رواية نعيمي وجحيمها الفصل الواحد و العشرون 21 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الحادي والعشرون
كطفلة صغيرة التقت بأبيها بعد غيابه عنها منذ سنوات، تشبثت به وهو يحتضنها بقوة فاقدة النطق، تخشى ألا حقيقة أو يكون أنه وهم من محض خيالها، مازالت لا تصدق، رغم رهانها من داخلها على عودته، رافعًا أقدامها عن الأرض، وهو يقهقه بصوت عالي. يناغشها بمرح: - كبرتي يازهرة وهاتتجوزي قبلي كمان يابت؟
- انا مش مصدقة انك جيت والله ما مصدقة.
تفوهت بها بتقطع قبل أن ينزلها بتمهل لتطئ أقدامها على الأرض ومازال يقبل فوق رأسها وفوق وجنتيها وقد كوب وجهها بين كفيه يتأمل جمالها بأعين ملتمعة، مرددًا بمشاعر تفيض بالفرح: - وانا اقدر اسيبك ياعيون خالك في يوم زي دا؟ حتى لو كنا مخاصمين بعض أو تفصل مابينا بلاد.
ردت هي بلهفة وهي تقيم ما يرتديه من حلة رائعة باللون الرمادي على جسده الطويل وبشرة وجهه التي ازداد سمارها مع سفره: - بس انت لحقت امتى تيجي؟ لا ولابس بدلة كمان ولا اكنك عريس ياخالي.
رد خالد بتفكه وهو يدفع بكفه على رأسها من الخلف بخفة.
- عريس مين يابنت ال، ما عملتيها انتِ وسبقتيني.
مزحته جعلتها تفقد رزانتها الدائمة فصدرت ضحكتها المرحة على دعابته بصوت مقهقهة، قبل أن تفاجأ بمن يجذبها بحزم للخلف وصوته الأجش يقول: - حمد الله عالسلامة ياعم خالد.
رد خالد بضحكة مجلجلة وهو يعيد زهرة بحزم هو الاَخر الى تحت ذراعه: - الله يسلمك ياعريس، اخبارك انت إيه؟
ارتفع حاجبًا خطرًا من جاسر الذي تحامل على نفسه بصعوبة وهو يرى هذا الرجل وهو يحتضن عروسه باشتياق ويقبلها على وجنتيها وجبهتها، والأدهى من ذلك هو تشبثها هي به، بفرحة أنارت وجهها واذهبت عنها التوتر، بالإضافة الى ضحكاتها معه وكأنها طفلة في السادسة وليست عروس بجوار عريسها الذي تركته غير مبالية، تدخل فجأة صوت نسائي: - ايه ياجماعة، مش تعرفوني بالعريس ولا انتوا هاتسيبوني اليوم كله واقفة كدة على جمب.
التفت جاسر نحو صاحبة الصوت ليجد زهرة ترحب بلهفة بالمرأة الواقفة بجوار كاميليا والتي قامت بمهمة التعريف: - جاسر بيه، دي تبقى نوال خطيبة خالد.
رحب جاسر بالمرأة الجملية ذات الملابس المحتشمة لكن بأناقة، رغم غيظه من خطيبها: - أهلًا بيكِ حضرتك، نورتي.
ردت نوال بابتسامة فصدح صوت زهرة بتساؤل: - دا على كدة بقى انتٍ كنتِ عارفة عشان كدة أتأخرتي في مجيتك، والخاينة دي قاعدة اليوم كله معايا وهي راسمة ومشتركة معاكم في الخطة.
ردت كاميليا ضاحكة: - طب يعني كنتِ عايزاني اعمل ايه بس؟ وخالك منبه ومشدد ان لساني ماينطق بحرف واحد حتى؟
رد خالد وهو يميل بوجهه نحو زهرة التي مازالت تحت ذراعه: - كنت عايز اعملهالك مفاجأة، ايه رأيك بقى؟ عجبتك ياحبي الأول والاَخير انتِ.
ختم جملته بقبلة على جبهتها جعلت الدماء تغلي بأوردة الاَخر وهو يشاهد ابتسامتها التي زينت وجهها الجميل وهي تنظر اليه بامتنان، ليتفاجأ برد نوال البارد من وجهة نظره.
