رواية الصندوق الفصل الثامن عشر18 بقلم الهام عبده

 

رواية الصندوق الفصل الثامن عشر بقلم الهام عبده

 

مر يومان و لم تأت ريم  لتعيد الصندوق أو حتي تتصل و يوسف حائر لكنه لن يصبر أكثر، بعد عودته من عمله مساءاً سيذهب إلي مرسمها ليأخذ الصندوق. 

فتحت له الباب بترحاب و عفوية  كعادتها و دعته ليري لوحة " الصندوق " و يعطي رأياً بخصوصها فدخل أما داخله فكان لا يود الانتظار دقيقة أخري دون التأكد من وجود الخاتم..

رأي اللوحة ف صمت تماماً، إنها حقاً فنانة فقد رسمته كأنك ستمد يدك لتلمسه و تحمله بين يديك، حتي النتؤات الصغيرة التي صنعتها الصدمات و الأتربة و الاحتكاكات، الأماكن الداكنة و الأقل لوناً كلها رُسمت ببراعة، ظهر علي عينيه الإعجاب فابتسمت ريم بفخر و قالت : مش بقولك معنديش حظ 

التفت يوسف و قال : بجد شئ فوق الوصف .. كده بقي معاكي صندوق تاني فعلاً 

ريم : أنا بحس إن فرشة الرسم دي بتدي روح لكل حاجه حتي الجماد 

يوسف : دي مش الفرشة .. دي ايد و روح الفنان بتنطبع تلقائي علي لوحاته زي بصمة الايد .. فريدة مش بتتكرر 

ريم : يااااااه .. كلام جميل و مؤثر .. انا كده هتغر 

يوسف : لا خالص .. ده أقل من اللي تستحقيه .. ف يوم يمكن أطلب منك ترسميلي بورتريه و طبعا ده هيبقي شغل و كله بتمنه ..

ضحكت ريم و قالت : بس كده .. عنينا ليك .. احنا لازم نجر رجل الزبون 

يوسف: هههههه بس يبقي ف اول الشهر عشان اكون لسه قابض

ريم : اشطا .. اتفقنا ..اتفضل بقي اقعد عشان اعمل ٢ شاي 

يوسف : لا ملوش لزوم .. انا هاخد الصندوق و امشي عشان تعبان و عاوز أنام 

ريم : لا يمكن .. انت عارفني ..  و لا مش عاوز تاخد الصندوق بتاعك ؟

يوسف : تمام .. 

جلس يوسف بينما ذهبت ريم لإعداد الشاي، كان الصندوق موضوعاً علي "طقطوقة " صغيرة أمام اللوحة، نظر له لعدة ثوانٍ و لم يطيق الانتظار فنظر لريم و رآها منشغلة ف الحجرة الصغيرة التي وضعت بها ادوات جعلتها كمطبخ صغير، وقف و بدون إحداث صوت يثير انتباهها، أخذ الصندوق و جعل وجهه لأسفل ثم ضغط ع الدرج الصغير لينفتح و عندما انفتح كانت المفاجأة ... الخاتم ليس هناك!!! 

بحث يوسف عدة مرات داخل الدرج الصغير، نظر بعينيه و تلمس كل مساحة الدرج بأنامله و لكنه لم يجده، احمر وجهه و عينيه و ظل يبحث في كل ارجاء المكان بغير وعي حتي خرجت ريم لتجده ع تلك الحالة، وضعت الشاي جانباً و سألته في محاولة للفهم : فيه ايه ؟ بتدور ع حاجه وقعت منك ؟!

نظر لها بغضب كسارقة تراوغ: نعم!!! انتي عارفة كويس ايه اللي ضاع ... بلاش استعباط .. طلعيه لاني مش همشي من غيرو ... 

ريم : هو ايه ؟ انت بتكلمني كده ازاي ؟! اتفضل بره 

يوسف : برااا ازاي يعني ؟ طلعيه بقولك و الا هبلغ الشرطة و يجوا ياخدوكي يا حرامية 

ريم بذهول : مين دي اللي حرامية يا قليل الأدب .. أنا غلطانة عشان بتعامل مع اي حد و بدخل اي حد عندي .. اطلع برا يا اما أنا اللي هطلب الشرطة 

يوسف : بقولك ايه متجننيش.. طلعي الخاتم بقولك !!!

