رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثاني 2 بقلم أمل نصر
واقفة باعتدال وأناقة، فاردة ظهرها بعزة، من يراها لايصدق أنها مولودة في حارة، فملابسها المهندمة وأسلوبها الراقي في التعامل يعطي صورة مثالية لكل فتاة طموحة مثلها، جاهدت وثابرت لكي تصل لهذه المكانة، في شركة عريقة مثل هذه ومع رجل كعامر الريان، لا يرحم ولا يتساهل بعمله، رغم طيبته ومودته الدائمة لها؛ كانت ممسكة بإحدى الملفات، تنتظر انتهاء رئيسها ورئيس الشركة كلها من مراجعة إحدى العقود قبل أن يمضي بقلمه عليه، رفع رأسه إليها سأئلًا بملل: - هو انت عايزة الإمضة ضروري النهاردة؟
تبسمت بدهشة قائلة: - مش انا اللي عايزة ياعامر بيه، دا الشغل هو اللي عايز!
عوج فمه بفكاهة وهو ينظر لورق العقود أمامه على المكتب قبل أن يعود اليها قائلًا: - بس النصوص اللي في العقد ده كتير قوى، وحاطين شروط كمان ورغي كتير، لا بقولك إيه؛ انا زهقت.
ختم جملته وهو يدفع بملف العقد امامه على المكتب ناحيتها، ضحكت هي بعدم تصديق: - الله، امال مين بس اللي هايمضي ياعامر بيه؟ اجيب حد من الشارع يعني يمضي مثلًا؟
- وتجيبي من الشارع ليه ياستي؟ هو انا ماعنديش ولاد بقى عشان يمضوا ويشيلوا عني؟
قطبت سائلة بدهشة: - ولاد! انت قصدك إيه ياباشا؟
أجابها وهو يخلع نظارته ويجيبها منتهدًا بتفكير: - قصدي اني كبرت يا كاميليا ومعدتش عندي صحة
للضغط زي زمان.
حركت رأسها بعدم فهم فتابع: - انا قررت استسلم لزن مراتي ياكاميليا واسافر اوروبا اخدلي أجازة طويلة شوية وبالمرة أكمل علاجي في المانيا.
- طب والشغل ياعامر بيه، مين اللي هايقوم بيه؟
سألت بحيرة، أجابها: - ماهو دا اللي كنت عايز افاتحك فيه من الاول يا ست كاميليا، بصراحة كدة انا عايزك تشدي حيلك شوية في الشغل الفترة اللي جاية، لأن الشركة هاتبقى من ضمن المجموعة اللي بيديرها جاسر ابني، وانتِ عارفة ابني بقى وقته قليل ومسؤلياته كتير.
تمتمت كاميليا بذهول أمام الرجل: - جاسر بيه! بس دا عصبي جدًا والشغل معاه صعب أوي كمان.
ضحك الرجل مخاطبها: - وافرضي بس انه عصبي والشغل معاه صعب كمان؛ انتِ قدها ياكاميليا ولا انت معندكيش ثقة في نفسك.
اومات له تتصنع الأبتسام وهي تغمغم بداخلها: - وأنه ثقة دي اللي تنفع مع ابنك؟!
تلعثمت الكلمات بفمها بعد أن ضاع تركيزها ونست ما كانت تفعله منذ ثوانيٍ قليلة، قبل أن يجفلها هو بدلوفه إليها وسؤالها بتشكك، قلبها يضرب بقوة داخل أضلعها، تشعر ببرودة تجتاح أطرافها خوفًا من هذا الرجل الواقف أمامها بصمت وملامح وجهه المغلفة بغموض وتجهم، تشعرها وكأنها متهمة ويجب عليها اثبات براءتها: - بتمأمأي ليه ماتردي؟ انتِ مين وبتعملي هنا إيه؟
أجابت سريعًا: - انا زهرة سكرتيرة الأستاذ مرتضى حسنين مدير الحسابات، كنت جاية اشوف صاحبتي وماشية على طول اهو والله.
