رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم أمل نصر



رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم أمل نصر





33=رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الثالث والثلاثون

- اعتبريه زي ما تحبي تعتبريه، بس ياريت بقى توفري اعتراضك لأجتماع الجمعية العمومية للشركة يااامدام مرفت.
لا زالت الكلمات تتردد في راسها بعد أن القاها بتحدي أمام الجميع لتشعر وكأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها، إهانته المبطنة أخرستها واللجمتها عن الرد عليه، حتى أفقدتها لذة انتشاءها بالنصر بعد أن ملئت الدنيا بخبر زواجه بهذه الفتاة ونسبه لرجل مسجون،.

ليقلب الطاولة فوق رأسها الاَن بخبر إعلانه هذا بكل تفاخر أمام موظفين شركته ليجبرهم على احترام هذه الزهرة، وكأن لا شئ يعينيه في هذا العالم سوى رضاها، حتى وهو يعلم بكم الخسائر والكوارث المترتبة على أعلانه هذا.

فارت الدماء برأسها وجسدها كان يهتز من فرط أنفاعلها حتى أصبحت تضغط بقبضتها على قلمها الصغير بقوة أدت لأنكساره لنصفين فجرح راحة كفها، ولكنها لم تهتم، فجرح كرامتها اقوى واشد، كرامتها التي دهسها قبل ذلك حينما لفظها كقطة مصيبها الجرب وهي التي تقربت منه وكانت على استعداد لتهبه قلبها وجسدها بل وروحها لو أراد، ولكن قلبه الغشيم رفض بكل قوة، ليتحجج بمبادئ وهمية ليس لها سعر ولا ثمن في قانون المحبين.

انتفضت فجأة على صوت هاتفها الذي صدح أمامها على سطح المكتب وقطع شرودها، لمحت بعيناها اسم المتصلة فتأفافت بقرف، فا اخر ما ينقصها الاَن هو الاستماع لتفاهات هي في غنى عنها، همت لعدم الرد ولكنها استدركت ترد سريعًا لتعلم بااَخر اخبار جاسر الريان مع صهره الوزير، خرج صوتها بنبرتها المصطنعة كعادتها: - ألوو، أيوة ياقلبي اخبارك ايه النهاردة؟

اتاها من الجانب عبر الاثير صوت صرختها الباكية: - الحقيني يا مرفت جاسر طلقني.
- طلقتها معقول؟

هتف بالسؤال طارق والذي وصل بصحبة كاميليا ليشهدوا بالصدفة تجمع الموظفين، واعلان جاسر الهام أمامهم بقوة، ثم يصعق الاَن بهذا الخبر المهم من صديقه بعد أن اجتمع به داخل غرفة مكتبه، تاركًا زهرة في الجانب الاَخر من الغرفة مع كاميليا، والذي أجابه باستنكار: - ومش معقول ليه بقى؟ ماهو دا الطبيعي على فكرة، ولا انت مش واخد بالك؟

- لأ ياسيدي واخد بالي وعارف كويس باللي ناوي عليه من زمان؟ بس ما توقعتش يكون دلوقتى بالذات، انت كدت فتحت عليك جبهة فهمي حيدر في وقت صعب وحرج، ودي جبهة شديدة أوي وشرسة.
قالها طارق بقلق وكان رد جاسر الحازم: - تبقى زي ما تبقى، انا أساسًا على اَخري من الراجل ده هو وبنته من زمان، بس كنت بصبر نفسي وبأجل في شئ محسوم، ايه اللي يجبرني استنى أكتر من كدة ولا اتنازل وانفذ شروطه، يا أخي في ستين داهية.

