رواية نعيمى وجحيمها الفصل الثامن والاربعون 48 بقلم امل نصر

 

رواية نعيمى وجحيمها الفصل الثامن والاربعون بقلم امل نصر

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الثامن والأربعون

في الملهى الذي أخذت ترتاده بصحبته منذ عدة ايام حتى أصبحت معروفة بمرافقته من اصدقاءه والعاملين به، كانت تتمايل بجلستها مع رتم الأغنية التي تصدح بصخب في قلب المكان فيتراقص عليها الفتيان والفتيات بساحة الرقص، تدعي اللامبالاة مع نظرات عينيه التي تطوف عليها من راسها إلى اقدامها في الأسفل برغبة تنضح مع هذه النظرات الماكرة، لقد علمت بتأثيرها عليه، وعليها أن تركز جيدًا فيما تفعله باستمرار دلالها وتمنُعها الذي يزيده تعلقًا بها، لقد كانت الأيام السابقة بمثابة اختبار له، حينما رفضت عروض السفر معه او مرافقته لأي مكان آخر وحدهم، حتى هذا المكان لا تأتيه الا لمعرفتها بازدحامه ورفاهية مرتاديه من الطبقة المخملية التي تتمنى أن تصير بينهم قريبًا.

- وبعدين بقى هتفضلي على وضعك كدة كتير؟
سألها فالتفتت إليه تدعي الإجفال لقوله: - وضع إيه بالظبط؟ مش فاهمة.
زفر يرد بشئ اَخر غير الذي يقصده بالفعل: - قصدي يعني انك مش منتبهالي على الإطلاق، وبترقصي وكأني مش موجود معاكِ ع الطرابيزة أصلًا؟
شهقت بدون صوت لتقول بنعومة متكلفة اعتادها منها: - انا يا ماهر مش منتبهالك؟ لأ طبعًا أنا بس اتشديت لكلام الأغنية أصلها حلوة اوي حتى خد بالك كدة معايا.

أوقفت لتردد كلمات الأغنية بنعومة امتزجت بغنج يقارب الأغواء لتستمتع بتأثيرها عليه: خطوة امشيلي لو خطوة، ده انت عالقلب ليك سطوة
نظرة مبطلبش غير نظرة، وانت فاهم و ليك نظرة
شوف حالي، شوف ايه بيجرالي
حبيت و بصمت بالعشرة.
- ما تبس بقى.

هتف بها يوقفها بوجه احتقن بالغضب من تدللها الذي طال معه، وهي تلاعبه بأغواء يعلمه جيدًا، فهو الخبير بأمور النساء، ومن هي حتى تظن انها تسطيع إيقاعه؟ فقال مردفًا: - بقولك إيه يا غادة، ما تجيبي م الاخر وقولي انتِ عايزة إيه؟ وتاخدي كام؟
تبدلت ملامحها وقطبت تسأله مستفسرة بقلق: - تقصد ايه بكلامك ده؟

زفر يقول بكلمات محددة: - قصدي كدة بكل وضوح، عايزة ورقي عرفي وتطلبي فيها مبلغ حلو، انا معاكِ نتفق على مدة محددة ويفضلوا معايا عشان لما يجي الوقت اللي ننفصل فيه اقطعهم بإيدي.
علي الرغم من صدمتها من كلماته التي أتتها مباغتة وغادرة لكل ما كانت تحلم وتبنيه في خيالها، ولكنها تداركت سريعًا لتهدر بملامح لبوة متوحشة: - نعم يا عمر؟ هو انتِ فاكراني واحدة من اياهم عشان تطلب مني حاجة زي دي وبالبجاحة دي كمان؟

هتف من تحت أسنانه يزجرها: - وطي صوتك وبطلي كلامك البيئة ده، الناس بدأت تاخد بالها حوالينا.
أكملت على نفس الوتيرة غير اَبهة بقوله: - كنت قول لنفسك الأول قبل ما تعرض عليا الكلام دا يا حبيبي، أنا غادة مش واحدة من الأوباش اللي انت تعرفهم.

قابل انفعالها بعند وقد استفزه صوتها العالي مع لفت انظار البشر نحوه من أُناس يعلمهم وآخرين لا يعلمهم، فقال بتعالي ماطًا بشفتيه: - وانا معنديش غير كدة، عاجبك العرض اشطة، مش عاجبك يبقى تمام قوي.
اربكها بجملته الاَخيرة فقالت بعدم تركيز: - قصدك إيه بكلامك ده؟

اعتدل بجلسته واضعًا قدمًا فوق الأخرى يقول بعنجهية: - قصدي ان دي فرصة ليكِ، عجبتك يبقى تقفشي فيها بسرعة عشان اخلص، معجبتكيش يبقى تقولي على طول، واللحق بقى اشوف غيرك انا معنديش وقت اضيعه في الكلام والرغي الكتير.

