رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن عشر 18 بقلم أمل نصر


 

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن عشر 18 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الثامن عشر

بإحدى الدول الأوربية وبداخل جناحه الذي يتعالج به في المشفى العريق، كان متكتفًا بذراعيه يحدق بابنه الذي شاركه الجلسة على الأريكة الجلدية التي أخذت معظم مساحة الحائط في إحدى جوانب الجناح.
- نعم ياحبيبي، سمعني تاني كدة عشان انا بايني ماسمعتش كويس.
تبسم جاسر يخفض أبصاره قبل أن يرفعهم الى ابيه قائلًا: - لا انت سمعتني كويس قوي ياعامر باشا فبلاش تعملهم عليا.

رد عامر بانفعال: - أعملهم ايه يا ودا انت؟ هو انت مش واخد بالك من اللي انت بتقوله؟ انت جاي تقولي بالفم المليان انك هاتتجوز، طب امتى؟ وفين؟ ومراتك اللي على زمتك دي ياباشا، ولا انت ناسيها؟
- لا طبعًا مش ناسيها، بس هي ليها عندي إيه؟ ما احنا جوازنا مع وقف التنفيذ بقالوا سنتين، إيه فرفت بقى لما اتجوز، دا حتى الشرع محلل أربعة.

قال جاسر ببساطة قابلها عامر بتهكم يرد: - جاسر! بلاش ياحبيبي تلف وتدور عليا، انت عارف كويس قوي ان الموضوع مش سهل، لا ميرهان هاتقبل ولا والدها ولا حتى أُمك انت نفسها هاتقبل، ولا انت تايه عنها؟
رد جاسر: - لا طبعًا مش تايه عنها عشان كدة مش ناوي اقولها دلوقتِ خالص، ومتكل عليك انت كمان ياباشا برضوا ماتقولهاش ولا اكنك سمعت مني خالص.
- ياسلاام.

اردف بها عامر يضرب كفيه ببعضهم وهو يشيح بوجهه عنه قبل أن يعود إليه متابعًا: - طب خليني معاك للاَخر ونمشي الجوازة زي ما انت عايز، بعد كدة بقى إيه اللي هايحصل؟ هاتصالح مراتك وتعدل مابينهم بقى ولا إيه بالظبط؟

رد جاسر بقوة: - لا طبعًا مافيش صلح والكلام الفارغ ده، الطريق الوحيد اللي فاضل مابيني وبين مريهان، هو طريق المأذون اللي هايطلقنا، مهما مر الوقت وعدت السنين، برضوا مافيش رجوع، وهاطلقها يعني هاطلقها.

قال عامر بيأس: - ياجاسر يابني افتكر المصايب اللي هاتنزل على راس المجموعة لو حماك عرف أو شم خبر، النسبة اللي مشارك بيها معانا مش هينة دا غير باقي الشركا اللي أكيد هايختاروا صفه وينحازوا ليه عشان مصالحهم معاه، دا وزير وإيده طايلة في الحكومة.

قال جاسر بعدم أكتراث: - كل اللي انت بتقوله دا انا عارفه كويس وبرضوا مش فارق، انا خلاص قررت، يعني مهما حصل انا قابل النتايج مهما كانت صعوبتها، وعلى فكرة انا اقدر من بكرة افك الشراكة واعجل بالمحتوم، لكن انا بقى بحاول أشغل عقلي واَخد احتياطاتي.
رد عامر بعدم رضا: - احتياطاتك! بتتكلم كدة بكل ثقة، طب ناسي كمان نسبتها هي ولا المُأخر الفلكي اللي هاتدفعوا لو حصل الطلاق؟

