رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن و العشرون 28 بقلم أمل نصر


 

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن و العشرون 28 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الثامن والعشرون

- صباح الخير يارقية.
هتف بها خالد بعد أن خرج من غرفته واستيقظ من غفوة نومه العميق، ردت رقية وهي ترتشف الشاي من كوبها الزجاجي: - صباح دا ايه دا اللي في العصاري؟ قول مساء الخير احسن ياكسلان ياخوم النوم.
جعد وجهه يدعي الغضب قبل ان يرتمي بجوارها على الاَريكة واضعًا رأسه على قدميها التي ربعتها قائلًا: - ياباي عليكِ يارقية، انتِ ماتفوتيش حاجة ابدًا.

هتفت رقية وهي تحاول بدفع رأسه عنها: - ابعد راسك الكبيرة دي عني، انا مش ناقصة وزن على رجلي.
رد ببرود وهو يتحمل ضربات كفها على رأسه: - يارقية راسي لسة تقيلة اتحمليني شوية ياست انتِ، هو انا مش ابنك؟
- طبعًا ياخويا لازم تبقى راسك تقيلة، مش راجع البيت على نص الليل، وبعدها هاتك ياروغي مع المحروسة خطيبتك لحد الفجر، جسمك ده مش محتاح راحة بعد السفر ها؟ مش محتاج راحة؟

رددت بالعبارات الاَخيرة وهي تضرب بقبضتيها على كتفه وظهره، وهو يضحك مشاكسًا لها وجسده يهتز، ليصله صوت ضحكة انثوية بالقرب منهم، رفع رأسه ليراها فقال مخاطبًا: - ايه دا صفية، انت هنا من أمتى يابت؟
اجابته صفية: - انا هنا من زمان ياخالي.
قالت رقية: - ايوة ياخويا صفية اللي قاعدة معايا من اول الصبح فطرتني وقعدت جمبي تراعيني ولما جه الغدا غدتني، مش احسن منك، قاعدلي من الصبح مخمود.

اعتدل خالد قائلًا بحزم: - ومالوا ياستي ماتفطرك وتقعد جمبك كمان، ولا هي غريبة يعني؟ انتِ غريبة يابت؟
هزت رأسها بالنفي ضاحكة تقول بمرح: - لا طبعًا ياخالي انا مش غريبة.
- شاطرة ياصفية، اجري ياللا حضريلي لقمة أكلها وبعدها اكويلي قميص عشان خارج.
قالها بأمر محبب وردت صفية بابتسامة ودودة: - من عنيا ياخالي، هوا والأكل يجهز.
ردد بمرح وعيناه تتبع هرولتها بحماس للداخل لتنفيذ ما أمرها به: - تسلملي عيونك.

لكزته رقية بقبضتها على ذراعه تردد بهمس: - خف شوية من المعاكسة، دي عيلة صغيرة وممكن تفهم غلط.
سهم قليلًا يستوعب قبل ان ينطلق ضاحكًا وقال: - تفهم ايه ياما؟ دا انا اخلف قدها، اذا كنت مربي اختها الكبيرة.
صمتت رقية واكمل خالد بشرود: - تصدقي بالله انا ما كنت عايز اروح من عندها امبارح، شكلي كدا هاخد وقت كبير على ما اتعود على بُعدها.

قالها ونهض من جوار والدته بتأثر ثم تابع قبل ان يتحرك: - اروح استحمى بقى على ماجهزت صفية الغدا عشان اللحق مشواري مع نوال نشوف تشطيبات الشقة.
نظرت في اثره رقية متمتمة بتمني: - روح يابني، ربنا ييسرلك كل عسير ويعجل بفرحك عشان افرح بيك وبخلفك يارب.

وفي منزلها الجديد بداخل مطبخها كانت تضع العصائر وأطباق الحلويات على صنية متوسطة الحجم وفي الوسط طبق ممتلئ بالفاكهة، هتفت كاميليا باعتراض: - ماكفاية يابنتي الصنية اتملت، مين اللي هاياكل دا كله أساسًا؟
أجابتها زهرة وهي تغلق البراد: - ياستي انا هاكل عشان نفسي مفتوحة.
ردت كاميليا كاشفة كذبها
- دا على أساس يعني إن انتِ أكيلة أوي أو انا مش عارفة أكلتك مثلًا! مكشوفة أوي.

