رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و العشرون27 بقلم سهام صادق


 

 رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و العشرون بقلم سهام صادق

 

وقف هائمًا في سحرها وبتلك النظرة البريئة التي فتنته في أول لقاء جمعهم...حاول إخراج الكلمات من شفتيه لكنها لم تسعفه. 

لم ينتبه على تحديقه المخزي بها إلاّ عندما وجدها تُحاول في يأس إخفاء جسدها عنه. 

أشاح عيناه عنها حتى يتمالك نفسه ويستطيع ترتيب تلك الكلمات التي جاء من أجل إخبارها بها. 

_ أنا جبت حلويات معايا، يعني عشان زيارة أهلك.

قالها ثم غادر الغرفة وأسرع بخطواته نحو غرفته. 

تنهيدة طويلة خرجت منه وهو يُمرر أصابعه في خصلات شعره وهو يكاد يقتلعه. 

لقد صارت هذة المواقف تفضح رغباته كرَجُل... 

دار في الغرفة بدون هوادة يزفر أنفاسه بقوة حتى يستعيد ضبط نفسه...فهل هو ضعيف لتحركة رغباته. 

أغمض عينيه قليلًا ليخرج زفراته ببطئ ثم رفع يده ليدلك عنقه المتشنج.

اتجه نحو خزانة الملابس ليتلقط منها ما يناسبه في تلك الزيارة العائلية لتضيق حدقتاه وهو يرى ملابسهم متراصة جانبًا. 

يداه تحركت نحو أثواب النوم... ليرفع طرف كل قطعة يتأملها وقد عاد نفس الشعور يقتحم جسده. 

أغلق الخزانة بعنف وأدار ظهره متنهدًا. 

عنياه تحركت بالغرفة بنظرة سريعة بعدما انتبه على شرشف الفراش الوردي، لتضيق حدقتاه مجددًا وهو يرى طاولة الزينة مرصوص عليها أغراضها وقد وضحت له الصورة. 

وقفت "زينب" أمام المرآة شاردة في تفاصيل اللحظة التي جعلتها تسقط في أحلامها الوردية التي صنعتها من قبل داخل عقلها منذ رؤيتها له. 

ابتعلت لُعابها وهي تتذكر نظرته لها، نظرة لم تفهمها ولو فهمتها لن تصدقها لأنه قتل داخلها بقسوة أشياء كانت تتوق لتجربتها معه...أغمضت عيناها بقوة تهز رأسها حتى لا تتذكر ما حدث ليلة عُرسها وحديثه القاسي الذي سقط كالجمر على قلبها الذي أحبه رغم سرعة زواجهم. 

_ انسى ، انسى النهاردة أرجوك وافتكر حاجة تفرحك. 

حدثت قلبها الذي لا يكف عن تذكيرها بتلك الليلة واستكملت حديثها بعدما استطاعت رسم ابتسامتها على شفتيها. 

_ قولي يلا إنك فرحانه أوي. 

قالتها إلى نفسها وهي تُقاوم ذرف دموعها لترفع يديها تطبطب بهما على خديها. 

_ خدي يلا نفس بطئ وبراحة، شاطرة يا "زوزو". 

استطاعت أخيرًا السيطرة على مشاعرها ثم نظرت إلى مظهرها في ثوبها الذي لائم لون بشرتها الحنطية. 

أطلقت تنهيدة خافته ،فهي حتى هذه اللحظة تحمل هم تلك الزيارة بشدة... 

_ زيارة وهتعدي و "سما" وجدو موجودين... أنتِ خايفة من إيه. 

قالتها لنفسها لتسيطر على توترها وضربات قلبها المتسارعة. 

مدّت يدها نحو أحد الأدراج لتخرج منها بعض أدوات التجميل التي ستضعها على وجهها لتهز رأسها بيأس من غبائها فهي وضعت كل أغراضها الخاصة في غرفته.. 

_ كان فين عقلك بس يا "زوزو"، اهو دلوقتي هتضطري تروحي اوضته.

زفرت أنفاسها بضيق وتحركت بصعوبة نحو غرفته بعدما حسمت أمرها، ستدخل الغرفة من أجل أغراض التجميل خاصتها... ؛فقد اقترب موعد وصول عائلتها. 

