رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد والثلاثون31 بقلم سهام صادق

 رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد والثلاثون بقلم سهام صادق



سقطت أمامه كورقة خريف ذابلة  لينتفض قلبه رُعبًا عليها وقد غادرت الدماء وجهه وارتجفت أطرافه كحال شفتيه التي عجزت عن النطق للحظة. 
_ ليلى.
نطق اسمها بفزع وهو يجثو على ركبتيه جوارها، رفع جسدها ليسندها على ذراعه حتى تفيق وسرعان ما كان ينتبه على حرارة جسدها
نظر حوله؛ ثم حملها بين ذراعيه والهلع يحتل ملامحه. لا يعرف كيف ادخلها بالسيارة ولا كيف قادها نحو أقرب مشفى. سطحها على الفراش بالمشفى؛ ثم تراجع بضعة خطوات بعدما أتت طبيبة طوارئ وراءه
_ هي كانت بتشكي من حاجة؟.
كان "عزيز" مازال في حالة صدمة واخذ يهز رأسه لها بأنه لا يعلم شيء
أخذت الطبيبة تقوم باللازم فبدأت "ليلى" تستعيد وعيها شيئًا فشيء. بدت اللهفة في عينيه وهو يراها تفتح عينيها
_ حرارتها مرتفعة جدا، إذاي تسيبوها في الحالة ديه لحد ما حصل لها إغماء؟.
تساءلت الطبيبة؛ ثم زفرت أنفاسها بقوة لتواصل عمل اللازم لم تُجيب عن سؤاله عندما سألها إذا كانت بخير ليخفض عيناه أرضًا وسرعان ما كان يتذكر ما تغافل عنه، عليه إخبار عمها
تحرك من الغرفة، لكنه وقف مكانه عندما أستمع لآنينها الخافت وحديث الطبيبة للممرضة المرافقة لها بإحضار محلول وريدي. أغلق عينيه بقوة فهو لا يتحمل سماع آنينها ما فعله بها بالتأكيد أوصلها لتلك الحالة، غادر الغرفة هاربًا يستند على الجدار الذي ورائه وطأطأ رأسه
_ عزيز بيه في حاجة محتاجها مني؟.
هتف بها عزيز "العم" فور أن أجاب على مكالمة رب عمله
_ ليلى في المستشفى يا عزيز.
تحرك عزيز عائدًا إلى الغرفة دون تفكير، لكن عندما وجدها ممددة على الفراش والطبيبة تتحدث معها لتتأكد من إفاقتها انتبه للتو على وضعه. الا يكفي كل ما اباحت له نفسه. خروج الطبيبة من الغرفة جعله يفيق من الحالة التي هو عليها الأن ونظر لها وتساءل بقلق
_ طمنيني عليها يا دكتورة هي كويسة؟. 
