رواية الصندوق الفصل الثلاثون بقلم الهام عبده
غادرت كاريمان من أمام سالم و صعدت إلي داخل العربة التي كانت تنتظرها في الخارج، ظلت تحملق في الطريق، شعرت ببرودة يديها اللتين كانتا بين يديه، نظراته العميقة أربكتاها و يديه حملت ليديها مشاعره الدافئة .
تذكرت موقفه عندما أزال قبضة أخيها بالسكين عن رقبتها ثم تذكرت كيف دافع عنها في غيابها و ادعي علي نفسه شيئاً لم يفعله لإنقاذ سمعتها و سد أفواه المتهامسين، حاولت تدفئة يديها بفركهما ببعضهما البعض و لا تدري هل هما باردتين من برودة الطقس أم من انخفاض ضغطها مما سمعت..
تلك الكلمة التي انتظرتها كثيراً من إيفان و لم يقلها، سمعتها فجأةً من سالم بعيونٍ عميقة و احساسٍ دافئ، تأوهت ثم أعادت تلك الكلمة في ذاكرتها عدة مرات، كم أن وقعها علي الأذن جميلاً، أزادت في عقلها الفضول، و في قلبها تدفق الدم و في يديها و قدميها ارتعاشاً و رجفة بجوار البرودة!!
لم تكن تتخيل ان " كلمة واحدة " ستهزها هزةً عنيفةً هكذا !!
وصلت قصرها و دون أن تمر علي مائدة الإفطار الممدودة صعدت مباشرةً لغرفتها و جلست علي مهدها لتستعيد توازنها..
قال عزيز لوالده بعد أن نظر إليها و هي تعبر مسرعة: ماذا بها ؟! و أين كانت منذ بكرة الصباح؟!
منصور بك: ذهبت إلي السيد سالم لتشكره علي موقفه الاخير ذاك
عزيز : لماذا تجاهلتنا نحن و الإفطار و صعدت ركضاً لغرفتها؟!
منصور بك: لا أعرف.. لعله خيراً
____________بقلم elham abdoo
أما في قصر ياقوت بك فكانت السيدة حفيظة في انتظار قدوم فاتن ليذهبا معاً ليطمئنا علي صحة منصور بك، أقبلت فاتن بتكاسل و قالت
فاتن: هل تلك الزيارة واجبة يا خالتي؟!
حفيظة هانم : نعم .. ذلك الرجل سيكون والد زوجك و تلك ذوقيات وواجبات عامة حتي و إن كانت ثقيلة
فاتن: ما يضايقني هي مقابلة هاتين المغرورتين، أرأيتِ نظراتهما لي أمس ؟!
حفيظة هانم: لا عليكِ .. يكفيهم ما حدث لهم من فضيحة .. موقف لا يحسدون عليه !!
فاتن بغضب: و هل سكت ذلك الجنوبي حتي تكتمل تلك الخطة و تنكسر أنف تلك المغرورة؟!
حفيظة هانم: نعم .. تدخله كان مفاجئاً و خفف من ثقل وضعها كثيراً .. هل يحبها ذاك الاحمق؟!
فاتن: نعم .. و اي حب ؟! كم كتبت لي من خطابات عن محبته لها لكن كاريمان بالطبع أعطته شعور الرفض كي لا يقترب فهو بالطبع لا تفوح منه سوي رائحة الإبل!!
ضحكت حفيظة هانم و قالت : و تلك التي معه؟! وصيفتها السابقة.. كيف حالها الآن بعد ما حدث أمس !!
فاتن: بسمة تلك هادئة ووديعة، في الأغلب ستجلس لتبكي في احد الزوايا و ينتهي الأمر !!
حفيظة هانم : سالم هذا بالرغم من مساعدتي و هديتي الثمينة التي قدمتها له لكنه أزعجني كثيراً أمس بفعلته، هذا لن يمر مرور الكرام
فاتن: ماذا ستفعلين يا خالتي؟!
