رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم أمل نصر


رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم أمل نصر





رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السابع والثلاثون

أنهت عملها سريعًا حتى لا تتأخر عن موعدها مع زهرة في الذهاب معها الى صالون التجميل بعد أتفاقهم السابق كي تجهزها وتشرف على إطلالتها لحفل المساء الذي سوف تحضره مع زوجها وعائلته في عقد الشراكة الجديد، اسرعت بالخطوات لتلحق بالمصعد قبل أن ترى وجهه وقد تعمدت اليوم بعدم اللقاء به، بعد صدمتها برد فعله المجنون بالأمس، ولا حتى في أقصى خيالاتها توقعت حجم تطرفه هذا في التعامل معها، يدعي انها طعنته بخطبتها لكارم، وكأنها أعطته وعدًا بالعشق، مجنون!

دلفت لداخل المصعد وقبل أن يتم الباب اغلاقه وجدته يلج لينضم معها على اَخر لحظة، فلم يسعفها الحظ بالخروج وتركه، زفرت بعنف تظهر له تأففها ليفاجئها بهذه النظرة الغريبة مع وقفته الاغرب وقد قصد الوقوف أمامها مباشرةً واضعًا يديه بجيبي بنطاله يناظرها بتمعن وعيناه تتفحصها بجرأه مقصودة ومتعمدة، حدجته بنظرة زاجرة لينتبه، فكان رده ابتسامة جانبيه ساخرة بارتخاء، اثار بروده احتقانها فهتفت بوجهه: - في إيه؟

حرك رأسه باستفهام يدعي عدم الفهم، فصاحت فاقدة حكمتها: - انا بسألك بتبصلي كدة ليه؟
ارتفع حاجبه مع ابتسامة ماكرة اعتلت وجهه لعدة لحظات صامتًا باستمتاع، فازداد احتقان وجهها حتى اصطبغ بحمرة الانفعال، وحينما أصابها اليأس من رده، دبت بأقدامها تشيح بوجهها عنه وهي تفور من الغيظ، وهذا كالتمثال واقفًا محله يرمقها بسهامه المتفحصة، وصلها صوته اَخيرًا بنبرة متسلية: - بتاع نسوان بقى، عايزاني ابص ازاي يعني؟

التفت برأسها إليه فاغرة فاهاها وعيناها الجميلة توسعت بذهول من جرأته؛ ليُجفَل على لون القهوة الذي توهج بقوة تغريه بالاستمرار في إستفزازها؛ كي يتنعم برؤيتهم المحببة اليه، لا بل هو على استعداد ليبقى اسير النظر اليهم حتى يفنى عمره، قطعت شروده هادرة بغضب: - بلاش اسلوبك المستفز دا يا طارق، احنا ناس محترمين.
- بجد؟!

قالها بسخرية ضاحكًا بدون صوت، فانفتح باب المصعد الذي توقف فجأة على الطابق المقصود، تنهدت هي براحة تحرك اقدامها للخروج بسرعة ولكنه فاجئها باعتراض طريقها متصدرًا بجسده الضخم أمامها، ارتفعت عيناها اليه، فتقابلت بهذا الدفء الغريب في نظرته؛ وقد ذهب عن وجهه الهزل، ليرتسم محياه بتعبير، رفضته بقوة لتدفعه بكتفها وتخرج بعنف خطواتها، وظل هو محله يراقب انصرافها حتى اختفت من أمامه، ليستدرك اَخيرًا وضعه بالمصعد والذي ذكره بوضعه معها بين الصعود لسماءها الصافية ودنيا البراح في العشق أو الإنسحاب والخروج نهائيًا من محيطها.

انتفض فجأة ينتزع نفسه من شرودها وتحركت اقدامه الكبيرة بخطواته الواسعة حتى خرج هو الاَخر من المبنى؛ فاصطدمت عيناه بغريمه الذي كان في انتظارها، واقفًا بجوار سيارته بهيئته الاَلية، واناقته المبالغ فيها دائمًا، هذا الرجل لا يعجبه حقًا!

كان قد وصل الى سيارته قبلها، فتحركت رأسه نحو هذا المدعو كارم بتحية فاترة، رد الاَخر التحية بروتنية مثلها قبل أن ينشق ثغره بابتسامة متكلفه فور أن اقتربت منه ليصدمه بفعل كاد ان يطيح بعقله، توسعت عيناه وخرج من فمه السباب بكلمات وقحة، متوقعًا اعتراضها على تقبيل هذا ال، لها من وجنتيها، ولكن لم يحدث!

- لو سمحت ياكارم ماتعملش كدة تاني.
قالتها اَخيرًا بعد تحرك السيارة، تجاهد لضبط النفس والتحكم بصعوبة في نبرة صوتها الذي كان يهتز من فرط غضبها الذي ازداد بعد رده: - هو إيه بالظبط اللي معملوش؟
أجابته متنهدة بسأم: - أن سلامك ليا يبقى بالبوس على الخدود، انا مسمحش بالكلام ده حتى لو خطوبة رسمي، مش لسة مجرد كلام.
- مجرد كلام!

قالها والتفت رأسه إليها بهدوء غريب يكمل: - هو مش مجرد كلام يا كاميليا، احنا فعلًا بقينا مخطوبين بقراية الفاتحة، وحفل الخطوبة يبقى بس إشهار.
هتفت بحدة: - حتى لو كان، برضوا ماينفعش، انا اتربيت على كدة ياكارم.
رمقها بابتسامة غامضة ثم قال مغيرًا دفة الحديث: - هاتخلصي امتى مشوارك مع زهرة؟ عشان اجهز نفسي انا كمان.

حدجته مندهشة لتعمده تجاهل كلماتها فقالت بامتعاض: - معرفش هانخرج امتى؟ ثم انه كمان مش لازم توصلني، انا عارفة ومقدرة مسؤلياتك الكتير مع جاسر الريان.
التف إليها مردفًا بابتسامته غريبة: - اصلك ما تعرفيش الجديد بقى، انا وانتِ كمان معزومين ع الحفلة الليلة.
عقدت حاجبيها بشدة لتسأله باستغراب: - وانا وانت نروح ليه بقى؟

اجاب بابتسامة ازداد اتساعها: - انا هاروح بصفتي مدير أعماله في المجموعة كلها وانتِ بصفتك خطيبتي،
حركت رأسها بعدم استيعاب لقرارته المفاجئة وقالت بغيظ: - ولما هو كدة ما اتصلتش ليه وقولتلي عشان اجهز نفسي ولا اشتريلي حاجة كويسة مع البنات امبارح؟ جاي دلوقتِ تفاجئني ياكارم؟

اجابها ببساطة: - عشان بحب المفاجأت ياستي، وعلى العموم انا برضوا عملت حاسبي، اختارت لك اون لاين احلى فستان يليق بجمالك، وبعد ساعة كدة ان شاء الله هايوصلك على صالون التجميل وانتِ بتجهزي مع زهرة.
مالت اليه برأسها قائلة باستنكار: - ياسلام! عملت حسابك ونقيت الفستان اون لاين من غير ماتقولي، طب بلغني حتى عشان اقول لأهلي، او اشوف الفستان هايليق عليا ولا لأ.

أردف يُذهلها: - انا اتصلت بوالدك وبلغته ياكاميليا ولو ع الفستان ياستي، ماتقلقيش ابدًا من زوقي، انا راجل واعرف اقدر الجمال كويس قوي.
قال الأخيرة بنظرة شملتها من الأعلى للأسفل، أثارت بقلبها الرجفة للمرة الثانية منه، لتكتشف اخيرًا انها لم تكن تعلم عن هذا الرجل شيئًا على الإطلاق، سوى جديته في العمل وصورته البراقة دائمًا.
- ها ياقمر، ماردتيش يعني؟

سألها مقاطعًا شرودها، اومأت له برأسها كإجابة بالموافقة باستسلام، ثم التفت برأسها نحو الطريق لتنهي الجدال، وقد نفذت طاقتها، واعصابها لم تعد تتحمل، مرة من كم المفاجأت التي تتلقاها من هذا الخطيب الغامض، ومرة أخرى بمواقفها مع طارق وهذا الحصار الذي يفرضه عليها وقت حضوره، ثم فعلة كارم بتقبيلها أمامه، لترى بأم عينيها اشتعال عينيه وتحفزه للشجار واحراق الاخضر واليابس دون وجه حق.

