رواية نعيمى وجحيمها الفصل السابع والاربعون بقلم امل نصر
رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السابع والأربعون
ترجل من سيارته بعد ان أوقفها أمام منزل عامر الريان واصطفها في مكان قريب منه بجوار السيارات العديدة للمدعوين لهذه المأدبة، أحكم أغلاقها واستدار بخطواته السريعة نحو مدخل المنزل، ليتفاجأ برؤيتها وهيئتها التي تنجح في كل مرة بسحب أنفاسه من داخل صدره،.
حتى أنسته الوعود التي قطعها على نفسه وعينيه متسمرة عليها وقد التقت بخاصتيها فلم تحيد هي الأخرى بأنظارها عنهما، وكأن حديث أشتياقِ مطول يدور بينها، مع وقع خطواته التي تمهلت دون إرادته، اللعنة عليها وعلى كل ما يخصها، لديها القدرة دائمًا على تحطيم مقاومته، ولكن ورغم ذلك فهو لن يعود لسابق عهده معها، استعاد توازنه ليغلف وجهه بهذا القناع الزائف يدعي التجاهل، وساعده رؤية هذا الغراب الذي أتى خلفها يومئ له بابتسامة صفراء بادله طارق بواحدة مثلها، ثم أزاد قاصدًا لحرق دمه برفع ذراعه ليُحاوط كتفيها، قابل فعله طارق بتغافل تام وقد أشاح بوجهه على الفور حتى لا يعطيه فرصة للفرح به، لا يعلم سر هذا الرجل ولما يشعر بأفعاله الغريبة وكأنها تتعدى الغيرة من رجل اَخر راَه قبل ذلك يغازل خطيبته وهذه المثالية الغيرة العادية التي يبرع دائمًا في إظهارها أمام الجميع، تنهد من حريق يدور بداخله ليغمغم لنفسه وهو يصعد الدرجات الرخامية الكبيرة نحو مدخل المنزل: - جمد قلبك كدة واركز، هو انت لسه شوفت حاجة؟ دا انت ياما هتشوف.
ومن خلفه شعرت كاميليا بفعل كارم المقصود، فرمقته بنظرة ممتعضة لم يكترث بها وقبض على كفها ليسحبها معه متمتمًا ببرود: - إيه يا كاميليا احنا هنفضل واقفين الليلة كلها هنا ولا أيه؟ ياللا عشان اللحق اروحك بدري لبيتكم بدري كمان. ياللا.
أذعنت باستسلام تتبعه وبداخلها تتاَكل غيظًا من أسلوبه الا مبالي.
وفي الداخل كان لقاء خالد ولمياء بعد أن قدمه إليها جاسر بتحفز بعد تحذيراته لها بالأمس وقت اتفاقهم على مأدبة العشاء وقد وضع شرطه نصب أعينها، لمقابلة أسرة زهرة بمودة جيدة وإلا سيفعلها ولن يتهاون بترك المنزل وأخذ أبيه لمنزله، فاضطرت صاغرة لمواقفته وها هي الاَن ترحب بخالد وترسم على وجهها ابتسامة رغم احتقانها في الداخل: - اهلًا يا أستاذ خالد نورتنا وشرفتنا بوجودك.
قابل خالد تحيتها بابتسامة مرحبة رافعًا رأسه أمامها يخاطبها باعتزاز: - الشرف لينا يا هانم، انا اللي سعيد بالتعرف عليكِ.
اومأت بابتسامة متكلفة اتسعت بذهول مع كلمات جاسر وهو يقدم لها نوال: - دي بقى خطيبته يا ماما الأستاذة نوال بنت المستشار فتحي رضوان.
- واو مستشار.
غمغمت بها وهي ترحب بوجه مرتخي قليلًا عن لقاءها السابق بخالد: - اهلا بيكِ نورتينا يا قمر.
رحبت بمصافحتها نوال بابتسامة ودودة.
- البيت منور باصحابه ربنا يحفظك
غلبها الفضول لتسألها على الفور: - وانت بقى محامية ولا أستاذة في الجامعة؟
تدخلت زهرة لتُجيبها بغبطة وسعادة حقيقة لرؤية أحب الأشخاص على قلبها: - نوال محامية شاطرة اوي، دي ليها مكتب وحدها ومافيش قضية بتخسرها.
اومأت لمياء وقد ارتسمت الحيرة والدهشة على وجهها، من هذه العائلة التي رغم فقرهم يصاهرن اساتذة ومستشارين ورجال أعمال أيضًا!
