رواية نعيمي وجحيمها الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم أمل نصر


رواية نعيمي وجحيمها الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم أمل نصر





رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الخامس والثلاثون

بخطوات مثقلة كانت تتقدم نحو غرفته حاملة بيدها أقراص الدواء لعلاجه في ميعادها هذه الساعة رغم احتقانها وكل ما تحمله من غضب نحوه ونحو ابنها بعد شعورها بالغدر منهم؛ حينما أقصوها في شئ هام كهذا يخص سمعة العائلة وصورتها أمام الجميع، هي تعلم بإصرار ابنها إذا أراد شيئًا ووضعه نصب عينيه، لا يهدأ حتى يناله، لكن أن يصل حجم تطرفه إلى هذه الدرجة لم تتخيل، أو ان يساعده أباه ويبارك خطوته دون علمها، هذا فاق كل احتمالها، وهي التي كانت بجواره في رحلة علاجه التي قطعها ولم يكملها، اهكذا يكون تقدريهم لها، تنهدت بعمق ما تحمله من حزن بداخلها منه قبل أن تطرق باب غرفته وتلج بداخلها إليه، بعد أن سمعت إذنه بالدخول، دلفت بخطوات مترددة تخاطبه بجمود: - صباح الخير، انا جيبتلك الدوا عشان دا ميعاده.

ابتسم بعشق وهو يقف بنصف الغرفة أمامها يتمم على أزرار قميصه المنشي، فزوجته العزيزة مهما بلغ غضبها وادعت عدم الإهتمام، لا تغفل عن أدق تفاصيله، فقال يشاكسها: - يعني فاكرة ميعاد الدوا ومش فاكرة الفطار؟ هاشربه ازاي على معدة فاضية بس يالميا؟
برقت امواجها الخضراء فقالت بقلق متناسية غضبها: - هو انت فعلا مافطرش ياعامر؟ وبتلبس وخارج كمان؟

استدار عنها ليتجه نحو المرأة يضع عطره ويقول بلهجة ماكرة لائمة: - وانتِ تشغلي نفسك ليه بقى؟ وانتِ مش طايقاني ولا طايق حتى تشاركيني أوضة واحدة؟
زمت شفتيها تكتم غيظها وانفاسها تهدر من خلفه، فهي الأدرى بزوجها وطريقته في اجتذاب تعاطفها نحوه، همت لتتركه غير مبالية ولكنها انتبهت على ارتعاش كفيه في لف رابطة عنقه: - استنى ياعامر.

قالتها واقتربت منه لتلفها بيدها، ابتسم لها بجانبية، وهي يتطلع لها عن قرب وهي متحاشية النظر إليه فسألته بوجهها العابس: - هو انت تعبان النهاردة؟ مش بعادة يعني ايدك تترعش في ربط الكرافت؟
أجابها بابتسامة حانية: - وليه ماتقوليش اني بمثل عشان اشوف لهفتك عليا؟
كبحت إبتسامة ملحة وقالت بجدية: - لو حاسس نفسك تعبان، بلاها من حضور الإجتماع دا ياعامر، انت قلبك لسة تعبان.
- واسيب ابني لوحده؟

اضطربت واهتزت كفيها من عبارته البسيطة، فقالت وهي تنهي ما تفعله لتشيح بوجهها عنه تدعي القسوة: - وهو ابنك صغير، ولا مكانش عارف بعواقب عملته؟
زفر عامر بسأم وهو يتناول سترة حلته ليرتديها وقال بحسم: - ابني مش صغير يا لميا، بس انا مش هاسيبه يواجه التيار دا لوحده، حتى لو غلطان انا برضوا في ضهره.

تنهدت بحرارة وهي تتطلع أليه مستندة على حافة الكمود ثم قالت: - خليك في ضهره ياعامر، وافضل كدة ساير فيه من غير ما توجهه ولا تنصحه، سيرتنا بقت على كل لسان، ابن عامر الريان، ساب بنت الوزير وراح اتجوز سكرتيرة ابوها تاجر مخدرات،.