بالكرة المطاطية ذات الحجم المتوسط، كان يقوم بتنطيطها على الأرض، قبل أن يتناولها ليركض بها ثم يقوم بتسديد هدفه في السلة المعلقة عاليًا، مسجلًا أهدافه المتعددة بتكرار المحاولات، ليستعيد شغفه القديم بهذ اللعبة قبل أن يأخذه عالم الأعمال بمشاكله المتعددة، التف فجأة على الصوت الحانق بالقرب منه: - طبعًا قاعد بتلعب ولا على بالك،.

تبسم جاسر يعيد التنطيط بالكرة وهو يرد عليه: - وما اللعبش ليه يااستاذ طارق؟ فيه مصيبة مثلًا ولا حاجة منك جاي تبليني بيها؟
اصدر طارق صوتُا ساخرًا وهو يشيح بنظره دون أن يرد، لفت انتباه جاسر بتجهم وجهه وعدم استجابته للحديث او المزاح.
- مال وشك مقلوب كدة ليه؟
سأله جاسر، فقال طارق بنزق: - بس ياجاسر والنبي، انا مخنوق وعلى اَخري.
شاكسه جاسر: - ولما انت مدايق ومش طايق نفسك جيت ليه؟

التفت طارق اليه قائلًا بانفعال: - يعني ارجع تاني ياجاسر، وديني اعملها فعلا بجد.
هتف عليه جاسر بحزم: - ايه يابني هو انت اتجننت ولا ماصدقت فعلًا، مش عوايدك دي يا طارق.
زفر طارق متأففًا قبل أن تتركز عيناه على الكرة، فقال جاسر وقد انتبه لشروده: - ماتيجي تلعب معايا، اقله تشغل عقلك شوية عن اللي مضايقك،.

صمت طارق قليلًا بتفكير، وجاسر يترقب اجابته قبل أن يجفل من فعله المفاجئ، بخلعه لسترة حلته، ثم القميص، لينضم إليه بجذعه العاري على بنطاله فقط، اطلق جاسر ضحكة مجلجلة وهو يخاطبه: - انت هاتلعب معايا كدة يا مجنون؟ طب روح على اؤضة اللبس غير بأي حاجة رياضي مريحة بدال ماتبوظ بدلتلك
تناول طارق منه الكرة قائلًا باعتراض: - ملكش دعوة انت، خليها تبوظ ولا تتقطع حتى، انا طقت في دماغي وهالعب كدة.

توقف جاسر يراقبه بابتسامة متوسعة وهو يركض سريعًا ويسدد بالكرة داخل السلة باندفاع وقوة، فانتبهت عيناه على همهمة الفتيات التي كانت تسير بجوار الملعب، وانظارهم معلقة على صاحب الصدر العضلي عاري الجذع وهو يلعب بعنفوانه، اصدر له صوت صفير ينبهه.

- ياعم الحلو، عضلاتك اللي مقوية قلبك لفتت نظر الجنس اللطيف عليك، التفت طارق برأسه ليتطلع نحو الجهة التي يشير إليها جاسر، سهم قليلًا نحوهم ثم عاد إلى جاسر قائلًا بقرف: - سيبك منهم بلا سدة نفس، انا لا بقيت طايقهم ولا طايق سيرتهم.

قالها ليكمل لعبه بالكرة أمامه بعنف أكبر وكأنه يفرغ طاقة الغيظ في اللعب، وظل جاسر يتابعه بنظرات مذهولة يكتنفها الإشفاق، وقد شعر بما يُحزن صديقه، ليُجفله فجأة بسؤاله الغريب: - هو انت عرفت الزفت دا ازاي لما جيت تشغله عندك؟
ضيق حاجبيه يسأله يتطلع إليها باستفسار، فهتف طارق بانفعال: - الزفت اللي اسمه كارم، اتوظف عندك ازاي؟

اومأ جاسر برأسه متفهمًا، ثم أجابه بهدوء: - والد كارم اللوا حمدي فخر، كان صاحب والدي.
- اه يعني اتوظف عندك بواسطة، انا قولت كدة برضوا.
قالها بازدراء، فرد جاسر: - هو فعلًا كان بواسطة، بس كارم طلع ممتاز بصراحة، تربيته العسكرية من والده، افادتني كتير بصراحة في شغله معايا، وبأنجازه للمهام اللي بكلمه بيها في أقل وقت.
تغضن وجه طارق بالغضب فخاطبه جاسر ممازحًا: - لو بتفكر تخلص منه انا معاك.

اصدر ضحكة ساخرة ليس لها معني قبل أن يتحرك لمعاودة اللعب مرددًا: - ابوه كان لواء وتربية عسكرية وانا اقول عامل زي الإنسان الاَلي ليه؟

في إحدى صالونات التجميل والمشهورة بسمعها، دلفت الفتيات بصحبة كاميليا، غادة تتطلع لفخامة المكان بأعين منبهرة وزهرة المبتهجة لعلمها بذهاب كاميليا الى الحفل معها، أدخلت الطمأنينه بقلبها، لأنها ستحظى بدعم اغلى صديقة لديها، ولن تكن وحدها وسط هذا العالم الغريب عنها.
- انتِ عرفتِ المكان دا ازاي ياكاميليا؟ دي حاجة فايف ستار وكله هوانم.
قالتها غادة سائلة، وعيناها تحدق في كل شبر وكل فرد حولها.

أجابتها كاميليا بإرهاق: - أعرفه من ناس صحابي ياغادة، ما تشغليش بالك انت.
- ماتشغلش بالها ازاي يابنتي؟ دا باين انه جامد فعلًا وكله ناس محترفين.
تبسمت لها كاميليا صامتة فاستطردت زهرة بسعادة: - بس انا فرحانة اوي انك هاتيجي معانا.
ربتت كاميليا على كتفها بحنان لترد: - مكدبش عليكِ انا كنت هارفض واشدد ع رأيي لما كارم فاجئني، بس افتكرتك انتِ واتراجعت.
- حبيبة قلبي.

قالتها زهرة بامتنان، اما غادة فمطت بشفتبها حانقة وهي توعد نفسها بأنها ستكون أجملهم الليلة على الإطلاق.
- اتفضلوا ياهوانم.
قالتها الفتاة العاملة بالمحل بابتسامة مرحبا، بزي الصالون الموحد
اقتربت منهم بعد ذلك لتشرح عن قدرات المحل، وعرض الطرق العديدة في تجميل السيدات، ليختارو منها.

امام النيل وعلى سور الكبري المعلق، كان مستندًا بمرفقيه، شاردًا في مشهد مياهه الهادئة في هذا الوقت، مثقل بهمومه التي تكاد أن تقسم ظهره ومع ذلك كان يتحمل، حتى اكتشف حجم تقزمه وعدم جدوي كل ما فعله طول سنوات عمره التي تخطت السادسة والثلاثون، يشعر بصغر نفسه وعدم احترامها، يشعر أنه وبعد هذا العمر يكتشف الاَن فقط انه غبي!
استفاق من شروره على دفعة بيد من تناساها في غمرة شروره.

- في إيه خالد؟ هو انت سرحت مني تاني، حتى بعد ما وقفتني معاك هنا في الحتة الزحمة دي، دا بدل ما تقولي كلمتين حلوين وتقارن بين جمالي وجمال النيل
قالتها نوال بتفكه علّها تخرجه من حالة الشرود التي تلبسته من وقت لقاءها به، أجابها بشبه ابتسامة: - انت أحلى طبعًا.
- كدة انتٍ أحلى وبس، فيه ايه يابني؟ لسانك اللي بيرغي ع الفاضي وع المليان حصله إيه النهاردة؟

قالتها تدعي المشاكسة لتخفي شعورها القلق، اما هو فتنهد أمام أنظارها من عمق حزنه، قبل أن يقول: - تعبت يانوال، تعبت قوي وماعدتش بقى عندي قدرة على الصمود او اي شئ، انا حاسس اني عاجز، عاجز يا نوال.
وضعت كفها على كتف ذراعه تسأله بقلب موجوع على حزنه وألمه الذي يصل إليها بمجرد النظر إليه، فما بالك لو كان بهذا الوضوح الاَن، وكأن هموم العالم تاَمرت عليه لتساقط جمعيها فوق رأسه.

