رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخامس و العشرون بقلم سهام صادق
تجمدت عيناه نحو ما أحدثه بها وهو لا يصدق أنه كاد أن يجعلها زوجته هذه الليلة.
نظر إليها ثم ابتعد عنها متمتمًا بأسف بعدما مسح على وجهه عدة مرات.
_ أنا أسف يا "زينب".
حاوطت جسدها بذراعيها تشعر بالخزي للإستسلامها له...فهي كانت ستُقدم له جسدها دون أدنى مجهود منه مثلما منحته قلبها.
شعر بالضيق من حاله عندما استمع إلي صوت شهقاتها التي ارتفعت بقهر؛ حتى استسلامها له قابله بالرفض.
تحركت قدماه بضعة خطوات لكن صوت شهقاتها مزقه...؛فهو أذاها بعدما جعلها تستسلم له ومع ذلك يريد تركها في خسة.
ابتلع أحرف كلماته،فهو لو تحدث سيجرحها لأن الكلام في مثل هذا الموقف لا يزيد الأمر إلاّ جرحًا...وسؤال واحد أخذ يتردد في رأسه
" ما تلك الفوضى التي أحدثها بحياته"
زفر أنفاسه بقوة ثم التقط قميصها واقترب منها ليساعدها في ارتدائه لكن وجدها تنفض يديه عنها تصرخ به.
_ ابعد عني، أنا بكرهك.
دفعته عنها بكل قوتها لكنه رفض الإبتعاد.
تقبل ضرباتها على صدره بصمت؛ فعليه تركها تفرغ طاقتها به.
_ لولا جدي مكنتش رجعت معاك... أنا بكرهك.
خرج صوتها هذه المرة متقطعًا، لينظر إليها بعدما ارتدت قميصها.
_ أنا آسف.
مسح دموعها بأنامله دون أن يستطيع قول شئ إلاّ إنه آسف بالفعل.
فر هاربًا إلى غرفته بعدما سحب نفسه بصعوبه من أمامها ليدور حول نفسه لا يستوعب ذلك الشعور الذي شعر به عندما لمسها.
_ معقول تكون غريزتي اتحكمت فيا، معقول اكون حيوان وكنت عايز أدبحها بالبشاعة دي.
وعند تلك النقطة عادت نفس الصورة التي عذبته لسنوات طويله تخترق رأسه.... صورة "سارة" وهي تنزوي بجسدها وتخبره أنه وحش سئ بعدما اغتصبها بعد أن وضع له جده الحبوب المنشطة ليتم زواجة من "سارة" وينال الحفيد الذي يرغبه من حفيديه.
_ أنت السبب ،أنت السبب.
حدقت بعيون جاحظة نحو الباب الذي أغلقه ورائه وقد هدأت شهقاتها شيئًا فشئ.
ابتلعت لُعابها الذي امتزج مع ملوحة دموعها وأغلقت جفنيها بقوة وقد صدمها ما فعله.
عادت دموعها تنساب مرة أخرى على خديها، فهذا ما احتاجته من هذا الزواج... رَجُلًا يعطيها الحنان والأمان... ف جدها أعطاها الحنان لكن الأمان جزء مفقود بحياتها ظنت أنها ستجده معه.
في الصباح...
استيقظت "زينب" على صوت صراخه وبكاء الصغير.
تنهد "صالح" بضيق بعدما رفض صغيره تناول طعام فطوره ثم تكسيره لطبق طعامه.
هو اليوم ليس لديه طاقة لتحمل سلوك صغيره الذي يتركه أغلب الوقت للسيدة "نعمات" والمربيه الخاصه به- اللاتي لا يحصى عددها-.
_ "يزيد" كفايه دلع بقى.
لكن الصغير لا يزيده صراخ والده -عليه- إلاّ بكاءًا وقذف الطعام الذي أمامه.
ازداد صِراخ "صالح" عليه وشعر بالندم لأنه أخبر والديه أنه لم يعد يحتاج إلى السيدة "نعمات" بعد زواجه وأن تبقى في قصر جده مثلما كانت من قبل.
