رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السادس و العشرون بقلم سهام صادق
تراجعت إلى الوراء بخُطوات متعثرة بعدما رفع عيناه إليها.
_ أنا آسفة، مش عارفه ده حصل إزاي.... أنا مأخدتش بالي.
خرجت الكلمات منها متقطعه؛ فأَفْزَعَهُ منظرها... كاد أن يتحدث ويخبرها أن لا بأس؛ فالقهوة ليست ساخنة.
_ أنا معايا مناديل في الشنطة.
أسرعت نحو حقيبتها لتخرج عُلبة المحارم الورقية واتجهت إليه لتنظف ما أفسدته على بنطاله... طالعته ثم طالعت عُلبة المحارم لتحسم قرارها وتجثو على ركبتيها أمامه دون تفكير.
كل شئ هذه اللحظة كان يلجمه، وكلما أراد أن يتحدث ليجعلها تتوقف عن ذعرها كان الكلام ينحبس في فمه.
ازدرد لُعابه وهو يراها بهذا الوضع وتُحاول تنظيف بقعة القهوة التي التصقت بقماش بنطاله.
رفعت عيناها له وكأنها تسأله هل أصلحت شئ أم فعلتها زادت الأمر سوءً.
_ أنا بوظت البنطلون خالص مش كده.
قالتها بنبرة صوت مرتعشة وعادت بالنظر نحو بقعة القهوة... أغمض "عزيز" عينيه... إنه لا يحتمل هذا القُرب ولا يستطيع إخراج صوته وابعادها.
_ أنا آسفة.
همست بها بخفوت وهي تبتعد عنه ولم تدرك إلاّ تَوًّا خطورة قُربها منه وما كانت تفعله.
قبض "عزيز" على ذراعها ، فهل ستبتعد بعدما جعلته بهذا الضياع؟
_ "لـيـلـى"
اندهشت من فعلته ليزدرد لُعابه وتتحرك تفاحة آدم خاصته ببطئ وهو ينظر إلى شفتيها ويتخيل أحد أحلامه وهو يَنهَل من شهدها.
عيناها كانت عالقة به، ومثلما تفقده صوابه وتحرك به ما يعلمه كرَجُل ... كانت تفقد هي معه صوابها.
انتبهت على يده التي مَازالت على ذراعها وقبل أن تسحب ذراعها من قبضة يده ... كان يسحب هو يده ويقبض على كفه بقوة.
_ مفيش مشكله يا "ليلى"، تقدري تمشي أنتِ.
نظرت إليه في تشتت ليقف ويبتعد عنها متجهًا نحو باب غرفة مكتبه ليفتحه مناديًا.
_ استاذة "أميمة" اطلبي عم "محروس" يجي ينضف المكتب لو سمحتي.
نظرت إليه بحالة من الضياع لتجده يعطيها ظهره وكأنه ينتظر مغادرتها وسُرعان ما كانت تستوعب أن عليها الرحيل في صمت.
التقطت حقيبتها سريعًا وسارت أمامه وهي تخفض عيناها في خزي.
....
لا تعرف كم مر من الوقت وهي تسير هائمة فيما حدث.
توقفت عن السير تنظر حولها... فمن حسن حظها أن الطَّرِيقِ كان ينتشر على جَانِبَيِهِ العديد من المتاجر.
زفرت أنفاسها والتفت برأسها نحو كلا الجانبين وهي تحاول أن تستبين اسم الشارع الذي هي فيه.
أكملت سيرها بعدما حددت وجهتها لكنها رغمًا عنها وقفت مكانها مدهوشة بثوب الزفاف المعروض في أحد المتاجر وقد جذب انتباهها.
تحركت نحو واجهة المتجر لتقف أمام ثوب الزفاف وقد ضجت عيناها بلهفة نحو اليوم الذي سترتدي فيه ثوب الزفاف.
أسبلت جفنيها بألم عندما أتتها صورته... إنها تحلم بحُلم بعيد المنال ومهما حاولت الإبتعاد خانها قلبها لتعود إلى نقطة الصفر.
ترجلت من سيارة الأجرة أمام بوابة الڤيلا ثم توقفت لوهلة قبل أن تخطو بخُطوات ثقيله نحو الداخل.
حياها العم "مسعد" حارس البوابة قائلًا بابتسامة بشوشة.
_ اهلا بست البنات.
ابتسمت "ليلى" وتوقفت لتسأله عن حاله بعدما استطاعت أن تداري إحباطها.
