رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع و العشرون بقلم سهام صادق
تلك الحيرة التي رآها "نيهان" في أعيُن صديقه الذي عاهدة دائمًا ثابت القرار إذا أراد أمرًا، جعلته يشعر بالشفقة نحو "عزيز"... فقد سلك قلبه طريق لا رجعة به وانتهى الأمر.
لم يرغب "نيهان" الآن بالحديث أكثر، فالمكان والوقت ليسوا مناسبان، وقد ألقى بنظرة سريعة نحو "ليلى" التي استقرت مع عائلة عمها على إحدى الطاولات بعدما رحبت بهم "نيرة" وزوجها.
ربت "نيهان" على كتف "عزيز" للتحرك حتى يرحب بضيوفه وقد استعاد "عزيز" أخيرًا رباطة جأشه.
أغلقت "عايدة" عينيها لثواني بعدما بدأت صغيرتها بإلقاء كلمات تذمرها المعتادة وأردات النهوض من الطاولة والتقدم نحو الأمام لتكون قُرب "نيرة".
_" شهد"، سيبي ايد بنت عمك واقعدي متتحركيش من مكانك.
مطت "شهد" شفتيها بامتعاض وتركت ذراع "ليلى" التي ربتت على يدها قائلة.
_ تعالي اقعدي مكاني يمكن تعرفي تشوفي العريس والعروسة.
تأففت "شهد" قائلة بحنق بعدما أشاحت عيناها عنهم.
_ حتى لو قاعدت مكانك مش هشوف حاجة، إحنا قاعدين على تربيزات الدرجة التالتة.
_"شــهــد".
هذه المرة خرج صوت "عزيز" الذي وصله حديث ابنته بوضوح وواصل كلامه بحزم.
_ كلمة زيادة وهقول يلا نروح.
امتعضت ملامح العم "سعيد" وهزت "عايدة" رأسها بقلة حيلة من طباع ابنتها التي صارت تتغير ونظرت إليها لتصمت حتى لا ينفذ والدها حديثه.
_ أنا بقول فعلاً نقوم نروح عشان ولا تعرف تشوف حاجة من الفرح.
قالها العم "سعيد" وهو ينظر لابنة شقيقته التي قابلت نظراته لها بملامح عابسة.
_ مالكم في إيه يا جماعه... إيه يا "شهد" مزعلينك ليه.
ارتفع صوت "نيرة" بتساؤل وقد عادت لهم وقررت الجلوس بينهم قليلًا لتستمتع بقُربهم وحديثهم.
احتل التوتر وجوههم ونظروا إليها.
_ فستانك جميل أوي.
هتفت بها "ليلى" وهي تنظر نحو "نيرة" التي اتسعت ابتسامتها من مجاملتها اللطيفة ونسيت أمر تساؤلها.
_ وأنتِ كمان فستانك جميل يا "ليلى" وطالعه زي القمر.
التمعت عينين العم "سعيد" بالبهجة عندما وجد زينة البيت -كما يسميها- تجلس جواره.
_ هقعد جنب الراجل العجوز ده عشان نختار سوا العروسه اللي هنخطبها ليه.
انشقت شفتيّ العم "سعيد" بابتسامة واسعة وأشاح وجهه عنها باستحياء.
_ عروسة إيه اللي عايزة تشوفيها ليا ف العمر ده يا ست البنات.
كتموا صوت ضحكاتهم عندما رأوا توتر العم "سعيد" حينما أشارت له "نيرة" على امرأة تقاربه بالعمر.
_ إيه رأيك في العروسة القمر دي.
_ مش كبيره عليا شويه.
لم يتمالكوا حالهم بعد ما تفوه به العجوز وارتفعت صوت ضحكاتهم.
أخذت "سمية" تدور حولها لتبحث عن ابنتها لتُعَرفها على إحدى صديقاتها لتمتقع ملامحها وهي تراها تجاور العجوز الذي تبغضه.
لم تتحمل رؤية المشهد وكادت أن تتحرك نحو طاولتهم لتجد "بيسان" ابنة زوجها تقترب منها.
استرخت ملامح "سمية" قليلًا وابتسمت وأسرعت بتعريف "بيسان" لصديقتها بعدما قربتها منها.
_ "بيسان" بنت جوزي.
رمق "نيهان" بخبث "عزيز" الذي عادت عيناه تتعلق مجددًا نحو طاولة عائلة العم "سعيد".
