصبحت زوجة ابنهم في العلن وتجلس بحوارهم الاَن وكأنها واحدة منهن،.
- أفندم يا ست غادة بتبصيلي كدة واكنك هتاكليني في إيه يا بت؟
هتفت بها إحسان فور أن جلست على الكنبة ألمقابلة لها، لتخرج الأخرى عن صمتها وتصيح بوجهها: - كل ده ولسة بتسألي ياما؟ دا انت بوقك مقفلش من ساعة ما خرجنا من القاعة، إيشي مرة ع الست كاميليا وايشى مرة ع البرنسيسة التانية بنت اخوكي اللي وصلوا والدنيا ضحكت لهم، وانا بس اللي فضلت محلي مع خيبتي، ها يا ست ماما، لسة عندك كلام تاني تسممي بدني بيه؟
لوكت بفمها تمصمص بشفتيها لترد وهي تلوح يكفيها بعدم رضا: - شوف يا خويا البت وعمايلها، هو انا جيبت حاجة من عندي يا بت؟ وليكونش بفتري ولا بقول حاجة مش شايفاها انتي بنفسك؟ جوز المصايب مسكوا أيد بعض وطلعوا لوحدهم لفوق، وسابوكي انتي لوحدك، واخدة بالك يا غندورة
أغمضت عينيها بعدم احتمال فكلمات والدتها تلسع كالسياط لتصيبها في كرامتها المهدورة بيد هذا الملعون الذي أشعرها بالرخص، وحظها الذي تشعر بانتقاصه.
دائمًا وقد تأخرت بالفعل عن اللحاق بركب الملعونتين زهرة وكامليا، التي تصالحت معها بعد اَخر شجار بينهم ثم دعتها بمودة لحضور هذا الحفل، بقصد علمته هي جيدًا الاَن بعد أن رأت بنفسها هذه الفخامة المبالغ فيها لحفل عقد قران والخطوبة، وهذا الكارم لم تتصور ولو في أقصى خيالها أن يكون بهذه الهيئة الراقية ليجعل كاميليا كالأميرات في الحفل، لتزداد الحسرة بقلبها وتأتي والدتها لتذكرها الاَن بخيبتها ضاعطة بعنف على جرحها الغائر، خرج صوتها بعتاب نحو والدتها: - ما شي يا ست الكل، انا اللي فضلت لوحدي واضحك عليا من الاتنين، استريحتي كدة بقى؟
شهقت إحسان فاغرة فاهاها لتردف برفع شفتها: - وارتاح ليه بقى يا اختي؟ كنت شوفتيني عدوتك ولا عدوتك يا بت؟ دا انا امك اللي باكية على مصلحتك، ونفسي بقى تقبي زي الناس دي، ولا هي جات عندك انتي ووقفت يعني
همت غادة لترد فسبق أبيها ليتدخل بقوله الساخر، بعد أن استمع لحديثهن: - يا فرحتي بيكم وانتوا بتتخانقوا كدة، طول الوقت تخطيط وتظبيط ومصاريف ع الفاضي وفي الاَخر، تمسكوا في بعض.
زجرته إحسان بنظرة محذرة لتصرفه بغضب: - بقولك إيه يا شعبان، انا العفاريت بتنطط في وشي والنعمة الشريفة لو ما اتزحزحت دلوقت من قدامي لكون سايبة البت وماسكة في خناقك انت.
انتفض الرجل ليرتد بأقدامه للعودة نحو باب المنزل الخارجي ليتفادي الشجار فصحته لا تقوى على مجابهة غضب زوجته المدمر، وتمتم ذاهبًا: - وانا ومالي ومالكم يا عم، هو انتي لما تغلبي في الحمار تقومي تتشطري ع البردعة، دا إيه النيلة دي.
ختم بصفقه الباب بقوة، تارك المجال لزوجته التي التفت لابنتها على الفور سائلة بقلق: - بت يا غادة، هو البيه اخو صاحبتك لساتوا برضوا مافتحكيش ولا قالك حاجة عن جوازك بيه؟
أجفلتها بالسؤال الذي كانت تخشاه، فااخر ما ينقصها الاَن هو اخبار والدتها بنية هذا المدعو ماهر وما عرضه عليها من عرض دنئ لا يصلح سوى لامرأة تبيع نفسها وهي ليست كذلك.
انتفضت بدفاعيه تهتف بوجه المذكورة: - تاني بتسأليني وتحققي معايا ياما، مش ناوية بقى تسيبني وتفرجي عني في الليلة المهببة دي، دا إيه الغلب دا بس يا ربي، انا سايبهالك وقايمة عشان تستريحي، يا ساتر يا رب.