ريم : روح شوف الخاتم بتاعك ده وقع منك فين و اتفضل برا لو سمحت .. قبل م تتهم الناس هات خاتم ع مقاسك بدل م يقع منك 

يوسف : انتي مستمرة ف الاستهبال برضو .. بصي انا عارف انك مش بتقبضي من الرسم ده كويس و محتاجه فلوس .. طلعي الخاتم و هراضيكي 

ريم في ذهول مستمر : تراضيني!!! هي وصلت لكده يا شحات !!! ياللي شقتك ميرضاش يعيش فيها غير غراب... برا بقولك و عاوز تجيب الشرطة هاتها .. انا مبخافش 

فكر يوسف انه لن يصدقه احد أن قال انه كان هناك خاتم داخل الصندوق و أيضا ليس هناك دليل علي انه موجود أو علي انها سرقته، ان أبلغ الشرطة سيصنع شوشرة دون داع

قال في غضب : خلي بالك أنا همشي بس مش هسيب حقي .. ماشي؟ 

ردت ريم في غضب : يلا من هنا بسرعة .. دقيقة و ملقكش قدامي .. برااااا 

خرج يوسف مستشيط غضباً و صرع الباب من خلفه فوقعت لوحة معلقة عليه من الخلف، ذهبت ريم لترفعها ثم قالت بضيق 

ريم : خاتم ايه ده ؟!! .. بس احسن .. يارب م تلاقيه يا قليل الأدب !!!

_____________________________

فتح يوسف باب الشقة ووجد علاء جالس يأكل وجبته في نهم و شهية، جلس بضيق و حزن و قال : شوفت يا علاء اللي حصل 

نظر له علاء بتوقع : ايه ؟؟ قلبتك في الخاتم ؟!

يوسف بصوت ضعيف : آه ... 

ترك علاء قطعة الدجاج من يده و قال : عارف المثل بتاع دبور و زن ع خراب عشه 

قال يوسف : بقولك ايه أنا مش ناقص تقطيم.. كفاية ان الخاتم خلاص راح .. انا بجد مش متخيل ان بنت فنانة و بترسم لوحات المفروض تبقي أخلاقها راقية لكن طلعت حرامية.. لا و كمان طردتني و مصدقة نفسها .. ممثلة ممتازة 

علاء : يا بني البنات و الستات يموتوا في الدهب و المجوهرات تلاقيها مقدرتش تقاوم 

يوسف: طب و الحل ؟ 

علاء : بص انا ممكن اعملك محاولة معاها .. اخوفها شوية.. اصحي ضميرها اللي مات شويه يمكن ترجعه 

يوسف : طب و هتقولها انت مين ؟ 

علاء: ملكش انت دعوة سيب الموضوع عليا بس اديني العنوان 

يوسف بتفاجؤ : هتروح دلوقتي !!!

وقف علاء و استعد ثم قال  : علي طول .. اطرق ع الحديد و هو سخن 

يوسف بتأمل : ياريت 

_____________________________

ذهب علاء و دق الجرس ففتحت ريم و نظرت له منتظرة ان يعرف نفسه 

علاء : مساء الخير 

ريم : مساء الخير .. اي خدمة 

علاء : مش حضرتك أ / ريم الرسامة 

ريم : تمام 

علاء : كنت عاوز حضرتك في موضوع خاص 

ريم : موضوع خاص!! دلوقتي .. عن ايه ؟ 

علاء : مش هينفع ع الواقف كده .. معلش 

ريم : ماشي بس ياريت بسرعة .. معاد المرسم لحد ٩ و دلوقتي الا عشرة و انا مبحبش اتأخر 

علاء : تمام 

تنحت ريم من أمام الباب و قالت  : اتفضل 

ثم تركت الباب مفتوحاً 

جلس علاء علي اول كرسي قابله 

ريم : اتفضل .. ايه هو الموضوع ؟ 

علاء ب ريبة و قلق : بس من غير انفعال .. ياريت 

ريم : انت كده قلقتني .. قول لو سمحت 

علاء : حضرتك .. انا صاحب يوسف اللي...

قاطعته ريم : اممممم بتاع الخاتم ؟ جاي ليه بقي ؟ اسمع لو قولتلي الخاتم و اخذتيه انا مش هسيبك تمشي زي صاحبك.. هخليك تندم ع اي كلمة تقولها .. ايه ده !!!