ردد جاسر من تحت أسنانه: - اهو دا بقى اللي غايظني بجد؟ ولجمني عن طلاقها من أول مانزلت مصر بعد رحلة علاجي في ألمانيا، بس ماشي خلينا في سياسة النفس الطويل واما اشوف إيه أخرتها.
أومأ عامر برأسه متفهمًا لما مر به ابنه من أوقات صعبة جعلته ينقلب على زوجته التي لم تدعمه أو تقف بجواره وقتها، ثم سأله ملطفًا: - طب إيه بقى؟ مش ناوي تقولي على اسم عروستك دي ولا تعرفني هي مين؟

انفغر فاهاها بابتسامة رائعة انارت وجهه وهو يتناول الهاتف من جيب سترته ويردد: - انا مش هاقولك على اسمها وبس؟ لا دا انا هاخليك تشوف صورتها كمان.
دقق عامر في الصورة جيدًا بعد أن تناول الهاتف من جاسر، ثم قطب حاجبيه قليلًا قبل أن يلتفت اليه بأستدراك: - الله، مش دي تبقى السكرتيرة بتاعة مرتضى مدير الحسابات عندنا في الشركة، ودي عرفتها ازاي؟

رد جاسر بابتسامة شقية: - لا ماهي مابقتش سكرتيرة مرتضى وبقالها فترة سكرتيرتي انا.
- ياحلاوة، وكاميليا بقى ياحبيبي؟ سكرتيرة معاها في نفس المكتب ولا خرطتها لل وز.
اطلق جاسر ضحكة رجولية مجلجلة على مزحة أبيه قبل أن يجيبه: - لا اطمن ياباشا، موصلتش لل وز، انا بس رقتها وخليتها تمسك المصنع مع طارق، جامد ابنك مش كدة برضوا.

اومأ له عامر بابتسامة مستترة وهو ينظر للصورة مرة أخرى: - هي لدرجادي عجباك؟ بس دي مش Type بتاعك خالص ياجاسر.
رد على كلمات والده متفكهًا: - طب وانت اش اعرفك ب Type بتاعيى بس ياباشا؟ لكن إيه رأيك بقى في زوقي؟
القى نظرة اَخيرة الرجل قبل أن يعطيه الهاتف ويجيبه: - طبعًا جميلة رغم انها مختلفة عننا، لكن مدام عجباك بقى، ربنا يهنيك بيها ياسيدي.
- يارب ياوالدي يارب.

ردد بها خلفه جاسر من قلبه، قبل أن يردف والده بقلق: - ماتزعلش مني، بس انا كنت عايزك تأجل شوية لما تتحسن الظروف او حتى لبعد مااكمل انا رحلة علاجي، عشان لو دخلت الحرب اكون في ظهرك.
رد جاسر بثقة: - انا عارف ان الحرب جاية جاية، بس بقى المهم، ان لو حصل اللي انت خايف منه ؛ ساعتها زهرة هاتكون في حضني وتحت عيني، هو دا اللي يهمني وبس.

أجفل الرجل على اللهجة الجديدة لابنه فاعتدل بجلسته يتفحصه جيدًا وقبل ان ينبت فاهها بالسؤال، انتبه على صوت أقدام أتية نحوهم، أشار بكفه لجاسر لقفل الموضوع، وقد علم بمن الزائرة.
- جاسر حبيبي هو انت لحقت تخرج امتى؟ وتيجي على هنا كمان من غيري؟

قالت والدته بلوم وهي تخطي أمامهم برشاقة، شعرها الأصفر القصير أظهرها اصغر من عمرها، ترتدي بنطال أبيض من القماش وفوقه بلوزة باللون التركواز، زادتها بهاءًا ورقي، لتجلس بجوار زوجها، رد جاسر بابتسامة مراوغة: - اعمل ايه ياست الكل؟ ماانا كان معايا مشوار مهم وجيت على هنا بعد ما قاضتيه.