لم يكن باب غرفته مغلق كالعادة؛ فتحركت للأمام قليلًا حتى تتضح لها الرؤية وتتأكد من وجوده. 

أسرعت بوضع يدها على قلبها ثم دلفت الغرفة لتأخذ ما تحتاجه حتى تتزين سريعًا. 

صوت المياة داخل الحمام جعلها تتنهد باطمئنان واتجهت نحو طاولة الزينه كادت أن تخرج من الغرفة بعدما التقطت ما تحتاجه لكن استمرار صوت المياة جعلها تخبر حالها. 

_ بدل ما ارجع بالحاجة احطها تاني... خليني هنا احسن.

أسرعت بوضع لمسات بسيطة على وجهها لتبتسم برضى بعدما انتهت. 

لم تنتبه على صوت المياة الذي توقف، فعيناها هذه اللحظة كانت عالقة بالملابس التي عاد بها من العمل وملقاه على الفراش. 

اتجهت نحو الفراش لتلقط ملابسه الغير نظيفه وسُرعان ما كانت رائحة عطره تغزو رئتيها. 

إنها نفس رائحة العطر التي كان يضعها ليلة زفافهم... تلك الرائحة التي داعبت أنفها عندما كانت تتراقص بين ذراعيه. 

_ فيه حاجة يا "زينب"؟؟. 

صوته أخرجها من حالة الشرود التي هي فيها... لتنظر نحو قميصه الذي تضعه أسفل أنفها وتشم رائحته بصدمة وسُرعان ما كانت تسيطر على خلجات وجهها. 

_ كنت هشيلهم من مكانهم بس قولت اخد دوش سريع الأول. 

استدارت ببطئ جهته لتخبره أنها ستتولي الأمر. 

توردت وجنتيها ثم أشاحت عيناها عنه وهي تراه عاري الصدر. 

تحركت من أمامه لكنها توقفت عندما عرض عليها أن تختار له ملابسه. 

التفت جهته تسأله وهي تقطب حاجبيها. 

_ اختارلك أنا!! 

ابتسم وهو يتحرك أمامها ويفتح خزانة الملابس دون التعليق على وجود ملابسهما معًا. 

_ اه، لاني محتار.

ذكي هو لأبعد حد، توترها جعله يبتسم بخبث مَازال يرى الإنبهار نحوه في عينيها... مَازال يرى تأسيره عليها. 

اقتربت من الخزانة لتختار له ما تراه مناسب وهو لا ينكر أنه كان سعيد بقربها يلوم حاله على حماقته؛ فهو كان يريد إتمام زواجة بها في أول ليلة لهما معًا لكن تحديه لجده الذي حثه على سرعة إنجاب الوريث ومثلما حملت "سارة" من أول ليلة عليه فعل نفس الشئ مع "زينب" فهو يريد حفيد أخر وبعدها سيتنازل له عن الأسهم التي يمتلكها بشركة الطيران ... لقد أيقظ هذا العجوز الماضي بداخله... جعل الحقد يعود ليستوطن قلبه ومَا دام يريد طفل مقابل تنازل آخر من ممتلكاته التي ستكون له يومًا لن يجعله ينال هذا الامر وليهدم كل شئ. 

فاق من شرودة وقد غامت عيناه بقتامة خالية من الحياة. 

_ بيتهيألي القميص ده حلو، والبنطلون ده كمان معاه.

نظرت إليه "زينب" بعدما أعطت رأيها ومدت يدها بقطع الملابس التي انتقتها. 

ابتسم حتى يخفي ذلك الشعور الذي أجتاحه منذ لحظات ونظر إليها. 

_ ذوقك جميل ،شكرًا يا "زينب". 

هزت رأسها له قائله: 

_ كنت دايمًا بختار لجدو لبسه.

تلاشت ابتسامته بعد ما قالته، فهو ليس الوحيد الذي اختصه بهذا الأمر. 

_ سيادة اللواء كان محظوظ.

_ جدو ده كل حاجه في حياتي... اغلي انسان عندي.

استمرت بالحديث عن جدها بكل حُب مما جعل ملامحه تمتقع. 

_ فستانك حلو. 

