رواية نعيمي وجحيمها الفصل الواحد والثلاثون31 بقلم أمل نصر





رواية نعيمي وجحيمها الفصل الواحد والثلاثون31 بقلم أمل نصر






رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الحادي والثلاثون

تصعد درج منزلهم وهي تغني مبتهجة، غير عابئة بثقل ما تحمله ذراعيها ولا بالمبلغ الكبير الذي أضاعته في هذه المشتريات العديدة، ولجت لداخل المنزل بعد ان فتحت الباب بمفتاحها، فوصل صوت غناءها الى والديها الجالسان في وسط المنزل أمام شاشة التلفاز،
رمقتها إحسان بنظرات متفحصة وهي تقترب لتقبلها من وجنتيها المكتنزتين، وتُلقي التحية نحوهم.
- مساء الفل عليكم، عاملة إيه ياقمر؟

ردت إحسان من تحت درسها: - كويسة ياختي، انتِ بقى ياحلوة واصلة متأخرة من شغلك ليه؟ وأيه الكياس الكتيرة اللي في إيدك دي؟
ردت غادة مبتسمة وهي تتلاعب في سلسلة مفاتيحها: - دا كام طقم خروج على جزمة جديدة وكام ازازة ريحة كدة من الغالين.
رددت خلفها إحسان بسخرية: - كام طقم خروج على جزمة جديدة وكام ازازة ريحة من الغالين، وضيقتِ على نفسك ليه ياحبيبتي؟ ماكنت كملتيهم بكام جزمة جديدة على كام شنطة كمان.

تدخل شعبان والدها أيضًا: - أو كان جابت المحل كله، هي خسرانة حاجة، مدام في طور غيرها بيصرف على البيت.
التفتت غادة الى والدها الجالس متربع القدمين على كنبة الصالون، وطبق البرتقال فوق حجره، يتناول منه وهو يتحدث، فردت كازة على أسنانها: - الفلوس دي من مرتبي يابابا، يعني مخدتش حاجة منك.

أكمل شعبان بلهجته المستنكرة: - مش بقولك في طور وبيصرف ع البيت، طب حتى لو كان من مرتبك، هو انتِ الفلوس دي جايباها من حرام يعني عشان تبعزقيهم كلهم في يوم واحدة؟
زمت شفتيها لتهمس لوالدتها بغضب: - عاجبك كدة؟ أديكٍ فتحتي علينا فاتحة ومش هنعرف نسدها، يعني مكانش ينفع كلامك دا ما بيني وما بينك، على الأقل كنت افهمك.
- تفهميني ايه؟ لهو انتِ عندك مواضيع كمان؟

قالتها بهمس إحسان هي الأخرى، فناظرتها غادة بثقة لتردف لها قبل أن تذهب من أمامها نحو غرفتها: - حصليني جوا وانا احكيلك كل حاجة.
نظرت في أثرها بتفكر إحسان قبل أن تجفل على قول زوجها: - شوف بت الكل، سابتني بتكلم واهاتي وغارت على أؤضتها من غير ماتعبرني.

حدجته إحسان بقرف وهي ترى قطع البرتقال الصغيرة تتناثر من فمه وهو يتحدث، فقالت بنزق قبل ان تذهب هي الأخرى وتتبع ابنتها: - ماتخليك في الطفح اللي انت بتطفحه، ومالك ومالها.
فغر فاهه شعبان باستغراب وهو يتابع انصراف زوجته وتركه ثم غمغم: - اما ولية كهينة صحيح.
بعد قليل.

وبعد أن شرحت غادة السبب الرئيسي الذي دفعها للشراء اليوم وحكت لوالدتها عما تفعله مرفت معها وتلميحلتها المستمرة لها، سألتها بفرحة ممتزجة بالأمل: .
- ها ياست الكل، فهمتِ بقى ولا تحبي افهمك من تاني؟
قلبت عينيها إحسان، قبل أن ترد بسأم: - فهمت إيه؟ ما انتِ بقالك ساعة عمالة تحكي وتعيدي وتزيدي، وبرضوا مقتنعتش؟
- ليه بقى ياست ماما؟ هو انا بتكلم أجنبي مثلًا؟ دا حتى كل كلامي واضح وباين زي عين الشمس.