- اَاه جينا بقى لشغل الضراير، انا قولت ماجيش الفرح دا من أساسه ياعم.
ارتفعت شفة مستنكرة من جاسر وهو يتابع ضحكات الثلاثة ومزاحهم، حتى خرج هو عن سيطرته فجذبها من يدها اليه بحركة سريعة قائلًا: - طب ياجماعة كفاية عطلة بقى المأذون والشهود مستنين بقالهم فترة، حصلنا ياخالد ياللا.
قال الاَخيرة وهو يهرول بها مبتعدًا من أمام خالد، الذي عض على شفته بابتسامة مستترة قبل أن يحسم أمره في الذهاب خلفهم، كي يذهب ألى والدته ويكون وكيلها في العقد.
بعد قليل.
وبعد أن تم عقد القران وذهب الرجل الدين، فلم يتبقى سوى المدعوين من الأسرتين والعروسين، انطلقت الزغاريد من سمية وبناتها الصغار غير مبالية بالمكان ولا رهبته، اثارت ضحكة مشجعة من رقية التي أسعدتها أجواء الفرح، انتقلت أنظار إحسان نحو علية عمته ليجدوها مقهقهة هي الأخرى وسعيدة بالعرض، أما جاسر فلم ينتبه لشئ وهو ينهض على الفور منتقلًا من مقعده ليجلس بجوار عروسه على أريكة لهم وحدهم، ممسكًا بكفها بين قبضته وكأنه يخشى عليها من الهرب، همس وهو يرفعها إليه ليقبلها: - مبروك يازهرة، يا أجمل عروسة شافتها عنيا.
أومأت له بابتسامة خجلة: - الله يبارك فيك.
تنهد من قلبه وعيناه تلتهم تفاصيلها، يشعر بفرحة عريس بأول زواج له، وكأنه لم يرى أو يختبر من النساء قبلها، هي فرحته الأولى والاَخيرة بل هي أجمل النساء.
هتف طارق من الناحية الأخرى مصفقًا بيده: - إيه ياعريس هو احنا هانقضي الليلة كلها هنا ولا إيه؟ انت نسيت اتفاقنا ولا ياكبير؟
التفتت انظار الجميع نحو جاسر الذي أومأ برأسه قائلًا بارتباك وهو يضع يده في جيب سترته: - اه اه تمام حاضر، ثواني بس.
قال ثم أخرج علبة مخملية أكبر من سابقتها، وتناول منها الخاتم الألماس الذي أبهر الجميع بجماله وفخامته، ليضعه بكفها التي تناولها مقبلًها بحب مرة أخرى متحديًا الجميع، ليزيد من خجلها وتتسع ابتسامته من رد فعلها، تناول من العلبة مرة أخرى أسورة من نفس الطقم يلفها على رسغها، هزت برأسها ناظرة إليه باستفهام، رد بابتسامة صامتًا وهو يتناول عقد اَخر كاد ان يذهب بعقل إحسان وابنتها الاَتي كنا ينظرن بأعين جاحظة تكاد أن تخرج من محجريها، وهن يرونه يلفه حول رقبتها وفوق حجابها.
قالت علية بمرح وهي تقترب منهم: - اَجي انا اللبسها العقد ياجاسر مادمت انت مش عارف.
رمق جاسر عمته بنظرة محذرة وهو يستمع للضحكات من حوله ويتابع مستمتعًا بهذا القرب منها وارتباكها المحبب أليه، حتى اذا انتهى منه اَخيرًا، هتف طارق بمرح: - حلو واَخيرًا خلصنا.
صدحت ضحكات الجميع أما جاسر فاقترب من زهرة هامسًا: - كان نفسي اللبسك سلسلة الست الوالدة، بس مدام خالك موجود يبقى خليها في علبتها أحسن وانتِ البسيها بعد كدة براحتك، ماهي خلاص بقى رجعتلك.
رفعت عيناها تنظر اليه بامتنان على تذكره لهذا الشئ العزيز على قلبها، ومرعاته لشعور خالها الذي لو رأى السلسلة لكانت أثارت برأسه التساؤلات.
- ياعررريس.
هتف بها طارق مرة أخرى بمغزى لصاحبه الذي استدرك قائلًا: - طب ياجماعة احنا نقوم كلنا مع استاذ طارق ليفضحنا لو فضلنا أكتر من كدة، عشان المفاجأة اللي محضرينها.