خرجت "زينب" من غرفتها مهرولة وقد صدمها ما يحدث... الفوضى تعم المكان.
لم تستمر "زينب" في صدمتها وأسرعت نحو الصغير الذي قذف ما بيده عليها وازداد بكائه.
كاد أن يقترب "صالح" من صغيره ويعنفه لكنها أشارت له بأن يبتعد عنهما.
شعرت بالشفقة على الصغير الذي فهمت حالته بوضوح من السيده "حورية".
التقطت "زينب" أنفاسها أخيرًا بعدما استطاعت تهدأت الصغير وجعلته يتناول طعامه وقد أخبرها أنه يريد دمية الحصان خاصته.
اجتذب الحديث انتباه "صالح" الذي انشغل في تصفح هاتفه ليترك لها مساحة خاصة في تعاملها مع صغيرة.
_ دادة "نعمات" معاها حصان "يزيد"، " يزيد" عايز حصانه.
قالها الصغير بصوت مهتز لتومئ له "زينب" برأسها ثم مسحت شفتيه من أثر بقايا الطعام.
_ حاضر هنروح نجيب الحصان بس الأول نغسل ايدينا... "يزيد" الشطور هيعمل إيه دلوقتي.
هتف الصغير بسعادة وركض من أمامها.
_ "يزيد" هيغسل ايده.
حدق "صالح" بهما ثم رفع يده يخللها في خصلات شعره بتوتر إلى أن عادت ومعها الصغير..
_ خلينا نروح نجيب اللعبة بتاعة الولد.
أجابها "صالح" على الفور وهو يحرك إصبعه على شاشة هاتفه.
_ هكلمهم في الڤيلا يبعتوا اللعبة مع السواق.
_ لا إحنا هنروح نجيبها ومعانا "يزيد".
ثم نظرت إلى الصغير تشاوره في الأمر.
_ نروح نجيب اللعبه ولا السواق يجيبها.
حرك لها الصغير رأسه قائلًا.
_ لا نروح نجيبها، "يزيد" عارف مكان الحصان.
نظرت له بأن يوافق... فاقترب "صالح" من صغيره ليداعب خصلات شعره.
_ خلاص اجهزوا.
ذهبوا إلى منزل الجد لإحضار لعبة الصغير وقد اندهشت السيدة "حورية" وتساءَلت.
_ كنتوا كلمتوني ابعتها مع السواق.
_ "يزيد" كان عايز يجيبها بنفسه.
قالتها "زينب" وهي تنظر إلى حماتها التي ابتسمت واقتربت منها تربت على كتفها.
_ إحنا اتعودنا على "يزيد" خلاص، إيه رأيك تسيبي "يزيد" لينا النهاردة...
أطلقت السيدة "حورية" عيناها نحو ولدها الوحيد الذي وقف جوار والده يتحدثون وأردفت.
_ انتوا جايين ليكم ضيوف النهاردة وكمان لسا عرسان جداد.
توترت السيدة "حورية" عقب حديثها الأخير بعدما لمحت نظرة "زينب" لها ولم تجد كلام تخبرها به.
عادوا إلى المنزل بعدما مروا على أحد المتاجر المشهورة لطلب الحلوى وما سيحتاجوه لضيافة ضيوفهم.
_ شكرًا.
قالها "صالح" بعدما دلف المطبخ ورائها... لتغمض عيناها لثواني ثم فتحتهما.
_ دي وظيفتي ولازم أقوم بيها على أكمل وجه... أنا هنا مربية لـ "يزيد" ومتخافش أنا شاطره أوي في رعاية غيري.
تجمد "صالح" مكانه بعد حديثها، لقد صدمه ردها... أراد الحديث لكن انحبس الكلام في حلقه.
_ الضيوف هيجوا الساعه كام عشان اكون جاهزة واجهز "يزيد".
تنحنح ليستطيع إخراج صوته لكن وجدها تمر من أمامه.
