رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثاني عشر 12 بقلم أمل نصر

 





رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثاني عشر 12 بقلم أمل نصر


علي الكرسي الجلدي الذي كانت جالسة عليه، تهزهز بأقدامها بعصبية، تنفخ دخان سيجارها الذي يخرج وكأنه حريق نابع من داخلها، تهذي بالكلمات الساخطة بعدم تصديق: - انا يامرفت، انا مرفت يعمل فيا كدة ويخلي شكلي زبالة قدام صحابي، بقى مريهاااان يتعمل فيها كدة يامرفت؟


لوت ثغرها الاَخرى وهي تجيبها: - بصراحة انا مش عارفة اقولك ايه؟ الموقف اللي حكتيه يثبت فعلًا انه موقف زبالة، بس انا اللي مستغرباه هو بيعمل معاكي كدة ليه؟ هو مش عارف ان انتوا مشهورين وموقف زي دي الناس ماهتصدق تحكي فيه، دا غير انه كدة بيحرجك فعلًا قدام صحابك.

ردت ميري من تحت أسنانها: - إلا يحرجني! دا الأوباش أخدوها فرصة عشان يتريقوا ويهزروا بسخافة عليا اناااا، الحيوانات.


- أديكي قولتي بنفسك، أوباش وحيوانات كمان، ايه بقى اللي مخليكي مستمرة معاهم؟ ماتسبيهوم وافضي لجوزك دا اللي هايروح منك وكفاية بقى.

قالت مرفت بغضب، قابلته الأخرى بضحكة ساخرة تردد: - افضى لمين ياقلبي؟ هههه ياحبيبتي جاسر الريان دا لو حتى عملتلوا أمينة وبقى هو سي السيد، برضوا مش هايحن، انا عارفاه هو بيعمل كدة قصد عشان أطلب الطلاق.


تسائلت الأخرى وهي تمط شفتاها بدهشة: - معقوول؟! هي لدرجادي الأمور اتعقدت مابينكم؟

- واكتر كمان من الدرجادي ياروحي.

اردفت ميري وهي تشعل سيجارة أخرى وتابعت: - جاسر قلبه أسود، من يوم الحادثة وهو مش راضي ينسالي اللي حصل.

- لما سبيته يتعالج في أوروبا لوحده؟


قالت مرفت بتخمين، ردت ميري بتشدق: - وافرض يعني سيبته؟ ماهو كان معاه والدته، بصراحة انا كمان متحملتش عصبيته وجو الخنقة بتاع المستشفيات والقرف، وانتِ عارفاني يامرفت بحب الحرية والأنطلاق، ماليش بقى في الجو البلدي ده.


زفرت مرفت بملامح ممتعضة قبل أن ترد عليها: - اهو الجو البلدي دا ياناصحة هو اللي خلاه قلب عليكي لما موفقتيش جمبه في شدته، بس انا مازلت فاكرة يا ميري، انتِ مش بس رجعتي مصر وسبتيه، لا دي انتِ كنتِ عايزة تطلقي كمان.

ردت ميريهان بتوتر: - مماهو بصراحة انا خوفت قوي لما الدكاترة خمنوا عدم وقوفه على رجله من تاتي، دا غير كمان لما قالوا ان احتمال مايخلفش.


خرجت الاَخيرة بخزي وصوت خفيض، اومأت مرفت برأسها وقد وصلها المعنى: - اااه يبقى عشان كدة بقى، ياخسارة ياميري، كان لازم تصبري شوية وتفهمي من الأول ؛ ان واحد زي جاسر الريان ده لا يمكن هايتقبل الهزيمة ولا الضعف، جاسر عنده ارادة حديدية مكنته انه يتخطى ويرجع أحسن من الأول كمان.


زفرت ميري تشيح بوجهها عنها لعدم تحملها الحقيقة قبل ان تردف: - اهو اللي حصل بقى، طلبت الطلاق ووالدي مرديش وبعدها صاحبنا دا رجع على رجله، حاولت كتير اتقرب وهو رفض، صبرت عليه وحطيت في بُقي جزمة قديمة لما خاني مع اشكال زبالة وانا مكانش بيقربلي وبرضوا لا حن ولا قدر حتى، بس المدة طالت قوي، وهو بيزيد في غباءه وعِنده معايا، وانا هاموت والمسه وهو حرمني من قربه، بس زهقت بقى وقرفت.


- ميري، بصيلي هنا وحطي في عينك في عيني.

اردفت مرفت وهي تمسك بأطراف أعصابها على ذقن ميري لتنظر اليها جيدًا وتابعت: - انتِ عارفة كويس انه كان بيخونك عشان يردلك القلم ويثبت لنفسه انه تمام، وانتِ اللي جبتيه لنفسك يبقى تصبري كمان وتحاولي تغيري من نفسك.


نزعت يدها عن ذقنها بعنف هاتفة: - تاني انتِ كمان اغير من نفسي، ابوس على ايده مثلًا عشان يرضى عني؟ دا قافل في وشي بالضبة والمفتاح، عالعموم انا بلغت والده عشان يشوفلي صرفة معاه، ماهو الإهانة دي لا يمكن اعديها على خير.

برقت لها مرفت بعدم تصديق: - يانهار ابيض، انتِ اشتكيتي لوالده ياميري وهو في المستشفى بيتعالج برا؟


اردفت الأخرى بعدم اكتراث: - امال يعني عايزاني اسكت على كرامتي اللي اتهانت؟ مش كفاية والدي اللي مرديش يسمعني اصلًا بحجة انه مشغول بأمور الوزارة والكلام الفارغ ده!