تنهد طارق يمسح بكفيه على جانبي رأسه، ليرد وهو يحاول التخفيف من توتره: - برغم خوفي وقلقي من اللي كل اللي بيحصل ده، بس بصراحة مديك الحق، الراجل مستفز هو وبنته، لكن كمان ماقدرش انكر إن الضربة شديدة عليهم، ابن ال...
اللي نشر الخبر قاصد يوجه ضرباته في كذا اتجاه، دا عقل شيطاني يابني، لكن انت معرفتش مين الصحفي ده؟

اظلم وجه جاسر واحتدت عيناه ببريق خطر ليجيب طارق بشر: - هاعرفه يا طارق وهاعرف اللي زقه عليا وقصد يأذيني فيها، بس كل حاجة وليها وقتها.
اومأ طارق رأسه بتفهم ليكمل على كلماته: - فعلًا عندك حق ياجاسر، أهم حاجة دلوقتِ انقاذ المجموعة، انا سمعت ان الأسهم في البورصة هبطت جامد.
رد جاسر: - دا حقيقي، أول حاجة هاعملها هي اجتماع مهم مع المسؤلين والخبرا اللي في المجموعة، وكارم بيقوم باللازم دلوقتِ.

سهم طارق قليلًا ليسأله بتوجس: - هو كارم موجود هنا دلوقتِ؟
اومأ جاسر وهو يهز برأسه المنشغل: - في غرفة الإجتماعات جوا.
وفي الجانب الاَخر.

وهي بجوار صديقتها الحبيبة التي كانت تتحدث معها بفرح وزهول، غير مستوعبة حتى الآن ما رأته بعيناها، بدفاع جاسر القوي عنها واعلانه لخبر زواجهم بتحدي للجميع غير مكترث لما يقال ويشاع عن أباها، النقطة السوداء المصاحبة لها دائمًا، مشاعر مختلطة تنتابها، ما بين الفرح والشعور بالأمان لهذا الإعلان، والقلق والخوف الشديد مما هو قادم.
- آيه يابنتي سرحتي في إيه انا بكلمك؟

هتفت بها كاميليا لتخرجها من شرودها، ابتسمت لها زهرة ترد بحرج: - لا يعني اصل، مش عارفة بقى متلخبطة خالص ومش عارفة اتلم على أعصابي لحد دلوقتي من اللي حصل.
اعتلى ثغر كاميليا بابتسامة مرحة وهي ترد عليها: - تتلغبطي ولا تقلقي ليه بس ياعبيطة؟ دا جاسر باشا ثبت الكل وعمل اللي مكنتش اتخيل في حياتي انه يحصل، انا دلوقتِ بس اتأكدت ان الراجل دا بيحبك وبجد يازهرة.

ارتعشت شفتيها بابتسامة سعيدة تحاول السيطرة عليها بخجل وقلبها أصبح يضرب بقوة مع سماعها لكلمات كاميليا، فانتقلت عيناها نحوه في الجانب الاخر من الغرفة وهو مندمج في الحديث مع طارق، ليلتفت إليها فجأة وكأنه استمع لنداء عيناها التي التقت على الفور بخاصتيها بحديث خاطف سريع ولكن موجز، نظرة عاشقة تكفى لاختصار كل كلمات العشق أو حتى أبيات الشعر، توعدُها بالأمان، وما أجملها من كلمة.
- تاني برضوا بتسرحي؟

قالتها كاميليا بابتسامة ماكرة لتكمل بشقاوة: - طب ما اقوم انا بقى واسحب الراجل الغلبان اللي جبته معايا ده عشان يخلالكوا الجو مع بعض.