سألته رقية: - رايحين فين؟ ومفاجأة ايه اللي بتقول عليها دي؟
أجابها هذه المرة كارم والذي كان صامتًا من أول الجلسة: - اطمني ياحاجة، احنا بس كلنا هانخرج مع جاسر باشا في احتفال بسيط بمناسبة جوازوا على زهرة هانم.
- زهرة هانم!
همست بها غادة بامتعاض لوالدتها التي نكزتها بحذر وهي تتابع جدال رقية لعدم الذهاب معهم.
- ليه بس ياحاجة القعاد؟ ماتيجي معانا دي كل حاجة مترتبة والله وانتِ بالذات عاملين حسابك.
هتف بها جاسر نحو رقية التي ردت بابتسامة: - متشكرين يابني كتر خيرك، اصلي انا لا برتاح في الخروج ولا الفسح، اخرجوا انتوا وافرحوا وانبسطوا متاخدونيش حجتكم.
خاطبها خالد بجوار خطيبته: - ايه يارقية؟ ماتيجي معانا وخلاص في المكان اللي احنا مش عارفينه ده، مش يمكن يطلع حاجة حلوة وتنبسطي فيها.
- ياخويا انا مبسوطة وعال العال، اطلع انت مع خطيبتك اللي لازقلها من أول مارجعت ياواد.
قالت رقية بمشاكسة كعادتها اثارت غيظ خالد الذي ضيق لها عيناه مع ضحكات الجميع حولهم وشهقة من نوال التي غطت فمها بكفها، حتى زهرة التي ظهر عليها الأرتياح وهي تضحك بمرح أسعدت قلب مُحبها الذي لا يمل من اختلاس النظر نحوها بجواره،
تدخلت علية قائلة بصوتها الحنون: - خلاص ياجماعة اخرجوا انتوا وانا هاقعد معاها، دي حتى زي العسل وقعدتها ما ينشبعش منها.
- تسلمي ياأميرة يابنت الأمرا، تعالي اقعدي جمبي نكمل حكاوينا من تاني، احنا كنا بنقول ايه؟
هتفت بها رقية نحو المرأة وجاسر والجميع يتحرك للخروج، رد خالد قبل أن يذهب مع عروسه: - مافيش فايدة فيكِ يارقية، هتفضلي طول عمرك تفضحي ابنك في كل الأماكن من غير مايهمك مشاعره ولا إحساسه
هتفت ترد: - طب جر عجلك طيب بدل ما احكي للست الطيبة دي على مصايبك وانت صغير وافضحك بجد.
- لا وعلى ايه بس الطيب احسن.
أردف بها خالد متحمحمًا بحرج من السيدة التي كانت تقهقه بصوت مكتوم، وهو يعدل ياقة قميصه ويستدير لليتبع الاَخرين في الخروج ومعه خطيبته، فهتف موليا لها ظهره: - سلام يارورو.
في مكان اَخر.
بداخل الملهى الليلي، الذي أتت اليه مرفت مع بعض صديقاتها، وهي تبحث بعيناها عنها على الطاولات وفي الوجوه المارة حولها، حتى وجدتها بساحة الرقص، ترقص مع أحد الشباب الأغراب باندماج، لفت رواد المحل حولها، تأففت الأخرى بمشاهدتها، لتجلس على أحد الطاولات في انتظارها والذي طال لقرابة الساعة حتى انتبهت اليها مريهان وذهبت اليها لاهثة تردد: - هاي ياقلبي، انتِ جيتي هنا من أمتى؟
نفثت الأخرى دخان سيجارتها قبل أن تجيبها بضيق: - انا هنا من زمان ياحبيبتي، انتِ اللي مش فاضيالي.
القت مريهان ابتسامة نحو الشاب الذي اشار اليها من مسافة قريبة، قبل ان ترد على صديقتها بعدم انتباه: - مش فاضيالك ليه بس يابنتِ؟ ما انا جيتلك على طول اول أما شوفتك اهو.
غضبت الأخرى من طريقتها فجذبتها بعنف كي تجلس على الكرسي المقابل لها: - ماتقعدي بقى خايلتيني، هو صاحبنا ده ما استكفاش برقصك معاه بالساعتين، عمال يشاغلك حتى هنا وانتِ زي العبيطة مندمجة معاه.
