رواية الصندوق الفصل الخامس عشر بقلم الهام عبده
ذهب إيفان ليقابل صديقه قبل أن يغادر، كان اللقاء بينهما قصيراً حاول سالم أن يعتذر عما بدر من بسمة قائلا
سالم : انت تعرف جيداً كم اقدر صداقتنا و أتمني أن ما حدث بين الفتيات لا يؤثر علينا، لنضع كل شئ جانباً و نبقي ع الود بيننا
إيفان: أنا افهم أنه لا علاقة لك بالطبع لكن سيمون حالتها سيئة و سآخذها في رحلة صغيرة إلي الفيوم، عندما أعود ستكون الأمور هدأت قليلا و سنتقابل مجددا بالتأكيد لكنني سأبقي سيمون بعيدة عن هنا تماما بعد الان
سالم : و انا أري ذلك حلا مناسبا، سافرا يا صديقي و استمتعا بوقتكما و لكن عدني أنك لن تنسي صديقك
إيفان: بالطبع فنسيانك غير وارد
قبلا بعضيهما و عاد سالم لمائدة الإفطار حيث والدته و بسمة جالستان
السيدة بثينة: ماذا به ايفان؟ لم يأت ليلقي التحية كعادته؟
نظر سالم لبسمة بلوم ثم قال : سيسافر مع اخته في رحلة للفيوم ليجددا نفسيتهما قليلا بعد م حدث أمس
توترت بسمة و انشغلت بالطعام بينما سألت السيدة بثينة: وما الذي حدث أمس ؟
سالم : تآمر الاثنتان علي اخته و افسدا حفل عيد ميلادها بشكل سئ قد لا تتخيلينه!!!
نظرت السيدة بثينة لبسمة بحدة : الاثنتان!! كاريمان بالطبع و أنتي!! ماذا أملت عليكِ لتفعلي؟ هل ستظلين تابعة هكذا طيلة حياتك
انزعج سالم لتوبيخ والدته لبسمة و قال: اهدأي يا أمي، بسمة ليست تابعة فبالرغم من أنني غير راضٍ عما فعلته لكنها فعلته بارادتها لا عن إملاء فسيمون هذه ضايقتها و انا ايضا لا تعجبني طريقته
السيدة بثينة : وقع الشك في قلبي عندما طلبت الذهاب معك في بروفا الثوب الجديد، شعرت أن هناك شئ ما سيحدث و تلك الفتاة التي تقولين انها تضايقك ألم تكن معلمة لكِ تأتي كل يوم لتعلمك و أخاها هكذا ... ألم تتذكري لها سوي السوء
بسمة : أنا أخطأت جداا .. لا اعرف ماذا أقول .. آسفة جدا و ممكن أن أذهب و اعتذر لها إن سمحتم
سالم بانفعال: اعتذار ماذا!! بالطبع لا .. قد اصلحت الموقف مع إيفان و انتهينا منه و بالنسبة للدروس فأنا سأجد لك معلمة جديدة تعلمك الانجليزية و الاتيكيت و سنلغي الفرنسية و البيانو، انت لم تحبي تلك الأشياء و ليس ضروري أن تعرفيها
السيدة بثينة : و كاريمان هانم!! لم نري وجهها اليوم!! من يبحث عنها يجدها تزيل آثار توبيخ ايفان من وجهها .. اتمني أن يكون وبخها بما يكفي ربما تستقيم و تتهذب قليلا
سالم : ما لا تعرفينه أنه طلبها للزواج أمس و قدم لها خاتم الخطبة و لا اعرف ما حدث بينهما الان .. ربما تخاصما او تجادلا
السيدة بثينة بشماته: أو ربما انفصلا و أسترد خاتمه
سالم بشعور مختلط : لا أعرف لكنها من المؤكد تمر بوقتٍ صعب، لنتركها تستجمع نفسها و تعود مجددا ً
السيدة بثينة : في كل الاحوال لن أسأل عنها