- مالك ياخالد؟ إيه اللي واجعك كدة بالقوة دي.
اتجه بأنظاره نحو النيل يقول لها بشرود: - كل ما اتقدم خطوتين يانوال وافتكر نفسي وصلت، الاقي نفسي رجعت خمسين متر للخلف.
اصابها الارتياع من لهجته الحزينة هذه فقالت تسأله بجزع: - ايه وصلك للحالة دي ياخالد؟ انا أول مرة اشوفك كدة.
صمت قليلًا بتفكير وقبضته تطرق على الحاجز الحديدي، ثم التفت إليها يسألها بحسم: - نوال انا عايز اخد رأيك في قرار اتخذته؟

خرجت من غرفة تبديل الملابس بخطوات مسرعة نحو الفتيات في حجرة البادكير، تهتف سائلة بأسمها: - زهرة ايه رأيك في الفستان ده؟
قالتها والتفت انظار الجميع حولها من زبائن وعاملات بأعين جاحظة بانبهار صرخت على أثره غادة: - ايه دا ياكاميليا، انتِ جبتي الفستان دا منين؟
تجاهلت الرد عليها لتسأل زهرة بقلق: - ماتقولي رأيك يابنتي بقى.

القت زهرة بنظرة شاملة متأنية على الفستان الذي انسدل على جسد الأخرى بنعومة فائقة، لونه الأزرق انعكس على بشرتها البيضاء ليزيدها بهاءًا،
بتفصيلة محكمة من أعلى الجسد وحتى الركبة ليتوسع بعد ذلك ويعطيها حرية في الحركة، مع فتحة في الصدر اظهرت جزء من مفاتنها بشكلٍ مغري، رغم خلو وجهها من أي مساحيق للتجميل حتى الاَن بالإضافة إلى شعرها المتناثر أيضا، ومع ذلك كانت شديدة الفتنة كعهدها دائمًا،.

همت زهرة لتعطي رأيها، ولكن سبقتها السيدة رئيسة المحل والتي كانت متواجدة بالصدفة: - انتي بتسالي على إيه ياقمر؟ وانت بسم الله ماشاءالله، قلبتي الصالون كله نحايتك.
اومأت لها بمجاملة فالتفت بأعين سائلة لزهرة التي أجابت هذه المرة: - الفستان فعلا يهبل عليكِ، بس الفتحة اللي فوق دي نازلة لتحت شوية.
ردت بعدم رضا: - شويتين مش شوية، وانا حاسة الفستان اصلا من استايلي، اوفر كدة ومش سيمبل زي ما بحب دايمًا.

- يابنتي وما يبقى أوفر، دي مخليكِ ولا نجوم السيما اللي بتعرض نفسها على السجادة الحمرا في المهرجانات، انتِ جبتيه منين؟
هتفت بها غادة للمرة الثانية فردت كاميليا بنفاذ صبر: - مش انا اللي جيبته ياغادة، كارم هو اللي بعت عليه اون لاين. فهمتي بقى.
- اه
اومأت بها تدعي التفهم ومن داخلها غمغمت: - يابختك، وكارم دا كمان طلع مصيبة.

قالت كاميليا تخاطب الفتيات: - انا طالعة في دماغي، اعتذر وماروحش الخروجة اللي جاتني فجأة دي وبلاها من الفستان دا اللي مش مرتاحة فيه أساسًا.
تطلعت لها زهرة برجاء تقول: - ليه بس يا كاميليا دا انا ماصدقت؟
ارتسم على وجه كاميليا التراجع فندخلت المرأة معهم: - انا ممكن اظبط الفستان من فرق شوية يعني بحيث اننا مانبوظش القصة، اصل بصراحة خسارة أوي،.

ردت غادة باقتراح: - أو ممكن نبدل انا وانت، تاخدي فستاني وانا اخد بتاعك.
عبس وجه كاميليا باعتراض وهي تتذكر فستان غادة القصير، فسبقتها المرأة الفضولية في الرد على غادة: - ماهي مش بالفستان يابنتي، الرك ع القد.
قالتها بإشارة لكاميليا التي حسمت أمرها لترد على المرأة: - طب انا موافقة على تظبيط الفستان وشاكرة جدًا لمساعدتك.
قالت المرأة بترحيب: - من غير شكر ياقمر، انا تحت أمرك هنا.

تمتمت كاميليا بالشكر مرة ثانية قبل أن تنصرف مع المرأة، فقالت غادة في اثرها: - أما بت كهينة بجد، جايا تتفشخر بيه قدامنا، وتقولك انا مخنوقة منه، عايزة تمنع عنها الحسد.
رمقتها زهرة بنظرة مذهولة من كلماتها وفضلت كالعادة بلع اعتراضها، متجنبة الدخول في الجدال معها.

بعد عدة ساعات.

كانت غادة اول من خرج من صالون التجميل، ترجلت من السيارة الأجرة التي توقفت على وصفها بمعرفة العنوان الذي قالته لها ميرفت، بالقرب من منزلها في المدينة الجديدة، تنفست تلتقط أنفاسها لتلقي نظرة اَخيرة على هيئتها، وقد جعلها الفستان الذي انتقته لها كاميليا كأميرة رائعة كما قالت لها المرأة اللزجة صاحبة صالون التجميل، أخرجت مرأتها لتلقي نظرة على زينة وجهها والقصة الجديدة لشعرها لتستعيد مرة أخرى ثقتها بنفسها وتتحرك بأناقة متصنعة نحو حلمها.

ومن ناحية أخرى قريبة، كان يسير منشغلًا مع محدثه بالهاتف: - ايوة ياعبده والله وصلت اهو، ربع ساعة واكون عندك، ليه هو الباشا الكبير كمان وصل، تمام باسيدى انا مش هتأخر، خلاص يابني اهو انا في السكة...

انتبهت عيناه لها فجأة؛ فعرفها من ظهرها بهيئتها التي لا تخفى عليه، حتى لو حاولت تغيرها، ضيق حاجبيه وهو يرى اتجاه خطواتها وهذا الفستان الذي يظهر سيقانها مع تطايره بفعل نسمات الهواء العليلة في هذا الوقت، فاتجه بغضبه نحوها، ليصل اليه سريعًا ويتصدر أمامها يوقفها: - رايحة فين ياحلوة؟
شهقت صارخة قبل ان تتدارك نفسها لتهتف بوجهه غاضبة: - يخرب بيتك هاتقطعلي الخلف، هو انت اتجننت يابني أدم انت؟

تخصر أمامها بوجه خالي من عبثه الدائم معها ليسألها مشددًا على كلماته: - بقولك رايحة فين في الساعة وبهيئتك دي؟
احتقن وجهها بالغيظ من تدخله السافر وإشارة سبابته نحوها بدونية فصاحت مستنكرة: - وانت مالك انت؟ بتسألني بصفة ايه؟ هاا.
اعتصر عقله قليلًا حتى أتى لها بحجة: - بصفتي شغال عند جوز زهرة بنت خالك، واكيد يعني بتخاف عليكِ ويهمها مصلحتك، هي عارفة بقى بمجيتك هنا عند البت الصفرا واخوها اللي اصفر منها؟

كزت على اسنانها تقول بازدراء: - ارجع واقولك انت مالك؟ لا انت اخويا ولا قريبي، عشان تسأل وتتدخل في خط سيري، واوعى كدة بدل ما اندهلك الحرس اللي واقفة قدام باب البيت ولا اتصل بميرفت صاحبتي تبلغ عنك ولا تدخلك السجن ياسي إمام انت.
قالتها ودفعته بيدها لتتخطاه باستعلاء، ردد ساخرًا وهو يتبع خطواتها: - ميرفت صاحبتي!
ثم مصمص بشفتيه ليغمغم قائلًا: - عليا النعمة انت عايزة تتربي من أول وجديد عشان تفوقي.

