رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الثامن والثلاثون
- اتفضلي يا قلبي بيتك ومطرحك.
تفوهت بها ميرفت وهي تسحب غادة الى داخل الحفل المقام حول حوض السباحة، في منزلها الفخم، وغادة تسير معها تتطلع بأعين منبهرة نحو الرفاهية التي لم تعتاد عليها قبل ذلك، موسيقى صاخبة، فتيات بملابس شبه عارية يتمايلن بميوعة مع رجال تنوعت اعمارهم، وكؤس الشراب بأيديهم، ومن ناحية أخرى منصة أقيمت لرقص الفتيات مع بعض الشباب بجرأة لفتت نظرها، حتى وصلت الى طاولة تجلس عليها إمرأة كانت تعطيهم ظهرها، حينما قدمتها ميرفت: - انتِ هاتقعدي معانا هنا ياقلبي، انا واعز صاحبة ليا.
تبسمت لها بمودة وفور ان همت لتجلس جحظت عيناها بتوتر وهي تتبين هوية المرأة بعد أن التفت إليها برأسها، لحقتها ميرفت بالقول: - ايه ياغادة سهمتي كدة ليه؟
- يمكن خافت مني يا فيفي لماعرفتني.
قالتها المرأة بمكر، فردت ميرفت بابتسامة محفزة: - ياعبيطة، دي ميري دي عسل.
التوى ثغر ميريهان لتقول بلؤم: - حتى لو كنت غير كدة ياحبيبتي، ما هي بنت خالك خدت جوزي مني، شوفتيني عملت ايه يعني؟
جلست غادة قائلة باعتذار: - معلش بقى ربنا يعوض عليكِ، بس انا مليش دعوة بيها والله.
ربتت ميرفت على ذراعها قائلة بلطف متصنع: - طبعًا ياقلبي احنا عارفين الكلام ده، امال انا ليه حبيتك ياغادة عشان طيبة، وميري كمان قلبها ابيض زيك، انا محبش أبدًا اصاحب الناس الوحشين أو اللؤمة.
أكلمت على قولها ميريهان: - عندك حق يافيفي، هو احنا لو مش طيبين كنا اخدنا على دماغنا بالشكل ده، ياللا بقى كله عند ربنا.
- فعلا ياحبيبتي عندك حق،
قالتها ميرفت لميري قبل أن تتجه بابتسامتها المتصنعة لغادة تخاطبها: - ها ياوزة تحبي تشربي ايه بقى؟
وقعت عيناها نحو المشروب الذي بكف ميري، وصمتت قليلًا بتفكير قبل أن تحسم أمرها: - أي حاجة ساقعة وخلاص.
تبادلت ميري وغادة ابتسامتهم الخبيثة، ثم فتحن معها بالاحاديث العادية لتطمئن لهم، حتى أجفلن فجأة على صوت احدهم وهو يميل على ميرفت قائلًا: - مش تعرفينا يافيفي.
شهقت ميرفت ضاحكة للشاب قبل أن تعود لغادة تخاطبها: - دا ماهر أخويا يا غادة، اللي انا عاملة الحفلة مخصوص عشانه.
توقف قلب غادة عن النبض للحظات وعيناها تتطلع بالقلوب الحمراء نحو الشاب صاحب العيون الخضراء والشعر الأصفر، وبشرته القريبة من بشرة الأجانب، على وسامة نافست نجوم الأفلام التي تشاهدها، استعادت وعيها اَخيرًا على قول ميرفت وهي تقدمها للشاب الذي كان ينظر لها بجرأة: - اهي دي بقى تبقى غادة صاحبتي اللي قولتلك عليها قبل كدة ياماهر، احلى بنت بلد تقابلها.
توسعت ابتسامة بلهاء على فمها وهي ترد بتلعثم: - اا مش لدرجادي يعني يا ميرفت.
- لا لدرجادي واكتر كمان.
قالتها ميرفت وشاركها الشاب وهو يجلس بجوارهم على الطاولة: - عندك حق ياميرفت، انا مكنتش اعرف ان مستوى الجمال اتطور لدرجادي في البلد.
- واديك عرفت وشوفت بنفسك ياخويا.
قالتها ميري بمشاكسة قابلها الشاب بابتسامة متسلية، أما غادة فكانت ترفرف بأهدابها غير مصدقة، ليزيد الشاب بكلمات الغزل نحو عشقه للبلد وفتياتها أيضًا، تبادلت ميري وميرفت نظراتهم بمغزى قبل أن تستاذن واحدة منهم لتسحب معها الأخرى تاركين غادة مع المدعو ماهر على الطاولة وحدهم،
- ها بقى ممكن تعرفيني على نفسك.