قالت الاَخيرة بمرح واستجابت لها زهرة بابتسامة جميلة، فتابعت كاميليا تسألها: - الا قوليلي صحيح، هو انت معندكيش خدامة تساعد معاكي بقى؟
أجابت زهرة وهي تهم لرفع الصنية: - في طبعًا، بس بتيجي بقى تنضف البيت وتعمل حاجاتها وتروح العصر على بيتها، كفاية اوي، هو انا ماقدرش اكمل بقى ولا احضر لجوزي لما يرجع.

ابتسمت كاميليا بإعجاب لطبع صديقتها المتواضع والذي لم يتغير بعد الزواج، تقدمت لتتناول الصنية منها ولكن زهرة أصرت على حملها حتى غرفة النوم والتي كانت متواجدة بها غادة.

توقفوا فجأة على مدخلها وتوسعت عيناهم بذهول مما رأينه، غادة ترتدي إحدى الأطقم الرياضية لزهرة وتتأمل نفسها أمام المرأة، انتبهت عليهم فالتفتت برأسها لزهرة قائلة بارتباك: - اا حلوة أوي البيجامة دي يازهرة، جاسر هو اللي جابهالك من بلاد برا صح؟
صمتت زهرة عن الرد فاقتربت كاميليا برأسها منها تهمس من تحت أسنانها: - شوفتي ياناصحة لما سيبتيها في أؤضة النوم لوحدها عملت ايه، ولا حد عارف فتشت في إيه تاني.

همست زهرة هي الأخرى ترد: - يعني وانا كنت هاعمل معاها إيه بس؟ ماهي اللي لزقت قدام الشاشة ومارضيتش تقوم معانا، حمد لله جاسر مش موجود، دا لو شافها كدة ليحلف عليا احرقها ولا اللبسها تاني، دمغاه جزمة والنعمة انا عارفاه.
التفتت إليهم تخاطبهم باستغراب: - هو انتوا لزقتوا في مكانكم ماتدخلوا على الباب، ايه دا؟

هتفت بالاَخيرة وهي تهرول نحوهم لتحمل الصنية من زهرة سريعًا وتدلف بها لتتناول ما عليها بنهم، قالت كاميليا وهي تدلف خلفها مع زهرة بلهجة لازعة: - مش عيب ياغادة برضوا تفتحي وتخرجي حاجة تلبسيها من غير ما تستأذني صاحبتها؟
شحب وجه غادة فقالت وعيناها نحو زهرة: - انااا مافتشتش، دي لقيتها في وشي كدة وانا بدور على عباية ولا حاجة اللبسها، اخد راحتي فيها بدل لبس الخروج.

أشفقت زهرة عليها من الإحراج فقالت: - خلاص ياغادة مش مهم كملي القعدة بيها وخدي راحتك، وانتِ ياكاميليا تعالي معايا اشوفلك حاجة انتِ كمان.
هتف كاميليا باعتراض: - تشوفي لمين يازهرة هو احنا هانبات؟ دي كلها ساعة ولا نص ساعة بالكتير ولا انت ناسية انك لسة عروسة جديدة.

فارت غادة من الغيظ من تهكم كاميليا والتلقيح بالكلمات نحوها فصاحت تضرب الأرض بأقدامها: - لا وعلى ايه نكمل ساعة ولا نص حتى؟ انا هاغير وامشي من دلوقتِ ياست كاميليا انبسطي.
هتفت خلفها زهرة وهي تلحق بها لتثنيها عن المغادرة: - ياغادة استني كاميليا ماتقصدتش، ياغااادة
غمغمت كاميليا بصوتٍ خفيض: - هاتعملي فيها قماصة وهي ماعندهاش دم أصلًا.

