رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و العشرون بقلم سهام صادق
شعرت "ليلى" بالحرج وهي تنظر إلى الفستان ثم ألقت نظره خاطفة نحو باب الحمام الذي أغلقته "نارفين" بعدما دفعتها داخله، عادت تنظر إلى الفستان ذو الملمس الناعم لتتنهد وتبدأ في إزاله الثوب الذي ترتديه.
انتفضت عندما سمعت طرق "نارفين" على الباب وقد ظنت أنها ستفتح الباب لذلك أسرعت في تغطية جسدها بالفستان الذي بيدها بعدما أصبحت شبه عارية.
_ "ليلى"، سأذهب لأسفل حتى اصنع لنا كأسين من العصير...
قالتها "نارفين" وهي تبتسم بعدما لمع المكر في عينيها لتسرع "ليلى" قائلة:
_ لا، مينفعش..أنا مش عايزه عصير.
ابتسمت "نارفين" وهي تتحرك بخفه من وراء الباب.
_ لا تقلقي "ليلى".. لا أحد غيرنا هنا..ارتدي الفستان على مهلك وقد تركت لكِ أدوات الزينة خاصتي حتى تضعي منها القليل.
_ مدام "نارفين" أرجوكِ استنى.
وقفت "نارفين" على أعتاب الغرفة وأردفت وهي تسحب الباب ببطئ حتى تغلقه.
_ لِما أنتِ قلقة "ليلى"، استمتعي يا فتاة قليلًا ألا تحبي أن تري نفسك جميلة... الاكتئاب يزول عنا نحن النساء عندما نفعل شئ يعيد ثقتنا بأنفسنا.
_ لا أنا هلبس بس الفستان عشان تشوفيه عليا.
لطمت "ليلى" جبينها بعدما خرج منها الكلام بالعربية من شدة توترها ونسيت أن "نارفين" تفهم الإنجليزية كلغة ثانية بعد لغتها الأم لكن قلَّما تحدثت العربية أو فهمتها.
_ سأغلق باب الغرفة حتى تأخذي راحتك "ليلى".. لا تقلقي أنا بالأسفل لن أغادر.
قالتها "نارفين" ثم أغلقت الباب وأوصدته بالمفتاح الذي تركته بالباب.
_ مدام "نارفين".
زفرت "ليلى" أنفاسها بعدما أدركت أنها تركتها وذهبت إلى الأسفل.
_ شكلها نزلت المطبخ عشان تعمل العصير.
تمتمت بها ثم مطت شفتيها بعبوس ورفعت الفستان لترتديه، انساب بنعومه على جسدها لتتلمسه بيديها.
رفعت قبّة الفستان لتستطيع غلقه من الخلف ثم استدارت نصف استداره بجسدها لكن سُرعان ما احتل الضيق ملامحها عندما انتبهت على طول فتحته...
هزت رأسها بنفاذ صبر، فالفستان ليس له سحاب لإغلاقه بل كان غلقه بـ اثنين من الأزرار التي كل منهما يبعد عن الأخر بضعة إنشات.
أغمضت عيناها لتحاول غلقهم لكن اليأس تملك منها خاصةً أن إحدى يديها تؤلمها منذ الأمس.
_ ليه ملهوش سوسته..كان يبقي أسهل.
عبست بملامحها بعدما أصابها الضجر وقد تعرق جبينها لتزفر أنفاسها بقوة؛ فأخيرًا تمكنت من غلق واحدًا.
هبطت بعينيها نحو أطراف الفستان لتبتسم قائلة:
_ محتاج يتقص ويتظبط شويه.
واستطردت وهي ترفع أطرافه.
_ الفستان عاجبني لكن مينفعش أقبله، الهدية لازم تترد بأحسن منها وأنا مش هقدر اقدم ليها حاجه تناسبها.
حسمت أمرها واتجهت نحو باب الحمام تهتف من ورائه.
_ مدام "نارفين" أنتِ موجوده؟؟.
تنهدت بإحباط ثم وضعت أذنها عليه وأعادت الهتاف باسم "نارفين".
لم تجد أمامها إلاّ الخروج من الحمام؛ فبالتأكيد مَازالت "نارفين" بالأسفل.
خرجت بتوتر تنظر حولها لتجد الباب مغلق كما أخبرتها...