علاء : لا حضرتك مش قصدي حاجه وحشة خالص .. انا بس بقول يمكن الخاتم وقع هنا و لا هنا أو يكون حد دخل عند حضرتك اخده .. مثلا؟ 

ريم بانفعال : أولا : المرسم قدامك اهو تقدر تدور براحتك ده لو كان وقع هنا اصلا 

ثانيا : محدش خلال اليومين اللي فاتوا دخل هنا ف الاحتمال التاني ده مرفوض 

علاء : طيب ممكن اقول حاجه 

أطلقت ريم زفيراً طويلا ينم عن غضب : هاااا

علاء : اصل الخاتم مش هينط لوحده كده من الصندوق لازم يكون حد طلعه .. و لا ايه ؟

ريم بتعجب  : ثانية بس .. هو كان حاطط الخاتم ف الصندوق .. طب ليه ؟ 

علاء و قد أيقن أنه قد بدأ يخطأ، تراجع و قال : أأأأأ .. ما علينا من ليه و ازاي.. المهم ازاي الخاتم طلع من الصندوق ؟! خدي بالك ده خاتم عتيق و عزيز ع يوسف اوووي ياريت تساعدينا نلاقيه 

ريم : يا سيدي احلفلك ب ايه لا شوفت الخاتم ده و لا اي خاتم من أصله ف الصندوق .. الصندوق كان فاضي.. عاوز تدور اتفضل اهو المكان كله قدامك 

علاء في محاولة جديدة لاحراجها لتكشف عن الخاتم : طيب م لو فرضنا برضو انه طلع من الصندوق ف ممكن ميبقاش هنا 

ريم : قصدك ايه ؟ اني اخدته و خبيته

وقفت و انفعلت بشكل كبير : أنا مش عارفة ازاي تيجو لحد عندي و تتهموني بالشكل ده 

بدأت في البكاء و أكملت 

ريم : أنا لا شوفت خاتم و لا اخدت حاجه .. انا عمري م خدت حاجه مش بتاعتي و لا أقبل كده ع نفسي .. تعرفوني منين عشان تتهموني .. كل ده عشان طلبت ارسم الصندوق .. طب كان يقول لا طالما حاطط فيه الخاتم الغالي عليه ده او كان أخده .. يارتني لا شوفت صاحبك ده و لا طلبت منه حاجه 

انهارت في العصبية و البكاء فشعر علاء انه ضغط عليها بشكل زائد و قال : أنا آسف ... اهدي حضرتك ... أنا آسف .. خلاص اعتبري اني مقولتش حاجه .. خلاص انسي 

مسحت ريم دموعها ثم نظرت له بحدة : اتفضل امشي و ياريت محدش يجيلي تاني ... براااا

تعجب علاء من تغير حالتها فجأة و خرج دون كلمة واحدة 

_________________________________

عندما علم يوسف بما حدث مع علاء في مقابلة ريم أصبح عقله مشوشاً و قال : طب هي لو بريئة و مخدتهوش ... الخاتم راح فين ؟! انا هتجنن 

علاء: م هو محدش شاف الصندوق و لا يعرف عنه حاجه غير انا و انت و ريم دي 

يوسف : لا .. استني .. هبة شافته و هي اللي عرفت سر الدرج الخفي 

علاء: طب و هبة هتعرف تطول الخاتم ازاي ؟ 

يوسف : ده حتي لما جت قبل م ريم تاخد الصندوق مشيتها من ع الباب .. مدخلتش حتي !!

علاء فكر  قليلاً ثم قال: لا ... في حاجه 

يوسف : ايه ؟ 

علاء : في الليلة اللي قبل اليوم اللي ريم جت و اخدت فيه الصندوق، هبة جات و كانت عاوزة شويه سكر .. انا دخلت و جبتلها و ساعتها كنت مطلع الخاتم من الصندوق و حاطه ع الطرابيزة هنا بصوره، بعد م مشيت أنا نزلت و مخدتش بالي الخاتم كان موجود و لا لا  

يوسف بصدمة : انت بتتكلم جد؟! يعني الخاتم مكنش جوه الصندوق اصلا ؟؟

علاء: ده احتمال 

يوسف : لا .. م هو لو انت طلعته و مدخلتوش و انا كمان مشوفتوش و لا رجعته مكانه يبقي فعلا الخاتم اختفي من هنا مش من الصندوق 

علاء : طب م يمكن هبة مخدتهوش و ريم اللي شافته و خدته ؟! 

يوسف : كده الشك بقي ف اتنين بدل واحدة ريم و هبة!!

علاء: أنا حاسس ان ريم بريئة؛ دي عيطت و عملت مناحة بعدين شكلها كيوت كده 

يوسف : ياريت تكون مش هي عشان انا كمان كنت حاسس انها بنت كويسة 

علاء : طيب و العمل ؟! 

يوسف : لو هبة اللي اخدته .. تفتكر ممكن تكون باعته؟ 

علاء : لا .. معتقدتش.  أصل هتبيعه ليه و هي مش محتاجه بعدين ده قطعة نادرة كفاية تحتفظ بيه و تلبسه ف المناسبات

يوسف : طب عاوزين نفكر هنجيبه ازاي لو معاها ؟

علاء: الحل بسيط و مش محتاج تفكير .. هنزاولها

يوسف : هن ..... ايه ؟

علاء : يعني تمويه و خداع استراتيجي لتنفيذ خطة خلف خطوط العدو 

يوسف : يا حضرة العميد اخلص ..