_ أنا حطيت الحلويات في التلاجة.. لو فيه حاجة محتاجة تتظبط ممكن تكتبها ليا فى ورقة وتحطها على تربيزة المطبخ.
غادرت المطبخ تحت أنظاره المصدومة... أطلق زفيرًا عميقًا لعله يفيق من صدمته... فما الذي كان سينتظره منها إلاّ هذا.
مر الوقت واقترب موعد استقبال الضيوف... خرجت من غرفتها بعدما تزينت وارتدت ثوب أنيق ناسب قوامها.
عيناه التهمتها وقد هربت بعينيها بعيدًا عن نظراته لها والتهت في البحث عن "يزيد".
_ خمس دقايق وهيوصلوا...
هزت رأسها دون الإلتفاف له ونظرت إلى الصغير وأخذت تهندم له ثيابه التي ساعدها هو في ارتدائها.
لا يعرف لما شعر بالضيق من تجاهلها له... فهو من يتجاهل الناس وليس هم.
زفرته الطويلة وصلت لها وقد خفق فؤادها بقوة...فهي لا تحتمل النظر له وتكون قربه... هذا الرَجُل يفتنها بوسامته الطاغية.
....
ابتسم "عزيز" عندما وجد "سيف" يقترب منهم؛ فاعتدل في جلوسه ووضع فنجان قهوته الذي فرغ منه للتو.
انتبهت "سمية" على قدومه أيضا؛ فابتسمت قائلة:
_ أخيرًا اتحركت من جنب الهانم.
واستطردت بملامح ممتعضة.
_ مش أول ست تفقد الجنين هي.
تنهد "عزيز" بمقت وهو يرى ملامح "سيف" التي تغيرت.
_ ماما لو سمحتي ياريت تحاسبي على كلامك قدام "كارولين" لأن نفسيتها تعبانه.
لوت "سمية" شفتيها، ليزجرها "عزيز" بنظرة ماقته منه.
_ قهوتك بردت يا "سمية".
نظرت إليه "سمية" وقد فهمت مغزى حديثه، فهو يريد مغادرتها.
ابتسمت ابتسامة واسعة واسترخت في جلوسها وتساءَلت وهي تنظر إلى "معتز" زوج ابنتها.
_ هتسافر بكره بالليل يا "معتز"؟!
أجابها بأدب بعدما وضع كأس الشاي أمامه على الطاوله.
_ أه إن شاء الله.
اماءت "سمية" برأسها ونظرت حولها تبحث عن "نيرة".
_ هي فين "نيرة"، لتكون قاعده مع الخدم في المطبخ ما أنا عارفاها.
بضيق هتف "عزيز" الذي ضجر من قدومها اليومي إليهم منذ عودة أولاد شقيقه.
_ "سمية" ممكن تشربي قهوتك اللي بردت وتروحي مشوارك اللي اجلتيه عشان زيارتك السعيدة لينا.
ارتبكت "سمية" وهي ترى نظرات كلاً من "سيف" و "معتز" عليها.
_ تقصد إيه يا "عزيز".
لم يجيبها "عزيز" بل أصرف عيناه عنها ونظر إلى "سيف" متسائلًا.
_ بكره أول يوم ليك في الجامعه كـ استاذ جامعي... ها يا بشمهندس مستعد؟
احتقنت ملامح "سمية" من تجاهله لها ولكن "عزيز" لم يأبه بها.
_ لازم تشكر "هارون" يا "سيف" على مساعدته ليك.. أنت عارف لولا اتصالاته كان موضوع قبولك في الجامعه هيطول شويه لكن...
طالعتهم "سمية" بعدما ألقت حديثها ثم رسمت ابتسامتها التي تجيدها.
_ ابن اخويا مكنش محتاج لوسطة جوزك يا "سمية" لكن عمومًا السيد "هارون" فعلاً يستحق الشكر.
ازدادت ملامح "سمية" تجهمًا والتقطت فنجان القهوة الذي أصبح بارد جدًا لترتشف منه بوجه حانق.