ختمت جملتها بضحكة مقهقهة، بعد أن زجرتها زهرة بنظرة حذرة خطيرة وقد تحول وجهها للإحمرار الشديد من فرط انفاعلها وخجلها، ورغم أن صوت الضحكة لم يكون عاليًا ولكنها لفتت انتباه طارق من الجهة الأخرى من روعتها، فضحكتها الصافية تميزت ببحة ناعمة لا تصدر سوى من إمرأة ناعمة مثلها فتجعل من يسمعها يود تكرارها طوال اليوم، التفت جاسر بدوره حينما لاحظ انصراف طارق عنه، وقبل أن يهم بمخاطبته انتبه على خروج كارم اليهم من غرفة الإجتماعات يدعوا رئيسه للبدء في الجلسة، وقد اكتمل عدد الحضور، لتقع عيناه بالصدفة على كاميليا التي لم يراها منذ فترة، وهو لا يجد الوسيلة لمعرفة سبب غيابها مع تحرجه بالأتصال بها، وهذا المدعو طارق لم يجيبه بإجابة واضحة عن سؤاله قبل ذلك، فذهب إليها سريعًا بقلق ليطمئن عليها وقد تفاجأ بإصابتها.

وعلى مقعده اشتد وجه طارق واحتدت عيناه بعجز، كم ود ايقافه عن التقرب إليها وقطع فرصته نحوها ولكن ما الحجة التي يملكها لفعل ذلك؟
ربت جاسر على كتفه بمغزى وصل إليه، لينهض ويتبعه في حضور الإجتماع المهم، ولم يقوى على منع نفسه بإلقاء نظرة اَخيرة نحوهم.
في الحارة
وعلى كرسيه وهو جالس أمام أحد صبيانه الذي كان يقرأ له المنشور على أحد الصفحات، مال إليه بجسده يسأله بريبة مضيقًا عيناه: - بتقول مين ياد؟

أجاب الفتى بلهفة: - بقولك جاسر الريان يا معلمي، دا باشا تقيل اوي، واخباره دايمًا مالية النت.
اومأ بتفهم ليضيف بسؤال ثاني: - اااه وجاسر ده بقى عربي ولا مصري؟
- بقولك مصري يا معلمي مصري، حتى على طول بيظهر مع الوزرا في فتح المشروعات الجديدة.

عاد بجسده للخلف وهو يستوعب كلمات الفتى بعد ان تناول الهاتف يتمعن النظر في صورها متمتمًا: - يعني العصفورة اتلم عليها الباشا اللي كانت شغالة عنده واتجوزها في السر بعلم أهلها، وأبوها الدُغف عمل علينا مسرحية عشان يفهمنا انها اتجوزت واحد عربي، عشان ماحدش يدور ولا يسأل، ماشي يا محروس ال...
- بس اهو ربنا فضحهم يامعلم.

رفع رأسه فهمي إلى صبيه يرد بوجه مبتسم وهو يغمز بعيناه: - عندك حق ياد، وحركة معلمك مع محروس عملت جو وشعللت الخبر، سبحان الله زي ما اكون كان قلبي حاسس.
استجاب الفتى بابتسامة مع معلمه والذي هدر عليه فجأة: - خد احفظلي الصور دي في التليفون.

صمت برهة ليكمل بعدها مغمغمًا بصوت خفيض: - اهي حاجة من ريحتها تصبر قلبي وخلاص، ولا يمكن الزمن يحن وترجعي تاني، والنعمة دا مايحصل لكون كاتب عليها وقتي، ان شاالله حتى ولو في شهور العدة.
وعند رقية والتي كانت جالسة بوجه مكفهر وغاضب وصفية تحكي وتصف لها ما حدث وما يقال على حفيدتها مع تشويه لصورتها مستغلين خطأ أباها الذي أدى لحبسه، ولج إليهم خالد عائدًا من عمله ليتفاحأ بهيئة والدته الغريبة عنها.

- مساء الخير
قالها بتوجس لتزداد حيرته مع ردودهم المقتضبة وصمتهم فجأة عن الحديث، اردف يسألهم وهو يجلس على الكرسي المقابل لهم: - خير في ايه؟ في حاجة حصلت ياما؟
اومأت والدته برأسها فخرج صوتها كالهمس: - مافيش حاجة، خير ان شاء الله.
عقد حاجبيه بشدة ليتجه مخاطبًا صفية بانفعال وقد اقلقته نبرة رقية الحزينة على غير عادتها: - قولي انتِ ياصفية، عشان انا جبت اخري وانتوا عارفين ان ماعنديش صبر.