رقمها بنظرة عاتبة قبل ان يدنو ليتناول سلسلة مفاتيحه من جوراها، ورد قبل أن يتحرك ويتركها: - هو حر في اختياره يالميا، بنت وزير ولا بنت غفير، أو مهما كانت صفة البنت، انا بقى أهم حاجة عندي اشوفه مبسوط، دي تكفيني.
قالها وانصرف من أمامها، تاركها للأفكار السوداء التي تغرق بها دون رحمة، حتى انتبهت لأقراص الدواء فتذكرت لتتناولهم وتهتف راكضة للحاق به: - استنى ياعامر خد علاجك، استنى انت مافطرتش أساسها.

بداخل سيارتهم التي كانت تقطع الطريق ذهابًا الى الشركة، يدها بيده وكأنه يستجدي منها القوة بصمت عبر رجاء نظراته لها، وهي لا تبخل عليه بمؤازرته، وقد قضت ليلتها كاملة بالدعاء المستمر وغمره بفيض حنانها الذي كان في أشد حاجته إليه بالأمس، والان اقتربت ساعة الحسم التي سيترتب عليها أحداث القادم، وصلت السيارة اَخيرًا لمقر الشركة، لتترجل منها معه ويدها مازالت بيده، لافتين انظار الجميع حولهم وكأنه يتحدى بها العالم، غير أبه بما يقال أو يحدث، دلف بها لداخل غرفة مكتبه فتفاجأت بوالده عامر الريان شخصيًا على كرسي الإدارة الذي احتله جاسر سابقًا ويبدوا عليه الإنهماك في عمله على بعض الأوراق أمامه، تباطئت خطواتها حتى تشبثت بالأرض غير قادرة على مواصلة التقدم، نظر لها جاسر عاقدًا حاجبيه باستفسار، فرمقته بنظرة مترددة قبل أن تجفل على هتاف عامر المرح: - إيه ياعرايس، هاتفضلوا واقفين كدة مكانكم كتير؟

رفعت ايه أنظارها برهبة جعلتها تستسلم لسحب جاسر لها اَليًا حتى وصل بها إليه، يقدمها: - عامر باشا، احب اعرفك على عروستي.
توسعت عيناها وزاد قلبها في خفقانه وهي ترى عامر الذي نهض عن مقعده تركزت عيناه عليها، فقال لها بلهجته المداعبة: - ومالها بقى مكسوفة كدة ليه؟ هو انا غريب؟ ولا انتِ مش عايزة تسلمي عليا؟

ذهب بعض التوتر عنها ولكن حل محله الخجل الشديد وهي تسبل أهدابها عنه ولم تقوى على الرد عليه، فضحك الرجل من قلبه وهو يخاطب ابنه: - لا طلعت صياد بابن الريان وعرفت تنقي، بس مش كدة بقى، انا لازم اسلم عليها واتعرف عليها كويس.
سحبها جاسر وهو يردد لوالده بابتسامة تفضح بهجته من الداخل: - براحة ع البنت يا عامر ياباشا، شوية شوية عليها عشان تاخد عليك.

تناول عامر كفها يصافحها بحرارة مشبعة بمشاعر تُضَخ بداخله الاَن، نحو هذه الفتاة التي أعادت ابتسامة سعيدة لوجد ابنه، حتى تخلى عن وقاره وعنجهيته المعتادة وهو يقدمها اليه وكأنه طفل صغير وقد حصل على جائزته.
- الف مبروك يابنتي، وسامحيني إن يكون اول لقاء مابينا هنا في المكتب.
قالها مخاطبًا لها، فخرج صوتها بهمس خجول: - مما تقولش كدة ياعمي، انا عارفة من الأول بظروف تعبك وسفرك، ربنا يخليك ويبارك فيك يارب.

ربت براحته على ظهر كفها قائلها بحنان: - ربنا يبارك فيكِ انتِ يازهرة، وعلى العموم انا مش ناسي وهاعوضك انتِ وجاسر، بس نخلص الأول من المشاكل اللي احنا فيها دلوقت.