حفيظة هانم: لم اخطط لشئ لكن ما أبرع الخطة التي تحاك من جمع خيوط الاحداث .. تلك تكون أذكي بكثير من خطة تحكمينها بنفسك !
فاتن : و ماذا عن عطلة أسوان تلك؟!
حفيظة: سنذهب بالطبع و سنستمتع.. لا تقلقي او تفكري في شئ سوي عزيز .. هو سيكون مشروعك الذي ينبغي أن ينجح .. أفهمتِ؟!
فاتن: نعم .. أريد ذلك و بشدة
حفيظة : لنذهب اذن لأداء ذلك الواجب
___________بقلم elham abdoo
أما سالم فقد اختلطت مشاعره بين الارتياح لأنه أفضي بمكتومه بعد وقت طويل ففي كل مرةٍ كان ذلك الاعتراف علي طرف لسانه، دفعته كاريمان بعيداً، و بين القلق لأنه لم يتلقِ منها رد فعل محدد يمكنه من قراءة ما يجول بعقلها، افلتت يديها من يديه و خرجت مسرعة دون حرف واحد..
جلس علي اريكته و هو يقارن مواقفها القديمة معه و التي لطالما كانت سلبية و بين ارتجافها و لمعان عينيها وقت اعترافه، احساسه يقول أن هناك نبته صغيرة بزغت داخل قلبها مع هذا الاعتراف لكن هل ستسمح لعقلها أن يفتح المجال لقلبها كي يمدد جذور المشاعر حيث يريد؟!
ألن تكون هي الأميرة و هو التاجر ذو رائحة الإبل من جديد؟!!
وقف ليوقف عقله عن التفكير لأنه سيترك كل شئ يجري كما هو مقدر له ..
بحث عن بسمة في غرفتها و في كل مكان و لم يجدها فسأل الخدم جميعا فلم يعرفوا شئ فخرج للباب فقال له الحارس أنه رآها تخرج مسرعة الي الخارج في حالة غير طبيعية، تلهث ببكاء و ارتعاش حتي اختفت بابتعاد علي الطريق !!
فزع سالم لسماعه ما روي الحارس و خرج ليبحث عنها حول المنزل و في المحيط المجاور كله ..
_______________________بقلم elham abdoo
اما بسمة فكانت قد خرجت لاهثة لا تعرف إلي أين ستذهب، ما سمعته جعل جسدها كله يهتز من الداخل و الخارج، حديثه الناعم و عينيه العاشقتين، رقته في لمس يديها، نظرات لم تراها في عينيه لها علي الرغم من انه كان ينظر لها بحب !! أسلوبه حتي في الحديث معها كان مختلف!!
جلست علي عتبات احد المنازل تستريح من الجري و البكاء، مسحت وجهها براحة يديها لكنها انغمست في البكاء علي الفور، رأته و قد نزل من العربة ذات الخيول و ترجل منها للبحث هنا و هناك فاختبئت وراء شجرة ضخمة وارفة الظلال حتي لا يجدها، لا تريد رؤيته أو مواجهته قط ..
وصلت العربة التي تحمل فاتن و خالتها إلي قصر الراعي و عند نزولهما رأيا سالم ينزل من عربته ايضاً قادماً إلي أبواب القصر في عجالة، أقبل عليهما و ألقي التحية فسألته حفيظة هانم بخبث: سيد سالم!! ما عسي أن تكون تلك العجلة؟! خيراً؟!
فاتن: هل منصور بك بخير؟!
سالم : لا تقلقا .. كل شئ بخير.. أنا جئت في أمر يخصني
أومآ برأسيهما في هدوء ثم تبادلا النظرات تساؤلاً عن سبب حضوره و عن القلق البادي ع وجهه!!