قالتها وخطت سريعًا نحو غرفتها لتهرب من نقاش والدتها المرهق، حتى إذا أغلقت باب الغرفة عاليًا، تركت العنان لهذه الدمعات الحبيسة وتبكي بحرقة الله، حتى رفعت رأسها على صوت الهاتف الذي دوى بجانبها فتبينت هويته، صرخت تلعن الساعة التي رأته بها وهي تدفع الهاتف بعيدًا عنها بعنف.
بعد ساعات من البحث والاتصالات المتكررة بدون فائدة حتى قارب على اليأس وغلبه الخوف والقلق
من أن يحدث أو يضر نفسه بشئ ما، يتفاجأ برؤيته الاَن هنا وعلى مدخل المنزل جالسًا على الدرجات الرخامية بصورة مزرية، ليُخفي حزنه بصعوبة حينما اقترب منه عامر الريان وزوجته الذين سبقا جاسر وزهرة إليه: - إيه يا بني، قاعد كدة ع السلم ليه ومدخلتش الفيلا على طول، هو انت غريب يا طارق؟
بابتسامة مغتصبة رد وهو ينفض ملابسه في النهوض لمصافحة الزوجين بمرح مزيف: - معلش يا عمي بقى، راسي تقيلة ومقدرتش اروح ولا استنى في البيت لوحدي، قولت انتظر جاسر هنا اسهل،
قالت لمياء باستغراب لحالته: - قصدك إن انت شارب يعني؟ بس مش باين عليك إنك س كران يا طارق، هو انت مجيتش ليه صحيح خطوبة كاميليا؟ مش هي شريكتك برضوا في الشغل.
أجفلته لمياء بأسئلتها المتتالية المباغتة، فافتر فاهه يفكر ليأتي لها بحجة كاذبة ولكن جاسر لحق به لينقذه سريعًا بترحيبه بعد أن وصل إليه: - إنت موجود هنا يا مجنون انت وانا بدور عليك، عن إذنك يا ماما عن إذنك يا بابا، اصل عايز انفرد بيه لوحدي.
قالها ليسحبه سريعًا إمام أنظارهم المندهشة، حتى التفوا إلى زهرة بتساؤل والتي قد وصلت إليهم متأخرة، بعد أن سبقها زوجها للحاق بصديقه للأنفراد به، حركت كتفيها ومطت بشفتيها تدعي عدم المعرفة قائلة ببرائة: - معرفش.
وفي الداخل وفور ان اختلى بصديقه بالغرفة التي اغلقها عليهما وحدهم هتف يود لكمه على فكه بعد ساعات من القلق كادت أن تقضي عليه مع تعمد الاَخر لعدم الإجابة عن اتصالاته المتكررة للاطمئنان عليه: - كدة برضوا يا زفت انت، تسيبني هموت من القلق والخوف وانت زي الطور مستني هنا على سلم البيت.
تجاهل طارق صياحه ليرتمي على الاَريكة التي وجدها أمامه ليستلقي عليها بظهره، ورد بلهجة ميتة: - معلش يا جاسر، بس انا بصراحة مكنتش قادر اتكلم ولا ارد على أي حد.
تنهد جاسر بعمق وعيناه اتجهت للسماء فهذا المتعوس أرهق قلبه بالحزن على حالته التي لا يجد لها حل ولا يعلم أين تكمن العقدة بالظبط؟
خطا ليجلس على الكرسي المجاور له وربت بكفه القوي على ركبته يقول بتحفيز.
- اصحي وفوق كدة، الزعل ما فيش منه نتيجة، غير انه بيحيب التعب والمرض لصاحبه، فوق ياللا وارجعلي طارق بتاع زمان.
تبسم بجانبية ليرد ساخرًا دون أن يلتف نحوه: - طارق بتاع زمان! يا سلام يا جاسر دا انا كنت ضاربها جزمة وكل يوم مع واحدة شكل ولا اعرف هم ولا زعل حتى، كانت ايام بقى.
صمت جاسر فقد الجمته مرارة الحديث ولم يعد به قدرة على مجارته فتابع الاَخر يفاجئه بطلبه: - على فكرة يا جاسر، انا كنت جايلك النهاردة مخصوص عشان ابلغك بقراري.
- قرار إيه؟
سأله جاسر مستفسرًا فالتف الاَخر يعتدل إليه بجسده على جنبه يخبره: - أنا قررت اسيب الشغل عندك وارجع لكندا اكمل فيها هناك مع أهلي.