التفت اليها ميري قائلة بنزق: - الله يا مرفت، دا انتِ الشغل مع جاسر طبع عليكِ وخلاكِ مملة زيه، ياباي عليكِ.
هتفت مرفت تشير نحو نفسها بسبابتها: - - انا بقيت مملة ياميري، عشان بنصحك وعايزة أوعيكِ لمصلحلتك، يابنتِ ماينفعش تخلي أي حد ياخد عليكِ بسرعة كدة، راعي وضعك ياحبيبتي وشوفي انتِ بنت مين ومرات مين.
- اووف انتِ كمان لازم تفكريني.
تفوهت بها قبل أن تتابع وهي تعود بأنظارها نحو الشاب الذي راقصها منذ قليل: - طب بزمتك، واحدة في وضعي كدة زي مابتقولي انتِ وهاجرها جوزها، تفتكري والنبي لما تشوف حاجة حلوة كدة قدامها، وفي عز احتياجها، مش برضوا الخيانة تبقى حلال ليها.
نكزتها مرفت بطرف كفها وهي تهتف بغيظ: - تخوني ايه يازفتة انتِ؟ هي ناقصة عك أكتر ماهي معكوكة، بصيلي كدة وانتبهي ماينفعش التسيب ده وشوفي جوزك بيعمل ايه؟
استدارت لها قائلة من تحت أسنانها: - مايعمل اللي يعمله بقى انا مالي؟ اذا كان حتى البيت اللي كان جامعنا زي المطار، سابوا هو كمان ومابقتش عارفة انا بقى ساكن فين.
ارتدت الأخرى بظهرها للخلف قائلة بتفكير: - يااااه، حتى الحاجة الوحيدة اللي كانت بتجمعكم راحت كمان، مش عارفة ليه ياميري، قلبي حاسس كدة ان في حاجة مش مظبوطة.
ضحكت الأخرى ساخرة تسألها: - حاجة واحدة بس اللي مش مظبوطة، يابنتِ الوضع كله مش مظبوط.
زفرت مرفت هاتفة: - يابنتِ افهمي بقى، انا بتكلم بناءًا على حاجة شوفتها بنفسي، جوزك من كام يوم كان عامل خناقة لرب السما مع موظف حاول يتقرب من موظفة زميلته أو يتحرش بيها، مش عارفة، المهم ان الشركة كلها اتلمت عليهم.
- يتخانق عشان موظفة؟
تساءلت ميري بدهشة، أجابتها الأخرى: - شوفتي بقى ياستي، اهي الموظفة دي بقى تبقى سكرتيرته، ومعرفش كدة حاساه بيعاملها معاملة خاصة ولا ايه، مش عارفة، بس انا ابتديت اقلق.
صمتت ميري قليلًا قبل أن تسألها: - تفتكري يعني تكون في علاقة مابينهم؟ طب هي السكرتيرة دي شكلها ايه بالظبط؟ حلوة كدة وجامدة، ما انا عارفاه ماتعجبوش أي واحدة وخلاص.
مطت مرفت بشفتيها: - يابنتي والله مااعرف، بس هي البنت حلوة بصراحة رغم انها مابتحطش مكياج نهائي، دا غير انها محجبة بقى ولبسها واسع بزيادة، يعني حاجة غريبة كدة ملهاش تفسير، فاهماني.
صمت قليلًا ميري ترتشف من المشروب الذي أمامها قبل ان تتوجه لمرفت قائلة: - طب انا عايزة اشوف البنت دي، عندك صورة ليها؟
نفثت مرفت من سيجارته قبل أن ترد عليها بهدوء: - معايش، بس لو عايزة اصورهالك.
علي سطح المركب النيلي كان الاحتفال الذي أعده لها، وقد خصص لهم فقط مع الفرقة الموسيقة التي كانت تعزف وفرق النوادل لخدمتهم، محروس وزوجته وبناته على طاولة وحدهم، كاد أن يفضحهم بفرط فرحته، أو كلما تناول شيئًا جديدًا من ألأصناف التي كانت تقدم أمامه على الطاولة، لولا نصائح الفتيات الصغيرات له، وتذكيرهم الدائم له، بأنه والد العروس فيعود لرشده وغضبه بعد أن ذهبت عنه وكالة العروس على اَخر لحظة، وحل محله هذا المدعو خالد.