دخل ثلاثتهم للداخل و استقبلهم منصور بك و عزيز
_______________بقلم elham abdoo
جلس جميعهم في الحديقة الخلفية للقصر و تم تقديم الشاي، تبادل الجميع أطراف الحديث فيما عدا سالم الذي ظل صامتاً بوجهٍ مؤرق فسأله عزيز قائلا: متي سنشد الرحال يا صديقي فأنا متوق لتلك العطلة كثيراً ؟
رد سالم بشكل باهت: لدي موعد مع أحد المسئولين الانجليز مساء اليوم مع شريكي في المشروع و غدا بإذن الله ننطلق عائدين إلي أسوان جميعاً
حفيظة هانم : دعوتك كريمة يا سيد سالم
سالم: سيزداد المكان شرفا بحضوركم و امي ستكون في استقبالنا و استقبالكم
استمر في النظر هنا و هناك ربما تأتي كاريمان فهو بحاجه إلي مساعدتها الآن دون أي تأخير لكنها لم تأت فاضطر إلي طلب منصور بك للحديث جانباً لدقيقة رمقته حينها أعين حفيظة هانم باهتمام!!
سالم : منصور بك .. استمحيك عذراً هل تستدعي لي كاريمان هانم لأمرٍ عاجل ؟!
منصور بك بتعجب: بالطبع .. لكن خيراً ؟!
سالم : حدث خلاف بسيط بيني و بين بسمة و غضبت خارجة من المنزل صباحاً .. ربما كاريمان هانم تعلم أين ممكن أن تذهب ؟!
منصور بك : اذن .. اذهب للداخل و انتظرها بقاعة الضيوف لتتحدثا براحة
سالم : شكراً جزيلاً لك
__________بقلم elham abdoo
دخلت كاريمان إلي قاعة الضيوف و قد توترت عندما إلتقت عيناها بعيني سالم الذي صافحها متسائلاً بنظرات عن طقس اليوم عندها بعد ما قاله صباحاً؟! هل هي تُمطر بغزارة أم أن هناك احتمال سقوط قطرات !! أم مازال الجو جافاً مجحفاً دون قطرة واحدة؟!
جلست متحاشية أن تلتقي أعينهما بكثرة و قالت: قالت الخادمة انك تطلبني لأمرٍ عاجل ؟! خيراً؟
سالم: ليس خيراً .. بسمة غادرت المنزل..
تعجبت كاريمان و قالت: إلي أين؟!
سالم: هذا ما وودت سؤالك عنه، كانت وصيفتك فلابد انكِ تعلمين مكان ما قد تذهب اليه !!
كاريمان: هل حدث شجار بينكما بسببي؟!
سالم : لم نتشاجر و لكنها من المؤكد سمعت حديثنا صباحا لان الحارس رآها تخرج من المنزل باكية قبل مغادرتك بثوانٍ معدودة !
اغمضت كاريمان عينيها مما سمعت ثم زفرت من داخلها بعمق و لم تعلق ثم وضعت يدها ع جبهتها كي تحجب نظرها عنه متظاهرةً أنها تفكر إلي أين ذهبت بسمة؟!
انتظرها لدقائق ثم قال : عسي الا يكون أصابها مكروه
التفت كاريمان و قالت : تذكرت.. هيا بنا
سالم: إلي اين؟!
كاريمان : سنجدها هناك بكل تأكيد !! هيا دون تأخير
انطلقا نحو بوابات القصر فرآهما عزيز الءي دخل ليبدل ثيابه ليذهب مع فاتن للصيد فاستوقفهما قائلاً : ما تلك العجلة؟!
كاريمان : سأخبرك فيما بعد .. نحن علي عجله
عزيز : لابد أن أعرف.. ربما هناك خطراً ما
قال سالم متهكماً : و انت بارع في صد الاخطار!!
عزيز معاتباً: ليس هكذا يا صديقي!!
