رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن و العشرون28بقلم سهام صادق


 

 رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن و العشرون بقلم سهام صادق

 

كل شئ صار عكس ما رتب له، لقد جلس ليلًا مع نفسه يُحضر حاله لهذا اليوم حتى يصارح تلك التي استوطنت فؤاده وعقله بمشاعره. 

شعرت "نيرة" بالخجل كلما وقعت عيناها على عمها ونظر إليها بنظرة لائمة ولكنه مضطر بأن يُعامل ضيوفها بود ويبتسم مع كل حديث يتحدثون به. 

_ كل موبيليات العيلة بتاعتنا من عندك يا "عزيز" بيه، حقيقي شغلكم لا غبار عليه. 

قالها السيد "حازم" والد "سلمى" صديقة "نيرة"؛ فابتسم "عزيز" من إشادته الطيبة عن جودة أثاث معارضه. 

_ اتمنى دايمًا نكون عند حسن ظنكم يا "حازم" بيه. 

أطلقت "نيرة" زفيرًا خافتًا عندما أتى "نيهان" لينضم إليهم هو وزوجته. 

نظرت إليه "نيرة" برجاء أن يساندها فهي لا تستطيع فعل شئ وحدها. 

الرجاء الذي رأه "نيهان" في عينيها جعله يهز لها رأسه وبالفعل حول "نيهان" الجلسة العائلية إلى جلسة مليئة بالضحك واستطاع أن يجعل "عزيز" يتشارك معه الحديث  بخفة كلما طلب منه أن يسانده في نطق بعض أسماء المأكولات بالعربية؛ فـ "نيهان" عاشق للطعام.

اقتربت "سلمي" من "نيرة" التي كانت مندمجة معهم بالكلام. 

_ "نيرة"، مش نديهم فرصة يقعدوا مع بعض لوحدهم.

كانت الصديقتين هم من خططوا لذلك التقارب. 

بتوتر تعلقت عينين "نيرة" بالتناوب بعمها ثم بـ "مريم" عمة صديقتها. 

_ مش عارفة يا سلمى، بس عمو "حازم" هيسمح إن "مريم" تقعد لوحدها مع عمي. 

كادت أن تجيبها "سلمي" وتخبرها أن والدها متفهمًا لمثل هذه الأمور لكن "نيهان" قاطع حديثهم وهو ينهض قائلًا بحماس: 

_ الآن وبعد إذنكم جميعًا سنتحرك نحو مزرعتي القابعه هناك.. 

نظرت عائلة السيد "حازم" إلى بعضهم بحيرة ليبتسم "عزيز" قائلًا: 

_ استاذ "حازم" اتفضل معانا أنت والأسرة الكريمة. 

وبتهذيب أردف موضحًا سبب تحركهم نحو المزرعة الأخرى المملوكة لـ صديقه؛ أنهم مدعويين لتناول طعام الغذاء لديه. 

نهض الجميع ومنهم "مريم" التي كادت أن تتعثر أثناء تحركها بسبب كعب حذائها. 

شهقة خافته خرجت منها ليخرج صوت السيدة "راوية" والدة "سلمي" بقلق. 

_ مش تاخدي بالك يا "مريومة". 

تعلقت أعينهم عليها إلاّ عين "عزيز" الذي كان يبحث تلك اللحظة عن "ليلى"؛ يتمنى داخله ألاّ تعرف شئ وأن يمر هذا اليوم على خَير. 

نظرات "مريم" انتقلت نحو "عزيز" الذي لم يهتم بالنظر إليها. 

تحركوا على مهل لتسحب "مريم" ذراع ابنة شقيقها. 

_ "سلمي" ،شكل عم صاحبتك مش مهتم.

شعرت "سلمي" بالسعادة وهي تسمع هذا الكلام من عمتها التي لا تهتم بنظرة أحد لها أو بفكرة الزواج. 

_ إيه ده "مريومة" بقت مهتمه بنظرة حد ليها... أخيرًا.

وكزتها "مريم" بخفة. 