في الطاولة الاخرى جلست كاميليا مع غادة ووالدتها، تنظر اليهم بتحدي وثقة، غير عابئة بنظرات إحسان لها، ومشاعرها التي تغيرت ناحية غادة، بعدما سمعت بما فعلته وأخبرت به عماد.
كانت الموسيقى تعلو وتشدوا بالأنغام الجميلة وخالد على طاولته مع خطيبته وعيناه تتنقل كل دقيقة نحو ابنة قلبه، فيناغشها بعيناه، ليثير غضب الاَخر.
- ما كفاية بقى يازهرة، بصيلي بقى وخلي عندك دم شوية.
هتف بها جاسر بغيظ نحوها فجعلها تحدق به فترفرف برموشها الصناعية غير مستوعبة الجملة التي صدرت منه: - انا اخلي انا عندي دم ياجاسر؟
اقترب برأسها يرد بعتب: - طب وعايزاني اقولك طيب وانا شايفك مش مركزة معايا خالص واكنك عايزة تقومي من جمبي وتروحي تقعدي مع خالك دا اللي سايب خطيبته وعمال يعاكسك عشان يغيظني.
- يغيظك! طب ليه؟
تفوهت بها ضاحكة بعدم تصديق، اثارت السعادة به ليقول لها: - معرفش بقى روحي اسأليه، باينه كدة مضايق اني اخدتك منه، طب يعني مش يخليه في حاله هو مع عروسته ويسيبنا احنا الغلابة نفرح ببعض.
اندمجت في الحديث معه وقد استرعى اهتمامها، فردت بابتسامتها التي تسلب لب قلبه: - طب خلاص ياسيدي اديني انتبهتلك ومش هابص على خالي تاني عايز تقول ايه بقى؟
رد بابتسامة متوسعة على وجهه: - اقولك ياستي، بس في الأول بقى انا كنت عايز اسألك، عجبتك السهرة.
أجابته بابتسامتها الجميلة: - عجبتني، بس بصراحة أجمل مافيها هي اني وسط عيلتي، عشان من غيرهم لا يمكن كنت هاحس بطعم أي حاجة حلوة.
تناول كفها ويقبلها للمرة الألف غير عابئ بخجلها ولا اعتراضها.
وعلى طاولة خالد الذي كان يتأملها صامتًا، سألته نوال: - إيه بقى ياعم؟ مش تفتكرني كدة ولا انت ماصدقت تشوف حبيبتك عشان تنساني.
تنهد خالد مطولًا قبل أن يجيبها بوجه ذهب عنه الهزل: - قلقان عليها يانوال، الدنيا اللي هي دخلاها على قد ماهي جميلة ومبهرة لكن في نفس الوقت كلها مشاكل وصعوبات، موجة عالية بترفعها لفوق قوي، خايف لمتقدرش عليها فتوقعها ولا لاسمح الله تكسرها.
نكزته بخفة بقبضتها على كفه الممدودة على الطاولة تردد: - وتوقعها ليه ولا تكسرها كف الله الشر ياسيدي؟ ما انت قاعد هو وبتراعيها، مش بتقول انك خلاص وافقت على عرض الراجل اللي قالك على الشغل في شركته هنا في البلد.
رد هو بتأكيد: - ان شاء الله انا حسمت أمري وهقبل بالوظيفة، مش هاقدر ابعد تاني عنك ولا عن رقية ولا هاقدر اسيبها هي تواجه الموج ده لوحدها.
قالت نوال: - حلو أوي، بس على فكرة بقى، جاسر بيحبها وباين في عيونه اللي فضحاه، انا شايفة انه يقدر يسعدها كمان، ماهو كان لازم يجي اليوم ده ياحبيبي، وزهرة مش هاتفضل العمر كله بنوتك الرقيقة، اللي بتخاف عليها من الهوا الطاير.
كشر بوجهه لها بطرقة فكاهية اثارت ابتسامتها كالعادة قبل أن ينهض فجأة قائلًا: - بقولك ايه؟ انا قايم اغير واشوف الناس اللي بتعزف عالفاضي دي ايه عندهم ايه تاني شعبي، عشان انا حاسس نفسي هنا بالشكل دة.