ابتسم والده بارتياح قبل ان يخاطب زوجته: - جرا أيه يا لمياء ماانتِ كل يوم بتيجي لوحدك، ولا هو عشان جاسر موجود في البلد، يبقى لازم رجلك تبقى على رجله.
برقت بعيناها الخضراء تردف له بغضب: - وانت مالك انت ياعامر، ابني وبدلع عليه، فيها حاجة دي؟
تبسم لها جاسر بإشراق يرد: - طبعًا حقك ياست ماما، ادلعي واعملي كل اللي انتِ عايزاه كمان.
- ياقلب ماما انت، خُد دي.

اردفت قبل ان تلوح له بقبلة في الهواء تلقفها جاسر بضحكة مجلجلة اثارت انتباه والدته، التي سهمت بها قليلًا قبل أن تتشجع قائلة: - وحشتني قوي ضحكتك دي اللي تجنن ياحبيبي، بس ايه الحكاية بقى؟ هو انتوا اتصالحتوا؟

قطب قليلًا قبل ان يفهم مقصدها ثم نفى لها برأسه مرددًا بلا، تابعت والدته بلهفة: - طب إيه رأيك، لو اتصلك بميري تيجي هنا تزور والدك وتاخدها انت فرصة عشان ترجع الميا لمجاربها وتعملوا شهر عسل من جديد، دا البلد هنا تجنن.
تبسم جاسر يتبادلا النظر بيأس مع والده، من إصرار والدته العجيب على عودته لميريهان، رغم كل ماتعلمه عنها.

رقية وهي جالسة بوسط الصالة على كنبتها المعروفة، تشاهد التلفاز باندماج في أحداث المسلسل، تفاجأت بمن تلف ذراعيها حول رقبتها لتُقبلها وتعانقها بقوة.
- أوعي يابت بطلي كدة هاتكتمي نفسي.
هتفت عليها متصنعة الغضب وهي تقاومها بذراعيها، زادت زهرة من التشديد عليها وهي تردد.
- وحشتيني يارورو ووحشني ضربك ده كمان.

لكزتها رقية بقوة على ذراعها قائلة: - يابت ابعدي بقى وبطلي تناحة، دا ايه يااخواتي قلة الكرامة وعدم الدم ده.
قهقهت زهرة قبل ان تقبلها مرة أخرى ترد: - مدام ضربتيني وهزقتيني يبقى قبلتِ الصلح، صح يا رورو؟
هدأت عن المقاومة رقية والتفت رأسها إليها بوجهٍ عابس قبل أن تجيبها: - خلاص يااختي قبلنا الزفت، اتبطي بقى وفكي درعاتك عن رقبتي.

قبلتها قبلة اَخيرة بصوت عالي اثارت تأفف رقية، قبل أن تلتف لتجلس بجوارها بفرحة، تأملتها قليلًا قبل أن تسألها: - هو الواد دة عاجبك صح يابت؟
أجابتها زهرة بسؤال: - بتسأليني ليه ياستي؟ هي مش كامليا خلتك تشوفي صورته في التليفون بتاعها.

- شوفته ياختي، طول وعرض وجمال، زي العيال اللي شغالين يمثلوا في المسلسل دا اللي في التليفزيون دلوقتِ، المهم بقى عاجبك إنتِ؟ ارتبكت في البداية قبل أن تجيبها: - طبعًا أكيد ياستي، امال انا رضيت بيه ليه يعني؟

صمتت مرة أخرى رقية تتفحصها بنظرات كاشفة قبل أن تقول: - المرة دي سماح عشان بس اقتنعت بكلام كاميليا امبارح لما قالتلي انك اتلبختي ومعرفتيش تتصرفي مابينهم، ودي حاجة انا صدقتها منها عشان عارفاكِ كويس وعارفة كسوفك
تبسمت زهرة بارتياح قبل أن تسألها رقية مغيرة مجرى الحديث مابينهم: - عملتي إيه امبارح لما النور قطع، مخرجتيش يعني تجري من الأؤضة تستخبي فيا زي كل مرة.