_ متقلقش يا حضرت تخلص المحلول بتاعها وتقدر تمشي وأنا كتبت لها العلاج اللازم اهتموا بس بيها شوية لأن ضغطها كمان كان واطي جدًا. 
اماء برأسه، لكن حديث الطبيبة الأخير أصاب قلبه الذي خفق على الفور من سماع عبارتها
_ تقدر تدخل للمدام تطمن عليها.
معها اختبر مشاعر عده لم يعيشها من قبل رغم زواجه من "سمية"  لم يظن إنه سيعيش تلك المشاعر يومًا
وقف أمام مسكن العم سعيد وعائلته ينظر إليها وهي مستنده على كل من ذراع عمها وعايدة وخلفهم سارت شهد. اقترب منه العم سعيد الذي اطمئن أخيرًا قلبه عند عودتها
_ تعالا يا عزيز بيه اتفضل البيت بيتك.
مدّ عزيز الأدوية التي بيده له بعدما سحب عيناه عنها بصعوبة وقد اختفت عن أنظاره
_ ده العلاج بتاعها يا راجل يا طيب، ياريت تشرب سوائل كتير واغصبوا عليها تأكل. 
التقط العم سعيد منه الأدوية
_ الحمد لله أنك كنت معدي بعربيتك في الوقت اللي وقعت فيه، أنا قولتلها بلاش تروحي الشغل، لكن صممت وقالت أنها كويسة، أنا مش عارف إيه اللي جرالها فجأة من يوم ما روحنا المزرعة!.
اجتاح الألم قلب عزيز عِند ذكر العم سعيد أمر ذهابهم للمزرعة، لو كان يستطيع إخراج تلك التنهيدة المؤلمة لكان حررها أمام مرأى الجميع وطرد معها ما يعيش فيه مؤخرًا من لوعة الحب وتأنيب الضمير. ربت عزيز على كتف العم سعيد
_ خلي عزيز ياخد لها أجازه من المصنع، واهتموا بأكلها شوية يا راجل يا طيب.
حاول أن يجعل كلامه لا يُفسر بالخطأ إلى أن يُعلن رغبته بالزواج منها. كاد أن يتحرك عزيز إلا إنه وجد نيرة تتسأل وراءه عن حال ليلى بعدما علمت ما حدث لها
_ مالها ليلى يا عمو، سمعت أنك لقيتها واقعة في الشارع؟!.
تولى العم سعيد أمر الإجابة عنه وأخذ يُخبرها بما أصابها
_ بصراحة من تاني يوم لينا في المزرعة وهي حالها بقى عجيب.
وكأن كان ينقصه المزيد من الوجع عن ذلك اليوم ووجود تلك العروس المقترحة هي وعائلتها
_ البنت وكأن عين وصابتها.
قالها العم سعيد وهو يلطم كفيه ببعضهما، لتبتسم نيرة وتنظر نحو عمها الذي انسحب من بينهم حتى يستطيع الاختلاء بنفسه
_ هي شكلها تعبان اكيد دلوقتي، بكرة الصبح هاجي أطمن عليها يا راجل يا طيب.