_ أنا مقولتش عجبني... بس مستغرباه، عمومًا أنا مش هقول رأي عنه صح غير لما نقعد نتكلم مع بعض لوحدنا بوضوح.

نظرت إليها "سلمي" ثم نظرت نحو "نيرة" التي تحركت بجانب عمها.

في المطبخ كانت "ليلى" تعمل بهمة مع زوجة عمها. 

نظرت إليها "عايدة" وهي تجفف يديها بمنشفة المطبخ.

_ يا "لولو" يا حببتي روحي اتمشى مع "شهد" واستمتعي بجو المزرعة... شغل المطبخ مش بيخلص.

نظرت لها "ليلى" وعلى محياها ارتسمت ابتسامة خفيفة.

_ لسا اليوم طويل معانا...خلينا نخلص كل حاجة وبعدين نستمتع بالجو ونتمشي كمان.

ابتسمت "عايده" ودعت لها تلك الدعوه التي صارت على لسانها مؤخرًا. 

_ ربنا يسعدك يا بنت "وردة" ويرزقك بـ ابن الحلال اللي يخليكي هانم.

أخفضت "ليلى" رأسها ليدخل العم "سعيد" المطبخ قائلًا: 

_ ابدئوا جهزوا السلطات والمشروبات. 

تساءَلت "عايدة" عن عدد أفراد ضيوف "نيرة"، فتمتم "سعيد" بعددهم وهو يتجه نحو "ليلى" لينبهها بالخُطوات التي تصنع بها هذا النوع من السلطة. 

دخلت "شهد" بوجه عابس وهي تقضم حبة الفاكهة التي بيدها وتساءَلت بتذمر. 

_ يعني إحنا كده مش هناكل معاهم؟؟، مش السيد "نيهان" قال إننا معزومين عنده... أنا مش عارفه كان لازمتها إيه "نيرة" تعزم صاحبتها. 

امتعضت ملامح العم "سعيد" من تذمر ابنة شقيقته التي تنسى دائمًا مكانتهم الحقيقية. 

_ معلش يا بنت "عايدة" هنبقي نقولهم ياخدوا رأيك بعد كده.

تأففت "شهد" بصوت مسموع، فرمقتها "عايدة" بنظرة قوية. 

_ "شهد" اغسلي ايدك كويس وتعالي ساعدينا. 

حكت "شهد" رأسها وسُرعان ما كانت تقطب حاجبيها بتذكر. 

_ الجو حلو بره، هاخد كُتبي واقعد اذاكر شوية. 

سحبت نفسها من بينهم ولكن توقفت عند عتبة باب المطبخ ثم استدارت بجسدها. 

_ "لولو" اوعي تنسيني بطبق أكل حلو كده واوعي تنسي تكتري ليا الكفتة. 

كاد أن يقذف العم "سعيد" الملعقة من يده نحوها لكن دلوف "عزيز" ببعض الأغراض جعله يعيد الملعقة جانبه. 

_ دي آخرة دلعكم فيها.

وضع "عزيز" الأغراض على طاولة المطبخ ونظر إلى "عايدة" التي ربتت على كتفه. 

_ هي بتجري كده ليه، هي ناسية إنها كانت متجبسة ورجلها لسا وجعاها. 

_ دي عامله زي القردة. 

قالها "سعيد"، فنظرت له "عايدة" ثم أخذت تخرج الأغراض من الأكياس. 

_ هربت اول ما قولتلها تعالي ساعديني. 

رفعت "ليلى" عيناها عن طبق الخضار الذي تقطع حباته. 

_ مفيش حاجة مستاهله، الاكل بيتشوي بره وإحنا بنعمل بس السلطات والعصاير. 

_ مش هتتعلم كده حاجة يا "ليلي"، انا خايف البت تنسي نفسها وتفتكر إنها هانم. 

تمتم بها "سعيد"، فاحتدت ملامح "عزيز". 

_ وليه بنتي متفتكرش نفسها هانم يا "سعيد" ولا انا بنتي متشبهش..انا انحت في الصخر ولا اخلي بنتي محتاجه حاجة. 