اكتنفها الإرتياح على الفور بقوله، فكلماته المطمئنة وصلت اليها بصدق إحساسه، اما جاسر والذي اسعده قول أبيه، وترحيبه بزهرة، لم يسعفه الظرف السئ بالتعبير عن امتنانه فقال لوالده بتوتر: - ماقولتش ياولدي، الإجتماع النهاردة هايتم بحضور فهمي ولا هايبعت مندوب عنه؟

رد عامر بعدم اكتراث: - يجي أو يبعت أي حد من عنده، في الحالتين مش فارقة، المهم ان الإجتماع خلاص يدوبك نص ساعة ويبدأ، يالا بقى جهز نفسك يابطل، انا هاسبقك.
قالها وتحرك على الفور مغادرًا، تشبثت زهرة بكف جاسر توقفه قبل اللحاق بوالده: - هو انا هاحضر معاكم الإجتماع؟
نفى برأسه قبل أن يقبلها على أعلى رأسها وقال: - كارم هو اللي هايتولى المسؤلية النهاردة، ريحي نفسك انتِ وادعيلنا بالتوفيق.
بعد نصف ساعة.

كان بدء الإجتماع الكبير، الذي ضم الشركاء ومسؤلي المجموعة مع عامر رئيس المجموعة وابنه جاسر، وعدوهم الاقوى والشرس، الوزير فهمي حيدر في لفتة نادرا ماتحدث، فعلها الرجل خصيصًا كي يرى بأم عينيه تأثير النتيجة الحاسمة في القضاء على الصرح الكبير لعامر الريان انتقامًا منه ومن ابنه وقد أعد غدته بتفاهمات واتفاقات سرية مع باقي الشركاء، زهرة والتي لم تطاوعها قدميها للجلوس والراحة على مقعد مكتبها، كانت تقطع الغرفة ذهابًا وأيابًا بلا هوادة وفمها يردد بالأدعية بلا توقف، يتاَكلها الفضول لمعرفة ما يجري في الغرفة المغلقة وعلى طاولة الإجتماع المصيري، ترجوا الا تكون النهاية لهذا الكيان العظيم وتُذكر هي كطرف أساسي ضمن أسباب سقوطه،.

- انتِ واقفة عندك بتعملي ايه؟
انتفضت مجفلة لتلتف نحو لصاحبة الصوت تخاطبها بهمس عاتب: - حرام عليكِ ياغادة خضتيني، مش تديني تنبيه الأول.
لوكت غادة بالعلكة داخل فمها وهي تخطو لتجلس على المقعد المقابل للمكتب قائلة بتهكم: - تنبيه! انتِ عايزاني ازمرلك مثلًا؟ في ايه يازهرة؟ مش صوتي انا اللي عالي ياحبيبتي، دا انت اللي كنت سرحانة واكنك في دنيا تانية.

تطلعت لها زهرة وهي تتنهد بقنوط قبل أن تجلس خلف مكتبها أمامها، وتابعت غادة تسألها بفضول: - ماقولتليش بقى، انتِ قاعدة كدة أعصابك ومتعصبة ليه؟
أطرقت برأسها زهرة تدعي الانشغال بأحد الملفات أمامها، فقالت باقتضاب: - يعني، موضوع كدة شاغلني.
لوت ثغرها غادة وهي ترد بغيظ: - بتداري ليه؟ ما الشركة كلها عارفة ان النهارده في اجتماع مهم للشركا الكبار في مجموعة الريان، بس انتِ اكيد عارفة سبب الإجتماع ده.

ظلت زهرة على صمتها لحظات ترمقها بيأس، فهي الأعلم بغادة وسبب مجيئها في هذا التوقيت إليها، هذا وقد أعادت غادة السؤال بإلحاح: - يابت ماتقولي، هو سر حربي؟
- عايزانى اقول ايه ياغادة بس؟ هو انا هاتدخل كمان في الأمور الكبيرة دي.

هتفت بها منفعلة قبل أن تزفر بضيق وتُشيح بوجهها للناحية الأخرى، لتزيد من سخط الاخرى، قبل أن تستقيم منتبهة وقد لمحت بعيناها، خروج فهمي حيدر الوزير المعروف لها من شاشة التلفاز، بخطوات مسرعة يقطع الرواق بوجه مكفهر ومعه بعض الرجال.
- ايه دا؟ مش دا الوزير يابت يازهرة؟

قالتها غادة فالتفتت لها زهرة بتشتت وحيرة، حتى انهار جدار صمودها فتركتها راكضة نحو غرفة الإجتماع الذي بدا انه انفض مع خروج ألأفراد تباعًا منه
- بت يازهرة، استني يابت هاتروحي فين؟ طب خُوديني معاكي يخرب بيتك.
تفوهت بالكلمات غادة وهي تضرب بأقدامها على الأرض بغيظ، لعدم تمكنها من اللحاق بها ومعرفة ما يجري.