أراد أن يجعلها تتوقف بالحديث عن جدها رغم حبه لهذا الرَجُل، نظرت إلي ثوبها ثم إليه بخجل وسرعان ما كانت تدرك قربه منها. 

_ شكرًا. 

قالتها وهي تلتف بجسدها ثم غادرت الغرفة وهي لا تصدق أنه استطاع جذبها بالحديث. 
.... 

وقفت "نيرة" والذهول على ملامحها ، نظرت إلى عمها وقد ضاقت حدقتاها مما جعل وجه "عزيز" يتعرق وينظر إلى "نيهان" بمقت. 

_  أنا عايزه اعرف إيه الحديث الممتع اللي خلاك يا عمو "نيهان" تضحك. 

استرد "عزيز" أنفاسه أخيرًا بعد سؤال "نيرة"، لينظر إليه "نيهان" بنظرة ماكره جعلته يزجره بعينه. 

عادت ضحكات "نيهان" ترتفع من مظهر "عزيز" الحانق وقد رمقتهم "نيرة" بدهشة. 

_ لاء أنا حاسه إن فيه حاجة.

وسُرعان ما تهللت أسارير "نيرة" وهي تنظر نحو "نيهان" تسأله بأمل: 

_ هو وافق يقابل العروسة اللي أنا اختارتها ليه؟؟ 

لم يستطيع "نيهان" كتم ضحكاته لتحتد نظرات "عزيز".

_"نيرة" أنا مش قولت نقفل الموضوع ده.

عبست "نيرة" بشفتيها واقتربت منه تنظر إليه بأعين راجية. 

_ عايزة اطمن عليك قبل ما اسافر. 

قربها "عزيز" إليه واحتضن وجهها بين راحتي كفيه. 

_ يا حببتي أنا كويس كده ووقت ما افكر اتجوز هقولك تيجي تخطبيلي العروسة.

امتعضت ملامح "نيهان" وهو يرى صديقه يعود إلى نفس النقطه، توعد له وأدرك أن عليه التصرف فَلو ترك الأمر لـ "عزيز" سيظل هكذا مترددًا. 

_ لا تقلقي "نيرو" سأقنعه،هل تشكي في قدرات عمك "نيهان". 

ابتسمت "نيرة" والتفت برأسها جهة "نيهان" الذي غمز لها بوعد أن الأمر صار في جَعْبَتُة. 

لم يهتم "نيهان" بتلك النظرة التي رمقه بها "عزيز" وأردف بالكلام. 

_ "نارفين" ستأتي غدًا من تركيا حتى ترى المزرعة التي قمت بشرائها.

تساءَلت "نيرة" على الفور. 

_ أنت اشتريت مزرعة هنا في مصر.

استدار "عزيز" بجسده ليستطيع زفر أنفاسه الثائرة وقد أغمض عيناه وهو يتمنى ألاّ ينفذ "نيهان" ما أخبره به منذ لحظات. 

_ أجل ،اشتريت واحدة بجانب مزرعتكم.

اتسعت ابتسامة "نيرة" لسمعها خبر كهذا. 

_ لاا كده نروح كلنا المزرعة ونحتفل بالمناسبة دي.

تصلبت ملامح "عزيز" بعدما استمع إلى حديث "نيرة" وقد نجح "نيهان" في رمي الكرة. 

ارتفع حاجب "نيهان" بحيرة ونظر نحو "عزيز" الذي مَازال يوليهم ظهره ولم ينبس بكلمة واحدة. 

_ اقترحت هذا الأمر على عمك ولكن كالعادة أخبرني أنه مشغول... 

لم تنتظر "نيرة" مواصلة "نيهان" لكلامه واتجهت نحو عمها تتعلق بذراعه. 

_ كده برضوه يا عمو ترفض حاجة زي دي، ارجوك قول موافق... إحنا محتاجين فعلاً نغير جو حتى "سيف" و "كارولين" واهو عندنا مناسبه حلوه نحتفل بالمزرعة الجديدة. 

وهل يستطيع "عزيز" رفض شئ تريده، ابتسم "نيهان" بمكر وانسحب من الغرفة قائلًا: 

_ سأذهب للمطبخ حتى ادعو عائله العم "سعيد" معنا... هذه فرصه لي لأتناول أنا و "نارفين" الكثير من الأطعمة الطيبة من يديهم. 