شعرت بالفضول لرؤية مظهرها بالمرآة رغم أنها لمحت جزء من الفستان عليها بمرآة الحمام لكنها كانت بحاجة لترى مظهر الفستان بأكمله على جسدها.
ابتسامة واسعة ارتسمت على محياها وهي ترى مظهرها.
دارت بجسدها حتى ترى الفستان من الخلف وقد عاد عقلها يعمل بكيفية تظبيطه حتى يناسبها كامرأة محجبة.
_ وبتقولي هترفضي الهدية وانتِ بتفكري هتظبطيه إزاي.
هتفت بها لحالها ساخرة لتمط شفتيها بعبوس ثم ضحكت على ما تفعله.
_ شكلي اتعديت مطت الشفايف من "شهد".
عادت تنظر نحو الباب وقد احتلت الحيرة ملامحها.
_ هي اتأخرت ليه، كل ده بتعمل العصير.
خرجت تنهيدة عميقة منها وهي تلقي ببصرها نحو طاولة الزينة التي وضعت عليها "نارفين" أدوات التجميل خاصتها كما أخبرتها.
هي بحاجة لفعل شئ يخرجها من حالة الكآبة التي بها... مدّت يدها بتردد نحو ظلال العيون لكن عاد التردد يرتسم مرة أخرى على محياها عندما مدّت يدها نحو طلاء الشفاه.
زينت ثغر "نارفين" ابتسامة متوتره عندما تقابلت مع "عزيز" أثناء خروجها من بوابة المزرعة.
حياها "عزيز" وقد استغرب من نظراتها المرتبكة له ولكنه لم يهتم بالأمر.
استكمل سيره إلى الداخل ثم زفر أنفاسه قبل أن يدفع الباب الداخلي للمنزل ليتحرك نحو الدرج قاصدًا تلك الغرفة التي أخبره "نيهان" أن يدخلها فقد جعل "نارفين" تضع له ملابس نظيفة من ملابسه وتجهز له الحمام.
نسيت "ليلى" نفسها وهي تتزين أمام المرآة، جمعت شعرها لأعلى لتنظر إلى مظهرها قائلة بعدما عادت صورة "مريم" التي اقترحتها "نيرة" كعروس لعمها.
_ أنا أحلى منها.
غادرت تلك السعادة المؤقتة قلبها الذي قرر نسيانه حتى بعد علمها بأن تلك العروس قد انتهى أمرها.
نظر "عزيز" نحو الباب المغلق الذي وضِع فيه المفتاح بالخارج، هز رأسه وهو لا يفهم سبب غلق الباب ووضع به المفتاح ليكون علامة للغرفة التي عليه دخولها.
التقطت "ليلى" أحمر الشفاه مجددًا حتى تزيد طلاء شفتيها بذلك اللون الصارخ الذي أعجبها.
_ كده كده مصيرك هتتمسح بعد شوية، بس أنا مبسوطة وانا بلعب بشكلي... أنا مش هنسي ابدًا الموقف ده لمدام "نارفين"..
حدثت نفسها ثم تساءَلت:
_ أنا مش عارفة هي اتأخرت ليه...
انقطع حديثها مع نفسها عندما وجدت الباب يُفتح ببطئ لتلتف بجسدها قائلة:
_ اتأخرتي أوي عليا... تعالي شوفي أنا...
انحبس الكلام في فمها وارتفعت وتيرة أنفاسها وهي تراه يقف أمامها وقد ارتسم الذهول على ملامحه.
_ "ليلى"
خرج اسمها بهمس من شفتيه وقد تسارعت نبضات قلبه من رؤياها بتلك الهالة المهلكة.
سقط أحمر الشفاة من يدها بعدما خانتها أطراف أصابعها.
تحرك نحوها وقد خرج الكلام منه متحشرجًا.
_ أنا أكيد بحلم.
اقترابه منها وتلك النظرة التي تراها في عينيه جعلتها تنتبه على وضعها أمامه... لا حجاب يغطي رأسها وعنقها يظهر بسخاء كما أن أكتاف الفستان مرتخيه قليلًا لعدم غلقها لأحد أزراره من الوراء.
