رواية نعيمي وجحيمها الفصل العشرون 20 بقلم أمل نصر


 

رواية نعيمي وجحيمها الفصل العشرون 20 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل العشرون

مستلقية بجمبها على فراش تختها، كفها تحت رأسها على الوسادة، تتابع بأعين يقظة خيوط الضوء المتسللة عبر النافذة المغلقة، والمنذرة ببداية الصباح،.

لا تصدق أن هذا هو يومها كما يقال، لا تصدق أن أمرًا كهذا يتم بهذه السرعة ودون إرادتها ورغبتها، لا تصدق انها ستغادر غرفتها ومنزلها وجدتها وتسكن وحدها مع رجل غريب عنها بمنزله، رجل أذاقها من الدلال وكلمات الغزل يومين قبل أن ينقلب لصورته الأول ويعود لتجبره وتسلطه معها، كيف لها أن تعترض الاَن بالوقوف أمامه ومجابهته وقد غاب عنها سندها ومصدر أمانها دائمًا بسببه؟!

مسحت بكفها الدمعة التي سقطت على وجنتها سريعًا قبل أن تنهض بجزعها تلملم شعرها الذي تنحل عقدته دائمًا مع نومها، ثم نهضت بعدها عن التخت وقد أجمعت أمرها بالمضي قدمًا فيما قُدر إليها، تاركة أمرها على المدبر الذي لا يغفل عنه شئ.

ذهبت للمطبخ لتحضر وجبة الفطور قبل أن تذهب لغرفة جدتها التي وجدتها هي الأخرى مستيقظة، جالسة بجذعها تنظر في الفراغ بشرود، ويبدوا على وجهها علامات الهم، وهي تعلم بداخلها جيدًا السبب وراء ذلك.
اقتربت تتصنع الأبتسام وهي تهتف باسمها: - إيه يارقية؟ دا انتِ صاحية اهو، قال وانا اللي كنت شاغلة بالي بصحيانك.
ختمت جملتها بقبلة على رأسها، قابلتها رقية بنظرة غامضة قبل تلوي فمها المطبق وتشيح بوجهها عنها.

- انتِ لسة برضوا لاوية بوزك مني ياستي؟
سألتها زهرة بعتب وهي تجلس بجوارها، تنهدت رقية قبل أن ترد عليها: - أمال عايزاني يعني اعملك إيه؟ اقوم اترقصلك مثلًا، حمد لله مشلولة.

كلماتها البسيطة كانت تلسعها كالسياط، وهي المجبرة قليلة الحليلة، لا تجرؤ على التفوه بالحقيقة حتى لاتزيد على أحزان جدتها، فيكفي عجزها ومرضها أيضًا، ضغطت على شفتها وهي تدعي عدم الفهم قائلة: - يعني هو انتِ لازم ترقصي؟ ياستي كفاية تفرحيلي، ماينفعش بقى تفرحيلي.
ردت رقية وقد احتدت عيناها في النظر اليها: - بت انتِ، ما تعملهومش عليا، انتِ عارفة كويس قوي انا قصدي إيه؟

اومأت برأسها تقول لها: - عارفة ياستي ومقدرة كمان، بس هاعمل ايه انا بقى؟ جاسر مضطر يتم الجواز بسرعة عشان عنده ظروف قوية لكدة.
ردت رقية باستنكار رافعة شفتها العليا: - ظروف إيه دي يااختي اللي تخليه يلم جوازتك منه في ظرف ايام قليلة من غير حتى ما ربنا يقدره يستنى خالك، خالك يازهرة اللي رباكي وكأنك حتة منه ولا انتِ نستيه يابت؟..

هنا لم تقوى زهرة على الإنكار أكثر من ذلك، فخرجت شهقتها المكتومة بعنف، جعلت رقية تلتف برأسها إليها مجفلة، فوجدتها تبكي بصوتٍ مكتوم ووجها مغرق بالدموع، انفطر قلبها لرؤيتها فجذبتها سريعًا لداخل أحضانها، تشدد عليها بذراعيها وهي تردف: - بس لو تفهميني ايه اللي صايبك، بدال ما انا حاسة نفسي كدة زي الأطرش في الزفة.