تحركت نيرة جوار عزيز ثم تأبطت ذراعه. 
_ تفتكر يا عمو ليلى في حد في حياتها، أنا حاسة أن اللي حصلها بسبب شخص بتحبه. 
توقف عزيز عن السير وارتفعت نبضات قلبه ولولا معرفته بعدم وجود أحد بحياتها لكان ظن....
_ هي حتى اتهربت مني لما سألتها في حد حياتك، ليلى جميلة واكيد ليها معجب ولهان.
حديث ابنة شقيقة جعل صورة ذلك الشاب تطرق رأسه بلا هوادة. توقف عقله لوهلة عن العمل واشتعلت عيناه كالجمر الملتهب عندما صار بغرفته أخذ يتحرك بها كالأمواج الهائجة في ليلة شتوية عاصفة. أغمض عينيه ثم فتحهما ورفع يده يُخللها في خصلات شعره الكثيفة ما يشعر به الأن ما هو إلا هاجس من وجود راجل آخر يفكر فيها
_ هتعملي فيا إيه تاني يا ليلى؟ بقيت مجنون بيكِ.
... 
عاد في ساعة متأخرة من عمله، فاليوم كان يوجد أحدى الرحلات الجوية العالقة في مطار أحد البلدان. سار بإرهاق نحو غرفة صغيرة، لكن عينيه تحركت دون شعور منه نحو باب غرفتها. اطرق رأسه وهو يسترجع تلك الليلة التي رحلت فيها عائلتها بعد زيارتهم لهم وقد اخذت تنقل حاجتها من غرفته  بعدما رثت حالها جوار الأثواب التي مزقتها. اضاع فرحتها تلك الليلة كعروس من أجل عناده مع جده، ما أخبرته به أمس كان حقيقة هو يرفض كل شيء يقدمه شاكر الزيني حتى هي رفضها في لحظة تحدي وعِناد دون التفكير في النتائج الوخيمة التي ستحدث والنتائج ها هو صار يعيش بها، أصبح معذب الضمير، ضائع الفكر، ممزق الروح. مشاعر عدة مختلطة لا يستطيع ترجمتها، تنهد بصوت مسموع ثم فتح باب غرفة صغيرة الذي كان مواربًا. هل من الممكن أن يقف الزمن لوهلة وتنحبس الأنفاس في الصدر؟ 
هي وصغيره يغفيان بجانب بعضهم على الفراش الصغير قريران العين وكل منهم يضم دُمية لحضنه. 
اقترب منهم بخطوات هادئة إلى أن صار جوار الفراش. ابتسامة طفيفة ارتسمت على شفتيه وهو يراهم بمظهر برئ. وجدها تُحاول أن تتقلب في نومتها بالفراش الضيق وقد ظهر على ملامحها الألم بسبب وضعها الغير مريح بالنوم. 
بتردد مال جهتها ثم مدّ يديه حتى يستطيع رفع رأسها لأعلى قليلًا. 
انتفضت من نومتها بفزع تنظر إليه بعدم استيعاب لقربه منها ووجودها هنا. 
ابتعد عنها بعدما رأى فزعتها منه ليتمتم بصوت خرج متقطعًا. 
_ كنتِ منزعجة من نومتك 
استردت وعيها وقد غادر الفزع ملامحها لتنظر جهت الصغير النائم، فهي سقطت في النوم جواره دون شعور منها. 
رفعت شعرها لتعقده في ربطته ونهضت من على الفراش تبحث عن خُفها المنزلي. 
كادت أن تتعثر بسبب ثقل جفنيها ليقترب منها بلهفة. 
_ حاسبي لتقعي 
تعلقت عينيها الناعستين به، فلم يعد عقلها يستطيع ترجمة أي شيء منه كمشاعر. 
أخيرًا استقرت قدميها في خُفها الناعم وتحركت من أمامه. غادر غرفة صغيرة بعدما دثره بالغطاء الخفيف وطبع قبلة فوق رأسه. 
ظنها اتجهت لغرفتها لكن حركتها بالمطبخ نبهته لوجودها. 
وجدها تسكب الماء في الكأس ثم رفعته نحوه شفتيها ترتشف منه القليل. 
انتبهت على وقوفه عندما ملئت كأس الماء مجددًا والتقطته لتتجه نحو غرفتها. 
_ زينب ، أنا موافق على شغلك 
قالها بعدما وجدها تمر من جانبه دون كلمة. 
اتجهت بعينيها نحوه ليبتلع ريقه وهو يستحضر الكلام الذي رتبه. 
_ أنا معنديش مشكله مع شغلك ولا إن يكون ليكِ كيان خاص بيكِ، أنا كل مشكلتي...
_ جدك 