اتسعت عيناها عندما انتبهت لكل هذا وقد فاقت من صدمة وجوده أمامها فجأة وذهولها اللعين الذي جمد حركتها وحبس أنفاسها.
_ "عزيز" بيه..متقربش ،أرجوك غمض عينيك.
_ وتفتكري هقدر ابعد يا "ليلى".
قالها بصوت خافت لم يصل إليها وقد كانت تدور حول نفسها حتى تبحث عن مخرج لها أو شئ تضعه على رأسها ... اتجهت عيناها نحو باب الحمام وسُرعان ما كانت تتحرك جهته.
_ ارجوك متقربش.
يده اجتذبت ذراعها عندما تحركت من أمامه، يزدرد لُعابه وقد خرجت أنفاسه في لهاث كمن يصارع شئ.
انفتح الزر الخلفي للفستان كما سقطت خصلات شعرها حولها ليجتاحه شعور غريزي دفعه إليه شيطانه.
ضمها إليه بأنفاس مسلوبة هادرة؛ فهي بفتنتها وتوقه الشديد لها جعلته يفقد صوابه.
_"عزيز" بيه ،سيبني أرجوك.
همسها لاسمه بتلك النبرة المرتعشة لم تكن تزيده إلاّ حاجةً لها.
_ مش قادر يا "ليلي"... أنا شايفك قدامي حلم جميل..
حاولت تخليص جسدها من آسر ذراعيه لكنه كان يضمها له بقوة.
عيناه وقعت على بشرة ظهرها ودون إرادة منه كان يحرك شفتيه على عنقها.
اتسعت عيناها في ذعر وانتفضت بين ذراعيه تبكي وتتوسله راجية.
_"عزيز" بيه ،متعملش فيا كده..أرجوك سيبني.
شعر بالصدمة من حاله، هو لم يكن يحلم كما اقنع عقله.."ليلى" حقيقة أمامه... وهو ماذا كان يفعل بها.
ابتعد عنها كالملسوع يقبض على كفيه بقوة وأغلق جفنيه قائلًا بصوت ضائع كصاحبه.
_ أمشي يا "ليلي"، ارجوكِ امشي من هنا.
نظرت إليه بعيون زائغة وقد تمكنت الرجفة من سائر جسدها ثم خرج صوتها مكتوم ومهزوز.
_ فستاني فى الحمام.
تنهد وهو مَازال يغلق عينيه وقد استدار بجسده؛ فصار ظهره لها.
_ ادخلي غيري هدومك وامسحي اللي حطاه على وشك.
انفلتت شهقتها وهي تتحرك نحو الحمام ليفتح عينيه بعدما سمع صوت الباب ينغلق.
استمع إلى صوت بكائها الذي مزقه يقبض على كفيه بقوه ثم لطم بهما على الجدار.
لقد سقط في شِرك الخطيئة واستطاع الشيطان استدراجه.... "سمية" سعت لسنوات حتى تستدرجه حتى بعد طلاقها منه إلاّ أنه كان يصدها بقوه... ليس معصومًا من الخطأ لكنه ظَنّ أنه يستطيع صد أهواء النفس.
عاد يغمض عيناه بقوة بعدما ارتفع صوت بكائها.
زفر أنفاسه وتحرك نحو باب الحمام ليسند جبينه عليه قائلًا بصوت رخيم.
_ كل حاجه هتتصلح صدقيني.
وبصوت متهدج أردف.
_ بعد اللي حصل بينا لازم نتجوز يا "ليلى".
زادت في بكائها بعد سماع عبارته الأخيرة ليخرج صوته برجاء.
_ أرجوكِ متعيطيش ،دموعك بتقتلني يا "ليلى".
ابتعد عن الباب واتجه نحو شرفة الغرفة يفتح ستارها ليستطيع زفر أنفاسه المحبوسة.
تنهد بعدما ابتعد عن الشرفة وقد أزاح السِتار مرة أخرى وتوقف في حيرة ثم تحرك نحو باب الحمام وهو يشعر بالقلق عليها.
ابتسمت "سمية" عندما لمحت طيفه من وراء السِتار... لتتحرك نحو باب المنزل الداخلي الذي لم يكن مغلق بإحكام.