بداخل سيارته والتي اصطفها بمكان بعيد نسبيًا عن محيط القصر الكبير والحراسة الضخمة له من رجال أشداء، وقع اختياره على واحدًا منهم، يسير دومًا بهذا الطريق بعد أن انتهاء نوبته، قبل عودته لمنزله باستقلال إحدى الموصلات العامة في الموقف القريب.
- بس بس انت يا أخ.
هتف بها نحو الرجل الذي تعجب في البداية وظن أن النداء على شخص آخر، حتى أصر عليه الاَخر وهو يشير بكف يده إليه ليقترب، عقد حاجبيه الحارس الضخم لطلب هذا الصغير لينضم إليه بالسياره، حتى اقترب يخاطبه بخشونة وعدائية: - انت مين وعايزني أركب معاك ليه في العربية؟
تأفف مارو يزفر حانقًا ورد بسأم مع قلق هذا الضخم لمرفقته: - يعني هكون عايزك تركب معايا العربية ليه بس انت كمان؟ أكيد عايزاك في مصلحة.
ارتفع حاجبيه الرجل وازدادت الريبة على ملامح وجهه وهو يحرك رأسه يسأله باستفهام: - مصلحة أيه بالضبط؟ انا مركبش العربية مع حد غريب من غير ما اعرف غرضه إيه مني الأول.
فاض به مارو وهو قليل الصبر من الأساس فضرب بغيظ على مقود السيارة قائلًا من تحت أسنانه: - بجس مك اللي زي جس م الوحش دا وخايف مني؟! دا انا كل اللي عايزه منك كلمتين بس ع السريع، اركب بسرعة بقى قبل ما يشوفك حد من باقي الحراس، مش عايزين شوشرة.
بدت الحيرة واضحة على وجه الرجل في القبول أو الرفض ولكنه تذكر الفرق الجسدي الهائل بينه وبين هذا الشاب اليافع بجسده النحيل وشعر رأسه الطويل الذي يعقده من الخلف كذيل حصان قصير، كفعل الفتيات، استغفر بداخله وعقله ذهب لافكار غريبة جعلته يأخذ حذره في جلسته معه بداخل السيارة، فعاجله سريعًا بقوله فور أن ابتعدا عن محيط القصر جيدًا وحراسه: - اتفضل بقى قول اللي انت عايزه بسرعة عشان اللحق انا الميكروباص واروح لامي واخواتي.
عبس مارو بضيق من خوف هذا الرجل الضخم منه، فتنهد ليوقف السيارة في ركن منعزل في إحدى الشوارع الجانبية ليزداد الشك بقلب الرجل وهتف يسأله يأعين متوسعة: - إنت موقف العربية هنا ليه؟ وعايز مني إيه بالظبط؟
قلب عينيه بسأم مارو فلم يأتي على باله ما يفكر به الرجل، وفضل الدخول مباشرةً حتى ينهي اللقاء مع هذا الغبي، ليتناول سريعًا مجموعة من الأوراق النقدية الكثيرة ليلوح بها أمامه قائلًا: - شايف الفلوس دي كلها هتبقى ليك لو طاوعتني في اللي هقولهولك.
توحش وجه الرجل ليهدر إليه بعدائية على وشك الفتك به وقد انتشرت بعقله الظنون: - إيه اللي انت عايزه ياد؟ وديني ما يكون اللي في بالي لقط ع خبرك النهاردة.
شهق مارو يلكزه بكفه الرفيعة على صدره الضخم صائحًا باستنكار وقد وصله اَخيرًا مقصد الرجل: - تقطع خبري ليه حيوان انت؟ انا كل اللي عايزه منك هو ان أسألك عن ميري، ولو جاوبت صح هتكون الفلوس دي من نصيبك
هدأت فورة الرجل وخف قلقه مع توجسه الدائم من هيئته الغريبة والتي تذكره بهيئة النساء حتى ضرباته منذ قليل على صدره، استغفر بداخله مرة أخرى قبل أن بجيبه باستفسار: - تقصد ميري المطلقة بنت الوزير؟
شهق مارو رافعًا رأسه للسماء قبل أن يعود قائلًا للرجل بارتياح: - اخيرًا فهمت، ايوة هي با سيدي، كنت عايز أسألك عنها، اصلها اليومين دول مختفية ومعدتش تحضر مع الشلة في مشاويرهم ولا حتى بترد على تليفوناتي.