علاء: ههههههه بص .. فيه دورين 

الاول : واحد فينا  هيتصل بيها و يجيبها لحد هنا بأي حجه و التاني هيبقي واقف ع السلم اول م تخرج ف طبعا هترد الباب بس مش هتقفله ف هنفتحه ببنسة و بعدين يدخل التاني يدور فالأول  بقي يشغلها و يستني رسالة من التاني انه خلص عشان يخلص معاها .. هتختار انهي دور؟

يوسف ب حيرة : اممممم لو اخترت الاولاني مش عارف هستحملها ازاي لحد م تخلص و لو اخترت التاني لا هعرف افتح الباب و لا هقدر ادخل شقة مش بتاعتي و ادور و افتش فيها 

علاء: لا .. خلص يا عم هاني شاكر ... اختار اي واحد و بعدين لازم تجاهد عشان الخاتم 

يوسف : خلاص هختار الاول بس حاول تخلص بسرعة 

علاء: قول بس يارب نلاقيه هناك لأن لو ملقينهوش يبقي تنساه .. ريم دي لو شافت حد مننا هتعمل مصيبة 

يوسف: يارب نلاقيه 

_____________________________

طلب يوسف من هبة أن تأت لتعطيه ابرة فيتامينات فهي تعمل ممرضة بأحد المستشفيات، رحبت جدا و جاءت ع الفور بينما كان علاء ينفذ الدور الثاني خارج الشقة، نجح في فتح القفل و دخل و بدأ رحلة البحث اما يوسف فحاول كسب الوقت مع هبة و قال

يوسف : استني الاول هعمل كوبايتين شاي لزوم الضيافة و بعدين تديني الحقنة 

هبة : ضيافة ايه ؟ هو انا ضيفة .. خليك مكانك هعملهم أنا 

ذهبت هبة للمطبخ بينما أمسك يوسف بالامبول الذي أعطاه له علاء من عينات شركات الأدوية التي يقوم بتوزيعها، بعث رسالة لصديقه ليطمئن فجاءه الرد " لسه .. خليك معاها و عطلها" 

عادت هبة و معها الشاي و جلست قريبة جداً من يوسف و قالت : دي حقنة ايه بقي ؟ سلامتك 

يوسف : لا ده فيتامينات .. اصل حاسس اني مجهد 

هبة : اممم .. امبول واحد .. ده عشان يعمل فرق لازم تاخد كورس كامل .. انا هجيلك كل يوم متقلقش

يوسف : ربنا يسهل .. اشربي الشاي الاول 

ارتشفا من الشاي و هنا فتح علاء باب الشقة و دخل قائلاً : ايه ده .. مدام هبة عندنا بنفسها؟! ايه النور ده 

هبة : ده نورك يا دكتور علاء .. كنت هدي الحقنة للأستاذ يوسف 

علاء و هو يخرج من جيبه الخاتم : آه .. بجد وشك حلو علينا .. لقيت الخاتم بتاع خالة يوسف .. كان ضايع بقالو يومين .. تخيلي !!

تفاجئت هبة و ابتلعت ريقها من هول المفاجأة و الحرج :  امممم .. طب ألف مبروووك .. أنا همشي بقي عشان فيه اكل عن النار 

علاء بضحك و تهكم : لا مفيش .. خليكي 

وقفت و قالت بإحراج : لا .. انت همشي ..

يوسف : طب و الحقنة؟ 

اندفعت هبة نحو الباب دون أن تعلق فهي كانت تشعر و كأنما وقفت عارية أمام جمهور فالخطأ يعرينا بدلا من الستر و يفضح عيوبنا التي نخفيها عن الجميع .. 

_______________________________

كم كانت سعادة يوسف بعودة الخاتم اليه من جديد بعد أن فقد الأمل تماما، امسكه و ضاع في تفاصيله الجميلة فأعاده علاء للواقع و قال : الخاتم ده لازم يتشال ف مكان أمان مينفعش يفضل هنا تاني خلاص 

يوسف : هشيله في دولابي ف الشغل.. عليه مفتاح معايا أنا بس 

علاء : عشان حد يلمحه و يكسر القفل ابو ٢٠ ج و ياخده 

يوسف : خلاص هحطه ف خزنة ف البريد 

علاء: حلوة دي .. بكره بقي ع طول 

يوسف بحزن : طيب و ريم ؟! دا احنا بهدلناها معانا 

يوسف : لازم نروح نعتذرلها بكره 

علاء: و انا هجيب لها بوكيه ورد .. البنات بتحب الورد و دي رسامة 

يوسف : تمام .. متتخيلش ارتحت ازاي بعد م الخاتم رجعلي 

علاء: ادعي للعبد لله 

يوسف : ربنا ياخدك ياخي .. مش انت اللي طلعته و نسيته .. كله منك 

ضحك الاثنان بقهقهات مرتفعة ثم قال علاء: الله يسامحك يا عم .. هقوم اعمل شاي بدل اللي عملاه هبة و برد ده و نكمل شوية ف القصة .. انا متشوق اعرف هيحصل ايه 