- نعم!
هتف بها جاسر ليتبع قوله بلكزه بقبضته ناهرًا بحزم: - انت اتجننت ولا عقلك طار منك، ولا يكونش فاكرني هسمحلك، اقسم بالله ما هسمحلك يا طارق.
هم الاَخر ليجادله ولكن اوقفه صوت طرق على باب الغرفة الذي دلفت منه زهرة بعد ذلك بصنية عليها كوبين كبيرين من مشروب الليمون، تلقفها جاسر قائلًا بغضب لها: - وانتي كمان شايلة الصنية بنفسك ليه؟ ما فيش خدامين يجيبوا بدالك؟
- الخدامين نايمين وانا صعب عليا بصراحة اصحيهم.
تمتمت بها وهي تخطوا لداخل الغرفة خلفه حتى إذا وصلت إلى طارق سألته بقلق: - عامل إيه دلوقتِ كويس؟
أجابها بهز رأسه وابتسامة ليس لها معني لا تصل إلى عيناه قبل أن يعتدل بجذعه ويتناول كوب العصير الكبير من جاسر ليرتشف منه، فقال الاَخير: - تعالي وشوفي المجنون دا اللي عايز يسيب البلد ويهاجر لكن وربنا ما هسمحله.
توجهت إليه تسأله بخضة: - دا بجد يا طارق؟
اومأ لها دون صوت فردت بانفعال اختلط بغضبها وهي تجلس لتنضم معهما: - ما تزعلش مني بس انت كدة بقى هتبقى جبان وهربت وسيبتهالوا.
أصابت الصدمة جاسر قبله فقال ملطفًا رغم نظراته المحذرة إليها: - زهرة حبيبتي اهدي شوية وخلي بالك من كلامك، كذا مرة اقولك حاولي ما تظهريش اللي جواك.
تجاهلت تحذيره المبطن والتفت لطارق تكمل بتأكيد: - زي ما بقولك كدة طارق، اوعى تسافر وتستلم، كاميليا بتكابر وهي بتتقطع من جواها، وأكيد الوضع دا مش هيستمر معاها كتير.
نبت بقلبه الأمل ولكن رفض أن يحارب طواحين الهواء دون فائدة بيأسه، فقال يذكرها: - عايز افكرك ان اللي بتتكلمي عليها دي كتبت كتابها، يعني الموضوع خلص.
- لا مخلصش.
قالتها بعند اثار استغراب زوجها الذي تمتم غير مستوعب: انت جايبة الثقة دي منين بس؟ بلاش خيالك البريئ ده يا زهرة في حاجة كبيرة زي دي وغير مضمونة كمان.
سمعت منه لتكمل لطارق غير مكترثة: - اسمعها مني يا طارق، حتى لو كان كلامي خيال زي ما بيقول صاحبنا ده، انا مبقولكش انك تفرق ما بينهم ولا تعمل لها مصايب، يكفي انك تفضل قاعد قدامها وقصادها، انا مش طالبة منك حاجة تاني.
حديثها العفوي جعله يعيد التفكير بجدية حتى أنه عاد بجلسته للخلف وبدت ملامح وجهه تتغير باهتمام، ورغم أن بداخله لا يريد الإنتظار لشئ قد لا يتحقق مع.
رفض كرامته أن يأخذ مكان الإحتياط في حياة المرأة الوحيدة التي أحبها وسلم إليها قلبه، ولكن وما الضرر في الإنتظار، هو بالفعل يحترق بداخله، كما انه لن يجد الراحة أبدًا في البعد عنها، والأهم أنه يعلم تمام العلم بعشقها له ولكن تظل هذه الألغاز التي تحاوط بها نفسها
هي ما يقلق راحته، إذن فاليظل هنا وربما توصل لحلها في يوم ما.
قطع شروده ليلتف نحو زهرة يسألها عن هذا الشئ الخفي في حياة العنيدة محبوبته: - زهرة معلش كنت عايز أسألك، تعرفي حاجة عن والدة كاميليا؟
بدا على جاسر الاستغراب كما قطبت للسؤال مفكرة قبل أن تجيبه: - انا اللي اعرفه انها اتطلقت من والد كاميليا زمان، من ايام ما كانوا ساكنين جيرانا في الحتة، بصراحة الناس كلها استغربوا ازاي واحدة تسيب طفلها ميدو اللي عمره وقتها كان يدوبك يجيب سنة، وتربيه بنتها، بس كمان كلنا خمنا إن أكيد خالتي نبيلة هترجع تاني لجوزها، بس اللي حصل انها مرجعتش، وفضلت كاميليا تربي ميدو بمساعدة والدها.
