رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم أمل نصر
32=رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الثاني والثلاثون
كان لابد له أن يعلم من البداية، هو ليس غبيًا حتى يغفل عن شئ كهذا، واضحٍ كضوء الشمس الفضاح، ليس غبيًا ليبيت ليلته دون أن يحقق في ماحدث، لقد بدأت الحرب ومن جهة غير معلومة على الإطلاق، من وقت أن اخبره الطبيب بنتيجة فحصها ليجمع الأحجية ويربطها ببعضها فيصل الى النتيجة التي هو بصددها الان، وللمرة الثانية تأتيه الضربة من جهة غير متوقعة، وفي المرتين الضربات تصيبها هي قبل أن تصيبه وما أشدها من ضربات.
تململت هي فراشها قبل أن ترفع رأسها لتبحث عنه فوجدته جالساً في جانب من الجناح الكبير على الاَريكة الوحيدة به، أذهلتها الملامح القاتمة والمرتسمة على وجهه بغضب، حواجبه المنعقدة بشدة تنبئ بالسوء عن ما يبدوا شاردًا فيه، جلسته على غير العادة في هذا الوقت الباكر من الصباح، مكان فراشه البارد بجوارها، جعلها تتسائل باستغراب، منذ متى استيقظ؟ أو أنه لم ينم أصلًا؟ - في حاجة يا جاسر؟
تفوهت بها لتقطع شروده، فالتفت إليه رأسها لتتبدل ملامحه على الفور، ليجيبها بابتسامة مشاكسة بصوته الأجش: - طب مش تقولي صباح الخير الأول. ابتسمت بحرج وهي تعتدل بجذعها لتردد إليه الصباح، وكان رده على الفور أن أتى ليجلس بجوراها يرد على صباحها لها بقبلات رقيقة متتالية على وجهها: - صباح الفل، والورد، والياسمين، على أحلى زهرة في حياتي.
زحف الدفء في شراينها لينشر فيضان محبته لها وليُذهب عن عقلها التوتر الذي انتابها منذ قليل، وتابع ليسألها بحنانه: - عاملة ايه النهاردة بقى؟ أجابته بابتسامة مطمئنة: - الحمد لله، النهاردة حاسة نفسي كويسة اوي عن امبارح، مع اني مستغربة أوي اللي حصلي فجأة، بعد ماكنت كويسة. أومأ برأسه ليدفن وجهه سريعًا في تجويف عُنِقها، يتنشق عبيرها بقوة، شعرت هي بتشنج جسده فسألته بحيرة: - هو انا ليه حساك متغير النهاردة.
- لزوموها ايه الأسئلة دي بس يازهرة كدة ع الصبح؟ قالها بصوت مكتوم، جعلها تغير السؤال: - طب هو انا نمت قد ايه بالظبط؟ توقف عما يفعله ليواجه وجهها ويزيح بيده الخصلات المتناثرة على جانبيه، فرد ماطًا بشفتيه: - اممم بصراحة مش فاكر، بس انتِ نمتِ كتير قوي، تطلعت عن قرب لوجهه لتسأله بتوجس: - هو انت فضلت سهران طول الليل جمبي ياجاسر؟
رد متبسمًا لها بحنان: - وايه اللي يخليني اسهر جمبك بس والدكتور نفسه مطمني عليكِ؟ ياستي انا جالي شوية قلق عادي يعني عشان الشغل. ظلت صامتة تراقب تهرب مقلتيه عن مواجهة خاصتيها وبعض الحركات الخفيفة لعضلات وجهه والتي زادت من الشك بداخلها لتسأله بإلحاح: - مش عارفة ليه ياجاسر بدأت اشك انك مخبي عني حاجة.