تبسمت بسعادة زهرة وهي تلمح النبرة المعاتبة في لهجة رقية، فمالت عليها تقول: - قلقتي عليا يارورو؟ حبيبة قلبي انتِ، على العموم ياستي انا ملحقتش اجري عشان النور وصل بسرعة دا غير اني كنت ساعتها قاعدة جمب الشباك المفتوج ووجاسر كان بيكلمني في الفون.

ردت رقية ساخرة: - اهاا ياحلاوة، على كدة بقى جاسر ياحلوة، كان بيكلمك الساعة 12 الليل دا انتِ اَخرك تنامي 9 او 10 لحق يعلمك السهر يابت؟ لا وكمان لسانك خد على اسمه كدة من غير بيه ولا باشا، زي ما كنتِ بتقولي دايمًا؟

ارتبكت زهرة وهي لا تعلم كيف ترد على رقية، بعد أن أزعجها هذا الجاسر ليلة أمس باتصاله في وقت نومها ثم إصراره على ذكر اسمه في مكالمة استمرت لأكثر من ساعة ونصف حتى كادت ان تنام منه لولا أنه أشفق عليها خاتمًا بجملة مستفزة: - كفاية عليكِ كدة النهاردة، على العموم الأيام اللي جاية كتير.

تنهدت بغيظ تملكها ومنه ومن مشاكساته الدائمة لها حتى أجفلت من شرودها على نكزة من رقية وهي تهتف: - بلمتي وروحتي فين انا بكلمك يابت؟
تعلثمت قليلًا قبل أن تجيبها: - ممروحتش في أي حتة ياستي، انا بس افتكرت خالي، اللي برن عليه من امبارح ومش راضي يرد.
- انتِ بتتكلمي جد يابت؟

سألتها رقية باستفسار، وردت زهرة: - والله زي مابقولك كدة ياستي، طب لو قولنا انه كان مشغول امبارح، مرنش ليه الصبح زي عادته معانا لما يشوف الرنة؟
لوت ثغرها رقية ترد: - يبقى أكيد عرف من حد من صحابه الكتير اللي في الحارة، خالد مايتقلكش كدة غير لما يكون زعلان.
- يانهار اسود معقول؟
اردفت بها زهرة بقلق قبل أن تتناول هاتفها باصرار على سماع صوته.

وإلى طارق الذي ترجل من سيارته وهو يرد على اتصال هاتفه: - الوو، ايوة بقى ياكبير، اخيرًا افتكرتنا ياعم.
وصله الصوت الأجس: - يعني انت اللي افتكرت بقى تتصل، اتنيل على عينك.
اطلق طارق ضحكة جهورية وهو يلج لداخل مصنعه قبل أن يرد: - إيه الالفاظ البيئة دي، هي طنط لميا مش قاعدة جمبك ولا ايه؟
ردد الاَخر: - لا ياخويا مش قاعدة جمبي.

صمتت قليلًا طارق يرهف السمع قبل أن يرد: - أمال إيه بقى صوت النسوان اللي جمبك دة، هو انت سافرت عشان تلعب بديلك ولا إيه ياكبير؟
قهقه جاسر ليرد مابين ضحكاته: - مافيش فايدة فيك، دايمًا كدة ضميرك مش تمام،
دي مش واحدة من اياهم، دي مديرة المحل، اصل بشتري منها شوية فساتين وحاجات كدة.
هلل طارق بصوته: - أوبااا، دا احنا اتطورنا قوي وبقينا نشتري هدوم ستات كمان، فين جاسر صاحبي اللي اعرفه ياناس؟

رد جاسر بحزم رغم ابتسامته: - بس يازفت هاتفضحنا، المهم انا كنت بتصل بيك عشان اسألك، خلصت صفقتك مع الجماعة الصينين؟
أجابه طارق: - خلصت ياكبير ومضينا العقود كمان، المهم بقى، هاترجع امتى انت من سفريتك؟
رد جاسر: - لا ما انا خلاص اطمنت على والدي، يعني بكرة أو بعده بالكتير ان شاء الله وارجع.
- يا خالي رد عليا، بلاش سكوتك ده والنبي.