قالها بابتسامة اربكتها لتسرد في الحديث عن نفسها بعفوية حمقاء، غافلة عن نظراته التي كانت تتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها.
وفي مكان اًخر.
ولجت زهرة متأبطة ذراع زوجها الى ردهة الفندق الفخم، خلف عامر ولمياء في البداية، ليتلقاهم مصطفي عزام بترحيبه الحار مع شقيقه، وزوجته الممثلة نور فهمي، بابتساماتها المعروفة، ودودة ولطيفة في تعاملها مع زهرة وكاميليا ولمياء، عكس الزوجة الأخرى لشقيق مصطفي وهي ترحب بابتسامة متحفظة ولغة عربية غير متقنة، ثم يتقدمهم مصطفي ليأخذ الجميع معه الى القاعة المخصصة لكبار الزوار في فندُقه الشهير، حيث كانت والدة الشقيقان في انتظارهم.
شهقت لمياء بصوت خفيض محدثة زوجها فور أن رأتها: - يانهار اسود ياعامر، دي ايه اللي جابها دي؟
رد عامر بصوته الهامس معها بمشاكسة: - ايه يا لميا؟ هي لدرجادي بهيرة شوكت بتخوف؟
تمتمت لمياء بغيظ: - وماخافش ليه؟ وانا اكتر واحدة عرفاها!
تقدمت المرأة تصافح وترحب بابتسامتها المتعالية مع الجميع وخصوصا زهرة.
أجلسهم مصطفى في وسط القاعة المذهبة في كل ركن بها، حتى الارئك الكلاسيكة بفخامة، والثريات الكبرى في الوسط تتدلي منها حبات الكريستال المضيئة، لتبعث في الجو مزيدًا من الرقي المبالغ فيه، مع موسيقى هادئة تليق بالمناسبة.
توزعت الجلسة لمجموعات، مصطفى وشقيقه مع عامر وجاسر ومعهم طارق وكارم، لمياء اضطرت لمجالسة بهيرة بحكم معرفتها بها ومعهم كانت الزوجة التركية لشيقق مصطفي، وانفردت نور مع الفتيات زهرة وكاميليا واندمجن في الحديث معها: - شوفوا يابنات انا عايزاكم تاخدوا عليا كدة وتعتبروني صاحبتكم ماشي، يعني تفكوا وتهزروا معايا.
قالتها نور وردت كاميليا: - كدة على طول، طب مش لما نعرفك الأول وتاخدي علينا وناخد عليكِ.
فغرت فاهاها تدعي الصدمة قبل أن ترد بعتاب مرح: - اخص عليكِ، دي كلمة برضوا تقوليها في وشي كدة، قال وانا اللي كنت فاكرة نفسي مشهورة.
ضحكتا الاثنتان لتواضع المرأة معهم فخاطبتها زهرة ملطفة: - هي مقصدهاش والله، هي قصدها معرفة شخصية، بس انتِ عسل صراحة، احلى كمان من التمثيل، حلوة وعلى سجيتك.
- يعني بجد انا حلوة؟
قالتها بابتسامة شقية وأكملت: - وايه كمان والنبي، قولوا قولوا، انا ماشبعش من الكلام ده على فكرة.
عدن للضحك مرة أخرى فقالت كاميليا: - انتِ جميلة قوي يانور، من برا ومن جوا عكس ناس كتير بنشوفهم في الوسط بتاعكم.
ردت نور: - وانتي كمان يا حبيبتي، بصراحة انا مبسوطة اوي بيكم يابنات، حلوين كدة ومش مكلكعين زي بعضهم.
قالت الأخيرة بمغزى وسألتها زهرة ببرائة: - بعضهم دا يبقى مين؟
اصدرت ضحكة مضطربة مع نظرة ماكرة برفع حاجبيها، فهمتها كاميليا فهمست لزهرة وهي تتطلع نحو الناحية المقصودة: - انا هافهمك يازهرة واقولك بعدين.
أومأت لها زهرة برأسها فقالت نور: - انا دلوقتي بس عرفتي سر تمسك جاسر الريان بيكِ، جميلة وبريئة في نفس الوقت، يابخته.
تأثرت بمقولتها زهرة حتى زحفت على وجهها حمرة الخجل رغم زينتها، هللت نور بمرح: - الله يازهرة وكمان بتتكسفي وكيوت.