وأمام منزل جاسر الريان وبعد أن توقفت بهم السيارة، كانت كاميليا مازالت تعطي النصائح لزهرة: - خلي راسك مرفوعة دايمًا وظهرك يبقى مفرد، اوعي تظهري ضيقك ولا تزعلي نفسك من أي تلميح ولا كلمة تتقالك، خودي قوتك من حب جاسر ورعايته ليكِ، وسيبلوا هو الرد على أي شئ يضايقك، انا واثقة انه مش هايخذلك إن شاء الله.

اومأت لها بتفهم وهي تمسك بمقبض الباب لتترجل وهي خلفها ولكن مع دوى صوت هاتف كاميليا، أشارت لزهرة لتسبقها، كي ترد على شقيقتها وتلحق بها بعد ذلك.

ولجت زهرة لداخل منزلها بقلبِ يخفق بالسعادة والترقب، لرؤية جاسر ومعرفة رأيه بزيها وبإطلالتها الجديدة، ترجو من الله أن توفق في هذه الليلة، هتفت بإسمه فور مرورها بالردهة.
- ياجاسر، انت فين ياحبيب...

توقفت الجملة بحلقها وقد اصطدمت عيناها برؤية طارق في بهو المنزل ومعه عامر الريان وبجواره امرأة رائعة الجمال لايبدوا على وجهها مايثبت عمرها، تحدجها بسهامها الخضراء في جلستها على الاَريكة الاثيرة، واضعة قدم فوق الأخرى.
- وقفتي ليه ماتقدمي يابنت وسلمي؟

قالها عامر ليفك عنها خجلها وصمتها بعد أن تسمرت مكانها ولم تدري بنفسها، استدركت تبتلع ريقها بتوجس وهي تُجبر أقدامها للتحرك نحوهم، وقف لها عامر يتلقفها بمودة ابوية ليصافحها بحرارة واضعًا قبلة دافئة على أعلى حجابها: - بس ماشاءالله، دا انا معرفتكيش يابنت، ايه الحلاوة دي؟
ردت بابتسامة مضطربة: - الله يحفظك ياعمي، ربنا يسعدك.

ضحك عامر يشاكسها بكلماته: - يحفظك ويسعدك، ايه الرسمية دي ياست زهرة؟ هو احنا في الشركة ولا إيه.
توسعت ابتسامتها بصمت فقربها عامر ليقدمها نحو لمياء التي كانت تناظرها مضيقة عيناها.
- إيه رأيكم بقى تتعرفوا على بعض، دي ياستي تبقى لمياء مراتي او حماتك يعني، وانتِ ياقلبي القمر دي تبقى زهرة مرات ابنك، شوفتي زوقه حلو ازاي؟

اومأت له بشبه ابتسامة لمياء وهي تنهض عن كرسيها ببطء ثم مدت بطرف كفها لزهرة التي لم تصدق فسارعت بمصافحتها بتوتر: - أهلًا ياا، طنت، نورتيني.
رمقتها من أعلى للأسفل قائلة بعد فترة من الوقت مرت على زهرة وكأنها سنوات: - البيت منور بأهله.
- طبعًا طبعًا، بس انتِ نورتي البيت بجد والله.

قالتها زهرة بصدق رغم توترها لتُجفل فجأة، على صوته الدافئ وهو يلف ذراعيه حولها من الخلف بعد أن اتى على الفور من غرفة مكتبه وقطع جلسة عمله مع كارم ليؤازرها: - ماردتيش يعني يا لميا هانم على سؤال والدي، إيه رأيك في زوقي؟
لوت ثغرها تجيبه بحنق: - حلوة حلوة ياجاسر، ربنا يسعدكم.

قالتها من تحت أسنانه والتفت زهرة برأسها لجاسر الذي دعمها بنظرة مشجعة أدخلت الراحة بقلبها، بعد توترها الشديد من لقاء لمياء والتي هتفت فجأة وانظارها نحو مدخل المنزل: - دي كاميليا دي ياعامر؟
انتقلت أنظار الجميع نحوها وقبلهم كان طارق الذي جخظت عيناه وقد أوشك قلبه على، التوقف من فرط خفاقته العنيفة بين أضلعه، وهي تتقدم نحوهم بثقتها المعهودة دون تكلف،.

الغبية الغافلة عن سحرها الذي يعبث في قلوب محبيها او جمالها الذي يسلب عقول الرجال، فيجعل الحكيم منهم كالممسوس بعشقها، الا من الأجدر ان تكتمل الصورة وتستمع هي أيضًا لصوت قلبها، أم هي صماء واصاب سقيع الجليد إحساسها؟

استفاق من وصلة إعجابه التي تدوي داخله بصخب، والفتنة ذاتها متجسدة في مالكة قلبه، لتشوش الصورة باقتحام هذا المدعي وهو يقترب منها بتحذلق ويقبل كفها بدماثة مستفزة أثارت داخله الإزدراء والكره نحوه، وهو يتقدم بها نحو لمياء يقدمها إليها بصفته خطيبها، هذا الرجل لا يعجبه حقًا!
- معقول؟ انا محدش قالي انك خطبت، لأ ومين كاميليا كمان؟

قالتها لمياء وهي تصافح كاميليا مع كارم الذي كان يتحدث مع المرأة بمودة: - معذورين برضوا ياهانم، اصل احنا لسة معملناش خطوبة رسمي.
ردت لمياء بابتسامة متوسعة.
- لا بس برافو عليك عرفت تنقي وتختار ياولد، ماشاء الله عليكم دا انتوا تتحسدوا.

قالتها لمياء بفرحة اَلامت زهرة التي لم ترى على وجهها ربع هذا الحماس والأعجاب نحوها، شعرت بها كاميليا لترسل إليها ابتسامة مضطربة، بادلتها زهرة بواحدة مثلها قبل أن تجفل على جذب جاسر لها فجأة ليبتعد بها عنهم، قائلًا: - سيبك منهم وتعالي معايا.
قالت وهي تسرع بخطواتها معه: - اَجي معاك فين ياجاسر بس ونسيب والدك ووالدتك؟
- هاغير عشان اروح الحفلة،.

قالها ببساطة استغربتها وعيناها ارتكزت على الحلة التي يرتديها: - ومالها البدلة التي انت لابسها يعني فيها إيه؟
أجل الرد عليها لحين اغلاقه باب الغرفة عليهم قائلًا: - مش تفهمي بقى لوحدك يامجنونة.
- افهم إيه؟
قالت ببلاهة لتشهق مجفلة على احتضان راحتيه لوجهها مرددًا بمشاكسة: - عايز استفرد بالجميل شوية لوحدي، فيها حاجة دي؟

ضحكت من قلبها وعنفوان مزاحه أذهب عنها التوتر، ليكمل هو بأعين تفيض بالعشق: - زي القمر والله يازهرة، وتجنني كمان.
توقفت ضحكتها على أثر جملته التي دخلت على قلبها بردًا وسلامًا، بعد حزنها منذ قليل من تعامل والدته المتحفظ معها بالمقارنة بترحيبها الحار بكاميليا، ليأتي هو الآن بجملة واحدة منه مع نظرة مشبعة بالعشق، تزيح الغيوم ويهطل مكانها امطار من الفرح لتُنبت زهور الحب في قلبها إليه، مالك قلبها.