سألها بتجهم رافعًا حاحبه الإيسر بشر: - ولما انتِ سكرتيرة مرتضى، بتعملي ايه في الملفات هنا في الشركة وكاميليا مش موجودة؟
- أقسم بالله ماهو ملف ولا مستند حتى؟
صرخت بها تدافع عن نفسها وتابعت وهي تناوله الورقة التي تذكرتها اَخيرًا بعد أن رأت نفسها في موضع اتهام بالفعل.
نظر هو للورقة سريعًا ثم عاد اليها يردف باستنكار: - قسمة مطولة! ليه بقى؟ هو احنا في حصة حساب هنا ولا في شركة محترمة؟ ايه لعب العيال ده؟
صرخته بالاَخيرة جعلت قلبها يكاد أن يتوقف من الخوف فخرج صوتها بقوة رغم اهتزازه: - مش انا اللي بلعب على فكرة، دي مسألة ادتهاني كاميليا تخص اخوها ميدوا في تالتة ابتدائي، قالتلي اساعدها في حلها عشان تراجعها هي لاخوها بعد كدة...
قاطعها بحزم سائلًا: - وانت بقى سايبة شغلك في الحسابات عشان تيجي تساعدي كاميليا واخوها هنا؟
هتفت بعدم سيطرة: - انا مش سايبة شغلي ولا حاجة، انا جيت وشوفت صاحبتي في البريك عادي يعني، واديني ماشية اهو قبل ماينتهي كمان.
- أستني عندك
اوقفها هادرًا بمجرد ان تحركت أقدامها وأكمل
- تخرج كاميليا الأول واتأكد من صدق كلامك، وبعدها بقى ممكن اسمحلك تنصرفي.
تماسكت تقف محلها كما أمرها هذا الرجل المرعب، تمنع قدميها بصعوبةمن السقوط وبداخلها تناجي ربها لخروج كاميليا اليها بسرعة.
سألها فجأة مضيقًا عيناه: - انتِ البنت اللي اتصدرتِ قدام العربية الصبح واتخانقتي مع عبده السواق؟
رغم دهشتها من تذكره لها ليضيف اليها اتهام اَخر وهي تجزم بداخلها انه لم يكلف نفسه عناء الإلتفاف نحوها، تمكنت من الإجابة نافية تدافع عن نفسها: - مش انا اللي اتصدرت على فكرة، سواقك هو اللي كان هايدوسني وهو اللي شتمني كمان من غير مااعمله حاجة.
هز برأسه قائلًا بابتسامة مستخفة: - يعني انتِ كمان بتجيبي اللوم على السواق مش على نفسك، على العموم كاميليا خارجة دلوقتي، واما شوف حكايتك ايه،.
تكتفت بذراعيها ورفعت ذقنها للأمام تنتظر خروج كاميليا بثقة، رغم النيران المشتعلة داخلها، فرد نفسه هو يضع يديه بجيبي بنطاله وسترته عائدة للخلف، يحدق بها ويتفحصها جيدًا، من حجابها الطويل على غير عادة الفتيات في شركاته، ملابسها الفضفاضة بشدة، وجهها البيضاوي، ملامح عادية لفتاة جميلة لاتختلف كثيرًا عن معظم الفتيات، سوى انها لا تضع شئ من مساحيق الجمال، حتى كحل عينيها التي لم ترفعهم اليه جيدًا ليتحقق من لونهم، رموشها السوداء الطويلة تبدوا طبيعية كباقي ملامح وجهها، انفاسها تعلو وتهبط بأضطراب أو غضب لا يعلم،.
وهي واقفة بتململ من نظراته المتفحصة وعيناها التي لا ترفعهم كالعادة بوجه أي رجل غريب، كانت تتنقل مابين النظر الى باب المكتب الكبير، او الإلتفاف نحو أي شئ في الغرفة، إلا هو.
التفت الإثنان فجأة على فتح باب المكتب الكبير وخروج كاميليا التي سألتهم بإجفال من هيئتهم المتخفزة: - في إيه؟ هو إيه اللي حصل؟
بعد قليل
- ما خلاص يابنتي كفاية بقى، هي حنفية وفتحت؟ كدة الموظفات هاياخدوا بالهم.