هتفت بها غادة لوالدتها التي ردت هي الأخرى بحدة: - هو ايه اللي واضح وزي عين الشمس؟ الولية دي كل كلامها معاكِ عايم وع المتغطي، مافيش حاجة مباشرة عشان اطمن وافرح فرحتك دي واباركلك على المرتب اللي ضيعتيه في يوم واحد.
زفرت غادة لترد بضيق: - قولي بقى كدة ياست ماما، انتِ اللي صعبان عليكِ الفلوس ومش هامك صورة بنتك ولا لبسها لما يحصل المراد ويتم اللي بتحلم بيه من زمان.

زفرت إحسان هي الأخرى وهي تضرب كفيها ببعض وترمقها بنظراتٍ ممتعضة، وردت: - يعني انتِ عايزاني اعوم على عومك واصقفلك كمان، طب مش لما اشوف أمارة الأول يابت الخايبة، الكلام الطياري دا مايكلش معايا، مش يمكن تكون الست دي ليها غرض تأني معاكِ؟

صاحت غادة بعدم سيطرة: - غرض تأني ايه بس ياما؟ دي خلتني اكلم اخوها من التليفون وعرفتني عليه بقصد، دا غير انها ست مش هينة في الشركة ولا حتى موظفة عادية عشان اشك فيها، دي عضو مجلس إدارة وشريكة كمان في مجموعة جاسر الريان، هاتعوز مني انا ايه بس؟

لوت إحسان فمها على زواية بشك ثم قالت بعدم استسلام لألحاح ابنتها: - برضوا ياغادة تحرصي وتاخدي بالك، لما نعرف ميتها ايه الأول، ونعرف بقى، إن كان غرضها دا بجد ولا وراه حاجة تانية احنا مش فاهمينها.
اشاحت بوجهها عنها حانقة غادة ولم ترد، فهي لم تقتنع بوجهة نظر والدتها، بل هي تكاد تكون متأكدة من صدق نوايا مرفت نحوها.

عاد متأخرًا إلى المنزل، بعد قضاء سهرته في مناقشات ولقاءات مع بعض الشركاء الأجانب، للتباحث على إحدى الصفقات الهامة، يجر أقدامه جرًا وقد بلغ منه الأرهاق والتعب الجسدي مبلغه، كان على وشك الصعود الى الطابق الثاني، ولكنه توقف حينما لمح إضاءة إحدى الغرف القريبة من الردهة، تراجع ليتسحب بخطواتٍ خفيفة نحوها وقد خمن وجودها بالداخل، وصدق تخمينه حينما راَها، فقد كانت متكئة بجسدها على الاَريكة الاَثيرة وتتحدث في الهاتف باندماج مع أحدهم، توقف محله يرسم تفاصيلها الرائعة وهي ترتدي إحدى منامتها القصيرة كاشفة عن ساقيها بسخاء وتتلاعب بخصلة طويلة من شعرها، غافلة عن عيناه المتربصة،.

بالطبع تبين صفة المتحدث من الجهة الأخرى في تباسطها وضحكاتها الصاخبة دون تحفظ معه، زفر بضيق من هذا الذي يشاركه اهتماماتها ويستمع لضحكاتها مثله، يعلم أنها انانية منه ولكن وليكن كذلك؛ فهو يعشقها ويريد الإستئثار بها وبكل مايخصها، تدفعه رغبة قوية الى اخذ الهاتف واغلاق المكالمة على الفور ولكن يعز عليه حزنها او غضبها، سخر من حالته وضعفه الاَن أمام هذه الصغيرة وقد كان سابقًا حاد الطباع وخشن المعاملة مع جميع النساء مهما بلغت درجة جمال الواحدة منهن، قطع شروده حينما وجدها تنهي المكالمة، وتهُم لتعتدل بجلستها، اقترب سريعًا بخطواته الخفيفة، ليجفلها فور أن التفت رأسها، فصرخت زهرة بارتياع قبل أن تبتلع كلماتها في سترته وقد طوقتها ذراعيه ليضمها اليه سريعًا بقوة ليهدهدها ويطمئنها وسقط جالسًا بها على الأرض.

- بس بس اهدي مافيش حاجة، انتِ في حضن حبيبك، ايه يابنتي هو انا لدرجادي خضيتك؟

كان جميع جسدها يرتجف حرفيا بين يديه، حتى شعر بانتفاضتها تحولت لبكاء مكتوم على صدره، دب الخوف في قلبه من حالتها التي استمرت للحظات قبل يخرجها من حضنه عنوة لينظر الى وجهها الذي أصبح كتلة حمراء، مغرقة بالدموع، حاوط بكفيه على صدغيها لتقابل عيناها عيناه، فقال مدعي الحزم رغم الجزع الذي اصبح يعبث بداخله: - ليه دا كله بقى ها؟ ممكن أفهم،.