هتفت زهرة نحو محدثها من الجانب الاَخر بعد عدة محاولات من الأتصال الملح، حتى استجاب اَخير لفتح المكالمته، وصلها صوت تمتمة: - عليه أفصل الصلاة والسلام.
ثم تنهد بثقل قبل أن يجيبها بلهجة جليدية
- ايوة يازهرة سامعك.
- لا انت مش سامعني ولا راضي تفهمني حتى، بقولك والله اتلبخت وعقلي اتشتت ساعتها، انا حتى مش فاكرة دا حصل ازاي؟

هتفت زهرة بلهجة باكية وانتظرت قليلًا حتى جاءها الرد: - كبرتي يازهرة واتخطبتي كمان؟ لا وخالك بقى يسمع بالخبر زيه زي أي حد غريب عنك، دا انا كأن سكينة اتغرزت في في صدري وشقت قلبي من جوا، بقى تتخطبي وابوكٍ هو اللي يقرا فاتحتك؟! طب وانا؟!

سمع صوت شهقاتها وأكمل غير مبالي: - هو انتِ بنت مين أساسًا؟ دوكها أبوكي عالورق، لكن انا ابوكي الحقيقي، لما اسمع اني بنتي اتخطبت واتقرت فاتحتها من ورايا عايزاني احس بإيه؟
ازداد صوت شهقاتها حتى اختطفت منها رقية الهاتف ترد عليه: - ماخلاص ياخالد بقى براحة شوية، يابني انت عارفها كويس، دا تلاقيها اتكسفت ماترد أساسًا.
جاء صوت خالد الحازم: - ارجوكي ياأمي، اقفلي دلوقتِ انا مش قادر اتكلم.

تفوه بجملته ثم أغلق الهاتف على الفور رغم هتاف رقية: - ياخالد، انت ياواد، ياواد رد عليا.
لم تحتمل زهرة فارتمت لداخل أحضان جدتها تطلق بكاءها الذي أصبح بنشيج عالي
- مساء الخير.
اردف بها طارق بعد أن دلف لغرفة كاميليا واستأذنها للدخول، رحبت به بابتسامة جميلة: - مساء الفل، إيه الأخبار؟
القى أمامها عدد من الملفات قبل أن يجلس مرددًا بزهو: - شوفي بنفسك وانتِ تعرفي.

شهقت كاميليا بمرح وهي تقرا ما بداخل المستندات مرددة: - دا انت خلتهم يوافقوا على شروطنا كمان.
مط شفتيه مرددًا بفخر: - دي أقل حاجة عندي، مواهب بقى.
ابتسمت بفرحة حتى ظهرت أسنانها البيضاء لتقول: - طبعًا ياعم حقك تقول أكتر من كدة كمان، دا جاسر باشا هايفرح قوي لما يعرف.
انطلقت ضحكة مجلجلة من طارق قبل أن يرد عليها: - لا ماهو سمع قبل ماتعرفي انتِ كمان، لكن مافرحش قوي زي مابتقولي كدة.

صمتت قاطبة بعدم فهم، فاستطرد هو: - أصل دماغه مش فاضية هو للشغل والصفقات والكلام الفارغ ده، عقبال عندك بقى هايتجوز.
اخفصت عيناها عنه بحرج فتابع هو: - ماتخافيش ياستي انا مش هافتن ولا ابلغ حد، ماانا عارف اللي فيها مش صاحبه بقى، يعني مُطلع على الموضوع من أوله، بس اقسم بالله ماكنت اتوقع.

ردت هي اَخيرًا: - وانا كمان مكنتش اتوقع برضوا، ولا كنت اتوقع كمان الحركة اللي عملها عشان يقنع زهرة، دا تقريبًا بمفاجأته دي اللي عملها كان قاصد يشل تفكير البنت.
بابتسامة متوسعة رد طارق: - قصدك يعني عشان فاجئها بوالدها، طب كنتِ عايزاه يعمل إيه طيب؟ ما البنت كمان راسها ناشفة ومترددة، وجاسر شاطر بيخلق فرصة من تحت الأرض ولا انت تابهة عنه؟
- لا طبعًا مش تابهة عنه، بس الكلام دا في الشغل مش الحياة نفسها.