اعتدل الرجل بجلسته وقد فك تشجنه القلق منه، فرد مستخفًا وهو يمسح بأنامله على وجنته: - وعايزها ترد عليك ليه وهي مخطوبة وكتب كتابها كلها أسابيع ويتم؟
صرخ مارو بنبرة صوته الرفيع أجفل الرجل قائلًا بانهيار: - إيييه؟ مخطوبة، يعني بتغدر بيا وعايزة تسيبني؟
ازداد ضيق الرجل وتمتم فمه بالسباب يلعن هذا المعتوة وهذه اللحظة التي قرر التنازل فيها لينضم معه بالسيارة، قبل أن ينتبه على صوت مارو الغاضب وهو يأمره ملوحًا بمجموعة من الأوراق النقدية أكبر من سابقتها ليردف له قائلًا بتصميم: - خد دول وعايزك تحكيلي كل حاجة عنها وعن خطيبها، وليك قدهم تاني كتير اوي لو جيبتيلي كل أخبارها أول بأول.
عودة إلى منزل عامر بعد أن اكتمل بعدد المدعوين لمأدبة العشاء، لينضموا جميعًا على طاولة كبيرة ضمت العديد من الأصناف المبهرة بعد أن طلبتها لمياء مخصوص من إحدى المطاعم الشهيرة بإعدادها، رغم علمها بإجادة العاملين بمنزلها من خدم لصنع هذه الأصناف، ولكنها ركزت على الشكل الجمالي أيضًا والذي يفعله الشيف المشهور بهذا المطعم، للفت الأنظار إلى الأطعمة مما أثار بقلبها الفخر وهي تراعي الجميع بجدية وتوزع ابتسامتها في ضيافتهم.
نوال والتي جلست بالقرب من خطيبها كانت عينيها لا تفارق بانبهار نور الممثلة التي لطالما أعجبت بها على الشاشة، بجوار زوجها هذا الرجل الشهير أيضًا بأعماله العملاقة رغم صغر سنه، حتى لفتت أنظار خطيبها
وانتبه ليسألها بهمس: - في إيه يا أستاذة وقفتي أكل ليه؟
أجابته بهمس هي الأخرى: - مستغربة قوي بصراحة مكنتش اعرف ان هيجي اليوم واقعد على طرابيزة واحدة مع ناس مهمة زي دي بشوفهم بس ع الشاشة.
عبس خالد بوجهه إليها يقول متصنعًا الأمتعاض بمواصلة همسه: - بيئة وهتفضحينا، انا مش فاهم انت بنت مستشار ازاي بس؟
لكزته بخفة فتأوه بصوت مكتوم جعلها تزيد بابتسامتها التي كانت تجاهد لأخفاءها، ومن ناحيته فقد تركزت عينيه نحوها وهي تتناول طعامها وهذا الجاسر يحاوطها برعايته واهتمامه في إطعامها رغم عدم اغفاله عن مراعاة الحضور، بشكل أدخل السرور على قلبه، وفي الناحية الأخرى وقد أخذ الجزء الأكبر من اهتمام لمياء لمرعاة ميري وخطيبها المزعوم وميرفت، التي كانت توزع نظراتها على الجميع، حتى انها لم تغفل عن مبالغة كارم في اهتمامه بكاميليا وتجاهل طارق المقصود لهما، وحديث عامر المتباسط مع شقيقته هذه المدعودة علية والتي تضحك بعفوية لا تناسب الجلسة وما عليها من حضور بوجهة نظرها.
بعد انتهاء الجميع من طعامهم توجهوا جميعهم لإحدى الغرف الشاسعة المساحة بناءً على رغبة جاسر، الغرفة كانت مميزة بطرازها المعماري المختلف عن باقي الغرف، جيدة التهوية رغم العدد الكبير بها بالإضافة إلى هذا الجدار الزجاجي الذي أظهر من الخلف الحديقة البديعة بانوراها الموزعة على الشجيرات بحرفية وحوض السباحة في الأرض ليزيد من سحر المشهد، انقسمت كل مجموعة حسب ميولهم، جاسر وبجانبه طارق ومعهم مصطفى عزام، عامر وقد أعجب بخالد من وصف شقيقته علية وكلماتها وقد أصر على مجالسته لهم، أما كارم وقد وجد ضالته مع هذا المدعو رائد ليأخذ فرصته ويبهره بمهارته اللغوية وإجادته التامة للغة الأسبانية التي يتحدث بها الاَخر، فيثير إعجابه بالأخذ والرد معه، ويُعطي لكاميليا المجال للأنفراد مع الفتيات نوال ونور الجميلة المتواضعة وزهرة التي انضمت إليهن بعد أن أتت بمشروب اَخر لنور: - اتفضلي يا ستي العصير الدايت زي ما قولتي اهو.