يوسف : و انا كمان 

_____________________________

عاد سالم لبيته أخيراً بعد عناء و انتظار، بمجرد وصوله كانت السيدة بثينة قد أمرت كل العاملين بإعداد كل ما يلزم، المشروبات الباردة كالعرقسوس و التمر الهندي و تم فتح القاعات جميعها لاستقبال المهنئين و قُدمت الحلوي بأشكالها، ارتدت السيدة بثينة ثياباً بيضاء في ذلك اليوم معبرةً عن سيرة ابنها البيضاء النقية بعد ظهور براءته، كانت عينان سالم تبحثان عن كاريمان التي كانت تحتفل هي الأخري بانتهاء تلك الأزمة، استرق النظرات بين الفينة و الأخري و كلما اقتربت من ملاحظته كان يبعد نظره بعيداً أو يتظاهر بالانشغال و الكلام حتي لا ينفضح أمره..

كشفت الأزمة التي مر بها عن كاريمان أخري ليست كالتي يعرفها، فبالإضافة لقوتها و ثقتها الكبيرة بنفسها وجد نبلاً عندما رفعت عنه الظلم و بذلت أقصي ما يمكن لكشف تلك المؤامرة، و لطفاً و رقة عندما سلمت بينيت في لحظات دون أن تفكر لئلا تتأذي بسمة لأنها تعرف أنها ضعيفة و لن تحتمل، رأي أيضاً  ذكاءً كبيراً جعلها تبحث وراء كل تفصيلة و من ثم وصلت للحل، كاريمان هذه محيرة .. تجعلك تقع أسيراً في منطقتها الرمادية، لا تعرف هل تحبها لما بها من ذكاء و قوة و نبل أم تبغضها لغرورها و كبرياءها اللذين يهزمانها دوماً، تشعر و كأن ثلثيها في الجانب الأبيض و الثلث الأخير غلبه السواد، اختلطا فأخرجا لوناً خاصاً بطعماً مميزاً، غاص سالم في أفكاره تلك مع انه كان في وسط كثيرين، لاحظت والدته تيهانه و نظراته المتلاحقة لكاريمان فتيقنت من أنه ضائع لا يعرف وجهته ..

عندما انصرف المدعوين و لم يبقي سوي ساكني البيت، ناداها سالم قائلاً : يا أميرة ... هل نتحدث قليلا في الحديقة بالخارج ؟ 

ابتسمت كاريمان و قالت : بالطبع ... 

خرجا للحديقة فبدأ سالم الحديث

سالم : عدت حراً كما وعدتني، فعلتِ الكثير من أجلي و لا أري شيئاً كافياً أشكرك به 

كاريمان : ليس هناك داعٍ للشكر فهذا واجبي .. أشعر أن وجودي في بيتك و معرفتي بك كل هذا الوقت كانا يحتمان عليً فعل هذا 

سالم : أنتِ بالفعل نبيلة يا أميرة .. برغم خلافاتنا القديمة و مناوشاتنا لكنك فعلت اكثر مما يمكن 

كاريمان : لا تقل هذا ... دعنا من اليوم نصبح أصدقاء و ننسي كل ما مضي و نبدأ عهداً جديداً 

ابتسم سالم و لكن لم تروقه كثيرا كلمة أصدقاء و بينما هو ينظر لها بتأمل جاء احد الخدم ليعطيه رسالة ففتحها و قرأها سريعاً ثم قال لها : 

سالم : اللورد دوفرين اعد حفلة عشاء في " كازينو الزهرة " غداً و هناك دعوة مفتوحة لكل من أرغب بدعوتهم فالحفل ع شرفي 

كاريمان بسعادة : جيد جداً .. من المؤكد سيتمم اتفاقه معك .. سيكون جميلاً أن تتعرف عليه عن قرب فهو رجل سياسي من الدرجة الأولي و يعرف جيداً كيف تكون القيادة 

تأوه سالم و قال : كل ما فعله لن ينسيني انه من سلطة الاحتلال و المحتل لا يحَب مطلقاً، تعاملنا معهم هو مجرد طريقة لتقليل الضرر ليس أكثر 

أومأت كاريمان رأسها بالموافقة فقال سالم : أنتِ ستكونين موجودة بالطبع .. لا تحتاجين دعوة .. أريد دعمك بالتأكيد 

قبل أن ترد كاريمان خرجت بسمة من الباب و ذهبت بالقرب منهما و لم يعجبها كثيراً الود الذي ظهر بينهما منذ بداية تلك الأزمة لكنها كالعادة ضعيفة في رد الفعل، مترددة في اتخاذ القرارات، انسحبت كاريمان لمنزل الضيوف فأشار سالم لبسمة بالقدوم إليه ليتحدث معها فذهبت ع الفور بسعادة .. 