كانت تبكي وفقط، تفرغ مع دماعاتها الحزن والقهر من داخلها، ورقية تربت على ظهرها بحيرة، حتى سألتها اَخيرًا: - هو بيهددك بحاجة يابت ولا ماسك عليكِ ذلة؟
انتفضت زهرة تخرج من أحضانها تنفي وهي تمسح بكفيها لتزيح اثر الدمعات: - لأ طبعًا انتِ ليه بتقولي كدة ياستي؟

تنهدت رقية قانطة وهي تضرب بكفيها ترد عليها: - طب عايزاني اقول ايه بس؟ وانا شايفة الوضع كدة مش مريحني، دا غير كمان خلقتك انتِ اللي متغيرة، حتى لو كنتِ بتمثلي الضحك والفرحة قدامي انا كشفاكي يابت.
ابتسمت زهرة رغم ماتشعر به على فراسة جدتها قبل أن ترد: - طب لما انتِ كشفاني كدة وحاسة بيا، ليه بقى زعلانة مني؟ مش تقدري كدة خوفي ممن دنيا جديدة داخلة عليها.

ردت رقية وهي رافعة حاجبها بتشكك: - يعني انتِ كل المشكلة عندك، هو خوفك من الدنيا الجديدة اللي داخلة عليها؟ وخالك بقى نستيه؟
- انسى مين بس ياستي؟
هتفت بها تبتلع الغصة المؤلمة بحلقها قبل أن تُكمل: - انا عارفة إن خالي عمره ما هايتخلى عني حتى لو غلطت، وعلى العموم انا عملت اللي عليا معاه في الإتصال والمحايلة، والباقي عليه هو بقى!

غمغت الاَخيرة بصوتٍ خفيض لم يصل الى رقية التي انتبهت على صوت جرس المنزل: - طب قومي ياختي شوفي مين اللي جايلنا على اول الصبح كدة ومش صابر حتى لما الشمس تطلع كويس
نهضت زهرة تعدل من هيئتها وشال رأسها.
فتحت لتجد والدها يقتحم المنزل مهللًا وخلفه زوجته وبناته الثلاثة: - صباح الخير ياست العرايس ياقلب أبوكي، عاملة إيه النهاردة؟

لم تجيبه زهرة فقد انشغلت عنه بتلقي المباركة والتهاني من زوجة أبيها سمية وهي تحتضنها بمودة حقيقة: - ياحبيبة قلبي ربنا يتمم بخير يارب ويفرحك يازهرة.
ردت زهرة بابتسامة ممتنة قبل أن تعيد الكرة مع صفية وشقيقاتها الصغار، الحسنة الوحيدة لأباها كما كانت تقول دائمًا.
فرك خلفهم بكفيه محروس قائلًا بحماس: - ها يازهورة، جهزتي نفسك بقى؟

هتفت رقية نحوه من الداخل: - جهزت نفسها لإيه بس ياراجل انت؟ هو احنا لسة اصطبحنا ولا فطرنا حتى.
اندفع اليها متبخترًا يقول: - الله بقى، مش لازم اسأل انا واطمن على كل حاجة، بحيث بقى لما تيجي عربية العريس اللي هاتخدنا عالفيلا بتاعة الباشا، يلاقينا جاهزين ومش ناقصنا حاجة ولا إيه ياحماتي؟
- يييييه، دا رجع يقولها من تاني، وانا اللي قولت اني استريحت منها، الله يسامحك على الورطة السودة دي ياحاج ويرحمك.

غمغمت بها بقرف رقية وهي تشيح عنه بوجهها، قبل أن تلتفت على كلمات سمية: - زهرة ياحبيبتي، خلصتي كل حاجتك ولا عايزة مني مساعدة؟
- حاجة ايه؟
تسائل بها محروس ببلاهة قبل أن تنهره رقية: - وانت مالك انت؟ مش جيت ونبهت على ميعاد الباشا بتاعك، جر عجلك بقى وانزل تحت استنى عربيته، احنا مش فاضين.

غمغم محروس بكلمات غير مفهومة بحرج وهو يخرج من الشقة ويتركهم، فور مغادرته اللتفتت سمية لزهرة تسألها: - ها ياحبيبتي مردتيش يعني؟
ردت زهرة متبسمة: - حاجة ايه بس ياخالتي؟ هو انتِ شوفتيني يعني جايبة الجهاز اللي مالي البيت، دي كلها شوية هدوم عبيت بيها الشنطة، والباقي يعني، حاجات بسيطة مش مستاهلة.