وصلت لمدخل الغرفة الشاسعة، فتباطئت خطواتها بتردد، ثم أطرقت رأسها بخجل مع النظرات المتفحصة لها بفضول من رجال ونساء تبينوا هويتها في طريقهم للخروج، ولجت للداخل فتسارعت أقدامها قليلًا نحو الطاولة التي لم يتبقى عليها سوى عدد قليل وعلى رأس الطاولة كان عامر يأخذ وضعه وبجواره كارم وطارق من جهة والجهة الأخرى كان جاسر الذي التقطها عيناه على الفور وكأنه شعر بوجودها، أومأ لها لتكمل بوجه مشرق بشكل اثار دهشتها، بلغ إلى أسماعها كلمات التهنئة التي كانت توجه لعامر من بعض الأفراد ومنهم ميرفت والتي كانت ترسم ابتسامة بعرض وجهها وهي تخاطب عامر بنعومة وود تبدلت لنظرة غامضة نحو زهرة بمجرد أن اعطت ظهرها للجلسة ومن عليها، جعلت زهرة تتطلع لها بحيرة، قبل أن تجفل على قبضة على كفها لتسحبها وتقربها سريعُا لتجلس بجواره، رغم اندماجه في الحديث وتلقي التهاني مع والده.

طرقت بأنامل كفها الحرة على كف يده القابضة على يدها، أسفل الطاولة، فالتفت إليها سريعًا ليرى التسائل بعيناها ولكنه فاجأها بغمزة جريئة منه جعلتها تغلق فمها عن الكلام او السؤال وحتى رفع رأسها وقد اصطبغ وجهها بحمرة الخجل، فانتظرت حتى انحسرت الغرفة عليهم، ليجفلها جاسر وهو يفقد أتزانه المعروف وقفز سريعة نحو والده ليقبله على رأسه بحرارة مهللًا: - حبيبي ياعامر باشا، ربنا يحفظك ويخليك ليا يارب.

صدحت ضحكة مجلجلة من عامر وهو يدفعه عنه قائلًا بمرح: - طب خلاص يابني بقى، بلاش شغل الشحاتين ده.
- ياجماعة ماتفهمونا ايه اللي حصل؟
هتفت بها زهرة مذهولة مما تراها أمامها، أجابها طارق بحماس: - انتِ لسة مافهمتيش يازهرة، الراجل اللي قدامك ده، قضى على فهمي حيدر بالقبضة القاضية، اموت واعرف عملتها ازاي؟
وجه الأخيرة نحو عامر الذي تلاعب بياقة قميصه يردد
بزهو: - ياجماعة مش لدرجادي، دي حاجة بسيطة يعني؟
- ياجامد.

هتف بها جاسر ضاحكًا قبل ان يعود لمكانه بجوار زهرة، تدخل كارم هو الاخر متخليًا عن تحفظه الدائم: - لا بجد حقيقي ياعامر باشا، احنا نفسنا نعرف منك، قدرت ازاي تتصرف بالسرعة دي وتعرف بنية الوزير فهمي.

صمتت زهرة منصتة لعامر الذي تلاعب بالشباب قليلًا قبل أن يجيبهم كي تعلم مالذي حدث وقلب الحال هكذا من النقيض للنقيض: - اولًا ياحبيبي انت هو، انا عرفت نية فهمي بحكم العشرة، دا شريكي بقالوا سنين طويلة، يعني فاهم طريقة لعبه كويس قوي، كنت متأكد انه هايلف ع الشركا المهمين معانا عشان ينضموا في صفه لما ينسحب من كيان المجموعة، وساعتها تبقى ضربة قوية فعلًا خصوصًا لما ينضملهم البقية اللي أكيد مش هايستنوا لما تغرق المركب ويغرقوا معانا.

تدخل جاسر يقول: - اه ياوالدي، بس انا كلمت معظمهم وطمنتهم على مستقبل المجموعة لو انسحب منها فهمي وهما أكدولي انهم في صفي.
- كانوا بيخدعوك ياحبيبي.
قالها عامر لتزداد دهشتهم ويلفهم الصمت الذي قطعه هو مستطردًا، المعلومة دي انا عرفتها من واحد عزيز عليا منهم، فهمي كان بيحضر لكيان جديد يضمهم فيه بعد ما يوقع مجموعتنا، بس على مين؟ انا جبت مكانوا جوكر.