قالتها وهي تضع الكوب الزجاجي أمامها قبل جلوسها معهن، هتفت نور محرجة لفعل زهرة: - يانهار أبيض، بنفسك يا زهرة جايباه؟ هو انت قاصدة تكسفيني يا بنتي؟
ردت زهرة بدهشة تشوبها الإبتسامة الرائعة منها كالعادة: - أكسفك ليه بس يا نور؟ هو انتِ فاكراني هانم والحاجات دي عشان أأمر بقى واتأمر، لا ياعم انا بجيب حاجتي بنفسي، وبلاقي راحتي في كدة.
تجعد وجه نور بمرح إمتزج مع دلالها الفطري وهي توجه حديثها للفتيات: - ما حد فيكم يكلمها يا جماعة، دي مُصرة تكسفني حقيقي البنت دي برقتها.
استجبن لها بالرد بالمزاح والضحك أيضًا حتى قالت كاميليا: - بس تعرفي يا نور، احسن عملتيها بجد النهاردة انك جيتي من غير حماتك الع قربة، دي مش معقولة بتعامل الناس كلها من طرف مناخيرها، واكنها من طينة تانية.
افتر ثغر نور بابتسامة حقيقية وهي ترد بتفكه غير مبالية: - أمال لو تشوفيها معايا في البيت، هتكتشفي على طول انها بتعاملني كمواطن من الدرجة التالتة، بعد ولادها ومرات ابنها التركية.
شهقت نوال غير مصدقة ما يحدث مع النجمة التي تراها دائمًا ع الشاشة بصورة أخرى غير تلك تحدثهن الاَن: - معقول؟! ليه بقى؟ ولا هي الست بهيرة بتاعتكم دي فاكرة نفسها من الأسرة المالكة مثلًا؟
اردفت نور مؤكدة وهي تومئ رأسها مغمضة عيناها ببؤس: - أكتر يا أختي أكتر، هي من عيلة ليها أصول بشوات وبهوات، فدمغاها مخليها بقى متمسكة بالجزء دا بشكل غربب، لما تشوفيها وهي بتتكلم مع عدي أخو مصطفى الصغير ومراته التركية، تكتشفي انك ولا حاجة وسطيهم، بس انا والحمدلله مصطفى دايمًا بيعوضني وبيعاملني كملكة بدليل إنه جابني النهاردة من غير ما يقولها لا تشبط فينا زي كل مرة لما تشوفني فيها خارجة معاه بس اقولكم على حاجة.
قالت الأخيرة تقترب برأسها تهمس لهن: - اقسم بالله انا حاسة ان اللي اسمه عدي ده هيطلع من وراه بلاوي و طنت بهيرة دي، اللي طايره بيه وبمراته التركية، هتاخد على دماغها منه، أصله مش مظبوط كدة ودايمًا بحسه بتاع بنات على الرغم انه لئيم وما بيبنش،
قطعت وهي تتأمل هذا التركيز الشديد الذي بدا عليهن، لتضيف: - أنا قولتلكم على السر واللي بحسه بس بلاش والنبي تطلعوا فتانين زيي وتقولوا لحد تاني.
قالت كلماتها بلهجة بدت جدية لتصدم الفتيات في البداية قبل أن تنطلق ضحكاتهن بصوت عالي، أجفل المجموعة الأخرى بالقرب منهن، ميري ولمياء وميرفت التي عقبت على فعلهن: - الست الممثلة اندمجت مع صاحبتنا شكلها كدة بيئة زيهم.
أثارت حفيظة لمياء بقولها لترمقها بنظرة معاتبة ولكن لم تنطق بلسانها ما تود البوح به، فا أضافت ميري على قول قرينتها: - عندك حق يا ميرفت بكلامك، دا انا كنت واخدة عنها فكرة تانية خالص البتاعة دي.
لم تقوى لمياء على الكتمان أكثر من ذلك فقالت على حرج: - خلاص يا بنات بلاش الكلام دا أرجوكم.
استدركت ميرفت خطئها لتردف ملطفة على الفور دون ان تتخلى عن خبثها: - أنا مقصديش حاجة وحشة يا طنت، أنا بس خدت بالي انهم مدينك ضهرهم وهاتك يا رغي ولا اكنك صاحبة البيت أساسًا!
كلماتها السامة اخترقت كبرياء لمياء فبدا التأثر جليًا على ملامح المذكورة، لتبادل ميري مع مرفت ابتسامتهن الخبيثة، وقد أصبن الهدف.
والى مصطفى الذي انتبه على شرود طارق والتغيير الذي حل على شخصيته التي دائمًا ما كانت مرحة، فكان يناكفه بالكلمات عله يعود لعهده معه: - إيه يا بني؟ اقسم بالله ملايق عليك دور العقل ده، إيه اللي جراك يالا؟
رد طارق مستجيبًا بابتسامة شاحبة وقد أخذ حذره بتغير وضعيته في الجلسة حتى يتجنب النظر إليها، رغم اختراق صوت ضحكاتها النادرة الرائعة لمدينته الاَمنة لتُعاد على مسامعه مرارًا وتكررًا، فتُعكر صفوه وتزيده تشتتًا رغم ادعائه العكس.