_ دوا الضغط الجديد عمل مفعول ولا لسا ضغطك عالي؟؟
_ لا الحمدلله يا استاذه، الدوا الجديد اللي كتبه الدكتور احسن.
طالعته بابتسامة مَازالت مرتسمة على شفتيها.
_ خد بالك من صحتك يا عم "مسعد".
انفرجت شفتيّ العم "مسعد" بابتسامة واسعة من اهتمامها بالسؤال عنه.
_ متقلقيش عليا يا استاذة.
كادت أن تتحرك "ليلى" من أمامه إلاّ أن صوته الذي خرج بحرج أوقفها.
_ ممكن اطلب منك طلب صغير يا استاذة.
استدارت "ليلى" نحوه ونظرت إليه.
_ اتفضل يا عم "مسعد".
الحرج الذي ارتسم على ملامحه جعلها تظن أنه سيطلب أمر لن تستطيع الوفاء به وسُرعان ما كانت تتسع ابتسامتها وهي تستمع إلى طلبه.
_ ممكن تعمليلي طبق رز باللبن من أيديكي الحلوين.
_ من عنيا.
تهللت أسارير العم "مسعد" والتمعت عيناه بالسرور.
_ تسلمي يا ست البنات.
......
نظر "نيهان" نحو سيّارة "عزيز" التي مَازالت مصطفة أمام المعرض، سار نحو الداخل وهو في حيرة من أمره من وجوده لهذا الوقت حتى اتصالاته لا يجيب عليها.
اندفع إلى غرفة مكتبه يهتف صائحًا.
_ ما الأمر يا رَجُل، لِما لا تُجيب على هاتفك.
زفر "نيهان" أنفاسه بقوة وجلس على المقعد أمامه ليسترخي ثم تساءَل بعدما ضجر من صمته وعدم التفافه نحوه.
_ لا تخبرني أن فعلتي هي السبب لعدم ردك على مكالماتي.
هز "نيهان" رأسه بيأس من صمته ثم تنهد بعمق.
_ "عزيز"، هل ستظل جالس هكذا... تعطيني ظهرك يا رَجُل.
استدار "عزيز" بمقعده ينظر إليه بنظرة طويلة جعلت
"نيهان" يشعر بالريبة.
_ لاا صمتك هذا يعني كارثة، هل صارحت الفتاة بمشاعرك ورفضتك.
_ كنت هبوسها.
قالها "عزيز" ثم نهض من مقعده ليبتعد عن أنظار "نيهان" التي كانت مصعوقة.
_ كنت ستقبلها ، هذا ما كنت ستفعله "عزيز".
خرجت الكلمات من فم "نيهان" ببطئ حتى يستعبها ليحرك "عزيز" رأسه بخزي.
_ مش عارف كنت هعمل كده إزاي يا "نيهان".... إزاي قدر الشيطان يغويني..
ثم أردف بنبرة يائسة مما وصل إليه.
_ كنت هخون الراجل اللي بيخدمني بإخلاص واستأمني على بنت أخوه.
أطلق "نيهان" سباب باللهجة الشامية وسُرعان ما كان يضرب كفوفه ببعضهما.
_ بيدك الحل لتخلص نفسك... تزوجها.
واستطرد بنبرة ساخرة.
_ تزوجها وقبلها كما شأت بل وستحصل على أشياء أخرى وليست قبلة فقط.
_ "نـيـهـان"
انفجر "نيهان" بالضحك بعد صراخ "عزيز" به وقد استدار بجسده ليغمز له "نيهان" قائلًا بمزاح:
_ أردت أن تسرق قبلة من الفتاة يا "عزيز".
.....
تلك المناكفة التي تحدث أمامها الآن بين عمها والعم
"سعيد" جعلتها تنسى ذلك الشعور الذي كان يقتحم فؤادها.
_ أنا عايز الرز بلبن مسكر يا "لولو".
قالها العم "سعيد" وهو يركز أنظاره نحو إناء الطهي.
_ الرز بلبن معمول عشان "مسعد" مش ليك والراجل عنده السكر.
امتقعت ملامح العم "سعيد" من رد "عزيز" زوج شقيقته.
_ وأنا بحب الحاجة المسكره.
ابتسمت "ليلى" على مناوشتهم ليميل نحوها العم "سعيد" هامسًا.
_ عمك ده رخم، زمان مكنتش موافق أجوزه "عايده" بس اقول إيه حبيته الهبله مش عارف على إيه.