همست بها كامليا لزهرة كي تحُثها على التوقف عن البكاء وهي واقفة معها بداخل الغرفة الكبيرة الخاصة بحمام السيدات
زهر وهي تمسح بالمحرمة الورقية وصوتها خارج ما بين بكاءها: - مش قادرة ياكاميليا، الراجل ده خوفني قوي، دا كان بيقرر فيا وكأني حرامية او بنت حرام.
ردت كاميليا بأسف: - سامحيني يازهرة عشان كنت السبب في الموقف الزبالة اللي حصل معاكي ده، بس انا كنت هاعرف منين بس ان جاسر الريان هايطب فجأة كدة، بصراحة عامر بيه بكل شدته، مايجيش نقطة في جاسر ده.
- انتِ بتقولي فيها، دا انا حاسة برجلي شايلني بالعافية وجسمي لسة بيتنفص من ساعة ما قابلته وشوفته.
- طب ثواني.
اقتربت منها كاميليا تمسك يدها فهتفت مذهولة: - يانهار ابيض، دا انتِ إيدك متلجة يابنتي، هو لدرجادي اترعبتي منه؟
اومأت برأسها زهرة وازدادت في البكاء فاأكملت كاميليا: - يابنتِ اهدي بقى، دا مكانتش مقابلة دي؟ امال انا بقى اللي هايبقى رئيسي في الشغل وتقريبًا ممكن اشوفه يوميًا اعمل ايه؟ انتحر يعني؟
شهقت زهرة قائلة: - انا مش هاعتب مكتبك دا تاني أبدًا ياكاميليا، وانتِ لو عوزتيتي تبقي تتصلي بيا او تجيني لكن طول ما الراجل ده رئيسك في الشغل انسي ان اروحلك نهائي.
رتبت كاميليا على ذراعها بحنان: - خلاص ياحبيبتي ولا يهمك، اجيلك انا ياستي ولا تزعلي، بس اهدي كدة انتِ بقى وانسي، دا النهاردة يوم القبض، يعني هاندلع نفسنا بقى ونروش زي الشهر اللي فات ولا انتِ نسيتِ؟
اشرق وجهها بابتسامة فهتفت كاميليا: - ايوة بقى لما جبنا سيرة القبض وشك نور اهو، حبيبتي يازوز اغسلي وشك بقى وفوقي.
- في مقر شركته الأصلية، كان منكفئ على مراجعة مجموعة من الأوراق والعقود التي الموضوعة أمامها على سطح المكتب، متناسي كالعادة الوقت رغم حجم الإجهاد الذي يشعر به، رفع رأسه فجأة نحو باب المكتب الذي اندفع فجأة بعد طرقة خفيفة من صاحب عمره والذي هتف بملل: - انتِ لساك برضوا بتراجع في العقود؟ ارحم نفسك يابني شوية بقى.
تبسم له ناهضًا يتقبل عناقه وترحيبه قبل ان يومئ لها للجلوس على الإريكة الجلدية في إحدى زوايا المكتب وجلس هو بجواره فاردًا ذراعيه على اطرافها براحة، وقال: - اعمل ايه بس ياعم طارق؟ عمك عامر الفترة اللي فاتت وقع على عقود واتفاقيات كتير، وانا مش عايز اغفل عن حاجة منهم، دا غير اني عايز افهم كل صغيرة وكبيرة في الشركة مدام خلاص، هاتبقى تحت مسؤليتي.
- طب إيه؟ انت هاتدير المجموعة من هنا بقى، ولا هاتستمر بنفس الوضع القديم.
سأل عمر باستفسار أجاب عليه جاسر: - لأ طبعًا دا هايبقى وضع مؤقت على مافهم الجو هنا في الشركة الأول واعرف النظام اللي هاتعامل بيه مع الموظفين.