كلماته السامة كانت تتلقها كصفعات قوية متتالية، تجعلها على وشك الترنح أو السقوط، مع شعور بالرخص أو الدونية منه جعلها تتمنى لو تكسر على رأسه كل زجاج في المحل كي تنتقم لكرامتها منه، ولكن تعلم انها في كل الأحوال ستكون هي الخاسرة،
تناولت حقيبتها تحدجه بنظرة قاتلة قبل أن تغادر دون أن يوقفها بكلمة واحدة.

خرجت سريعًا تطلق العنان لدمعاتها التي ظلت حبيسة في وجوده، يغمرها إحساس بالدونية لم تواجهه بحياتها، لقد رفعها في سماء أحلامها حتى كادت تعانق النجوم كي تقطف وتنول ما تتمناه، ثم وبكل وحشية، جذبها لتسقط في بئر سحيق داخل باطن الأرض تتجرع ألم المهانة منه وعدم الإكتراث لها ولمشاعرها.

حتى أنه تركها غير عابئ بحمايتها وما قد يحدث لفتاة مثلها في هذا الوقت المتأخر من الليل، لتخرج الاَن وحيدة يقتلها إحساس الخوف من العودة ليلًا لمنزلهم، وما قد تلاقيه في طريقها من مخاطر.
- يا اَنسة غادة، ثواني حضرتك.
التفت رأسها نحو مصدر الصوت لتجد الحارس الشخصي لهذا الكريه المدعو رعد، توقف بخطواته فور أن وصل إليها، تخصرت رغم انهيارها لتساله بشراسة: - نعم! عايز ايه انت كمان؟

بعد انتهاء العشاء ومع توديع اَخر المدعوين لهذا المأدبة التي فعلها خصيصًا لكشف الحقائق وفضح الوجوه الخائنة، صعد إليها وقد سبقته في الذهاب إلى غرفتها، ولج ليقترب منها وهي جالسة على طرف التخت شاردة ليُقابلها على الكرسي الذي أمامها ويتفحصها بنظراته، فهو لم يغفل عن رد فعلها وهذه النظرة المعاتبة التي رمقته بها وقت خروج ميري وميرفت من المنزل، وسألها مباشرةً: - إيه بقى؟ ممكن اعرف سبب الزعل اللي باين على ملامحك ده؟

تنهدت تجيبه مستندة بوجنتها على قبضتها: - اخاف اقولك تزعل يا جاسر.
ضيق ما بين حاجبيه بشدة ليسألها باستغراب: - وأيه اللي هيخليني ازعل بقى؟ معقول يكون قصدك ع اللي حصل النهاردة؟
رمقته بنظرة معبرة أنباته بصدق تخمينه فسألها بانفعال ونبرة محتدة: - ممكن تقولي وتوضحي على طول يا زهرة، عشان بجد انا عايز اعرف حالا منك اللي مش عاجبك ده.

اجابته على الفور دون مواربة رغم انتباهها لتحفزه: - انا قولتلك من الأول ما تزعلش، عشان بصراحة معجبنيش انك تفضحها كدة قدام الناس اللي يعرفوها، حتى لو كانت هي تستاهل، برضوا كنت قدرت انها ست واكتفي بأخذ حقك بعد ما تبلغ عنها زي ما عملت...
قاطعها ضاحكًا بصخب لمدة ليست قليلة حتى أدمعت عيناه أمام نظراتها المندهشة قبل أن يجيبها: - إنتِ بريئة وطيبة قوي لدرجة تغيظ بصراحة.
- أنا غيظاك يا جاسر؟

قالتها بخضة وعدم استيعاب، فقال مضيفًا: - اه طبعًا تغيظي، عشان الست دي اللي صعب عليكِ منظرها النهاردة، من فترة قليلة ما تعديش الشهر كانت هتسبب لك انتِ في فضيحة بعد ما دخلت الشيطان وزرعت الشك ما بيني وما بينك ولا إنتِ نسيتي؟

وكيف لها ان تنسى اصعب اللحظات التي مرت عليها؟ شعورها بالظلم لتُحاسب على ذنب لم ترتكبه، وفرحتها بحمل طفلها التي خبئت من بدايتها ولم تشعر بوقع الجملة المحببة إلى قلبها من الفتاة الممرضة حينما بشرتها بإيجابية النتائج.