- ما انا عقلت بجد يا عم مصطفى، ولا انت فاكرني هفضل طول عمري كدة على جناني؟
اردف مصطفى مصرًا على رأيه بتشدد: - يا بني كل الناس تعقل إلا انت، ماتقولوا حاجة يا أخ، انا مش قادر اصدقه بصراحة.
قال الأخيرة بإشارة نحو جاسر الذي كان في عالم اَخر غير مندمجًا معهما على الإطلاق، نفض رأسه من أفكارها يربت بكفه على ركبة مصطفى ليرد بعملية: - سيبك من طارق دلوقت، دا مشكلته معقدة وان شاءالله يجي الحل من عند ربنا المهم...
قطع جملته وقد تحفز بجلسته والتمعت عيناه ببريق غريب اثار فضول صديقيه من هذا التغير الذي طرأ على ملامح وجهه فجأة، فسأله مصطفى مستفسرًا: - المهم إيه يا جاسر؟
بمجرد استماعه للسؤال نهض فجأة يزرر سترته ويعدل من هندامه ليرد عليهما بابتسامة غامضة: - الموضوع المهم بقى واللي جايبكم مخصوص عشان، هتشوفوه دلوقت حالًا، في العرض اللي هيتم قدامكم.
سأله طارق عاقدًا حاحبيه بشدة: - عرض إيه يا جاسر.
اومأ له الاَخير بابتسامة لاتوحي أبدًا بالخير وهو يتحرك مبتعدًا عنهم وقد حان وقت العرض بالفعل.
تقدم بخطواته حتى توسط الغرفة وهتف ليلفت إليه الأنظار بعد أن حانت اللحظة الحاسمة وقد أعد عدته سابقًا لكشف الحقيقة: - يا جماعة بصولي هنا معلش.
تكلم بعد أن استرعى الأنتباه وتعلقت ألأبصار نحوه بتساؤل: - الف شكر ليكم كلكم انكم لبيتوا الدعوة وجيتوا أولًا.
قالها بابتسامة مرحبًا ليتلقى استجابتهم الممتنة بالابتسامات له أيضًا مدعومة ببعض الكلمات، واستطرد يكمل: - أكيد معظمكم فاكرين إن العزومة دي عشان ربنا طمنا على صحة والدي، بس الحقيقية بقى انا عندي تلت أسباب، أولها أكيد طبعًا عشان صحة والدي والتانية بقى...
توقف قليلًا وعينيه ذهبت إليها بابتسامة لفتت انظار الجميع نحوها قبل أن يخبرهم بسعادة بملأ فمه: - زهرة حياتي، عوض ربنا ليا، اللي ردت الروح في قلبي بعد ما جف عن الحياة وكان عايش وكأنه حي وميت في نفس الوقت، دلوقتي شايلة جواها حتة مني، زهرة حامل يا بشر.
قالها مهللًا بمرح طفل صغير، وكأنه ليس جاسر الريان المعروف باتزانه الدائم وهيبته التي كانت تمنعه حتى عن الإبتسام إلا في الضرورة، فصخبت الغرفة بالمباركات والعبارات المهنئة بفرحة حقيقة من معظم الموجودين عدا ميري التي شعرت وكأن خطابه موجهًا أليه بقصد أهانتها بعد صفعها بكلمات الغزل التي القاها نحو هذه المدعوة زهرة ثم هذا الخبر الذي اوغر صدرها بالحقد والكره حتى كان جسدها يهتز حرفيًا من الغضب، أما ميرفت والتي بدأت تشعر بذبذبات خفية مفعمة بالقلق تنتشر في الهواء حولها، وحدسها يونبئُها ان حديث جاسر لم ينتهي بعد، ولكن استطاعت برسم ابتسامة متصنعة لتهنئة لمياء التي التمعت عينيها وترقرقرت بها دموع الفرح.
رمقت بغل من طرف عينيها صاحبة الخبر نفسه زهرة والتي كانت تتلقى المباركات بالاحضان والقبلات من الملتفين حولها، وعلية شقيقة عامر الريان والتي كانت تقبل وتهنئ بمبالغة وغبطة حقيقية مع شقيقها وابنه وحتى هذا المدعو خالد والذي كان يبدوا وكأنه والد العروس، أما جاسر فلم يرأف بخجل زهرته أمام هذا الجمع الكبير فقبلها بمرح على وجنتها أمامهم غير مبالي باعتراضها كالعادة، قبل أن ينهض مرة أخرى ليفُض حالة الهرج والمرج بالغرفة بهتافه والتصفيق بكفيه: - يااا خوانا يا خوناا انا لسة ما قولتش عن السبب التالت انتبهولي بقى.