أهداه ابتسامة رائعة قبل أن يقبلها مرة أخيرة قبلة عميقة على وجنتها لينهض بعد ذلك وهو يرد بلغة غامضة لم تفهمها: - مافيش حاجة بتسخبى دلوقتِ يازهرة، قومي ياللا فوقي عشان تفطري وتلحقي شغلك معايا. قالها وذهب نحو حمام الغرفة، غمغمت في أثره مندهشة تردد: - اروح الشغل معاه! ازاي يعني؟! وفي الجهة الأخرى.
كانت تنظر في شاشة الهاتف وتقرأ المنشور المكرر على عدة صفحات والمرافق بالصور المؤكدة صحة الخبر، واضعة كفها على فمها بجزع، هذا ما كان ينقصها، الايكفي تحقيق جاسر الريان معها ونظراته المرعبة التي كان يلقيها نحوها بالأمس وكأنها المتسببة فيما حدث، حتى أصبحت تغمغم محدثة نفسها: - يالهوي عليا، طب وانا مالي خايفة اوي كدة ليه؟ هو انا اللي كنت صورتهم ولا نشرت الصورة حتى؟، كانت خروجة مهببة، كانت خروجة زفت عليا وعلى سنيني.
- مالك يابت انت بتكلمي نفسك؟ هتفت بها إحسان وهي تلج لداخل الغرفة، رفعت غادة رأسها ترد بهلع: - ما انا لازم اكلم نفسي يامّا، لازم اكلم نفسي، وشكل اللي جاي مش خير أبدًا يامّا، ربنا يستر ربنا يستر نهرتها إحسان غاضبة: - بطلي تندبي زي غراب البين كدة وفهميني فيه ايه؟
ناولتها غادة الهاتف بصمت لتنظر فيه وتفهم وحدها، قرأت قليلًا في الخبر قبل أن تسألها باستغراب غير مبالية بالخبر نفسه: - وانت إيه دخلك بقى بالهليلة دي كلها؟ عشان تندبي وتعمليها مناحة؟ تلعثمت قليلًا قبل أن تجيبها بقلق - ممما انا كنت معاها امبارح في المطعم لما أغمى عليها، وانا اللي اتصلت بيه عشان يتصرف، يعني لو ماكنتش اتصلت بيه انا مكنش حصل دا كله.
ضيقت عيناها بتفكير إحسان قبل أن تقبض على رسغها هادرة بتهديد: - انتِ كنتِ قاصدة يابت؟ صاحت صارخة: - والله يامّا ماكنت اقصد، انا اتصرفت كدة من خوفي، لما شوفتها مسخسخة قدامي، هو بقى اللي مقدرش على تعب الغندورة وجه يشيلها بنفسه، انا مالي انا؟ ماكان بعت السواق أو حد يجي ياخدها بداله.
زادت إحسان من ضغط كفها الغليظة على يد غادة لتؤلمها أكثر وهو تعاود السؤال: - ولما انتِ واثفة في نفسك كدة؟ بتكشي في هدومك ليه منه؟ صرخت غادة بألم وهي تجيبها: - بكش في هدومي، عشان نظرته ليا امبارح مكنتش مطمناني، الراجل كان بيزغورلي بعيونه، ونشف ريقي بأسئلته الكتيرة.
دفعتها إحسان للخلف ترد بضيق: - ومدام متأكدة وواثقة في نفسك خايفة ليه؟ دا انت تروحي الشغل وتروحيلها بيتها عنده كمان، اللي على راسه بطحة هو اللي يحسس عليها ياعنيا. خرج من حمامه ليجدها أمامه ارتدت ملابسها وتنهي حجابها أمام المرأة، خاطبت انعكاس وجهه أمامها: - اتأخرت ليه في حمامك مش عوايدك؟ رد عليها مبتسمًا بشحوب: - وانتِ كمان مش عوايدك تخلصي لبس بسرعة كدة؟
استدارت إليه بابتسامتها الرائعة لترد بمرح: - واديني عملتها ياسيدي، عشان تعرف ان مراتك مابتحبش الرقاد ولا العيا، وعشان كمان عندي ملفات عايزة اجهزها بسرعة لمديري الراجل الصعب اللي قولتلك عليه قبل كدة.