تحول الأمر في لحظة إلى عِراك بالكلام بعدما أخذ "عزيز" الحديث بحُرقه على نفسه رغم اعتياده على كلام "سعيد". 

شعرت "عايدة" بالقلق عندما وجدت الأمر يزداد سوءً بين زوجها وشقيقها، لتترك "ليلى" السكين التي بيدها قائله: 

_ تعالا يا عمو معايا ارجوك.

_ ماشي يا "عزيز"، و بنتك دي لساني مش هيخاطب لسانها. 

ليلتف "عزيز" جهته وبصوت غاضب قال قبل أن تسحب "ليلى" ذراعه إلى خارج المطبخ. 

_ يكون أحسن برضو. 

نظرت "عايدة" إلى شقيقها الذي وقف يلتقط أنفاسه بصعوبه... فأسرعت بجلب الماء له. 

_ خد اشرب المايه يا "سعيد" واستهدى بالله. 

التقط "سعيد" كأس الماء منها وارتشف منه القليل. 

_ مش هعديها لجوزك يا "عايدة". 

لطمت "عايدة" كفوفها ببعضهما وهي تنظر إليه. 

_ والله انتوا الاتنين متقدروش تستغنوا عن بعض وهتلاقي "عزيز" شوية وجاي يصالحك. 

هدأ "عزيز" بعدما تمكنت "ليلى" من تهدأته... فأخذ يمسح على وجهه قائلًا: 

_ أنا عارف إن الموضوع ميستهلش وده في الأول والأخر خالها. 

_ عمو "سعيد" بيحب "شهد" اووي... بس انت عارفهم هما الاتنين ناقر ونقير يا عمو.

قالتها "ليلى"؛ فحرك لها رأسه بعدما زال غضبه. 

_ عارف يا بنتي، هي ساعة شيطان.

لم تمر دقائق إلاّ وكان "عزيز" يأخذ "سعيد" بأحضانه ليطيب خاطره. 

_ أنا من امتى باخد عليك يا راجل يا عجوز.

دفعه "سعيد" وأشاح رأسه عنه. 

_ ابعد كده، انا زعلان منكم.

استمر العم "سعيد" في عبوسه قليلًا لتدخل "شهد" عليهم لتخبرهم بما قاله لها "سيف". 

_ أبيه "عزيز" مستنيكم هناك... 

توقفت "شهد" عن الكلام عندما وجدت خالها عابس الوجه. 

_ إيه ده مين اللي مزعل خالو الجميل.

اقتربت منه "شهد" لتداعب خديه حتى يضحك ليضربها "سعيد" بخفة على رأسها. 

انفجرت "عايدة" و "ليلى" من الضحك وهكذا فعل "عزيز" الذي نظر نحو ابنته قائلًا: 

_ أنا لو اتدخلت بينكم تاني أبقى راجل مخبول 

توقف "نيهان" عن التهوية حتى يرى نضوج اللحم لينتبه على "عزيز" الذي وقف جواره شارد الذهن. 

_ فيما أنت شارد يا رَجُل؟؟.

حدجه "عزيز" ثم أسبل جفنيه متنهدًا. 

_ مش عارف يا "نيهان"، بجد مش عارف.

أراد "نيهان" أن يمازحه بمِزاح ثقيل حتى يرى حنقه ويكشف مشاعره التي صارت واضحه. 

_ هل أعجبتك العروس؟ أنا لا أستطيع إنكار مميزاتها. 

امتقعت ملامح "عزيز" ليردف "نيهان" قائلًا: 

_ الفتاة لا ترفع عيناها من عليك، يبدو أنك أعجبتها يا رَجُل.

_ "نـيـهـان"

تمالك "نيهان" حاله حتى لا ينفجر ضاحكًا ويجذب الأنظار من حوله. 

مالت "سلمي" نحو "نيرة" تسألها للمرة العاشرة. 

_ الوقت بيعدي يا "نيرة"، هنخليهم إزاي يقعدوا مع بعض.

ارتسمت الحيرة على ملامح "نيرة" ثم ألقت بنظرة خاطفة على عمها الذي أدركت من الوهلة الأولى أن الأمر لم يلقى إستحسانه.