التمعت عيناها وهي تهندم من قميصها الشفاف وتعدل من تنورتها القصيرة... فسعادتها لا توصف منذ أن بكت إليها ابنتها بالهاتف وأخبرتها بغضبه منها بسبب فعلتها ورفضة لتلك الفتاة التي اقترحتها عليه.
صعدت الدرج بتمهل وببطئ وهي تعرف أي الغرف ستتجه إليها.
تنفس الصعداء وهو يراها تخرج أخيرًا من الحمام وقد ضمت الفستان الذي كانت ترتديه نحو جسدها.
أخفض عيناه بخزي من نفسه وهو يرى خوفها منه لتتجه نحو الفراش حتى تضع فستان "نارفين" عليه.
اتسعت حدقتيّ "سمية" في صدمة ممزوجة بالذهول وتراجعت منزوية وراء الجدار بعدما رأت "ليلى" تخرج من الحمام و "عزيز" يقف في منتصف الغرفة.
كتمت شهقتها بصعوبة تهز رأسها برفض... "عزيز" مع تلك الفتاة.
عادت عيناها تتجه إلى داخل الغرفة وقد وضعت يدها على شفتيها حتى لا تخرج أنفاسها التي تسارعت.
_ أنتِ كويسة، صدقيني اللي حصل غصب عني..مقدرتش اتمالك نفسي لما شوفتك قدامي كده. مكنتش اعرف إنك موجوده هنا.
خرج الكلام منه دفعة واحده حتى يُبرر لها جُرمه الذي لن يغفره لنفسه إلاّ بعد زواجه منها.
أغمضت "سمية" عيناها بعد ما سمعته، لا تصدق أن "عزيز" الذي رفضها حتى وهي زوجته بعدما فقدت صوابها -في الليله الوحيدة التي لمسها بها وعاشرها كزوجة- وقالت له الحقيقة المخزية وهي بين ذراعيه أنها عشقته وتمنته كلما كانت في أحضان أخيه.
شعرت بعدم قدرتها على الوقوف وانسحبت في صمت لكن داخلها اشتعلت نيران الحقد.
وضعت "ليلى" الفستان وبهمس خفيض خرج صوتها متقطع.
_ ده فستان مدام "نارفين".
_"ليلى" خلينا نتكلم، ممكن.
هزت رأسها برفض وهي تتحرك ليهتف بلوعه وهو يراها تتحرك من أمامه.
_ في أقرب وقت هنتجوز يا "ليلى".
اختفت من أمامه ليغمض عينيه بقوة وقد ازدادت ضربات قلبه وخرجت أنفاسه الهادرة كأنه كان في سباق ماراثون طويل.
...
دلفت "زينب" إلى الغرفة التي وجهتها لها المشرفة بعدما حكت لها عن سلوك "يزيد" وعدم قدرتهم على التعامل معه.
_ مدام "زينب" يا ميس "نعمة".
قالتها المشرفة؛ فنهضت السيدة "نعمة" مديرة المدرسة كما وجَهَ الجالس عينيه عليها.
تحركت "زينب" نحو مديرة المدرسة لمصافحتها بعدما مدَّت لها المرأة يدها مرحبة بها.
_ اتصلنا بحضرتك لان "صالح" بيه حط رقم تليفونك بعد رقمه ومنبه أي حاجة خاصة بـ "يزيد" يا اما توصل ليه أو ليكي... هو للأسف مردش على تليفونه.
أصابتها الدهشة من تصرفه لكن سُرعان ما حصلت على الجواب داخلها... فهو تزوجها من أجل أن ترعَىٰ صغيره.
اماءت برأسها متفهمه و تساءَلت:
_ ممكن افهم حصل إيه بالظبط من "يزيد".
_ ابنك مش متربي يا هانم.
هتف بها الجالس؛ الذي عند مجيئه رأي وجه ابنه الذي أصابه الجروح من عنف ذلك الولد الذي لا يكل من ضرب صغيره.
تدخلت السيدة "نعمة" على الفور لتوضح الصورة التي تعلمها.
_ مدام "زينب" مش والدة "يزيد" هي زوجة كابتن
"صالح" والده.
_ برضو ابنها مش متربي و ولد عنيف مينفعش وجوده مع أولادنا.