اتسعت ابتسامته قليلًا يجاريها في مزحتها وقد تأكد من ظنه، زهرة لم تدري بعد بما نشر وما يتناقل على الهواتف عن خبر زواجهم وما حدث أمس حتى أصبح ترند على وسائل التواصل الإجتماعي عنها وعن أبيها ونسبه بهم، فكيف له أن يخبرها ويُطفى شمس ابتسامتها المشرقة، فهذا كثير وفوق قدرة تحملها وتحمله، قطع شروده صوت الهاتف والذي أشارت إليه زهرة بضيق: - ماتشوف تليفونك دا ياعم اللي ما بطلش رن من الصبح وفلق دماغي.
- طب استنيني عشان نمشي مع بعض. قالها وتوجه ليتناول الهاتف من فوق الكمود، غافلًا عن غمغمتها من خلفه: - لتاني مرة بيقولي نمشي مع بعض، هو ناسي ان كل واحد ليه عربيته ولا إيه؟ قالتها وذهبت لتتناول شطيرة صغيرة لفطارها وترتشف فنجانها اليومي القهوة باللبن كما تحب،.
في الوقت الذي كان هو يرد فيه على المتصلين من شركاءه في المجموعة ليطمئنهم بردود مقتضبة حتى لا تفهم هي ما يرمي إليه، وعيناه تتنقل حولها كل دقيقة حتى أتاه الإتصال المنتظر، رمقها بنظرة خاطفة يقول سريعًا قبل أن يتوجه نحو الشرفة: - هاخلص اتصالي وراجعلك.
تطلعت في أثره مندهشة من تكرار جملته لها، حاولت الأنتظار قليلًا ولكن حينما تأخر في جداله بالشرفة، ومع نظرة لساعتها شهقت قائلة: - بالهوي دا انا اتأخرت جدًا على ميعادي، لا بقى خلص مع نفسك، انا يدوبك اللحق الشغل المتأخر عليا.
غمغمت بعبارتها الاخيرة سريعًا وهي تتناول حقيبتها لتغادر دون أن تنتظره لتتخذ السيارة المخصصة لها بسائقها وتذهب لعملها، أما هو فكان على صفيح ساخن وهو يخاطب محدثه في الهاتف: - انا فتحت المكالمة على أن المتصل والدك، مش انتِ يامدام. وصله صوتها بصراخ: - طبعًا مش عايز ترد عليا، وانت ليك عين تحطها في عيني أساسًا بعد ما بقيت ترند انت واللمامة بنت تاجر المخدرات.
ضم قبضته بقوة ليرد عليها جازًا على أسنانه، يحاول كبح جماح شياطينه مع هذه المستفزة: - كلمة تاني عنها ياميري، وهاتشوفي وش عمرك ماشوفتيه. - انت كمان بتدافع عنها... قطع صرختها والدها الذي تناول منها الهاتف ليحدثه قائلًا: - جاسر يا ريان. - نعم ياسيادة الوزير. هتف بها بنفس القوة، ليأتيه رد الرجل الحاسم: - عايزك تيجي الفيلا حالًا وتقابلني، ولاحضرتك متردد ما تيجي؟
استفزته كلمات الرجل فقال حازمًا: - مش انا سيادتك اللي اتردد في أي موضوع يخصني، وانت عارف كدة كويس ياسيادة الوزير فهمي حيدر. - تمام يبقى تيجي حالًا في ظرف ربع ساعة، عشان انت عارف مشاغلي قالها فهمي واغلق المكالمة على الفور، زفر جاسر بعنف قبل أن يعاود الرجوع لجناحه، ليفاجأ بذهابها دون انتظاره، رفع رأسه للسماء يتنهد بيأس، يرجوا أن تكون على قدر ما يحدث.