سالم : لا وقت للشرح الآن.. فيما بعد
انطلقا دون أن يوضحا لأحد لكن فاتن ايضاً رأتهما من بعيد يغادران، سألت عزيز عنهما لكنه أيضا لا يعرف، ودعا خالتها حفيظة التي شبه ارغمته علي تلك الرحلة فهو مجبر كما جرت العادة!!
___________بقلم elham abdoo
امام احد البيوت القديمة بمنطقة توريل أشارت كاريمان للحوذي بالتوقف، نزل معها سالم فقالت له
كاريمان: ذلك البيت هو لخال بسمة فوالديها قد توفوا تباعاً منذ قرابة خمس سنوات في الوباء المتفشي آنذاك.
جاءت هنا أكثر من مرة عندما كنت اعطيها إجازة من العمل في أسفاري للخارج و ما شابه.. اظن انها فكرت بالمجئ هنا من اول وهلة
سالم: يا ليت !!
تعجبت كاريمان من لهفته و تعففت عن التعليق
فقال ليوضح: لأنها بأمانتي ..
كاريمان: سأغادر أنا الآن و أتمني أن تتمكن من اصلاح الأمر
اتجهت للعربة فأمسك سالم يدها و قال: بقي حديثنا دون أن ننهيه!!
كاريمان : حديثك مع بسمة هو الأهم.. لا تنظر لأي شئ آخر
سالم : ماذا تقصدين ؟! ألا يمثل لك حديثنا اي شئ
تأوهت كاريمان و اشاحت بوجهها بعيداً عنه ثم نظرت له و قالت: وداعاً
نظرها سالم تغادر و هو واقع بين مطرقة و سندان، هو يعشق الأميرة وفي الوقت نفسه يحب وداعة بسمة و لا يريد التخلي عنها و لكن ... ليس هناك أحد يبني بيتاً من نار فوق كتلة من الثلج!!
النار و الثلج لا يلتقيان معاً مطلقاً!!
طرق الباب ففتح خال بسمة " عم سعيد "
نظر له عم سعيد، رجل قمحي اللون طويل القامة رفيع البنية بشوش الوجه، شعر سالم من اللحظة الاولي أن بسمة حملت من خالها الطيبة و البشاشة و ملامح الوجه الرقيقة
قال سالم: مرحباً .. أنا سالم نسيبكم!!
رفع عم سعيد حاجبه الأيمن و قال: أأ .. إنه انت .. أقصد حضرتكم؟!
سالم : نعم .. آسف لعدم دعوتكم لحفل خطبتي علي بسمة و لكن كانت له ظروفه..
عم سعيد : تفضل
دخل سالم للداخل و جلس علي مقعد ضمن غرفة جلوس متواضعة مكونة من أربعة مقاعد و اريكتين من خشب قديم محفور
عم سعيد: أهلا و مرحبا بكم .. قالت لي بسمة أنها خُطبت لكن من الواضح أن هناك سوء فهم حدث بينكما؟!
سالم : انه خلاف بسيط و جئت لحله ثم سآخذ بسمة و نعود لأسوان
عم سعيد : أتمني ذلك .. سأستدعها لتأتِ حالاً
__________بقلم elham abdoo
بعد عدة دقائق جاءت بسمة و يدها مضمومة علي شئ غير ظاهر، نظرت له ببرودة ثم جلست في صمت
نظر لها سالم لا يعلم من أين سيبدأ و كيف سيقنعها بالعودة بعد ما سمعت؟!! و هناك ايضاً كاريمان التي سيقطع ذلك الصلح أي امل في اي خطوة متقدمة معها!!
قال: انظري يا بسمة .. ما سمعته كان مجرد ضعف ف.....
بسمة بانفعال: لا تكمل... لم يعد لدي استعداد للاستماع إليك و انت تعطي نفسك اعذاراً لحبك لها كل يوم!!
سالم : أنا شرحت لكِ من قبل أنني احاول الإبتعاد لكن الموج يشدني في اتجاه معاكس!!