لم تتحمل "زينب" سماع المزيد منه وقد فارت دمائها على الصغير الذي يعاني من سلوك مرضي واضطرابات نفسيه...... فهي تعاملت مع الصغير الذي دائمًا منزوي مع حاله لكن عندما يشعر بالخطر من حوله يصبح عنيف ليدافع عن نفسه.
_ وليه مش شايف إن ابنك كمان ممكن ميكونش متربي، بتحكم على سلوك الولد بصفتك إيه؟؟
احتدت عينين الجالس ونهض على الفور يحذرها بيده.
_ ابني متربي كويس ، شوفي سلوك ابنك الأول.
ثم أردف بتهكم قائلًا:
_ وهتشوفي سلوكه إزاي وأنتِ من الأساس مرات أبوه.
_ احترم نفسك وحاسب على كلامك.
رفعت "زينب" يدها مثله لتحذره على تطاوله، لتقف مديره المدرسه مذهولة مما يحدث أمامها.
_ يا حضرات مينفعش النقاش كده، لو سمحتوا اهدوا عشان نشوف حل.
تدخلت المشرفة الخاصة بمتابعة سلوك الأولاد قائلة:
_ مش هنوصل لحل غير لما نتكلم بهدوء... مدام "زينب"، دكتور "مازن" نتمنى تتعاونوا معانا بهدوء لأن سلوك ولادكم الفترة الأخيرة بقى عنيف.
زفر "مازن" أنفاسه بقوة وهو يلقي بنظرة غاضبة نحو "زينب" التي طالعته بنظرة يملئها الضيق.
_ ممكن نتكلم أنا و والدة الطفل لو موجودة لكن مع الشخص الهجومي ده اعذريني يا فندم.
إستشاط غضبًا بعد سماع حديثها ليقبض على يديه بقوة قائلًا:
_ سلوك الطفل واضح إنه نابع من أسرة فاقدة التأهيل.
اتسعت حدقتيّ "زينب" من كلامه المهين الذي أعقب كلامها ثم أردف بإصرار.
_ أنا محتاج والد الطفل اتكلم معاه.
تنهدت مديرة المدرسة ثم نظرت نحو المشرفة "صفاء" التي تقف مثلها في حيرة من شجارهم.
_ مدام "زينب" إحنا افتكرنا حضرتك هتتعاوني معانا لأن "شاكر" بيه دايمًا الأمور مكنتش بتتحل معاه بطريقة لطيفه.
عندما ذكرت السيدة "نعمة" اسم الجد امتقعت ملامح "مازن" لعلمه بسخافة هذا الرَجُل الذي بسببه رفضت والدته المجئ إلى المدرسة بدلًا عنه لأنها لا تجد منه إلاّ أسلوب فظ.
_ وعلى فكرة دكتور "مازن" دايمًا والدته هي اللي كانت بتابع أي مشكله بتحصل مع "عُدي" وهو اكيد مش واصل ليه الصورة كويس، فاحنا محتاجين نتكلم بهدوء.
استطاعت السيدة "نعمة" بسلاسة أسلوبها أن تجعلهم يقبلون الحوار سويًا ومعرفة الصورة بوضوح.
_ طيب يا فندم ممكن افهم إيه اللي حصل.
قالتها "زينب" بهدوء بعدما جلست على المقعد المقابل لـ "مازن" الذي جلس أمامها بعنجهية مقتتها.
_ ممكن تجيبوا الولد عشان تشوف ابنها عمل في وشه إيه.
كادت أن تتحدث "زينب" بسبب أسلوبه الفظ إلاّ أن السيدة "نعمة" قاطعتها وأشارت نحو المشرفة.
_ هاتي الاولاد يا استاذة "صفاء".
لم تستطيع "زينب" التحدث بعدما رأت جروح الطفل وقد انزوي "يزيد" حول نفسه ونظر إلى الأرض.
ركض "عُدي" لحضن والده.
_ بـابـي.
ضمه "مازن" إليه يمسح على شعره قائلًا وهو يقبل رأسه.
_ متخافش يا حبيبي.
تحركت عينين "يزيد" نحو المشهد ليزيد من ضم كفوفه ببعضهما.
شعرت "زينب" به لأنها صارت تعلم بعض الأمور عنه، "يزيد" يفتقد أن يضمه أحدًا ويطمئنه.