اومأت برأسها دون صوت فقال متابعًا لها: - حاجة تانية لازم تعرفيها يا زهرة، إيه اللي زي ميرفت عقابها الحقيقي هو كشفها قدام الناس اللي تعرفها، دا الحل الوحيد ليها، عشان البلاغات اللي انت بتقولي عنها، انا متأكد انها بأساليبها الملتوية وبمساعدة اي محامي فاسد هتخرج بأقل الخسائر رغم كل الدلايل المتقدمة ضدها.

صمتت لتبدوا وكأنها اقتنعت قبل أن تباغته بسؤالها: - طب ممكن تقولي عن موضوع الخناقة اللي حصلت مابينكم وخلتها تكرهك بالشكل ده
بدا على وجهه المفاجأة وعدم توقعه لسؤالها فرد بلهجة جعلها عادية وهو ينهض من أمامها يدعي تبديل ملابسه: - ااا عادي يعني، بصراحة أنا مش فاكر السبب كان إيه بالظبط؟ بس اظن انها كانت حاجة كبيرة.
- كنتوا على علاقة مع بعض؟

اوقف ما يفعله ليسألها مندهشًا لما توصل إليه عقلها: - ليه بتقولي كدة يا زهرة؟
تابعت لتزيد من ذهوله: - مش محتاجة تفكير يا جاسر، الأحساس دا وصلني من طريقة كلامكم واللي اظهر الخلاف اللي ما بينكم وكأنه سر، ما ينفعش حد يتكلم عنه.
وأكيد كمان إن الإحساس دا ما وصلنيش انا لوحدي.

قطب يستوعب ما تفوهت به، لقد غاب عنه ولم يصل في حسابه أن يأتي هذا الخاطر لها أو لأي فرد اَخر من الحضور، تمعن النظر إليها وإلى ملامح وجهها التي اظهرت المعاناة، معاناة امرأة يساورها الشك في علاقة لزوجها من امرأة أخرى جعلت الانتقام منها كوسيلة لرد اعتبارها، تنهد مطولاً بتعب، وقد أرهقه ظنها بالفعل مع إشفاقه على حالتها، فعاد إليها ليضمها بذراعه من كتفهيا، واليد الأخرى تولت رفع وجهها إليه لترى الصدق في عينيه وبقوة: - اقسملك بالله يا زهرة، إن الست دي عمرها ما هزت فيا شعرة واحدة ولا شوفتها أكتر من صديقة لمراتي السابقة، عشان يبقالي علاقة بيها من أي نوع.

- بس هي كانت بتحبك يا جاسر.
قالتها ببساطة أجفلته من فراسة تتمتع بها رغم برأئتها الشديدة، وتابعت: - على فكرة دي مش أول مرة يجيني الشك ده، انا ست وافهم نظرة الست اللي زيي كويس قوي، خصوصُا لو كانت بتحب.
ازداد اتساع ابتسامته وقد اكتنفه شعور بالفخر امتزج بفرحه فقال بصوت مُتخم بعاطفته نحوها: - حتى لو كان كدة زي ما بتقولي، المهم انا بحب مين؟

ردت بابتسامة زينت ثغرها الجميل وكأنها تُجيبه على معرفة بثقة لمقصده، ليؤكد هو بالفعل فتناول شفتيها بقبلة نهمة، وذراعه تشتد بضمها، متخللة انامله خطوط رأسها في الخلف بيده الأخرى، فيزيد ولا يرتوي أبدًا من شهد شفتيها، طالت القبلة حتى مال بها على الفراش خلفهم ولكنها استدركت سريعًا فور تذكرها قبل أن يغمرها في بحر عشقه، لتنزع نفسها عنه لاهثة تخاطبه: - ثواني يا جاسر انا كنت عايزة اطلب منك طلب.

سألها بنزق وانفاس متهدجة: - عايزة إيه دلوقتي يا زهرة بس؟
ردت وهي تربت بكفها على ساعده بقصد تهدئته: - كنت عايزة اللحق اروح لستي بكرة، قبل ما انشغل مع كاميليا في تجهيزها للخطوبة وكتب الكتاب.

علي كرسيه بجوار صديقه عبده كان يتناول وجبة عشائه والمكونة من من بعض الشطائر والمشروب الغازي، حينما جاءه الإتصال المنتظر: - الوو يا غالي، اممم وأيه كمان؟، يعني وصلتها بنفسك، تُشكر يا حبيبي مش هنسالك انا جمايلك والله معايا، طبعًا يا حبيبي ربنا يحفظلك ولاياك يارب، ماشي سلام يا غالي وروح شوف شغلك.