_____________________________

نظر لها سالم بابتسامة كالتي ننظر بها لطفل و قال : كيف حالك يا بسمتي ؟!

تعجبت بسمة من ربط اسمها ب ياء المتكلم  و قالت في خجل : بخير يا سيد سالم 

قال لها بلطف: علمت عن قصة خطفك من قبل دارسي و حزنت كثيراً من أجلك.. الحمدلله علي سلامتك 

بسمة : كان شعوراً صعباً و لكنهم وجدوني في وقت قصير .. الحمدلله عدت سالمة و الحمدلله لعودتك سالماً 

سالم : هل بكيت كثيراً من أجلي 

بسمة : نعم .... 

سالم : ألم أقل لك و أنا سجين أنني سأعلمك شيئاً جديداً 

بسمة بفضول: نعم ... ما هو ؟!

أمسك سالم بيديها فتفاجئت و توترت فقال : ستتعلمين حل المشكلات بمفردك .. أتظنين أنني لا أعلم أن لعبة القهوة آنذاك كانت بتخطيط أمي 

نظرت بسمة له كقطة خائفة و افلتت يديها منه و نظرت لأسفل 

اكمل سالم كلامه قائلاً : لا انكر نجاحك في التنفيذ و لكنك لم تخططين أو تجدين حلاً بنفسك .. لذا سأعطيك مهمة تحلينها و إن علمت أن احداً ساعدك سأعتبرها لاغية و سأعطيك مهمة أصعب !!

نظرت بسمة بخوف و قالت : ماذا سأفعل ؟؟

قال سالم : أبلغني أحد الخدم أن خروفاً صغيراً مرقط اللون بين الأبيض و البني قد ضاع في الأرض التي حول القصر ، عمره ثلاثة أشهر، عليك البحث عنه و ايجاده .. إن وجدتيه ف لكِ هدية ستعجبك و إن لم تنجحي فأمامك مهمة أصعب ... هل فهمتِ؟

قالت بسمة في أسى : فهمت 

قال سالم : دون دموع .. دون طلب مساعدة .. دون اعتذار 

اومأت بالموافقة و ذهبت ع الفور بينما ابتسم سالم من خلفها فهي جميلة في عينيه بشدة و لكن بشكل يختلف تماماً عن إعجابه بكاريمان فكلا منهما كزهرتين واحدة كالنرجس في كبرياءها و تحفظها و دفاعها عن نفسها و الأخري كالياسمين الذي يريح النفس و القلب و يحمل رائحة طيبة لا مثيل لها... 

_____________________________

ذهبت بسمة للبحث عن ذاك الخروف المرقط، الأرض شاسعة و لا تعلم من أين ستبدأ لكن داخلها اصرار علي النجاح لكي ترضي السيد سالم، نظرت يمني و يسري فقررت أن تمشي حتي تكل قدماها ربما تعثر عليه تائهاً أو عالقاً ... 

جاء الليل فاضطرت للعودة لكنها خالية الوفاض، طرقت باب جناح سالم فقابلها بابتسامة لطيفة كالعادة و قال : أري أنكِ لم تنجحي بعد بالمهمة 

قالت بسمة: هل تمهلني نهاراً آخر غداً 

سالم : نعم و لكنه نهار آخر و أخير ... أريدك غدا في المساء ان تتجهزين لدعوة عشاء كبيرة .. ستذهبين معي 

قالت بسمة : و هل ستأت كاريمان هانم معنا ؟!

سالم : نعم .. وجودها مهم في ذلك المساء فهي من أحضرت اللورد دوفرين لهنا 

قالت بسمة : هل سيأتي السيد إيفان؟ 

قال سالم بابتسامة : نعم .. لكن قصتهما انتهت فلا تحاولي نبش الماضي .. حاولي فقط النبش عن خروفنا الغائب 

ابتسمت بسمة و قالت : سأجده بإذن الله و سأحصل على الهدية ..

