رواية الصندوق الفصل الثالث عشر بقلم الهام عبده
#الصندوق
#الثالث_عشر
خرج سالم في قلق ليعرف ماذا هناك فوجد ضابطاً في بداية العقد الثالث من العمر ذو بشرة بيضاء كعادة الانجليز، ألقي عليه التحية ثم اصطحبه إلي قاعة الرجال وما إن جلسا حتي أسلمه رسالة موقعة باسم اللورد / دوفرين و هو كان سفير لدولة انجلترا في اسطنبول قبل أن يعين في منصب المندوب السامي البريطاني، كان الاحتلال وقتها حديثا لم يكمل شهراً و قد بدأ الانجليز بتقسيم و تفتيت الجيش المصري ثم عكفوا علي السيطرة ع الحياة الاقتصادية و السياسية و لذا عينوا دوفرين الذي أمر بإقامة خط سكك حديدية يصل من الإسكندرية و حتي ما بعد أسوان ..
فتح سالم الخطاب و قرأ ما جاء فيه مما استفز مشاعره و اغضبه بشدة فكيف يأت هؤلاء ليخاطبوه بصيغة الأمر بأنهم سيمررون خط السكك الحديدية في منتصف أرضه ووسط حقوله و ليس عليه سوي التنفيذ، اعطوه مهلة قدرها أسبوعاً حتي تأتي المعدات و تبدأ التنفيذ .. بجوار الرسالة كان هناك رسم لأرضه و حدودها و بيان بإحداثيات الارض التي سيتم استقطاعها و التنفيذ عليها
حاول سالم تمالك أعصابه رغم انه كاد أن يمسك حامل الرسالة المستفزة تلك من رقبته و يعلقه علي باب منزله ليكون رسالة لهؤلاء المحتلين المتغطرسين، طوي الرسالة و اعادها لمظروفها ثم قال له
سالم : هذا المكان المحدد بالرسالة غير مناسب فهو يفصل الجزء الذي يمد الارض بالماء عن باقي الارض، ستتصحر الأرض بهذا الشكل و لن يعد لها قيمة
الضابط المكلف: لكن من معرفتي أقول لك أن تلك الأوامر نهائية و ليس بها رجعة ف من الأفضل لك أن تطيع
سالم بغضب مكتوم ملأ عينيه احمرارا : عجبا ... قد اعددتم كل شئ و لا تريدون حتي المناقشة و نسيتم أن تلك أرضنا ورثناها عن اجدادنا و لنا كل الحق فيها
وقف الضابط المكلف و قال : يمكنك المجئ لمقر القيادة التابع لنا و تقديم شكوي للسير / دارسي و هو يرفع طلبك للورد دوفرين بالقاهرة و لكنني لا أعدك أن يعود ذلك بالنفع، هذه مجرد محاولة
اومأ سالم رأسه بفهم الرسالة و لم يرد و قد غطي القهر هامته فهو الذي طيلة عمره شامخاً حراً قوياً أتي عليه الوقت الذي ضعفت فيه حكومة بلاده و أتت عليه سلطة تريد العبث بممتلكاته دون أن يفعل شيئاً..
انصرف الضابط من أمامه و هو مازال في مكانه يفكر و يفكر و لا يعرف كيف ستنتهي تلك المهزلة لكن الشئ الأكيد منه هو انه لن يستسلم بتلك السهولة و يترك لهم أرضه فالارض بالنسبة له عرض و شرف و كيان ...
عاد مهموما لقاعة الضيافة و قص لهم بشكل مختصر انه ذاهب ليستريح في غرفته ليفكر في حل اذا لم ينجح أمر تقديم الشكوي هذا ...
_____________________________
ظل طوال الليل مؤرقاً فخرج قرب الفجر ليتمشي في أرضه و يشم رائحتها النقية، في طريقه لنزول الدرج للدور الأرضي سمع صوت بكاء خافت جدا يخرج من جناح بسمة فطرق الباب و دخل إلي عندها فوجدها جالسة علي الأرض في زاوية الغرفة تبكي، نزل ع ركبته و ربت ع كتفها ثم قال
سالم : بسمة .. لماذا تبكين ؟ و في هذا الوقت ؟ هل حدث شئ ما ؟!