- خلاص ياقمر، ادخلي انتِ الحمام خدليك شور زي مابيقولوا البنات كدة، على ماانا روقتلك الحاجات دول، وصفية بقى تحضر الفطار
- تسلمي ياغالية يابنت الأصول، نردلك تعبك يارب في بناتك ياحبيبتي.
هتفت بها رقية لسمية التي ردت: - تعب ايه بس ياخالتي؟ وانا يعني عملت حاجة؟
شهقت رقية قائلة بشقاوة: - اهاا دا كفاية تعبك معاها امبارح ياختي وهي دي شوية؟

تغير وجه زهرة وهي تنهض مغادرة بحرج، ضحكت لها سمية وهي تقول لرقية: - كسفتيها ياخالتي، وبنت بنتك دي مشكلة لوحدها.
لوحت رقية بكفيها الاثنتان امامها في الهواء تردف وهي تلوك فمها على الجانبين: - إنتِ هاتقوليلي ياختي، ما انا عارفاها خيبة.
00000000000000000000000000000000.

خرجت كاميليا من بنايتهم، متوجهة إلى سيارتها كي تلحق بصديقتها التي نبهت عليها من الأمس بالذهاب اليها صباحًا اليوم، متخلية عن يوم عمل لها بالشركة، وصلت إلى سيارتها وقبل أن تهم بفتحها فوجئت بمن يهتف عليها بإسمها، التفتت فوجدته أمامها يقترب بخطواته إليها، رفعت نظارتها الى مقدمة شعرها وهي تقول باستغراب: - عماد.
رد وهو قد وصل إليها: - أيوة عماد ياكاميليا، انتِ عاملة إيه؟

ردت وهي تمط بشفتيها: - كويسة ياسيدي، بس انت اخبارك إيه بقى؟
اومأ برأسه بابتسامة خفيفة يرد عليها: - كويس انا ياستي والحمد لله، لقيت شغل جديد بعيد عن عزبة الريان وابنه.
اومأت برأسها تبتسم بحرج وتردد
- حلو قوي يا عماد، انت شاطر أساسًا وشغلك مطلوب في كل الأماكن.
اجفلها مباغتًا بسؤاله: - هي عاملة ايه دلوقت؟
- هي مين؟

سألته باستفسار، أجابها هو: - اقصد زهرة ياكاميليا، رغم انها اتخلت عني وقت الخناقة، بس انا عاذرها، ما انا برضوا غلطان في اندفاعي عليها بدون تفكير، وهي أكيد خافت من الفضايح، يعني كان لازم اقدر.
تبسمت بخفة تجيبه: - خلاص ياعماد ولا يهمك، انا هاكلمها واقولها اطمن و ما تقلقش.

همت لتتحرك ولكنه اوقفها قائلًا: - مقلقش ازاي بس يا كاميليا؟ وانا قلبي بياكلني وخايف عليها لتتجوز الراجل ده اللي بتقول عليه غادة، انا مش...
- بتقول مين؟
هتفت كاميليا مقاطعة واستطردت سائلة: - هي غادة اللي قالتلك على موضوع العريس، وقالتلك بقى اسمه ايه كمان؟
- لا مقالتش ياكاميليا.
تنهدت بارتياح قبل أن تستمع لباقي كلماته.
- بس انا عايز اعرفه وعايز اشوف زهرة عشان اوقفها عن جوازها منه.

جحظت عيناها فردت بذهول: - توقف مين يابني؟ ماخلاص يا عماد كل واحد يشوف نصيبه، ثم انت وهي مكانش في مابينكم حاجة يعني عشان تديك الحق توقف جوازها زي مابتقول.
قال بإصرار: - لا كان في مابينا اعجاب متبادل ياكاميليا، بدليل ان بنت عمتها بنفسها لاحظت وقالتلي.

جزت على أسنانها تتمتم بالكلمات الغاضبة نحو هذه الغادة، واستطرد هو برجاء: - كلميها والنبي يا كاميليا، قوليلها ان عماد مستعد يتقدم، وعندي بدل الشغلانة اتنين، اينعم انا مش هابقى غني زي اللي اتخطبتلوا، بس على الاقل مش هاخليها محتاجة حاجة، خليها تقنع ابوها بكدة.

تعرقت وارتبكت أمام الحاحه وهي لا تجد من الكلمات المهونة له، ولا تريد خداعه أيضًا فزهرة زواجها اليوم ولو أخبرته، لربما قام بحركة مجنونة كما فعل سابقًا وكان سببًا في حدث اليوم، ردت اَخيرًا بتهرب: - طب انا هابقى اشوف الموضوع دا ياعماد واقولك، عن اذنك بقى عشان متأخرة ماشي.
قالت الاَخيرة واستدارت لتفتح باب سيارتها سريعًا، ردد هو من خلفها هو: - طب ما تنسيش ياكاميليا اللي قولتلك عليه.