اومأت لها كاميليا بتصديق: - هي فعلًا كدة والله لدرجة انه أحيانا بيتسفزني جدًا خجلها دا.
ردت نور: - وتستفزك ليه بقى؟ دي تجنن.
صمتت لحظة ثم أكملت بروحها المرحة: - هاتصدقوني بقى، انا النهاردة حبيت مصطفي عشان عرفني بيكم.
قالتها وانطلقت ضحكاتهم حتى التفتت نور على سهام نظرات حادة مصوبة نحوهم فغمزت للتنبيه: - خلوا بالكم يابنات من صوت الضحك احنا مش ناقصين.
ومن الجانب الاَخر، التفت بهيرة برأسها بعد أن حدجتهم بنظرة ممتعضة، لتعود مخاطبة لمياء: - شوفتي بقى ياحبيبتي، ادي نتيجة الجواز الغلط، بتضحك بصوت عالي، ولا مقدرة شكل جوزها قدام الناس ولا حتى مراعية أصول الإتيكيت.
اومأت لها لمياء صامتة وتابعت المرأة بخبث: - بس على الأقل هي مشهورة واسمها مسمع مع الناس، لكن مرات ابنك انتِ بقى...
ابتعلت ريقها لمياء لتسألها بتوتر: - ومالها مرات ابني بس يا بهيرة هانم، ماهي زي القمر اهي ولبسها حلو وقعدتها رزينة كمان، وحتى ضحكها صوته واطي.
اشاحت المرأة بعيناها قليلًا ثم عادت ترد بعدم رضا: - بتضحكي عليا وعلى نفسك يالميا؟ ولا انتِ فاكراني مش عارفة بالتريند اللي قلب الدنيا عن جوازها بأبنك واصلها وسمعة والدها؟ انا كبرت شوية في ألسن اه، بس اعرف برضوا في التكنولوجيا.
شعرت لمياء وكأن دلوًا من الماء البارد سقط فوق رأسها، فجاهدت حتى خرج صوتها بنبرة طبيعية: - طبعًا انتِ عندك حق، بس انا اعمل إيه بقى؟ والولد حبها؟
ردت باستحفاف: - حب! حب إيه وكلام فارغ إيه بس يالميا؟ هو ازاي أساسًا يبص لبنت زي دي شغالة عنده سكرتيرة؟ ويطلق بنت خالته ميري بنت الوزير؟ اهو دا النسب اللي يشرف ويرفع الراس، لكن اقول إيه بقى؟
صمتت لمياء ولم تعد بها قدرة على المجادلة مع المرأة؛ التي خاطبت زوجة ابنها الثاني بلغة تركية لم تفهمها لمياء، فانتظرت حتى نهضت الفتاة وانصرفت من جوارهم ثم التفت نحو بهيرة ناظرة بتساؤل، وكان جواب الأخرى: - انا كلمتها تروح تطمن على حال البوفيه والأكل، مطيعة أوي سوزان، اهي دي بقى كانت اختياري لابني الصغير بعد ماشوفت خيبت اخوه الكبير في جوازه بالممثلة دي، بنت من أكبر العائلات في تركيا، طبعًا امال إيه؟ الواحد لازم يتجوز باللي يليقله.
أومأت لها صامتة، فكلمات المرأة المتعجرفة تضغط بشدة على وترها الحساس نحو المظاهر والتكافؤ بين الزوجين مع فرق الطبقات، فقد أوجعها ابنها في هذا الموضوع بشدة لتأتي هذه المرأة الاَن لتضغط على جرحها، أجفلتها فجأة قائلة: - قوليلي صحيح يا لميا، هي مين البنت اللي زي القمر اللي قاعدة في الوسط دي؟
أجابتها بنبرة ميتة: - دي كاميليا اللي كانت مديرة مكتب عامر سابقًا، حاليًا هي ماسكة المصنع مع طارق، على فكرة هي مخطوبة لكارم.
- اممم
زامت المرأة بصوتها بتفهم قبل ان تكمل وعيناها على كاميليا: - ماشاء الله تبارك الرحمن، خلبوص الولد كارم ده، عرف ينقي بصحيح.
- عندك حق.
قالتها بقنوط وتحسر على وضعها ونسب ابنها الغير مشرف بنظرها، والذي افقدها متعة الحفل والإحتفال.