أنهى مكالمته يغمغم بالسباب والكلمات الوقحة بكثافة، حتى لفت أنتباه عبده بجواره، فقال يخاطبه ضاحكًا: - صلي ع النبي يا إمام، ايه يا راجل كل الشتيمة دي بس؟ ومين المقصود بيها؟
زفر متأفافًا ينفض كفيه من الطعام وقال كازًا على أسنانه: - ما فيش داعي اقول ولا احكي عن ناس وس خة في هيئة بني اَدمين ولابسين نضيف، ياما نفسي افش غليلي فيهم.

اطلق ضحكة مجلجلة عبده وهو يرفع الأوراق التي تناثرت عليها فضلات الطعام، ليُلقيها في سلة المهملات القريبة مردفًا وهو يبتعد: - أنت كدة يا صاحبي، ايدك بتوزك دايمًا على الضرب.
سمع منه إمام ولم يستجب بابتسامة او حتى بالرد، فمزاجه المتعكر دائمًا بسيرة ما يسمعه عنها، يجعله يفكر فقط في ضربها بعصى غليظة لفترة طويلة من الزمن حتى يخرج من راسها الشياطين التي تسكن بداخلها، وبعدها تعتدل إلى الطريق المستقيم.

فغمغم بصوت حانق يستغل انشغال صاحبه عنه: - روحي يا غادة يا بت أم غادة، إللهي يارب يدوسك قطر ولا تغبطك عربية بسواق أعمى، او حتى تنشفي بماس كهربائي بسلكة ع ريانة في بيتكم لو ما اتعدلتي وعرفتِ إن الله حق.

عاد من سهرته في وقت متأخر من الليل بعد أن استطاع تعويضها مع فتاة أخرى اكثر جمالًا ومرونة، فلم تكلفه سوى بعض الكلمات وزجاجة باهظة الثمن من الخ مر، ليكمل معها السهرة بمنزلها ويلعن الوقت الذي ضيعه في الصبر على هذه المعتوهة، فقد جذبه الشراسة بها كنوع جديد لم يجربه قبل ذلك، وهو رجل دائم التجديد.

دلف يترنح بخطواته بفضل المجهود وتعب السهر، بداخل المنزل الساكن بظلامه الاَن في هذا الوقت المتأخر، ارتد منتفصًا فور أن تفاجأ بشبحها في إلاضاءة الخافتة من الردهة جالسة متكتفة الذراعين بجسدها النحيل،
ثم تمالك بإدراك ليردف بإسمها مندهشًا: - إيه دا ميرفت؟ أيه اللي مقعدك هنا في الضلمة؟

رمقته بعيناها صامتة بعد إشعاله الأضاءة بشكل اظهر ملامحها البائسة: فخطا ليجلس مقابلها وقد اقلقه هيئتها الغريبة: - إيه اللي حصل معاكِ وقلبك بالشكل ده؟ حد زعلك في العزومة؟
تبسمت ساخرة من سؤاله العفوي، فشقيقها لا يدري ان ابن الريان جعلها ضيفة الشرف لهذا الحفل، كي يُهينها ويخبر الحميع عما فعلته، فتشوهت صورتها ألامعة، لتتلقى نظرات الاحتقار والشماتة بها.

عاد بترديد سؤاله علّه يجد الإجابة: - يا بنتي ساكتة ليه ما ترودي؟ وإيه سر الإبتسامة الغريبة دي؟
تجاهلت عن عمد حتى لا تزيد على نفسها باالحديث المرهق لكرامتها والق اتل لكبريائها، وقالت: - ما تشغلش نفسك. دي حالة من الخنقة كدة بتجيني من غير أسباب.
- من غير أسباب؟
ردد خلفها بعدم تصديق، وتابعت هي: - أيوة كدة زي ما بقولك، المهم بقى ما قولتليش، اخبار البت غادة معاك إيه؟

تغضن وجهه فور سماعه بالأسم حتى نسي استفساره عن حال شقيقته، وقال بضيق: - ما تجبيليش سيرة البنت دي، دي غبية وكانت هتفضحني النهاردة بأسلويها البيئة ده، انا انفصلت عنها خلاص بقى بلا قرف.
التفت إليه منتبهه تسأله باستغراب: - قرف ليه؟ مش كنت بتقول انها عاجباك؟ ايه اللي حصل بقى؟

أجابها متأفافًا: - هي فعلا كانت عجباني بدليل اني صبرت عليها كمان، لكن بقى تشرشحلي بعد ما عرضت عليها فرصة عمرها بجوازة بورقتين وقرشين حلوين كمان، اعمل لها إيه تاني بقى؟ هي كانت تحلم أصلاً.
اعتدلت بجلستها لتسريح بجسدها للخلف، وقد عادت إليها روحها الخبيثة والتفكير الشيطاني.
- انا ممكن اقولك تعمل إيه؟ لو البنت دي لساها عجباك.
اهتزت رأسه باستفسار يسألها
- اعمل إيه؟