تابع يسألها مرة أخرى: - طب هي كاميليا كانت بتزورها؟
صمتت قليلًا زهرة بتفكير رغم اندهاشها الكبير من أسئلته ثم أجابته بتذكر؛
- بيتهيألي كانت بتروحلها وهي كبيرة كمان، انا فاكرة في مرة اختفت يومين واما سألتها قالتلي انها كانت عند والدتها.
تمتم وقد ازداد اندهاشه: - قعدت عند والدتها يومين طب ازاي؟
تدخل جاسر بقوله لهم: - ما تفهموني انتو بتتكلموا عن إيه؟
أجابته زهرة بسجيتها: - انا بجاوب على أسئلته لكن والله ما فاهمة.
ردد خلفها بعد أن لاحظ نظرات جاسر المستفهمة: - وانا بسألها واقسم بالله برضوا ما فاهم حاجة.
تطلع إليها جاسر بازبهلال، بعد أن أثارو فضوله بأسئلتهم الغريبة، فقطع يسأله: - طب انت قررت إيه دلوقت؟
ارتشف طارق من كوبه قليلًا بصمت وتفكير عميق قبل أن يجيبه: - انا قررت اجازة دلوقت اريح فيها اعصابي واسافر اطمن على أهلي بالمرة، حتى عشان اخدها فرصة كمان افكر بقى براحتي.
- حلو أوي ده
غمغمت بها زهرة ليحدجها جاسر بغيظ قبل أن يتابع بسؤاله: - اه يعني كام المدة اللي هاتاخدها في اجازتك دي؟
وفي الأعلى
في غرفة عامر ولمياء التي بدلت ملابسها ثم جلست شاردة حتى انتبه لها زوجها الذي سألها بريبة: - إيه يا لميا؟ شايفك سرحتي يعني وكأنك روحتي لدنيا تانية، غير اللي احنا فيها.
التفت إليه برأسها بوجه متسائل، فقالت بتردد: - بصراحة خايفة اتكلم لا تزعل.
تبسم لها عامر وقد بدا أنه فهم ما يدور برأسها، وقال يستحثُها على الكلام: - لا قولي يا حبيبتي ومش هزعل، ما انا خلاص اتعودت بقى.
رغم انتباهها لنبرته المتهكمة ولكنها لم تقوى على الكتمان لتردف سريعًا له: - بصراحة بقى انا كنت هتجنن على حفل النهاردة، اللي كان يهوس، وكنت أتمنى من قلبي دا يبقى فرح ابني.
أصدر تنهيدة طويلة بقنوط، يتطلع ألى زوجته وطبعها الذي لن يتغير أبدًا، واستطردت هي مواصلة: - بلاش البصة دي والنبي عشان عرفاها كويس، أنا أم وشئ طبيعي لما افكر كدة، دا ابني وحيدي يا عامر، وكان نفسي افرح بيه.
فاض بيه عامر ليرد وهو يضرب بكفه على ذراع المقعد الذي يجلس عليه: - يا شيخة حرام عليكِ، دا انتِ عملتي ما بدالك في جوازته الأولى بميري بنت اختك، امال زهرة تعمل اللي ما تعملهاش نص اللي اتعمل لصاحبتها حتى، ودي جوازتها الأولى.
غمغمت باعتراض وصل إلى عامر وهي تشيح بوجهها عنه: - ما هي اللي قبلت بالوصع معاها، احنا مالنا؟ هي كانت تتطول أساسًا؟
- اللهم ما طولك ياروح.
هتف بها عامر بزفرة طويلة كي ترتجع زوجته عما تفكر به، شعرت لمياء ببواد غضبه ففضلت ان تنهي حتى لا تزيد ويصل النقاش بينهم إلى خلاف، وقالت مغيرة: - بس انا مكنتش اعرف ان كارم عيلته كلها رتب مهمة للدرجادي، دا انا جاني احساس اني في مقر أمني من كتر الرتب اللي شوفتها.
اعتدل بجلسته ليندمج في حديثها مقدرًا تفهمها بتغير مجرى الحديث: - بس انا عارف من الأول على فكرة ومستغربتش انه يعزمهم، والد كارم الله يرحمه كان اول واحد يدخل المجال الأمني منهم وبعدها ناس كتير من عيلته قلدوه عشان السطوة والهيبة، كارم نفسه كان من ضمنهم، بس للأسف حصلت معاه مشكلة كبيرة أدت لفصله من السنة التالتة في الأكاديمية.