هتفت بها دون انتظار سماع ما تعرفه واصبحت على دراية به. 
توتر قليلًا وهرب بعينيه بعيدًا عنها. 
_ قرار شغلك كان لازم أنا وأنتِ نتكلم في الأول 
_ بصفتك إيه؟ 
الجمته بحديثها الذي كان كالصفعة. 
_ زينب أنا جوزك حتى لو...
ابتسمت وهو تقطع حديثه وتخبره بزواجهم الذي يندرج تحت مسمى واحد. 
_ جواز من أجل المصلحة. أنت تستفاد من خدمتي وأنا استفاد من كرمك 
تركته كحال أمس يقف دون قدرة على الحديث...
.... 
ليلة أخرى قضاها "عزيز" ساهدًا لا يستطيع النوم الذي صار يُجافيه. 
أرخى رأسه للوراء مستندًا على المقعد الجالس عليه ثم أغلق جفنيه بعدما رحم ضجيج أفكاره أخيرًا رأسه.
_ سيد عزيز 
بصوت خافت - مثل طرقتها على باب غرفة مكتبه - قالتها كارولين. فتح عينيه وقد ضاقت حدقتاه في غرابة من وجودها في غرفة مكتبه وتحمل صينية وضعت عليه فنجان قهوة. 
_ احضرت لك القهوة واسبرين لصداع الرأس
اقتربت منه وعلى محياها ارتسم التوتر لتضع القهوة أمامه مسترده.
_ أنت لم تغفو طيلة الليل وعلى ما يبدو أن عقلك مشغول بشيء هام
لم يطيل في أمر ذهوله وصرف عيناه عنها. 
_ شكرًا يا كارولين بس أنا مش محتاج أشرب قهوة دلوقتي، تقدري تروحي ل سيف 
استاءت ملامحها من رفضه الذي فهمته من لكنته. عاد لغلق عينيه لكنها استمرت في وقفتها تنظر إليه بنظرة تعلم إنها لا تنبغي أن تنظر بها إليه وفي داخلها كانت تُردد "هذا الرجل فاتن، لماذا لم يرث سيف من طباعه" 
وسرعان ما كانت تخرج من أفكارها وتتسأل. 
_ هل ليلى بخير؟ 
باغتته بسؤالها الذي جعله يفتح عينيه ويُحدق بها هذه المرة... فما الذي تقصده من سؤالها؟
_ لقد علِمت ما حدث لها وأنت من ذهبت بها للمشفى.. 
لم يتركها عزيز لتكمل كلامها؛ فنهوضه من مقعده جعلها تبتلع بقية كلامها وتتراجع بعدما اتاها شعور بالهلع من نظرته الباردة التي حدجها بها. 
غادر الغرفة تحت انظارها الذاهلة لتزفر أنفاسها بقوة... لا تُصدق أن الذعر أصابها من مجرد نظرة منه. 
... 
كانت في أفضل حال بالصباح وقد التف الجميع حولها، زوجة عمها جوارها تطعمها و "شهد" تجلس على الطرف الأخر من الفراش وتخبرها بالأدوية التي عليها أخذها بعد تناول وجبتها، أما عمها يجلس على الفراش الأخر وينظر إليها ببعض القلق الذي مازال يسيطر عليه والعم سعيد يقف بكأس العصير الطازج يحمله لها منتظرًا أن تنتهي عايدة من إطعامها.
_ والله أنا شبعت خلاص
خرج صوتها بصعوبة بسبب احتقان حلقها.. لتنظر "عايدة" لها ثم للطبق.
_ أنتِ مأكلتيش حتى نص الطبق
قالها عمها؛ فنظرت له بعينين انحبس بهم الدمع وهي تتذكر ذعره عليها ليلة أمس.
_ مش قادرة اكل تاني
_ خلاص يا حببتي
تمتمت بها "عايدة" وناولتها المحرمة الورقية لتمسح شفتيها من بقايا الطعام.
_ طيب يلا اشربي بقى العصير
ابتسمت وهي تتناول كأس العصير من العم سعيد. 
_ هتشربي كله يا لولو
تجرعته بأكمله ونظرت له، فابتسم قائلًا.
_ شاطرة يا لولو
_ أنا دوري بقى جيه عشان أقولك شاطره يا لولو 
ارتفعت ضحكاتهم على عبارة شهد؛ فتناولت ليلى منها حبتين الدواء التي عليها أخذهم. 
_ كده نقول كلنا شاطرة يا لولو 
قالها عمها بمرح حتى يرى ابتسامتها التي انارت بها عالمهم الصغير. 
ارتفع رنين جرس الباب؛ فاسرع العم سعيد ليفتحه. 
_ عزيز بيه!.
هتف بها العم سعيد في دهشة ممزوجة بالفرح لزيارته لهم.