تدخل طارق وقد أعادته حالة الفرح لطبيعته المشاكسة: - سبب إيه تاني يا عم جاسر؟ مصيبة ليكون عرفت نوع الجنين وناوي تعلن لنا دلوقت عن العضو الجديد في العيلة اللي هيمسك مجموعة الريان؟
نفى برأسه جاسر بابتسامته تزامنًا مع هذه الضحكات الصاخبة حوله مع هذا الجو الذي تشبعت به الغرفة بالمرح والمزاح: - لا يا خفيف استنى بس عليا شهرين وانا اتحفك بالجديد، خلينا اتكلم في المهم بقى: قطع لينهي بذكائه مزيدًا من التفكه والمزاح، وقال بصوت عالي موزعًا أبصاره على كل فرد بالغرفة، بوجه جدي خلى منه العبث: - السبب التالت يا اخوانا هو اني عرفت الخاين.
وقع الجملة الغريبة أجفلهم، ليسود الصمت على الفور ويحل محله التوتر، تنهد براحة لذلك ثم التف سريعًا ليُدير شاشة التلفاز العملاقة بجهاز التحكم عن بُعد ( الريموت) ليقول موضحًا: - أنا هشرح لكو بالصورة عشان تعرفوا، شوفوا كدة، القصة قدامكم بدأت من هنا لما زهرة حبيبتي دخلت مطعم مع بنت عمتها بعد جوازي بيها بفترة كنت لسة ما أعلنتش فيها عن خبر جوازنا، وزي ما انتو شايفين كدة، هي قعدت وبنت عمتها جالها تليفون وقامت بعدت عنها تتكلم، جالها الولد دا اللي لابس كمامة وقدملها العصير دا على اعتبار ان بنت عمتها بعتاه.
قال والتفت رأسه يراقب ردود افعالهم المتابعة بتركيز، عدا ميرفت فهي الوحيدة منهم التي بدا اليقين يسكن قلبها بقرب الخطر، التف جاسر عائدًا لما يفعل بعد أن رمقها بنظرة جعلها عادية كالجميع ثم أكمل: - عشان اختصر معاكم، العصير دا كان فيه منوم.
تابع رغم الشهقات التي سمعها من خلفه.
- ايوة زي ما انتوا فهمتوا كدة، الموضوع دا كان مدبر بحرفية بحيث ان زهرة يغمى عليها أو جسمها يرتخي ومتقدرش تقوم من مطرحها، عشان لما بنت عمتها تتصل بيا واروح انا اشوفها مع قلقي عليها، الصور تتاخد لي وانا شايلها وبعدها يحصل التريند اللي انتوا فاكرينه طبعًا.
- الولد دا تجيبه من تحت الأرض يا جاسر. وانا هربيه بنفسي.
هتف بها من عامر الريان من الخلف بقوة أجفلت الجميع واستنفرت معظمهم خاصةً الرجال ليدلي كل فرد بدلوه حول الولد وعقابه على فعلته، وميرفت صامتة مضيقة عينيها بتفكير عميق، فجاء رد جاسر
المباغت لها: - للأسف يا والدي المشكلة كلها مكانتش في الولد، الحكاية كانت في الست دى أصلها هي اللي كانت زاقة الولد.
قال جملته مرافقة مع وقف الشاشة على صورتها وهي متخفية بالسترة الثقيلة والكمامة على الوجه وغطاء الرأس.
- مين دي يا جاسر؟
قالتها لمياء وهي متمعنة النظر في الصور وبجوارها ميرفت ترتجف داخليًا بتحفز.
رد جاسر بوجه بائس ودراما مصطنعة، الست دي انا عملت المستحيل عشان الاقيها ساعتها لكن برضوا معرفتهاش.
حانت منه نظرة خاطفة نحو ميرفت أصابتها بالتشتت، قبل أن ينهض فجأة قائلًا: - لكن بقى لما حصلت المشكلة الأخيرة بيني وبين زهرة ساعة الواد المجنون دا والتريند الاَخير أكيد فاكرينه دا كمان ما انا بقيت نجم بقى...
قال الاَخيرة ببسمة متفكهًا، فجاء سؤال والده إليه: - تريند إيه يا جاسر؟ انا مسمعتش عن الاَخير ده.
التفت أليه ليغير صورة الشاشة مرافقًا لقوله: - في الحقيقة يا والدي التريند المرة دي حصل في نفس المستشفى اللي كنت انت موجود فيها، أنا هحكيلك.