ردد طارق مهللًا: - ايوة بقى، ومش أي جوكر، دا مصطفى عزام، يعني يمسك التراب يحولوا لدهب دي ضربة معلم بجد.
جذبت زهرة جاسر من قماش قميصه مستدركة تحاول الفهم فسألته هامسة؛
- مصطفى عزام مين؟ قصده على جوز الممثلة المشهورة؟
اومأ لها جاسر بعيناه لتشهق فاغرة فاهاها بعدم تصديق، رمقها بتسلية قبل أن ينتقل بعيناه نحو والده مخاطبًا: - بس انت برضوا مقولتش، اقنعت مصطفى يشاركنا ازاي مكان فهمي؟

أجابه عامر بصبر رغم شعوره بالإجهاد وبعض الاَم صدره التي اعتاد عليها في الفترة الأخيرة: - مصطفى ابن سوق وعارف ان اسمنا مسمع، وهو مش غبي عشان يضيع فرصة زي دي لأجل عيون فهمي المتخلف، طبعًا لما كلمته فرض شروطه، وانا وافقت عليها من غير تفكير، اسم مصطفى عزام هو اللي لجم باقي الشركا عن الإنسحاب ورا فهمي، ماهو كل واحد فيهم تهمه مصلحته في الأول والاَخر.

- طب هو مصطفى فرض شروط مجحفة: سأله جاسر بتوجس، وكانت إجابة عامر بجدية: - مش لدرجة مجحفة، هي المسؤليات هاتزيد حبتين في المرحلة الجاية، نسبته هتبقى أعلى من فهمي طبعًا، وعلى العموم دي اتفاق مبدئي يعني لسة مافيش عقد اتمضى، بس حتى لو أصر يعني، احنا برضوا قدها ولا ايه ياعم جاسر؟
رد جاسر بثقة مؤكدًا: - طبعًا ياباشا، قدها وقدود كمان.
- على بركة الله.

تمتم بها عامر وهو ينهض عن كرسيه، فاهتز قليلًا قبل أن يلحقه جاسر ويسنده بساعده وسأله بقلق: - انت تعبان ياولدي؟
ربت عامر على كف ابنه المتشبثة بهِ قائلًا بابتسامته المعهودة: - لا ياحبيبي ماتقلقش نفسك انت، انا بس تعبت من القعدة، بقالي شهور مااشتغلتش.
- طب اجي معاك أوصلك.
قالها جاسر وهو يهم للتحرك معه، فدفعه عامر بطرف كفهِ قائلًا بنزق: - ياعم اوعى، خليك انت في شغلك وانا السواق هايوصلني، هي حكاية.

توقف جاسر يرمقه بابتسامة ممتنة وهو يراقب انصرافه مع أصدقائه حتى التفت على سؤال طارق من خلفه: - تفتكروا ياجماعة، لو فهمي حيدر نجح في مخططه وأنشأ الكيان بتاعه ده، كان هايسميه إيه؟
- أكيد كان هاسميه ميري.
قالها جاسر وانطلقت ضحكات الرجال الصاخبة لخارج الغرفة، أما زهرة فكانت تُخبئ بكفها على فمها، حتى لا يخرج صوتها بيننهم
- يانهار اسود ياميرفت، هو إيه اللي حصل بالظبط؟

سألتها ميري بجزع عبر الهاتف، تتحامي بغرفتها من غضب والدها العاصف وهي تستمع لصياحه بالمنزل على الخدم بالسباب، وتكسيره لكل ماتطاله يده، أجابتها الأخرى بصوت متأثر: - للاسف ياميري، عامر الريان خدع الكل وجاب شريك جديد مكان والدك.
هتفت ميري بعدم تصديق: - شريك جديد! دا مين دا اللي اتجرأ وقدر يعملها، مين اللي دا وصل بيه غباءه انه ياخد نصيب والدي في مجموعة هو من اكبر مؤسيسينها؟

كبحت ميرفت ابتسامة ملحة وجاهدت ليخرج صوتها بنبرة عادية لتجيبها: - ماهو ماخدتش نصيبه يا ميري، والدك هو اللي انسحب من دماغه، وعامر كان عامل حسابه ومجهز مع مصطفى عزام.
- ايه، مصطفى عزام؟
شهقت بالأسم متفاجئة لتكمل بغيظ: - ياولاد الإيه، يعني مصطفى عزام يجي وياخد مكانه في المجموعة بعد ما والدي يمشي؟ مكانش ينفع بقى يبقى شريك ووالدي معاهم.