وإلى جلسة الرجال التي كانت صاخبة بأصوات ضحكاتهم وحديثهم المرح مع مصطفى الذي كان يسرد لهم عن مقابلته للوزير فهمي حيدر الغاضب من شراكته لهم وتوببخه بكلمات غير لائقة لوضعه أو مركزه الأجتماعي: - معقول هو قالك كدة، الراجل دا اتجنن ولا إيه؟
قالها جاسر بدهشة ورد مصطفى غير مبالي: - هو فعلآ اتجنن على فكرة، لما يهدد واحد زيي انه هايوقف شغلي ولا عقودي مع الحكومة، الكلام دا مايطلعش من عيل صغير، يعرف الف ب في الإقتصاد، انا شريك كبير مع الحكومة، يعني لو شغلي وقف، شغل البلد كمان هايوقف.
تدخل عامر: ، سيبك منه دا بيفرفر بعد ماخسر اهم عقد شراكة مابينا وبينه، وضاعت عليه فرصة انه يأسس كيان يتحدانا بيه؟
- لا ولسة كمان؟
قالها مصطفى مبهمة فسأله طارق باستفهام: - لسة كمان أيه؟
اقترب مصطفى برأسه منهم يجيب بهمس: - جاتني معلومات خطيرة من مصدر موثوق فيه، انه هايتشال في التعديل الوزاري الجديد.
انفغرت افواهم بذهول يشوبه المرح، قبل أن يسأله جاسر: - والمصدر الموثوق دا انت متأكد من كلامه بقى؟
- طبعًا يابني، ما انا اللي كنت مترشح مكانه.
قالها ببساطة أطلقت ضكاتهم لتجلجل في قلب المكان، وتابع مصطفى: - بس ولله الحمد رفضت.
عارضه طارق قائلًا: - رفضت ليه يابني؟ ماكنت خدت مكانه وبدال الضربة تبقى اتنين.
نفى برأسه يقول رافضًا: - لا ياسيدي انا مش عايز اضرب ولا اوجع دماغي، انا راجل كل همي في شغلي اللي بحبه، ماليش بقى في السياسة والكلام الفاضي ده، دي خليها لأصحابها ياعم.
قالها مصطفى فربت عامر على ركبته بإعجاب مرددًا: - برافو عليك يابطل، انا من اول مرة شوفتك فيها في بداية مشوارك يا ابودرش ونظرتي فيك ماخيبتش.
ربت بدوره مصطفى على كف الرجل بامتنان، لينتبهوا جميعهم على الفتاة المسؤلة بالفندق وهي تتقدم النادل الذي يقدم لهم المشروبات، بملابس العمل القصيرة، مع زينه محكمة على وجهها الجميل وشعرها، لتُحيهم بابتسامة من واقع عملها، تناول كل منهم مشروبه حتى جاء دور جاسر واتسعت ابتسامتها بشكل لفت انظار الجميع حولها وهي تقدم له المشروب بنفسها: - الفندق زاد نوره النهاردة بوجودك ياجاسر باشا.
تناول منها ورد بابتسامة مرتبكة: - دا نورك ياا، شكرًا.
كررت غير مبالية بنظرات الرجال حولها: - اي حاجة تعوزها احنا تحت أمرك يافندم.
اومأ لها على حرج وقد انتبه لنظرات زهرة نحوهم، جاء قول مصطفي الحازم لإنقاذه: - متشكرين ياميرنا، لما نعوزك هانبعتلك.
اومأت له بابتسامتها المعتادة فقالت بنعومة متعمدة وعيناها تلاحق جاسر: - تمام يافندم، بس انا كنت جايه انبهكم ان جلسة التصوير على وشك البدء وكل شئ بقى جاهز.
- خلاص روحي انتِ، واحنا قايمين على طول.
قالها مصطفى بعملية، لتنصرف الفتاة بعد ان عكر مجيئها صفو جلسة الرجال.
بعد قليل.
بدأت جلسات التصوير بصورة جمعت عامر الريان وولده مع مصطفى وأخيه لتصنف تحت عنوان الشراكة الاهم لهذا الموسم، بين أهم كيانين في بناء الوحدات السكنية في الدولة، وبعدها اتت الصور تباعًا، صورة لأمضاءهم في العقد، وصور لأفراد العائلتين جميعهم، وبعض الصور لكل فرد منهم مع زوجته، مصطفى ونور، او جاسر وزهرة التي كانت تشجعها كاميليا بقلبها لترفع رأسها، وتتخلى عن خجلها الدائم حتى ظهرت بأجمل مايكون، وتوالت الصور للرجال مع بعضهم والنساء حتى لمياء نالت حظها مع بهيرة المتعجرفة، تجاهد بصعوبة لرسم ابتسامة على شفتيها، فالمرأة لم ترحمها على الأطلاق،.