ابتسم "عزيز" عندما رأهم يكممون أفواههم بأيديهم حتى لا ترتفع أصوات ضحكاتهم.
خفق قلبه وهو يجدها تخفي وجهها بكلتا يديها من شدة الضحك ولا يعلم لِما أتته هذه اللحظة رغبة في جذبها من بينهم والإبتعاد بها لتكون ضحكتها له وحده.
أسرع بخفض عيناه ومحاولة الإنشغال بضيوفه وقد أتت عائلة الحاج "عبدالرحمن" لحضور حفل الزفاف.
ابتسم "عزيز" عند رؤيتهم ورحب بهم بحفاوة شديدة؛ فشعرت السيدة "هويدا" زوجة الحاج "عبدالرحمن" بالسعادة ونظرت نحو "أميمة" شقيقتها التي توردت وجنتاها بالخجل.
ازدادت ملامح "سمية" امتعاضًا من اهتمام "عزيز" الزائد بهؤلاء الذين تراهم لا يناسبوا مكانتهم الحالية.
التهي "عزيز" للحظات عن تلك التي لم يعد يتمالك لهفة قلبه عند رؤياها لكن عندما عادت عيناه تستقر عليها مرة أخرى وجد "معتز" -زوج ابنة شقيقه- ينضم إليهم ويشاركهم الضحك.
اشتعلت نيران قلبه عندما وجدها تبتسم إلى "معتز" وتومئ برأسها له على حديث ود لو التقطته أذنيه ولم يشعر بساقيه وهما يتحركان نحو الطاولة التي يجلس عليها العم "سعيد" وعائلته وقد ترك إلى "نيهان" مهمة الترحيب ببعض الضيوف.
عندما تعلقت عينين السيدة "عايدة" به، نهضت على الفور من مكانها لتبارك له وعلى محياها ارتسمت ابتسامتها الطيبة.
_ الف مبروك يا "عزيز" بيه.
جميعهم نطقوا بها وقد انتظر سماع صوت واحد صَار يطرب أذنيه ويخفق معه قلبه العطش.
أطرقت "ليلى" رأسها بخجل وهمست بصوت خفيض بالكاد التقطته أذنيه.
_ مبروك يا "عزيز" بيه.
_ عقبالك يا بيه، خلاص بقى مبقاش فيه حِجة.
قالها العم "سعيد" ونظر نحو "نيرة" التي تمنت داخلها أن يتزوج عمها ويرتاح قلبها عليه في غربتها.
_ أنت عايز تجوزني وخلاص يا راجل يا عجوز.
ثم أردف بمِزاح جعل الجميع يبتسم إلاّ "ليلى" التي شحبت ملامحها.
_ الفرح مليان اهو عندك... اختارلي بقى عروسه وعايزاها تكون زي القمر.
تعلقت عيناه نحو "ليلى" عقب حديثه لكن احتضان "نيرة" لذراعه وتحريك وجهه نحوها جعله ينظر لها دون أن ينتبه لشحوب تلك الوقفة.
_ إذا كان كده نقعد ونختار بقى، "سمية" هانم النهاردة عازمة كل سيدات المجتمع الراقي.
بصوت خافت تساءَل "عزيز" -العم- بعدما وجد زوجته و "ليلى" تتهامسان.
_ مالكم يا "عايدة"؟!
ردت "عايدة" على الفور وكادت أن تنهض.
_"ليلى" عايزة تروح الحمام يا "عزيز"... هقوم معاها نشوف الحمام فين.
_ خليكي أنتِ، أنا هروح معاها.
أرادت "ليلى" أن تخبرهم أنها تستطيع الذهاب بمفردها لكن عمها أصر على اصطحابها فهي لا تعرف أين يقع مكان المرحاض.
تحركت عينين "عزيز" نحوها بعدما تحركت وقد احتل الفضول عينيه.
رغِب بسؤال "عايدة" إلى أين ذهبت هي و "عزيز" ولكنه تمالك نفسه ونظر لهم وابتسم قائلًا.
_ هروح أشوف الضيوف، "معتز" تعالا معايا عايز اعرفك على صديق ليا.
انسحب "عزيز" وتحرك ورائه "معتز"؛ فنظرت لهم "نيرة" بلطف وقالت:
_ "سمية" هانم شكلها عايزاني.