هتفت مندهشة بعدم تصديق: - إيه؟ انفصل من سنة تالتة؟ ازاي يعني ينفصل ووالده رتبة مهمة في الدولة؟ هو عمل إيه بالظبط؟
بهزة بسيطة من كتفيه اجابها بعدم معرفة: - بصراحة مش فاكر، اصل والده ساعتها حكالي الموضوع على عجالة من غير تفاصيل.
- اه الحمد لله يا ربي، اَخيرًا شوفت اليوم ده.
هتفت بها المرأة فور دلوفها لمنزلهم بعد عودتها مع ابنها من حفل عقد قرانه والذي تقدم منها ليقبلها أعلى رأسها يخاطبها مبتسمًا: - وانا مبسوط قوي لفرحتك يا ست الكل، ما قولتليش بقى ها عجبتك الحفلة؟
تبسمت الوالدة بغبطة جعلت دقات قلبها تخفق بتسارع مع حجم السعادة التي تشعر بها حتى اردفت له بفخر: - كلمة عجبتني دي شوية يا كارم، الحفل بتاعك كان روعة يا حبيبي، أنا كل الناس كانت بتحسدني عليك النهاردة انت وعروستك، دي كمان كانت تجنن، لو هقولك اني خايفة قلبي يوقف من الفرحة يبقى لازم تصدقني على فكرة.
- سلامة قلبك يا قمري، خليك جامدة لأنك لسة ما شوفتيش حاجة فكرة، دا انا ناوي اخلي حفل الزفاف اسطوري على حق ومصر كلها تحلف بيه؟
هللت بدخلها والدتها ولم تجد من الكلمات ما يوصف السعادة التي تشعر بها، فردت بقبلة كبيرة على وجنته قائلة: - براحة عليا شوية بقى، خليني اتمتع بفرحة النهاردة عشان اقدر أستوعب اللي جاي، ربنا يزيد من فرحتك يا قلبي، انا هروح اريح وانام بقى عشان هلكت بجد.
قالتها ليفك ذراعه عنها وتركها لتذهب نحو غرفتها، وخطا لداخل الصالة الفسيحة حتى وصل إلى الصورة المؤطرة والمعلقة على الحائط أمامه بالحجم الكبيرة، يتطلع إلى الرجل المهيب بالزي الرسمي لعمله، ثم القى نظرة على هذه الأوسمة والمادليات الذهبية والدروع الكثيرة التي تراصت في جانب وحدها فلا يستطيع احد ما من الاقتراب منها سوى لتنظيفها والذي لا تفعله سوى والدته، ليعود الى صاحب الصورة مرة أخرى يخاطبه: - ازيك يا باشا النهاردة؟ أكيد مبسوط صح؟ ولا زعلان عشان ما شوفتش اليوم ده بعد ما خيبت أملك وقطعت حلمك، أديني اثبت نفسي في مجال الأعمال والفلوس،.
مع السلطة اللي وارثها منك
اوقف يتنفس بعمق قبل أن يتابع حديثه للصورة التي أمامه؛
- ما كنتش عايزك تموت قبل ما تشوف نجاحي، بعد حصرتك عليا لما انفصلت عن الكلية بضغط من رؤساءك وقتها، بس بصراحة يا والدي انا مندمتش ع اللي عملته
قال الاَخيرة بابتسامة متوسعة ليكمل: - اديني وصلت للي انا عايزة وفوزت باللي أحلى منها ومن غير أذية المرة دي!
بفستان الخطبة الذي لم تبدله كانت مستلقية بظهرها على تختها تتطلع بسقف الغرفة، بعد انتهاء الحفل وانتهاء كل شيء لها، لقد تم ما أصرت عليه بعد اتخاذها القرار المصيري، لم يكن في نيتها الزواج ولكنها اضطرت لذلك، تعلم بخطورة ما ارتكبته في حق نفسها، وفي حقه هو الاَخر، ومع ذلك فهذا هو الأفضل له ولها، لقد رأت اللوم في نظرات زهرة وزوجها لها رغم ادعائهم العكس، ولكن من منهم يرى الصورة الكاملة ويعلم الحقيقة ليأخذوا الحق بلومها؟ حتى ميدو حبيبها الصغير لم ترى الفرحة بوجهه رغم كل محاولتها لاقناعه، رأسه الصلب يرفض التصديق، او القبول به زوجًا لشقيقته،.