أسرعت نحوه وجثت على ركبتيها أمامه تحتضن وجهه بين راحتي كفيها وقد ارتعش جسد الصغير أثر فعلتها.
_ حبيبي أنت كويس.
هز الصغير رأسه نفيًا لا يستطيع الكلام من شدة ذعره وهو يرى نظرات الأخرين.
بصعوبة نطق الصغير بتعلثم وحروف متقطعة.
_ نمشي، نمشي من هنا.
ضمت الصغير إليها بعدما مزقها ذلك الشعور القاتل الذي ذكرها بوقوفها أمام عمها "هشام" عندما كان يُحسابها على شئ فعلته.
_ حاضر يا حبيبي.
احتدت ملامح "مازن" الذي كان يتابع المشهد ونظر إلى السيدة "نعمة" قائلًا:
_ هي الاستاذة فاكره إني هسكت على اللي حصل فى ابني.
استدارت "زينب" إليه بعدما مسكت يد الصغير وكادت أن تجيب عليه وتخبره أن يفعل ما يشاء لكن السيدة "صفاء" المشرفة أسرعت بأخذ الصغار قائلة:
_ أنا هاخد الأولاد يا ميس "نعمة" نقعد في الجاردن بره لحد ما مدام "زينب" و دكتور "مازن" يتكلموا ويحلوا المشكلة.
انسحبت المشرفة بهم وقد انصاع الصِغار إليها لإعتيادهم على وجودها قربهم.
أشارت لهم السيدة "نعمة" قائلة بعدما غادر الصغار.
_ أظن دلوقتي نقعد نتكلم بهدوء، أرجوكم المدرسة محتاجة تعاونكم معانا.
جلس الاثنين تحت أنظار السيدة "نعمة" التي هزت رأسها بيأس ثم تنهدت قائلة:
_ زي ما "يزيد" طفل عنيف يا دكتور فـ "عُدي" طفل مشاغب لأبعد حد حتى مستواه الدراسي ضعيف جدًا.
حرك "مازن" رأسه متفهمًا لعلمه بسلوك صغيره ومستواه الدراسي لتنظر السيدة "نعمة" نحو "زينب" قائلة:
_ "يزيد" مستواه الدراسي فوق الممتاز الولد ذكي جدًا لكنه انطوائي وعنفه بيستخدمه لما بيحس بالخطر من اللي حواليه.
انتبه كلاهما لحديث السيدة "نعمة" التي أردفت بعدما وضعت ساعديها على سطح المكتب.
_ العجيب إن الولدين بينهم شئ مشترك.
ضاقت حدقتاهم وهما ينتظرا مواصلة السيدة "نعمة" الكلام.
_ بيحبوا الرسم والألوان ليه متفكروش تخصصوا ليهم وقت يمارسوا هوايتهم سوا في أي مركز مختص.
تعجبوا من هذا الإقتراح الغريب لتهتف "زينب" بعدم اقتناع.
_ ياخدوا دروس رسم سوا، اذا كان وهما في المدرسة وحضرتك بتشتكي من سلوكهم... طيب إزاي؟
ابتسمت السيدة "نعمة" ونظرت نحو "مازن" الذي يسمعها في صمت.
_ بيتهيألي يا دكتور أنت فاهم وجهة نظري.
اماء "مازن" برأسه،فرُبما تقاربهم بمكان آخر يزيل ذلك العداء الذي زرع داخلهما دون سبب.
عادت السيدة "نعمة" تواصل كلامها لتوضح لها وجهة نظرها.
_ مكان غير المدرسه ممكن يخلق بينهم تقارب أفضل، وده مجرد حل من الحلول... منقدرش نقول نتيجته غير لما تحاولوا.
_ أنا متفهم وجهة نظرك يا أستاذه.
قالها "مازن" وهو ينظر نحو "زينب" هذه المرة بتهذيب.
_ اتمنى أولاً يا مدام تقبلي اعتذاري على اسلوبي في البدايه، أنا أب ومتحملتش اشوف ابني بالمنظر اللي أنتِ شوفتيه.
شعرت "زينب" أنها أساءت التصرف بالبدايه معه.
_ أنا برضوه بعتذر عن هجومي، بس حضرتك متعرفش حالة "يزيد"...