ارتفع حاجبيّ "عزيز" في ذهول بعدما وصل له همسه.
_ أنا رخم يا راجل يا عجوز، ابعد طيب عن بنت اخويا.
جذبها "سعيد" إليه؛ فأسرعت بتثبيت إناء الطهي الذي كاد أن يسقط أثناء تقليبها.
_ كان عقلي فين وأنا بجوزك أختي.
جدالهم الذي تحول إلى معركة وهي بينهم جعلها تصرخ وترفع يديها مستسلمة.
_ عمي الله يخليك روح اقعد في الصاله واقرأ الجرنال وأنت يا عم "سعيد" أنا هعملك بكره مخصوص طاحن البامية.
اتسعت ابتسامة "سعيد" وتحرك من أمامها.
_ أنا هروح اخد علاجي واسيبك تعملي الرز بلبن.
لطم "عزيز" يديه ببعضهما بعدما غادر العم "سعيد" باستسلام بعد عرض "ليلى" له بصنف الطعام الذي يحبه.
_ انسحبت عشان طاجن البامية يا "سعيد".
نظرت "ليلى" إلى عمها الذي اتبع العم "سعيد" وخرج من المطبخ؛ فتنهدت بأسي، إنها لا تستطيع تركهم ولا تستطيع العيش هنا وهو أمامها كل يوم.
أنهت طهي الأرز بالحليب ثم أخذت تصب محتواه بالأطباق وقد عاد العم "سعيد" ليحصل على حصته من تلك الأطباق التي أعدتها.
ضحكت "عايدة" التي أتت للتو من الڤيلا ونظرت إلى شقيقها.
_ لمين الأطباق ديه كلها.
نظر إليها العم "سعيد" بعدما وضع الأطباق على الصينية.
_ واحد لـ "عزيز" بيه و واحد لـ "نيره" و...
توقف العم "سعيد" عن سرد تلك التفاصيل إليها لينظر لها حانقًا.
_ أنا برد عليكي ليه، بقيتي فعلاً شبه جوزك.
هزت "عايدة" رأسها بيأس منه وابتسمت وهي تراه يحمل الصينية ليغادر متجهًا نحو الڤيلا.
_ بيستغلوكي ويضحكوا عليكي بكلمتين حلوين عشان تعملي ليهم الأصناف اللي بيحبوها.
كانت "ليلى" سارحة في أفكارها ولم تنتبه إلى حديث زوجة عمها وقد اقتربت "عايدة" منها لتربت على خدها بحنو.
_ محظوظ اللي هيتجوزك يا "ليلى".
قالتها" عايدة" وتحركت إلى خارج المطبخ...
"محظوظ من سيتزوجها"
كلما أخبروها بهذه العبارة شعرت بوخز مؤلم في قلبها....فهل سيكون محظوظ بالفعل وهو سيحصل على امرأة وضعت أحلامها مع رَجُل أخر... رَجُل تريد الهرب منه لتتمكن من محوه من ذاكرتها.
استجمعت أخيرًا شتاتها وحملت الطبق الذي يخص العم "مسعد" واتجهت نحو البوابة لتعطيه له.
ابتسم الرَجُل عندما رأي الطبق الذي يشتهيه.
_ تسلم ايدك يا ست البنات.
_ دوقه بس أنت الأول يا عم "مسعد".
ابتهجت ملامح العم "مسعد" وهو يبتلع أول ملعقة من الطبق ثم أخذ يهز رأسه باستمتاع ويصدر همهمات تعبر عن سعادته.
_ أي حاجه بتعمليها بتاخد عشره على عشره.
تلك السعادة التي رأتها على ملامح العم "مسعد" أطربت فؤادها الذي يطربه رؤية من حولها سعداء. كادت أن تتحرك لكن إطلاق بوق السيارة وانفتاح البوابه جمد حركتها للحظات لكنها تداركت الأمر سريعًا واستكملت سيرها دون أن تلتف ورائها.
التقطتها عينين "عزيز" ثم نظر نحو "مسعد" بنظرة خاطفة ليجده يمسح شفتيه من شئ قد تناوله.
لا يعلم لما شعر بالضيق الذي صار يصيبه كلما رأها تصب اهتمامها على الجميع إلاّ هو.
صعد غرفته دون الإلتفاف ورائه ليتوقف أعلى الدرج بعدما تساءَلت ابنه شقيقه.
_ نحضر العشا يا عمي، أنا مرضتش اتعشا غير لما ترجع... ها لو متعشتش أنا كمان مش هتعشا.