قالت كاميليا وجاء رد من طارق: - طب والشغل ولا الحياة نفسها إيه؟ ماهو كله واحد، بس بصراحة بقى عاجبني عشان بيعرف يوصل للي هو عايزه، واللي انا شايفه بقى، هو عايز صاحبتك أوي، ياريت هي تحس بيه.
وكأن بكلماته كان يتحدث عن نفسه، جاء الرد الحاسم من كاميليا: - لو كان إحساسه صادق بالفعل هاتحس بيه، اما بقى لو كانت نزوة وخلاص، فالست قلبها دليلها أكيد.
أومأ برأسه وقد ألجمه منطقها، يستوعب بعقله كل حرف من كلماتها.

بعد عودته من الخارج وبداخل غرفته بالمنزل الذي استأجره سابقًا لوالديه حتى ينتهوا من رحلة علاج الوالد، كان يتفحص في أكياس المشتريات التي ملئت التخت أمامه، ليتأكد إن كان غفل شئ ما، الأحذية وملابس الخروج وأدوات التجميل والعطور، والملابس ال...

توقف بابتسامة عبثية حينما وقعت يداه على الاَخير، يتفحص ما بداخله بدقة ويخرج كل منامة منهم على حدة، ليرفعهم أمامه ويتخيل رد فعل زهرة حينما تتفاجأ بهم، شعر بتسلية غريبة عند تذكره لمشاكسته لها أمس حينما ضغط عليها بإلحاح لترديد أسمه بدون ألقاب رغم خجلها الذي كان ينعش قلبه من الداخل وهي ترواغ بسذاجة للتهرب ولكنه كان لها بالمرصاد حتى نطقت اسمه اَخيرًا، والذي كان وقعه على أذنه أجمل من أجمل اغنية سمعها بحياته، تدفق الحماس بداخله وهو يتناول الهاتف يتصل بها ليعيد الكرة، وجاء ردها بعد وقت، بصوت خفيض كالهمس: - الوو...

- الوو، ايوة يازهرة عاملة ايه ياقلبي؟
جاءه الرد منها بضعف فاقدًا للذة الأمس: - الحمد لله.
قطب يسألها بقلق: - مالك يازهرة؟ هو انتِ تعبانة؟
وصله صوت شهقة مكتومة قبل أن تجاوب بالكذب: - لا كويسة مافيش حاجة.
اثارت غضبه فهدر بصوته: - ماتبطلي بقى تنكري وانتِ عارفة انك مفقوسة ومابتعرفيش تكدبي أصلًا، ايه اللي مزعلك ولا تاعبك؟

علي صيحته انطلق صوت بكاءها بحرقة، تنفس بعمق يهدأ من غضبه، ثم حاول مهادنتها: - خلاص يازهرة اهدي وماتزعليش مني، بس معلش بقى خدي نفس طويل كدة عشان انا مش هاسيبك غير لما تتكلمي.
حاولت من جهتها تنظيم أنفاسها والتوقف عن البكاء قليلًا، جعلته يردف: - حلو قوي ده، ممكن بقى تقوليلي عن السبب اللي مخليكِ منهارة بالشكل ده.
صمتت قليلًا قبل أن تخرج إجابتها: - خالي زعلان مني.
- خالك زعلان منك ليه؟

سأل باستفسار، فانطلقت هي عائدة لوصلة بكاءها مرة أخرى، مما جعله يمسح بكفه على صفحة وجهه مرددًا: - تاني برضوا يازهرة، يابنتي فهمي وبعدها ارجعي للعياط من تاني
في اليوم التالي.