خرجت من سيارتها لتعدو بخطواتها بنشاط وحيوية نحو الدلوف الى الشركة، لتفاجأ بنظرات الجميع المصوبة نحوها بشكل ملاحظ، شعرت ببعض الأرتباك وهي تتسائل ان كان هناك شئ ما يعيب ملبسها وما ترتديه، ولكنها نفضت الفكرة لتكمل طريقها وهي تظن انها تتوهم، ولكن شكها بدأ يتزايد وهي تسمع الهمهات خلفها من بعض الموظفات والموظفين وهي واقفة في انتظار المصعد العمومي للشركة: - ودي ليها عين تيجي النهاردة بعد اللي اتعرف؟ لا وواقفة تنتظر الاَنساسير مع الموظفين الغلابة، تمثيل يابنتي، كهينة أوي وعاملة فيها بريئة، اموت واعرف هي عرفت توقعه ازاي؟ دي وقعة سودة وهاتنزل بيه لسابع أرض، دا كفاية سيرة ابوها اللي مشرف في السجن بتهمة المخدرات.
هنا وضحت الصورة كاملة، وتأكدت مما ظنته في البداية تخمين، تسحبت بخطواتها مطرقة رأسها بخزي، متجهة نحو الدرج لتصعده على أقدامها بديلا للمصعد، تريد الإختباء، تريد العودة لمنزلها الاَمن مع جدتها وخالها، تريد الأختفاء عن أعين الجميع وعن سماع مايؤذيها منهم، تريد أن تتلاشى نهائيًا.
ولج لداخل القصر المهيب بعد اختراقه لصف الحرس الأشداء والمنتشرين بكثافة خارجًا، ليتقدم بصحبة مدير مكتب الرجل والذي قابله بابتسامة دبلوماسية بطبيعة عمله، تلقفته ميريهان من وسط القصر وهي تهتف بعدم مراعاة لمكانته أو حتى لمظهرها ومظهره أمام العاملين بالقصر: - أهلًا أهلًا بالعريس، نورت ياباشا، ماجيبتش ليه العروسة نتعرف بيها، ولا نتعرف بيها ليه؟ ما احنا عرفناها خلاص، ومصر كلها عرفتها وعرفة نسب الباشا اللي يشرف.
تنحنح الرجل بحرج معتذرًا ليتركهم، فتقدم جاسر ليجلس على أقرب مقعد وجده أمامه، يتطلع إليها ببرود وهي تصرخ حانقة منه: - ماترد ياجاسر باشا ولا القطة كلت لسانك، ولا مش لاقي رد بعد ما سمعتك بقت ترند في العالم كله؟ مال بجلسته إليها مستمرًا في بروده صامتًا عن الرد عليها لدرجة كادت أن تصيبها بالشلل من فرط غيظها، حتى قاطع صرختها والدها الذي خرج من غرفة مكتبه ليهدر مستنكرًا: - كفاية ياميري وارجعي على أؤضتك.
خرج جاسر عن صمته ليرد على الرجل: - وكفاية ليه يا سيادة الوزير؟ ماتسيبها تخرج طاقة الكبت والقهر اللي جواها، بدل ماتطق ولا يحصلها حاجة عادت للصراخ موجهه الخطاب لوالدها: - شايف ياوالدي بجاحته وقلة أدبه. نهض جاسر احترامًا للرجل الذي اقترب منه ليشاركه الجلسة؟ - واخد بالك ياسيادة الوزير، انا للاَن ملتزم بسياسة ضبط النفس، ومش عايز أرد عليها احترامًا لسيادتكم.