حرك رأسه بتفهم؛ فهو عندما رأي ارتجاف الطفل ونظرات الخوف التي احتلت عينينه الصغيرتين شعر بالشفقة نحوه.
_ أنا بسبب طبيعة شغلي مش موجود مع الولد كتير و النهاردة جيت من المطار على المدرسة وانا مش فاهم حاجة وحضرتك طبعًا دخلتي معايا في هجوم.
ابتسمت "زينب" كما ابتسمت السيدة "نعمة" وقالت:
_ أنا مبسوطة إننا قدرنا نتكلم بهدوء وعلى فكرة يا دكتور "مازن" طبيعة شغل كابتن "صالح" برضو كانت منعاه من التواصل معانا... والتواصل كان مع والدة حضرتك و "شاكر" بيه جد "يزيد" ومهما حاولنا نحل الأمر بين الاولاد مفيش نتيجة لكن دلوقتي وجود مدام "زينب" هيساعدنا.
هزت لها "زينب" رأسها بتفهم ليتمتم "مازن" قائلًا:
_ أنا و والدة "عُدي" منفصلين من سنتين وهي حاليًا مسافره بره ويمكن سلوكه العدائي بدأ بعد انفصالنا لكن إن شاء الله هحاول اظبط شغلي واكون متواجد مع الولد.
ثم أردف وهو ينظر إلى السيدة "نعمة".
_ أنا موافق على اقتراحك.
انتقلت عينيّ السيدة "نعمة" نحو "زينب" التي اتخذت نفس القرار قائلة:
_ وأنا كمان موافقه.
.....
اقترب "نيهان" من مكان جلوس "عزيز" وقد احتلت الدهشة ملامحه لوجوده جالس هكذا مطرق الرأس ويضع على يده كيس من الثلج.
_ ماذا حدث "عزيز"، لِما أنتَ جالس هكذا وما الذي حدث ليدك؟؟
تمتم بها "نيهان" دفعة واحدة ليرفع "عزيز" عيناه نحوه ثم أشاح بوجهه عنه.
_ "عـزيـز".
_ بلاش تتكلم يا "نيهان" لأننا ممكن نزعل من بعض.
قطب "نيهان" حاجبيه بعد حديثه ليجلس جواره قائلًا:
_ أفعل ما تشاء لكن أخبرني لما أنت مجهم الوجه... يا رَجُل أنا قلق عليك.
_ تبعتني البيت وهي موجوده هنا يا "نيهان".
صاح به "عزيز" وهو يلقي بكيس الثلج الذي اصطدم بالجدار ليردف بملامح كساها الجمود.
_ عارف إني بحبها وهموت عليها تقوم تخليها في أوضة النوم، قولي عقلك كان فين وأنت بتخطط لكده.
تهللت ملامح "نيهان" عندما تخيل أن المحظور قد حدث.
_ قبلتها أم فعلت أشياء أخرى؟؟.
لم يتحمل "عزيز" صفاقته بالحديث ليقترب منه يجتذبه من تلابيب قميصه.
_ "عزيز" سأختنق ،هل ستقتل صديقك من أجل تقبيلك لفتاة... يا رَجُل أنت في أي عصر تعيش.
دفعه "عزيز" بعدما شعر أنه بالفعل سيخنقه، ليسعل "نيهان" بشدة.
_ إنه بالفعل خطأي، لقد حاولت مساعدتك...
اندفع "عزيز" إليه وهو يقبض على كفه بقوه حتى لا يلكمه.
_ يا شيخ الله يسامحك، هي دي المساعدة... في اوضة النوم.
التمعت عينين "نيهان" بالدهاء ليرفع أحد حاجبيه متسائلًا:
_ يبدو أن الأمر تعدى القبلة، أخبرتك تزوجها لكن رأسك اليابس هو من أوصلك لما فعلته بالفتاة المسكينة... عليك الزواج منها "عزيز" حتى تُصلح ما افسدته.
لم يشعر "عزيز" بحاله إلا وهو يلقي المزهرية نحوه.. لتتسع عينين "نيهان" بصدمة بعدما تفادي المزهرية التي كادت أن تصطدم برأسه.
....
هبط من الطائرة في مهبط الطائرات بعدما قام مع بعض أعضاء الفريق بجوله صغيره بـ إحدى الطائرات التي قامت الشركة بشرائها مؤخرًا.