_____________________________

علي العشاء أشار سالم بدعوة كاريمان لتتناول وجبتها معهم و بالرغم مما فعلته لسالم، مازالت السيدة بثينة تراها متكبرة و لا يروقها حنين سالم هذا و أيضاً لم تروقها بسمة فابنها في الحالتين لم يجد من تناسبه!!

جاء مؤتمن الذي يتولي مهمة رئيس العاملين باسطبلات الخيول و قال : سيدي .. عاصفة تلد الآن و تبدو متعثرة جداً 

قام سالم علي الفور و ذهب إلي عندها، طبيب الخيول أتي و ظل يراقبها و يحاول تدليك بطنها و مساعدتها بينما ظل سالم قلقاً يراقب ما يحدث في صمت، بعد قليل خرجت مهرة صغيرة بلون والدتها تماما و ظن الجميع أن الأمر انتهي و لكن في حادثة نادرة الوجود جداً خرجت مهرة أخري ضعيفة قليلاً بذات اللون، تعجب الجميع لأن الخيول لا تلد توأم الا نادراً جداً لأن رحمها ليس كبيراً و لا يتسع لذلك كما أن الأجنة تهاجر داخل الرحم مما يزيد فرص اجهاضها جداً .. 

تأمل سالم المهرتين الصغيرتين بديعتي الجمال، خرجا من كيسيهما و نظفتهما الأم و بدأتا التعرف علي ما حولهما ثم  ووقفتا علي ارجلهما، واحدة كانت قوية لكن عنيفة قليلا لم تقبل أن يلمسها احد سوي والدتها ذكرته بكاريمان فأسماها عِزة و الأخري ضعيفة لكنها وديعة و سمحت له أن يحملها بين ذراعيه كطفلة فأسماها أصيلة و تلك تشبه بسمة التي تجعلك تقع في حبها بوداعتها و رقتها ... 

شعر أن ما يحدث بقلبه يشبه تلك الولادة فهما الاثنتين في قلبه، يحبهما و لكن كل واحدة لها داخله مكان خاص و مختلف، سأل نفسه ما هذا الذي يحدث داخله؟! اثنتين مختلفتين كالشمس و القمر في ذات الوقت ؟!! أيعقل!!! 

ظل يفكر حتي أتعبه التفكير  ف نام دون أن يدري 

_____________________________

فتح عينيه في الصباح فوجد أمامه بسمة حاملةً ذلك الخروف الصغير بين يديها فابتسم و قام عن مهده و قال لها : صباح الخير يا بسمتي

ابتسمت و قالت : صباحك دائما جميل يا سيد سالم .. هل رأيت ما معي ؟!

قال سالم : نعم .. وجدتيه بسرعة ؟! فكيف حدث هذا؟!

بسمة : هل اقول بصراحة ؟! 

قال سالم : نعم و لكن يظهر أن احداً ما ساعدك 

بسمة : ظللت طيلة البارحة أبحث و لم أجده و اليوم استيقظت فجراً للبحث و ظللت أكثر من ساعتين امشي دون فائدة فجلست و بكيت و دعوت الله أن أجده فنظرت بعيني نحو اليمين فوجدته يأكل في الحشائش فحملته و أتيت 

سالم : بكيتي!!! ايضاً ... هل تعلمين يا بسمة أنكِ تأسرين القلب بعفويتك 

ابتسمت بسمة و قالت : لكنني فزت بالجائزة أليس كذلك ؟! 

سالم : نعم.. حتي و إن لم تجتهدي كثيراً فقد  ربحتِ و لكن الجائزة تغيرت 

بسمة : لم؟!

بسمة: أمس عاصفة أنجبت مهرتين.. احداهما تشبهك، أسميتها أصيلة و ستكون مهرتك من الآن و ستتعلمين الفروسية من أجلها 

فرحت بسمة كثيراً و قالت : هل أصبح لدي مهرةً الآن ؟

سالم: نعم  .. هيا بنا لترينها 

________________________________

أراد سالم أن يهدي المهرة الأخري" عِزة "  لكريمان لكنه لم يجدها فقد ذهبت للخارج قليلا و لا يعلم أين ذهبت 

عادت مساءاً حاملةً الثوب الذي خاطته لها مدام بيلين و بعض الأغراض الأخري التي اشترتها، قال لها انه يريد التحدث معها فقالت : لا يجب أن نتأخر ع حفل اللورد فهو مقام ع شرفك كما أنني لدي مفاجأة لك .. ساقولها لك هناك .. 

ابتسم سالم مفكراً ما عسي أن تكون تلك المفاجأة فابتسم و قال : متفقين 

دخل لجناحه ليرتدي بذلة مناسبة للحدث و حذاءا من تلك التي كاملها اسود و في الامام بها جزء أبيض اللون، منديل و ربطة عنق و عطر جذاب، منظر بهي ظهر به ذلك الرجل تاجر الجمال .. 