لتنتهي الجلسة اَخيرًا بمأدبة عشاء فخمة أقيمت على شرف شراكة وتعاون العائلتين، جلس مصطفى على رأس الطاولة لتجاوره على يساره زوجته نور والتي لم يغلق فمها ولو دقيقة عن الإبتسام والترحيب بكل ود لجاسر وزهرة الذين جاوروها وعلى، نفس الصف كان عامر وزوجته وكارم ملتصق بكاميليا، ليزيد من غليل طارق الذي كان مقابلهم في الناحية الأخرى مع شقيق مصطفى وزوجته التركية وبهيرة شوكت والتي مازالت تمارس هوايتها في التفاخر المبالغ فيه: - عارف ياعامر باشا، انا اللي اصريت على مصطفى على عقد الحفلة هنا، اصل بيني وبينك القصر اليومين دول بنعمل فيه تجديدات للحفاظ على رونقه وأصالته.
تبسم عامر لها قائلًا بزوق: - وماله ياهانم هنا او في القصر أو في أي حتة، احنا موافقين ومرحبين.
اصدرت صوت طقطقة بفمها لتقول باعتراض: - لأ ازاي ياباشا، الفندق هنا فخامة زي القصر، لكن المباني الجديدة زي الفلل ولا حتى القصور، كلها شبه بعض تفتقر لرقي عائلاتنا الكريمة، سر تميزنا عن الجميع.
اومأ لها بابتسامة ممتعضة عامر، مفضلًا انهاء حديثها السخيف بتناول الطعام، وقد أطلق تلميحها المستفز ذبذبات التوتر في الأجواء، مصطفي كان يجاهد بتوزيع ابتساماته مع زوجته على تلطيف الأجواء، وجاسر فضل التعامل بعند بزيادة رعايته لزهرة وتقديم الطعام أمامها مع كلماته المعسولة التي أثارت غيظ المرأة، فنقلت اهتمامها نحو كاميليا تجفلها بسؤالها: - وانت بقى ياجميلة مافكرتيش تمثلي؟
توقفت كاميليا عن الطعام وردت قاطبة باندهاش: - أمثل! ليه بقى؟
قالتها وانتبهت على انظار الجميع المصوبة نحوها بتوتر، خصوصًا نور زوجة مصطفى، فقالت ملطفة: - انا اقصد يعني، اني ما املكش الموهبة أساسًا، وحتى لو كان، انا بحب شغلي جدًا ومافيش حاجة تغنيني.
كانت إجابتها دبلوماسية ارضت نور، ومع ذلك استغلتها المرأة: - عندك حق ياقمر، مع انك لو دخلتي بجمالك دا هاتكتسي، دا كفاية إنه جمال طبيعي، لكن اقول ايه بقى؟ الولد الخلبوص دا هو اللي محظوظ بيكِ.
شحب وجه كاميليا، وتلميحات المرأة الخبيثة لا تريحها، أما كارم فتبسم بسعادة وقد أطربه ااكلمات، ليزيد على جرعتها، برفع كف كاميليا فجأة يقبلها وهو يقول بزهو: - عندك حق ياهانم انا فعلا بعتبر نفسي محظوظ بيها.
تغضن وجه طارق في الناحية الأخرى بالغيظ من هذا المتحذلق، يود لو يهشم رأسه بأي شئ تطاله يداه، حتى يغلق فمه إلى الأبد.
ضحكت بهيرة ضحكتها المتقطعة بتكلف لتردف مخاطبة غرور الاَخر: - لا وشاطر كمان وبتعرف ترد، يابخت والدتك بيك، هي فين صحيح بقالي فترة طويلة ماشوفتهاش، من ساعة ماحضرت جنازة اللوا.
تنهد يرد وهو مطرقًا برأسه: - للأسف والدتي حرجت على نفسها الخروج من ساعة وفاة المرحوم، خروجها بقى مختصر ع المقابر او المشاوير الضرورية، زي خطوبتي لكاميليا كدة، أصلها كانت بتحبه اوي.
- ياحبيبتي.
قالتها بهيرة تدعي التأثر، لتجفل فجأة على هتاف طارق بعد أن فاض به.
- انا شبعت يامصطفى خلاص، مش ناوي بقى تفرجنا على باقي الفندق زي ماوعدت؟
قالها بحدة واضحة، ورد مصطفى كالعادة بزوق: - اه طبعًا ياعم طارق، دقايق بس على ما اخلص أنا أكل مع الجميع.
- تمام وانا هانتظركم.