وفي مكان اَخر داخل أحد المخازن الضخمة بصحراء إحدى الدول العربية، كان واقفُا بقلمه ودفتره يدون البضائع الصادرة بالسيارات الضخمة، والواردة منها أيضًا، يمسح بمنديله الورقي العرق الذي أغرق جبهته وجميع وجهه حتى رقبته وأعلى قميصه الذي ارتداه منذ قليل فقط، ولكن بفضل الحرارة الحالية كالعادة لم يتحمل، تنهد بثقل وهو يردد لنفسه: - احنا بس اللي مكتوب علينا نتحمل!

أجفل فجأة على هتاف أحد العاملين بأسمه بصوت أجنبي عن أهل البلدة يردف بالعربية الركيكة: - ياخالد ياخالد، هناك من يسأل عنك.
- مين يا بني اللي عايزني؟ الكفيل ولا صاحب المصنع؟
سأله خالد باستفسار، ولكن الرجل اومأ بكفه يراقص رقبته بحركة حفظها خالد وهو يردد له: - الله أعلم ياأخي، احد الرجال أخبرني لأبلغك أن هناك من ينتظرك بصحبة المدير بداخل مكتبه؟
قطب قليلًا يتسائل بحيرة: - وكمان مع المدير! ربنا يستر.

زفر بضيق قبل أن يتحرك وهو يناول العامل الأجنبي الدفتر ليأمره بحزم: - طب خُد وسجل انت الصادر والوارد على ما ارجع انا مش ناقص عوق ووقف حال.
وانسحب على الفور يغمغم مع نفسه: - يعني اللي عاوزني ده، مكنش قادر ينتظر على ما تخلص الوردية؟ جيبها جمايل يارب.

وصل بحيرته إلى غرفة المدير الذي أمره بالدخول فور أن سمع بطرقته على الباب، دلف طارق لداخل الغرفة المكيفة، يلقى التحية على المدير والرجل الاَخر الجالس أمام المكتب: - مساء الخير.
ردد الاثنان التحية ثم وقف مديره يتقدم نحوه قائلًا بترحيب: - ادخل ياخالد وسلم على الضيف الذي أتى إليك مخصوص.
قطب خالد باستغراب وهو يصافح الشاب الثلاثيني ذو الهيئة المهندمة بارتداءه ملابس فاخرة تنضح بالرقي.
- أهلًا بيك يافندم.

شدد الاَخر بمصافحته مرددًا: - أهلًا بيك ياخالد.
تعجب خالد وقبل يسأل عن الهوية وجد مديره يستأذن للخروج: - طب انا هاسيببكم بقى تاخدوا راحتكم، منور ياباشا.
القى الرجل جملته الاَخيرة وهو يخطو مغادرًا، فارتفع حاجب خالد مرددًا الكلمة باستغراب.
- باشا!
انتقل بعيناه نحوه بتساؤل فوجده يبتسم لها.
- هو انت مين ياباشا كدة بالظبط، وعايزني في إيه؟
سأله خالد مباشرة، واجابه الاخر على الفور: - انا جاسر الريان.

ضيق خالد عيناه قليلًا بتفكير، قبل أن يستدرك مرددًا: - اااه.
اردف بها وهو يعتدل بجلسته واضعًا قدمًا فوق الأخرى، بلفته انتبه لها جاسر قبل أن يقول: - اهلًا وسهلًا بيك ياجاسر باشا، لكن ياترى بقى إيه سر الزيارة الكريمة؟

أجابه جاسر بهدوء: - انت عارف انا جاي ليه ياخالد، بدليل القعدة اللي قصدت تقعدها أول ما سمعت إسمي، انا جايلك عشان نصفي النفوس، انا لو قابلتك في البلد، أكيد يعني مكنتش هالجأ لابوها، ثم ان والدها هو الولي الشرعي على فكرة.