رغم عدم رغبته في تناول الطعام إلاّ أنه رد قائلًا:
_ خليهم يحضروا العشا.
أسرعت "نيرة" نحو المطبخ لتخبر العم "سعيد" والخادمة التي أتت لمساعدة "عايدة" بتسخين الطعام.
دلف "عزيز" غرفته، يُلقي بسترته على الفراش.
وقعت عيناه على البقعة التي لطخت بنطاله ومازال أثرها موجود رغم تنظيفه لها.
عادت صورتها وهي قربه تقتحم رأسه مرة أخرى، فتهاوى على الفراش وأرخى برأسه ونظر إلى الأرض متنهدًا بعمق.
عليه الإعتراف أنه لن يستطيع الصمود طويلًا ما دامت أمامه.. عليه إتخاذ القرار كما أخبره "نيهان" لكن كيف سيعرض طلب الزواج على عمها.
تنهيدة طويلة خرجت منه تحمل حيرته معها، بصعوبة تحرك نحو المرحاض ليغمر رأسه بالماء البارد الذي أخذ يتقطر على قميصه.
أبدل ثيابه ليخرج من غرفته متجهًا إلي الأسفل وقد اجتمع أبناء شقيقه على تناول العشاء معه وأيضًا "كارولين" التي قررت أخيرًا الخروج من غرفتها.
عندما انتبهت "نيرة" على خُطواته استدارت إليه ببهجتها.
_ مرضيناش نتعشا غير لما تيجي... ها بقى قولي اتأخرت ليه النهاردة.
ابتسم "عزيز" وانحنى نحوها ليقبل رأسها.
_ كان عندي شغل مهم يا حبيبتي.
ذلك الإهتمام الذي كانت تراه "كارولين" في عينيه نحو ابنه شقيقه جعلها تتمنى الحصول على مثله...
_ اخبارك إيه يا "كارولين" النهاردة.
بأدب تساءَل دون النظر إليها، فابتسمت على الفور وأجابته بحبور.
_ بخير.
_ وأنت عامل إيه في شغلك يا بشمهندس.
قالها "عزيز" وهو يوجه أنظاره نحوه وقد ترك "سيف" كأس الماء الذي ارتشف منه للتو ونظر إليه.
_ كل حاجه لحد الآن تمام... متقلقش عليا.
تناولوا طعامهم هذا اليوم بهدوء دون وجود "سميه" التي كانت تأتي إليهم شبه يوميًا بحجج تختلقها.
بعدما أنهوا طعامهم تقدم نحوهم العم "سعيد" بأطباق الأرز بلبن الشهية قائلًا:
_ لازم تحلوا وتدوقوا عمايل "ليلى".
_ لا ما دام "ليلى"، يبقى ندوق يا راجل يا عجوز.
تمتمت بها "نيرة" بحماس والتقطت الطبق ليفعل "سيف" مثلها قائلًا:
_ البنت دي هايله في الأكل، أنا مش عارف ليه رفضتوا اقتراحي إنها تساعد "عايدة"... على فكرة الطبخ دلوقتي بقى مهنه مربحة....
كاد أن يواصل "سيف" كلامه إلاّ أن صوت "عزيز" أوقفه عن استكمال حديثه.
_ "سيف" ، قولت كذا مره "ليلى" مش مسئوله عن الطبخ ولا ليها علاقه بالمطبخ... البنت مشكوره لما بتطبخ حاجه حلوه بتحب تشاركنا أكلها.
ابتلعت "نيرة" ما بفمها وهزت رأسها مؤكده على كلام عمها.
_ "ليلى" بتطبخ هواية... هي شاطره في حاجات تانيه كتير... بس عارف يا عمو كلام "سيف" صح الطبخ دلوقتي بقى مهنه مربحة والناس بتابع قنوات الطبخ اكتر ما بتابع نشرات الاخبار... انا بقول لو "ليلى" فكرت تعرض أصنافها على النت... وهوصي صحابي يدعموها.
تجهمت ملامح "عزيز" وألقى بالمحرمة فوق الطاولة ونهض من مقعده قائلًا بضيق.
_ انتوا هتحددوا ليها هتشتغل إيه ومتشتغلش إيه.
نظرت "نيرة" نحو العم "سعيد" الذي وقف ينظر لما حدث مدهوشًا من غضبه.
_ هو اتعصب ليه، ده كان مجرد اقتراح... لا أنا هاخد الطبق بتاعه واروح وراه اشوفه ماله.