قطبت ميرفت لتسألها مندهشة: - ميري هو انتِ بتقولي ايه؟ وزعلانة على ايه بالظبط؟
وصلها صوتها الغاضب قبل أن تنهي المكالمة: - زعلانة على كله يا ميرفت، انا كدة حظي هباب، دايمًا الفرص الكويسة بتطير من إيدي
اغلقت معها لتطلق العنان لنفسها في الضحك، وهي تغمغم ساخرة: - غبية فعلًا.

بغرفة مكتبه وبمجرد ان أغلق بابها عليهم رفعها عن الأرض يغمرها بقبلاته المجنونة غير عابئ باعتراضها الواهي، ولا مقاومتها؛ والتي على غير العادة لم تكن قوية، فقد وصلها مايشعر به وتعاطف قلبها معه ضد ارداتها: - كفاية ياجاسر بقى احنا في المكتب، كام مرة هاقعد افكرك.
رد بصوت مفعم بمشاعره القوية نحوها: - عادي ياستي، فكريني تاني وتالت ورابع ولمية مرة حتى، انا راجل نساي أساسًا.

قال الاَخيرة مشددًا عليها بذراعيه ليدفن رأسه في حجابها، وكأنه وجد اَخيرًا أمانه بين يديه، استكانت قليلًا تنتظره حتى أنزل أقدامها على الأرض فقال وهو وهو يكبح جماح نفسه: - لولا بس اننا في المكتب، وعشان عارفك بتزعلي لما ازودها،
- دا على أساس ان انت كدة مزودتهاش.

قالتها ساخرة فانطلقت ضحكة رجولية صاخبة منه وهو يجبر نفسه على الابتعاد عنها، حتى وصل ليجلس على حافة مكتبه فقال بمكر: - طيبة اوي انت يازهرة، وفكرك محدود اوي في حكاية ازودها دي.
استدركت للمعنى المبطن خلف كلماته، فعبست بوجهها كي تخفي حرجها ولكزته بقبضتها على صدره بخفة تعنفه قائلة: - بلاش تلميحاتك السخيفة دي عشان انا مش غبية عشان مفهمش.

تبسم يتناول قبضتها ليقبلها بحنان صامتًا، فقالت هي: - لدرجادي انت فرحان ياجاسر.
تنهد بعمق وشردت عيناه قليلًا قبل يجيبها: - كلمة فرحان دي قليلة جدا عن اللي حاسس بيه، وخصوصًا بعد اللي عرفته من والدي، رغم غيظي الشديد طبعًا من حجم اللي كان بيتدبر من ورايا، لكن معلش الجايات اكتر من الريحات.

قال الأخيرة بمغزى لم تفهمه زهرة فقالت بفطرتها: - ريحات بقى ولا جيات، خلينا دلوقتٍ في اللي جاي، الرجل جوز الممثلة اياها دي، امتى بقى هاتقابله ولا تتمم معاه إجراءات الشراكة.
أردف يجيبها وهو يلتف لخلف مكتبه ليجلس على مقعده: - أكيد قريب طبعًا، بس لما اشوف والدي واشوف مواعيدهم مع بعض، المهم بقى جهزي انتِ نفسك.
عقدت حاجبيها بشدة تسأله باستفسار: - اجهز نفسي لإيه؟

رد بجدية وهو يضم كفيه يستند بهم على سطح المكتبه أمامه: - عايزك تبقي جاهزة يازهرة، عشان ناوي قريب قوي أعلن عن خبر جوازنا قدام العالم كلها، مش بس الشركة هنا.
توقفت قليلًا تستوعب جملته المبهمة ثم سألته بنبرة خفيضة بحرج: - ودا هايحصل ازاي وانت عارف يعني، بموضوع والدي واللي اتنشر عنه.