لو كانت النظرات تقتُل لأصابت "نيهان" في مقتل وقد أسرع بخُطواته نحو المطبخ وهو يتمالك نفسه بصعوبة حتى لا ينفجر ضاحكًا. 
.... 

تأمل الجد "نائل" حفيدته الغالية وهي تتحرك كالفراشة وعلى وجهها كانت تشع ملامح السعادة التي كانت بارعة في رسمها أمام زوجات أعمامها. 

_ اقعدي يا حببتي ارتاحي. 

قالها الجد وهو ينظر إليها؛ فهي لا تكاد تستقر في مقعدها إلاّ ونهضت لتجلب شئ من المطبخ لتضايفهم به. 

_ ما أنت عارف "زوزو" يا جدو لازم تخلي الكل مبسوط وتعمل لكل واحد الحاجة اللي بيحبها. 

قالتها "سما" بحب لابنة عمها وقد امتقعت ملامح "شروق" ابنة عمها "هشام" بحقد. 

_ أنتِ هتقولي على "زينب"، على فكرة يا كابتن "صالح" أنت واخد ست بيت من الدرجة الأولى. 

هتفت بها "لبنى" زوجة عمها "هشام" ثم أردفت وهي تنظر نحو "زينب" التي تجلت السعادة بوضوح على ملامحها. 

_ إحنا عندنا أغلب بنات العيلة بيهتموا بنجاحهم العلمي والوظيفي إلا "زوزو" الوحيدة اللي دايمًا تلاقي اهتمامها بالبيت... أنا بقول إنك محظوظ بجد.

تلاشت الابتسامة التي كانت تحتل شفتيّ "زينب" بعدما فهمت كل كلمة ترمي إليها زوجة عمها وقد وضحت أحقاد البعض منذ زواجها. 

ابتسم "صالح" بمجاملة لها وقد أخذ الجد يطرق بيده على ذراع المقعد الجالس عليه حتى ينتبه ابنه ويوقف زوجته عن حديثها الذي لا معنى له. 

_ أنا فعلاً محظوظ عشان تكون "زينب" من نصيبي يا مدام "لبني". 

قالها "صالح" ثم مدّ يده والتقط يد "زينب" ولثم باطن كفها. 

ابتسمت "سما" بسعادة لما تراه كما ابتسم الجد واستاءت ملامح "لبنى" التي زجرها "هشام" بعينيه حتى تصمت. 

_ سمعت إن فيه شريك جديد هينضم للمطار. 

تساءَل "هشام" الذي جعل الجلسة تدور عن العمل وحال البلد. 

_ مش هتفرجينا على الشقة يا "زينب". 

تساءَلت هذه المرة "يسرا" زوجة عمها "مصطفى"، فنظرت "سما" إلى والدتها بضيق من تلك العادة السيئة. 

توترت "زينب" وقد انتبه "صالح" عليها لكنه عاد يتجاذب الحديث مع عمها "هشام" والجد. 

_ اكيد طبعًا ،اتفضلي. 

لم تنهض إلاّ "لبنى" و "يسرا" واتبعتهن "سما" حتى تكون بجوار "زينب" والرد على أيّ حديث سخيف تتحدث به والدتها وزوجة عمها "هشام" اللاتي أكلتهن الغيرة منذ زواج "زينب" برَجُل كـ "صالح الزيني". 

لم يهتموا بتفاصيل الشقة مثلما اهتموا برؤية غرفة النوم وفتح الخزانة. 

_ مش كفايه بقى، المفروض دي خصوصيات يا ماما. 

قالتها "سما" لأمها التي استطاعت زوجة عمها "هشام" زرع الغيرة داخلها لأن الجد لم يختار "صالح" لإحدى بناتهن. 

_ هو إحنا أغراب عن "زوزو" ده إحنا أهلها ولا إيه يا "زوزو". 

تساءَلت "لبنى" وهي تنظر نحو "زينب" التي هزت رأسها لها بتوتر. 

_ اكيد يا مرات عمي. 

_ إيه ده يا "زوزو" دي قمصان النوم لسا بالتيكت بتاعها. 