_ مش عارفه يا "سلمى" بجد، أنتِ شايفه الكل متجمع. 

ارتسم عدم الرضى على ملامح "سلمى"؛ فلاحظته "نيرة" لكنها لم تتحدث. 
........ 

توقفت "ليلى" عن تحركها -بالأغراض التي حملتها من السيارة- وقد جذبها المرح وصوت الضحكات. 

_ يلا يا "لولو" بسرعه... عشان نجهز الحاجة في الأطباق.

قالتها "عايدة" التي سارت أمامها بالأغراض التي حملتها. 

أجفلت عندما وضعت "شهد" يدها على كتفها.

_ كان زمانا دلوقتي بناكل وسطهم زي الصبح... 

وبتذمر تابعت "شهد". 

_ تعرفي يا "ليلى" أنا لما شغلت دماغي شوية عرفت ليه "نيرة" عزمت صاحبتها..... 

توقفت "شهد" عن الكلام بعدما استمعت إلى صوت والدها، فأسرعت نحوه. 

عادت عينين "ليلى" تحدق بالطاولة الطويله التي حاوطتها المقاعد...وقد أخذ كلام "شهد" يدور برأسها. 

صديقه "نيرة" ومعها أهلها.... 

_ "لـيـلـى"

هتفت بها "نارفين" زوجة "نيهان" بلكنتها التركية وسُرعان ماكانت تتساءَل بالإنجليزية عن سبب وقوفها هكذا حتى تفهمها. 

التفت "ليلى" نحوها ببطئ وقد غادرت الدماء وجهها وأصبح شاحب بعدما ضربتها الحقيقة في مقتل بعد أن استنتجت بعض الأمور. 

اقتربت منها "نارفين" تربت على وجنتها تتساءَل بقلق. 

_ هل أنتِ بخير "ليلى"؟

حركت لها "ليلى" رأسها دون قدرة على إخراج صوتها ثم سارتا نحو المطبخ بعدت أشارت لها "نارفين" جهته. 

العم "سعيد" و "عايدة" تولوا وضع الأطباق والعصائر والسلطات وقد ساعدتهم "نارفين" بهذا الأمر لحبها دومًا بالتعاون مع الأخرين، أما "نيرة" كانت تهتم بضيوفها. 

"كارولين" كان التصاقها الدائم بـ "سيف" لشعورها أنها مَازالت غير مرغوبة من العائلة. 

_ محتاج مني حاجة تانيه يا بيه. 

اندهش "عزيز" من تساؤل العم "سعيد" إذا كان يريد منه شئ أخر قبل أن ينصرف. 

_ أنت رايح فين؟ وفين "عايدة" و "عزيز" والبنات؟!.

نظر إليه "سعيد" بامتنان لتذكره دائمًا لهم ثم رفع يده يربت على ذراع "عزيز". 

_ إحنا هناكل في المطبخ. 

كاد أن يعترض "عزيز" لكن اقتراب "نيهان" منه قطع كلامه. 

لم ينتظر العم "سعيد" بل انسحب بعدما استأذن منهم. 

أراد "عزيز" التحرك ورائه ودعوتهم جميعهم لينضموا لهم لكن "نيهان" اجتذب ذراعه ليوقفه. 

_ "عزيز" هذا أفضل لك حتى لا تفهم "ليلى" الأمر بصورة خطأ. 

تجهمت ملامح "عزيز" وألقى بنظرة خاطفة على ابنة شقيقه التي لأول مرة يغضب من تصرفها. 

_ تحرك "عزيز" و تمالك نفسك. 

تنهد "عزيز" ثم تحرك أمامه، إنه وضِع اليوم في موقف لا يحسد عليه. 

داخل المطبخ حيث التفت عائلة العم "سعيد" حول الطاولة لتناول وجبة غذائهم. 

_ ريحة الأكل تفتح النفس.

قالها "عزيز" -العم- وهو يدس في فمه قطعة من اللحم المشوي. 

_ كان هيبقى أحلى لو كنا أكلنا بره في الجنينة. 