قال الاَخيرة ثم قص بعجالة بدءًا من الفتاة العاملة التي أوقفت زهرة قبل خروجها من المشفى إلى نهاية ما حدث معه مع زهرة قبل أن يكتشف الخطة المرسومة وهذه الرسائل التي رفع صورتها على الشاشة أمامهم، وكان التعقيب الأول من كاميليا: - بس انا مش مصدقة إن عماد يعمل كدة، لانه بصراحة ميعرفش يخطط، هو واحد مسكين كان فاكر إن زهرة بتحبه، وهم في خياله بقى! لكن تخطيط ميعرفش يخطط.
تداركت حتى لا تلفظ باسم غادة التي وضعت هذا الوهم بعقل عماد واكتفت بالتعقيب المبهم، وجاء الرد من جاسر: - ما انا عرفت المدبر الحقيقي يا كاميليا واتأكدت من كدة كمان...
صمت قليلًا يتابع وجه ميرفت الذي شحب رغم الشراسة البادية عليه، فقد تأكدت الاَن من معرفته للحقيقة وهي ليست بالهينة حتى تعطيه لذة الانتصار، واجهته بأعين متحدية استفزت شياطين نفسه بالداخل ليتعجل على الفور بصور الفتاة العاملة: - دي صور البنت وهي بتوقف زهرة ودي صورتها وهي بتعترف بكل حاجة ودي وهي بتتعرف ع الست اللي حرضتها وحفظتها الكلام ودي صورة الولد الصحفي بتاع الجريدة الصفرا اياها، وفي الحالتين...
صمت يقطع الشك باليقين وقد ثبت صورة ميرفت وهي متخفية، والصورة الأخرى التي مع الفتاة بشكل واضح
ليردف بصوت عالي وانفاس متهدجة: - الصورة دي هي دي لنفس الشخصية اللي موجودة وسطينا دلوقت
التفت ألأبصار حولها ولكنها وللمفاجاة لم تأبه، فنفسها الخبيثة ترفض الاستسلام أو الظهور بصورة المخطئ بعد أن فضح شرها أمام كل من يعرفها، فقالت بإنكار: - كل الكلام دا كدب وانا لا يمكن هسكت على اللي انت عملته دا يا جاسر.
الصدمة الجمت الجميع عن التفوه بحرف، ليبقى الحديث المحتد بينها وبينه فقط والذي قابل إنكارها ليرد بابتسامة ساخرة واضعًا كفيه في جيب بنطاله بعد أن ازاح سترته للخلف: - تصدقي بإيه؟ أقسم بالله فجأتيني فعلا، إنت حقيقي بتبهريني يا ميرفت.
نهضت من مقعدها لتكمل هجومها المضاد بثبات تحسد عليه: - دا انت اللي أبهرتني يا جاسر بنزول مستواك لدرجة المقرفة دي، بقى عامل اللعبة دي كلها ومجمعنا عشان تطلعني انا الشريرة بقصص من تأليفك، عشان تنفي تهم الخيانة اللي اتقالت على مراتك وانت رافض تصدقها.
تدخلت ميري رغم وضوح الحقيقة كبزوغ الشمش أمامها، ولكن حقدها أعمى قلبها لتصدر صيحتها جاذبة الأنتباه نحوها: - عندك يا ميرفت، صاحبنا دا بقى مريض حقيقي، والظاهر كدة ان عشرته مع الأوباش نسته معاملة ولاد الأصول.
إهانتها الصريحة لجاسر عززت الثقة بقلب ميرفت رغم ردود الأفعال المستهجنة حولهن فليس الجميع بغباء ميري التي أتت هي الأخرى تساند قرينتها،.