وبداخل حمام الغرفة الذي أغلقته عليها رافضة كل محاولات زهرة في البقاء وعدم المغادرة، تدفقت الدموع من وجنتيها بغزارة وعدم تحمل، تتأمل الحمام الفاخر بذوقه الراقي بحسرة ثم البيجامة التي تهم لخلعها فتتذكر خزانة الملابس التي رأتها منذ قليل وهي ممتلئة عن اَخرها بكافة الأنواع، خارجي وبيتي وقطع النوم والأحذية والعطور والخ الخ كل هذا يزيد بداخلها القهر والحسرة، لماذا لم تكن هي؟ لماذا تمتلك الأخرى الحظ دون أدنى مجهود وهي التي تفعل الافاعيل وتجاهد بقوة للوصول، لا تحصل على شئ؟ ضربت بكفها على الحائط الرخامي بغيظ هدأ فجأة وهي تتوعد بداخلها: - ماشي ياكاميليا، ماشي يازهرة، انا هاخليكم تعرفوا غادة تبقى مين؟

جلس مع صديقه على اَريكته الاَثيرة بأريحية، بعد أن فضل قضاء السهرة معه بمنزله، تقدم إليه طارق بكأس مشروب رفضه الاَخر قائلًا: - هات حاجة خفيفة بلاش منه ده؟
فغر فاهه طارق وهو يضع زجاجة البيرة على الطاولة ومعها كأس صاحبه يسأله بدهشة وهو يجلس مقابله: - ودا من أمتى ان شاء الله؟
- هو ايه اللي من أمتى؟
سأله باستفسار فهتف الاَخر: - بسألك من أمتى بطلت الشرب ياباشا؟ دا انت في حياتك كلها مارفضت كاس.

كتف جاسر ذراعيه العضليان يجيبه بابتسامة فرحة: - من ساعة ما اتجوزت وحكمت عليا مراتي، اصلها مابتطيقش الخمرا ولا ريحتها، يعني ممكن تسيبلي الأوضة او تنيمني على الكنبة، يرضيك بقى صاحبك ينام ع الكنبة؟
انطلقت ضحكة مزهولة من طارق وهو يردد له: - معقول ياناس! بقى جاسر الريان بجلالة قدره بيخاف من مراته؟ دي معجزة!

شاركه جاسر بابتسامة راضية يرد عليه: - وماخفش ليه؟ ماهو بالعقل كدة، ايه قيمة الكاس دي اللي تخلينا نستغنى عن حضن ولا دفا الناس اللي بنحبهم؟ اللي يجرب العشق بجد يعرف السكر الحقيقي بس في عشق حبيبه، مش من كاس خمرة.

صمت طارق وتبدلت ملامحه للأسى، وقد اَلمته كلمات جاسر الصادقة لتذكره بعشقه المستحيل ومعضلته الأزلية مع من سرقت قلبه ولم تعطه فرصة حتى ليحاول التغير من نفسه حتى يصل إلى هذه السكينة التي أصابت صديقه وبدلته من حال إلى حالٍ اَخر، شعر به جاسر فخاطبه باعتذار: - انا أسف ياطارق لو قلبت عليك مواجعك، بس انا كنت برد بساجيتي وماانتبهتش.

اصطنع طارق المرح يرسم على وجهه ابتسامة ليقول: - ياسيدي ماتخدتش في بالك، مسيري هاتعود ويمكن الاَقي اللي توصلني لحالتك دي واكتر كمان، المهم بقى ماقولتليش هاتتصرف ازاي مع ميرا واللي حصل منها النهاردة؟
أجابه جاسر بقوة: - طبعًا هاعمل اللي كنت ناوي عليه من الأول، انا كنت حاسب حسابي أساسُا!

علي قارعة الطريق كان يقف على أعصابه وتهتز قدماه في الأسفل بعصبية في انتظار وصول الخبر اليقين، يفرك بكفيه وعيناه لم يوربها عن الشارع المقصود، ظهر فجأة الفتى أحد صبيانه المتخفين، انتظر حتى وصل إليه يتكلم بلهاث: - كل اللي انت عايزه حصل يامعلمي.
سأله فهمي بإلحاح: - يعني بلع الطعم وخد الفرش كله ياد.