فغرت فاهاها واشتعلت عيناها ذات العدسات الزيتونية، فكان الرد من الرجل الذي قال مباشرة بدون مواربة: - سؤال وعايز اعرف إجابته حالًا ياجاسر، هي البنت دي حقيقي تبقى مراتك؟ ولا الموضوع حصل فيه لبس؟ والصور دي كمان بتاعتك ولا لأ؟
صمت قليلًا جاسر وعيناه تتنقل بين الرجل وابنته ثم أجابهم بكل ثقة: - دا حقيقي فعلًا، زهرة تبقى مراتي على سنة الله ورسوله، والصور التي اتأخدت من غير علمي ولا رضايا، هي كمان تبقى صورنا.
وقع الخبر عليهم واعترافه المتبجح لهم كان كالصاعقة التي أتت فجأة لتزلزل كيانهم، همت ميري بالاعتراض صارخة كعادتها ولكن توقفت فجأة بأشارة من والدها الذي تولى دفة الحديث أمام جاسر مشددًا على أحرف الكلمات: - إنت واعي للي انت بتقوله دا؟ ولا داري بعواقب اعترافك ليا أنا بالذات بأنك اتجوزت على بنتي، واحدة سكرتيرة لاتسوى وكمان بنت تاجر مخدرات؟
- أولًا حضرتك أنا مسمحلكش تعيب في مراتي، ثانيا بقى أنا بأكدلك إني واعي لكل كلمة قولتها. قالها جاسر برباطة جأش يحسد عليها، وكان رد فهمي بكل هدوء: - حلو أوي ياجاسر فتحة الصدر دي، ارجوا شجاعتك بقى تنفعك لما اخرب بيتك وامسح الأسم اللي بناه والدك من سنين بعد فضيحتك ما ملت الدنيا.
صمت قليلًا الرجل قبل أن يستطرد: - ياأما ترجع لعقلك دلوقتِ حالاً وتكدب الخبر بعد ما تطلق البنت دي ونبدل الموضوع برجوعك لميري بكام صورة حلوين، وكأن شيئًا لم يكن، دا لو انت عايز تنقذ المجموعة.
التمعت عيناها ميري بتشفى واضح أما جاسر فتلقى الكلمات بابتسامة جانبية ساخرة ليرد: - سيادتك أخدت بالك دلوقتي من الفضايح؟ وبنتك اللي مقضاياها سهر وشرب وحاجات تانية، دا مأثرش معاك؟ طيب أجيبلك انا من الاخر عشان تبقى على نور، مراتي مش هاطلقها، وان كان على المجموعة فاانا كفيل لإنقاذها أما بقى بخصوص حصتك، فانت تقدر تسحبها وبكل سرور مني لكن.
لوح بسبابته يتابع: - لكن انك تحاول تلعب معايا وتضرب من تحت الحزام، فانا سيادتك كمان هارد بفايل كبير لصور بنت الحسب والنسب بنتك وهي بتشرب وبترقص وبتدخل شقة صاحبها العازب في عمارة في قلب مصر الجديدة. قال الاَخيرة بمغزى لميري التي هبت منتفضة تعترض: - وافرض بروح لصديقي شقته، انت إيه دخلك ماانت هاجرني بقالك اكتر من سنة؟
لم يتمالك نفسه وضحك بدون صوت، أما فهمي فقد هدر على ابنته يسكتها غاضبًا: - اخرسي ياميري تابع جاسر: - شوف حضرتك انا بقيت ترند زي ما انت شايف يعني حكاية تانية على حكايتي مش هاتفرق، لكن سيادتك هتقدر تتحمل ولا الوزارة نفسها هاتتحمل على سمعتك؟ خبط فهمي بكف يده على ذراع المقعد بعنف لينهي الجلسة مع جاسر الذي أفقده اتزانه قائلًا بحسم: - ميعادنا في اجتماع الجمعية العمومية للمجموعة وانتهى. - تمام سيادتك.