قالتها "نيرة" واتجهت ورائه لينظر العم "سعيد" نحو "كارولين" التي تتبعتهم بعينيها هامسًا بخفوت.
_ صحيح الناس أقدام.
....
لم تستطيع "زينب" إخراج صوتها بعدما أخبرتها "سما" بأن العائلة ستأتي لزيارتها اليوم وقد نهرهم جدهم ليلة أمس بعدم زيارتهم لها وتقديم الهدايا لها كعروس والحجة التي أخبروه بها أن مرضه جعلهم لا ينتبهوا على شئ غير صحته.
_ "زوزو" أنتِ...
ابتعلت "زينب" غصتها وجاهدت في إخراج صوتها تمتمت بخفوت.
_ معاكِ يا "سما"، قوليلي هتيجوا النهاردة الساعه كام.
ابتسمت "سما" واتجهت نحو الغرفة التي تبدل بها زيّ العمل ثم تغادر المطار.
_ هنيجي ليكي الساعه تسعة إن شاء الله ... أنا قولت اقولك لتتفاجئ بينا.
_ جدو هيجي معاكم.
_ هقولك بس متفتنيش عليا، هو قال هيجي بس هيقولك إنه مش جاي.
أغلقت "سما" معها المكالمة لتتركها في حيرتها وضياعها وقد انتشلها رنين الهاتف من شرودها لتجد رقم جدها يُضئ شاشة الهاتف، أجابته على الفور.
_ حبيبت جدها عامله إيه النهاردة.
تساءَل السيد "نائل" وهو يحاول التقاط أنفاسه ببطئ.
_ أنا بخير يا جدو طول ما أنت بخير ومعايا.
ابتسم "نائل" وشاكسها بالحديث.
_ وبالنسبة لـ "صالح" اللي اخدك مني خلاص.
_ أبدًا محدش يقدر ياخذني منك... أنا كنت جيالك النهاردة.
غامت عيناها بالدمع وهي تستمع لكلمات تدليله وحبه لها.. فمنذ أن أتت للعيش معه في عمر السابعة عشر وهو حريص على تعويضها ومنحها ما لم يستطيع منحه لوالدها.
لم يخبرها أنه سيأتي معهم اليوم لزيارتها لكنه أخبرها أن العائلة ستأتي لها وعليها الإستعداد حتى لا تجعل أحد يثرثر بالكلام خاصةً بسبب مكوثها معه لفتره في أيام زواجها الأولى.
ونفس الحيرة التي تركتها بها "سما" تركها جدها فيها...فما تتحدث عنه العائله ليس كذبًا.. فهي ليست بعروس.
آه طويلة خرجت منها يعقبها سقوط دموعها من شدة قهرها لعدم قدرتها على الكلام والعيش بصمت.
رثت حالها لوقت لتدرك أخيرًا المأزق الذي هي في..... هي وهو يعيشان بغرف منفصله ولم يكتشف هذا الأمر إلا حماتها.
نهضت من على الفراش تنظر حولها بضياع؛ فمن أين تبدأ.
هو أول من أتى بذهنها لتهاتفه على الفور... تنهدت بسأم بعدما أعادت الإتصال للمرة الثانية لكن لم يجيب عليها.
_ اكلم طنط "حورية".
أسرعت بالإتصال بحماتها التي كانت تتابع الصغير وهو يركض بالحديقه بسعادة.
_ ايوة يا "زوزو"... اوعي تقوليلي عايزه "يزيد"... لا النهاردة هيبات معايا ومع جده.
هي تعلم أن أخذ حماتها للصغير دومًا لإعطاء مساحة لهم لعلهم يتمموا زواجهم.
_ لا يا طنط أنا مش متصله عشان" يزيد" لاني عارفه هو بيكون قد إيه مبسوط وهو معاكم.
ابتسمت السيدة "حوريه" على حديثها اللبق؛فكنتها تتمتع بلطافه وليت ولدها أدرك هذا قبل فعلته الحمقاء التي هدمت كل شئ.
_ طنط أنا محتاجه مساعدتك.
اعتدلت السيدة "حورية" في جلوسها وانتظرت سماع طلبها بإنصات.
بحرج أردفت "زينب".
_ أهلي جاين يزوروني النهاردة ومحتاجه حلويات اضايفهم بيها ومفيش وقت اعمل حاجه.
أسرعت السيدة "حورية" قائله بعدما نهضت من مكانها.