ابتسم العم "سعيد" لها وفعلت مثله "عايدة"، أما" شهد" كانت منشغله في التقاط بعض الصور إلى نفسها.
بعد أكثر من ساعتين.....
كانت عائلة العم "سعيد" تدلف مسكنهم بعدما انتهى العُرس.
ألقت "عايدة" حذائها عن قدميها فور أن دلفت.
_ أخيرًا قلعتك ،يا ساتر عليكي جذمة خنيقة... كويس إنك مبتطلعيش غير في المناسبات.
_ هروح أخد علاجي وأنام.
قالها العم "سعيد" وهو يتحرك نحو غرفته وقد تحركت "ليلى" و "شهد" نحو غرفتهما.
فور أن دلفت "شهد" الغرفة ألقت بجسدها على الفراش وهي تتثاوب.
_ أنا مش قادرة اغير هدومي لما اصحي هغيرها.
نظرت إليها "ليلى" وهي تزيل حجابها لتحرر خصلات شعرها قائلة:
_ مش هتعرفي تنامي مرتاحة يا "شهد"، استنى اساعدك ونامي بعد كده.
تحركت "ليلى" نحوها والتقطت ذراعيها لتنهضها لكن
"شهد" ذمت شفتيها بعبوس.
_ وفيها إيه لما انام بالفستان.
لم تتركها "ليلى" رغم تذمرها وبعد وقت كانت تزفر أنفاسها بقوة وهي تنظر نحو "شهد" بعدما ساعدتها في تبديل ملابسها.
احتضنت "شهد" وسادتها وقبل أن تغلق عيناها لتذهب في سبات عميق قالت:
_ بحبك يا "لولو".
انفرجت شفتيّ "ليلى" بابتسامة عذبة ونظرت إليها ثم اتجهت إليها مرة أخرى لترفع الغطاء الخفيف لتغطيها.
....
ألقى "عزيز" سترته على الفراش وبضيق أخذ يزيل رابطة العنق التي يكره ارتدائها... تحرك نحو المرحاض بعدما خلع قميصه؛ فهو بحاجة إلى حمام دافئ يريح عضلات جسده المتشنجة.
مر بعض الوقت...
ليتحرك نحو الفراش بعد أن جفف خصلات شعره.
لأول مرة ينظر إلى فراشه ويستوحش وحدته عليه..
جلس على الفراش يمسح على غطائه وقد اخترق طيفها مخيلته... تخيلها معه على الفراش يستنشق عطرها ويضمها إليه... يقتطف تلك الثمار من شفتيها ليغرق معها في بحور الهوىٰ... عقله أخذه إلى خيالات لم يظن نفسه يومًا أنه سيرغبها مع امرأة ستمتلك قلبه..
فلو كان فكر ف الزواج من قبل كان العقل من سيتخذ القرار لكن الآن هو عاد كالمراهق الذي يهوى ويحلم بفتاته..
تنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيه ثم فتح عينيه ليتمكن من طرد طيفها والعودة إلى رشده..
_ حبيت يا "عزيز"... وقعت في الشئ اللي قولت مستحيل تعمله..ويوم ما تحب تحب بنت صغيرة في دور بنت أخوك.
هز رأسه بيأس وأطرق رأسه.
_ ليه شايفها صغيره أوي عليك؟؟...
خاطبه عقله ليغير له تلك الصورة التي تشبث بها، فهو يراها صغيرة عليه رغم أن من بعمرها متزوجات ولديهن أطفال.
_ ترضى لبنت اخوك تتجوز راجل في سنك يا "عزيز" ... من حقها تتجوز شاب في سنها مش راجل كلها شهور ويكون على مشارف الأربعين.
....
حدقت بسقف الغرفة بشرود لتخرج تنهيدة عميقة من شفتيها ثم تقلبت على الفراش في محاولة يائسة منها للنوم.
مَا زال الحديث الذي دار اليوم عن زواجه يخترق حصون قلبها الضعيف... بلوم خاطبة حالها.
_ هتنسي إزاي يا "ليلي"... تفتكري هتتحملي يوم ما تشوفي ست تانيه جنبه.
لم تتحمل تخيل المشهد؛ فأسرعت بغلق جفنيها بقوة حتى تطرد ذلك المشهد الذي تخيلته.
آه -حملت ألم صاحبتها- خرجت منها لتنهض من على الفراش وتتجه نحو الخزانة.