_ عن إذنك يا عمي... هطلع اشوف "كارولين".
قالها" سيف" وانسحب؛ فابتسم "معتز" بتوتر.
_ هخرج اشوف "نيرة".
_ استنى يا "معتز"، هاجي معاك.
تمتم بها "عزيز" ونهض من مكانه... لتنظر "سمية" له بعدما ابتعد.
_ ماشي يا "عزيز"
....
في أحد مقاهي القاهره...
جلس "عزيز" جوار "نيهان" يدخنون النَّارَجِيَلة التي لا يدخنها "عزيز" إلاّ بوجود "نيهان".
نفث "نيهان" أنفاسه ونظر نحو "عزيز" الذي اكتفى وأشار إلى الصبي أن يتوقف عن تغير الحجر له.
_ ما بك يا رَجُل.
تساءَل "نيهان" بعدما نفث أنفاسه المعبئة بالدخان.
_ أنا مش عارفة امتى هتبطل العادة دي لا وكمان مخليني فى كل مرة تيجي مصر اشاركك.
ارتفعت ضحكات "نيهان" عاليًا وقد جذب أنظار الجالسين.
_ مهما تناولت أفخم انواع السيجار... أشعر بالسعادة وانا ادخن النارجيلة.
نظر له "عزيز" باستهجان؛ فارتفعت ضحكات "نيهان" مرة أخرى.
_ خلص حجرك عشان نمشي يا "نيهان".
شعر "نيهان" بوجود خطب بصديقه وقد نحىٰ خُرطوم النَّارَجِيَلة جانبًا.
_ ما بك "عزيز"... أنت لا تعجبني.
تنهد "عزيز" بثقل صار يجثم على روحه.
_ مش عارف يا "نيهان"... حقيقي مش عارف أنا فيا إيه.
_ حالك تغير يا صديقي منذ قدوم فتاة القطة.
قالها "نيهان" وقبل أن يقاطعه "عزيز" مبررًا له حاله.
_ "عزيز" أنت تحب هذه الفتاة وترغبها... حركت داخلك اشياء نحن كرجال نعلمها.
شعر "عزيز" بالخزي وهو يسمع الحقيقة المؤلمة..لقد صار يراها في أحلامه... يتوق إلى لمسها ونيل مذاق شفتيها التي تطليها دومًا بلون وردي خفيف يجذب عيناه التي صارت تستبيح ما ليس لها.
_ "نيهان" البنت في عمر بنت أخويا...
احتقنت ملامح "نيهان" وصاح بحده بعدما فقد سيطرته على حاله.
_ فارق العمر بيني وبين زوجتي تقريبا مثل فارق العمر بينك وبينها.
أراد "عزيز" الحديث لكن لم يسمح له واستطرد بمقت من رأس صديقه اليابس.
_ لن تفيق إلا عندما تجد عمها يزف لك خبر خطبتها.
لم يتحمل "عزيز" سماع المزيد، فهو لا يتخيل "ليلى" مع رَجُل آخر يعيش معها مع يعيشه هو في أحلامه.
_ "نيهان" أنا متحاج أبعد عشان ارتب أفكاري... المصنع حاليا محتاجك وانا هسافر اسطنبول اباشر أعمالنا هناك لفتره.
ضحكة ساخرة أطلقها "نيهان" بعدما أخبره "عزيز" برغبته في الإبتعاد.
_ تريد الهرب... لم اعهدك يومًا أنك جبان "عزيز".
_"نـيـهـان".
صاح "عزيز" -بصوت مرتفع قليلًا- به بعد نعته بالجبان وأردف ملامحه متصلبة.
_ أنا واثق إن اللي بعيشه ناحية "ليلى" احتياج مش أكتر...
بنبرة متهكمة تحدثت "نيهان".