بسمة : لا ...
سالم : هل ضايقك أحد ؟
بسمة : لا .. بل أبكي من أجلك
ابتسم سالم : لم؟
بسمة : ذلك الضابط و مشكلة الأرض ... هل سيقبضون عليك ؟
ضحك سالم ع بساطتها : لا ... لا تخافي لن يحدث شئ .. سيحل الأمر قريبا .. و لكنني أريد منك شيئا آخر
بسمة: ما هو ؟
سالم : غدا سيبدأ أولي دروسك مع سيمون و أتمني أن تجعلينني فخورا بك
بسمة : نعم .. سابذل قصاري جهدي يا سيدي
سالم : ربما عليكِ أن تتعلمي شيئا آخر ...
بسمة : أي شئ تريده سأتعلمه
سالم : عليك أن تتعلمي مناداتي بإسمي بعد الآن .. انا سأخرج للأرض قليلا .. أراكِ علي الإفطار
اومأت بسمة بالايجاب فتركها و انصرف بينما كانت هي في قمة هرم السعادة فقد حادثها بمنتهي اللطف و شعرت بقربه منها ...
____________________________________________
ذهب سالم إلي مقر القيادة ذلك و بعد أكثر من ساعة في الانتظار ادخلوه لمكتب السير/ دارسي الذي قابله مقابلة مقتضبة صغيرة و اشعره كما لو أن تلك الأرض ملكاً لهم و هو الأجير بالرغم أنها ارض أجداده من مئات السنين، عجب لما يحدث و لذلك التعالي و لكنه سينتظر ربما يأتي رداً مرضياً من القاهرة
عاد مهموما للمنزل و كان صامتا ع طعام الإفطار بعدها خرج لاشغاله، بعد الظهر جاءت سيمون لتبدأ أولي دروس الاتيكيت مع بسمة، جلسا في الردهة الكبيرة و جاءت السيدة بثينة لتستمع و من بعدها جاءت كاريمان التي جلست في طرف بعيد عنها لأن علاقتهما قد ساءت من بعد لعبة كوب القهوة، سألت سيمون بسمة : هل تعرفين يا بسمة معني كلمة اتيكيت ؟
نظرت بسمة و أشارت ب لا فقالت سيمون : الاتيكيت هو فن اللياقة.. هل فهمت ؟
أشارت بسمة ب لا أيضا في خجل فضحكت كاريمان و قالت : كان يجب ع سالم أن يبدأ معها دروس العربية اولا كي تفهم المصطلحات العربية التي تترجم مصطلحات اجنبية و لكن هيهات
نظرت لها بثينة لائمة و قالت موجهه كلامها لسيمون : هي ستفهم طبعا و لكن ان بسطتِ لها المعني
قالت سيمون : نعم .. انتِ علي حق .. اللياقة ي بسمة هي التصرف كما يليق في مقابلة الناس، في الحفلات و المناسبات، علي المائدة و حتي في طريقة الجلوس و المشي و الكلام .. الآن أريدك أن تقفي ثم تجلسي أمامي
وقفت بسمة ثم نزلت ع الكرسي بسرعة و لكي يقال انها تفهم وضعت رجل ع رجل و جلست بعظمة رافعةً رقبتها كزرافة تقضم أوراق الشجر العالية
ضحك الجميع فخجلت بسمة و أنزلت رجلها إلي مستوي الأخري فقامت سيمون و جلست بهدوء و لياقة ووضعت رجليها علي جانب واحد ثم وضعت كفيها فوق بعضهما ع أحد فخذيها في ارستوقراطية و قالت لها : هكذا ؟
وقفت بسمة و فعلت مثلها بالضبط فأثنت عليها سيمون و شجعتها و في تلك الأثناء طرق الباب و دخل أربعة من الخدم حاملين البيانو الكبير ذي الكرسي و قد طلبه لها سالم خصيصاً، قامت كاريمان و فتحته ثم جلست و قالت : كم افتقدت عزف البيانو و بدأت تعزف مقطوعة صغيرة فنظرت لها السيدة بثينة بسخافة و غادرت المكان بينما استمر سيمون و بسمة في الدرس...