تنهدت بعمق ما يجيش بص درها، ثم اعتدلت فجأة لتتناول الهاتف من فوق الكمود وتتصل بها، فجاءها الرد سريعًا: - الوو يا كاميليا، اخيرا اتصلتي يا حبيبتي، إيه الأخبار؟
- الحمد لله كويسة، انتِ بقى عاملة إيه؟
- تمام يا قلبي، المهم طمنيني انتِ.
- عندك وقت تسمعيني ولا اختصر لو هتنامي؟
- لا يا حبيبتي عندي كل الوقت، قولي براحتك واتكلمي.
بعد مرور شهر
بداخل منزلها كانت تصيح بصوتها الغاضب على محدثها في الهاتف: - ازاي يعني مش لاقي صرفة؟ انت لازم تخلصني من الموضوع دا بقى في اقرب وقت عشان قرفت...
ماليش دعوة انا اتصرف مع الولد ده واديلوا اللي هو عايزه خليني اخلص، قصدك انه بيلاوعك عشان ياخد مبلغ كبير؟، الك لب الح قير بيستغل الظرف، خلاص يا عابد اتصرف واقفل بقه بالفلوس اللي هو عايزها انا عارفاه طماع صحفي الغبرة دا كمان، بس خليك ناصح ومتخليهوش يشطح فيها ارسى معاه على مبلغ كويس وبلغني، تمام.
أنهت المكالمة لتدفع بالهاتف غير اَبهة بكسره، وجلست على كرسيها لتنفخ غيظها بسيجارة التقتها من علبتها، لتنفث دخان يخرج مع حريقها هي الأخرى بالداخل، فقد ارهقتها هذه القضايا التي ورطها بها جاسر الريان بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تتكبدها في دفعها لإتعاب المحامي الفاسد، وهذه الفتاة عاملة المشفى لتغلق فمها عن ذكر اسمها، ثم هذا الح قير فاضل الصحفي المستغل.
الذي يلاعبها بحنكة لينول اكبر قدر من الأموال حتى يوافق ويغير اقوال تدينها في قضية المطعم والتشهير بجاسر الريان
رفعت رأسها نحو شقيقها بوجهه الوجم بعد أن هبط الدرج واستمع لصريخها في الهاتف فبادرته بقولها له: - بتبصلي وانت ساكت ليه؟ اتكلم وخرج اللي جواك.
زفر قبل أن يجلس بجوارها ليخاطبها بلهجة لينة حتى يمتص غضبها: - يعني عايزانى اقول إيه بس؟ القضايا دي اللي عليكِ وخروجك من مجموعة الريان دول كلهم عليهم علامة استفهام، بس انا ياقلبي ما ليش حق أحاسبك.
التفت إليه برأسها تنتظر البقية وقد اراحها منطقه في الحديث، واردف يكمل: - انا بس عايزك تهدي شوية وتبطلي حرق في اعصابك كدة طول الوقت، دا غلط يا حبيبتي على صحتك.
تغيرت ملامحها وعاد الغضب يرتسم عليها بوضوح، لتهتف كازة على أسنانها: - عايزنى اهدى ازاي؟ والزفت ده خسرني كل شئ دا غير مصالحي مع ناس وقفوا تعاملهم معايا عشان ما يطولهمش غضب بن الريان، دا غير سمعتي المهددة بالقضايا المرفوعة عليا لو اتحكم فيها، وانت لسة بتقولي هدي أعصابك.
ندم على مشاركتها الحديث لينال منها هذه الحدة المبالغ بها بوجهه، فنهض مستئذنًا على تردد: - طب اقوم أنا أشوف اللي ورايا عشان بصراحة عندي مشوار مهم.
اوقفته قبل أن يبتعد عنها بقولها: - انت لسة برضوا مالقتش سكة مع البنت دي؟
سألها بعدم تركيز: - تقصدي مين؟
نهضت لتصيح بانفعال وتعصب تجيبه: - غادة يا ماهر، لحقت تنسى اللي طلبتوا منك؟
افتر فاهه واغلقه على الفور فور تذكره ليمسح بأنامله على جبهته يرد بحرج: - اَسف يا قلبي لو انشغلت عن طلبك بجد، بس انا بصراحة عملت اللي عليا واتصلت بيها كذا مرة وهي مردتش اعمل لها أيه تاتي دي بس؟
تصلبت محلها تهدر بأنفاسها، مضيقة عينيها بتفكير عميق قبل أن ترد: -، تمام انا هتصرف والاقي طريقة حلوة معاها، ما انا مش هسكت من غير ما ارد.