بوسط الصالة المكان الأصلي لرقية جلس على كرسيه،
مندهشًا أو مأخوذًا كطفل صغير تائه في مكان لأول مرة تطئه قدميه، لا يصدق ما يراه ولا يستوعب أن هذا المكان الاَيل للسقوط ولا يصلح للسكن الاَدمي حسب ما يرى بوجهة نظره، كان هو المقر الأصلي والذي تربت وعاشت فيه زهرته القابعة بحضن جدتها الاَن يناظرنه بتسلية وتفكه: - عجبك المكان يا جاسر صح؟

هتفت بها رقية لتخرجه من شروده بمشاكسة أحرجته فهز محركًا رأسه بالكذب يجيبها: - اا طبعًا أكيد، دا جميل.
- جا أيه؟
قالتها لتن فجر ضاحكة مخاطبة حفيدتها: - جوزك يا عيني وشه مخطوف ومش مصدق إللي شايفه، واحنا مقعدينه في أنضف حتة اللي هي الصالة، امال لو شاف الحمام هيعمل إيه؟ ههههه.

حاولت زهرة السيطرة على ضحكاتها حتى لا تغضب جاسر والذي كان يبدوا خائفًا بالفعل، فقالت ملطفة: - ما تزعلش منها يا جاسر، بس انت عارف رقية بقى وعارف هزارها.
رد متبسمًا بود لمزاح رقية: - وانا مش زعلان طبعًا، دي هزارها على قلبي زي العسل.
ردت رقية مهللة بمرح: - يا خويا دا انت اللي عسل وسكر كمان، إيه يا واد الحلاوة دي؟ وانا اقول المنيلة لحقت تتعلق بيك ازاي؟
- يا ستي بقى.

هتفت بها بحرج وبنظرة محذرة لرقية التي واصلت بضحكاتها ومناغشتها للأثنان، حتى أتت سمية وشقيقات زهرة ليندمج معهن في حديث دافئ ومرح لهذه الأسرة المتكاتفة رغم شرود كبيرها وهو الأب الفاسد الأناني، ولكن بفضل رقية رغم ضعفها وخالد الذي يشمل الجميع برعايته دون استثناء.
بعد قليل.

كان قد أخذ على الجو قليلًا وخف توتره، لتعرفه على باقي المنزل، حتى وصلت لغرفتها، والتي تفاجأ بزوقها الجميل والمختلف عن باقي الغرف، فقد كانت الحوائط المطلية بالون الوردي مزينة بالأشياء الأنثوية للفتيات، تختها مرتب ونظيف يغريه للإستلقاء عليه رغم صغر حجمه، صور عديدة معلقة على الجدار لأفراد الأسرة في مراحل عمرية مختلفة، رقية وخالد وزهرة ووالدتها أيضًا، التي تصادف ورأى صورتها قبل ذلك،.

- مريحة وشكلها حلو أوي.
غمغم بها بصوت واضح وعينيه مازالت تطوف على انحائها، فتحمست لتسأله: - عجبتك بجد يا جاسر ولا انت بتجاملني؟
أجابها بصدق: - من غير مجاملة الأوضة فعلا جميلة، وخصوصًا اللون الوردي واضح اوي في كل ركن فيها، بس انا حاسه بزيادة أوي ولا دي عشان أول مرة ادخل فيها أوضة لبنت؟
- لا هو فعلا بزيادة ومقصودة كمان يا جاسر.

قالتها وتنهدت مطولا قبل أن تكمل: - خالي كان قاصد كدة عشان خوفي من الضلمة، ما انت عارف بقى.
صمت جاسر بتأثر وقد ذكرته بعقدتها وحادثها الماَساوي مع والدتها، فقال ليلهي عقلها عن الخوض في ذكراها: - بقولك إيه، انا عاجبني السرير دا قوي.
قالها وجلس ليربت على فراشه متابعًا كلماته بمغزى تفهمه: - السرير دا يتحمل صح؟
ردت مستفسرة ضاحكة: - يتحمل إيه؟

تناول كفها يردف ببرائة وهو يحاول بجذبها: - ما يبقاش نيتك وحشة، انا قصدي نريح شوية، تعالي بقى.
تخشبت محلها وتشبثت أقدامها باعتراض ضاحكة: - لأ طبعًا ماينفعش، هنسيب الناس برا وننام ههههه سيب يا جاسر.
- وطي صوتك يا زهرة واسمعي الكلام، هنجرب بس دقيقتين.