قالها بنزق قبل ان ينصرف، متجاهلًا أنظار بهيرة التي كانت تحدجه بغيظ، قبل أن تعود لكارم وحديثهم الممل: - احنا كنا بنقول إيه بقى ياكارم؟
أجابها متشدقًا: - كنا بنتكلم على والدتي وزعلها الكبير على وفاة المرحوم والدي.
بعد انتهاء مأدبة العذاب كما أسمتها كاميليا، اسئذنت متعللة بالإتصال على والدها، كي تهرب من جولتهم بداخل اروقة الفندق العريق، كي تختلي بنفسها منهم، أما زهرة هي الأخرى فلم تكمل نصف الجولة برفقة نور التي صاحبتها كصديقة مقربة رغم معرفتها الجديدة بها،
واستأذنت منها للذهاب نحو أقرب حمام وصفته إليها، وقد أصبحت إحدى عادتها حديثًا كثرة ارتياده،.
خطت حتى الرواق المؤدي الى حمام السيدات وقبل أن تصل إلى مدخله، سمعت بحديث الفتيات الصاخب من الداخل، واسمه يذكر بينهم: - يابنتي بقولك جاسر الريان، هو بذات نفسه، دا احلو قوي يازفته.
دوى صوت ضحكة رقيعة لفتاة أخرى قبل أن تردف لها: - ايوة بقى اللي كنتي بتحكيلي عنه ليل نهار وعن الليلة اياها ههههه.
ردت الأولي: - اه ياختي الليلة اياها، اللي بعدها الراجل طفش وقال عدولي، قوم انا ماشوفش وشه تاني غير النهاردة، بعد ما اتجوز البت السكرتيرة بتاعته وطلق بنت الوزير، طب لما هو ناوي ع الطلاق من الأول، مش كان اتجوزني انا وكسب فيا ثواب.
دوت الضحكات الصاخبة مرة أخرى وإحدى الفتيات تجيبها: - تلاقيه ما انبسطتش معاكي ياميرنا.
ضحكت بدورها لتزيد من عبث ضحكاتهم الماجنة بقولها: - مش مهم، كفاية انا انبسطت، ههههه.
لم تحتمل أكثر من ذلك، لترتد مغادرة وقد اكتفت بهذا القدر.
بشرفة داخلية للقاعة تطل على حديقة ضخمة للفندق، وقفت تتنفس الصعداء اَخيرًا، بعد أن ضاق صدرها ولم تعد بها طاقة لكل ما يحدث حولها الاَن، هي ليست غبية حتى تغفل عن سلوك كارم معها وتفاخره بها أمام الجميع، وكأنه دمية جميلة بيده، كما لم تغفل بذكائها عن التلميحات الخبيثة للمرأة والدة مصطفى عزام، كي تزرع الغيرة بقلب زوجة ابنها المرأة الجميلة منها، والأفعال الئيمة للتقيل من زهرة صديقتها أمامها، تلعن مجيئها وهذا الدور الذي تلبسها عكس شخصيتها التي أسستها منذ سنوات، بجهدها وتميزها دون النظر لوجهها إن كانت جميلة أو قبيحة حتى، تنهدت بتعب تبتغي الراحة والخروج من هذه الدائرة، هي إنسانة محبة للحياة نفسها، وليس لمظاهر كاذبة خادعة.
- عاجبك شخصيتك الجديدة مع الباشا ابن اللوا؟
قالها وكأنه قرأ ما تفكر به، التفت برأسها إليه بنظرة حادة متسائلة فاستطرد وهو يكمل بتقدمه نحوها: - ماتستغربيش ياكاميليا، انا فاهمك اكتر ما انتِ فاهمة نفسك.
زفرت بضيق تشيح بوجهها عنه، وكأنها تعلم ببقية حديثه، فاقترب أكثر حتى وقف امامها ليتابع: - مهما حاولتي تنكري وتكدبي وتدعي عكس اللي في قلبك، برضوا انا فاهمك وعارف باللي جواكي.
قلبت عيناها ترد بسأم على كلماته: - اه وايه بقى هو اللي جوايا يا أستاذ طارق ياللي عارفني أكتر من نفسي؟
اعتلى وجهه ابتسامة رأتها ولا أجمل في ظل الإضاءة الخافتة حولهم ليقول: - بتحبيني.