انشق ثغرها فجأة بابتسامة ممتنة له وهي تبادر بلف ذراعيها حول جذعه لتقول من قلبها: - انا بحبك اوي ياجاسر.
شدد هو أيضًا باحتضانها يقبل أعلى رأسها براحة تنبع من داخله وقد وصله صدق عبارتها،
وبراءتها التي تزيد من سعادته معها، صاحبة القلب الحنون، نعيمه الذي وجده اَخيرًا بعد طول انتظار، ورده كان على كلماتها: - وانا بموت فيكِ ياقلب جاسر.رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السابع والثلاثون

أنهت عملها سريعًا حتى لا تتأخر عن موعدها مع زهرة في الذهاب معها الى صالون التجميل بعد أتفاقهم السابق كي تجهزها وتشرف على إطلالتها لحفل المساء الذي سوف تحضره مع زوجها وعائلته في عقد الشراكة الجديد، اسرعت بالخطوات لتلحق بالمصعد قبل أن ترى وجهه وقد تعمدت اليوم بعدم اللقاء به، بعد صدمتها برد فعله المجنون بالأمس، ولا حتى في أقصى خيالاتها توقعت حجم تطرفه هذا في التعامل معها، يدعي انها طعنته بخطبتها لكارم، وكأنها أعطته وعدًا بالعشق، مجنون!

دلفت لداخل المصعد وقبل أن يتم الباب اغلاقه وجدته يلج لينضم معها على اَخر لحظة، فلم يسعفها الحظ بالخروج وتركه، زفرت بعنف تظهر له تأففها ليفاجئها بهذه النظرة الغريبة مع وقفته الاغرب وقد قصد الوقوف أمامها مباشرةً واضعًا يديه بجيبي بنطاله يناظرها بتمعن وعيناه تتفحصها بجرأه مقصودة ومتعمدة، حدجته بنظرة زاجرة لينتبه، فكان رده ابتسامة جانبيه ساخرة بارتخاء، اثار بروده احتقانها فهتفت بوجهه: - في إيه؟

حرك رأسه باستفهام يدعي عدم الفهم، فصاحت فاقدة حكمتها: - انا بسألك بتبصلي كدة ليه؟
ارتفع حاجبه مع ابتسامة ماكرة اعتلت وجهه لعدة لحظات صامتًا باستمتاع، فازداد احتقان وجهها حتى اصطبغ بحمرة الانفعال، وحينما أصابها اليأس من رده، دبت بأقدامها تشيح بوجهها عنه وهي تفور من الغيظ، وهذا كالتمثال واقفًا محله يرمقها بسهامه المتفحصة، وصلها صوته اَخيرًا بنبرة متسلية: - بتاع نسوان بقى، عايزاني ابص ازاي يعني؟

التفت برأسها إليه فاغرة فاهاها وعيناها الجميلة توسعت بذهول من جرأته؛ ليُجفَل على لون القهوة الذي توهج بقوة تغريه بالاستمرار في إستفزازها؛ كي يتنعم برؤيتهم المحببة اليه، لا بل هو على استعداد ليبقى اسير النظر اليهم حتى يفنى عمره، قطعت شروده هادرة بغضب: - بلاش اسلوبك المستفز دا يا طارق، احنا ناس محترمين.
- بجد؟!

قالها بسخرية ضاحكًا بدون صوت، فانفتح باب المصعد الذي توقف فجأة على الطابق المقصود، تنهدت هي براحة تحرك اقدامها للخروج بسرعة ولكنه فاجئها باعتراض طريقها متصدرًا بجسده الضخم أمامها، ارتفعت عيناها اليه، فتقابلت بهذا الدفء الغريب في نظرته؛ وقد ذهب عن وجهه الهزل، ليرتسم محياه بتعبير، رفضته بقوة لتدفعه بكتفها وتخرج بعنف خطواتها، وظل هو محله يراقب انصرافها حتى اختفت من أمامه، ليستدرك اَخيرًا وضعه بالمصعد والذي ذكره بوضعه معها بين الصعود لسماءها الصافية ودنيا البراح في العشق أو الإنسحاب والخروج نهائيًا من محيطها.

انتفض فجأة ينتزع نفسه من شرودها وتحركت اقدامه الكبيرة بخطواته الواسعة حتى خرج هو الاَخر من المبنى؛ فاصطدمت عيناه بغريمه الذي كان في انتظارها، واقفًا بجوار سيارته بهيئته الاَلية، واناقته المبالغ فيها دائمًا، هذا الرجل لا يعجبه حقًا!

كان قد وصل الى سيارته قبلها، فتحركت رأسه نحو هذا المدعو كارم بتحية فاترة، رد الاَخر التحية بروتنية مثلها قبل أن ينشق ثغره بابتسامة متكلفه فور أن اقتربت منه ليصدمه بفعل كاد ان يطيح بعقله، توسعت عيناه وخرج من فمه السباب بكلمات وقحة، متوقعًا اعتراضها على تقبيل هذا ال، لها من وجنتيها، ولكن لم يحدث!

- لو سمحت ياكارم ماتعملش كدة تاني.
قالتها اَخيرًا بعد تحرك السيارة، تجاهد لضبط النفس والتحكم بصعوبة في نبرة صوتها الذي كان يهتز من فرط غضبها الذي ازداد بعد رده: - هو إيه بالظبط اللي معملوش؟
أجابته متنهدة بسأم: - أن سلامك ليا يبقى بالبوس على الخدود، انا مسمحش بالكلام ده حتى لو خطوبة رسمي، مش لسة مجرد كلام.
- مجرد كلام!

قالها والتفت رأسه إليها بهدوء غريب يكمل: - هو مش مجرد كلام يا كاميليا، احنا فعلًا بقينا مخطوبين بقراية الفاتحة، وحفل الخطوبة يبقى بس إشهار.
هتفت بحدة: - حتى لو كان، برضوا ماينفعش، انا اتربيت على كدة ياكارم.
رمقها بابتسامة غامضة ثم قال مغيرًا دفة الحديث: - هاتخلصي امتى مشوارك مع زهرة؟ عشان اجهز نفسي انا كمان.

حدجته مندهشة لتعمده تجاهل كلماتها فقالت بامتعاض: - معرفش هانخرج امتى؟ ثم انه كمان مش لازم توصلني، انا عارفة ومقدرة مسؤلياتك الكتير مع جاسر الريان.
التف إليها مردفًا بابتسامته غريبة: - اصلك ما تعرفيش الجديد بقى، انا وانتِ كمان معزومين ع الحفلة الليلة.
عقدت حاجبيها بشدة لتسأله باستغراب: - وانا وانت نروح ليه بقى؟

اجاب بابتسامة ازداد اتساعها: - انا هاروح بصفتي مدير أعماله في المجموعة كلها وانتِ بصفتك خطيبتي،
حركت رأسها بعدم استيعاب لقرارته المفاجئة وقالت بغيظ: - ولما هو كدة ما اتصلتش ليه وقولتلي عشان اجهز نفسي ولا اشتريلي حاجة كويسة مع البنات امبارح؟ جاي دلوقتِ تفاجئني ياكارم؟

اجابها ببساطة: - عشان بحب المفاجأت ياستي، وعلى العموم انا برضوا عملت حاسبي، اختارت لك اون لاين احلى فستان يليق بجمالك، وبعد ساعة كدة ان شاء الله هايوصلك على صالون التجميل وانتِ بتجهزي مع زهرة.
مالت اليه برأسها قائلة باستنكار: - ياسلام! عملت حسابك ونقيت الفستان اون لاين من غير ماتقولي، طب بلغني حتى عشان اقول لأهلي، او اشوف الفستان هايليق عليا ولا لأ.

أردف يُذهلها: - انا اتصلت بوالدك وبلغته ياكاميليا ولو ع الفستان ياستي، ماتقلقيش ابدًا من زوقي، انا راجل واعرف اقدر الجمال كويس قوي.
قال الأخيرة بنظرة شملتها من الأعلى للأسفل، أثارت بقلبها الرجفة للمرة الثانية منه، لتكتشف اخيرًا انها لم تكن تعلم عن هذا الرجل شيئًا على الإطلاق، سوى جديته في العمل وصورته البراقة دائمًا.
- ها ياقمر، ماردتيش يعني؟

سألها مقاطعًا شرودها، اومأت له برأسها كإجابة بالموافقة باستسلام، ثم التفت برأسها نحو الطريق لتنهي الجدال، وقد نفذت طاقتها، واعصابها لم تعد تتحمل، مرة من كم المفاجأت التي تتلقاها من هذا الخطيب الغامض، ومرة أخرى بمواقفها مع طارق وهذا الحصار الذي يفرضه عليها وقت حضوره، ثم فعلة كارم بتقبيلها أمامه، لترى بأم عينيها اشتعال عينيه وتحفزه للشجار واحراق الاخضر واليابس دون وجه حق.