قالها بصوت ادعى به الحزم قبل أن يجفل على صوت حمحمة قريبة، انتفضت زهرة تنزع كفها بخجل وهي ترى خالد الذي دلف إليهم عائدًا بملابس العمل يلوح بكفيه بحركات غير مفهومة قبل يتفوه بقوله: - إيه الحكاية انا جيت في وقت غير مناسب ولا إيه؟



وقف جاسر ليتلقفه مرحبًا: - عم خالد، ازيك يا باشا منور بيتك.

قهقه الاَخر ليرد عليها بمزاح قبل أن يرحب بزهرة التي كادت تموت من الحرج، وخرجت على الفور هاربة تتحجج بالاتصال على كاميليا.

خرجت من المصعد بخطواتها السريعة والهاتف بيدها وهي تتحدث: - ايوة يازهرة انا معاكِ والله بس خرجت دلوقتِ في مشوار مهم، ملف لصفقة مهمة نسيت ما اراجعه ولا ابعته لطارق، ربنا يستر بقى انا جيت هنا والمكان فاضي زي ما انتِ عارفة عشان أجازة، قولت أجهزه واحاول اتصرف بقى وابعتهولوا...

قطعت وصوت لاهاثها ظهر بوضوح مع قرب اقترابها من غرفتها، وتابعت قبل أن تنهي الإتصال: - تمام يا قلبي هخلص ونتقابل في البيوتي سنتر بقى ان شاء الله.

أنهت المكالمة وهمت بوضع المفتاح في كالون الباب، إلا أنها وجدته يُفتح وحده دون مجهود، دفعته قليلًا بتوجس خيفة من وجود لص ما او شئ اخر، ولكنها تفاجأت به على مكتبها جالس وأمام إحدى الإطارات الصغيرة للصور، تركزت عينيه على واحدة تخصها بملابس التخرج وهي تضحك بملأ فمها والسعادة تشرق من عينيها الساحرتين، فبادرها بقوله دون أن يرفع أنظاره إليها: - حلوة اوي الصورة دي، بتضحكِ فيها كدة من قلبك، واحدة دايسة في الدنيا ومافيش حاجة تهمها، ولا شايلة هم لبكرة ولا عاملة اعتبارات لأي حد.

ختم جملته لتلتقي عينيه بخاصتيها ولون قهوتها المتوهج بحذر أمامه فقالت بصوت حاولت تغليفه بالحزم وقد اجلته قليلًا من توترٍ اكتنفه بمجرد رؤيته: - إيه اللي جابك هنا يا طارق؟ انا مش نبهت عليك قبل كدة، إنك ما تدخلش المكتب في غيابي ولا تقتحم خصوصياتي؟

صمت مدة من الوقت يرمقها بنظراته الثاقبة ليزيد بداخلها الاضطراب قبل أن يُجيبها بكل هدوء وتمهل بكلماته: - نفس اللي جابني هو اللي جابك يا كاميليا، مش انتِ جيتي عشان الملف اللي في إيدي ده؟
قالها بإشارة إلى ما يحمله أمامها، اومأت برأسها تزدرد ريقها بقلق: - ايوة بس انا كنت جاية اخلصه ع السريع وبعدها ابعته مع اي حد يسلمهولك، يعني مكانش في داعي انك تيجي هنا من غير ما تبلغني.

شبك كفيه أمامها على سطح المكتب يرد بنفس الرتابة: - العميل نفسه اتصل بيا يا كاميليا، وأنا زي ما انتِ عارفة بقى بطلت اتصل بيكِ ولا ازعجك، دا غير ان حضرتك مش فاضية حسب ما اسمع، مش بيقولوا برضوا ان كتب كتابك النهاردة؟

أطرقت برأسها غير قادرة على مواجهته، حتى أغمضت جفنيها تتنهد بصمت، وأفعاله معها تزلزل كيانها بغير رأفة ولا رحمة، تمالكت لتخاطبه بعملية تتجاهل بها الرد على سؤاله: - معلش يا طارق، انا كنت عايزة القي نظرة سريعة على الملف اللي معاك.
اومأ له بذقنه نحو سطح المكتب: - الملف قدامك اهو.

جسرت نفسها لتقترب وتناولته لترى ما دون به من بنود واتفاقات، تدعي التركيز، وسهام انظاره تزيدها تشتتًا حتى أصبحت لا تعي أي حرف تقرأه، فتركته فجأة تلقيه بعنف تبتغي الهروب: - خلاص مش مهم، انا عندي ثقة فيك...
- بجد والله!