سألته صفية بدهشة اولًا: - هو انت مافتحتش نت النهاردة ياخالي؟
احتدت عيناه من ردها الذي احتسبه تهربًا، فهتف بنفاذ صبر: - وانا مالي بالنت ولا الزفت هو انا فاضي ابص فيه ولا انيل في شغلي كمان، ثم ايه دخل كلامكم باللي بيحصل في النت...

تنهدت صفية تناوله الهاتف صامته بحرج ليفهم وحده، وهو ماحدث فبمجرد رؤيته الصور برقت عيناه بالغضب ليقرأ ماكتب على عجالة قبل أن يرفع راسه هادرًا: - ماحدش فيكم اتصل بيا ليه وقالي؟ سايبني من الصبح كدا على عمايا والدنيا مقلوبة حواليا.
ردت رقية بصوت عالي عن الأول: - ويعني لو اتصلنا بيك كنت هاتعمل ايه ياخالد، كنت هتسيب شغلك بقى وتجري على ولاد ال، اللي شنعوا وكتبوا الكلام ده؟

اهتزت رأسه رفضًا يقول بغضب: - لا طبعا ياما، الكلام دا ماعنديش حيلة فيه عشان يخص الباشا، انا المهم عندي دلوقتِ البت، هايبقى وضعها ايه مع صاحبنا، وكان ايه رد فعله معاها؟ انتوا اتصلتوا تشوفوها؟
ردت صفية بأسف: - احنا مانعرفش حاجة عنها لحد دلوقتِ، عشان من ساعة ماعرفنا واحنا بنتصل وهي مابترودش.
انتفض خالد عن جلسته بغضب صائحًا: - وبرضوا فضلتوا ساكتين من غير ماتدوني خبر؟

قالها ليتحرك ذاهبًا، فاستوقفته رقية قائلة: - خلي بالك من تصرفاتك ياخالد قبل يطلع منك أي فعل، بس لو حسيت ان البنت زعلانة ولا فيها أي حاجة مديقاها، هاتها لحضني على طول يابني ماتستناش،
اومأ لها برأسه قبل أن ينصرف مغادرًا بسرعة، تمتمت رقية بقلق: - يارب استرها ع البت يارب وطمني عليها والنبي.

أوقف السيارة فجأة ليخرجها من شردها الذي لازمها من وقت أن تركوا الشركة، تطلعت حولها لتقع عيناها على الواجهة المضيئة لإحدى المحلات، التفت برأسها إليه تسأله بدهشة: - وقفت هنا ليه؟ دا انا افتكرت اننا وصلنا.
التف بجذعه إليها قائلًا: - لا ياستي ماوصلناش، بس انا بصراحة بقى طقت في دماغي انعنش نفسي بأيس كريم من المحل اللي قدامنا ده، اوعي تقوليلي انك مابتحبهوش؟

ابتسمت بيأس تقول: - مافيش فايدة فيك، يعني في البداية قولتلي نتعشى مع بعض ولما رفضت، فقولت تحطني قدام الأمر الواقع، وانت عارف ومتاكد ان دي عزومة ماتترفضش خصوصًا من محل مشهور زي ده.
- حلو أوي
قالها وهو يهلل أمامها بسعادة طفل صغير قبل أن يترجل من السيارة متجهًا نحوها ليساعدها على السير.
وبداخل المحل.

كان يتطلع بها هائمًا وهي تتناول بملعقتها الصغيرة وتتلذذ بالطعم المدهش حتى قالت له ممتنة: - يجنن، حلو أوي ياطارق، انا بقالي فترة طويلة ما دوقت حاجة بالطعامة دي.
رد بسعادة لسعادتها: - بالهنا والشفا.
صمت قليلًا قبل أن يلح عليه فضوله ليقول بتردد: - انا لاحظت يعني ان الأخ كارم قعد معاكي فترة طويلة اثناء انشغالي في الإجتماع مع جاسر،.