ربت على ركبة صديقه بدعم: - ربنا يديك الصحة ياحبيبي ويقويك على المسؤلية الكبيرة دي، بس برضوا؛ انت لازم تراعي لنفسك شوية مش كل حاجة شغل شغل، ان لبدنك عليك حق ياعم ياجاسر ولا إيه؟
مط شفتيه بعدم اكتراث فتابع طارق سائلًا: - هو انت لسة برضوا على وضعط انت ميرا؟ مافيش أي تقدم في علاقتكم نهائي؟
غمز بوجنته باستخفاف قبل أن ينهض فجأة قائلًا: - كبر مخك ياعم طارق وخليني اضايفك في مكتب السيد الوالد، تحب إيه بقى، انه حاجة ساقعة من دول ولا اجيبلك عصير أحسن؟
قال الاَخيرة مشيرًا بيده على مجموعة كبيرة من المشروبات الغازية والعصائر، المثطفة بداخل الثلاثة الصغيرة التي فتحها بجوار المكتب.
أجابه طارق: - لادي ولا دي، هاتلي إزازة ميا اشرب منها وخلاص.
في نهاية اليوم.
وبعد أن تسوقوا قليلًا بزيارة بعض محلات الملابس والأحذية والهدايا، فرحين بصرف المرتب الشهري، ابتاعت كاميليا طقمين للخروج وحذاء وبعض البيجامات البيتية المريحة، قلدتها غادة في الشراء وزادت بشراء أنواعٍ عدة مساحيق التجميل والكريمات الخاصة بالبشرة، أما زهرة والتي كانت مقررة شراء هاتف جديد تنازلت تؤجل شراءه للشهر القادم حتى توفر ثمن حصص الدرس لشقيقتها وعلاج جدتها، ولكن مع اصرار كاميليا وغادة، اذعنت لإصرارهم وابتاعت لها فستان واسع بألوان مبهجة مع حجاب من الون الوردي انعكس على بشرتها الخمرية والمختلطة بحمرة فزادها بهاءًا وجمالًا، وفي نهاية الجولة لم تسمح لهم ميرانيتهم بتناول وجبة الغداء في مطعم، فاضطروا لشراء شطيراتهم من إحدى العربات المصطفة في الشارع، يكملوا التسكع بالسير ومشاهدة المحلات وكل واحدة بيدها شطيرتها وعلبة مياه غازية.
قالت كاميليا بسعادة: الله يابنات، دا الخروجة معاكم تطول العمر بجد.
- عشان تندمي انك مشاغلتناش معاكِ من زمان.
قالت غادة متصنعة المزاح، ردت كاميليا بحرج: - ويعني هو كان بإيدي بس ياغادة، انا كنت في كل مرة يطلبوا فيها موظفين ببعتلكم، وانا موظفة صغيرة، لكن بقى لما وصلت ان ابقى مديرة لمكتب عامر بيه، قدرت وقتها بس اني اتوسط لكم.
رمقتها زهرة بنظرة محذرة قبل ان تخاطب كاميليا بامتنان: - سيبك منها ياكاميليا هي بتهزر وانتِ عارفة بقى هزارها تقيل، دا انت تشكري ياحبيبتي انك افتكرتينا أصلًا، هو في حد في الزمن ده بيفتكر اصحابه ولا أهله حتى؟
صمتت غادة بخزي قبل أن تغير مجرى الحديث: - ايوه صح عندك حق يازهرة، طب بقولك إيه ياكاميليا؛ هو انتِ مفكرتيش كدة تشترى عربية أقله عشان ترحمي نفسك من المواصلات وبرضوا عشان الوجاهة وصفتك في الشركة.
تبسمت كاميليا مستجيبة لحديثها وقالت: - لا ياستي أكيد فكرت طبعًا وبحاول، بس شرا العربية عايز فلوس كتيرة الأيام دي، خصوصًا مع واحدة زيي لساها بتساعد عيلتها، لكن أن شاء الله اقدر اشتري واحدة محندقة على قدنا قريب، عشان أخدكم في المرواح والمجي معايا يابنات.
صفقت غادة مهلله بمرح
- أيوة بقى خلينا نبان هوانم، زي المضاريب الموظفات اللي في الشركة معانا، حبيبتي والله ياكاميليا.
تبسمت الفتاتين لمزاح غادة قبل أن تنتبه زهرة للوقت: - طب مش يدوبك بقى نروح، انا اتأخرت أوي على ستي وقلبي اتوهوهش عليها.