________________________________
مرت ثلاثة أيام و كاريمان معتزلة في جناحها بمنزل الضيوف، لم تكف عن البكاء الا قليلا، تترك فراشها لتشرب الماء او تتحرك بضع خطوات ثم تعود، كان سالم قلقاً عليها و لكنه لم يود اقتحام عزلتها و حزنها، ذهب بالقرب من منزلها و ظل منتظراً ربما تنظر من الشرفة أو تخرج لتجلس في الحديقة أو حتي يسمع ضجيجاً لحركتها و لكن ليس هناك سوي هدوء تام، قرر العودة لمنزله لكن فكرة أنها قد تكون مريضة او تعرضت لأذي سيطرت عليه فعاد أدراجه إلي البيت و طرق الباب مرات عدة حتي فتحت له بوجه مكمد حزين ظهرت عليه الهالات السوداء و الوهن من قلة تناول الطعام
سالم : هل يمكنني الدخول لنتحدث قليلا ؟
أشارت له بالدخول دون أن تتكلم، وصلا للردهة المعدة للجلوس و جلسا
سالم : لا اود اقحام نفسي بخصوصياتك و لكنني قلقت عليكي كثيراً فجئت لأتفقدك
كاريمان : شكرا لك
نظر سالم ليدها اليمني فوجد خاتم الخطبة مازال في اصبعها فلم يرق له ما رأي فقال : ما حدث كان سيئا لكنكما ستتخطيانه بالتأكيد فعند عودتهما من الفيوم ستكون الأمور هدأت و ستتحدثان و تحلان الأمر
كاريمان بتفاجؤ: الفيوم!!! هل سافرا ؟؟
سالم : ألم يخبرك ؟
كاريمان بحزن : لا .. لم يخبرني
سالم : ربما لأنه كان غاضباً منكِ لكن لا تقلقي فهما في رحلة قصيرة و سيعودان
كاريمان : ان عادا و إن لم يعودا ... سيان
فقد انتهي كل شئ
سالم " ينظر لخاتمها " : كيف ؟؟ ظننت أنه مجرد خلاف
كاريمان : لا .. قد التغت الخطبة و لكنه ترك الخاتم معي كنوع من السخرية، تركه معي لكن دون معني فلم يعد خاتم خطبتي بل ذكري مؤلمة
سالم متأثرا بحزنها: لا عليكِ يا أميرة . ما حدث قد حدث لكن ان قبلتي لكِ عندي نصيحة فهل أقولها ؟
كاريمان بتهكم: قل فلم يبق لي منكم سوي اللوم و الانتقاد
سالم : لا لا .. لا أقصد أبدا احزانك و لن أقول شيئا طالما أنك ستتأذين
كاريمان : قل ما تريد فأنا سأستمع
سالم : أنت يا أميرة ، ابنه عائلة عريقة و ثرية، متعلمة و ذات ذكاء كبير لكن ينقصك شئ واحد
كاريمان : ما هو ؟
سالم : أن تكفي عن حب نفسك أكثر مما يجب، ألا تستسلمي لغرورك و كرامتك، حاولي أن تحبي من حولك أكثر، أن تقدرينهم و تحترمين مشاعرهم.. لو أحببت إيفان حقاً كنت ستخافين من فعل شئ يحزنه،كنتِ ستتحملين أخته الصغيرة من أجل محبتك له، كنت ستقبلين أشياءً لا يجعلنا نتقبلها سوي الحب و الحب لا يتفق مع الغرور و الكبرياء لان أساسه العطاء و التضحية ..
فكري قليلا في كلماتي، ربما لا نستطيع بالاصلاح حل عقد الماضي لكن يمكننا بالطبع تلافيها في المستقبل ... سأتركك الان يا أميرة و أتمني أن تتمالكي نفسك سريعا و تعودين لعملك و لحياتك ... دمتِ سالمة
_________________________________
ذهب سالم و كلماته بقيت تتردد في أذني كاريمان، راحت لتفكر في شعور إيفان و بفرحته التي انكسرت و لم تكتمل، قالت لنفسها: ليتني توقفت وقتما قالت بسمة هل نتوقف؟ فقد كانت ببساطتها أنبه و أذكي لكنها أطاعتني لأنها اعتادت الطاعة ...
في اليوم التالي وقت الإفطار، كان سالم كعادته مع والدته و بسمة أما كاريمان فقد جلست لتناول افطارها بمفردها في منزل الضيوف، لم تمض دقائق حتي سمع الجميع صوت ضوضاء كبيرة و صوت لعدد كبير من الناس فخرج الكل لينظر ماذا يحدث..