سار بخُطوات واثقة تعبر عن شخصيته القوية في عمله وجواره سار مساعده الشخصي.
_ التقرير يكون على مكتبي بعد ساعتين مفهوم.
حرك "كريم" مساعده رأسه وهو يُحاول ملاحقته بالسير ليتوقف "صالح" بعدما قام بفتح هاتفه وتوالت عليه الرسائل.
ضاقت حدقتاه عندما وجد أن مَدرسة "يزيد" هاتفته ثم رقم "زينب"... ربط الأمور ببعضها ليضغط سريعًا على رقم هاتفها.
أشار إلى مساعده أن يتحرك أمامه ليستكمل هو سيره بخطى بطيئة قلقة.
_"يزيد" امسك علبة الآيس كريم بتاعي عشان اشوف التليفون.
قالتها "زينب" للصغير الجالس جوارها على المقعد في إحدى الحدائق العامة وقد أخذته في نزهة بعد مغادرتهم المدرسة.
التقط منها الصغير العُلبة ونظر إليها وقد هتف باسم والده.
انقطع الرنين قبل أن تخرج الهاتف من حقيبتها.
أسرعت بمسح يديها بالمحرمة الورقية ثم أخرجت الهاتف لتجد أنه بالفعل قام بمهاتفتها.
عاد الرنين يرتفع مرة أخرى لتُجيب على الفور؛ فأتاها صوته بقلق.
_ "زينب" فيه حاجة حصلت، مَدرسة "يزيد" كلمتني وبعدين لقيت رقمك...
قالها وهو يحرك أصابعه في خصلات شعره التي شعثتها قوة الهواء.
_ كانت مجرد مشكله مع طفل واتحلت ودلوقتي أنا وهو قاعدين سوا في الجنينة...
تنهد بإرتياح بعدما اطمئن عليهم.
_ قلقت عليكم.
_ لا متقلقش يا كابتن أنت اخترت مربية شاطرة وقد المسئولية.
أغمض عينيه بعد ما تفوهت به، فهي أصبحت لا تنفك عن ترديد تلك العبارة.
كاد أن يتحدث ويُخبرها أنها زوجته وليست مربية صغيره لكنها قطعت كلامه قائله:
_ أنا و "يزيد" هنروح الڤيلا، طنط "حورية" عزمانا على الغدا.
_ تمام هجيلكم على هناك.
تنهدت وهي تتمتم بإقتضاب.
_ "يزيد" عايز يكلمك.
أخذ منها الصغير الهاتف ليُحادث والده عن نزهتهم.
جلست بالحديقة مع الصغير لبعض الوقت ثم أخذته متجهه نحو الڤيلا وفور أن فتحت لهم الخادمة الباب أسرعت السيدة "حورية" نحوهم تتساءَل بقلق.
_ إيه اللي حصل في مَدرسة "يزيد" يا "زينب".
خرج الجد "شاكر" من غرفة مكتبه وانتظر معرفة الأمر من زوجة حفيده.
جلسوا في الصالون وقصت لهم "زينب" كل ما حدث وإقتراح مديرة المدرسة.
_ إقتراح المديرة صح يا بنتي.
قالتها السيدة "حورية" وهي تحتضن الصغير القابع في أحضانها.
لتومئ "زينب" برأسها لها.
_ أنا و والد الطفل اتفقنا إننا هنقدم ليهم سوا، وأهو محاولة مننا.
ابتسمت "حورية" وخاطبت حفيدها الغالي.
_ أنت بتكره الولد ده ليه يا حبيبي.
لم يُخبرها الصغير بشئ بل نظر نحو "زينب".
_ أنتِ مش كنتي بتشتغلي في مدرسة يا "زينب" قبل جوازك من "صالح"، ليه متشتغليش في مدرسة "يزيد".
قالها الجد وهو ينظر إليهم وسُرعان ما كان ينهض من مكانه قائلًا:
_ أنا هعمل اتصالاتي.
اتجه الجد نحو غرفة مكتبه دون انتظار معرفة ردها لتنظر إليها حماتها تتساءَل بحيرة .
_ أنتِ موافقة على شغلك في مدرسة "يزيد" يا" زينب".