قالها ببساطة لتقابلها بضيق صائحة: - يووووه، مش هانخلص بقى احنا من الكلام ده؟
ازداد اتساع ابتسامته ليردف بتأكيد ووجهه يزداد قربًا منها: - ونخلص ليه يا كاميليا؟ دا انا لو عليا لاكتبها على الحيطان واحفرها على جزوع الشجر زي العيال المراهقين، ولا اعلقها بيافطة على صدري عشان الكل يعرفها ويعرفني بيها، كاميليا بتحب طارق، وطارق بيحب كاميليا لنفسها بس، مش لشكلها ولا لأي شئ عنها تاني، حب اتعدى في قلبي كل الحدود، وجعلني اتخلى عن كل عادة وحشة فيا عشانك، حب خلاني احب القهوة عشان كل ما اشربها افتكر لون عيونك اللي بيطير النوم من عيوني، حب معرفتوش ولا افتكر انه هلاقي في حياتي كلها اللي يعوضه.
صمت قليلًا وعيناه تأسر عيناها حبيبتيه ليردف بحزن من اعماق ندمه: - عارف ان تاريخي مايشرفش، بس انا مستعد اغير شهادة ميلادي لو يرضيكِ، إنسى الماضي ياكاميليا وخلينا نعيش مع بعض بعهد جديد وحياة نرسمها انا وانتِ مافيهاش اي شئ يزعجك، حاولي ولو في مرة واحدة تسمعي لصوت قلبك.
صمت وظل حديث الأعين بينهم سيد الموقف، هو يتطلع إليها باستجداء لتوافق، وهي أخذها سحر اللحظة ونست كبريائها وعنادها الدائم معه، متأثرة بصدق كلماته، التي اخترقت حصونها فجعلتها تُسقط ادرعتها واسلحتها التي تشهرها دائمًا في وجهه، ولكنها كانت كاستراحة محارب وقد استفاقت فجأة على نبرة الصوت المألوف: - إيه اللي بيحصل هنا؟
التفت رؤس الأثنان نحوه، واقفًا بمسافة ليست بعيده عنهم، عيناه الصقرية تقذف بشرارت الغضب، وجهه مظلم على غير طبيعته المعتادة، كرر مرة أخرى مشددًا على كلماته: - انا بسأل إيه إللي بيحصل هنا؟
انتبهت كاميليا على وضعها وقرب طارق الكبير منها فارتدت للخلف تبتعد عنها لترد بدفاعية: - ماتفهمش غلط ياكارم، دا كان بيسألني سؤال عادي.
رمقها طارق بنظرة غامضة قبل أن يتحرك ليقترب من كارم قائلًا: - لأ في ياعم كارم وهي بتنكر، انا كنت بقولها اني بحبها وانها لازم تسمع لصوت قلبها ما تضيع نفسها بجوازها منك.
شهقت مصدومة من فعلته وردت بدفاعية: - يانهار اسود ماتصدقهوش ياكارم.
حدجها بنظرة نارية قبل أن يعود لطارق الذي كان يناظره بتحدي لرد فعله الذي بدا واضحًا في اهتزاز جسده رغم جموده لتشتعل بينهم حرب النظرات، فتابع طارق: - ساكت ليه ياعم الحلو، ولا انت عايز تفهمني انك ماوخدتش بالك؟
انشق ثغر الاخر بابتسامة قاسية اظهرت مدى كبته لغضبه ليقول: - انا مش هاحسبك على كلامك، ماهو واحد بأخلاقك اتوقع منه أي حاجة.
مال طارق برأسه إليه قائلًا باستخفاف: - ياااراجل، هو دا بقى ردك على كلامي؟
- بطل بقى كلامك المستفز دا ياطارق.
قالتها كاميليا تنهره غاضبة وهي تدفعه بقبضة من يدها لم تؤثر فيه، لتفاجأ بصيحة هادرة من كارم: - انتِ تخرسي خالص وتخرجي من هنا حالًا دلوقتي.
انتفضت محلها بارتياع من هيئته المخيفة وشرار عيناه المشتعلة ببركان غضبه تبعث في قلبها الرعب، لتجفل فجأة على رد طارق الذي هدر بدوره يدفعه بقبضتيه على صدره: - اياك تعاملها بالأسلوب دا تاني وخلي كلامك معايا انا.
صمد كارم عن الرد رغم احتقانه ليعود إليها كازًا على أسنانه: - بقولك اخرجي يامحترمة، بدال ما سيرتك تبقى على كل لسان.
سمعت جملته القاسية لتفر منهارة من أمامهم تاركة معركة على وشك البدء.