اما بسمة فارتدت ثوب أبيض اللون، طويل يلامس الأرض، ظهرت ب طلة ملائكية... 

حضرت أخيراً كالعادة كاريمان في ثوب بلون ازرق يُظهر رجليها بمقدار كفٍ واحد، حذاءا أبيضاً و حقيبة بيضاء، سلبت عقل سالم عندما رآها ... 

_____________________________

عندما وصلوا لمكان الحفل، كان اللورد دوفرين في استقبالهم، رحب بهم و أشار لبسمة و قال 

اللورد : أيتها الفتاة الجميلة .. هل أنتِ من اختطفوكِ؟!

قالت بسمة : نعم ...

اللورد : سررت لعودتك سالمة 

جلس الجميع ع طاولة واحدة و بدأت الموسيقي لافتتاح الرقص فدعا اللورد دوفرين بسمة للرقص فاشارت بأنها لا تتقن الرقص فأشار لكاريمان فوافقت و بدأت رقصتهما، وصل إيفان و رأته كاريمان يلقي التحية ع سالم و بسمة ثم جلس في طاولة أخري ليتجنبها و لم يكتف بل تجنب أن تلتق عيونهما مع انه كان يراقبها أثناء الرقص 

انتهت الرقصة الاولي و أتي اللورد و معه كاريمان ليجلسا فقال سالم : هل نرقص رقصة معاً يا أميرة ؟ فاشارت بالموافقة 

بدأت الرقصة ووضعت كاريمان كفها الصغير في راحة يده الكبيرة و يده الأخري وضعها ع ظهرها

قال لها برقة : هل ستقولين مفاجأتك اولاً ام اقول انا ؟ 

كاريمان : هل لديك انت أيضا مفاجأة لي؟ 

سالم : نعم .. أانت فقط تصنعين المفاجأت !!

كاريمان : ما هي اذن ؟ 

سالم : قولي انتي اولا .. كما يقولون النساء اولا 

ابتسمت هي و قالت : هل تعلم لماذا خرجت اليوم من البيت ؟! 

سالم : ألم تكوني تتجهزين للحفل؟!

كاريمان : نعم و لكن قمت بعمل آخر 

سالم : تري ما هو ؟!

كاريمان : ذهبت للورد و تحدثت معه في مشروع جديد سيساعدني في اصلاح اخطائي 

سالم بغرابة : مازالت لا أفهم؟ 

كاريمان : أتذكر يوم قلت لي أنني أحب نفسي و كبريائي و لا أفعل شيئاً من اجل أحبتي و هكذا 

سالم : نعم و لكنني كنت مخطئاً فأنت.....

كاريمان : لا .. بل كنت محقاً و ها أنا احاول اسعاد أحبتي لعل المياة تعود للتدفق و الجريان بيني و بينهم 

زادت حيرة سالم فقال : ماذا قلتِ ل اللورد؟ 

كاريمان : سأحقق حلم إيفان 

صدم سالم حتي النخاع فقد ضربه ذكر اسم إيفان ضربة موجعه مدوية أراد أن يخفي أثرها فقال : و ما هو حلمه ؟ 

كاريمان : سنقيم مشفي كبيراً يديره هو بدلا عن تلك العيادة القديمة المهترئة و سأتولي أنا الإدارة المالية لأكون معه .. بالطبع قدمت اغراءا كبيرا و هو التمويل المالي لكن السماح و التراخيص ستكون مهمة اللورد

هز سالم رأسه محاولا إظهار سعادته الكاذبة و قال : و هل سيقبل إيفان؟!

كاريمان : لا أعرف لكنني ارجو منك أن تساعدني في اقناعه حتي لنعود فقط  للتحدث لانه يرفض حتي أن يحدثني 

سالم : و تلك كانت مفاجأتي .. سأحاول الصلح بينكما 

كاريمان : لا استطيع أن اعبر لك مدي سعادتي .. هذا اللطف و الكرم معتاد منك 

انهي سالم الرقصة و عادا للطاولة فقالت له بسمة بصوت منخفض : أتمني لو تعلمني الرقص عوض عن الفروسية 

نظر لها سالم و هو لم يستوعب بعد أنه أخذ الرفض الثاني حالا من كاريمان التي كلما كان ع بعد خطوة منها أرته انه ع بعد أميال و لكن هل سيقبل إيفان بالعرض و هل حقاً سيصلحهما سالم الذي استفاق ع ضربة موجعة؟! و ماذا ستتعلم بسمة  

الرقص ام الفروسية ؟!

انتظروا الإجابات في الاحداث المقبلة 

الفصل التاسع عشر من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-