نظرت له بعينيها بتعجب لا تصدق ما يقول: امواجك المعاكسة تلك ستقضي عليَّ و لذا انا ابتعدت و سأتركك للأمواج فتلك معركتك وحدك !!
سالم : لهجتك تلك متغيرة كثيرا يا بسمة .. أين وداعتك و محبتك و صبرك؟!
نظرت له بسمة بلوم: قلت لك أن الإهمال سيجعلني انظر للمرآة فأجد شخص آخر و قد سمعت اعترافك بأذني فلا مكان للعودة بعد الآن!
سالم: ماذا يعني ذلك ؟! هل ترفضين العودة و تنهين كل شئ ؟!
بسمة : أنت من أردت هذا .. سأفسح الطريق بينك و بين الأميرة كي لا أصبح حاجزا بينكما!!
حاول سالم الامساك بيدها لكنها ابعدتهما فقال : بسمة .. أنتي تعلمين أنني أحببتك و لا اريد التخلي عنكِ .. انا متخبط و مشاعري متزعزعة .. اعذريني و انسي ما حصل
بسمة: و هل ستنساه انت ؟! هل قلته كي تنساه؟!
سالم: لا تضغطي عليَّ يا بسمة .. لنعطي الأمر فرصة أخيرة ..
بسمة: تلك الفرصة كانت عندما وعدتني وعداً لم تفِ به .. عد يا سيد سالم فأنا لست من عالمك .. اتمني أن يجمعك بالأميرة عالم مشترك!!
ضربته كلمات بسمة ضربات قوية متعاقبة فقال لها : أري أنكِ مصرة علي موقفك !! سأغادر غداً الي أسوان و سأنتظر قرارك الاخير .. ربما نعود معاً في الغد
نظرت له بحزن و لم تعلق ثم مدت يدها بخاتم الخطبة والذي ظل بيدها دائماً، رفض أن يأخذه ثم خرج من منزل خالها بخيبة أمل ..
انطلق عزيز مع فاتن في رحلة صيد بأحد الحقول في الأراضي التابعة لعائلته، أرانب برية و حمام يحلق وسط الخضرة و المحاصيل، جهز لهم العاملين هناك طعاماً عند قدومهم فتناولا شيئاً يسيراً ثم اصطحبها عزيز للداخل قليلاً بحثاً عن صيد يتتبعانه
أشار عزيز بيده اليسري لأحد الارانب بينما بندقيته الخاصة للصيد كانت في يده اليمني و قال لها :
عزيز : انظري و تعلمي كيف يكون القنص
توجس الأرنب البري السمين من تلك الاقدام القريبة منه فاختبأ بين الحشائش، أبطأ عزيز سيره و رفع قدمه بحرص و أشار لفاتن بالتوقف و السكون، رمي الأرنب برصاصة صيد صغيرة اصابته في عنقه فأردته قتيلاً، سحبه عزيز من علي الارض و نظر لفاتن فوجدها مستمتعة فقال: عجباً .. كنت أظن انكِ ستتأثرين و تقولين مثل الفتيات ثم قال مقلداً صوت فتاة قائلاً " مسكين ذلك الأرنب الصغير، لماذا تصطادون الحيوانات البريئة"
ضحكت فاتن و قالت : لا .. بل أجد متعةً في الأمر و أود تجربته بنفسي و لكن ؟! من هؤلاء الفتيات اللاتي اصطحبتهن معك ؟!
أيقن عزيز خطأه فقال: تلك كانت مرة واحدة في القديم و مضت .. لا تصخمين الأمر !!
فاتن : لن اضخمه لأنه قديم و لا شأن لي بما مضي اما اليوم و غداً فأنت تحت مراقبتي..ليكن بعلمك
نظر عزيز لتحذيرها وصمت بينما لسان حاله كان يقول " لم يبقي الا انتِ لتحاسبينني!!"