دلفت لسيارتها لتدير المحرك كي تهرب سريعًا من أمامه، وظل هو على وضعه واقفًا حتى تحركت بسيارتها واختفت من أمامه تمامًا.

وفي الحارة انتشر خبر زواج زهرة اليوم من عريسها العربي كما أشاع والدها، كانت تدلف النساء الجارات على المنزل كي يلحقن بابنة حارتهم لتهنئتها والمباركة، قبل ذهابها بصحبة أهلها، كانت غادة ومعها والدتها وصلن مع اول إشراق الصباح، يدعين الفرح والوقوف بجانب زهرة مع مواصلة فضولهن في معرفة كل صغيرة وكبيرة حدثت أو سوف تحدث، وصلت كاميليا لتنضم الى صحبة المنزل الممتلئ على اَخره من النساء الجالسات بجوار رقية في الصالة، وصفية وأشقائها يضايفن الجميع بالعصائر والمشروبات، ألقت كاميليا نظرة نارية نحو غادة قبل أن تتجه لسمية تسألها عن زهرة، أجابت سمية وهي تشير بسبابتها: - زهرة قاعدة في أؤضتها ياحبيبتي بتلبس لها هدمة للخروج، حكم العريس اتصل وقال انه خلال نص ساعة والسواق هايوصل وياخدها.

- طب كويس.
أومأت برأسها كاميليا كي تذهب إليها ولكن قبل أن تتحرك القت نظرة اَخيرة نحو غادة.
وحينما وصلت الى غرفة زهرة وطرقت على بابها بخفة، وصلها الصوت من الداخل: - أيوة مين اللي على الباب؟
أجابتها بصوتٍ مرح: - أنا كاميليا صاحبتك ياعروسة.
فتحت زهرة فور سماعها بالأسم، لتدخلها وتصفق الباب على الفور خلفها.
خبئت ابتسامة كاميليا وهي تجد النظرة الغريبة من زهرة بوجهها العابس: - إيه مالك؟ شكلك متغير كدة ليه؟

تنهدت مطولًا صامتة قبل أن تتركها وتجلس على تختها بشرود ووجهٍ يكسوه الهم، جلست خلفها كاميليا على الكرسي المقابل لها تسألها بقلق: - ايه يابنتي جرا إيه؟ بقى دا شكل واحدة جوازها النهاردة؟
- خايفة.
تفوهت بها زهرة وسألتها كاميليا: - خايفة ليه ياحبيبتي؟
ردت زهرة وهي تزدرد ريقها الجاف: - مش عارفة صراحة، ازاي هاتلم مع راجل غريب عني في بيت واحد، راجل كنت بخاف ما ابصله حتى ودلوقتِ هابقى مراته وو...

قطعت جملتها وصدرها يصعد ويهبط دون توقف بتوتر حقيقي وصل الى كاميليا التي نهضت لتجلس بجوارها، تطمئنها بابتسامة متسعة: - يابنتي ليه القلق دا كله بس؟ هو غول وهايكلك يعني؟ الخوف والقلق دا شئ عادي عند كل عروسة، لكن معاكِ انتِ كدة بزيادة ممكن يجيبلك أزمة قلبية.
خاطبتها زهرة بنظرة مترجية: - بجد، يعني دا فعلًا شئ عادي؟

ردت بابتسامة مطمئنة قبل أن تقبلها على وجنتيها: - والله ياشيخة شئ عادي، لكن انتِ يعني لو مش حاسة بناحيته بأي شعور، كنتِ قبلتي تتجوزيه أساسًا؟
لعقت شفتيها تجيبها بتفكير: - مش عارفة صراحة، بس انا لما بسمع كلامه أما يكون رايق بحس كدة براحة غريبة واحيانًا كتير بيبقى فرح، بس بقى لما بيقلب، بكش في جلدي على طول منه!

ردت كاميليا بابتسامة بشوشة: - يابنتِ مدام في إحساس؛ يبقى خير والله، وكل اللي في عقلك دي مجرد خوف مالوش داعي، قومي بقى جهزي نفسك كدة وفرفشي، دي نسوان الحارة عامليلك مهرجان ولا اكنك حتى هاتتجوزي أمير خليجي.
استجابت لها زهرة ترد: - البركة في ابويا وفشره بقى، دا يعمل من البحر طحينة.
قالت كاميليا بمرح: - حلو يازهرة، الصيت ولا الغنى بقى، وعلى العموم يعني هو مبعدتش كتير، ماهو جاسر برضو...