خرج صوتها بارتعاش: - أسفة ياجاسر لو خضيتك مني، بس انا بجد بخاف اوي والله، يمكن تستغربني وتستغرب حالتي، لكن اعمل ايه بقى في جبني؟
ضيق عيناه يسألها بتركيز: - يعني حركة خفيفة زي دي ترعبك بالشكل ده! دا غير خوفك الغير مبرر من الضلمة، هو في ايه بالظبط يازهرة؟

ارتشعت شفتيها بعجز أمامه قبل أن تقول اَخيرًا: - دي عقدة عندي ممن وانا صغيرة، يعني عشان حادثة حصلتلي زمان ممم بلاش والنبي تفكرني انا مش عايزة افتكر دلوقتِ.
قالت الأخيرة لتنزع وجهها من بين يديه وترتمي داخل أحضانه، شدد بذراعيه ليحتويها ويحتوي خوفها، فقالت هي بصوت مكتوم: - عارفة ان شكلي غبي ويضحك، بس دي طبيعتي ياجاسر وخالي وستي رقية عارفين عني الحكاية دي.

انتبه على عبارتها فسألها بريبة: - وخالك ورقية كانوا بيعملوا ايه لما يحصل معاكي كدة؟
ردت بعفويتها: - ستي كانت بتقرالي قراَن وخالي كان بيضمني ويطبط عليا لحد ما اهدى.
عض على شفتيه يحاول السيطرة على النيران التي اشتعلت داخله ليقول مستنكرًا: - دا بدل ما ياخدوكي لدكتور يشوف حالتك، ويلاقي علاج مناسب ليكي.

رفعت رأسها من على صدره لترد بلهجة لائمة: - انا مش مجنونة ياجاسر ولا عندي حالة نفسية، دا مجرد خوف أو جبن عندي في نفسيتي، وخالي وستي عارفين كدة، وكانوا دايمًا بيعرفوا يهدوني بحنانهم.
استفزته جملتها الأخيرة، فرد وهو يشدها من ذراعها ليُعيدها لأحضانه مرة ثانية مشددًا: - انا حنين أكتر منهم على فكرة، وهاعرف احتويكي يازهرة وانسيكي الخوف دا خالص، سامعاني، وبرضوا هاعرف سبب الحقيقي اللي ورا الموضوع ده.

في اليوم التالي صباحًا.

اصطفت السيارة بالقرب من مقر الشركة، ترجلت منها زهرة لتلحق بيوم عملها كالعادة، فاصطدمت عيناها بتلك التي رمقتها بنظرة غاضبة والتفت لتكمل طريقها دون مخاطبتها او حتى إلقاء التحية، تنهدت زهرة بسأم منها ومن طريقتها الغبية في الخصام، ومع ذلك عز عليها زعلها وهمت لمصالحتها، عدت خلفها بخطواتٍ سريعة حتى لحقت بها امام المصعد العام، فجذبتها من ذراعها لتحدثها بعشم: - اَخدة في وشك وبتجري من قدامي، جرا إيه ياختي؟ دول مكانوش كلمتين دول.

نفضت ذراعها لترد بعنف: - كلمتين برضوا؟ دا انتِ طردتني من مكتبك ولا اكني حشرة قدامك، عشان بس بسألك سؤال عادي، إكمن خايفة عليكِ وعايزة أطمن.
كظمت غيظها زهرة وردت ببعض الحلم: - حتى لو كان غرضك كويس ياغادة، انا ساعتها كنت في حالة ما يعلم بيها الا ربنا ومكنتش متحملة أي سؤال أو أي كلام، يعني كان لازم تقدري.

ردت بحدة غادة: - تقدير إيه يا ماما؟ دا انت اللي نفسيتك كبرت وما بقتيش شايفة حد قدامك، عربية اَخر موديل، ووظيفة محترمة، ومتجوزة باشاا، الله يسهلك ياعم، عينك بقى هتشوف ازاي الناس الغلابة؟

بصقت كلماتها والتفتت لتتخذ طريقها نحو الدرج، تاركة زهرة متسمرة محلها، وقد اَلمتها كلمات غادة وتفكيرها، ومن ناحية قريبة كانت تشاهد منذ دقائق معظم ماحدث حينما دلفت بالصدفة داخل مقر الشركة وانتبهت على وقفتهم الغريبة أمام المصعد، أخرجت هاتفها للتصل بها، وكالعادة أتاها ردها سريعًا: - الووو ياقلبى عاملة ايه النهاردة؟، بقولك ايه ما تيجي عندي المكتب نرغي شوية.
بعد قليل.