_ صباح الخير يا عم سعيد

قالها عزيز بعدما تمالك حرجه من قدومه لتهتف نيرة من ورائه. 
_ ليلى صاحية ولا نلف ونرجع تاني 
ضحك العم سعيد على مزحتها وابتعد عن الباب قائلًا بسعادة. 
_ يا خبر إزاي اسيبكم واقفين كده على الباب... 

خرجت "عايدة" و "عزيز" من غرفة ليلى بعدما علموا بهوية ضيوفهم هذا الصباح. 
_ ديه ليلى طلعت غالية عندكم أوي 
خرج الكلام من العم سعيد بتلقائية لكنها كانت حقيقة صادقة بالنسبة ل عزيز الذي كان يجلس وفي داخله لهفة وتوق لرؤيتها. 
_ ممكن ادخل أشوفها 
تمتمت بها "نيرة" ثم نهضت من جوار عزيز الذي تعلقت عيناه بها بعدما اتجهت نحو الغرفة التي تعرف طريقها. 
_ طبعا يا ست البنات، ده البيت بيتكم 
هتف بها العم سعيد وهو يتحرك ورائها وقد غزت البهجة ملامحه الطيبة. 
_ أنا  مش عارف اشكرك  على اللي عملته مع بنت أخويا إمبارح إزاي يا عزيز بيه ، جمايلك بقت مغرقاني 
تنحنح عزيز حتى يستطيع إخراج صوته الذي صار متحشرجًا. 
_ جمايل إيه يا عزيز، إحنا أهل. 
_ والله يا عزيز بيه أنت غالي عندنا اوي 
تمتمت بها عايدة التي لم ترى بحياتها رجلًا مثله... لقد خدمت بهذا المنزل لسنوات ولم تشعر يومًا بأنها تعمل لدي هذه العائلة.
كان صوته وهو يتحدث مع عمها يصل لها وقد عاد قلبها الخائن للعهود يخفق إليه.
.... 
في إحدى مقاهي مصر الجديدة، كانت زينب تنتظر قدوم سما. لوحت لها سما بيدها عند دلوفها واقتربت منها تفتح لها ذراعيها بحب. 
_ وحشتيني يا زوزو، مش عارفه ليه بتوحشيني...وكأنك غايبة عني شهور 
ابتسمت زينب وابتعدت عن أحضانها. 
_ مش أنا اللي بوحشك، السينابون اللي أنا بعمله هو اللي بيوحشك 
دفعت زينب نحوها العلبة التي تحتوي على قطع السينابون، لتضحك سما وهو تلتقط العلبة من على الطاولة. 
_ بقى عندي إدمان، أنتِ بتحطيلي في إيه 
رفعت زينب حاجبيها بعبوس مصطنع وهي تمط شفتيها للأمام. 
_ ديه نكهة خاصة بضيفها لأي حاجة بعملها
_ يا سيدي يا سيدي
تمتمت بها سما بعدما خلعت سترتها ووضعتها بجانب حقيبة يدها والحقيبة الأخرى التي معها ثم اردفت بعدما فتحت العلبة. 
_ أنا زايدة كيلو الأيام ديه. بعد المعركة مع سينابون زوزو المميز... رجيم قاسي هعمله وهزود عدد أيام التمرين 
انفلتت ضحكة رقيقة من شفتي زينب بعدما بدأت سما تلتهم اول قطعة. 
_ يا بختك يا زوزو بتاكلي ومش بتتخني...
وبخبث واصلت سما حديثها.
_ الكابتن محظوظ بالعود الفرنسي 
اختفت ابتسامة زينب كما اختفى مرح سما عندما تذكرت سبب لقائهم اليوم فور عودتها من رحلتها. 
_ شوفي اه الكلام عن السينابون نساني اهم سبب لمقابلتنا النهاردة... 
هربت زينب بعينيها بعيدًا عنها وتظاهرت بأنشغالها بأرتشاف كأس العصير خاصتها. ضاقت حدقتاي سما من هروب ابنة عمها وحركت مقعدها لتلصقه بمقعدها وتركت قطعة السينابون من يدها. 
_ بتخبي عينك عني ليه يا زينب... الموضوع شكله كبير 
شهقة مصدومة خرجت من شفتي سما فجأة وتساءلت. 
_ أنتوا عايشين مع بعض زي الأخوات من ساعت ما اتجوزتوا، طيب ليه... هو عنده ولد يعني معندهوش مشكله تمنع... وأنتِ كنتِ فرحانه واشترينا حاجات كتير خاصة بالعرايس.. في إيه بقى ؟ 