أجابه الفتى بلهجة مؤكدة: - خده وفرح قوي يامعلم، خصوصًا لما بلغته ان الفرش بنص التمن وإن انا مخنصره من وراك، دا لهفه لهف.
اعتلت شفته ابتسامة منتشية يربت على كتف الفتى صبيه: - انا كنت عارف ان انت أحسن واحد تعمل المهمة دي، اجري بقى حصل سهرتك مع اصحابك وروق نفسك بالقرشين اللي خدتهم تمن الفرش.
هتف الفتى بعدم تصديق: - والنبي صح كلامك ده يامعلمي؟ حق الفرش هايبقى كله بتاعي؟

- ماقولنا بتاعك وحلال عليك ياد، احلف يعني عشان تصدقني؟ يالا بقى جر عجلك بسرعة قبل ماارجع في كلامي، وماتعتبش المنطقة هنا خالص زي مااتفقنا.
قالها فهمي بلهجة محفزة فصدح الفتى مهللاً وهو يعدو مغادرًا: - حبيبي يامعلمي، ربنا مايحرمني منك.
اومأ بضحكته القميئة وهو يتابع فرحة الفتى قبل أن يتناول هاتفه لينفذ الجزء الاَخر من خطته في الإنتقام.
بعد قليل.

وبداخل ورشته التي بدأت تسترد عافيتها من جديد، وأصبح لا يلاحق على الزبائن التي تتهافت عليها، فزاد عدد العمال وزادت فترات العمل، للوفاء بالطلبيات المطلوبة منهم.

كان جالسًا في الخارج يدخن في شيشته براحة، وقد انتعشت حالته المادية واطمئن باله من ناحية مزاج رأسه الذي لا يجد صعوبة في توفيرها هذه الأيام مع عمار جيبه بالمال، فيبدوا ان الدنيا اخيرًا سوف تفتح له ذراعيها ليحلق بجناحيه فيها ويعيش الباقي من عمره في هناء، انتفض مجفلًا على اقتحام سيارات الشرطة لحارتهم الضيقة، لتتوسع عيناه بجزع حينما وجدها تتوقف أمام ورشته، ورجال الشرطة يخرجون منها ناحيته، وسأله أحدهم: - انت محروس المنجد صاحب الورشة دي؟

اومأ يهز برأسه بارتياع ازداد مع تقدم أحدهم نحوه يقول: - طب احنا عندنا بلاغ ان انت بتاجر في الممنوعات.
اشار بسبابته يردد بجزع وعدم تصديق: - انا ياباشا؟ والنعمة ولا اعرف يعني ايه ممنوعات اساسًا.
هانعرف دلوقتي ونتأكد.
اردف بها ضابط الشرطة قبل أن يشير لأحد رجال الأمن خلفه قائلًا بأمر: - فتشوه.

وقبل أن يستوعب محروس ما يحدث وجد الرجل اقترب فجأة ينفض ويمسح بكفيه على جميع مايرتديه حتى أخرج القطعة الكبيرة من جيب السترة يعطيها للضابط الذي هتف على محروس بازدراء: - بقى شايل فرش حشيش بحاله يامحروس في جيب الجاكت، دا انت قادر على كدة بقى، هاتوه.

وجه الضابط بالاَخيرة لرجاله الذين انقضوا على الفور على محروس، الذي تلجم لسانه وكأن أصابه الخرس، تتطلع عيناه بعدم تصديق وهو يجر ليلج بداخل سيارة الشرطة وكأنه في عالم موازي لايزال عقله لا يفهم مايحدث.

وفي اَخر الشارع اصطف مراقبًا بجوار مجموعة المارة الذين توقفوا يشاهدون مايحدث بفضول، يبتسم داخله بسعادة وقد نجحت خطته مع هذا التافه والذي كان يستفزه بعد أن اخلف وعده معه وباع كلمته بتزويجها لغيره، يتمتم بداخله: - ابقى وريني بقى هاتطلع منها ازاي؟ وانت مقبوض عليك فيها متلبس.

وصل إلى منزله متأخرًا بعد أن أنهى سهرته مع صديقه، ليفاجأ برؤيتها نائمة برأسها على ذراع الاَريكة الجالسة عليها ببهو المنزل، جلس بجوراها ليوقظها برفق: - زهرتي، انتِ نايمة هنا ليه؟
زامت بصوت ناعس فاقترب أكثر يزيح الخصلات المتناثرة على جانب وجهها ليقبلها بعدة قبلات رقيقة جعلتها تستيقظ، رفعت إليه وجهها تسأله: - انت جيت من امتى؟ والساعة كام دلوقتي؟

اجابها وهو يرفع يده يتطلع للساعة بها: - انا جاي حالًا والساعة دلوقتي داخلة على 12، المهم بقى انت نايمة هنا ليه؟ وماطلعتيش ليه تنامي في أوضتنا؟
اعتدلت في جلستها تجيبه بحرج: - اصل البنات روحوا بدري أوي النهاردة وانا بصراحة خوفت اقعد في الدور التاني لوحدي في البيت الكبير ده، على الأقل هنا بسمع صوت الحراس برا او عم بشندي الجنايني.