صاح بها مقاطعًا أجفلها، ونهض فجأة ليعترض طريقها مردف ساخرًا بضحكة تقطر بالمرارة: - تصدقي حقيقي فرحتيني، اصل الموضوع دا كان تعبني قوي الايام اللي فاتت، إن يبقى عندك ثقة فيا دي حاجة كبيرة اوي ولا في أحلامي حتى تخيلتها يا كاميليا.

ترقرقت مقلتيها بالدموع أمامه ولم تعد به طاقة لما يفعله معها، يكفيها ما تعانيه بداخلها، فقالت تُخاطبه برجاء: - إنت ليه بتصعبها عليا وعليك يا طارق؟ ما تسيبني بقى امشي في حالي، وعيش انت حياتك.

مال برأسه نحوها يقترب أكثر بوجهه منها ليرد بشبه ابتسامة ليس لها معنى: - حياة ايه اللي عايزانى اعيشها يا كاميليا؟ ما انا حياتي باظت خلاص من ساعة ما شوفتك، لا انا عارف ارجع طارق بتاع زمان، ولا قادر حتى اكون إنسان طبيعي وانسى، أنا مش عارف انساكي يا كاميليا.

إلا هنا وانهار كل تماسكها فلم تدري بنفسها وهي ترتد بأقدامها للخلف لتُغلق بكفها على فمها تكتم شهقات بكاءها التي ازداد فجأة بحرقة اوجعة قلبه حتى زادته تشتتًا ليهدر صارخًا بغير سيطرة على انفعاله: - إنتِ عايزة تجننيني معاكِ يا كاميليا؟ بتعيطي ليه وانت اللي اخترتي بنفسك وفضلتيه عليا؟ هو انت حد غصبك عليه؟

نفت برأسها دون صوت مع بكاءها الذي لا يتوقف، فتابع بحيرة كادت ان تشطر رأسه نصفين وصرخ يجذب شعر رأسه بيديه: - ولما هو كدة بتعذبي نفسك وتعذبيني معاكِ ليه؟ إنت إيه حكايتك بالظبط؟

أوقفت تتطلع إليه بعجز صامتة، وهو كالغريق يترقب ردًا ولو بكلمة واحدة تُطفئ نيرانه او على الأقل ترحمه من عواصف تدور برأسه بحثًا عن حل لهذه العنيدة التي بعثرت كيانه بعد أن امتلكت وحدها زمام هذا القلب الذي يتنفس برؤياها وتُضخ الدماء به ليحيا من أجلها، هي فقط.

تصلبت ملامحها فجأة وذهب هذا الضعف الذي صدر منها منذ قليل ليفاجئ بملامحها التي ارتسم عليها التصميم، وكأنها قد أخذت القرار، فمسحت بيداها لتجفف سريعًا أثر دموعها، وعدلت من نفسها لتتركه وتتخطاه مغادرة دون كلمة واحدة، نظر في أثرها كالعاجز، وقد زادته بفعلها تخبطًا وحيرة فلم يجد أمامه سوى طاولة صغيرة يضع همه في تكسيرها بصراخه الذي ضج في قلب المكان حتى وصلها في المصعد؛ الذي وصلت إليه راكضة هربًا منه.

هو يدفعه ألم قلبه، وهي يدفعها الخوف من مجهول تترقبه، ولا تريد وضعه في الإختبار الصعب!

في المساء



وداخل القاعة التي ضمت بداخلها لحفل عقد القران، رجال أعمال واستاذة جامعات ورتب مهمة من رجال الأمن من عائلة العريس الذي تأنق بحلة أتت خصيصيًا له من أرقى بيوت الأزياء الرجالية في باريس، وعروسه التي فاقت بجمالها الأميرات، كان يراقصها على نغم شهير لإحدى الأغاني الرومانسية، بين ذراعيه ولا يحيد بانظارها ولو قليلًا عن جمالها المبهر.
- جميلة اوي يا كاميليا، مش لاقي وصف اوصفك بيه.

همس بكلماته بجانب أذنها، فتطلعت إليه بثبات تحسد عليه بعد وصلة بكاؤها وانهياره قبل الحفل، وقد تجاوزتهم بصعوبة وإصرار على تنفيذ قرارها وردت بابتسامة مغتص بة
- وانت كمان جميل يا كارم، جميل ووسيم.
صمت قليلًا يأسرها بأنظاره الثاقبة وذراعيه تشتد عليها بضمها ثم قال: - أمال ليه حاسس عيونك دبلانة، ما فيهاش التمرد اللي بعشقه دايمًا فيهم؟

اسبلت أهدابها عنه قليلًا قبل أن ترفعهم، تقول بمرح زائف: - شئ طبيعي طبعًا، مش اَخيرًا سلمت حصوني بعد ما كنت مُصرة اني اكمل الطريق واحارب في الحياة دي لوحدي، انا رفعتلك الراية البيضا يا كارم.
- وانا عمري ما هخليكي تندمي.
هتف بها قبل أن يباغتها برفعها بين ذراعيه ليدور بها وسط اصوات التصفيق والتهليل من الشباب والفتيات الذين التفوا حولهم على ساحة الرقص بوسط القاعة.