رمشت زينب بأهدابها بعدما اطرقت رأسها وقبضت على يديها بقوة أسفل الطاولة حتى تتمكن من صياغة كذبتها... فليست المرة الأولى التي تكذب بها حتى تُداري خيبتها عن أعين الجميع. 
_ اتفقنا كل واحد يدي التاني فرصة عشان نفهم بعض 
_ نعم؟؟ 
خرج صوت سما في صياح وإستنكار وسرعان ما أدركت وجودها بمكان عام. 
_ خطوبتنا جات سريعة وإحنا محتاجين لده حاليًا
_ ده إستهبال، انتوا داخلين على شهر ونص متجوزين... معقول مع بعض في نفس الشقة ونفس الأوضة وملمسكيش
امتقعت ملامح سما وزفرت أنفاسها بقوة من ذلك القرار الأحمق الذي تُخبرها به زينب. 
_ في ناس بتعمل كده يا سما، خصوصًا لو جوازهم جيه بسرعه
_ جية بسرعة اه لكن إيه اللي يمنع تبدئوا حياتكم الطبيعية كزوج و زوجة هو إحنا بنتجوز ليه 
قالتها سما بحدة لعدم إقتناعها ثم اطلقت زفيرًا يحمل استيائها ورفعت يدها لتمررها على خصلات شعرها. 
استمرت زينب بالضغط على كفيها بقوة حتى تكبت دموعها التي في لحظة ستخونها وتفيض على خديها. 
_ مش عارفة ليه مش مقتنعه بكلامك وحاسة إن في حاجة مش مظبوطة... يعني معاملته ليكِ قدامنا خاصة يوم زيارتنا الكل بيحسدك عليه وباين من نظرة عيونه ليكِ إنه طاير بيكِ ومبسوط ما أنتِ يا زوزو مش ناقصك حاجة 
انغرز نصل آخر داخل قلبها الذي لم يعد به مكان ليتحمل طعنة أخرى لكنها اعتادت أن تتظاهر بالرضى وقلبها ينزف وعلى وسادتها ليلًا تتمكن من مداواة قلبها. 
_ يا سما مافيش حاجة غريبة في الموضوع وأصلًا حياتنا ماشية طبيعيه 
_ ماشية طبيعية إزاي قوليلي، في عروسه متلبسش حتى قميص نوم واحد ... زينب جدو لو عرف الكلام هيشك في أمور تانيه بينك وبين صالح 
توترت زينب من ذِكر اسم جدها، فصمتها من أجله حتى لا تنكشف حقيقة هذا الزواج الذي خطط له صديقه وتسوء حالته. 
_ سما جدو مينفعش يعرف بالكلام ده
_ وتفتكري طنط لبنى و ماما هيسكتوا... وخصوصا طنط لبنى هتموت بغيظها هي و عمو هشام بسبب جوازك من صالح الزيني 
ضحكت زينب داخلها ساخرة، ليت الاختيار وقع على ابنة عمها المستشارة "أشرقت" . 
_ يا سما متكبريش الموضوع 
تنهدت سما بسأم من نظرة ابنة عمها للأمر ببساطة. 
_ الموضوع كبير يا زينب ولو انكشف كل اللوم هيتحط عليكِ أنتِ. قوليلي أنتِ ناقصك إيه عشان متبهريش أي راجل، عيلة وأصل وتعليم وجمال 
ارادت زينب هذه اللحظة التي تخبرها فيها ابنة عمها عن مميزاتها كأبنة حسب ونسب, أنها أيضًا أبنة الشقيق المنبوذ الذي رفضه اخوته وجدها للأسف كان ضعيف أمام زوجته الأولى سليلة الباشوات. 
_ نفسي أعرف روحتوا شهر عسل تعملوا في إيه...
ثم اردفت سما بعدما اتضحت لها الصورة. 
_ عشان كده قعدتي مع جدو ايام تعبه الفترة اللي فاتت
حاولت زينب رسم ابتسامتها وهي تنظر نحو علبة السينابون قائلة. 
_ على فكرة السينابون بمناسبة إني هشتغل. 
رفعت سما احد حاجبيها لتُكمل زينب كلامها الذي اختلقته ببراعة. 
_ صالح مشجعني إني ابني كياني، هبدء شغل مع بداية العام الدراسي الجديد في مدرسة يزيد. 