هتفت بها "يسرا" بعدما خرجت شهقاتها ثم نظرت نحو "لبنى". 

_ معقول يا "زوزو" تكونوا قاعدين مع بعض زي الأخوات... 

الصدمة ارتسمت على ملامح "سما" وألجمتها مما ساعد "لبنى" أن تتولى دفة الحديث عن "يسرا". 

_ الراجل أكيد مفيهوش عيب لأنه عنده ولد.

شعرت "زينب" بأن الأرض تدور أسفلها وقد علقت عيناها بأثواب النوم تبحث داخل عقلها عن كذبه لكن ذلك الضغط الذي تعيشه جعلها لا تستطيع قول شئ. 

نظرت "لبنى" نحو "يسرا" بخبث، وقد صدق حدسهن بأمر تلك الزيجة... "صالح" تزوج "زينب" لتكون بالتأكيد مربية لابنه المريض مثلما كان وجودها مع الجد لخدمته. 

_ إيه ده يا "زوزو" مش دي القمصان اللي إحنا اشتريناها سوا، معقول اشتريتي حاجات جديده. 

استطاعت "سما" أخيرًا الحديث وقد قرصت "زينب" في ذراعها حتى تستعيد توازنها وتتخلى عن صمتها الذي سيجعلها علكة في أفواههن ثم استطرد "سما" ببضعة كلمات تخللتها الألفاظ الجريئة والتي جعلت والدتها تصرخ بها.

_ "سما" عيب كده، الكلام ده متقولهوش بنت.

بنبرة مستهزءة هتفت "سما" وهي تنظر إلى والدتها. 

_ ومش عيب برضو نسأل في تفاصيل ملناش دعوة بيها. 

استطاعت "سما" تحْجيم والدتها وزوجة عمها وسحبهن من الغرفة. 

تمكنت "زينب" أخيرًا من التقاط أنفاسها وقد عادت الراحة إلى ملامحها بعدما أعلن الجد عن حاجته للمغادرة. 

احتضن "صالح" خصر "زينب" وقربها منه ورغم الحرارة التي إجتاحت جسدها من لمسته وقربها منه إلاّ أنها تمالكت نفسها ورسمت ابتسامتها وهي تودع أهلها. 

_ المسرحية خلصت خلاص.

قالتها "زينب" بعدما أزاحت ذراعه الملتف حول خصرها. 

_ مسرحية!!.

تمتم بها "صالح"، فهو لم يفعل شئ للتمثيل... مهما حدث بينهما من خلافات لن يقلل منها أمام أحد....هي زوجته كرامتها من كرامته. 

لم تنظر له" زينب" واتجهت نحو غرفته لتلتقط أثواب النوم من خزانة ملابسه وتلقيها على الأرض لتدهسها أسفل قدميها.... 

مزقت تلك الأثواب وجلست أرضًا تنتحب بشدة أمام نظرات عيناه المصدومة التي غزاها الألم. 

.... 

ارتسمت الدهشة على ملامح "ليلى" بعدما استمعت إلى حديث العم "سعيد" مع عمها في أمر ذهابهم إلى المزرعة التي يمتلكها السيد "عزيز" وأصبح الآن السيد "نيهان" يمتلك واحده تقع جانبه في إحدى القرى الريفيه.. 

_ مزرعة، هو إحنا ينفع نروح معاهم.

تساءَلت بها "ليلى" وهي جذب سؤالها انتباههم. 

كاد أن يُجيبها عمها لكن خروج "شهد" من غرفتها وصياحها جعل العم "سعيد" يلوي شفتيه حانقًا منها. 

_ امتحاناتها بعد شهر وعايزه تدخل طب واول ما سمعت سيرة رحلة المزرعة نطت لينا على طول.

قالها العم "سعيد" لكن "شهد" تجاهلت كلامه واقتربت من والدها تسأله بحماس. 

_ أبيه "عزيز" قالك هنروح معاهم يا بابا زي ما دايمًا كنا بنروح ولا المرادي إيه النظام.

ابتسم "عزيز" علي ابنته التي يعلم عشقها لهذا المكان قائلًا: 

_ ما أنتِ عارفه "عزيز" بيه يا "شهد" ما دام اجازة عائليه بياخدنا معاه و"نيهان" بيه عزمنا كمان.