_ احـتـيـاج!! " عزيز الزهار" ينظر لـ امرأة لاحتياجاته كـ رَجُل... أنت تكذب على نفسك "عزيز"..."سمية" حاولت معاك لسنوات طويله حتى وهي متزوجة من رَجُل أخر... لو أشرت لها باصبعك ستلبي لك رغبتك... الكثيرات حاولوا لكن أنت كنت عازف عن النساء ولم تحرك امرأة رغبتك لكن ما أراه الآن في عينيك هو العشق "عزيز".
ازدرد "عزيز" لعابه؛ فالحقيقة واضحة لكنه ينكرها بحجج واهية.
.....
تنهدت "سلوى" بحالمية وهي تنظر نحو أوراق الحسابات التي أمامها.
_ الواحد مبقاش عارف يركز في الشغل... كان لازم الشريك التركي يمسك المصنع الفترة دي.
رفعت "ليلى" عيناها نحوها بعدما رتبت الأوراق التي قامت بطباعتها.
_ مستر "نيهان" متجوز يا "سلوى" على فكره.
امتقعت ملامح "سلوى" بعدما علمت بالمعلومة التي أحبطتها لكن سرعان ما تساءَلت.
_ عرفتي إزاي يا "ليلى"، انا حاولت اجمع معلومات عنه معرفتش.
هزت "ليلى" رأسها بيأس من أفعال "سلوى"، ليضحك
"بسام" عليها قائلًا:
_ و "ليلى" ليه هتكذب عليكي.
زمت "سلوى" شفتيها بعبوس ونظرت إليهم بوجة ممتقع.
_ ما أكيد هتكون المعلومات عند "ليلى" حصرية...مش عمها سواق "عزيز" بيه.
تلاشت تلك البسمة التي كانت تزين شفتيّ "ليلى"؛ فـ
"سلوى" صارت في كل حديث تتحدث عن وظيفة عمها.
ابتسم "بسام" وهو يتذكر رؤيته لعم "ليلى" عند سيارة السيد "عزيز" من قبل.
_ تعرفي يا "ليلى" إنك فيكي شبه من عمك.
رغم العبوس الذي احتلّ ملامح "ليلى" إلاّ أنها ابتسمت، فهي بالفعل تشبه عمها قليلًا.
_ عمي وبابا الله يرحمه فيهم شبه جامد من بعض وأنا طالعه شبهم.
رمقتهم "سلوى" بنظرة حانقة، فهذا التودد الذي يحدث من "بسام" نحو "ليلى" يضايقها... فالكل يتعامل مع "ليلى" بلطف.
_ فين الورق اللي طلبت منك تطبعيه يا "ليلى".
هتف بها السيد "عادل" رئيسها بالقسم وقد خرج صوته في صياح مما جعل "سلوى" تبتسم بشماته.
تحركت "ليلى" نحوه تمدَّ له يدها بالأوراق.
_ طبعتها يا أستاذ "عادل" وكنت داخله بيهم لحضرتك.
التقط منها السيد "عادل" الأوراق وألقي عليهم نظرة سريعة ثم غادر المكتب بعجالة.
_ المصنع بقى فيه شد جامد الأيام ديه.
قالها "بسام" وهو يجلس على سطح مكتبه ويعقد ساعديه أمام صدره.
....
نظر "نيهان" نحو الأوراق التي قدمها له السيد "عادل" ثم رفع عيناه قائلًا بحزم.
_ اريد موظف تثق به سيد "عادل" حتى ابعث معه بعض الأوراق لـ "عزيز".
ضاقت حدقتيّ السيد "عادل" في حيرة وسرعان ما هتف لمعرفته بقرابه "ليلى" من السائق الخاص بالسيد "عزيز".
_"ليلى" موظفة مجتهده وثقه ده غير إنها....
قبل أن يواصل السيد "عادل" كلامه، قاطعه "نيهان" قائلًا:
_ اعطيها هذه الأوراق واجعلها تذهب بسيارة الشركة لمعرض السيد "عزيز" بالمعادي.
أصابت الدهشة "ليلى" عندما وضع السيد "عادل" الأوراق أمامها قائلًا:
_ سواق الشركة هيوصلك لمعرض "عزيز" بيه...