عقد حاجبيه يرد بعتب: - طب وما اتصلتيش ليه يازهرة تقوليلي؟ وانا كنت رجعتلك على طول.
همست بخجل: - اتكسفت بصراحة اقطع عليك قاعدتك مع صاحبك، اصل يعني كنت هاتصل واقولك خايفة مااقعد لوحدي مثلًا؟
قال بحزم: - تقولي طبعًا وتتكسفي ليه يعني؟ دا انا ماهاصدق واخدها فرصة أساسًا.
- اعتلت ثغرها ابتسامة رائعة تردد خلفه: - تاخدها فرصه!

رد بمرح وهو ينهض فجاة ويحملها بين ذراعيه: - طبعًا أكيد، هو انا اطول، زهرتي تتصل بيا وتقولي تعالى ياجسورة خدني في حضنك وحسسني بالاَمان: - لفت ذراعيه على عنقه مستجيبة بابتسامة سعيدة تقول: - خلاص بقى المرة الجاية هاعملها واتصل بيك.
قبلها على وجنتها يردد وهو يسير بها: - وجاسر تحت أمرك ياقلب جاسر.
في اليوم التالي.

استيقظ باكرًا عن موعده على رنين الهاتف المزعج والذي كان يصدح دون توقف، فك ذراعه التي كانت تضمها ليتناول الهاتف من الكمود بجواره، فتطلع للرقم الغريب باستغراب جعله يهم لتجاهله واغلاقه، سألته زهرة التي استيقظت أيضًا: - مين اللي بيرن ياجاسر؟
أجابها وهو يمط شفتاه: - نمرة غريبة معرفهاش، انا هاقفل مش ناقص وجع دماغ.
لحقته زهرة تقول له: - افتح الأول ياجاسر وشوف مين، مش يمكن تكون حاجة مهمة.

زفر بضيق وقد اقتنع بما قالت، فاعتدل بجذعه ليجيب
علي الهاتف الذي لم يكف عن الألحاح: - الوو مين معايا، محروس مين؟
هتف بها فاعتدلت زهرة تنتبه بجزع لهيئة زوجها التي كانت تتغير مع انصاته للمكالمة وقد علمت من ذكر اسم أبيها فقط ان القادم ليس خير.

وصل إلى مقر عمله بوقتٍ متأخر، حتى يتجنب اللقاء بها في المصعد او حتى رؤيتها صدفة خارجة من سيارتها، وكذلك يفعل في الذهاب، في نهج جديد قرر اتخاذه من اليوم، فليكن مقابلاته بها تخص العمل وفقط، يتمنى لو يستطيع أيضًا السيطرة على هذا الغبي بصدره، فلا يزعجه بالنبض راقصًا بلهفة لمجرد رؤيتها أو محادثتها.

خرج من المصعد متجهًا نحو مكتبه فتفاجأ برؤيتها خارجة من غرفة مكتبها المقابلة لغرفته من الناحية الأخرى، التف للأمام يسرع بخطواته نحو عمله مقررًا تجاهلها وقبل أن يصل الى مقبض الباب وصله صوت صرخة انثوية قريبة، التفت رأسه بحدة نحوها، فصعق لرؤيتها ساقطة على الأرض وقدمها مثية تحتها، وكف يدها على كعب القدم ويصدر منها صوت أنين بوجع، لم يعطي لنفسه فرصة للتفكير، هرول ناحيتها بجزع: - مالك ياكاميليا، ايه اللي حصلك؟

تأوهت بألم مرددة: - كعب الجزمة انكسر وانا بمشي بسرعة وفجأة لقيت نفسي واقعة ورجلي، رجلي مش قادرة احركها ولا متحملة الوجع فيها. ااَه.
هم ليقترب منها سريعًا ويتفحصها ولكن تراجع حتى لا تظن السوء، وهي تزداد في كبت أنينها المكتوم حتى احتقن وجهها
اَلمه هذه الهيئة الغرببة عنها فيبدوا أن السقطة كانت شديدة مما جعل عيناها غائمة بالدموع.
- طب حاولي براحة تحركيها.