عاد لجلسته الأولى خالد يردد بغضب: - انا اللي ابوها مش محروس، انا اللي أول واحد شيلتها وكبرت في ودنها لما اتولدت، انا اللي ضميتها في حضني على عمر سبع سنين، لما اختي افتكرها ربنا في حادثة خلت زهرة تفقد النطق لمدة شهرين، شهرين وانا الف بيها عالدكاترة لحد مااستجابت ونطقت، انا اللي ربيت زهرة لحد اما بقيت كدة وردة مفتحة وعروسة يتمناها اي راجل، انت لو كلفت نفسك وسألت أي عيل صغير في الحارة، كان هايقولك مين كبيرها زهرة عشان تروحلوا وتطلبها منه، مش تبعت لابوها يجيلك الشركة عشان تطلبه منه.

اردف الأخيرة بصيحة غاضبة نحو جاسر الذي فضل التريث قليلًا في الرد حتى يمتص غضبه ثم قال: - ماشي ياسيدي انا بعتذرلك، بس عايزك بس تقدر ان انا وضعي حساس ومش عايز أبان في الصورة دلوقتِ لحد اما انظم أموري واحل مشاكلي، انا عارف انك ابن بلد وبتعمل حساب للضيف، اشحال بقى لما يكون ابن بلدك اللي جايلك بطيارة مخصوص عشان يراضيك.

تبسم خالد بسخرية يرد: - حلو الشغل ده، بتعرف تلعب على مشاعر الخلق صح، على العموم تمام وهانعديها، رغم ان الزيارة دي لو جات من البداية كانت الأمور اختلفت بكتير، المهم بقى واللي عايز اعرفه منك، اشمعنا زهرة؟
اجفله بالسؤال بعد وصلة من التقريع، اللتزم جاسر بضبط النفس حتى يجيبه: - هاجاوبك ياخالد رغم غرابة السؤال وهاقولك، القبول دا من عندك ربنا، وانا من أول ماشوفتها عجبتني.
- امممم.

تفوه بها خالد قبل أن يرد باستعلاء: - والله كون انها تعجبك فدا شئ عادي، انا بنت اختي تعجب الباشا، ياااا باشا، لكن بقى مش شايف حاضرتك ان الفرق ما بينك وبينها في العمر كبير، يعني مثلًا زهرة في يونيو الجاي هاتكمل 25 سنة، لكن حضرتك اللي يشوفك مايديلكش اقل من 40.

ابتسم جاسر يعض على شفتيه قبل أن يرد: - حركة حلوة منك ياعم خالد عشان تعرف سني، بس على فكرة بقى، انت لو سألتني مكنتش هاتردد واقولك، انا عمري 34 يعني الفرق يدوب تسع سنين واظن يعني ان دا مش فرق كبير، ولا انت إيه رأيك؟
ارتد للخلف مرددًا: - رأيي! يعني لو قولتلك مثلًا ان الجوازة مش داخلة دماغي، هتاخد برأيي وتبعد من نفسك؟

مازال يحاول ضبط النفس مع هذا المتعجرف، ويتحرى الطريق الاَمن معه، ولكن يبدوا وكأنه سيصبح عقبة قوية أمامه، حتى بعد زواجه بزهرة، صمت قليلًا بتفكير ثم رد بزوق: - أرجو انك توافق ياخالد، انا عايز زهرة وافتكر انها هي كمان عايزاني، وكدة ابقى عملت اللي عليا، وجيتلك مطرحك، ارجوك تبقى رؤوف بزهرة وتنزل قريب وتصالحها قبل جوازنا، انت أدرى الناس بيها، زهرة هشة جدًا ورقيقة، أكيد يعني مش هاتستحمل جفاك معاها.

ارتبك خالد وقد أصاب هذا الغريب في تحليل زهرة رغم قصر معرفتها بها، توقف جاسر ليلتفت اليه قبل ان يفتح باب الخروج: - ارجوك لو قررت الرجوع بلغني، وماتشلش هم تذاكر ولا أي شئ، يكفي بس تأشر.

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-