لم تنتظر "سلوى" سماع المزيد من كلام السيد "عادل" لتقاطعه قائلة:
_ اروح أنا يا استاذ "عادل" اوصل الورق لـ "عزيز" بيه.
رمقها السيد "عادل" ثم ردد بحزم.
_ أنا قولت "ليلى"، يلا يا "ليلى" السواق مستنيكي وتقدري بعد ما توصلي الورق تروحي.
نظرت "ليلى" للأوراق التي أمامها ثم للسيد "عادل" الذي اتجه نحو غرفة مكتبه.
أرادت منح هذه المهمة لـ "سلوى" أو "بسام" لكن السيد "عادل" قبل أن يغلق باب غرفة مكتبه أردف.
_ زي ما أمرت تنفذوا كلامي، إحنا مش بنلعب يا أساتذة.
.....
رفع "عزيز" عيناه عن الأوراق التي يُطالعها بعدما أخبره سكرتيره الخاص السيد "جابر" بأن موظفة من المصنع تنتظره بالخارج ومعها بعض الأوراق الخاصه بالعمل.
اندهش "عزيز" من الأمر؛ فهو لم يطلب أوراق ترسل له من المصنع.
_ ورق إيه ،واسمها إيه الموظفة دي.
تساءَل "عزيز" وكاد أن يخبره السيد "جابر" باسمها الذي أبلغته به قبل دلوفه لكن رنين الهاتف جعله يتوقف وانتظر ان ينتهي رئيسه من مكالمته.
_ نعم، "نيهان".
قالها "عزيز" وأشار للسيد "جابر" بأن ينتظر... لكن سرعان ما كان ينهض من مقعده بعدما أبلغه "نيهان" بهوية الموظفة التي أرسلها له.
_ ارسلت إليك فتاة القطة يا رَجُل... هل أتت إليك.
_ "لـيـلـى"
خرجت أحرف اسمها من شفتيه بلهفة وهو يتحرك من وراء مكتبه.. لتتوقف ساقيه متيبسة بعدما تعلقت عيناه بعينين السيد "جابر" الذي رمقه بغرابة من أمره.
ارتفعت ضحكات "نيهان" عندما استمع إلى صوته الذي خرج في لهفة ممزوجة بالدهشة.
_ يا رَجُل صوتك يخرج وكأنه مكتوم من شدة لهفتك وأمس تخبرني أن ما تشعر به نحو الفتاة مجرد احتياج بسبب إلحاحنا عليك من أجل الزواج.
واسطرد "نيهان" بمكر بعدما استدار بالمقعد الذي يجلس عليه.
_ هل مازلت الآن ترغب بالذهاب بضعة أشهر لاسطنبول لتباشر الأعمال هناك..
ارتفعت قهقهة "نيهان" عاليًا بعدما أغلق "عزيز" المكالمة دون إنتظار سماع المزيد منه..
زفر أنفاسه ثم نظر إلى السيد "جابر" الذي مازال واقفًا وعلى محياه ارتسمت الدهشة.
_ ادخلها ولا أخد منها الورق.
تغادر دون أن يراها؟؟
هكذا سأل "عزيز" نفسه عندما سأله السيد "جابر" عما يفعله.
_ دخلها يا استاذ "جابر".
خرج السيد "جابر" من الغرفة ووقف "عزيز" متصلبًا مكانه منتظرًا دلوفها.
نظرة فاحصة رمقت "أميمة" بها "ليلى" التي سارت بخطوات بطيئه وهي تحمل الأوراق نحو الغرفة بعدما سمح لها السيد "جابر" بالدخول.
توترت "ليلى" واحتلّ الإرتباك ملامحها عندما وجدته يقف بمنتصف الغرفة.
_ استاذ "عادل" بعتني بالورق ده يا فندم.
خرج صوتها بخفوت أذابه وجعله يتقدم منها قائلًا بترحيب دون الإهتمام بأمر الورق الذي لم يطلب إرساله.