كانت جالسة معها على الاَريكة الجانبية بداخل غرفة المكتب الواسعة ذات الزوق العصري، ترتشف من كوب العصير أمامها وجسدها يهتز من الغضب، سألتها الأخرى بمكر: - ياااه دا انت شكلك متعصبة قوي، هو انتِ خارجة من خناقة يابنتي ولا إيه؟
أجابتها بوجه مكفهر: - لا عادي ما تخديش في بالك انتِ، شوية كدة وهاروق نفسي، اصل مافيش حد في الدنيا دي كلها يستاهل إني اتعصب ولا احرق في دمي عشانه، صدق اللي قال شبعة من بعد جوعة.

ردت مرفت بابتسامة وقد أطربها كلمات غادة: - تقصدي زهرة صح؟ عشان ينطبق عليها كل كلامك، بس هي زعلتك في ايه بقى؟
أجفلت غادة من سرعة البديهة لدى الأخرى، والتي خمنت الأسم سريعًا بذكاءها، فقالت بمواربة: - اهو بقى، عملت اللي عملته، انا مش عايزة احكي ولا اتكلم عشان معصبش نفسي، على واحدة متستاهلش، دي اتغيرت وشافت نفسها اوي بعد ما كانت بتخاف من خيالها وما بتتحركش في أي حتة غير وهي معايا.

لوت شفتيها مرفت تقول بكيد وابتسامة مستترة: - حقها بقى ياغادة، مش خلاص وصلت.
حدجتها الاَخيرة بنظرة نارية صامتة قبل أن تشيح بوجهها لترتشف من عصيرها بغيظ، فتابعت مرفت: - ماقولتليش صح، هو انتوا كنتوا واقفين قدام الأنساسير بتقولوا ايه؟ اصل بصراحة شوفت وقفتكم واستغربت.
اجابتها غادة بتفاخر: - كانت بتترجاني عشان اصالحها، لكن على مين؟ انا ادتهمولها فوق دماغها ولا هامني.

صمتت قليلًا مرفت بتفكير قبل أن ترد: - وهاتستفيدي ايه بقى لما تديلها فوق دماغها ياعبيطة؟ دي ممكن تقلب جاسر عليكِ وتخليه يرفدك.
ناظرتها بخوف تسألها: - تفتكري هي ممكن تعملها صح؟ بس انا اعرف زهرة وماظنش انها تعملها.
ردت مرفت بفحيح: - وماتظنيش انها تعملها ليه بقى؟ مش انتِ بنفسك بتقولي انها اتغيرت؟

ظلت غادة على صمتها تنظر لها بارتياع، واستطردت الأخرى: - ما تخافيش قوي كدة، بس انا رأيي انك تروحيلها بنفسك وتصالحيها وتفهميها انه كرم اخلاق منك، وبشطارتك بقى تخليها ترضيكِ وتدعك كمان.
سألتها بتشتت: - ترضيني ازاي يعني مش فاهمة؟
ردت مرفت بابتسامة متسعة: - هاقولك ياغادة ازاي؟
- ماجبتيش البنات معاكِ ليه؟

تفوه بالسؤال محروس لزوجته اثناء زيارتها له في قسم الشرطة، والذي كان بحالة يرثى لها، وكأنه كبر في العمر 20 سنة فجأة، أجابته سمية بهدوء لا يخلو من التقريع: - اجيبهم فين يا محروس؟ انت عايز بناتك يدخلوا القسم على سنهم الصغير ده ويشوفوك بالحالة دي؟
مصمص محروس بشفتيه يقول: - قال يعني خايفة على شعورهم قوي، امال لما اًخد حكم، هاتحرميني من شوفتهم خالص على كدة بقى.

شهقت سمية بجزع ترد على كلماته: - بعد الشر يامحروس بلاش تفول وتقول كدة الله لا يسيئك، إن شاء الله تطلع قريب وماتوصلش قضيتك للمحكمة، دي سي الاستاذة نوال مافيش اشطر منها، والمحامي التاني بتاع الباشا جوز بنتك، كمان بيحكوا عليه قصص في القضايا اللي كسبها قبل كدة.