تمتمت بها "شهد" بتذمر لتزجرها "عايدة" بنظرة منها حتى تكف عن الكلام. 

_ "عزيز" بيه الله يكرمه قالي تعالوا انضموا لينا وكان مصمم بس أنا قولتله هناكل ف المطبخ... الراجل عنده ضيوف وإحنا في الأول والأخر مش اهله إحنا مجرد ناس شغاله عنده.
  
_ عندك حق يا "سعيد"، والله أنا شايف إننا هنا احسن... اهو الواحد ياكل براحته.

هتف بها "عزيز" وهو يلتهم الطعام بجوع؛ فابتسمت
"عايدة" وهي تنظر نحو "ليلى" التي أنغمست في أفكارها. 

_ مبتاكليش ليه يا "ليلى". 

وجهوا جميعهم أنظارهم عليها، فهي منذ وقت صامته حتى طبق طعامها لم تمسه. 

_ مالك يا "لولو"، وشك أصفر كده ليه. 

تساءَل بها العم "سعيد" ثم نظر إلى "عايدة" بتأنيب. 

_ ياريت كنا جبنا معانا البنت اللي بتساعدك في الڤيلا يا "عايدة"..."ليلي" بدل ما تنبسط وتغير جو مقعدنها معانا في المطبخ.

ابتلعت "شهد" ما بداخل فمها سريعًا ثم نظرت نحو "ليلى". 

_"ليلى" أول ما نخلص الاكل تعالي نتمشى في المزرعه... أنا اكتشفت كام مكان حلوين اوووي.

_ خلصوا اكلكم واخرجوا اتمشوا.

قالتها "عايدة" وهي تنظر إليهم ليهتف "عزيز" قائلًا: 

_ وانا هاجي معاكم لأحسن حد يضايقكم.

كادت أن تعترض "شهد" لكن والدها قاطعها بصرامة. 

_ المزارع حوالينا في الوقت ده فيها عمال شغالين.

بصعوبة انتشلت "ليلى" حالها من دوامة أفكارها وابتسمت حتى لا تشغلهم بأمرها ويتناولوا طعامهم. 

حاولت تناول الطعام الذي أخذت تبتلعه بغصة. 

كبتت حزنها حتى تستطيع الإختلاء بنفسها والبكاء على حقيقة أخرى انضافت اليوم لقلبها الذي عرف الألم منذ إفتنانه بـ "عزيز الزهار". 

_ إيه رأيكم نتمشى الأول وبعدين نرجع نشرب الشاي في وقت الغروب.

هذا ما هتفت به "نيرة" من أجل أن تخلق فرصة لعمها و "مريم" للجلوس بمفردهم وقد استغلت ابتعاد عمها عنهم بعدما أتته مكالمة عمل. 

أسرعت "نيرة" بالتوجه نحو "نيهان" و شقيقها. 

_ المرادي أخر مره هطلب فيها مساعدتكم، انا هروح ليهم المطبخ اقولهم محدش يطلع ولا يرد على تليفونه لو اتصل بيهم  وانتوا كمان اقفلوا تليفوناتكم.

هز "سيف" رأسه بيأس من أفعال شقيقته ونظر نحو "نيهان" الذي ربت على كتفه. 

_ شقيقتك ستجلب لنفسها اليوم الشجار مع "عزيز". 

ضحك "سيف" بخفة وهو ينظر نحو "نيره" التي هرولت من أمامهم حتى تنفذ بقية خطتها. 

_ متقلقش عمي عمره ما زعل منها، ما أنت عارف دلعه وحبه ليها. 

نظر له "نيهان"؛ فهو لا يظن أن "عزيز" هذه المرة سيتقبل ما حدث من "نيرة". 

_ اتمنى ذلك. 
... 

_ مالك يا بنتي بتاخدي نفسك بالعافية كده ليه.

قالها العم "سعيد" وهو ينظر نحو "نيرة" التي أتت إليهم المطبخ راكضة. 

التقطت أنفاسها حتى تستطيع الكلام وإخبارهم بما أتت لأجله. 