تطلع جاسر إليهن يرد بهدوء وابتسامة مستخفة رغم النيران المشتعلة بصدره من كم التبجح الذي يراه امامه، فتركز خطابه لميرفت: - صاحبتك مش مصدقة اللي بيتقال عليكِ رغم ان كل حاجة قايلها بالدليل، طب اقولها ع السبب الحقيقي اللي غذى كل الحقد دا في قلبك ناحيتي يا ميرفت عشان تدمريني او بمعنى حقيقي تسعي لتدمير الحاجة الحلوة الحقيقية وهي الست اللي حبيتها بجد في حياتي؟
تابع بصوت أعلى يصل لخارج الغرفة نفسها: - اقول قدام الناس دي كلها يا ميرفت، سر كرهك الحقيقي لزهرة عشان انا حبيتها؟
صمت وظل حديث الأعين هو سيد الموقف، ميري عينيها مغشية تمامًا عن الرؤية الصحيحة، وميرفت والتي رغم كل ما تدعيه من ثبات وقوة، فقد كان جسدها يرتجف ويهتز مع تهديده بكشف تفاصيل هذه الليلة المؤلمة لها أمام الجميع ليسحق كبريائها واعتزازها بأنوثتها، وهي التي لم تغفر ولم تنسى له طردها من منزله في وسط الليل في الخفاء ودون علم أحد، أما جاسر فكانت تحرضه شياطينه بقوة للأنتقام لكرامته بفضحها مع فضح الأفعال الإجرامية التي قامت بها في حقه وحق زهرة، ولكن ولوهلة صغيرة، لمح مع هذا التحدى البادي في نظرتها إليه، رجاء انثى تخشى تهديده بحق، فما أقسى على المرأة رفضها الصريح من رجل عرضت نفسها عليه، فما بال لو قص التفاصيل المخزية في تحريضها له حتى ينغمس معها في الخطيئة ويخون معها هذه الحمقاء الواقفة تدافع الاَن وبكل شراسة عنها.
عند خاطره الاَخير التف كازًا على أسنانه وقد حسم أمره فهتف امام المترقبين بصمت في انتظاره: - شوفوا يا جماعة من الاَخر كدة وبدون تفاصيل، انا الست دي حصل خلاف كبير ما بيني وما بينها، وعلى أثره انا كنت مصمم انها تخرج من المجموعة وتسيبها نهائي، لكني اتنازلت لما جت واعتذرت تاني يوم وقالتلي ياريت ننسى اللي حصل وكأنه محصلش، ودي كانت غلطتي عشان معملتش حساب الحية في غدرها.
هتفت ترد وقد عاد إليها صوتها بعد عدم ذكره الحقيقة
الكاملة وفضحها: - انا برضوا حية يا جاسر؟ ولا انت اللي قلبك الأسود صورلك إن لسة حاطة الخلاف ده قدامي عشان انتقم واعمل الهبل اللي انت بتقوله ده؟
التف إليها بنظرة هادئة وقد سأم الجدال والشجار، ثم عاد إلى الحضور يردف بنبرة قاطعة: - طب يا جماعة انا كنت في البداية ذكرت قدامكم عن أسباب العزومة واديني بالصوت والصورة شرحت كل شئ قدامكم عن السبب التالت، لذلك بقى انتوا بقيتوا شهود على قرارتي اللي هتاخذها دلوقتِ قدامكم، الست دي انا بلغت عنها والولد والبنت قدمتهم للشرطة، دا عن حقي وحق مراتي في الأضرار اللي حصلت لنا منها، وقرار خروجها من المجموعة لو ما قامتش هي بالإجراءات المطلوبة من بكرة الصبح، انا هضطر اعمل اجتماع للجمعية العمومية واقدم كل الأدلة دي اللي شوفتوها بنفسكم من دقايق.
استمعت منه فجحظت عيناها بصدمة وقد باغتها بدهائه حتى وضعها في موقف لا تحسد عليه، التفت تنقل بعينيها علّها تجد الدعم من أحدهم، لتُصعق بهذه النظرة القاتلة من عامر الريان فهو لا يقل قوة عن ابنه رغم مرضه، ولمياء رأت على وجهه التصديق بكل كلمة اردف بها ابنها مع نظرة الأزداراء وخيبة الأمل التي تحدجها بها، ولم تقوى على الصمود أكثر من ذلك، تناولت حقيبتها وخرجت مسرعة على الفور دون كلمة فتبعتها ميري تسحب رائد الغافل وكأنه كالحقيبة التي علقتها بيدها، لتهتف وتتبعها: - استني يا ميرفت انا جاية معاكِ، ماشي يا جاسر وديني لقول بابي ع اللي انت عملته ده وخليه يشوف حسابه معاك.
اردفت بالأخيرة بعد أن التفت إليه برأسها قبل خروجها من الغرفة، لتقابل برده الساخر: - قولي يا حبيتي خليه يورني شطارته هو دا كمان، انت عقابك الحقيقي هو مرافقتك لواحدة زي ميرفت دي وتفضلي على عماكِ دايمًا.
رمقته بنظرة خاطفة وغاضبة ثم غادرت هي الأخرى.
زفر حانقًا بارتياح نسبي بعد خروج ه الأفاعي وكشف حقيقتهم فزفر متعبًا قبل أن يجلس بخطوات متعبة على مقعده وقد استنزفت طاقته مع هذا النزال الذي خاضه بشراسة، قبل ان ينتقل بعيناه إليها لينهل منهما الدعم الحقيقي، رغم هذه النظرة المعاتبة بهما!