وفي الداخل وبعد أن راقب انصرافها بقلبِ ملتاع لهروبها باكية من أمامه، التف نحو كارم الواقف أمامه كالتمثال، بلا حركة، واضعًا يديه بجيبي بطاله دون اكتراث لخصمه، مصوباً سهامه النارية نحوه دون أن ترف أجفانه ولو بهفوة، ليساهم جموده في اشتعال غضب الاخر الذي عاد بقبضتين فولازيتين على صدره الحجري، فلم يؤثر بدفعه إلا قليلًا للخلف، ليهدر بعنف: - انت إيه عينتك ياجدع انت؟ مصنوع من إيه بالظبط؟
لم يرد واكتفى بنفس الإبتسامة على فمه المطبق، بخط قاسي ومشتد.
صاح طارق بضربات أشد مرددًا: - بلاش برودك دا معايا، إنت مش قد جناني.
انفرج فمه اَخيرًا ليميل برأسه يقول كازًا على أسنانه: - هو دا بقى اللي انت عايزه، اقابل جنانك بجناني ونشوف مين اللي يفوز، بس لا يأستاذ طارق، انا كدة كدة فايز، يعني مافيش داعي اعصب نفسي في معركة انت خاسرها من البداية.
برقت عيناه طارق واحتقن وجهه يستوعب الكلمات الغير مفهومة، فقال بانفعال فقد السيطرة عليه: - معركة إيه ياحقير انت؟ يعني انت واخد الموضوع تحدي، رغم علمك بمشاعري ومشاعرها.
رد بهدوء غريب: - ومين قالك بقى انها بتبادلك نفس المشاعر؟ وحتى لو حصل وصدق كلامك، هي خلاص اختارت، ومافيش رجوع.
- مافيش رجوع ازاي؟ هو انت هاتحدد من مكانك قرارها؟ ماتفوق لنفسك ياعم الطاوس انت ولا عايزني افوقك.
هتف بها يدفعه بكفيه عدة مرات، حتى انتفض الاَخر، وانتفخت أوداجه رافعًا قبضته في الهواء ليزأر كوحش، انغلق عليه باب قفصه، صرخة أجفلت طارق عن الرد بصدمة، ليستفيق على هتاف جاسر الذي أتى ليفصل بينهم: - مالكم في إيه؟
التفت رؤس الاثنان نحوه، وكان السبق لكارم في الرد بتحول أدهش طارق: - اتفضل حضرتك وشوف بنفسك ياجاسر باشا، انا بذلت المستحيل عشان الخناقة ماتكبرش ونضُر بأسم حضرتك.
مالت رأس طارق وهو يتطلع إليه بتشتت، وجاسر يربت على ذراعه مرددًا ليشكره بامتنان قبل أن يتناول ذراع طارق ليسحبه معه: - تعالى معايا ياطارق،.
لم يتحرك وتسمرت أقدامه بالأرض، ليزيد جاسر من جذبه بغلطة حتى تمكن بالإبتعاد به عن محيط كارم، وقبل أن يخرج من الشرفة نهائيًا التفت رأسه للخلف، فوجده يعدل من هيئته ورابطة عنقه، قبل أن يمرر كفيه على شعر رأسه ليعيد على اناقته، وكأن شيئًا لم يكن، عاد برأسه قائلًا لجاسر المستمر في سحبه: - هو الواد ده جنسه إيه؟ دا لوح تلج البعيد ولا اكنه بيحس نهائي ياجاسر.
ربت جاسر على ذراعه بمؤازرة، هامسًا بغضب: - كفاية بقى بلاش فضايح، واحمد ربنا انه مسك نفسه من جنانك، قبل ما تبقى مصيبة وتفرج الناس علينا، مش كدة ياطارق، انا راسي كانت هاتبقى في الأرض منك.
صمت الاَخر قليلًا يحاول تمالك نفسه، قبل أن يعود إليه سائلا بدهشة: - هو انت عرفت مكانا ازاي؟
اجابه بغضب مكتوم: - كاميليا هي اللي اتصلت بيا، قبل ما الموضوع...
- طب هي راحت فين دلوقت؟
سأله طارق بمقاطعة، ورد جاسر: - فوق مع نور وزهرة في جناح مع نفسهم.
هم ليزيد بأسئلته، ولكنه توقف على انشغال جاسر باتصال هاتفي اوقفه في وسط الفندق، ليستمع لمحدثه قليلًا، ثم ترتخي ملامح وجهه تدريجيًا حتى تحولت لابتسامة واسعة، قبل أن يغلق المكالمة، فسأله طارق باندهاش: - ايه سر الإبتسامة دي بقى؟
ربت على وجنته مرددًا بمشاكسة مرحة: - كل خير ياعم طارق، كل خير إن شاء الله.