اخرج مديته ذات حرف ال A المميز و سلخ جلد الأرنب بشكل محترف ثم ازال أحشاؤه و غسله بالماء جيداً بينما طلب من فاتن جمع الحطب في أثناء ذلك
في الظهيرة، أوقدت النار ووُضع الأرنب للشواء و عزيز و فاتن علي الجانب يراقبان
___________ بقلم elham abdoo
ذهب سالم من توريل بأزقتها القديمة البسيطة و منازل العامة المصطفة علي الجانبين قاصداً قصر الراعي في منطقته الراقية، دخل القصر و طلب إبلاغ كاريمان بقدومه لرؤيتها
جاءت كاريمان و جلست قبالته فقال لها مترقباً ردة فعلها : بسمة رفضت العودة !!
كاريمان : غير متوقع!! ألم تبذل جهداً مناسباً لاقناعها ؟؟
سالم: علي العكس لكن ما سمعته اثر بها كثيراً
كاريمان: لا تيأس بل حاول معها في وقت لاحق .. النيران داخلها مشتعلة الآن و لاحقاً ستهدأ حتي تنخمد تماماً
لم يرق لسالم حديثها فقال : اخبرتها عن عودتنا غداً لربما تفكر و تأتي ..هل ستأتين؟
كاريمان : نعم .. هناك عمل ينتظرني
نظر سالم قاصداً ايفان: المشفي ؟!!
كاريمان : نعم .. فالعمل ليس له علاقة بما حدث
سالم : و نحن؟
كاريمان بثبات: ماذا بنا ؟!
سالم بانفعال: من فضلك .. لا تتعاملي مع الأمر كأنه لم يحدث .. قولي شيئاً يريح عقلي !!
كاريمان : لست واثقة من أن كلامي سيريحك!!
سالم بقلق: افضِ ما بداخلكِ و ليكن ما يكون !!
كاريمان : ليكن .. لن انكر أن اعترافك هذا حرك شيئاً ما بداخلي لا اعرف كيف؟! فحتي اول أمس كان قلبي يدق لايفان .. شعور غريب اعتراني ، لا اعرف كيف و لماذا
ابتسم سالم و قال: ربما صدق شعوري هو ما جعل قلبك ينبض، يقولون: من القلب للقلب رسول!!
تأوهت كاريمان و قالت : ربما و لكن ... لن يتحول ذلك الشعور لأبعد من ذلك !! مع الأسف
نظر سالم بعتاب: لمَ؟ من اجل بسمة؟!
كاريمان: لا .. الأمر ليس في شخص بسمة و لكن حتي و إن انتهت علاقتك ببسمة نهائيا لن يحدث تغيير!!
سالم بغضب: لمَ .. لأنني تاجر جمال تفوح مني رائحة الإبل.. أليس كذلك؟!
تفاجئت كاريمان و قالت : هل أنت أيضاً قرأت خطاباتي !! لم يبق أحد لم تطلعه فاتن علي أسراري!! تلك الخائنة
سالم : لا .. فاتن لم تعطني شئ بل أنا فتحت خطابك لأنني كتت مشتاقاً لأعرف شعورك حيالي وقتها ... لم اتقصد التعدي علي خصوصياتك و كانت تلك مرة أولي و أخيرة و يا ليتني ما قرأت .. كلماتك ذبحتني حينها!!
كاريمان : آسفة .. لم أعد أراك بتلك النظرة ابداً .. كانت وجهة نظر سطحية .. أنت رجل شهم و نبيل يا سالم .. من الجيد أنني عرفت شخص مثلك
سالم بعينين مملؤاين حباً : اذن لم َ؟!
كاريمان: لأنني لن اتزوج مطلقاً رجلاً ارتبط بوصيفتي، جعلها في مكاني و وضعني في مقارنة معها !!
نظر لها سالم بسخرية: مرة أخري يظهر غرورك !! كبريائك الذي يضيع كل شئ .. لن تتغيري ابداً فأنتِ نشأتي هكذا في بيئة تكبر!! اخوتك هكذا مثلك و الطبع يغلب التطبع !!