_ تعالي اقعدي الأول.
اندهشت من حديثه ورفعت عيناها نحوه ليبتسم متسائلًا.
_ تشربي إيه يا "ليلى"... أنا كنت هطلب قهوة... اطلبلك عصير ليمون.
الغرابة ارتسمت على ملامحها وقد انفرجت شفتيها في ذهول... السيد "عزيز" يتحدث معها ببساطة وود لم تعهدهم منه إلاّ مرات قليلة.
_ يبقى واحد ليمون وواحد قهوة.
قرر نيابة عنها بعدما لم تعطيه الرد وقد أسرع بطلب المشروبات.
تعجبت "أميمة" عندما وجدت العم "محروس" يدخل المكتب ومعه صنية عليها عصير.
الغيرة حرقت قلبها الذي نبت فيه حب هذا الرَجُل الذي لم ترى منه يومًا لفته تخبرها بإعجابه بها.
وضع العم "محروس" العصير أمام "ليلى" بعدما أشار له "عزيز" بأن يضعه أمامها وركز هو أنظاره على الأوراق التي بعثها السيد "عادل" معها بعدما أمر "نيهان" بذلك.
_ اقفل الباب وراك يا عم "محروس".
استجاب الرَجُل له وأغلق الباب ورائه وقد ارتكزت عينين "أميمة" بذهول أشد... السيد "عزيز" لا يسمح بغلق الباب عندما تكون العميلة من النساء... فما الذي تغير مع تلك الموظفة.
_ استاذ "جابر"... عم "محروس" قفل الباب وراه وأنت عارف تعليمات "عزيز" بيه... ما دام فيه ست معاه الباب ميتقفلش.
نظر لها السيد "جابر" ثم نظر إلى الباب وابتسم.
_ لو عم "محروس" غلط هتلاقي "عزيز" بيه قام وفتح الباب... خلينا نركز يا "أميمة" في شغلنا.
قالها السيد "جابر" ولم يشغل باله بالأمر لكن "أميمة" ظلت عيناها عالقة بالباب.
_ اشربي يا "ليلى" العصير.
تمتم بها "عزيز" بعدما لاحظ أنها لم تمس كأس عصيرها
بصعوبة خرج صوتها الذي خشيت أن يخرج متعلثمًا بسبب قربها منه.
_ حاضر ،بس هو فيه حاجة في الأوراق مش مظبوطة يا فندم.
تساءَلت بها بعدما ارتشفت بضعة رشفات في كأس العصير لترطب حلقها الجاف.
نظر إليها "عزيز" ثم أشار نحو الورقه التي ينظر إليها.
_ مش عارف، حاسس إن فيه حاجة هنا في الحسابات مش مظبوطة.
أسرعت بوضع كأس العصير على الطاولة الصغيرة التي أمامها ونهضت على الفور واتجهت إليه بقلق.
_ فين يا فندم...أنا مراجعه الورق ده بنفسي مع استاذ "عادل".
ابتسامة ماكره ارتسمت على ملامح "عزيز" أخفاها سريعًا، فهو أراد أن يفتح أي حديث ويُطيل وقت وجودها معه... فلا بأس أن يدعي الجهل وعدم الفهم.
قربها منه بهذا الشكل بعدما وقفت قربه ومالت جهة الأوراق كان أقصى أمانيه هذه اللحظة التي تمنى أن تتوقف.
_ فين الغلط يا فندم.
بتشتت وضياع رفع "عزيز" عيناه نحوها.
_ هنا فيه حاجة مش مظبوطة.
_ ممكن اخد طيب الورقه عشان اركز في الغلط وأجاوب حضرتك.
سحب الورقه المقصودة، فهذا أسلم حل الآن بعدما أدرك أنه لا يستطيع تحمل قربها.
لم تنتبه "ليلى" علي فنجان القهوة الموجود على سطح مكتبه جهتها... لتخرج شهقتها في صدمة بعدما سقط محتوى الفنجان على بنطاله.