بالكرة المطاطية ذات الحجم المتوسط، كان يقوم بتنطيطها على الأرض، قبل أن يتناولها ليركض بها ثم يقوم بتسديد هدفه في السلة المعلقة عاليًا، مسجلًا أهدافه المتعددة بتكرار المحاولات، ليستعيد شغفه القديم بهذ اللعبة قبل أن يأخذه عالم الأعمال بمشاكله المتعددة، التف فجأة على الصوت الحانق بالقرب منه: - طبعًا قاعد بتلعب ولا على بالك،.

تبسم جاسر يعيد التنطيط بالكرة وهو يرد عليه: - وما اللعبش ليه يااستاذ طارق؟ فيه مصيبة مثلًا ولا حاجة منك جاي تبليني بيها؟
اصدر طارق صوتُا ساخرًا وهو يشيح بنظره دون أن يرد، لفت انتباه جاسر بتجهم وجهه وعدم استجابته للحديث او المزاح.
- مال وشك مقلوب كدة ليه؟
سأله جاسر، فقال طارق بنزق: - بس ياجاسر والنبي، انا مخنوق وعلى اَخري.
شاكسه جاسر: - ولما انت مدايق ومش طايق نفسك جيت ليه؟

التفت طارق اليه قائلًا بانفعال: - يعني ارجع تاني ياجاسر، وديني اعملها فعلا بجد.
هتف عليه جاسر بحزم: - ايه يابني هو انت اتجننت ولا ماصدقت فعلًا، مش عوايدك دي يا طارق.
زفر طارق متأففًا قبل أن تتركز عيناه على الكرة، فقال جاسر وقد انتبه لشروده: - ماتيجي تلعب معايا، اقله تشغل عقلك شوية عن اللي مضايقك،.

صمت طارق قليلًا بتفكير، وجاسر يترقب اجابته قبل أن يجفل من فعله المفاجئ، بخلعه لسترة حلته، ثم القميص، لينضم إليه بجذعه العاري على بنطاله فقط، اطلق جاسر ضحكة مجلجلة وهو يخاطبه: - انت هاتلعب معايا كدة يا مجنون؟ طب روح على اؤضة اللبس غير بأي حاجة رياضي مريحة بدال ماتبوظ بدلتلك
تناول طارق منه الكرة قائلًا باعتراض: - ملكش دعوة انت، خليها تبوظ ولا تتقطع حتى، انا طقت في دماغي وهالعب كدة.

توقف جاسر يراقبه بابتسامة متوسعة وهو يركض سريعًا ويسدد بالكرة داخل السلة باندفاع وقوة، فانتبهت عيناه على همهمة الفتيات التي كانت تسير بجوار الملعب، وانظارهم معلقة على صاحب الصدر العضلي عاري الجذع وهو يلعب بعنفوانه، اصدر له صوت صفير ينبهه.

- ياعم الحلو، عضلاتك اللي مقوية قلبك لفتت نظر الجنس اللطيف عليك، التفت طارق برأسه ليتطلع نحو الجهة التي يشير إليها جاسر، سهم قليلًا نحوهم ثم عاد إلى جاسر قائلًا بقرف: - سيبك منهم بلا سدة نفس، انا لا بقيت طايقهم ولا طايق سيرتهم.

قالها ليكمل لعبه بالكرة أمامه بعنف أكبر وكأنه يفرغ طاقة الغيظ في اللعب، وظل جاسر يتابعه بنظرات مذهولة يكتنفها الإشفاق، وقد شعر بما يُحزن صديقه، ليُجفله فجأة بسؤاله الغريب: - هو انت عرفت الزفت دا ازاي لما جيت تشغله عندك؟
ضيق حاجبيه يسأله يتطلع إليها باستفسار، فهتف طارق بانفعال: - الزفت اللي اسمه كارم، اتوظف عندك ازاي؟

اومأ جاسر برأسه متفهمًا، ثم أجابه بهدوء: - والد كارم اللوا حمدي فخر، كان صاحب والدي.
- اه يعني اتوظف عندك بواسطة، انا قولت كدة برضوا.
قالها بازدراء، فرد جاسر: - هو فعلًا كان بواسطة، بس كارم طلع ممتاز بصراحة، تربيته العسكرية من والده، افادتني كتير بصراحة في شغله معايا، وبأنجازه للمهام اللي بكلمه بيها في أقل وقت.
تغضن وجه طارق بالغضب فخاطبه جاسر ممازحًا: - لو بتفكر تخلص منه انا معاك.

اصدر ضحكة ساخرة ليس لها معني قبل أن يتحرك لمعاودة اللعب مرددًا: - ابوه كان لواء وتربية عسكرية وانا اقول عامل زي الإنسان الاَلي ليه؟

في إحدى صالونات التجميل والمشهورة بسمعها، دلفت الفتيات بصحبة كاميليا، غادة تتطلع لفخامة المكان بأعين منبهرة وزهرة المبتهجة لعلمها بذهاب كاميليا الى الحفل معها، أدخلت الطمأنينه بقلبها، لأنها ستحظى بدعم اغلى صديقة لديها، ولن تكن وحدها وسط هذا العالم الغريب عنها.
- انتِ عرفتِ المكان دا ازاي ياكاميليا؟ دي حاجة فايف ستار وكله هوانم.
قالتها غادة سائلة، وعيناها تحدق في كل شبر وكل فرد حولها.

أجابتها كاميليا بإرهاق: - أعرفه من ناس صحابي ياغادة، ما تشغليش بالك انت.
- ماتشغلش بالها ازاي يابنتي؟ دا باين انه جامد فعلًا وكله ناس محترفين.
تبسمت لها كاميليا صامتة فاستطردت زهرة بسعادة: - بس انا فرحانة اوي انك هاتيجي معانا.
ربتت كاميليا على كتفها بحنان لترد: - مكدبش عليكِ انا كنت هارفض واشدد ع رأيي لما كارم فاجئني، بس افتكرتك انتِ واتراجعت.
- حبيبة قلبي.

قالتها زهرة بامتنان، اما غادة فمطت بشفتبها حانقة وهي توعد نفسها بأنها ستكون أجملهم الليلة على الإطلاق.
- اتفضلوا ياهوانم.
قالتها الفتاة العاملة بالمحل بابتسامة مرحبا، بزي الصالون الموحد
اقتربت منهم بعد ذلك لتشرح عن قدرات المحل، وعرض الطرق العديدة في تجميل السيدات، ليختارو منها.

امام النيل وعلى سور الكبري المعلق، كان مستندًا بمرفقيه، شاردًا في مشهد مياهه الهادئة في هذا الوقت، مثقل بهمومه التي تكاد أن تقسم ظهره ومع ذلك كان يتحمل، حتى اكتشف حجم تقزمه وعدم جدوي كل ما فعله طول سنوات عمره التي تخطت السادسة والثلاثون، يشعر بصغر نفسه وعدم احترامها، يشعر أنه وبعد هذا العمر يكتشف الاَن فقط انه غبي!
استفاق من شروره على دفعة بيد من تناساها في غمرة شروره.

- في إيه خالد؟ هو انت سرحت مني تاني، حتى بعد ما وقفتني معاك هنا في الحتة الزحمة دي، دا بدل ما تقولي كلمتين حلوين وتقارن بين جمالي وجمال النيل
قالتها نوال بتفكه علّها تخرجه من حالة الشرود التي تلبسته من وقت لقاءها به، أجابها بشبه ابتسامة: - انت أحلى طبعًا.
- كدة انتٍ أحلى وبس، فيه ايه يابني؟ لسانك اللي بيرغي ع الفاضي وع المليان حصله إيه النهاردة؟

قالتها تدعي المشاكسة لتخفي شعورها القلق، اما هو فتنهد أمام أنظارها من عمق حزنه، قبل أن يقول: - تعبت يانوال، تعبت قوي وماعدتش بقى عندي قدرة على الصمود او اي شئ، انا حاسس اني عاجز، عاجز يا نوال.
وضعت كفها على كتف ذراعه تسأله بقلب موجوع على حزنه وألمه الذي يصل إليها بمجرد النظر إليه، فما بالك لو كان بهذا الوضوح الاَن، وكأن هموم العالم تاَمرت عليه لتساقط جمعيها فوق رأسه.