قالت زهرة بقلق، استنكرته غادة قائلة: - قلبك اوتهوهوش ازاي بس يازهرة؟ إشحال إن ماكنتِ بتتصلي بيها كل شوية، دا غير ان اختك صفية مراعيها حسب ما سمعت منك، ولا انتِ صعبان عليكِ تشمي هوا نضيف برة الجحر اللي حابسة نفسك فيه بقالك سنين.
احتقن وجه زهرة بالغضب فسبقتها كاميليا في الرد: - هي عندها حق على فكرة احنا فعلًا اتأخرنا ويدوبك نمشي.
همت غادة تعترض فلم تُعطيعها كاميليا الفرصة فتابعت: - السندوتش اللي في إيدي ده ماينفعش اروح ابيه، أنا هاديه للراجل اللي هناك ده، شكله غلبان وعلى البركة.
تأففت غادة وهي تتبع الاثنتان حتى توقفوا أمام رجل رث الثياب، جالس على كرتونة من الورق في ركن اَمن نسبيًا من السيارات والمارة، يهز برأسه ويضحك للفتاتين ببلاهة، تبسمت قائلة: - يامشاء الله، دا انتوا اديتولوا سندوتشات الكبدة والسجق بتوعكم، وعلبة العصير بتاعتك كمان يازهرة عشان يبلع بيها، يعني ياكل ويحلي براحته كمان.
حذرتها زهرة قائلة: - خلي بالك من كلامك معاه ياغادة، دا راجل على البركة اَه؛ بس بيفهم.
- اممم على كدة انت صح على البركة ياعم؟
سألت الرجل باستخفاف، فكان رده ان تلاعب لها بحاجبيه يهز رأسه بابتسامة غير مفهومة، جعلت الفتيات يضحكن على فعلته بمرح، شاكسته كاميليا: - ايه ياعم انت هاتعاكس ولا إيه؟ وانا اللي قولت عليك طيب وجميل.
ردد بأسلوبٍ أثار ابتسامة مختلطة بالأندهاش على وجه الفتيات: - ماانا جميل واسمي جميل وحتى ابني كمان هاسميه جميل.
- طب قولنا بقى ياجميل لو تعرف، مين فينا اللي هاتتجوز الأول، انا ولا دي ولادي؟
سألته غادة وهي تشير نحوها ونحو زهرة وكاميليا أيضًا، كور هو شفتيه المنغلقة بشكلٍ فكاهي، يهز راسهِ بمرواغة و ينظر اليهم بتفحص اثار ضحكات الثلاثة. فقال أخيرًا باقتضاب: - هاتتجوزوا انتوا التلاتة.
شهقت غادة مستنكرة باعتراض: - بس كدة هو دا اللي ربنا قدرك عليه، طب حتى اعمل بسندوتش الكبدة وعلبة العصير اللي في إيدك وقول حاجة مفيدة تريح قلبنا، مش انت مبروك برضوا؟
لكزتها زهرة لتنبهها بعدم أحراجه ولكنها لم تبالي فوجدته فجأة يجيب والطعام في فمه: - واحدة فيكم هاتتجوز غفير والتانية هاتتجوز وزير والتالتة هاتتجوز أمير.
انطلقت ضحكات الثلاثة مرة أخرى فخاطبته كاميليا بسخرية.
- غفير ووزير وأمير، ايه الجو القديم ده، هو احنا في الف ليلة وليلة ياعم؟
اومأ لها بتأكيد: - انا مابقولش قديم انا بتكلم صح.
رفعت غادة كفيها امامه قائلة بمرح: - حلو ياعم، يبقى انا اللي هاتجوز الأمير.
هز رأسه بنفي وهو يشير بسبابته: - لا انتِ هاتتجوزي الغفير، دي اللي هاتتجوز الأمير.
شهقت ساخرة وهي ترى وجهة سبابته نحو زهرة: - يخيبك، طب كنت قول كاميليا يمكن كنت اصدق، انما زهرة،!