وقفت كاريمان اعتراضاً علي اهانتها و قالت : يكفي هذا القدر .. لأجل خاطر ما بيننا من معروف سأنسي ما قلت و لنعود كما كنا . صديقين فقط .. إن أمكن
سالم بتهكم: و هو كذلك يا أميرة.. لقاؤنا غداً في العودة .. إلي اللقاء
تركها سالم و هو جريحاً غاضباً بينما أصبح شعورها ضحيةً لسحق كبريائها !!
________________بقلم elham abdoo
إكتمل شواء الارنب و إلتهم عزيز ثلاثة ارباعه تاركاً لفاتن ربعاً واحداً اكلته باستمتاع
سألته : هل شعرت بتغيير لوجودي معك اليوم؟!
رد عزيز بجفاء : بالطبع .. فمع أصدقائي كنت آكل ارنبا كاملاً لا يشاركني به أحد!!
انهزمت بعد أن توقعت رداً رومانسياً و قالت : ربما لتعتاد أنني شريحتك و في كل شئ
عزيز : سأعتاد .. لا تقلقي
أنهيا وجبتهما و بدأ العاملين هناك بجمع ما تبقي، وجد أحدهم مدية السيد عزيز ملقاه فأعطاها لفاتن هانم لتعطيها له فوضعتها في حقيبتها و مضت .
عادت معه لقصر الراعي لتناول الشاي، كانت تتبع معه سياسة ملئ جميع وقته بها كي يعتاد علي وجودها في حياته، أثناء ذلك نزلت كاريمان من الدرج و رأتهما فألقت التحية بشكل روتيني باهت و خرجت للحديقة، أثار انعزالها فضول فاتن فقالت : أختك لا تريد البقاء في مكان واحد معي!! بعد أن كنا اكثر من أصدقاء!!
عزيز بتهكم: هل حزنتِ من اجل صداقتكما؟! لمَ اذن فعلتا فعلتكما بها انتِ و خالتك؟!
فوجئت فاتن و قالت : ماذا تقصد ؟!
عزيز : قصدي تعرفينه جيداً فدعوة الطبيب تلك لم أجد مدبراً لها عندما فكرت سواكما!! أليس كذلك؟!
فاتن : لم أكن أعلم شئ .. فاجأتني خالتي بهذا .. صدقني
عزيز : مضي الأمر و انتهي .. الآن لا اعرف ماذا يدور بينها و بين سالم
فاتن : ربما حدث شى بينهما فالان إيفان لم يعد موجوداً !!
عزيز : بتلك السرعة !! غير معقول ..
في تلك الاثناء أقبل منصور بك و رحب بفاتن فقال عزيز: أري كاريمان مهمومة و مكدرة من وقت زيارة سالم لها صباحاً .. ماذا حدث ؟!
منصور بك : إن خلافا حدث بين السيد سالم و بسمة فتركت البيت و ذهبت كاريمان معه للبحث عنها
عزيز : هل وجدوها ؟!
منصور بك : نعم .. في منزل خالها سعيد بتوريل لكنها ترفض العودة
فاتن: يبدو الموضوع شائكاً
منصور بك : هو كذلك
في المساء ذهب سالم مع صديقه رياض لأخذ تصريح البدأ في الغزل و النسيج من سلطة الانجليز بينما وصل خبر بقاء بسمة لدي خالها إلي السيدة حفيظة مع فاتن فارسلت لها عربة خاصة مع خادم يحمل لها رسالة فتحتها لتقرأ الاتي " أنتظر قدومك إلي قصري لان أمور هامة جدا يجب أن نتحدث بها " !!
تعجبت بسمة لمحتوي الرسالة و عندما سألها الخادم : هل ستاتين معي ؟ قالت بخوف : نعم !!!