- مالك ياخالد؟ إيه اللي واجعك كدة بالقوة دي.
اتجه بأنظاره نحو النيل يقول لها بشرود: - كل ما اتقدم خطوتين يانوال وافتكر نفسي وصلت، الاقي نفسي رجعت خمسين متر للخلف.
اصابها الارتياع من لهجته الحزينة هذه فقالت تسأله بجزع: - ايه وصلك للحالة دي ياخالد؟ انا أول مرة اشوفك كدة.
صمت قليلًا بتفكير وقبضته تطرق على الحاجز الحديدي، ثم التفت إليها يسألها بحسم: - نوال انا عايز اخد رأيك في قرار اتخذته؟

خرجت من غرفة تبديل الملابس بخطوات مسرعة نحو الفتيات في حجرة البادكير، تهتف سائلة بأسمها: - زهرة ايه رأيك في الفستان ده؟
قالتها والتفت انظار الجميع حولها من زبائن وعاملات بأعين جاحظة بانبهار صرخت على أثره غادة: - ايه دا ياكاميليا، انتِ جبتي الفستان دا منين؟
تجاهلت الرد عليها لتسأل زهرة بقلق: - ماتقولي رأيك يابنتي بقى.

القت زهرة بنظرة شاملة متأنية على الفستان الذي انسدل على جسد الأخرى بنعومة فائقة، لونه الأزرق انعكس على بشرتها البيضاء ليزيدها بهاءًا،
بتفصيلة محكمة من أعلى الجسد وحتى الركبة ليتوسع بعد ذلك ويعطيها حرية في الحركة، مع فتحة في الصدر اظهرت جزء من مفاتنها بشكلٍ مغري، رغم خلو وجهها من أي مساحيق للتجميل حتى الاَن بالإضافة إلى شعرها المتناثر أيضا، ومع ذلك كانت شديدة الفتنة كعهدها دائمًا،.

همت زهرة لتعطي رأيها، ولكن سبقتها السيدة رئيسة المحل والتي كانت متواجدة بالصدفة: - انتي بتسالي على إيه ياقمر؟ وانت بسم الله ماشاءالله، قلبتي الصالون كله نحايتك.
اومأت لها بمجاملة فالتفت بأعين سائلة لزهرة التي أجابت هذه المرة: - الفستان فعلا يهبل عليكِ، بس الفتحة اللي فوق دي نازلة لتحت شوية.
ردت بعدم رضا: - شويتين مش شوية، وانا حاسة الفستان اصلا من استايلي، اوفر كدة ومش سيمبل زي ما بحب دايمًا.

- يابنتي وما يبقى أوفر، دي مخليكِ ولا نجوم السيما اللي بتعرض نفسها على السجادة الحمرا في المهرجانات، انتِ جبتيه منين؟
هتفت بها غادة للمرة الثانية فردت كاميليا بنفاذ صبر: - مش انا اللي جيبته ياغادة، كارم هو اللي بعت عليه اون لاين. فهمتي بقى.
- اه
اومأت بها تدعي التفهم ومن داخلها غمغمت: - يابختك، وكارم دا كمان طلع مصيبة.

قالت كاميليا تخاطب الفتيات: - انا طالعة في دماغي، اعتذر وماروحش الخروجة اللي جاتني فجأة دي وبلاها من الفستان دا اللي مش مرتاحة فيه أساسًا.
تطلعت لها زهرة برجاء تقول: - ليه بس يا كاميليا دا انا ماصدقت؟
ارتسم على وجه كاميليا التراجع فندخلت المرأة معهم: - انا ممكن اظبط الفستان من فرق شوية يعني بحيث اننا مانبوظش القصة، اصل بصراحة خسارة أوي،.

ردت غادة باقتراح: - أو ممكن نبدل انا وانت، تاخدي فستاني وانا اخد بتاعك.
عبس وجه كاميليا باعتراض وهي تتذكر فستان غادة القصير، فسبقتها المرأة الفضولية في الرد على غادة: - ماهي مش بالفستان يابنتي، الرك ع القد.
قالتها بإشارة لكاميليا التي حسمت أمرها لترد على المرأة: - طب انا موافقة على تظبيط الفستان وشاكرة جدًا لمساعدتك.
قالت المرأة بترحيب: - من غير شكر ياقمر، انا تحت أمرك هنا.

تمتمت كاميليا بالشكر مرة ثانية قبل أن تنصرف مع المرأة، فقالت غادة في اثرها: - أما بت كهينة بجد، جايا تتفشخر بيه قدامنا، وتقولك انا مخنوقة منه، عايزة تمنع عنها الحسد.
رمقتها زهرة بنظرة مذهولة من كلماتها وفضلت كالعادة بلع اعتراضها، متجنبة الدخول في الجدال معها.

بعد عدة ساعات.

كانت غادة اول من خرج من صالون التجميل، ترجلت من السيارة الأجرة التي توقفت على وصفها بمعرفة العنوان الذي قالته لها ميرفت، بالقرب من منزلها في المدينة الجديدة، تنفست تلتقط أنفاسها لتلقي نظرة اَخيرة على هيئتها، وقد جعلها الفستان الذي انتقته لها كاميليا كأميرة رائعة كما قالت لها المرأة اللزجة صاحبة صالون التجميل، أخرجت مرأتها لتلقي نظرة على زينة وجهها والقصة الجديدة لشعرها لتستعيد مرة أخرى ثقتها بنفسها وتتحرك بأناقة متصنعة نحو حلمها.

ومن ناحية أخرى قريبة، كان يسير منشغلًا مع محدثه بالهاتف: - ايوة ياعبده والله وصلت اهو، ربع ساعة واكون عندك، ليه هو الباشا الكبير كمان وصل، تمام باسيدى انا مش هتأخر، خلاص يابني اهو انا في السكة...

انتبهت عيناه لها فجأة؛ فعرفها من ظهرها بهيئتها التي لا تخفى عليه، حتى لو حاولت تغيرها، ضيق حاجبيه وهو يرى اتجاه خطواتها وهذا الفستان الذي يظهر سيقانها مع تطايره بفعل نسمات الهواء العليلة في هذا الوقت، فاتجه بغضبه نحوها، ليصل اليه سريعًا ويتصدر أمامها يوقفها: - رايحة فين ياحلوة؟
شهقت صارخة قبل ان تتدارك نفسها لتهتف بوجهه غاضبة: - يخرب بيتك هاتقطعلي الخلف، هو انت اتجننت يابني أدم انت؟

تخصر أمامها بوجه خالي من عبثه الدائم معها ليسألها مشددًا على كلماته: - بقولك رايحة فين في الساعة وبهيئتك دي؟
احتقن وجهها بالغيظ من تدخله السافر وإشارة سبابته نحوها بدونية فصاحت مستنكرة: - وانت مالك انت؟ بتسألني بصفة ايه؟ هاا.
اعتصر عقله قليلًا حتى أتى لها بحجة: - بصفتي شغال عند جوز زهرة بنت خالك، واكيد يعني بتخاف عليكِ ويهمها مصلحتك، هي عارفة بقى بمجيتك هنا عند البت الصفرا واخوها اللي اصفر منها؟

كزت على اسنانها تقول بازدراء: - ارجع واقولك انت مالك؟ لا انت اخويا ولا قريبي، عشان تسأل وتتدخل في خط سيري، واوعى كدة بدل ما اندهلك الحرس اللي واقفة قدام باب البيت ولا اتصل بميرفت صاحبتي تبلغ عنك ولا تدخلك السجن ياسي إمام انت.
قالتها ودفعته بيدها لتتخطاه باستعلاء، ردد ساخرًا وهو يتبع خطواتها: - ميرفت صاحبتي!
ثم مصمص بشفتيه ليغمغم قائلًا: - عليا النعمة انت عايزة تتربي من أول وجديد عشان تفوقي.