قطعت جملتها على أثر النداء الذي وصل اليهم من خارج الغرفة: - يازهرة عربية العريس وصلت.
فتحت كاميليا باب الغرفة، فدلفت غادة قائلة بلهفة لزهرة: - إمام وصل يازهرة ومعاه كرسي بعجل لستك عشان ياخدها معاكي في العربية، يالا بقى عشان اركب معاكم انا كمان.
- تركبي فين ياغادة؟ العربية يدوبك للعروسة وستها.
قالت لها كاميليا بحدة أجفلتها، وردت غادة: - طب وايه يعني؟ ما انا كمان بنت عمتها وزي اختها.

ردت كاميليا مشددة على حروفها: - مش اختها ياغادة، ثم ان اخواتها اللي بجد بقى قاعدين مكانهم وهايستنوا العربية التانية، جاسر باعت العربية دي لزهرة وجدتها بس، خليكِ انتِ واركبي معايا في عربيتي.
صكت غادة على فكها وهي تلتفت لزهرة تنتظر منها رد فعل ولكن الأخرى تجاهلتها كي تظبط حجابها أمام المراَة، مما جعلها تغادر وهي تدب بأقدامها على الارض بغيظ.

بداخل السيارة كانت تتابع من النافذة الطرق الغريبة عنها في هذه المنطقة الراقية والتي تظن أنها دخلتها سابقًا، حينما خرجت من منزله ليلًا، بعد حادثة السمسار، لكن هذه المرة الرؤية تختلف تمامًا في وضح النهار عما سبق، ترى المنازل المصطفة بتباعد، يجعل كل أسرة تسكن وكأنها في مدينة وحدها، المجتمع المخملي والتي لم تطمح بحياتها باقتحامه أو حتى الأقتراب منه، سوف تصبح الاَن جزءًا منه، أم أنها ستكون فقرة في حياتها وتنتهي حينما ينتهي منها الباشا الكبير كما قالت لها غادة.

قبل يومين.

كانت زهرة جالسة بشرفتها تتأمل المغيب، وقد جفت دمعاتها بعد انهيارها في الهاتف برسالة سجلتها لخالها، علً قلبه يرق ويسمعها، ويرحمها من جفاءه معها، تريده سندها وسدها المنيع في ألايام القادمة، وقد أصابها الخوف من عودة جاسر لهيئته القديمة، واصراره على إتمام الزواج بهذه السرعة في الوقت القليل متحديًا رغبتها في الإنتظار، تفاجأت بمن تقتحم عليها الشرفة هاتفة: - ها يازهرة، دا انا سمعت ان جاسر باشا حدد ميعاد كتب كتابه عليكِ خلال يومين؟

ردت زهرة بسأم: - مش سمعتي من ابويا يبقى صح.
- امممم
زامت قليلًا بتفكير قبل أن تسألها: - طب وعلى كدة بقى حددتي هاتعملي معاه ايه بعد الجواز؟
هزت رأسها تسألها باستفسار: - قصدك ايه يعني مش فاهمة؟

شهقت غادة مستنكرة تردد: - ياعبيطة0، بقى مش تحددي انتِ عايزة منه ايه؟ دا فرصة ولازم تعرفي تستفيدي منها كويس، أو تهبشي منه على قد ما تقدري بعد ماتتجوزيه، انت ماتضمنيش ياحبيبتي، امتى يزهق منك أو فجأة يطلقك ويرميكي بعد ماتعرف مراته، دي جوازة على كف عفريت يا ماما.
ردت بصدمة وعدم تصديق وكأن هذا ينقصها: - معقول دا ممكن يحصل صح؟

تنهدت غادة قائلة بسأم: - ومايحصلش ليه بس يابنت الناس؟ انا بوعيكِ يازهرة، عشان ماتجيش بكرة تتصدمي لما تطلعي من المولد بلا حمص، طب استني كدة ثواني.
قالت الاًخيرة قبل أن تبحث في الهاتف قليلًا، ثم تضعها أمامها لتتناوله قائلة: - طب بصي كدة وشوفي بنفسك وانتِ تتأكدي.
ردت زهرة وهي تنظر في صور امرأة جميلة بعدة اوضاع في اماكن مختلفة وترتدي ملابس متحررة تشبه النجمات: - مين دي؟

اجابتها وهي تراقب تغير ملامحها: - دي مراته ياحبيبتي بنت الوزير ودي صفحتها ياختي عالفيس، كل يومين تنزل صور من الفسح والسفريات بتاعتها، شوفتي بقى هي عايشة حياتها وحلوة ازاي؟ مش بقولك يابنتِ، لازم تاخدي بالك وتعملي حساب اللي جاي
- احنا وصلنا خلاص.