رد محروس بعد أن أصدر همهمة ساخرة: - قال الباشا جوز بنتِ قال! هو دا لو هامه الموضوع بجد، كان سكت لحد دلوقتي واكتفى بالمحامي الخايب بتاعه، دا انتِ بنفسك بتقولي باشا؛ يعني يقدر جيب اللي يشيل القضية عني بدل الواحد الف.

تطلعت سمية بدهشة الى هذا الرجل الذي ما زال يصدمها بحجم أنانيته المفرطة: - جوز بنتك راجل محترم يامحروس، يعني مش هايقبل يلبس قضيتك لحد مظلوم، واهو بيعمل اللي عليه، جايبلك محامي كبارة وموصي عليك هنا جامد، محدش من الواغش اللي في الزنزانة معاك يقدر يقربلك، دا غير انه مسلط رجالته يدور ع الواد اللي وقعك في المصيبة دي، عايز ايه تاني بس؟

همس بانفعال جازًا على أسنانه وعيناه تتنقل كل ثانيه نحو باب الغرفة الجالس خلفها رجل الأمن: - عايز مزاجي ياختي، دماغي هاتنفجر ومش متحمل، متخليه يبعت لي حاجة تريحني شوية تبع الأكل اللي بيبعته.
فغرت فاهاها وتوسعت عيناها لتتجمد محلها مذهولة للحظات قبل أن تتدارك نفسها، وتنهض فجأة مستئذنة: - بقولك ايه يامحروس، انا هقوم ياخويا قبل ماتنزل عليا جلطة ولا يحصلي حاجة، بناتك مالهومش غيري دلوقتِ.

- هو دا بقى المحل اللي كلتي دماغي بيه طول السكة؟
أردفت بالعبارة زهرة وهي تلج بصحبة غادة لداخل المطعم المشهور بأطعمته الرائعة، تلفتت غادة حولها بانبهار وهي تشكر بداخلها مرفت التي أشارت عليها بهذا المطعم قبل أن تجلس على احدى الطاولات أمام زهرة وردت: - ليكون يعني مش عاجبك ياست زهرة ولا مش قد المقام؟ اهو دا اللي خطر في بالي بقى، ولا انت ندمانة على العزومة اللي ورطتك فيها عشان تصالحيني؟

عبست زهرة بوجهها قليلًا قبل أن تجيبها بعتاب: - انتِ لسة هاتلقحي برضوا بالكلام، انا بفوتلك ياغادة لكن بزعل والله، مافيش حاجة تجبرني اصالحك بعد الكلام السم بتاع الصبح، غير اني بعزك ياغادة واعرفي دي كويس.
- ماشي ياستي.
تمتمت بها وهي تتناول قائمة الطعام أمامها وقالت: - هاتختاري ايه انتِ بقى؟
صدح صوت الهاتف الخاص بزهرة فردت بعجالة قبل ان تجيب على المتصل: - اطلبي انتِ اللي عايزاه، وانا هارد على جاسر.

اخفت أمتعاضها غادة لتضع غيظها في اختيارات الأطعمة التي بالغت في عددها للنادل حتى صدح هاتفها هي أيضًا، فأجابت بغبطة مرحبة وكأنها تقصد لفت نظر زهرة التي انهت مكالمتها سريعًا: - الوو ياقلبي، عاملة إيه؟، أصوات كتير؟ اَه ما انا قاعدة في مطعم (، ) مع بنت عمتي عشان هانتغدى فيه، ايه مش سمعاني كويس؟، طب ثواني طيب هاغير مكاني وابعد عن الزحمة شوية...

قالتها وهي تنهض عن مقعدها تستأذن من زهرة التي أوقفتها بحزم قبل أن تبتعد: - حاولي ماتتأخريش في مكالمتك عايزين نلحق نتغدى ونروح لكاميليا كمان.
اومأت لها برأسها بسأم قبل أن تبتعد لتجري مكالمتها.

ومن الجهة الأخرى كانت تراقبهم من الطابق الثاني للمطعم وهي تتحجج لغادة بالأصوات في الهاتف حتى جعلتها تبتعد بمسافة كافية لعزلها عن زهرة التي أتى اليها النادل بعد قليل بكوب من عصير فريش، فسألته باستغراب: - ايه دا؟ بس انا مطلتبش عصير.
اجابها النادل بعملية: - الهانم اللي كانت مع حضرتك هي طلبت، اخدت واحد مني وبعتني بالتاني ليكِ.