وأمام منزل جاسر الريان وبعد أن توقفت بهم السيارة، كانت كاميليا مازالت تعطي النصائح لزهرة: - خلي راسك مرفوعة دايمًا وظهرك يبقى مفرد، اوعي تظهري ضيقك ولا تزعلي نفسك من أي تلميح ولا كلمة تتقالك، خودي قوتك من حب جاسر ورعايته ليكِ، وسيبلوا هو الرد على أي شئ يضايقك، انا واثقة انه مش هايخذلك إن شاء الله.

اومأت لها بتفهم وهي تمسك بمقبض الباب لتترجل وهي خلفها ولكن مع دوى صوت هاتف كاميليا، أشارت لزهرة لتسبقها، كي ترد على شقيقتها وتلحق بها بعد ذلك.

ولجت زهرة لداخل منزلها بقلبِ يخفق بالسعادة والترقب، لرؤية جاسر ومعرفة رأيه بزيها وبإطلالتها الجديدة، ترجو من الله أن توفق في هذه الليلة، هتفت بإسمه فور مرورها بالردهة.
- ياجاسر، انت فين ياحبيب...

توقفت الجملة بحلقها وقد اصطدمت عيناها برؤية طارق في بهو المنزل ومعه عامر الريان وبجواره امرأة رائعة الجمال لايبدوا على وجهها مايثبت عمرها، تحدجها بسهامها الخضراء في جلستها على الاَريكة الاثيرة، واضعة قدم فوق الأخرى.
- وقفتي ليه ماتقدمي يابنت وسلمي؟

قالها عامر ليفك عنها خجلها وصمتها بعد أن تسمرت مكانها ولم تدري بنفسها، استدركت تبتلع ريقها بتوجس وهي تُجبر أقدامها للتحرك نحوهم، وقف لها عامر يتلقفها بمودة ابوية ليصافحها بحرارة واضعًا قبلة دافئة على أعلى حجابها: - بس ماشاءالله، دا انا معرفتكيش يابنت، ايه الحلاوة دي؟
ردت بابتسامة مضطربة: - الله يحفظك ياعمي، ربنا يسعدك.

ضحك عامر يشاكسها بكلماته: - يحفظك ويسعدك، ايه الرسمية دي ياست زهرة؟ هو احنا في الشركة ولا إيه.
توسعت ابتسامتها بصمت فقربها عامر ليقدمها نحو لمياء التي كانت تناظرها مضيقة عيناها.
- إيه رأيكم بقى تتعرفوا على بعض، دي ياستي تبقى لمياء مراتي او حماتك يعني، وانتِ ياقلبي القمر دي تبقى زهرة مرات ابنك، شوفتي زوقه حلو ازاي؟

اومأت له بشبه ابتسامة لمياء وهي تنهض عن كرسيها ببطء ثم مدت بطرف كفها لزهرة التي لم تصدق فسارعت بمصافحتها بتوتر: - أهلًا ياا، طنت، نورتيني.
رمقتها من أعلى للأسفل قائلة بعد فترة من الوقت مرت على زهرة وكأنها سنوات: - البيت منور بأهله.
- طبعًا طبعًا، بس انتِ نورتي البيت بجد والله.

قالتها زهرة بصدق رغم توترها لتُجفل فجأة، على صوته الدافئ وهو يلف ذراعيه حولها من الخلف بعد أن اتى على الفور من غرفة مكتبه وقطع جلسة عمله مع كارم ليؤازرها: - ماردتيش يعني يا لميا هانم على سؤال والدي، إيه رأيك في زوقي؟
لوت ثغرها تجيبه بحنق: - حلوة حلوة ياجاسر، ربنا يسعدكم.

قالتها من تحت أسنانه والتفت زهرة برأسها لجاسر الذي دعمها بنظرة مشجعة أدخلت الراحة بقلبها، بعد توترها الشديد من لقاء لمياء والتي هتفت فجأة وانظارها نحو مدخل المنزل: - دي كاميليا دي ياعامر؟
انتقلت أنظار الجميع نحوها وقبلهم كان طارق الذي جخظت عيناه وقد أوشك قلبه على، التوقف من فرط خفاقته العنيفة بين أضلعه، وهي تتقدم نحوهم بثقتها المعهودة دون تكلف،.

الغبية الغافلة عن سحرها الذي يعبث في قلوب محبيها او جمالها الذي يسلب عقول الرجال، فيجعل الحكيم منهم كالممسوس بعشقها، الا من الأجدر ان تكتمل الصورة وتستمع هي أيضًا لصوت قلبها، أم هي صماء واصاب سقيع الجليد إحساسها؟

استفاق من وصلة إعجابه التي تدوي داخله بصخب، والفتنة ذاتها متجسدة في مالكة قلبه، لتشوش الصورة باقتحام هذا المدعي وهو يقترب منها بتحذلق ويقبل كفها بدماثة مستفزة أثارت داخله الإزدراء والكره نحوه، وهو يتقدم بها نحو لمياء يقدمها إليها بصفته خطيبها، هذا الرجل لا يعجبه حقًا!
- معقول؟ انا محدش قالي انك خطبت، لأ ومين كاميليا كمان؟

قالتها لمياء وهي تصافح كاميليا مع كارم الذي كان يتحدث مع المرأة بمودة: - معذورين برضوا ياهانم، اصل احنا لسة معملناش خطوبة رسمي.
ردت لمياء بابتسامة متوسعة.
- لا بس برافو عليك عرفت تنقي وتختار ياولد، ماشاء الله عليكم دا انتوا تتحسدوا.

قالتها لمياء بفرحة اَلامت زهرة التي لم ترى على وجهها ربع هذا الحماس والأعجاب نحوها، شعرت بها كاميليا لترسل إليها ابتسامة مضطربة، بادلتها زهرة بواحدة مثلها قبل أن تجفل على جذب جاسر لها فجأة ليبتعد بها عنهم، قائلًا: - سيبك منهم وتعالي معايا.
قالت وهي تسرع بخطواتها معه: - اَجي معاك فين ياجاسر بس ونسيب والدك ووالدتك؟
- هاغير عشان اروح الحفلة،.

قالها ببساطة استغربتها وعيناها ارتكزت على الحلة التي يرتديها: - ومالها البدلة التي انت لابسها يعني فيها إيه؟
أجل الرد عليها لحين اغلاقه باب الغرفة عليهم قائلًا: - مش تفهمي بقى لوحدك يامجنونة.
- افهم إيه؟
قالت ببلاهة لتشهق مجفلة على احتضان راحتيه لوجهها مرددًا بمشاكسة: - عايز استفرد بالجميل شوية لوحدي، فيها حاجة دي؟

ضحكت من قلبها وعنفوان مزاحه أذهب عنها التوتر، ليكمل هو بأعين تفيض بالعشق: - زي القمر والله يازهرة، وتجنني كمان.
توقفت ضحكتها على أثر جملته التي دخلت على قلبها بردًا وسلامًا، بعد حزنها منذ قليل من تعامل والدته المتحفظ معها بالمقارنة بترحيبها الحار بكاميليا، ليأتي هو الآن بجملة واحدة منه مع نظرة مشبعة بالعشق، تزيح الغيوم ويهطل مكانها امطار من الفرح لتُنبت زهور الحب في قلبها إليه، مالك قلبها.

انشق ثغرها فجأة بابتسامة ممتنة له وهي تبادر بلف ذراعيها حول جذعه لتقول من قلبها: - انا بحبك اوي ياجاسر.
شدد هو أيضًا باحتضانها يقبل أعلى رأسها براحة تنبع من داخله وقد وصله صدق عبارتها،
وبراءتها التي تزيد من سعادته معها، صاحبة القلب الحنون، نعيمه الذي وجده اَخيرًا بعد طول انتظار، ورده كان على كلماتها: - وانا بموت فيكِ ياقلب جاسر.



الفصل الثامن والثلاثون من هنا

 

تعليقات



×