فاقت من شرودها على الصوت الغليظ لإمام وهو ينبهها، اخرجت رأسها من النافذة لتجده أمامها، واقفًا أعلى الدرج الرخامي أمام الباب الداخلي للمنزل في انتظارهم، وبمجرد توقف السيارة بالقرب منه، هبط درجاته حتى فتح لها باب سيارتها يستقبلها بابتسامة رائعة وهو يتناول كفها ويساعدها في الترجل من السيارة، يهمس بجوار إذنها: - نورت بيتك يازهرة.

التقت عيناها بخاصتيه لتفاجأ بهذا البريق الوامض بقوة داخل مقلتيه، يعتلي فمه ابتسامة جانبية، قبل ان يتركها ملتفًا حول السيارة ليستقبل رقية التي ساعدها إمام في الترجل على الكرسي المتحرك.
- عاملة ايه حاجة؟ انا جاسر.
اشتدت ملامحها قليلًا رقية قبل ان تلين اليه قائلة: - اهلًا ياباشا، مش انت العريس برضوا.
دنى اليها بجذعه يرد بابتسامة: - ايوة يا انا ياحاجة، نورتيني.

تنهدت رقية قائلة بلطف: - دا نورك يابني، ربنا يتمم بخير.
- ان شاء الله ياحاجة، تعالي بقى معايا.
قال الاَخيرة ليمسك بالكرسي ويصعد به الدرج أمام أنظار زهرة التي تسمرت محلها وهتف هو ينبهها: - ياللا يازهرة، انتِ هاتفضلي واقفة مكانك ولا إيه؟
بداخل المنزل الكبير كان في استقبالهم امرأة خمسنية جميلة الهيئة بابتسامة أنيقة اقتربت منهم، فقال جاسر يقدمها لهم: - دي عمتي علية يازهرة، دي اعتبريها صاحبتي مش عمتي.

اومأت لها زهرة بابتسامة رقيقة فاقتربت المرأة ترحب بها وبجدتها.
- أهلًا ياحاجة نورتينا.
- دا نورك ياحبيبتي.
كان رد رقية والتفتت المرأة تخاطب زهرة.
- وانتِ يا قمر، دا جاسر كان عنده حق بقى.
شعرت زهرة بدفء ومودة نحو هذه المرأة مليحة الملامح مع صوتها الذي ينبض بالحنان فردت بابتسامة متسعة اليها وصوتٍ خفيض: - تسلمي انتِ ربنا يخليكِ.

قال جاسر: - طب ياجماعة اسيبكم تتعرفوا أكتر على بعض وانا هاخد زهرة اعرفها على المكان على بال ما توصل الميكب ارتست.
سألته زهرة بعدم تركيز: - والميكب ارتست ليه بقى؟
تناول كفها يسحبها معه وهو يجيبها بابتسامة متلاعبة: - عشان كتب الكتاب يازهرة، هو انتِ نسيتي ولا إيه؟

كأنها في دوامة، مستسلمة لسحبه لها ؛ تسير بألية وهو يُعرفها بغرف المنزل الشاسع الفسيح، مع رفاهية لم ترى مثلها حتى في أقصى خيالاتها، لا تصدق ولا تعترض ولا تشعر بشئ من هذه الفرحة التي تشعر بها العروس في يومٍ كهذا، وصل بها الى غرفة أخرى كباقي الغرف، ولكن يبدوا أن هذه كانت مميزة، سحبها لتلج معه داخلها: - دي بقى هاتبقى أؤضتنا يازهرة.
- أؤضة إيه؟

للمرة الثانية تجاوبه ببلاهة وعدم تركيز، اثارت ابتسامة عبثية على وجهه وهو يرد: - في إيه يابنتي؟ انتِ النهاردة فاقدة التركيز تمامًا، بس انا عاذرك برضوا، تعالي بقى شوف الهدوم اللي انا جبتها ونقيتها بنفسي.
قال الاَخيرة وهو يفتح الضلفة الوسطى في خرانة الملابس الضخمة، أشار لها بيده قائلًا: - دي بقى هدومك للخروج، دريسات وهدوم واسعة كلها على نفس النظام اللي انتِ ماشية عليه، حتى شوفي كدة.

قال وهو يناولها إحدى القطع المعلقة بشماعتها، اومأت له قائلة بزوق: - حلو وجميل.
- حلو وجميل!