أومأت له برأسها بتفهم ليضعه على الطاولة أمامها وهي في انتظار رجوع غادة والتي كانت مندمجة في الحديث الشيق لمرفت التي مازالت تراقب في الطابق الثاني.
- ايوة ياغادة زي مابقولك كدة، ماهر راجع بعد كام يوم وانا عايزة اعمل حفلة تعارف لأصدقائي عليه، هاتيجي انتِ طبعًا صح...

ابتسمت باتساع وهي تستمع الى لهجة غادة المتلهفة، وأسترسالها في الكلمات، فتابعت بمكرها: - طبعًا ياقلبي لازم تبقي اول الحضور مش انتِ بقيتي صاحبتي، طيب شوفي بقى انا عارفة زوقك حلو في اللبس وشيك، وانا قاعدة دلوقتِ في محل ملابس بنقيلي كام فستان، تفتكري ايه الألوان اللي تليق عليا؟..

استمرت مرفت باستدارج غادة في الحديث والأخرى أخدتها الفرحة وألهتها عن العزومة وعن الطعام وعن زهرة التي ملت من الأنتظار وكلما حاولت الإتصال وجدته رقمها مشغولًا حتى ارتشفت من العصير لتخفف عنها التوتر والغضب، فغزت ابتسامة الانتصار على ثغر مرفت التي نهت المكالمة مع غادة بعدها بوقت قليل، على وعد باتصالها مرة أخرى لتستشيرها في باقي المشتريات.

عادت غادة اَخيرًا الى الطاولة التي امتلئت عن اَخرها بالمأكولات التي طلبتها من القائمة، ترتسم على وجهها ابتسامة حالمة تجعلها تطير عن الأرض محلقة: - هاا اتأخرت عليكِ؟
ردت زهرة بغضب رغم هذا الوهن الذي بدأت تشعر به: - افندم ياست ياغادة، ما كنتِ مشيتي وسيبتيني أحسن، بتطلعيني ساعة استناكي، دا الأكل نفسه برد ياشيخة.

ردت غادة ملطفة وعيناها تطوف على المأكولات باشتعال: - معلش يازهرة كانت مكالمة مهمة اوي والله، بس ايه الأكل الحلو ده؟
قالت الأخيرة لتهجم على الأطباق أمامها تتناول منهم بنهم، استدركت لتسأل زهرة بحرج وفمها ممتلئ عن اَخره: - انتِ مابتاكليش معايا ليه؟
ردت زهرة وهي تتطلع للطعام أمامها بدون شهية وثقل رأسها يزداد شيئًا فشيئًا: - كولي انتِ وحاولي تنجزي عشان انا بدأت اتعب.

- اكيد تعبك دا سببه جوع والنعمة، كولي الحتة المحمرة دي وانتِ هاتفوقي.
قالت الأخيرة وهي تمُد إليها بقطعة لحم مشوية، أبعدتها زهرة بيدها وهي تشيح بوجهها عنها.
- ياغادة والنبي ياشيخة ما تغصبي عليا مش قادرة.
قطبت مندهشة غادة من حالة النفور التي لدى زهرة، ثم مطت شفتيها بعدم أكتراث لتكمل هذه الوجبة الدسمة بنفس مفتوحة على اَخرها، حتى اذا انتهت سألتها زهرة وكان صوتها يأتي من جهة أخرى غيرها: - شبعتي؟

ردت غادة تشير بيدها على امتلاء معدتها: - ع الاخر، حقيقي اللي شارت عليا بالمطعم تستاهل بوسة، وانتِ يازهرة متشكرة اوي يابنت خالي ياقمر انتِ.
أومأت لها بعيناها بضعف، لتتناول من الحقيبة عدة وريقات من المال بغير تركيز تضعهم في القائمة، دون أن تعير اهتمام لهتاف غادة: - حيلك حيلك ياعبيطة انتِ، احنا مكالناش بالفلوس دي كلها.