ثم نظر إلى "ليلى" التي جلست تسمعهم في صمت وهي تتساءَل عن وضعها إذا ذهبوا لتلك المزرعة، فهل ستبقى هنا أم ستذهب معهم لكن هي لن تذهب... هي تحاول قدر استطاعتها الإبتعاد عن محيط السيد "عزيز" حتى يفيق قلبها من أوهامه. 

_ هنروح يوم الخميس المغرب و هنرجع السبت بليل... 

ثم أردف عمها. 

_ فرصه تغيري جو يا "لولو" وتشوفي المزرعة. 

_ هو أنا ينفع مروحش يا عمي.

فور أن نطقت كلامها، خرج صوت العم "سعيد" بقوة. 

_ لو مروحتيش كلنا مش هنروح وهنعتذر من "عزيز" بيه. 

_ بس يعني.. 

بحرج خرجت الكلمات منها لكن العم "سعيد" قاطعها بحزم. 

_ "عزيز" بيه و"نيهان" دعونا إننا نروح معاهم يبقى خلاص. 

في الصباح..... 

كان العم "سعيد" يخبر "عزيز" أنه سيجهز كل شئ. 

_ "شهد" أكيد مبسوطة. 

تساءَل "عزيز" حتى يسترسل العم "سعيد" وتأتي سيرة "ليلى" ويعرف ردة فعلها.. 

_ "ليلى" كانت معترضة شويه وقال إيه عايز تفضل هنا في البيت لوحدها. 

تلاشى الاسترخاء الذي يحتل ملامح "عزيز" واحتله التوجس. 

_ وهي ليه مش عايزة تيجي، إحنا رايحين أيام الأجازة يعني مفيش شغل والمصنع اجازة. 

تنهد العم "سعيد" وحرك الصينية التي يحملها أمامه. 

_ ما أنا قولتلها يا بيه قولتلها كمان لو مروحتيش لا أنا ولا عمك ولا "عايدة" و "شهد" رايحين.

عاد شعور الراحة يحتل ملامح "عزيز" ونظر إلى العم "سعيد" مؤكدًا. 

_ كلنا هنروح يا عم "سعيد" قول لـ "عايدة" و "عزيز" كده... 

تبسم العم "سعيد" وحمل كوب الأعشاب الفارغ من أمامه. 

_ متقلقش يا بيه كل حاجة هشرف على تجهيزها بنفسي قبل ما نروح زي ما أنت متعود. 

استعدوا جميعهم لهذا اليوم وقد انطلقت ثلاث سيارات نحو المزرعة التي تقع على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي. 

كان يفصل بين مزرعة "عزيز" و "نيهان" قطعة أرض فارغة... 

الهدوء الذي ساد المكان ورائحة المحاصيل كالبرتقال والليمون جعل الجميع يتأكد أنهم كانوا بحاجة لمثل هذه العطلة القصيرة. 

احتضنت "نيرة" ذراع عمها فور أن ترجلت من السيارة كما احتضن "سيف" خصر "كارولين" يسألها إذا كانت بخير. 

تعلقت عينين "ليلى" رغمًا عنها بهم وهي تعاون عمها في إخراج الحقائب. 

شعرت بالألم يجتاح قلبها عندما عاد يحلم بحُلم يقتلها كلما وقعت عيناها عليه وعلى حنانه بابنة أخيه. 

_ سيبي الشنطة دي تقيلة يا "لولو" عليكي.

قالها عمها وهو يسحب منها الحقيبة التي حاولت حملها، ليلتف "عزيز" نحوها وقد ضايقه رؤيتها وهي تحاول حمل أحد الحقائب وكادت أن تتعثر. 

_ سيب الشنط يا "عزيز"،" رشدي" وابنه هيجوا يدخلوها.

رفعت "ليلى" عيناها تلك اللحظة التي خرج فيها صوته وسُرعان ماكانت تعود إلى خفض عيناها. 

قلبه خفق ، فأمامها ينسى أي قرار يتخده... هو لابد أن يخبرها بمشاعره غدًا. 