قطعت جملتها وهي تشير الى الفتيات كي يذهبوا: - امشي يابنتِ امشي، دا باينه راجل خرفان واحنا هبل اللي نصدقه.
تبسمت زهرة كي تخفي حرجها من تلميح غادة الجارح لها: - قلبك ابيض ياغادة، هو كان جد يعني!
ردت كاميليا بفكاهة وهي تتحرك معهم: - بس انا بصراحة بسطتني لما قال وزير، اهو قدرني وخلاص ياجدعان.
غمغمت غادة بكلام حانق وهي تسير مع الفتيات عائدات لمنزلهم، فنظر الرجل لأثرهم بعد ان ابتعدن وهو يهتف: - برضوا هي اللي هاتتجوز الأمير وانتِ هاتتجوزي الغفير!
حينما عادت زهرة لبنايتهم، دلفت لشقة أبيها اولًا لتطمئن على شقيقاتها وزوجة أبيها سمية المرأة الطبية، البائسة، متعوسة الحظ، كما تسمي نفسها دائمًا، كانت تشتكي وتصف عن ضرب زوجها لها بسبب دفاعها عن ابنتها، والتي تركت اثاره على جسدها كالعادة.
- شوفتِ يازهرة، اهي العلامات اللي في إيدي دي ماتجيش شكة في اللي مزهرين في ضهري من ورا وعلى كتفي، انا مش عارفة ابوكي دا امتى بس ربنا يهديه ويفهم اني كبرت عالبهدلة وقلة القيمة دي؟ لما اخلص في إيده ولا لما اموت وحدي من القهرة والظلم اللي انا عايشة فيه؟
ختمت جملتها بشهقة كبيرة وبكاءٍ حارق، اوجع قلب زهرة التي ربتت على كتفها تهون: - معلش ياخالتي سمية، ربنا يفك كربك، بصراحة انا مش عارفة اقول إيه؟ ادعي عليه وهو أبويا! ولا ادعيلوا بالهداية عسى انه يحصل.
يحصل فين بس يابنتي؟ دا انا بقالي سنين بدعيها الدعوة دي لحد ماتعبت وقرفت، ولساني تقل عليها، ومابقتش اخرج غير على الدعوة عليه وربنا يسامحني.
صمتت زهرة لا تقوى على مجادلتها فمن وضعت مكانها تملك الحق في قول كل شئ، تابعت سمية: - عارفة يازهرة، معلش يعني لو هاقولها في وشك، بس حقيقي بجد؛ أنا بحسد الست والدتك ان ربنا لطف بيها ورحمها من عشرة ابوكي.
ابتلعت زهرة الغصة بحلقها تتجرع الألم، تُعطي العذر للمرأة في طيبتها وحسن نيتها، لنبشها عن الجرح القديم بداخلها، وتذكيرها بعقدة حياتها! خرج صوتها بصعوبة وهي تناول المرأة بعض الأوراق المالية: - خدي ياخالتي، ادي لصفية حق الدرس وتبتي انت على الباقي بعيد عن ابويا.
اعترضت سمية: - لا والنبي يابنتي ماانا واخدة حاجة منك، دا حتى يبقى حرام.
قاطعتها زهرة بإصرار: - حلفان على حلفانك هاتاخديهم يعني هاتاخديهم.
بعد خروجها من شقة والدها واعطاء سمية ماتحتاجه من نقود هي وابنتها صعدت زهرة لشقة جدتها في الطابق الأعلى والذي ما أن وطئت اقدامها اقرب درجاته، تفاجأت بأبيها أمامها مستندًا على إطار الباب بجسده النحيف وبيده سيجارته التي يدخن بها: - أهلًا بالبرنسيسة، اخيرًا افتكرت ان ليكي بيت عشان ترجعيلوا؟
تفوه بها، قبل أن يصمت قليلًا وعيناه أتت على الكيس البلاستيكي الذي يضم فستانها الجديد وبعض الأشياء التي ابتاعتها بصحبة الفتيات، رفع رأسه اليها سائلًا بحدة: - فضلتي حاجة بقى من مرتبك بعد اللي بعزقتيه وصرفتيه النهاردة يابت فهمية