تمتم بها ناهضًا ليُغادر وما أن استدار خطوتين حتى التف لميريهان قائلًا بأسف: - معلش ياميري، هاعفيكِ من الحرج انا واقولهالك بنفسي، انتِ طالق. قالها والتف يكمل طريقه غير عابئًا بصراخها من خلفه ولا بغضب فهمي وتوعده بالرد بضحكات متشفية سعيدة كانت تقرأ في كلمات المنشور وتنظر للصور بتمعن وهي تخاطب محدثها في الهاتف: - حلو اوي يافاضل الشغل ده، بصراحة فاجأتني.
اتاها صوت الاَخر بتفاخر: - عشان تعرفي بس إني صحفي مش هين، الخبر بقى ترند في ظرف نص ساعة وكل الصفحات والمواقع بقت تنقل من صحيفة العبدلله، صاحبك اسهمه بقت تعلى يا فيفي.
صدرت منها ضحكة ذات صوت عالي قبل أن ترد: - ياللا ياسيدي عد الجمايل، المهم بقى اني بجد سعيدة، ماكنتش اتخيل إن الزخم ده كله يحصل من نشر كام صورة صغيرين في المطعم المشهور ده، قال وانا اللي فكرت ان المشهد دا يحصل في الشركة لما الأنساسير يعطل ولا يقع بيها. هتف الرجل من محله: - يخرب عقلك، هو انتِ بجد فكرتي في كدة، لا دا انتِ بقيتي شريرة أوي يافيفي.
رددت خلفه بتأكيد: - أوي أوي يافاضل، انت لسة أساسًا معرفتش امكانياتي ياحبيبي. - الحيوانات الأغبية، هي حصلت يشنعوا على أبني. هتفت بها لمياء وهي جالسة بجوار زوجها في المشفى وهي تتفقد بعض المواقع المصرية على هاتفها، أجفلت عامر ليسألها بدهشة: - مين هما الحيوانات يا لميا؟ ومالهم ومال ابنك؟
اقتربت تناوله الهاتف ليرى ماتقصده، وتابعت هي غاضبة: - هي حصلت يا عامر؟ يطلعوا إشاعات على أبني أنا؟ هما مش عارفين جاسر الريان يبقى مين؟ ولا وضعه إيه في البلد، ولا مراته تبقى بنت مين؟
عقد حاجبيه عامر بشدة واطبق شفتيه ينظر في الهاتف بصمت، واستطردت هي: - انت لازم تتصرف ياعامر وتعمل اتصالاتك تشوف إيه الحكاية دي؟ ومين البنت دي كمان اللي زقينها عليه، انا متأكدة ان الصور اكيد تركيب، ماتنطق ياعامر، هو انت ساكت ليه؟ وسايبني اتفلق مع نفسي، مش واخد بالك ولا مش مركز في اللي بقوله ولا إيه؟
التفت رأسه يتطلع إليها لعدة لحظات، تترقب هي فيها رد فعله، ثم مالبث ان يفاجأها لينهض من جوارها قائلًا باقتضاب: - انا هاروح اخلص ورق المستشفى واحجز تذكرتين عشان نسافر، احنا نازلين مصر حاليا. نهضت هي الأخرى لتتبعه سائلة بدهشة: - ونسافر ليه ونقطع رحلة العلاج؟ وانت ممكن باتصال واحد تحل كل حاجة، هو فيه إيه بالظبط ياعامر؟
عاد الى مقر شركته بصحبة كارم الذي كان يصف له شفهيًا وضع المجموعة وأسهمها التي هبطت بشدة في البورصة، وماترتب على ذلك من وقف لبعض الصفقات نتيجة لحالة عدم الاستقرار، مع اقتراح بعض الحلول السريعة والتي سيتم دراستها الاَن في مكتب الرئيس، والذي فتحه جاسر ورأسه ملتفة للخلف نحو مكتبها الفارغ يتسائل باستغراب عنها: - هي زهرة مش موجودة على مكتبها ليه؟
أجابه كارم منشغلًا بالنظر في هاتف يده على أسهم الشركة: - انا عرفت انها حضرت النهاردة. - على أساس اننا مش على علم بحضورها يعني ياعم كار... أردف بها جاسر قبل أن يقطع كلمته وقد هاله مايراه، انتبه كارم ليرفع رأسه، فتفاجأ هو الاَخر، وهي يرى زهرة على ألاَريكة الجانبية في المكتب، متكومة على نفسها كطفلة صغيرة فاقدة أبويها.