قالها وهو يدنو نحوها لمساعدتها لتقف فصرخت بلهجة باكية: - اَااه مش قادرة ياطارق، انا رجلي باينها اتجزعت.
تنقلت عيناه مابينها وبين قدمها التي لا تستطيع تحركيها بحيرة، قبل أن يتخذ القرار بجراة ويحملها بين ذراعيه، شهقت مجفلة من فعلته فهمت لتجادله ولكنها أخرصها بنظرة حازمة وهو يقول: - هاخدك واروح بيكِ عالمستشفى عشان نطمن ياكاميليا، يعني ياريت ماتجادليش.
تطلعت إليه بأنفاس متهدجة تومئ له برأسها موافقة،.

تضغط على شفتيها بقوة وهي تجاهد لكبح البكاء او الصراخ في حضرته.
عاد خالد على العاشرة صباحًا إلى منزله يجر اقدامه جرًا من التعب، بعد قضائه ليلته في البحث عن مخرج لمحروس بعد القبض عليه مساءً، الكاَبة تسيطر على الجميع، سمية وبناتها يقبعن بالشقة يتلقين زيارات الجيران الذين أتوا لمؤازرتهم في مصيبتهم، وبداخل شقته وجدها ساكنة بجوار جدتها دون صوت، بعد أن غابت عن عملها اليوم.
- مساء الخير.

تفوه بها قبل أن يجلس بجوارهم، ردت رقية بفتور أما هي فكانت صامتة لا تستطيع الرد، ولأنه أعلم الناس بها وبما يدور داخلها الاَن، جذبها من ذراعها دون استئذان ليضمها إليه، فكانت الإشارة لتنطلق في نوبة بكاءً عنيفة وهو يهدهدها بحنو، ويزداد نشيج بكاءها بحرارة، حتى اذا تعبت وانتهت، أخرجها من حضنه يخاطبها: - ها خلصتي بكا بقى ولا لسة فيه تاني؟

هزت برأسها نافية ترد بحرقة: - مافيش بكا هايخلص ياخالي، طول ما الراجل ده عايش وعلى وش الدنيا انا عمري ماهاشوف الفرح.
- ماتقوليش كدة يازهرة.

قالها خالد فهتفت هي معترضة بانهيار: - لأ ياخالي هاقول عشان تعبت وفاض بيا، يعني مش كفاية كان سبب مباشر في موت أمي، ولا كفاية عليه انه طول عمره راميني من غير مايسأل فيا، دلوقتي جاي بعد ماربنا ماكرمني براجل محترم ابن ناس كويسين يكسرني بمصيبة زي دي قدامه، ارفع عيني في عين جوزي ازاي انا دلوقتِ؟ طب فرق السما بيني وما بينه في الحالة المادية وقولنا تعدي، لكن في حاجة زي دي بقى هانعديها ازاي؟ لما ابقى بنت راجل خريج سجون في قضية مخدرات، اعديها ازاي دي ياخال؟ اعديها ازاي؟

هزها خالد بعنف قائلًا: - ميت مرة اقولك مالكيش دعوة بيه، انا ابوكي فاهمة ولا لأ انا أبوكي.
تطلعت في عيناه بتضرع تقول: - بس مكتوبة في الشهادة باسمه هو مش اسمك انت.

قالتها وعادت لنوبة بكاءها الحارق وخالد يضمها بذراعيه مرة أخرى، بقلبٍ متألم يعلم انها مصيبة في كلماتها، هتفت من خلفهم رقية: - مش هاين عليا اجيب في سيرة الميتين واقول انهم السبب، بس دي كانت جوازة مهببة، يعني ياربي انا هاقعد اتحسر كدة على جوازة بنتي في حياتها ومماتها، استغفر الله العظيم يارب، استغفر الله العظيم.
في الشركة.