هتتأخري النهاردة في شغلك؟
سألها مخاطبًا لها بجواره وهو يقود سيارته، واجابت بعملية وهي تراجع على بعض الأوراق سريعًا: - أممم بصراحة مش عارفة هبقى اشوف.
- لأ هتشوفي دا إيه؟ انتِ لازم تفضي نفسك عشان مشوارنا.
قالها بحزم اثار انتباهها لتترك ما كانت تتطلع به، وتسأله بنزق: - ليه بقى لازم يا كارم؟ دا مشوار عائلي لمناسبة سعيدة في عيلتكم، وانا لسة ع البر يا كارم.
- لأ مش ع البر يا كاميليا.
هتف بها وهو يضغط بقوة ليوقف السيارة فجأة فجعلها تهتز بجسدها لأمام بعنف قبل أن ترتد سريعًا بفعل حزام الأمان، رفعت رأسها تواجهه مخضوضة: - ليه كدة يا كارم؟ انت خضتني بجد على فكرة.
لانت لهجته ليرد باعتذار: - انا اسف، بس انتِ اللي اضطرتيني لكدة.
- انا برضوا اللي اضطريتك لكدة؟ طب ازاي؟
هتفت بها بعدم استيعاب لتجده ينظر لها مؤكدًا بقوة: - ايوة انتِ يا كاميليا، عشان الكلام ده في كل مرة بتقوليه اطلب منك ترافقيني في مشوار لعيلتي، انا مش فاهم ايه سر رفضك الدائم لكل خروجة اطلبك فيها؟
حاولت كبح غضبها لتجيبه بنبرة هادئة نسبيًا حتى لا تثير غضبه: - بسببك يا كارم، وبسبب تدخلك حتى في اللي هلبسه، دا انت بتختار الفستان وتختار الكوافير اللي هروحله، دا غير طقم الألماظ اللي لازم البسه، وانا ما بحبش التكلف، انا واحدة بميل للبساطة.
سمع منها ليرد بعدم اكتراث: - اه والبساطة دي هتنفعك بإيه بقى لما تظهري اقل من أي واحدة من بنات العيلة؟ الكلام اللي انت بتقوليه دا يا كاميليا خيالي اوي وملهوش دعوة أبدًا بالواقع اللي احنا عايشينه
رددت وهي تُشير بسبابتها نحوها: - انا كلامي خيالي يا كارم؟
اومأ بعيناه قبل أن يقول ملطفًا في محاولة لإقناعها: - كاميليا عايزك تفهميني، انا فخور بيكِ وعايزة الدنيا كلها تشوف اختياري الصح، ست جميلة وناجحة في شغلها، يبقى فاضل بس انها تبقى سيدة مجتمع راقية وانت تصلحي للدور ده، حرام ترضيني في حاجة زي دي.
صمتت بعدم رضا فلم يعجبها حديثه ولكنها فضلت عدم الاصطدام.
علم هو بما يدور برأسها فتناول كفها يقبلها ليقول برقة: - حبيبتي انا ماليش غيرك، لا عندي اخوات بنات ولا ولاد، انتِ دنيتي كلها بعد أمي وانا مصدقت لاقيتك.
وصلت لمقر عملها لتجد هذه الزحمة بالطابق الموجود به غرفة المكتب الخاص بها، عمال وموظفين لم تعتد رؤيتهم، أعدادهم تتزايد بكثرة كلما تقدمت بداخل الرواق حتى تفاجأت، بالتجمع الكبير أمام غرفته، وهو الغائب لأكثر من شهر في إجازة لم يحدد مدتها، إذن ايكون قد عاد من سفره؟ فقد اخبرتها زهرة بذهابه ألى عائلته بكندا، ام من الجائز أن يكون قد احتل غيره مكانه؟ او ربما استقال من منصبه بعد ماَساته معها ومعاناته التي شهدتها بنفسها، وأوجعت قلبها معه.
وصلت إلى التجمع امام الغرفة المذكورة، فانتبه الرجال متزحزحين عن أماكنهم كي يسمحوا لها بالدخول، لتدلها ضحكته المجلجلة عنه في قلب المساحة المزدحمة،
بجسده الطويل يرتدي حلة سوداء فاخرة، يعطيها ظهره وهو يتحدث مع رئيس العمال الذين أتو لتحيته بعد رجوعه من غيبته، في حدث لا يتكرر مع غيره وذلك لتقربه من الجميع وبساطته في الحديث مع كل العمال دون تفرقة.