رفعت إليه أنظارها لتفاجأه بسؤالها: - هو انت ليه ماقولتلوش على إصابتي لما سألك؟
احتدت عيناه ليأسر أنظارها لحظات مترقبة لرده، قبل أن يجيبها بتحدي: - ومش هاقول ياكاميليا، أي سؤال يسألوا عنك مش هاجاوب عليه، عشان يخلي عنده دم ويميز بقى.
ابتسمت من قلبها قبل أن تضيف بمكر انثوي امتزج بحزنها: - يميز ليه؟ مش يمكن يكون رايد الحلال وعايز يدخل البيت من بابه؟
- كدة خبط لزق!

قالها بغضب وقد اشتعلت عيناه ببريق خطر وهو يسألها: - ولو هو حصل وطلبك فعلًا؟
مطت بشفتيها تجيبه بالحقيقة: - هاكدب عليك لو أنكرت، بس هو فعلًا لمح بكدة.

دفع الملعقة من يده بعنف حتى سقطت على الأرض الرخامية أسفلهم فأصدر صوتها دويًا لفت نظر بعض الأفراد حولهم، حتى أتى النادل يتناولها ويبدلها بملعقة أخرى، ليأخذ وقته قليلًا في تمالك نفسه قبل أن يستطرد بضيق: - اشمعنى هو؟ ليه دايمًا تحسسيني ان الباب اللي مقفول في وشي انا دايمًا مفتوح على آخره لصاحبنا ده؟

صمتت تشيح بوجهها عنه قبل أن تجيبه بنزق وتوتر: - وافرض يعني زي ما بتقول كدة، دي مافيهاش زعل كل حاجة نصيب، وكارم أساسًا راجل دوغري ومالوش في اللف والدوران،
صمت يخترقهاً بعيناه المتفحصة ليزيد من ارتباكها ثم اقترب بجذعه يسألها بتذكر: - ولما هو دوغري وانا راجل مش تمام في نظرك، صاحبنا ده اللي مسجلاه على تليفونك ب هي، محله ايه في الإعراب عندك.

اَلمتها كلماته وتصور نظرتها إليه بهذا السوء، لتبتلع الغصة المؤلمة في حلقها وتجيبها دون تفكير: - هي مش راجل، دي تبقى أمي.
أجفلته إجابتها المباغتة لتأتي الاَن في إجابة عن السؤال المُلح بداخله من فترة، فسألها بتوجس: - طيب هو انا ممكن أسألك؟ واقولك ليه؟

بابتسامة لم تصل لعيناها، ردت تمازجه بمرارة: - ليه إيه؟ عشان مسجلاها بضمير الغائب زي ما قولت عليها انت قبل كدة؟ ولا عشان استكرت عليها أعظم صفة تنولها الست، لما تبقى أم؟
تنهد بعمق يجيبها: - كله يا كاميليا كله.
صمتت أمامه قليلًا بتفكر قبل أن ترد بحسم: - انا هاجاوبك على كل أسئلتك ياطارق، بس دا لما تسمع الحكاية كلها عشان انا عايزاك تعرف.