ضحكت نوال وهي تراقبه يذهب نحو الفرقة الموسيقة والذي تحدث معهم قليلًا قبل أن تعزف الفرقة ألحانها الشعبية ارضاءًا له، ليقوم بالرقص عليها لافتًا أنظار الجميع حوله، حتى زهرة التي اندمجت قليلًا في حديثها مع جاسر، عادت بأنظارها لتجده ينظر نحوها غامزًا وهو يميل يمينًا ويسارًا ويلوح بيداه في الهواء، جعلها تضحك من قلبها والاَخر يراقبها ويضرب بقبصته.
علي سطح الطاولة، منتظر انتهاء هذا العرض الذي اشترك به صديقه طارق أيضًا بجنون رقصاته هو أيضًا، ليتبعه محروس والفتيات أشقاءها الصغار ليشاركن خالد الذي جاملهم قليلًا ثم ذهب إلى زهرة يسحبها وهي تعترض بضحك مرددة: - معرفش ياخالي انت عارفني.
وهو مستمر بسحبها غير عابئ لجاسر الذي يتاَكل من الغيظ يحاول بصعوبة كبح شيطانه، حتى وضعها في الوسط لتتمايل معه بخفة، وهو يديرها بين يديه وشيققاتها يلتففن حولها بخفة بفرحة أسعدتها بينهم، لتنضم اليهم غادة تشاركهم، أما كاميليا فكانت تتابع صامتة بعد أن وقفت بزاوية وحدها، حتى وجدت من يشاركها.
- مابترقصيش ليه معاهم؟
- قول لنفسك ما انت كمان مابترقصش.
ابتسم على قولها يرد: - انا بصراحة ماتعودتش ارقص.
- وانا بقى مابعرفش ارقص.
ازداد اتساع ابتسامته على ردودها الفورية، فقال: - بس انا اللي اعرفه بقى، ان مافيش بنت في مصر ما بتعرفش ترقص.
قالت هي بتأكيد: - لأ ياسيدي خديها مني قاعدة، في بنات كتير في مصر مابتعرفش ترقص وانا منهم.
استند بظهره على السياج الحديدي يسألها: - طب ليه بقى؟ انتِ مابتحبيش ولا انتِ من هواة الرقص الغربي.
ارتفع حاجبيها وأخفضتهم فجأة فقالت باندهاش: - الرقص الغربي! ايه ياعم كارم؟ هو انت فاكرني قريبة جاسر بيه، دا انا تربية الحارة ياعم، يعني بقى اغاني شعبية ومهرجانات وهيصة بقى، بس انا برضوا مابعرفش ارقص.
- برضوا!
اردف بها ضاحكًا قبل أن ينتبه على صوت الموسيقى الذي تغير فقال مازحًا: - إيه ده؟ هما سمعونا ولا إيه؟ دول جابوا موسيقى غربي فعلاً.
- اه بس دي هادية.
قالتها كاميليا وقد لفت نظرها جاسر الذي تحرك من جوار الفرقة الموسيقية ليخترق الدائرة وسط الجميع، يحتضن زهرة المذهولة ليرقص بها رقصة رومانسية، ضحكت من قلبها كاميليا وهي تتابع صديقتها التي كانت كالدمية بين يديه من صدمتها وهو يحركها ويميل بها، امام انظار الجميع.
حتى وقعت عيناها على يقف في الوسط واضعًا كفيه في جيبي بنطاله يرمقها بغضب، يبدوا انه توقف عن الرقص منذ فترة، غمغمت داخلها من هيئته باستغراب: - ودا ماله ده بيبصلي كدة ليه؟
والى زهرة التي كانت لا تستوعب هذا القرب منه وجرأته في سحبها من بينهم ليلصقها بجسده، يتمايل بها بنعومة وبيدٍ خبيرة يحركها بين يديه، ناظرًا اليها بتحدي على الأعتراض، هي أو خالد الذي كانت خطيبته تحاول جاهدة بمزاحها لتلهيه عن مراقبتهم بتحفز.
استمرت الرقصة واستمر الحفل الصغير الجميل حتى انتهاءه، وغادر الجميع الا خالد وخطيبته ومعهم كاميليا التي أصرت على مرافقتها.