تحمحم كارم ليتسئذن شاعرًا بالحرج وهو يتطلع الى رئيسيه الذي تسمر محله أمامها: - اا طب انا هاستنى برا على ماتندهني. اومأ له برأسه وراقب انصرافه قبل أن يقترب ليجلس بجوارها بقلبٍ ملتاع يسألها: - إيه اللي حصل؟ رفعت عيناها التي ذبلت من البكاء قائلة برجاء: - عايزة امشي ياجاسر، عايز اروح عند جدتي. ضيق عينيه يسألها بلهجة خطرة: - هو انتِ في حد هنا ضايقك؟
هزت رأسها تكرر بإلحاح: - ياجاسر بقولك عايزة امشي، احنا ماكنش لينا الجوازة دي من الأول، كل اللي بيتقال من الناس ليها حق فيه، انت نجمة في السما عالية، وانا بنت... - إياكِ تكملي يازهرة قالها بمقاطعة حادة ليتابع: - انا اتجوزتك انت بس، وماليش دعوة بأي حد تاتي، وعلى العموم انا كدة فهمت لوحدي. - فهمت ايه؟
سألت بدهشة، أما هو فانشغل عنها ليتناول هاتفه ليهاتف أحدهم، وفور أن اتاه الرد اصدر أمره بحزم: - اسمع ياكارم، جمعلي كل فرد في الشركة من أكبر موظف لاصغرهم، في ظرف دقايق ياكارم. انهى مكالمته سريعًا ليجدها تسأله باسستفسار: - هو انت بتجمع الموظفين ليه؟ تجاهل الإجابة ليمسك كفها ويسحبها قائلًا: - تعالي معايا الأول. نزعت يده لتتشبث بالأرض معترضة: - مش هاتحرك في أي حتة غير لما تفهمني الأول.
تنهد رافعًا عيناه للسماء قبل يقترب منها ليرد وهو يحاوط وجهها براحتيه: - هاخدك ياستي ع الحمام تغسلي وشك وتطبطي نفسك كدة، و لما نخرج للموظفين تبقى راسك مرفوعة وظهرك مفرود بعظمة. ضيقت عيناها بتساؤل قائلة: - ليه يعني؟ - انت لسة هاتسألي يازهرة، تعالي بقى مافيش وقت. قالها ليتجه بها فورًا نحو المذكور.
ضغط على جرس المنزل ولم ينتظر كثيرًا حتى فتح له الصغير الباب بابتسامته الرائعة وغمازتيه التي تخطف لب قلبه دائمًا، ليهتف له مهللًا بمرح: - عمو طارق. - قلب عمو طارق انت. اردف بها وهو يقبله على وجنتيه بسعادة ظاهرة، قبل أن يسأله هامسًا: - عاملة ايه بقى أبلة كاميليا؟ كويسة النهاردة؟ رد ميدو بهمس هو الاَخر مقربًا رأسه وكأنه يفشي له سرًا: كويسة وعال العال، دي حتى كمان لبست وهاتخرج دلوقت.
استقام بجسده يسألها قاطبًا بدهشة: - هاتخرج ازاي يعني؟ وهاتروح فين؟ قالها قبل أن تلتف رأسه على صوتها القريب: - أهلًا طارق انت وصلت؟ تطلع الى ما ترتديه من ملابس تصلح للخروج ليكرر سؤاله لها: - انت رايحة فين ياكاميليا؟ وازاي هاتخرجي برجلك دي؟
تقدمت تتعكز على عاكازها بخطوات بطيبئة عرجاء لتجيبه بوجه متجمد: - عندي مشوار مهم ولازم اعمله دلوقتى ضروري، اوقفها قبل ان تصل للباب هاتفًا بغضب: - مشوار ايه اللي هاتروحيه بحالتك دي؟ هو في إيه ياكاميليا؟ اجابته قائلة بحدة: - زهرة اتصلت بيا معيطة وانا لازم اروح اشوفها حالاً. بعد قليل.