نظرت لها بأعين زائغة وهي تخرج بعض منهم وتضعهم في كفها، وهمت لتقف ولكن جسدها المنهك سقط على المقعد مرة أخرى بعنف، هتفتح غادة عليها بجزع وهي تقترب: - مالك يازهرة؟ فيكي ايه؟
لم تقوى على الرد، وأنفاسها اصبحت ثقيلة كجسدها، جفناها ينغلقان وتفتحهم بصعوبة، أصابها الجزع غادة وهي تحاول معها بكلمات مضطربة: - يازهرة قومي خليني اوصلك، قومي يابنت خالي ماتخضتيش عليكِ.

حينما لم تجد فائدة من محاولاتها الجديدة وهي تنظر حولها تبتغي المساعدة من احد ما حتى لفتت انظار بعض الأشخاص حولها ليسألوها وقبل أن تجيبهم وصلها الأتصال من تلك التي تشاهد من علو، أجابتها غادة على الفور وكأن اتصالها اتاها نجدة من السماء
- الوو. ايوه يامرفت الحقيني.
ردت بتصنع تدعي عدم الفهم: - اللحقك ليه يا غادة في حاجة حصلت؟

ردت سريعًا: - زهرة يا مرفت مسخسخة معايا وشكلها يخوف لدرجة انها مش قادرة تقوم من مطرحها، وانا خايفة مش عارفة اعمل ايه؟ الناس حواليا بيقولولي نساعدك وناخدها عالمستشفى...
قاطعتها على الفور: - لا اوعي ياغادة تعملي كدة وتخلي حد غريب يوصلها معاكي، انا لو قريبة منك كنت جيتلك واخدتها لأي مستشفى، بس نصيحتي ليكِ اتصلي بجوزها يجي ويتصرف واخلي مسؤليتك، محدش عارف بنت خالك عندها ايه.

- يانهار اسود، يعني هايكون عندها إيه؟ انت بتخوفيني ليه اكتر ما انا خايفة؟
اجابتها بثقة: - انا مابخوفكيش، انا بقولك ع الصح ياغادة، انتِ مش قد جاسر الريان ولا قد غضبه.

انهت المكالمة غادة وهي على اَخرها، وقد جف حلقها وارتعدت أوصالها من الخوف، تلعن دخولها هذا المحل وتلعن الساعة التي أتت بها، وهي تحاول مع زهرة التي التفت بعض النساء حولها لمعرفة ما أصابها، وبحركة سريعة تناولت هاتف زهرة لتضغط على الرقم الأخير، فجاءها الرد بالصوت الأجش.
- الوو يازهرتي، لحقتي ترجعي من مشوارك؟
تمالكت نفسها لترد بصوتٍ مهزوز: - انا مش زهرة ياجاسر باشا، انا غادة.

وصلها وصوته الحازم: - وانتِ بتتصلي عليا ليه من تليفون زهرة؟
سقط قلبها رهبة من نبرته، فقالت مدافعة: - انا اسفة ياجاسر بيه اني بتصل، بس زهرة تعبانة اوي.
- مالها يازهرة يابنت انتِ؟
قالها بمقاطعة حادة أجفلتها لتزيد من رعبها فتمتمت سريعًا تشرح له ماحدث على عجالة،
والأخرى مازالت تتابع من محلها وتراقب، وكما توقعت لم ينتظر جاسر سوى دقائق وأتى على الفور، بقلب ملهوف يشعر به على وشك التوقف، من الخوف عليها.

- ايه اللي حصل؟
اردف بها بحدة بمجرد وصوله، ليفرق تجمع النساء حولها سريعًا ليتفحصها.
خرجت كلمات غادة بلجلجة من فرط خوفها،
- ااا والله ما اعرف، احنا كنا بنتغدى وفجأة لقيتها سخسخت كدة مني.
لم ينتبه لها ولما تتفوه بها، بعد أن دنى سريعًا من زهرة يحاول افاقتها بقلبٍ ملتاع.
- زهرة، قومي يازهرة، هي ايه اللي حصلها بالظبط؟

اردف بها بأعين نارية نحو غادة، التي ارتعشت امامه تهز رأسها بعجز: - والله ما اعرف، والله العظيم ما اعرف.
حدجها بغضب قبل أن يدنوا نحو زهره ليحملها غير اَبه بوضعه ولا نظرات الناس حوله، ليغادر بها نحو اقرب مشفى، رفعت غادة الحقائب لتلحق بهم، وفي الأعلى انشق ثغر مرفت بابتسامة متسعة لتتصل بشريكها: - ايوة يافاضل، اخدت صور كويسة بقى ولا لسة؟


الفصل الثاني والثلاثون من هنا




 

تعليقات



×