أمام منزلها الجديد قبلها خالد على جبينها يخاطبها بلهجة تفيض بالحب: - وانت داخلة على دنيا جديدة خليكِ دايمًا حاطة في بالك اني في ضهرك ومش هاسيبك أبدًا، وافتكري اتفاقي معاكي من زمان، انك مهما غلطتي برضوا تيجي وتقوليلي، وانا هاصلح دا لو حصل يعني.
قال الاَخيرة بمرح جعلها تبتسم قائلة بارتياح: - انا من أول ما شوفتك ياخالي وانا اطمنت، ما انتِ ضهري وسندي طول عمرك، ربنا يخليك ليا يارب.
قبلها على جبينها مرة أخرى قبل أن يتركها لتسلم على جدتها التي كانت تنتظر في السيارة: - يعني برضوا عملتي اللي في دماغك يارقية وماشية، ماهنش عليكِ تباتي حتى الليلة.
انطلقت ضحكة مرحة من رقية وهي تجذبها نحوها لتقبلها من وجنتيها قائلة: - ابات معاكي فين ياموكوسة؟! يابنت هو انتِ...
قطعت جملتها لتقربها أكثر تهمس بأذنها بعض الكلمات التي جعلت زهرة وجهها يتغير، فاستقامت عنها ترد بعبوس: - ايه اللي انتِ بتقوليه دا بس ياستي؟
قهقهت رقية بضحكتها الرنانة فقال خالد الذي انضم معهم بالسيارة في الكرسي الأمامي قائلًا: - بتضحكي على إيه يارقية وخليت البت وشها يتقلب؟ يارب مايكون اللي في بالي.
- انت كمان ياخالي.
تفوهت بها زهرة وهي تستقيم بظهرها فاختل توازنها قليلًا، لتجد يدٍ ناعمة تسندها من الخلف تخاطبها: - حاسبي لا توقعي على السلم ورواكي.
استدارت اليها زهرة تقبلها وتحتضنها مرددة: - الف شكر ليكِ ياكاميليا بجد.
- بتشكريني على إيه ياعبيطة دا انتِ أختي، ياللا بقى سلام وروحي بقى لعريسك دا اللي مستنيكِ على نار.
قالت الاخيرة بإشارة إلى جاسر المنتظر بالقرب منهم، يدعي التحدث مع رجاله وهو لا يطيق صبرًا.
نظرت اليه زهرة لتفاجأة بأنظاره المرتكزة نحوها، التفت مرتبكة لتقترب مرة أخرى من سيارة جدتها وخالها تقول: - طب انا هاسلم على ستي مرة أخيرة...
- لا تسلمي ولا تزفتي تاني، امش يابت.
اردفت بها كاميليا وهي تدفعها بخفة للخلف ضاحكة قبل أن تنضم بداخل السيارة مع خالد وخطيبته ورقية، وتتحرك بهم من أمامها.
رفعت كفها ملوحة حتى اختفاءها من أمامها، لتلتف بعد ذلك وتجده أمامها يومى لها رأسه بابتسامة متسلية قائلًا: - تحبي نجري ونحصلهم؟
اطرقت برأسها بابتسامة مستترة قبل أن يتناول كفها ليتحرك بها نحو المنزل
وفي الداخل وبعد أن أوصلها لغرفتها بالطابق الثاني، هبط مرة أخرى لوداع عمته التي أسرت على الذهاب أيضًا: - مش كنتِ قعدتي ليلتك معانا النهاردة معانا ياعمتي.
ردت علية بابتسامة ودودة: - أبات فين ياجاسر؟ انت عايزني ابقى عزول يابني، ياحبيبي ربنا يهنيك.
ردد بابتسامة واسعة: - ربنا يخليكِ ياحبيبتي ويبارك فيك، بس برضوا انا كنت عايزك تباتي ولا تقعدي يومين حتى، البيت واسع وانا مصدقت اشوفك، بعد غياب، شهور.
صدحت ضحكة منها قبل أن ترد: - ومين السبب بقى في الغياب؟ مش انت اللي مشغول دايمًا بشغلك، انا ياحبيبي قاعدة في بيتي دايمًا، بعد ما جوزت البنت والولد، انت بقى لو عندك أصل هات العروسة وتعالى زورني.
أومأ برأسه قائلًا: - أن شاء الله ياعمتي، هايحصل أكيد.