_ اسمعوني كويس.

أخبرتهم بما ستفعله وطلبت منهم أن يختفوا أيضًا من هنا والعودة لمزرعتهم وترك كل شئ الآن. 

ضحك العم "سعيد" وهو يستمع إلى خطتها. 

_ ياريت بعد ده كله يحصل المراد. 

_ هيحصل يا راجل يا طيب، يلا بس بسرعه هو معاه مكالمه مهمه خاصة بالشغل وأنت عارف مكالمات الشغل بيطول فيها؛ فـ إحنا هنستغل الفرصة ونسيب ليهم المكان واكيد دي فرصه حلوه عشان يتكلموا. 

سقط الطبق الذي كانت تنظفه "ليلى" من يديها، ليلتفوا لها وقد انحنت بجسدها لتلملم القطع المكسورة. 

_ حاسبي يا "ليلى" ايدك لتتعور.

قالتها "عايدة" بلهفة واتجهت نحوها، انغرزت شظية زجاجية في باطن يدها لكنها استطاعت سريعًا إخفاء جرح يدها عن أعينهم بعدما قبضت على كف يدها بقوة. 

_ مش مهم يا "ليلى" دلوقتي الطبق... يلا بسرعه ارجعوا على مزرعتنا.

هزت "ليلى" رأسها لتتمالك دموعها وتحركت مثلما تحرك أفراد عائلة عمها.

كانت "شهد" تسير جوارها أثناء اتجاههم نحو بوابة المزرعة الجانبية للمغادرة منها. 

_ تفتكري يا "ليلى" لو أبيه "عزيز" اتجوز مراته هتعاملنا كويس... بصراحة أنا مش عايزاه يتجوز لأنه ممكن يتغير معانا.

استمرت "شهد" بالكلام عن مخاوفها ولم تنتبه على ملامح "ليلى" التي جلىَّ الحزن بوضوح عليها. 

قاومت ذرف دموعها حتى أنها شعرت بالإختناق..اختلقت إحدى الحجج حتى تبتعد وقد تمكنت اخيرًا بالإنفراد بنفسها. 

نظرت إلى المكان الذي يحاوطه الأشجار ثم انزوت وراء شجرة ضخمة الجذع. 

حررت دموعها وارتفعت صوت شهقاتها بحرقة. 

سيتزوج، هكذا أخبرت قلبها تلومه على ما فعله بها و به. 
.... 

اندهش "عزيز" من خلو المكان بعدما أنهى مكالمة العمل التي استمرت لأكثر من نصف ساعة وقد وجد الحديث عن العمل والإبتعاد أفضل حل حتى يمضي الوقت. 

_ هما راحوا فين؟ 

تساءَلت "مريم" التي تظاهرت بالدهشة، فاستدار "عزيز" إليها متعجبًا من وجودها هي وحدها معه. 

_ أنا كنت في الحمام ولما طلعت ملقتش حد موجود. 

تحرك "عزيز" من أمامها دون الرد عليها وهو يضغط على رقم "نيهان". 

_ أنا كنت جوه ومفيش حد موجود حتى في المطبخ. 

توقف "عزيز" مكانه بعدما وجد رقم "نيهان" مغلق، وكما وجد هاتف "نيهان" مغلق وجد أيضًا هاتف "سيف". 

اتضحت له الصوره التي لا تحتاج إلى ذكاء. 

سار  من أمامها ليتجة نحو مزرعته وفي داخله كان يتوعد لابنة شقيقه لأنها بالتأكيد من خططت لهذا الأمر السخيف. 

_ هو أنت هتسبني هنا لوحدي... أنا حتى تليفوني فاصل شحن ومش عارفه اكلمهم اسألهم انتوا فين. 

توقف "عزيز" عن سيره وزفر أنفاسه بقوة حتى يهدأ قليلًا. 

خرجت صرخة "مريم" التي لم تتظاهر بصراخها... لتنظر نحو يدها التي قرصتها النحلة. 

التف "عزيز" بفزع نحوها، ليجدها تنظر إلى يدها وتبكي من الألم. 