وهناك وعلى طاولة لهم وحدهم، كانت تراقب وتنظر بأعين حزينة نحو صديقتها التي لم ترى بعيناها أثر فرح لعروس في يوم كهذا، وبداخلها تزداد الحيرة من فعلها، كم ودت ولو في مرة واحدة تفتح قلبها لتخبرها عما يتعبها وما تشعر به، طوال عمرها تحترم هذا التكتم الذي فرضته كاميليا على تفاصيل حياتها معهن، رغم حنانها الذي يفيض للجميع، ولكن وبما تراه الاًن تتمنى لو استطاعت هزها بعنف حتى تخرج لها بما تحمله بداخل هذا العقل اليابس.

- وبعدين بقى، ما ترد يا أخي.
استفافت من شرودها لتلتف على غمغمة جاسر الذي لا يتوقف بالاتصال على البائس الاَخر دون فائدة من إجابته: - لسة برضوا مردش عليك؟
نفى برأسه يجيبها: - بقالي ساعتين بتصل بيه، عايز اعرف مكانه فين او حاله إيه دلوقتِ، والزفت ولا معبرني مرة واحدة في الرد.
أومأت برأسها ترد بتأثر لحالة المذكور: - معلش تلاقيه عايز يقعد مع نفسه شوية، الله يكون في عونه.

في داخل سيارته
كان مستندًا برأسه على عجلة القيادة وقد ارهقه الحزن والسير في شوارع العاصمة دون وجهة يقصدها، حتى استُنفذ ولم يعد به طاقة لفعل أي شئ، حتى الرد على هاتفه الملقي بجواره او طمأنة جاسر وهو الأعلم بقلقله عليه الاَن.

لو لم يرى دموعها التي هطلت في الصباح أمامه حين واجهها، لو لم يعلم تمام العلم انه تحبه كما يحبها، لو لم يسمع بنفسه نداء قلبها باسمه ورجاء عينيها في كل نظرة منه إليه؟ ما كان حزن كل هذا الحزن.
تنهد بعمق ما يحمله بقلبه نحوها وعقله الساخن بأفكاره لا يهدأ ولا يكف عن السؤال، لماذا كل هذا العند والإصرار على عذابها وعذابه معها؟

عاد برأسه يتطلع لأضاءة هاتفه في عتمة الظلام داخل السيارة بفضل الإتصالات المتكررة عليه، فاستدرك فجأة ليتناوله ويتصل بالرقم الذي حفظه بعقله رغم مرور مدة طويلة على معرفته
ضغط بالاتصال بعد أن دون الرقم وانتظر حتى أتاه الرد: - الوو مين معايا؟
أجابها على الفور ودون تعريف: - انا اللي ظلمتيه بظلمها، انا ضحيتك زيها بالظبط، انا مش مسامحك.

ردت المرأة من جانبها وجاء صوتها بحيرة: - مين اللي بيكلمني؟ إنت مين يا جدع انت؟
استمر على حديثه المبهم ليخرج ما يحمله بقلبه من غضب وحقد نحوها: - وعايزة تسألي ولا تعرفي ليه؟ ما انا قولتلك اني ضحيتك زيها، انتِ السبب في كل اللي بيحصل دلوقت؟ انت السبب في العذاب اللي انا عايشه، إنت عملتي فيها إيه؟ خلتيها تكره نفسها وتكرهني...
- إنت طارق؟!

باغتته مقاطعة بلفظ اسمه لينتبه صائحًا يسألها: - إنت عرفتي ازاي؟، مين قالك على إسمي؟ ما تردي عليا وجاوبيني.
وصله صوت أنفاسٍ لم يعرف لها تفسير، وهي صامتة لا تجيبه عن سؤاله الذي كرره عليها، وكأنها تداركت خطئها بعد لفظ الأسم، حتى أغلقت الهاتف لتزيده تخبطًا وحيرة: - هو إيه اللي بيحصل بالظبظ؟ ودي عرفت صوتي ازاي؟ ولا هي حكيالي عني؟

زاد بضرب كفيه على عجلة القيادة يردف بتشتت: - مخبية عني إيه تاني يا كاميليا؟ وحكيتي لوالدتك عني إيه بالظبط؟
- تفتكروا صراع الثلاثي كاميليا وطارق وكارم هينتهي على إيه؟

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-