قالتها كاميليا لتسرد أمامه: حكاية نبيلة عبد الواحد، الفتاة الريفية التي تزوجت من ابن بلدتها صابر المنسي على عمر السابعة عشر، لينتقل بها من بلدتهم الصغيرة الى المدينة الكبيرة المزدحمة، نبيلة لم تكن فتاة جميلة وحسب، بل كانت فاتنة جاذبة للأنظار لها أينما تكون، في بداية زواجهم كانت الحياة على أسعد ما يكون، مرتب الوظيفة الحكومية كان اكثر من كافي للزوج الذي كان يصرف على زوجته الجميلة الصغيرة ببزخ كي يدللها بكل ما تشتهي به نفسها، متنعمًا بالسعادة معها فقد كان يعشقها بكل جوارحه، وهي أيضًا كانت ترى فيه مثال للرجل الحقيقي وزوج تحلم به كل الفتيات، ولكن مع الوقت لا شئ يدوم، والمال الذي كان أكثر من كافي في البداية اصبح بالكاد يكفي مع انجاب الأولاد ومصروفاتهم المستمرة وغلاء المعيشة، زادت الهموم وزادت الشكوى المستمرة لقلة المال وضيق الحال ومع مرور السنوات رويدًا رويدًا أصبحت الحياة لا تحتمل،.

لم يدخر صابر جهدًا في المحاولة على قدر أمكانياته القليلة بالعمل بوظيفة أخرى بجوار وظيفته، لكسب رضاء الزوجة الساخطة دومًا، ومع ذلك لم يفلح، وكانت الضربة القاسمة حينما حملت خطأ كما تسميه بطفلها الاَخير، الذي رفضته حانقة في البداية ولكن مع صبر الزوج عليها ووعد ابنتها الكبرى كاميليا والتي كانت في هذا الوقت تدرس في الجامعة لمساعدتها في تربيته، تقبلته على مضض، ليزداد بمجيئه الاعباء والمصروفات، ويزداد سخطها لأضعاف، حتى جاء هذا اليوم حينما حضرت فرح لإحدى قريباتها في بلدتهم، والتقت بابن عمها المغترب منذ سنوات في آحدى دول الخليج والذي كان حلمها وهي فتاة صغيرة بوسامته ورجولته، ليعود جامعًا ثروة لا بأس بها من المال، انبهر بجمالها وشبابها، ف نبيلة ف هذا الوقت كانت بالكاد تخطت الثامنة والثلاثون، وضعها برأسه الرجل ليسوق عليها افراد من عائلتها لإقناعها بالزواج به، وترك الزوج الفقير وأولاده، في البداية كان الرفض قاطعًا ولكن مع الإغراءات المستمرة وضيق حالها مع زوجها، استسلمت في النهاية، لتتختار المال والزوج الوسيم وتتخلى عن عائلتها الصغيرة حتى طفلها ذو العام الواحد.

- سابت ميدو على سنة واحدة؟ طب ازاي والدك قبل يطقله أصلًا؟
سألها طارق مذهولا بوجه متأثر، وردت هي بجمود متحاشية شعور الخزي الذي يكتنفها مع ذكر القصة: - الست لما تقرر تنفصل عن زوجها بتعرف كويس ازاي تخرجه عن شعوره وينطق بكلمة النهاية، وقصة الراجل ده عرفناها لما اتجوزت تاني يوم بعد انتهاء عدتها.

ظل على صمته يعطيها الفرصة لتتابع باسترسالها: - على فكرة انا روحتلها بيتها بعد ما اتجوزت، كنت عيلة صغيرة بقى وفهمي على قدي، وشوفت جوزها، الراجل كان أكبر من ابويا بعشر سنين ومع ذلك كان شكله أصغر بكتير، في الأول عذرت والدتي لما شوفت الفرق الهائل في عيشتها برفاهية في فيلا كبيرة وراجل وسيم وعذرت ضعفها، لكن لما كررت الزيارة اكتشفت اخلاقه الزفت وانه بيخونها مع أي واحدة حتى لو خدامة، ولما قولتها، وواجهتها باللي سمعته وشوفته بعيني، سدت ودانها وزعقتلي.