التقطت ما يمكنها ارتدائه على منامتها الضيقة لتغادر الغرفة بخطوات هادئة بطيئة حتى صارت قرب القِطة التي كانت تنعم بدفئ مسكنها الصغير.
وضعت علبة الحليب جانبًا ونظرت إليها.
_ يا بختك يا "بوسي"، عارفه تنامي في سلام..
فتحت القطة عينيها وخرج صوت موائها بخفوت.
_ تفتكري يا" بوسي" هكون قد قرار البعد وهقدر اعيش وحيدة.
ابتلعت "ليلى" غصتها؛ لقد اعتادت على حياتها هنا مع عائلة عمها الذي كانت ترفض قربه وستكون كاذبه إذا لم تعترف أنها غفرت جُرمه في حقها عندما كانت صغيره.
_ مكنتش عايز اجي اعيش هنا ودلوقتي مش قادرة ارجع مدينتي من تاني.
خرجت القطة" بوسي" من مسكنها الصغير وجلست أمامها وتثاءبت قبل أن يخرج موائها مرة أخرى.
_ أنتِ حاسة بيا يا "بوسي" مش كده... قوليلي اعمل إيه لما يتجوز.. تفتكري هقدر انساه يا "بوسي" بسهولة.
انتصبت "ليلى" في وقفتها بعدما أنهت الحديث الذي يثقل فؤادها أمام القطة، ولا تستطيع إخبار أحد به واستدارت برأسها جهة شرفة غرفته لتخرج تنهيدة طويلة منها وهي تعود بعينيها نحو مسكن عمها.
أطرقت رأسها تُخبر حالها أنها تستحق هذا الألم لأنها عشقت رَجُلًا لن يراها يومًا... فهي ليست إلاّ فتاة سمح لها بالعيش في منزله ووجد عمل لها بمصنعه إكرامًا لخدمات عمها له.
_ "عزيز" بيه مش ليكي يا "ليلى"، قريب" نيرة" هتجمعه مع الدكتورة الجامعية عمة صاحبتها هي دي اللي تناسبه.
...
استيقظ "عزيز" من غفوته القصيرة على رنين هاتفه...
ليقطب حاجبيه بحيرة وهو يرى رقم "سيف"... أجاب على الفور بقلق بعدما وجد أن الساعة تدق الرابعة صباحًا.
_ "سيف"، في إيه مالك؟... مستشفى.!!.. طيب أنا جاي ليك حالًا.
نهض من على الفراش وأسرع بالتقاط ملابسه ليرتديها بعُجالة حتى يتحرك نحو المشفى.
الدهشة احتلت ملامح "ليلى" التي كانت تتحرك بالحديقة عندما رأته يصعد سيارته في هذا الوقت.
....
لم تستطيع النوم تلك الساعات القليلة قبل ذهابها للعمل؛ فعقلها كان مشغولًا منذ مغادرته فجرًا...
انتظرت قدوم العم "سعيد" من الڤيلا بلهفة وتركت البيض الذي تخفقه عندما استمعت إلي صوته وهو يتحدث مع زوجة عمها ويخبرها أن العروس الجديدة فقدت الجنين وقد غادر السيد "عزيز" فجرًا ليذهب إلى المشفى بعد اتصال "سيف" به.
شعرت "ليلى" بالراحة وزفرت أنفاسها بارتياح واقتربت منهم.
_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، زعلت عليها وعلى "سيف" بيه يا "سعيد".
قالتها "عايدة" بحزن حقيقي؛ فامتقعت ملامح العم "سعيد".
_ ما يمكن خير له يا "عايدة"، أنا الجوازة العجيبه ديه مش عجباني...
هزت "عايدة" رأسها له ييأس من أفعاله وتدخله فيما لا دخل لهم به.
_ يا "سعيد" ملناش دعوه... "سيف" بيه بيحب مراته وبيزعل عليها... اي كلمة منك ممكن تزعله أنا قولتلك ومليش دعوه بعد كده.
أشاح "سعيد" عيناه عنها ونظر نحو "ليلى" الواقفة.
_ اطمني يا "لولو" البيه مفيهوش حاجة.
خرجت الكلمات من فم العم "سعيد" بتلقائية، فهي من أخبرته بمغادرة سيده فجرًا.
ارتبكت "ليلى"؛ فأردف مؤنبًا.
_ الجو في الجنينة بيكون ساقعه الفجر... بلاش تطلعي تاني يا "لولو" الوقت ده لتبردي.