وبداخل غرفة مكتبه كان مجتمعًا بمدير أعماله كارم والذي قام بدوره في إرسال محامي جيد له ثقله في هذا المجال، بالإضافة إلى عدد من الأتصالات التي تمت بحرص ولم تؤتي بنتائج مثمرة!
سأله جاسر: - يعتي مافيش حل ياكارم؟
- هز كارم رأسه قائلًا بأسف: - ماهي المشكلة يافندم انه اتقبض عليه متلبس، والحتة كبيرة، يعني تثبت بالدليل صحة البلاغ اللي وصل للشرطة قبلها، دا فخ اتنصب لمحروس وهو وقع فيه بقلة عقله.

عقد جاسر حاجبيه وتجعد جبينه بتجهم وهو يشيح بوجهه للناحية الأخرى يقول بإحباط: - يعني مافيش أمل نكشف الفخ ولا حتى نثبت انه تعاطي؟
أردف كارم: - يافندم دا حتى الولد اللي قال عليه، طلع مش من سكان المنطقة ولا ليه سجل في الحكومة بحكم سنه الصغير.
تنهد جاسر بقنوط قائلًا لكارم: - خلاص ياكارم روح شوف شغلك انت، تاعبتك معايا.

نهض كارم يردد له: - على العموم يافندم المحامي بتاعنا شاطر وليه خبرة في المجال ده، اكيد ان شاء الله يلاقيلها حل.

اومأ له برأسه دون رد فانصرف كارم من أمامه ليتابع أعماله، ظل جاسر على وضعه لعدة لحظات، في حالة من الحزن فهذه الضربة الموجعة أتته من جهة غير متوقعة نهائي، ولم يكن يحسب لها حسابًا من قبل، لتزيد من كم مشاكله وعقده الكثيرة، زفر بضيق يزيج بيده الطاولة الزجاجية أمامه بعنف حتى وقعت على الأرض، متمتمًا بغضب: - كنت ناقصك انا يامحروس الزفت، بوظتلي كل الترتيب اللي كنت باجهزه!

خرجت من دوام عملها تتمخطر بخطواتها غير مبالية بما حدث ويحدث حولها، لا تفكر سوى بنفسها ولا يشغل عقلها سوى مصلحتها، انتبهت على هذا المتسفز وهو مستند بجسده على سيارة سيده وهي تسير بالقرب منه لا يكف عن ملاحقتها بنظراته الجريئة وهو يغني بتفكه ليلفت نظرها: - من خمسه ل خمسه و نص و انا واقف بستناك و عنيا عليك بتبص يا حبيبي و مش شايفاك من خمسه ل خمسه و نص و انا واقف بستناك و عنيا عليك بتبص يا حبيبي و مش شايفاك من خمسه ل خمسه و نص و انا واقف بستناك و عنيا عليك بتبص يا حبيبي و مش شايفاك من خمسه من خمسه يا ولا من خمسه من خمسه.

يردد بالكلمات وعيناه تتبعها حتى لكزه صديقه عبده السائق يخاطبه وهو يعطيه زجاجة العصير: - كوبليه واحد وشغال تكرر فيه، ماتغير ياعم.
رد إمام وهو يضحك بمرح: - ما هي الأغنية كدا ياعم هو انا جيبت حاجة من عندي.
مصمص بشفتيه عبده وعيناه انتقلت ناحية غادة وهي تبتعد عنهم يسأله بدهشة: - اموت واعرف عجباك في إيه؟ دي بت متقنعرة وشايفة نفسها ياما هنا وياما هناك.

توسعت ابتسامة مرحة على ثغر إمام وهو يجيب صديقه: - طيب انت ياعبده وماتعرفش زوقي، حكم انا يابني، طول عمري اتمنى واحدة شرسة كدة ونمرودة، اعدلها انا بنفسي، يعني اغديها بعلقة واعشيها بعلقة وبعدها نتصالح، الغلبانة ماتنفعش معايا ياعبده هههه.
تطلع عبده إليه قليلًا بازبهلال ثم تمتم بتعجب: - مريض والنعمة مريض.