ضخ قلبها بقوة ليصير نبضه قويًا وسريعًا دون هوادة، وكأنه في سباق للعدو، لقد اشتاقت له ولرؤيته ولصوته ومزاحه، ومشاكسته، حتى عتابه ولومه لها.
هذا شئ تأكدت منه جيدًا في الأيام التي قضتها في العمل بدونه.
- استاذة كاميليا وصلت اهي، تعالي احضرينا بقى يا ست.
هتف بها رئيس العمال فاستدار بجسده إليها لتشعر بتوقف قلبها عن النبض للوهلة الأولي قبل أن يستعيد توزانه وتتمالك نفسها وهو يقترب ليصافحها بنبره عادية: - اهلا يا كاميليا عاملة إيه؟
ابتعلت لتجلي حلقها كي ترد: - اهلآ بيك يا طارق، حمد لله ع السلامة، انت وصلت امتى؟
- انا وصلت من امبارح يا ستي.
قالها والتف للعمال متجاهل النظر إليها وكأنه تركها بالأمس وليس ثلاثين يومًا، لم يشعر ولم يصيبه ألم الأشيتياق الذي مزق قلبها وجعلها الاَن تنسى نفسها مستغلة انشغاله بالتحدث مع العمال الذين يطالبون بمكافاة استثنائية فرحة رجوعه للعمل، وتتأمل ملامحه المشرقة بنهم، وقد زادت وسامة على وسامتت وعاد لمرحه القديم في حديثه معهم: - سايبن شغلكم وعاملين مظاهرة. عشان لما افتن عليكم لجاسر الريان محدش فيكم يجي يشتكي ولا يزعل.
هتف بها فانطلقت الضحكات مع ردود افراد من العمال بتفكه من واقع عشمهم في كرمه وطبيعته السمحة، حتى انتهى النقاش بصرف المكافأة التي أصروا عليها، لينصرفوا بعدها مهللين بانتصار، مع قول الدعوات له،
فلم يتبقى سوى هو وهي التي عادت لعمليتها في مخاطبته: - على فكرة انا منظمة وموثقة لكل حاجة اتعملت في غيابك، ومستعدة ابعتلك حالًا الملفات تراجع فيهم براحتك.
وعلى عكس ما كانت تفعل دائمًا، هذه المرة كانت تخرج الكلمات من فمها سريعة وبلهفة، وعينيها تتحاشى النظر إليه، ولا تعلم إن كان السبب هو هذا الخجل في مواجهته بعد الذي صار بينهم اَخر مرة، ام هو الخوف من أن ينتبه بعيناه الجريئة التي أذا أمعنت النظر بخاصتيها فسوف يرى هذا الشوق الذي يفضح ما بداخلها الاَن وبقوة.
- تمام يا كاميليا، ابعتيهم للسكرتيرة بتاعتي بقى واحنا نظبط.
رفعت رأسها باستفهام، متعجبة لسماع الجملة، فرد هو بابتسامة متوسعة وقد قرأ استفسارها فهتف بالأسم: - لينا تعالي سلمي على رئيستك الجديدة في الشغل.
التفت كاميليا لخلف ظهرها نحو الجهة التي كان يتحدث إليها طارق، لتجد الفتاة خلفها بالقرب منها،.
ضيقت عينيها وهي تتأمل بها جيدًا، بشعرها الأصفر والمسترسل بنعومة فائقة على جانبي وجهها الشديد البياض وعيناها ذات اللون الفيروزي الرائع، بجمال خلاب وملابس فوق ركبيتها اظهرت عن ساقيها الطويلة بسخاء ورائحتها التي كانت تزكم أنفا منذ فترة وهي التي تصورت بغبائها انها كانت عالقة بأحد العمال.
- اهلا وسهلا حضرتك تشرفنا.
قالتها الفتاة بابتسامة رائعة من ثغرها الجميل، تجاهلتها بعدم زوق لتتوجه بالسؤال إليه بلهجة جافة: - ودي امتى لحقت توظفها وانت مسافر؟
أجابها واضعًا كفيه في جيبي بنطاله وابتسامة موجهة للفتاة: - لينا مش محتاجة اختبار، دا معرفة من زمان، بس إيه لهلوبة
- لهلوبة!
رددتها خلفه قبل أن تلتف إلى الفتاة ترمقها بنظرة من اعلى لأسفل بتفحص، ثم تابعت بازدراء: - اه صحيح، واضح فعلا انها لهلوبة.