لطمت "عايدة" ساقيها ونهضت من جواره.
_ حتى شوية الهوا اللي البنت بتشمه وقت الفجر عايز تحرمها منهم...
رمقها "سعيد" بامتعاض من إعتراضها على أي حديث يتحدث به.
_ مالك يا "عايدة"، أنا بقولها بلاش تخرج الفجر في الجنينة عشان لسعة الهوا لتتعب.
_ ما أنت عارف إن حركتنا في جنينة الڤيلا محدوده... و وقت الفجر الوحيد اللي تقدر تاخد راحتها فيه.
وجدت" ليلى" الشجار بينهم سيزداد لتتجه نحو زوجة عمها وتجذبها معها إلى المطبخ.
....
وقفت "زينب" تقلب الطعام بشرود لتنفلت شهقة منها عندما ربتت "سما" ابنة عمها على كتفها وصاحت بمزاح.
_ مين اللي واخد عقلك يا "زوزو".
وسرعان ما استكملت كلامها بمشاكسة.
_ اكيد طبعا كابتن "صالح".
التقطت "زينب" أنفاسها ببطئ واستدارت نحوها.
_ حرام عليكي يا "سما" خضتيني.
حركت "سما" حاحبيها بمكر.
_ أنتِ اللي سرحانه... اكيد وحشك حضن الكابتن.
ثم أردفت بعدما التقطت منها الملعقة لتقلب الطعام.
_ جدو بيقولك روحي بيتك خلاص... كفايه كده على الكابتن... الراجل سايبك لينا اسبوع بحاله وقطعتوا اسبوع العسل بتاعكم عشان تعب جدو.
ازدردت "زينب" لُعابها والتقطت حبات الخضار لتقطعها.
_ جدو لسا تعبان... هفضل معاه لحد ما يخف.
التفت "سما" نحوها بعدما ارتشفت القليل من الشوربة لتتذوق طعمها.
_ سيادة اللواء بقى كويس يا "زوزو" وبكره الممرض اللي عمو "هشام" جايبه هيجي يتولى رعايته.
نظرت "زينب" نحوها؛ فتلاعبت "سما" بحاجبيها.
_ بت يا "زوزو" مش قولتيلي في آخر مكالمة إن الجواز حلو، ليه بقى عايزة تقعدلنا وجدو خلاص بقى كويس وحالته اتحسنت.
ارتبكت "زينب" واستكملت تقطيع الخضار.
_ "صالح" مش معترض على وجودي هنا.
تجرعت مرارة الكلمات وهي تنطقها، فهي لا مكان لها بحياة هذا الرَجُل الذي تزوجها لانه وجدها مناسبه لحياته وقد ظهرت الحقيقة كلها تلك الليلة وفهمت فيها سبب زواجه منها.
_ يا سلام على اسمه وأنتِ بتنطقيه بكل رقة... عنده حق كل يوم يجي يزور جدو... ما هو مش قادر يبعد عن القمر.
اقتربت منها "سما" وقد تجهمت ملامحها عندما تذكرت حديث زوجة عمها "هشام".
_ فرستلك طنط "لبنى" امبارح لما سألتني ليه "صالح" متساهل في موضوع قاعدتك مع جدو مع إنكم لسا عرسان جداد والمفروض ميكونش قادر يستغنا عنك...
شعرت "زينب" بالألم وهي تستمع إلى كلام "سما" الذي زاد من حرقة قلبها.
_ "زوزو" أنتِ لازم ترجعي بيتك، كلام العيلة هيكتر...وكل واحد هيطلع بكلمة ومحدش هيفسر وجودك هنا غير لقدر الله إن في خلافات بينك وبين "صالح".
تمكنت "زينب" أخيرًا من إبتلاع غصتها ثم اتجهت نحو البراد لتلتقط علبة الصلصة.
_ "سما" هتتغدي معانا مش كده.
ارتفع رنين هاتف "سما" الذى أنقذ "زينب" من إستمرار الحديث بينهما والذي ربما ينتهي ببكائها وإفشاء سرها الذي سيزيد من انتكاسة جدها.
_ طبعا يا "زوزو"... هخلص مكالمتي ورجعالك نكمل تحضير الغدا سوا.
حررت" زينب" تلك الدمعة التي فاضت من مقلتيها...فما عساها أن تفعل.