ردد خلفها باستغراب وهو يفتح ضلفة أخرى للبيجامات والملابس البيتية المريحة وهي تهز برأسها التي ذهب منها التركيز الى غير رجعة وحل مكانه صداع غير عادي، حتى فاجئها بقطعة، غريبة جعلتها تفوق من غفوتها، فشدتها منه سريعًا تعيدها مكانها وتقفل عليها باب الضلفة بغضب، ردد هو بعبث: - ايه يابنتي، بتشديه كدة ليه؟ هو حاجة غريبة يعني؟
هتفت غاضبة: - لأ مش غريبة، بس انت ماينفعش تخليني اشوف حاجة زي دي؟

- ليه بقى؟ دا اللي منقيهم ومشتريهم بنفسي؟
قال بتسلية واستمتاع مما أثار غيظها اكثر، فهتفت وهي تدب باقدامها مغادرة: - انا أساسًا اللي غلطانة عشان جيت معاك، وانت جررني كدة من إيدي زي البهيمة...
أوقفها مقاطعًا قبل أن تخرج من الغرفة: - ماتقوليش على نفسك كدة يازهرة، انا مش عيل مراهق عشان اعمل معاكي الحركات القرعة دي.

توقفت محلها متكتفة الذراعين، تستمع اليه على مضض، واستطرد هو: - انا عارف انك زعلانة وجواكي احساس اني غصبتك على جوازك مني من غير رضا خالك، بس انا مكانش ينفع اتأخر أكتر من كدة بعد اللي حصل من الأستاد عماد في الشركة.
- ماينفعش ليه؟
سألته باقتضاب وكان جوابه: - مش لازم تعرفي دلوقتِ يازهرة، خلي كل حاجة في وقتها، المهم بقى تعالي شوفي انا جايبك هنا ليه أساسُا.

تحرك باقدامه حتى اقترب من التخت، فتناول من فوق الفراش، فستان سهرة باللون العسلي، التمست نعومته من مكانها بدون أن تلمسه، بقصة بسيطة صممت بيدِ خبيرة، تُظهر جمال الفستان دون تكلف.
- إيه رأيك بقى؟
- ماهنش عليك تخليه أبيض.
غمغمت بها بداخلها قبل أن تجيبه مطبقة على شفتيها: - كويس وجميل، جميل جدًا.

رد جاسر وهو يلقي نظرة أخرى على الفستان وعليها: - حاسس انه هايطلع يجنن عليكِ، رغم اني معرفش مقاساتك بالظبط، بس انا نقيته بإحساسي.
احتدت عيناها قبل تلتف مغادرة من أمامه تعض على شفتها بغيظ منه، أطلق ضحكة مجلجة وهو يعيد الفستان لمكانه كي يلحق بها: - طب استني طيب، بلاش الظن السوء دا، انا بتكلم بنية صافية.

في المساء وقد حضر العدد المحدود من المدعوين من عائلتها، ترحب بهم عمته الوحيدة ومعها طارق صديقه ومدير أعماله كارم بالإضافة الى الخدم الموثوق بهم، حضر المأذون يتنظر بالبهو، وهي مازالت في غرفتها مع الميكب أرتست، ومعهم كاميليا التي جهزت نفسها معها بالداخل، أما غادة فاختارت أن تذهب الى أقرب بيوتي سنتر في المنطقة، مضحية بمبلغ هائل من مال أبيها كي تبهر الجميع بإطلالتها، وهذ ماحدث حينما اقتحمت المنزل بفستان عاري من الكتفين، وضعت عليه شال خفيف، يخفي ولا يخفي؟ لفتت انظار الجميع إليها وأولهم كان إمام، الذي شاكسها بنظراته المتفحصة لها كعادته، تجاهلته هي وارتكزت انظارها على جاسر الذي لم يلتفت أساسًا فقد كانت عيناها مرتكزة نحو الردهة المؤدية لغرفة عروسه، القى نحوها طارق نظرة جريئة كعادته أسعدتها قبل أن تنضم لوالدتها في جلستها مع الجميع في انتظار العروس التي خرجت اَخيرًا بفستانها العسلي بصحبة كاميليا التي ارتدت فستان من اللون النبيتي طويل حتى الكاحل، أظهر رشاقتها واناقتها الدائمة وشعرها المصفف بعناية، يتراقص مع خطواتها، بجوار زهرة التي فاجئت الجميع بجمالها، فستانها الذي انسدل عليها بنعومة أظهر لأول مرة جمال جسدها الملفوف، وجهها الذي لم تطئه فرشاة التجميل سابقًا، كان اليوم يصرخ بجمالها، أمام الجميع الذين فغروا أفواههم بذهول نحوها، كاد قلبه هو أن يتوقف، ظل متسمرًا محله وعيناه تلتهم تفاصيلها حتى أجفله طارق بنكزة بمرفقه، يهمس اليه: - فوق يابني مش كدة فضحتنا، روح هات عروستك مش كفاية ابوها الراجل المبلم ده.