آتى بالفعل "رشدي" الغفير وابنه الشاب "مؤنس" لحمل الحقائب إلى الداخل. 

على الجانب الآخر كان "نيهان" يقف سعيدًا لسعادة زوجته "نارفين" التي أغمضت عيناها وأخذت تزفر أنفاسها ببطئ كلما ملئت رئتيها بالهواء. 

اجتمع الجميع بالصباح وهم في حالة من النشاط والسعادة، تعاونوا في صنع طعام الفطور حتى "كارولين" اندمجت معهم لأول مرة. 

"نارفين" كانت سيدة جميلة ولطيفه لكن ما كان يعيقها أنها لا تفهم إلاّ كلمات بسيطة من اللغة العربية وكانت تستبدل كلماتها التركيه -التي لا تستطيع نطقها بالعربيه- بالإنجليزية. 

_ هيا يا جميلات لقد أصدرت معدتنا أصوات الإغاثة. 

قالها "نيهان" وقد ضحك الجميع؛ فنظر إليه "عزيز" قائلًا: 

_ أنت دايمًا جعان.

جلسوا جمعيهم يتناولوا الفطور الشهي والكل يضحك ويتمازح. 

من حين إلى آخر كان يخطف "عزيز" بعض النظرات نحو "ليلى"؛ فابتسم "نيهان" ومال نحوه يشاكسه. 

_ أصبحت مفضوح يا رَجُل. 

لطمه "عزيز" بقدمه، فزجره "نيهان" بنظرة تهديد..أما "عزيز" رمقه بتوعد. 

مضت الساعات التي ساد بها جو من المرح واتفقوا بأن يتناولوا طعام الغذاء لدي "نيهان" في مزرعته وقد تفرق الجمع. 

اندهش "نيهان" من تحرك "نيرة" نحو بوابة المزرعة ومن وقت لآخر تنظر إلى شاشة هاتفها. 

اقترب منها "نيهان" وعلى وجهه ارتسم التساؤل.

_ ما الأمر "نيرو"؟؟ 

نظرت له" نيرة" ثم تنهدت، فعليها إخباره بفعلتها. 

_ أنا دعيت "سلمي" صاحبتي وأهلها. 

ضاقت عينين "نيهان"، فما الذي يجعلها تتوتر من تلك الدعوة. 

_ لا بأس" نيرو". 

بتوتر قالت وهي تخشي ردة فعل عمها.

_ ما هي العروسة اللي قولتلك عليها يعني... 

اتسعت عينيّ "نيهان" وقد فهم أمر توترها. 

_ تقصدين عمة صديقتك ستأتي اليوم. 

هزت "نيرة" رأسها له؛ فأشاح "نيهان" وجهه عنها ثم رفع يده يمرر أصابعه في خصلات شعره. 

_ ارجوك متقولش لعمي حاجة، صدقني البنت هتعجبه... دي قعدة تعارف مش اكتر.

_ "عزيز" سيغضب "نيرو" لأنه اخبرك أنه لا يريد.

شعرت بالقلق لكن سرعان ما حركت رأسها له. 

_ أنا قلبي بيقولي هتعجبه صدقني، خلينا نحاول...  

حاول "نيهان" رسم ابتسامته؛ فنظرت له راجية. 

_ حاضر "نيرو"، سأحاول التبرير لـ "عزيز" عندما يأتي ضيوفك. 

ابتهجت ملامح "نيرة" واتسعت ابتسامتها ليرتفع رنين هاتفها هذة الحظة. 

أسرعت بالتحرك من أمام "نيهان" قائلة: 

_ وصلوا. 

نظر إليها "نيهان" ثم زفر أنفاسه بقوة. 

وقف "عزيز" بجانب العم "سعيد" يتحدث معه قليلاً ولم تكن إلاّ حجة ليكون بالقرب من "ليلى". 

ارتفع رنين هاتفه لينظر إلى رقم "نيهان"؛ فانسحب على الفور وابتعد. 

_ فكرت هتخلي "ليلى" إزاي تبعد وتكون لوحدها... 

تجهمت ملامح "عزيز" واحتدت عيناه وهو يسمع ما يخبره به لينظر نحو "ليلى" التي سارت وراء "عايدة". 

_ بتقول إيه. 

تعليقات



×