جلسوا بغرفة الجد ليشاركوه تناول الطعام وقد أشرقت ملامحه بعض الشئ بعدما استرد عافيته من انتكاسته الأخيرة.
_ "صالح" كلمني من شويه.
توقفت "زينب" عن تناول الطعام وفعلت مثلها "سما" ونظرت كلتاهما إليه.
_ مالكم وقفتوا أكل ليه...
استكمل "نائل" تناول الطعام واستطرد.
_ اتصل يطمن عليا وسألني لو ينفع "زينب" تروح معاه لو اتحسنت..
ابتسمت "سما" التي أكد لها هذا الاتصال لهفة "صالح" على ابنة عمها وأن تركه لها لم يكن إلا تقديرًا منه لمعرفتة بتعلق "زينب" بالجد.
_ أنا شايفة إن "زينب" فعلا لازم تروح يا جدو... طنط "لبنى" بدأت تتكلم بكلام سخيف عن "زينب" والكل هيفتكر إن وجودها هنا وراه سبب تاني.
_ "سـمـا"، أنا قولت هفضل مع جدو لحد ما يخف.
قالتها "زينب" بحده لم تقصدها، مما أدهش الجد و "سما" لكنهم فسروا الأمر غضبًا من حديث زوجة عمها عنها.
هز "نائل" رأسه بتفهم وترك ملعقته ثم التقط المحرمة ليمسح شفتيه.
_ "سما" كلامها صح يا "زينب" وانا معاها.... أنتِ لسا عروسة جديده وسايبه جوزك والراجل متقبل هو وأهله ده لانهم عارفين تعلقك بيا وتعلقي بيكي... وعمك "هشام" جابلي ممرض كويس وأنتِ تقدري تطمني عليا كل يوم بس من غير بيات لانه ميصحش تسيبي جوزك.
_ يا جدو.
هتفت بها "زينب" باعتراض، لتنظر "سما" إليها قائله بحزم مصطنع.
_ لقد صدر القرار من سيادة اللواء.
لم تجد "زينب" أمامها إلاّ الإستسلام لقرار جدها والعودة مع "صالح" الذي آتى بالمساء ليصطحبها.
نظرة ساخرة رمقته بها عندما صعدت جواره السيارة وقد انتبه على نظرتها التي صار يراها كثيرًا نحوه.
_ تعرفي يا "زينب" اكتر حاجة بكرها في حياتي إيه.
نظرت له ثم أشاحت عيناها عنه.
_ إن اللي قدامي يكون عايز يواجهني فيستخدم النظرات بدل ما يتكلم...
تجهمت ملامحها عند سماع كلامه؛ فما الذي ستواجهه به بعدما قيدها بزواج لا فرار منه.
_ مش عايزه تسمعي أي تفسير عن مكالمتي مع والدتي ساعتها ولا هتكتفي بالصمت؟!
أعاد لها ذكريات تلك الليلة التي سمعت فيها سبب اختياره للزواج منها.
_ رسالتك يومها وصلت كويس أوي يا "صالح" بيه...اختيارك كان في محله ليا... اختارت أنت و "شاكر" بيه البنت اليتيمة اللي كان ابوها منبوذ من اخواته ودلوقتي بيرعاها جدها اللي كانت أمنية حياته إنه يجوزها خوفًا عليها لأعمامها يرموها.
تنهد "صالح" بقوة، فهو لا يستطيع تفسير السيب الأساسي من هذه الزيجة لها... زواجه منها كان من أجل صغيره الذي صار بالفعل بحاجة لأخوة بعدما اقتنع بهذا الأمر لكنه لا يستطيع سلب حقها لتكون هذه هي مهمتها في حياته... أن تكون وعاء للإنجاب وجارية للفراش.
نظر لها ثم تحرك بالسيارة بصمت إلى أن وصل إلى منزل جده حتى يجلب صغيره.
ضاقت عيناه عندما وجدها لم تغادر السيارة ورائه، فهو يعلم أنها بالأيام الماضية كانت تتعامل مع عائلته بصعوبة أمام جدها بسبب مشاركتهم له في خداعها لتتم تلك الزيجة.
عاد إليها ليفتح باب السيارة لها يتمتم بحزم.
_ انزلي يا "زينب".
أرادت الإعتراض لكنها عندما وجدت السيدة "حورية" تخرج من باب المنزل وتقترب منهم... تننهدت وترجلت من السيارة.