_ إيه اللي حصل؟ 

نظرت له ثم عادت تنظر إلى يدها بوجع. 

_ شكلها نحلة قرصتني. 

لم يعرف "عزيز" كيف يتصرف وقد ارتفع صوت أنينها من ألم يدها. 

تنهد بضيق وهو يخبرها.

_ ممكن توريني ايدك كده. 

ظنته سيلتقط يدها ويمسكها لكنه جعلها تمدّها له وهو ينظر إلى موضع لسعتها من بعيد. 

شعرت بسخافة الأمر فحتى وهي تتألم بصدق لا يُظهر لها اهتمامه.
..... 

شعرت "نيرة" بالصدمة وهي ترى عمها ينظر إليها بتحذير أن تتحدث. 

نظرت إلى شقيقها وهي تتساءَل. 

_ هو أنا عملت إيه، دى حتى المقابله باظت والموضوع شكله انتهى. 

_ اول مره اشوف عمي كده. 

احتضنها "سيف" وقد أتى "نيهان" إليهم يسأل عنه. 

_ أين "عزيز"؟؟ 

أسرعت "نيرة" بالالتفاف إليه وقد ارتسم الحزن على محياها بسبب غضبه منها. 

_ طلع اوضته ومرديش يرد عليا. 

تنهد "نيهان" وهو يرى حزنها البائن في عينيها. 

_ اتركيه حتى يهدأ. 

ثم أردف بلطف، فهي للأسف لا تعرف بأنه صار عاشقًا لأخرى تعيش تحت سقف بيته وقد شاهدت اليوم كل ما حدث.

 _ "عزيز" غاضب منا جميعًا بسبب إغلاقنا لهواتفنا وتركنا له وحده مع الفتاة. 

لم يتناول "عزيز" عشائه معهم حتى أنه لم يخرج من غرفته ولم يرد على اتصالات "نيهان" المتكررة. 
.... 

_"ليلى" لسا تعبانه يا "عايدة"، جرح ايدها كويس. 

تساءَل "عزيز" بقلق وهو ينظر إلى زوجته التي جلست جواره وفردت ساقيها لترتاح. 

_ يعني أحسن دلوقتي، أنا بقول عين وصابتها... أنا عايزه أرقيها يا "عزيز". 

ضحك "عزيز" على ما تتفوه به زوجته. 

_ أنت بتضحك على كلامي يا "عزيز". 

رفع "عزيز" يديه باستسلام. 

_ وانا اقدر برضو. 

قالها وهو يميل جِهتها بعدما اطمئن ألاّ أحد حولهم لتبتعد عنه بفزع بعدما اقتطف قبلة من شفتيها. 

_ أنت بتعمل إيه يا "عزيز".

لم يمهلها "عزيز" لتثرثر بالمزيد من الحديث ليلتقط ذراعها قائلًا: 

_ أنتِ مش ملاحظة إنك بقالك مدة كبيرة بعيدة. 

لم ينضب حبهم رغم مرور السنوات وأعباء الحياة... سرقوا من الوقت ما يجعلهم يستعيدوا لحظاتهم الجميلة.
... 

لم يستطيع "عزيز" النوم هذه الليلة وقد قضى ليلته ساهدًا. 

في الصباح الباكر خرج في جولة حول المزرعة. 

لم يجتمع معهم على الإفطار وقد أتت "سمية" اليوم بعدما علمت من "نيرة" ليلًا ما حدث. 

فالسعادة ملئت قلبها لفشل ما سعت إليه ابنتها. 
... 

جلست "زينب" على الأريكة تشاهد التلفاز بذهن شارد إلى أن ارتفع رنين الهاتف وأخرجها من شرودها. 

توترت وهي تبحث عن هاتفها؛ فهي تخشى أن تكون
"سما" من تهاتفها لكن "سما" أخبرتها أنها في رحلة عمل خارج البلاد لمدة ثلاث أيام وحين عودتها لابد أن يتقابلوا حتى تفهم منها سبب وجود ملابس النوم خاصتها كما هي.. 