والى غادة التي كانت تعدوا لتقترب من الأتوبيس العام لتلحق به فتوقفت فجأة سيارة بالقرب منها وصدر صوت نسائي يهتف باسمها، دققت غادة بالمرأة فتذكرتها، فقالت لها المرأة تدعوها: - اركبي العربية يالا عشان اوصلك مستنية ايه؟
علي الفور فتحت غادة السيارة لتعتليها وتجلس بجوار المرأة بفرحة، فتحركت المرأة بالسيارة وهي تخاطبها: - تنحتي ليه وانا بقولك اركبي، هو انتِ معرفتنيش؟

ردت غادة بلهفة: - لأ طبعًا ياهانم، انا بس استغربت شوية في البداية يعني.
قالت مرفت تدعي البساطة: - تسغتربي ليه ياغادة؟ ما انا قولتلك يابنتي امبارح انا بروح لوحدي واحب انك تروحي معايا وتونسيني.
ابتسمت لها غادة بفرح وهي تعتدل بجلستها بداخل السيارة المرفهة لتتأمل كل جزء فيها حتى وقعت عيناها على صورة لشاب معلقة بالقرب من تبلوه السيارة، تطلعت فيها جيدًا غادة ثم سألتها: - دي صورة ممثل أجنبي دي؟

التفتت إليها مرفت تجيبها بابتسامة: - لأ ياغادة دي صورة أخويا، اصل انا بحبه أوي عشان كدة بحب اشوف صورته في كل حتة.
قالت غادة بانبهار: - تصدقي فعلا فيه شبه منك وعيونه خضرا زي عيونك، يمكن عشان كدة افتكرته ممثل.

قالت الأخرى بمكر: - بس هو احلى على الحقيقة كمان، تعرفي ياغادة، اهو ماهر اخويا ده معظم وقته مقضيه في اروبا وعشان كدة بقى نفسه يتجوز بنت تربطه بأهل بلده وماتكونش من وسطنا، عايزها من الطبقة الشعبية اصله متعلق قوي بالأفلام العربي.
صمتت قليلًا مرفت تتابع رد فعل غادة من ملامح وجهها وعيناها التي أصبحت تبرق بالنجوم أمامها، فاأيقنت انها أصابت الهدف وبتغير مفاجئ سألتها: - هي بنت عمتك مجاتش ليه النهاردة.

هزت غادة رأسها باستفسار وقد فاجئها السؤال: - بنت عمتي مين؟
ردت ميرفت: - بنت عمتك زهرة العروسة اللي اتجوزت قريب، غابت ليه بقى عن الشغل النهاردة؟
في المشفى
وبعد أن أطمأن على حالة القدم انها لم تصل للكسر، قال لها بلهجة حانية وهو جالس بجوارها على المقعد القريب من التخت المستندة عليها بظهرها، وقدمها المصابة ملتفة بالأربطة الطبية و ممددة أمامها
- لسة برضوا حاسة بوجع فيها؟

أجابته بصوت ضعيف: - الحمد لله، المسكن جاب فايدة، بس احنا قاعدين لحد دلوقتي ليه مانروح بقى؟
تطلع إليها باستغراب يقول: - تروحي فين ياكاميليا بحالتك دي؟ الدكاترة لازم يطمنوا على الرجل كويس، يعني استنى بقى على ماتطلع الإشاعات الاَخيرة.
قالت بتذمر وكأنها طفلة: - تاني اشاعات، انا زهفت والله وتعبت، من الصبح اشاعات وكشف وحقن، نفسي بقى اروح بيتنا وانام على سريري.

اومأ لها بابتسامة مستترة: - هاتروحي ياكاميليا وهاتنامي على سريرك وتريحي كمان، بس الصبر شوية
تنهدت تنظر للسقف فوقها باستسلام قبل أن تتذكر: - طارق معلش هاتعبك معايا، كنت عايزة الفون عشان اطمن أهلي عليا، هتلاقيه في شنطتي اللي نسيتها في عربيتك.

أذعن لطلبها وذهب لسيارته يتناول الهاتف من حقيبتها على عجل، فوجده يصدح بمكالمة، تطلع للأسم فانعقد حاجبيه بشدة يردد بتعجب: - هي! مسجلة اسم واحدة ب هي!، دي مين دي اللي مش هاين عليها تكتب اسمها؟

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-