____________________________________________
لأكثر من اسبوعين ظل سيمون و إيفان و سالم يشرحون لها و لكنها أبلت حسنا في اللغة العربية و فن الاتيكيت لكن استيعابها كان ضعيفا في الفرنسية و ضئيلا في العزف فكانت كاريمان تعزف عليه يوميا أمامهم و في كل مرة كانت السيدة بثينة تغادر عندما تبدأ هي العزف ...
في كل يوم كان سالم يذهب ليتابع قضية الأرض لكن السير دارسي كان مسافرا و كلما سأل عن رد الشكوي يقولون انه لم يرد أمر حتي الآن
_____________________________________________
في صباح أحد الايام جاءت سيمون للدروس كالعادة لكن قبل أن تطلب إبلاغ بسمة بوصولها سأل عن السيد سالم و في يدها باقة زهور، دخلت إلي قاعته و قدمت له الزهور فقبلهم و في داخله غرابة ثم جلست تتحدث ف دلال و قالت : هل تسمح لي أن أسألك سؤالا؟
سالم : بالتأكيد
سيمون : كيف راقت لك بسمة من بين كل الفتيات ؟
سالم : و ما بها بسمة ؟
سيمون : اعذرني و لكنها ذات استيعاب ضعيف و هيئة غير لائقة بك و ربما حولك فتيات اكثر لياقة و ذكاء
سالم بضيق مكتوم : ربما تكون بسمة ضعيفة ف التعليم لكنها تمتلك قلبا ليس هناك طيبة في العالم تضاهيه و لم اسمعها قط تتحدث عن احد بسوء مثلك الآن فهي ذات اخلاق رفيعة حتي إن لم تتعلم و رجاء لا تتحدثي عنها هكذا مرة أخري
كانت بسمة واقفة و سمعت ذلك الحوار و بينما كانت سعيدة بكلام سالم عنها كانت واعية لمحاولة سيمون أن تدخل في عينيه و تسرقه منها و قالت في نفسها : كم أنها فتاة لعوب!!
انصرفت قبل أن يراها أحد و ذهبت لتنتظرها في الردهة كالعادة
بعد انتهاء الدرس اجتمع الجميع لاحتساء الشاي و هنا قال إيفان: أود دعوتكم يوم الخميس القادم لحفل عيد ميلاد سيمون الذي سيقام علي مركب " عروس النيل " في الثامنة مساءا و يسرني تشريفكم
هنأها الجميع بعيد ميلادها فيما عد بسمة التي نظرتلها بضيق لم تستطع أن تخفيه و ظلت صامته فلاحظت كاريمان ذلك و راق لها فتلك الفتاة تعاملها بشكل جاف منذ قدومها لسبب لا تفهمه رغم محاولاتها بالتقرب منها لأجل إيفان....
_____________________________________________
في يوم الأربعاء السابق بيوم لحفل عيد الميلاد، كان إيفان جالس مع اخته في قاعة الضيوف و أقبلت كاريمان لتجلس معهما فسمعت حديثهما
إيفان: ما رأيك لو فاجئت كاريمان بطلب يدها في الحفل غداً
سيمون : ألم تجد سوي حفل عيد ميلادي؟
إيفان: أمازالتِ لا تحبينها؟
سيمون : نعم .. فتاة مغرورة تعيش كأميرة و هي مجرد ضيفة تعمل لدي سالم .. لا و لم و لن احبها
قال إيفان بضيق : هل لكِ أن تعامليها بحب من أجلي؟؟
سيمون : انت الذي يجب عليك التفكير ملياً قبل خطبتها .. لا داع للعجلة من الأساس
إيفان: لكنني احبها و هي انتظرتني كثيرا و عليك معاملتها بلطف و أن لم تحبينها
سيمون : سأحاول لكنني لن أعدك
دخلت كاريمان عليهما و كأنها لم تسمع ما دار لكنها جلست و هي تقول في عقلها : سأجعل من ذلك الحفل كابوسا يلاحقك بقية عمرك أيتها الشقراء التافهة . فمن يواجهني لابد أن يكون ع قدري !!!!