عاد بجسده لخلف الكرسي يذكرها بلهجته المسيطرة قائلًا: - انا قولت قريب يازهرة، يعني على ما يجي اليوم ده، اكيد هاكون لقيت حل.
اومأت برأسها تستأذن في الانصراف، لتكبح تدفق الأسئلة العديدة برأسها.
في اليوم التالي.

وبجوار رجل الأمن المكلف حديثًا منه، وحارسه الشخصي إمام، في غرقة مغلقة وحدهم، كان ينظر بتركيز في الشاشة التي أمامهم للقطات محددة يشير إليها الرجل: - اهو ياباشا زي ما انت شايف، هو دا الواد اللي جاب العصير لزهرة هانم، ودي الست اللي كان بيتكلم معاها، أكيد هي اللي حطت المنوم.

ضيق عينان الصقرية بتركيز في هيئة الفتى ذو الجسد النحيف، والمغطى نصف وجهه بقناعِ طبي، فقال بتركيز: - انت متأكد انه مش شغال في المحل ياعوني.
اجابه الرجل بثقة: - طبعًا يافندم انا فرزت العمال كلهم، لكن الهيئة دي ماشوفتهاش على أي واحد فيهم، واضح جدًا ان الموضوع كان مدبر من الألف للياء، بدليل ان الولد والست مقلعوش الكمامة نهائي من وشهم.

مسح بأطراف أنامله جاسر على ذقنه الخشنة بتفكير، واستطرد الرجل: - انا حاسبت مدير المطعم وحاسبت كل اللي اتعاون مع الولد ده أو الست، بس المشكلة اللي عقدت الدنيا فعلا هو موضوع الكمامة ده، عرفوا يستغلوا هاجس المرض المنتشر كويس قوي،.

ظل صامتًا جاسر ينقر بأصابعه على سطح المكتب الصغير، وعيناه انتقلت للمرأة الملفحة بسترة ثقيلة وكاب يخفي شعرها وكمامتها في الامام، لتُخفي شخصيتها بالكامل، فقال اَخيرًا للرجل: - اسمع ياعوني الست دي أهم من الولد نفسه، عايزك تعيد على شرايط الكاميرات من تاني وتجيبها من قبل ما تدخل المحل، مش عايزك تهدى غير لما تجيبلي معلومة مهمة عن الست دي تدلني عليها.

علي باب منزلها توقف يلتقط أنفاسه، كي يتماسك ويهدئ من ثورة هذا الغبي بصدره، لقد فعلها إذن وأتى؛ بعد أن استبد به شوقه إليها حتى كاد أن يطيح بعقله، منذ اخر مرة قابلها وحكت إليه مالم تقوى على البوح به لشخص آخر غيره، وهو في حيرة تكتنفه بلا رحمة، أمواج من الأمل ترفعه في محيط عشقها ليشعر بامتلاكه العالم بين يديه، وأمواج أخرى غادرة تسقط به في ظلمة عقلها اليابس الحجري، فتوشي له بالقلق مع عدم ردها على مكالماته العديدة طوال الايام الفائتة، ليحسم أمره اَخيرًا بمواجهتها لكي تعود لرشدها أو أن يفعل ما يمليه قلبه عليه ويضعها أمام الأمر الواقع، نعم هذا ما سيحدث، لقد حسم أمره واتخذ القرار.

تنفس مطولًا قبل أن يضغط على الجرس، ولكنه تفاجأ بفتح باب المنزل أمامه، خبئت ابتسامته سريعًا وهو يتبين هيئة الرجل المنمق أمامه، وهو يخرج اليه بابتسامة مهذبة كعادته لافظًا اسمه وكأنه سؤال: - طااارق؟

هم ليقارعه الاَخر بالسؤال، ولكنه ابتلع جملته فور أن رأى المرأة الخمسينة بصحبة صاحب البيت أباها وهي خلفهم في الداخل، رأسها فقط التي ظهرت إليه، بزينة وجهها التي زادتها فتنة على فتنتها الطبيعية، ولكن مع تهرب عيناها وتغير ملامحها لتوتر بدا جليًا عليها، اظهرا إليه ماكان يخشاه ليُنبؤه حدسه بصدق وتأكيد: - لقد فعلتها، نعم لقد خطت بيدها على حكم اعدامها واعدامه وفعلتها!

الفصل السادس والثلاثون من هنا

 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-