....

اغلقت زوجة عمها الباب ورائها لتستريح قليلًا بعدما اطعمتها واعطتها حبة الدواء ورغم إعتراضها لإن شهد تحتاج للغرفة فامتحاناتها قد اقتربت إلا إنها أمرتها أن لا تشغل عقلها بأمر شهد. 
وضعت رأسها على الوسادة ثم خرجت منها تنهيدة عميقة وقد عاد ما حدث أمس وهذا الصباح يغزو رأسها. 
عاد قلبها لخفقانه ولأحلامه الوردية لتزدرد لعابها وتنفض رأسها حتى لا تعيش بهذا الوهم مجددًا... ف نيرة منذ تقربها منها تُخبرها بأن عمها يحتاج لزوجة تليق به. 
الألم عاد يجتاح قلبها لكنه كان كالأحمق يعود سريعًا للنبض كوقع قرع طبول الحرب كلما مر مشهد أمس الذي لا تستطيع استجماعه بصورة واضحة داخل عقلها. 
اغمضت عينيها لتسقط في حلم جميل عاشته أمس لا تتذكر منه إلا مقتطفات مشوشة بسبب السخونة التي أصابتها. 
.....

وقفت كارولين أمام المرآة تنثر العطر على عنقها بعدما ارتدت غلالة حريرية قصيرة أظهرت مفاتنها بسخاء. القت بنظرة خاطفة نحو سيف الذي انشغل بالكتب التي أمامه الخاصة بالدراسة... فمنذ عودتهم وعمله بالجامعه أصبح لا يشغل تفكيره إلا أن يحصل على الدكتوراه في سن صغير كما كان هو مخطط له قبل عودته من أمريكا. 
_ سيف، ألن تنام؟ 
رفع سيف عيناه عن الكتاب الذي ينقل منه بعض السطور ويدونها على الحاسوب اللوحي. 
_ نامي أنتِ يا حببتي. 
زفرت أنفاسها ثم تحركت نحو الفراش لتجلس عليه بضجر؛ فهو لم يعد كما كان ملهوف عليها ويقضوا وقتهم في متعة الفراش التي تصب عليها اهتمامها. 
ارادت فتح حديث معه وقالت دون تفكير. 
_ عمك معجب ب ليلى. 
توقف سيف عن تحريك أصابعه على شاشة الحاسوب لينظر لها مُحدقًا بها وسرعان ما كانت تخرج قهقهته بقوة. 
_ عمي معجب ب ليلى، النوم افضل لكِ كارولين. 
_ أنت تظن بأنني أمزح... صدقني عمك معجب بها ربما قريبًا يخبرنا برغبته بالزواج منها. 
احتدت عينين سيف وهو يتخيل الأمر لكن نفض رأسه من كلامها الذي يراه هراءً وقال بإستنكار. 
_ عمي يتزوج تلك الفتاة التي تعيش هنا كعطف منه لظروفها ..
_ هذا فقط ما تفكر به. 
زفر أنفاسه بقوة، فلماذا يغضب من أمر تتكهنه هي؟ 
_ كارولين لا تشغلي عقلك مع عمي، عمي لا يُفكر بالزواج 
نظرت له بنظرة لامبالية وتمددت على الفراش وهي تستعجب عدم تصديقه لها. 
_ سترى قريبًا أنني لا اتحدث هراء. 
... 
اندهشت زينب من رؤية رقم ذلك الطبيب الذي ظنت أنه نسى الأمر الذي اقترحته عليهم مديرة المدرسة. 
أجابت بعدما عاود الإتصال مرة أخرى ليخرج صوته ببحة رجولية.
_ مدام زينب ،أنا دكتور مازن والد عدي. 
تنحنحت زينب حتى تستطيع إخراج صوتها بثبات. 
_ اهلا يا دكتور. 
خلع مازن عويناته الطبية ونظر للورقة التي كلف بها سكرتيرة عيادته الخاصة بأن تأتي له بأسماء بعض المراكز الخاصة بالرسم.
_ أنا بكلمك عشان موضوع عدي و يزيد...شكل حضرتك مش مهتميه بالأمر لأني استنيت اتصالك لكن حضرتك متكلمتيش. 
_ أنا قدمت ليزيد ف مركز مختص وبصراحه زي ما حضرتك يا دكتور افتكرت إني مش مهتميه أنا أفتكرتك كمان كده 
ابتسم مازن عندما أخبرته بسبب عدم مهاتفتها له. 
_ طيب أنا اتصلت وكنت محضر كشف بأسماء مراكز كويسه تناسب الاولاد لكن ما دام أنتِ قدمتي ل يزيد، ممكن تقوليلي على اسم المركز عشان أقدم ل عدي. 

.... 
استردت ليلى عافيتها بعد اسبوع كامل قضته بالمنزل لا تحصل فيه إلا على إهتمام ورعاية الجميع. 
أمس هاتفتها السيدة صفية لتطمئن عليها وتُخبرها أن تتعجل في أمر بيع الشقة...
لم يكن إتخاذ القرار سهل عليها لكن عندما أخبرت عمها.. شجعها على الأمر واخبرها أن بالمال تستطيع شراء شقة هنا. 

_ أجازة يومين، هو في حاجة يا عزيز. 
تساءل بها "عزيز" بعدما طلب منه عزيز -سائقه- بأخذ يومين اجازة لحل بعض الأمور. 
_ مسافر يومين الإسماعيلية مع ليلى أصلها عايزه تجيب اوراقها من هناك وتبيع الشقة. 
نزل هذا الخبر على قلبه ليطربه؛ فخوفه من عودتها لتلك المدينة قد انتهى...
نظر له عزيز وهو يُفكر هل يعرض عليه طلب الزواج الآن أم ينتظر عودتهم.؟

تعليقات



×