إنه السير/ دارسي راكباً ع جواده الأسود و خلفه عدة جنود ع خيولهم و من خلفهم عمال كثيرون يحملون معاول و ادوات تخص الحفر و تقطيع الأشجار، حاول حرس منزل سالم منعهم و لذا صدرت تلك الضجة، تحرك سالم نحو الباب الكبير بينما ظلت والدته و بسمة أمام الباب الداخلي تنظران أما كاريمان فكانت آتية من بعيد حتي وصلت عندهم ووقفت بجوار سالم
سالم : ماذا يحدث هنا من بكرة الصباح ؟؟
السير دارسي : قل لرجالك أن يفتحوا الأبواب لنقم بعملنا و الا العواقب لن تعجبك
سالم باستياء: عملكم؟ عمل ماذا ؟
السير دارسي: عمل السكك الحديدية كما اخطرناك من قبل
سالم: ألم اقدم شكوي لديكم؟؟
السير دارسي : أمر الشكوي هذا لا يعنيك !! ما يعنيك هو النتائج .. قد ذهبت في رحلة طويلة للقاهرة و تناقشت مع رؤسائي و قمنا بتعديلات ع الخطة التي كانت موضوعة فبدلا من اقتطاع ٢٠٠مترا طوليا في ١٠٠ متر سنقتطع ٣٥٠ مترا في ١٠٠ و اعتقد هذا لن يشكل فرقا كبيرا فسواء ٢٠٠ او اكثر فهذا أمر عسكري واجب النفاذ ، اتخذته حكومتنا و انتهي
سالم : هذا لن يحدث و لن تفتح الأبواب او يتم عمل شئ .. ستخربون أرضي و تجعلونها لا تثمر .. لن يحدث هذا ابداا
اخرج سالم مسدسه و صوبها نحو دارسي فأمسك رجاله بالعصي و رفعوها في وجه دارسي و جنوده
قال دارسي بعصبية: أنت لا تعي خطورة ما تفعل، انت تعرض حياتك و حياتهم للخطر و في النهاية سنفعل ما جئنا من أجله، اندفع غضب سالم للمزيد و وجه المسدس نحو دارسي مباشرة، ضحك دارسي و قال : انزل مسدسك و أمرهم بالتنحي جانبا و هذا إنذار اخير
قالت كاريمان : نعم يا سالم .. ارجوك لتتوقف من اجل هؤلاء و عائلاتهم و من أجلك انت أيضا فحتي أن انتصرت في معركة اليوم فهؤلاء يقف خلفهم جيشا بأكمله، ان تأذي أحدهم ستجلب مصيبة عليك و عليهم، ارجوك لننصت لصوت العقل .. من فضلك
ابتسم دارسي و قال : انت حقا ذكية .. استمع لها
فكر سالم و أدرك خسارته مسبقاً لاي معركة معهم فقد وضعوا ايديهم ع البلاد من الشمال للجنوب و هو لا يملك جيشا، هؤلاء عمال بسطاء لا ذنب لهم فأنزل سلاحه و أشار لهم بالابتعاد و قال : اذهبوا من أمام بيتي حالا
ابتسم دارسي مجددا و قال : هكذا ... الآن ستأتي معي للمقرر فأنت مقبوض عليك لاشهار سلاحك في وجهي و تهديدي و أيضا لعدم تنفيذ الأوامر
ثم أشار للجنود فاقتادوه و اخذوه معهم بينما وقفت كاريمان في صدمة أما بسمة فكانت تبكي و السيدة بثينة غاضبة في جمود لا تعرف كيف ستخلص ابنها من تلك الورطة ...
ذهبت كاريمان لمقر قيادة الانجليز و طلبت مقابلة السير دارسي لتفهم إلي متي سيتم احتجاز سالم
قابلها دارسي بتعالٍ كعادته و قال
دارسي : من تكونين لذلك الهمجي؟
كاريمان : أنا لست من اقرباؤه لكنني اعمل في أرضه، أتيت من المنصورة .. هل يمكنك أن تطلعني ع موقفه ؟
دارسي: موقفه سئ، يرفض اطاعة الأوامر، يثير الشغب و يهيج العامة ، أصاب جنديا اليوم بسلاحه
تفاجئت كاريمان من كذبه و ادعائه و قالت : ذلك الجزء الأخير لم يحدث ... هذا إدعاء كاذب
دارسي : عليك اثبات ذلك و لكن متي ؟ محاكمته العاجلة ستتم غداً في مجلس أعددته له خصيصاً و إن حالفه الحظ سيعتقل ١٠ سنوات فقط
صدمت كاريمان و قالت: اسمعني .. يمكنني أن ....