- هو دا اللي خلاكي تقاطعيها بعد كدة؟
اومأت برأسها وهي تخبره نصف الحقيقة، ف السبب الحقيقي كان هو تحرش الرجل بها هي نفسها، حينما رأها اول مرة بمنزله صدفة، واعجب بها لدرجة اظهرت الرغبة في عيناه، ف كاميليا كانت صورة مصغرة من والدتها، تختلف عنها فقط في لون العيون، ف الوالدة تتميز عيناها بلونها شديد الخضرة.
- الله يخرب بيت غبائي، اختار الأم من قبل ما اشوف بنتها؟ اقسم بالله كنت هاغير رأيي،.

قالها بفجر اثار اشمئزازها وهو يقيمها من رأسها لأخمص أقدمها، ثم سلامه الغير مريح ليُبغاتها بقبلة مقرفة على وجنتها مدعي انه في مقام والدها، حتى شعرت بيداها التي امتدت تلامس لاجزاء من جسدها، فركضت شاكية نحو والدتها التي كانت في المطبخ في هذا الوقت، والتي نهرتها غاضبة لتتهمها باختلاق القصة.
- اخلاق الجواري.
تفوهت بها دون تفكير لتجده يسألها قاطبًا حاجبيه: - بتقول ايه ياكاميليا؟

رددت تجيبه بالشرح: - بقولك ان والدتي فضلت تبقى جارية لراجل غني بفلوسه رغم أخلاقه الزفت، على انها تبقى ملكة في بيتها الفقير مع عيلتها اللي بتحبها
ظل على صمته وهو يتطلع إليها بشعور امتزج بين الإشفاق على فتاة تلقت اكبر صدماتها في هذا العمر الصغير والأعجاب الشديد بشجاعتها وتقبلها حمل المسؤلية برعاية اسرتها وشقيقها الطفل الصغير.
- اخيرًا جيتي يازهرة؟

هتف بها خالد وهو يتلقفها من وسط الردهة بعد انتظاره لها على اعصابه لمدة قاربت الساعة، ردت هي بابتسامة مطمئنة وهي تحاول التخفيف من توتره: - ياخالي والله كويسة ماتقلقش،
هتف منفعلًا: - ولما انتِ كويسة وبخير، قافلة تليفونك ليه؟ دا ستك هاتموت من القلق عليكِ.

افتغر فاهاها لتغلقه سريعًا بكفها، متذكرة بأسف تقول: - انا أسفة والله ياخالي، بس النهاردة كان يوم صعب من أوله، دا غير الإجتماعات المهمة اللي قام بيها جاسر وانا كنت بساعده فيها بحكم وظيفتي.
ضيق عيناه ليتطلع بتفحص إليها وكفيه وضعهم على جانبيه خصره ليسأله بدهشة: - انتِ بتكلميني وكأنه يوم عادي في شغلك، طب واللي اتنشر عنك وعنه ومالي النت بقى؟ مش واخدين بالكم منه؟

ابتسمت ساخرة وهي ترد: - مش واخدين بالنا ازاي بس ياخالي؟ دا اترتب على اللي بتقوله مصايب فوق دماغنا، تعالي معايا احكيلك تعالي.
هتفت بجملتها الأخيرة وهي تتناول ذراعه لتسحبها معها للداخل، فاعترض متشبثًا في الأرض: - انتِ هاتاخديني في دوكة، مش تقوليلي الأول، المحروس جوزك سابك وراح فين دلوقتِ؟

ردت وهي تتنهد بيأس: - ياخالي جاسر برا، بيتابع مع فريق الأمن الجديد اللي هايكلفه بتأمين الفيلا، مش بقولك هوليلة كبيرة، تعالي ياعم احكيلك وانت تفهم
بعد وقت ليس بقليل.