_ إيه يا ولاد مش هتدخلوا ولا إيه.
وتقدمت من "زينب" لتحضنها وترحب بها.
_ الڤيلا نورت بوجودك يا "زينب"، خليت الخدم يعملوا على العشا كل الأصناف اللي عرفت إنك بتحبيها.
لم تكن "زينب" يومًا تحمل صفات قلة الذوق ولكنها رغمًا عنها كانت تجيب على كلمات ترحبيها باقتضاب جعل "صالح" ينظر لها بنظرة لائمة فهو أخبرها أن والديه لا علاقة لهم بالأمر.
شعر "شاكر" بالحزن عندما رأي نظرتها له بعدما علم أنها عرفت سبب تقدمه لخطبتها لحفيده؛ فهي كانت اختيار درسه الجد بعناية.
الحقيقة كانت واضحة بصورة منقوصة لكل منهم وهي وحدها من كانت الدمية التي تلاعبوا بها.
تم وضع الطعام وقد مرت وجبة العشاء بهدوء، حاول والد "صالح" -الدكتور "صفوان"- اجتذاب الحديث معها عن حالة جدها حتى يزيل تلك الحواجز التي وضعت بسبب سوء تصرف ابنه.
غادروا منزل الجد ومعهم الصغير وعند دلوف "زينب" الشقة شعرت "زينب" بالاختناق الشديد عندما تذكرت ذكريات تلك الليلة التي نبذها فيها.
أغمضت عيناها بقوة ؛لقد قتلها بدم بارد....أربعة عشر يومًا مرت على زواجها انطفأت معها روحها وملامحها ولولا الجميع فسر ذبول وجهها بسبب قلقها على جدها لكان كل شئ صار واضح.
أغلق "صالح" غرفة طفله بعدما وضعه على فراشه ودثره جيدًا.
كاد أن يتحدث ويسألها عن سبب وقوفها هكذا لكن وجدها تتحرك نحو الغرفة التي أخبرها أنها لها.
زفر أنفاسه بقوة ،فلم يكن يظن أن صراحته تلك الليلة ستدمر كل شئ وتجعله يشعر بتأنيب الضمير.
.........
وقف بمنتصف غرفته يدور بدون هواده حول نفسه وهو يغرز أصابعه في خصلات شعره.
خرج من غرفته واتجه إلى غرفتها ولم يطرق الباب قبل دلوفه لتخرج شهقة قوية منها،أسرعت بضم قميصها إليها.
_ ممكن تخرج.
حاولت أن ترتدي قميصها بعجالة لكنها فشلت من شدة ارتباكها.
_ لو سمحت ممكن تخرج.
انتبه "صالح" على تحديقه المخزي بها ليتحرك نحوها قائلًا الأمر الذي أتى من أجله.
_ بكره ناس صحابي وزوجاتهم جاين يباركوا لينا... شوفي اللي هنحتاجه لضيافتهم وبلغيني.
نسيت "زينب" وقوفها أمامه وهي متشبثه بقميصها الذي لا يسترها بل جعلها أمامه بصورة مهلكة حركت غريزته كرَجُل عرف الثبات أمام النساء لسنوات طويلة.
_ بيتهيألي مبقيناش عرسان جداد خلاص، وأنا مش عايزه اقابل حد ممكن تعفيني من مقابله أصدقائك.
أصبحت المسافه بينهم منعدمة؛ فازدردت لعابها من قربه.
_ قبل ما تنامي اكتبي الحاجات اللي هنحتاجها بكره وابعتهالي في رسالة.
_ مش هقابل حد...
كادت أن تكمل كلمات اعتراضها لتتجمد الأحرف على لسانها وهي تجده يمرر أنامله على جفنيها بخفة.
_ محتاجة تنامي كويس وكفاية عياط عيونك بقت دبلانه.
أحرقتها أنفاسه التي لفحت وجهها؛ فأغمضت عيناها دون إرادة منها وهتفت بضياع.
_ بكرهك.
بالبداية ألجمته كلمتها لكن سرعان ما كانت ملامح وجهه تسترخي ليجتذبها إليه مما جعلها تفتح عيناها بصدمة من فعلته.
سقط قميصها من يدها ليدفعها نحو الفراش بعدما استطاع السيطرة عليها بتلك اللمسات التي حرك بها أوتار انوثتها العطشة لمشاعر لم تختبرها من قبل.