عاد الإسترخاء إلى ملامحها فـ الثلاث أيام لم يمضوا وبالتأكيد ليست "سما" من تهاتفها. 

نظرت حولها ، فصوت الهاتف قريب منها لكنها لا تعرف من أين يأتي الصوت. 

زفرة ارتياح خرجت منها عندما وجدته لتفتح الخط في أخر لحظة. 

قطبت حاجبيها وهي تستمع إلى تعريف المتصله بهويتها لتنتفض بفزع بعدما أخبرتها أن عليها المجئ إلى مدرسة "يزيد". 
.... 

توقف "نيهان" خلف "عزيز" الذي وقف منتصبًا ينفض يديه من الطمي بعدما قضى وقته في مساعده عمال المزرعة. 

_ ألم تكتفي "عزيز"، أنت منذ الصباح هنا.

تحرك "عزيز" من أمامه ثم توقف. 

_ هنتحرك بعد العصر إن شاء الله. 

اماء "نيهان" برأسه وتحرك ورائه وقد تجنب الحديث عما حدث أمس. 

_"سمية" هنا. 

احتقنت ملامح "عزيز" عندما علم بوجودها، فهل كان ينقصه مجئ "سمية". 

أغمض عيناه ثم تنهد واستدار نحو "نيهان". 

_ أنا هروح عندك اخد دُش وأغير هدومي وبعدين اريح شوية لاني مصدع جامد ومعنديش دماغ لحد... ممكن يا "نيهان" تستأذن "نارفين". 

ربت "نيهان" على كتفه ثم أخرج هاتفه ليحادث زوجته. 

_ بالطبع يا ر‌جُل ولا تقلق لن أجعل أحد يزعجك.

ابتسم "عزيز" وتحرك أمامه ببطئ إلى أن ينتهي "نيهان" من مكالمته مع زوجته. 

شعرت "ليلى" بتوتر بعدما دلفت وراء "نارفين" غرفة النوم... وقد اتجهت "نارفين" نحو خزانة ملابسها لتخرج أحد الاثواب قائلة:

_ هذا الثوب سيليق بك بشدة "ليلى"، ولا تقلقي لم ألبسه.

نظرت "ليلى" إلى الثوب الذي تريد أن تهديه لها "نارفين". 

_ مقدرش أخده ، أنا أسفه.

قالتها "ليلى" بالعربية وسُرعان ما أدركت أن "نارفين" لا تفهم إلاّ كلمات بسيطة من العربية لكن "نارفين" فهمت من ملامح "ليلى" أنها ترفض هديتها. 

_  أنا أحببتك "ليلى" فلا ترفضي هَديتي رجاءً. 

لم تعرف "ليلى" بما تجيبها لتدفعها "نارفين" نحو الحمام قائله. 

_ ادخلي الحمام وارتدي الثوب حتى أراه عليكِ... 

كان الثوب من قماش الستان الحريري ومناسب للمحجبات، فـ "نارفين" محتشمة بعض الشئ في ملابسها. 

ارتفع رنين هاتف "نارفين" في نفس اللحظة التي كانت تدفع فيها "ليلى" نحو الحمام حتى تبدل الثوب الذي عليها وترتدي ما أعطته لها لتراه عليها. 

_ سأجيب على "نيهان" وأتي إليكِ. 

دخلت "ليلى" الحمام بحرج، فهي لن تنكر أن الثوب أعجبها لكنها تعتقد أنه سيكون طويل عليها لأن "نارفين" طويله عنها. 

_ "نارفين"، "عزيز" سيأتي لأخذ حمام لدينا... اذهبي لبيت المزرعة خاصته واجلسي مع الفتيات هناك ولا تخبري أحد أنه لدينا. 

_ لكن "نيهان" أنا و "ليلى" هنا... البنت مكتئبه منذ الصباح وأردت أن أرفه عنها هنا. 

اخترق اسم "ليلى" أذنيّ "نيهان"... ؛فابتعد قليلاً عن أنظار "عزيز". 

_"ليلى" لدينا! "نارفين" ركزي معي قليلًا حبيبتي... 

تعليقات



×