قاطعها دارسي قائلا : لا تتعبي نفسك في محاولات يائسة فما قلته سيتم ... ليكن عبرة لكل من يحاول مخالفتنا
غادرت كاريمان غير مصدقة لما سمعت فهذا الرجل دمر حياة و مستقبل سالم في جملتين!!! ما العمل الآن ؟؟
عادت إلي المنزل و كان هناك والدته و خطيبته ينتظران بقلق شديد، أرادت السيدة بثينة الذهاب لكن كاريمان منعتها كي لا يحدث غضب او انفعال، وجدتهما ع الباب ينتظران و عندما سمعا ما قاله دارسي نزلت بسمة ع الأرض ووضعت يديها ع رأسها و ظلت تبكي و تنتحب فصرخت فيها السيدة بثينة و قالت : اصمتي .. هذا فأل شؤم ع ابني .. لن اتركه بين يدي هؤلاء الظالمين .. سأخرجه قبل حتي أن يفكروا بمحاكمته
نادت لأحد الخدم و قالت : اجمع لي الرجال حالا .. سنخرج السيد سالم حالا من هناك
كاريمان : هذا لن ينفعه .. إن نجح ف الهرب سيعيش مطاردا و إن لم ينجح تعطيهم الفرصة ليقتلوه .. ارجوكِ لا تفعلي
السيدة بثينه : سيعد كل شئ بحرص و سيخرج و يختبئ في مكان آمن ثم نبحث عن الحل و بعدها يعود إلي قصره و حياته
كاريمان : و لكن ....
السيدة بثينة: لا أود سماع المزيد ... كاريمان هانم اشكرك لمساعدتك و لكن هذا ابني و لن اتركه بين يديهم
أعدت السيدة بثينة الخطة و قبل طلوع الفجر انطلقت المجموعة لتحريره و كاريمان في منزل الضيوف تحاول إيجاد حل بعيدا عن ذلك الحل الخطر .. انطلقت قبلهم لتنتظرهم في منتصف الطريق و عندما رأت الجياد ظهرت أمامهم و اوقفتهم قائلة : إنها رأتهم ينقلون سالم لمكان آخر اكثر حراسة و مؤمن بشدة و يجب عليهم دراسة الموقف من جديد ،طلبت منهم العودة للقصر و ستأتي من خلفهم بعد أن تجمع معلومات عن المكان الجديد و ما إن عادوا حتي أكملت الطريق نحو مقر القيادة و طلبت مقابلة سالم، رفض دارسي طلبها فألحت بشدة و توسلت له فوافق أخيرا و منحها عشر دقائق لا أكثر
عندما رأته تأثرت لما وقع فيه و الظلم الواقع عليه
كاريمان : دمت سالما يا سالم
سالم : شكرا لك يا أميرة .. ماذا يحدث ؟!! هل سأظل هنا طويلا
كاريمان بحزن : ذلك الرجل لفق لك تهما كثيرة و أعد لك مجلسا عرفيا لمحاكمتك و سيزج بك في السجن
فوجئ سالم و قال : لابد أن اهرب سريعا من هنا قولي لر....
قاطعته كاريمان و قالت : السيدة بثينة فكرت في نفس الحل لكنني أوقفت الرجال و ادعيت كذبا أن مكان محبسك قد تغير
سالم : لم؟
كاريمان : هذا الرجل مجنون و سيستغل الفرصة و من الممكن أن يتم التخلص منك .. لا يجب أن نعطيهم الفرصة لذلك
سالم : و ما الحل ؟ سيحاكمونني و سأسجن؟
كاريمان : اتركهم يشعرون انهم ربحوا الجولة و اسكتوا صوتك و انا لن أتركك هنا .. ستخرج و ستعود سيدا كما كنت ليس مطاردا او مجرما
سالم: ماذا ستفعلي؟
كاريمان : لا تقلق .. في عقلي حلول و لكن عليك أن تصبر قليلا فقط و أعدك أنك ستخرج من هنا سالما .. بإذن الله
سالم بخوف نظر لعيونها السوداوتين الواثقتين و قال : أأنت متأكدة ؟!
كاريمان : نعم ... قلت لك أعدك
سالم : و انا أثق بك و سأنتظرك
كاريمان : لا تقلق فإن لم أنجح سأهربك بنفسي و ستخرج أيضا حينها
سالم : اتفقنا يا أميرة
كاريمان : أراك ع خير يا سيد سالم
ابتسمت له و تركته فابتسم لها بينما في داخله قلق كبير و عقله يقول : وثقت بها فهل ستستطيع ؟؟!