انتهى من اصدار الأوامر، وتوزيع المهام، كما اطمئن بنفسه بعد أن قام بجولة تفقدية حول مداخل ومخارج المنزل، ووضع كاميرات المراقبة، كان يصعد درجات السلم الأمامي، بخطوات مثقلة من التعب والارهاق، رأسه على وشك الأنفجار، كل عضله بجسده تأن للراحة، مع القلق المتزايد بداخله، يريد الأستلقاء على سريره، ليغفى ولو قليلًا، حتى يستطيع المواصلة ومجابهة ماهو اَت، تفاجأ بخالد والذي كان خارجًا بصحبة زهرة على مدخل المنزل، اقترب ليحيه بابتسامة مرحبة: - خالد باشا، انت هنا من امتي ياعم؟

رد خالد ممازحًا وهو يصافحه بمرح: - انا هنا من زمان، انت اللي باينك مش عايز تشوفني ولا تقعد معايا؟
استجاب له جاسر يرد بابتسامة عاتبة: - حرام عليك، هو انا كنت اعرف انك موجود اساسًا، على العموم احنا في بيتها، تعالي نقعد ونتساهر كمان.
رد خالد بابتسامة ممتنة رغم مرحه: - لا ياسيدي أجلها لوقت تاني انا يدوبك اروح، دي رقية متحلافالي لو اتأخرت.

ابتسم له جاسر مع محاولات اثناءه عن الذهاب ولكن خالد أصر بعد اطمأنانه على زهرة، وقد سردت له ماقام بفعله جاسر من أجلها، ختم توديعها بقبلة كبيرة على رأسها ليأمرها بالذهاب في أقرب وقت لجدتها لطمئنتها،
وفي الداخل سقط جاسر على أقرب المقاعد التي وجدها أمامه، مغمضًا عيناه بقوة ليفتحها فجأة مجفلًا على قبلتها خفيفة على وجنته، قبل أن تبتعد سريعًا.
سألها مستفسرًا للتأكد: - دي كانت بوسة؟

هزت رأسها نفيًا بابتسامة مستترة، فرفع حاجبه بمكر مردفًا قبل أن يعود لوضعه: - ماشي.
هذه المرة بمجرد اقترابها لتضع قبلتها في الجهة الأخرى، قبض عليها من كتفيها: - قفشتك
قالها لينطلق ضاحكًا معها ليرد لها هداياها بأضغافهم ككل مرة على وجنتيها وجميع وجهها، قبل أن توقفه قائلة بجدية: - استنى بس، اصل انا بصراحة من الصبح مش لاقية فرصة اشكرك بعد اللي عملته معايا، انا بحبك اوي ياجاسر.

مع سماع جملتها الاَخيرة كاد قلبه أن يتوقف من الفرح، سهم يتطلع إليها لحظات دون صوت أو حركة، يكتفي فقط بابتسامة سعيدة وهو يكرر سماعها في أذنه ليتوقف أخيرُا مقتنصًا قبلة عاشقة من شفتيها التي أردفت بالجملة المحببة على قلبه، قبل أن يقطعها فجأه على رنين هاتفه بالصوت المميز لرقم والده، تناوله ليرد سريعًا: - الوو. ايوة ياوالدي، بتقول ايه؟، يعني انتوا خلاص على وصول؟، تمام ترجعوا بالسلامة.

انهى المكالمة وتغيرت ملامحه ليعود لقلقه في انتظار القادم، سألته برقة واضعة راحتها على ساعده بحنان: - عمي عامر راجع من السفر؟
رفع رأسه إليها ليجلى عن عقله الأفكار السيئة في حضورها، فابتسم ليقترب منها قائلًا بمشاكسة؛
- ماتأجلي الأسئلة وخلينا في الكلام المهم، الحلوة بقى كانت بتقول ايه؟
ضحكت ترد بخجل: - ماخلاص بقى ياجاسر، هي شغلانة.

شدد من ضمها يأمرها بحزم محبب لتزيد من ضحكاتها الصاخبة بمرح: - ببلاش غلاسة بقى وقولي.
- هههه لا مش هاقول عشان انت مستغل.

الفصل الرابع والثلاثون من هنا

 

تعليقات



×