_ أنتِ متشليش هم حاجة، أنا هبعتلك كل حاجه حتى العصاير... اهم حاجه يا حببتي تستعدي لاستقبال اهلك.
لا تستطيع إنكار أن السيدة "حورية" امرأة رائعه وودودة.
تساءَلت السيدة "حورية" قبل أن تنهي المكالمة.
_ بلغتي "صالح" عشان يرجع بدري ويستقبل معاكي اهلك.
ابتلعت "زينب" ريقها بخزي وقد ظنت أنه تعمد عدم الرد عليها.
_ كلمته مردش عليا.
_ اول ما هيشوف اتصالك اكيد هيرن عليكي...أنا كمان رنيت عليه من ساعه مردش اكيد مشغول.
كادت أن تنهي "زينب" المكالمه؛ فأردفت السيدة "حورية".
_ "صالح" مش وحش يا "زينب"، مش عشان هو ابني وبكره هتعرفي ده لما تقربوا من بعض صح.
لم تمر نصف ساعه إلاّ وكان يهاتفها بقلق.
_ فيه حاجة يا "زينب".
نظرت إلى الغرفة التي تقوم بترتيبها ووضع حاجتهم معًا حتى لا ينفضح الأمر إذا قررت إحدى زوجات أعمامها التجول بالشقة.
_ اهلي جايين يزوروني النهاردة، أنت عارف تعب جدو خلاهم يأجلوا زيارتنا.
حاولت تجميل صورة عائلتها بقدر المستطاع رغم أنها تعلم أن لولا جدها ما كان زارها أحد.
_ حاضر.
_ هتيجي يعني.
نظر إلى الشاشة التي يتابع من عليها هيكل إحدى الطائرات التي سيقوموا بعقد صفقة لإستيراد اثنين منها.
_ قبل وصولهم هكون موجود نستقبلهم سوا.
احتضنت الهاتف بعدما أنهت المكالمه معه وأطلقت زفرات متقطعه لا تصدق أنه لم يخذلها.
استطاعت ترتيب الشقة والأغراض التي بعثتها حماتها في تلك الساعات القليلة ثم قررت أخذ حمام سريع لتتجهز قبل وصوله ووصولهم.
دلف "صالح" الشقة وهو يحمل عُلب من الحلوى رغم علمه بأن والدته بعثت بكل ما سيحتاجوه.
_ "زيـنـب".
نادها ثم أخذ يبحث عنها في أرجاء الشقة إلى أن وصل إلى غرفتها التي كان بابها مفتوح.
وقعت عيناه على الثوب الذي تركته على الفراش وألقى بنظرة سريعه على باب الحمام المغلق.
كاد أن يتجه إلى غرفته ليجهز حاله هو الأخر لتفتح الباب وتخرج من الحمام وهي تجفف شعرها وتلف المنشفة على جسدها.
عيناه توقفت على منظرها، لتزدرد لعابها عند رؤيته وتحاول إحكام المنشفة عليها ورفعها لأعلى.
.....
قطب "عزيز" حاجبيه في حيرة بعدما أخبره "نيهان" بالأمر الذي سيفعله حتى يتيح له فرصه الحديث مع "ليلى" وإخبارها بمشاعره ليستطيع إتخاذ خُطوة الزواج دون تردد.
_ "نيهان" ده شغل مراهقين.
زفر "نيهان" أنفاسه بقوة وقد سأم من اعتراضاته التي أصابته بالضجر منه.
_ "عزيز" أنتَ بتلك الطريقة لن تتقدم خُطوه.... أنت تخشى طلب يدها من عمها فتكون الفتاة لا تفكر بك رغم أني من المرات القليلة التي رأيتها قريبه منك تأكدت من اعجابها الذي تخفيه.
كلمات "نيهان" له جعلت قلبه يخفق بجنون، هو بالفعل صار يشعر بهذا الأمر بعد ماحدث في غرفة مكتبه وتلك النظرة التي كانت تنظر بها إليه.
_ متأكد إن روحتنا للمزرعه هتكون فرصه.
غمز له "نيهان" وتحرك بالغرفة.
_ لا تقلق يا رَجُل... أنتَ فقط أطلق لسانك وعبر عن مشاعرك.
وبوقاحة أردف وهو يضحك.
_ كنت أريد أن أقول لك عبر عن مشاعرك بشفتيك وليس لسانك لكني....
_ "نـيـهـان".
صدحت ضحكات "نيهان" عاليًا ثم توقف عن الكلام بعدما دلفت "نيرة" الغرفة ونظرت إليهما.