وبعد أن اصرت على الخروج فاأصر هو الاَخر على توصيلها بسيارته، كانت تتحدث معه بقلق وهي جالسة بجواره في الأمام: - انا كنت عارفة من الأول انها رقيقة ومش هاتتحمل العالم الغريب دي عليها، زهرة دنيتها كلها كانت مختصرة في خالها وستها، فجأة تلاقي نفسها في مجتمع ما بيرحمش، هي مش قد الضغط دا كله انا عارفاها. التف اليها يخاطبها برقة: - واضح انك بتحبيها اوي.
ردت كاميليا وعيناها تتطلع اليه عن قرب: - انا فعلًا بحبها اوي، بس خايفة عليها أكتر، عشان الجوازة دي ماكنت راضية عنها من الأول، دي عالم مابترحمش ومشاعر البشر عندهم اَخر شئ يفكروا فيه، بس بحلف وديني، لو جاسر الريان مدافعش او اتخلى عنها لكون واقفالوا ان شالله اترفد من شغلي حتى.
صمت طارق ولم يسعفه قلبه على الرد فعيناه والتي كان يحيدها بصعوبة ليلتفت للطريق، تعلقت بهذه المرأة المذهلة والتي مازالت تدهشه قوتها وشجاعتها رغم هذه الحزن الذي يغلف قسماتها وهي تتحدث وكأن الموضوع يمسها هي شخصيًا، هي لغز ولن يهنأ له بال حتى يجد شفرة لحله.
في الردهة الفسيحة وقد اتى الجميع لتلبية لدعوة رئيسهم في العمل، خرج بها أمامهم بعد ان ذهب عن وجهها بعض الذبول، تجاهد لتنفيذ نصائحه برفع عيناها في وجوه الجميع دون خوف أو خزي في حضرته، استمر في سحبها من كف يدها حتى توقف أمامهم في الوسط ليصيح فجأة بصوت جهوري يصل إلى لأبعد فرد في الردهة: - أكيد طبعًا سمعتوا ولا قريتوا اللي انكتب عني وعن زهرة في السوشيال ميديا.
صدرت الهمهمات والأصوات المغمغمة من بعضهم قبل أن يوقفها هو بصيحة قوية: - مش عايز اسمع أي صوت عشان تسمعوا اللي جاي دا مني كويس قوي وتفهموه.
خيم الصمت بعد كلماته القوية ليتابع: - انا دلوقت بعلن اهو قدامكم، ان الخبر دا حقيقي، يعني من الساعة دي، أي حد هايحاول يضايق زهرة هانم مراتي، بكلمة حتى لو مش مقصود، انا هاعرف ارد حقها كويس قوي، الأمر دا انا معنديش تساهل فيه، يعني لو حصلت اشغل الكاميرات على أي فرد فيكم عشان اتابع بنفسي، هاعملها واللي معترض على القرار ده، يتفضل يلم حاجته من دلوقت وعلى برا الشركة حالًا.
صدر من بينهم صوت مرفت باعتراض: - ايه الكلام دا حضرتك، ازاي يعني تشغل كاميرات وتراقب واللي يغلط بكلمة حتى لو مش مقصودة ترفده على طول، دا يبقى اسمه تعسف. أجابها بنظرة مستخفة: - اعتبريه زي ما تحبي تعتربيه، بس وفري اعتراضك بقى، للجمعية العمومية للمجموعة يااا مدام مرفت.
|