ابتسمت له ببشاشة وهمت أن تتحرك ولكنها توقفت فجأة تقول: - جاسر، مش هاوصيك ياحبيبي على عروستك الجديدة، البنت باينها طيبة أوي وحساسة، عكس اللي، انت عارف بقى؟
رد بضحكة مجلجلة: - عارف والله ياعمتي عارف، يارتني بس كنت سمعت نصيحتك زمان قبل ما اتورط...
- كل حاجة نصيب ياحبيبي وربنا يبارك في اللي جاي اسيبك بقى.
قالت الاَخيرة وهي تقبله على وجنتيه مودعة قبل أن تنصرف مغادرة.
صعد مهرولًا الدرج لينضم الى عروسه، بعد أن غاب عنها قرابة النصف ساعة، لانشغاله بتوديع عمته ومكالمة لأحد الشركاء استغرقت وقتًا قبل أن ينهيها مع الرجل على مضص، ليصعد الى الطابق الثاني اَخيرًا، يخطو نحو غرفته في هذا البهو الفسيح بخطواتِ سريعة، توقفت فجأة وتسمرت خلفها أقدامه، وقد وقعت عيناه عليها بكامل جمالها، واقفة بمنتصف الصالة تتلاعب بالهاتف غير منتبهة، وقد خلعت عنها حجابها، وظهرت معه رقبتها وجزء في ألاعلى من فتحة الفستان الذي انتقاه بنفسه، متوقعًا أن يناسبها وقد فاقت بجمالها كل توقعاته، شعرها الحريري؛ انساب بنعومته كالشلال بلونه الأسود ليصل ألى اخر ظهرها، في مشهد بديع سرق أنفاسه وعقد لسانه، قبل أن ينطق اَخيرًا: - بتعملي إيه؟
أجفلت رافعة له رأسها تجيبه: - ولا حاجة يعني، اصل بصراحة كنت هاتصل بخالي بس اتكسفت فقولت اقلب شوية في النت...
قطعت جملتها وقد وصل اليها بهيبته ليقف أمامها وكفيه حطت على جانبي رأسها، تتغلغل أنامله في الخصلات الطويلة، قبل أن تتركهم ويُحاوط وجهها ليرفعه اليها وأصابعه تتلمس نعومة وجنتيها مرددًا: - من أول مرة شوفتك فيها وانا نظريتي مخيبتش، كنت عارف انك ملكة جمال مخبية جمالها عن الجميع، انوثة طاغية وباللبس الواسع بتحفظيها وتحفظي نفسك عن كل العيون، ان كانت غريبة أو قريبة حتى، انت رزقي الحقيقي يازهرة، وانا الراجل المحظوظ بيكِ.
مزبهلة، عيناها تنظر اليه ولا تجد من الكلمات ماترد بها على كلماته، شعر هو بذلك فقال مداعبًا بابتسامة جانبية: - كنتِ عايزة تتصلي بخالك دلوقتِ يازهرة؟
- هممم
صدرت منها بتشتت، قبل أن تردد بارتباك: - لاااا مما انا ماتصلتش خلا...
قطعت جملتها هذه المرة مجبرة وقد حطت شفتيه على شفتيها، يفصل عنها الكلام ويفصلها عن العالم أجمع، وقد ألصقها به بحميمية أجفلتها، ترتعش من المفاجأة فتزيد رغبته بها، ويزيد من ضمها إليه، ليُذيب مقاومتها ويُذهب عنها ارتجافها، حينما فصل قبلته عنها اًخيرًا أطرقت برأسها عنه تلتقط انفاسها مخفضة عيناها عنه، وهو ينظر لها من طرف أجفانه وانفاسه الحادة تلفح وجهها الذي اصطبخ بالحمرة، جذبها من خلف رأسها ليرفع وجهها اليه وعيناها تلتقي بعيناه، فقال بصوت متحشرج: - ارفعي راسك وعينك تبقى في عيوني دايمًا، انتِ مراتي، مرات جاسر الريان، فاهمة ولا لأ؟
اومأت برأسها بطاعة صامتة وهو ينظر اليها، قبل أن يرفعها من أسفل ركبتيها، يحملها بين يديه صامتًا هو الاَخر، ويذهب بها الى غرفتهم.