اومأ برأسه بعدم تركيز، فتحرك بخطواته السريعة نحوها، حتى إذا اقترب، القى التحية لكاميليا التي بادلته بابتسامة ثم همس بجوار أذنها بصوتٍ متحشرج من فرط مايشعر به: - قمر يازهرة، مهما أوصف مش هاقدر اوفي جمالك حقه.
أومأت بخجل وعيناها الجميلة التي رسمت بحرفية تخفضها عن عيناه المتصيدة، تنفس بعمق وهو يتناول كفها التي اندهش من برودتها قائلًا وهو يسحبها معه: - إيه يابنتِ؟ إيديكِ ساقعة أوي كدة ليه؟

لم ترد واستسلمت للسير معه رغم العواصف الدائرة برأسها دون توقف، حتى أجلسها بجوار جدتها التي قبلتها بحنان على رأسها بفرحة حتى كادت توشك على البكاء، كاميليا والتي وقفت تراقب من محلها وهاتفها بيدها، تفاجأت بطارق الذي أتي إليها يلقي التحية: - مساء الخير، اللي يشوفك يقول عليكِ انتِ كمان عروسة.
ردت بابتسامة رائعة: - مرسي، وانت كمان اللي يشوفك يقول عليك عريس.

رد بمغزى: - يااارب، يسمع منك قريب، وتحن اللي قلبي هايموت عليها.
رفعت انظارها اليه بتساؤل قبل أن تلتفت الى الهاتف الذي صدح بيدها، فاستئذنت منه قائلة: - طب معلش عن إذنك ياطارق، عشان عندي حاجة مهمة.
- حاجة ايه؟

تفوه بها باستغراب وهي تغادر من أمامه نحو باب الخروج، هم ان يلحقها ولكنه تذكر المأذون وشهادته على عقد زواج صديقه، فعاد للجلوس أمام كارم الذي كان ينظر إليه بملامح مغلفة، بعد أن تابع حديثه مع كاميليا.
وعند جاسر الذي كان يستعد لعقد قرانه تفاجأ بزهرة وهي تشير اليه بتردد، نهض من مقعده ليجلس بجوارها سائلًا: - نعم ياقلبي، عايزة إيه؟
قالت مستجمعة شجاعتها: - كنت عايزة اطلب منك قبل مانتجوز ياجاسر.

رد بابتسامة مشجعة: - قصدك شروط يعني، قولي ياحبيبتي.
اراحها أسلوبها فقالت: - اوعى تحرمني من زيارة ستي أبدًا ولا في أي وقت ياجاسر.
- عيوني.
اردف بها مشيرًا بسبابته نحوهم، فتابعت هي: - والشغل، أرجوك يعني مهما حصل مابينا، ماتبعدنيش عنه، انا مصدقت لقيت نفسي فيه.
نظر اليها بحنان صادق قائلًا: - مش هاحرمك من الشغل يازهرة.

أكملت بعفويتها: - وعلى العموم يعني انا ممكن اشتغل مع الأستاذ مرتضى لو حصل أي حاحة مابينا و...
- مافيش شغل مع حد تاني غيري يازهرة.
اردف بها مقاطعًا قبل أن يعود لمجلسه وقد انقلب وجهه في أقل من ثانية.
عم الهدوء المكان ورجل الدين يبدأ في أول مراسم العقد، قبل أن ينتبه الجميع فجأة على صيحة رجولية خشنة من المدخل: - استنى ياعم، مافيش كتب كتاب من غيري.

ارتفعت انظار الجميع نحوه ثم انتبهوا على صرخة من زهرة التي تناست كل شئ ونهضت مهرولة الى الرجل، غير عابئة بشكلها كعروس مرددة: - خالي.
تلقفها هو من وسط المسافة يحتضنها بشوق رافعًا أقدامها على الأرض بمسافة مرددًا بمرح مع ضحكاته المجلجلة بقلب البهو الفسيح: - كبرتي يابنت فهمية وبقيتي عروسة.

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-