- بتقول إيه؟

هتف بها جاسر وهو يترجل من سيارته الى محدثه في الهاتف وأردف.

- هي البت دي معندهاش دم ولا إحساس، بتتصل بيك وانت راجل تعبان بتتعالج في اَخر الدنيا على حاجة تافهة زي دي؟


وصل اليه صوت أبيه بضعف: - يابني مهياش حاجة تافهة، ثم كمان هي ماقلتس لحد غريب، امال يعني عايزها تشتكي لوالدها بقى عشان يكبر الموضوع وتبقى حكاية.

صاح بغضب وهو يدلف لداخل منزله الكبير: - ولا يقدر يعمل حاجة، يتشطر الأول على بنته اللي داخلة ملهى ليلي الساعة 12 بعد نص الليل، هو ليه عين يكلمني أساسًا!


وصل اليه صوت والدته التي تناولت الهاتف من زوجها وتدخلت بحديثهم: - يابني ياحبيبي بلاش عصبيتك دي، انا ميت مرة اقولك اتفاهم معاها، انت بس اديها ريق حلو دي ماهتصدق، انا بنت اختي بتحبك وهاتموت عليك.


اردف بضحكة متقطعة ساخرة: - تاني برضوا ياماما بتحاولي معايا، بعد ماورطتيني فيها بحجة انها بنت الغالية حبيبة قلبك، اللي ماتت في عز شبابها واتحرمتي منها، اقنعتيني انها يتيمة ومحتاجة اللي يطبطب عليها عشان تتعدل، وهي ضلع معوج بكتر الدلع وحب النفس والاَنانية، انا معدتش جاسر بتاع زمان ياست الكل ولا انت نسيتي؟

- يابني ياحبيبي...

معلش والنبي الله يخليكِ ياأمي، اقفلي دلوقتي وبكرة الصبح هاتصل انا واطمن عليكم.


- ياجاسر...


كان قد وصل الى غرفته وهو ينهي المكالمة بعد مقاطعة والدته، رمى الهاتف وسلسلة المفاتيح على المقعد الوحيد الذي وجده أمامه قبل ان يسقط بظهره على التخت، يتنفس بثقل، وكل عضلة بجسده تأن من التعب، بالإضافة تزاحم الأفكار السيئة بعقله بعد أن عادت اليه مشاهد الحادث القديمة، ومراحل العذاب في العلاج الشاق بعد ذلك حتى يستطيع الوقوف على أقدامه مرة أخرى، وقد ظن عدم النجاة وانهيار عالمه، أغمض عيناه يستعيد وجهها الجميل بمخيلته ويتذكر مشاكسته لها منذ قليل وردودها العفوية التي تُسعده دائمًا، تنهد من العمق وهو يفتح أجفانه على رؤية الغرفة الكبيرة الخالية من الحياة، لأول مرة منذ فترة طويلة يكره شعور الوحدة فيها، بعد أن كييف نفسه عليها بل وكان يجد الراحة بها، لكن كان هذا قبل أن يراها!


بعد أسبوع.


دلف الى الشركة التي جعلها المقر الرئيسي لقيادة المجموعة، يقضي معظم يومه بها، يدير كل شئ من داخلها، عكس ما كان ينتوي سابقًا، قبل أن يراها وتتغير معه كل خططه، خطواته السريعة توقفت فور أن دلف للغرفة الواسعة، حينما رأى إبتسامتها التي تسلب لب قلبه؛ وهي تتحدث في الهاتف غافلة عنه، بطء بخطواته حتى اصبح قريبًا منها ويستمع الى محادثتها: - حبيبي والله زي مابقولك كدة، رقية حكمت عليها تبات معانا ليلتين وصاحبتك ماصدقت، دي روحت بالعافية والنعمة بعد ما والدها اتصل وبهدل الدنيا معاها، واقعة اوي بصراحة يعني؟


صمتت قليلًا تستمع لرده عبر الاثير فانطلقت ضحكة بصوتها كادت أن توقف قلبه من خلفها، ورأسها تميل للخلف حتى اصطدمت عيناها به فانتفضت تنهض مجفلة أمامه حتى أغلقت المكالمة دون أن تدري: - جاسر بيه، اسفة والله مكنتش واخدة بالي.

رغم الإحباط الذي انتابه بتوقف ضحكاتها، لكنه تمكن من رسم الجمود كالعادة في حديثه: - مش تخلي بالك يااَنسة من ضحكتك وانتِ في مكان شغلك.


اومأت برأسها وردت وهي مطرقة رأسها: - عندك حق، مش هاتكرر تاني يافندم.

صمت قليلًا وانتظرته هي أن ينصرف ولكنه فاجئها بسؤاله الفضولي: - كنتِ بتكلمي مين؟

رفعت عيناها اليه باندهاش وردد هو: - بسألك، مين دا اللي كنتِ بتناديه ياحبيبي؟

عضت على وجنتها من الداخل تكبح غضبها، فقالت متصنعة الإبتسام: - دا يبقى خالي ياجاسر بيه، انا كل كلامي كدة معاه.

- خالك خالد.


اردف بها قبل ان يتحرك قليلًا ثم استدار قائلًا: - انا بسألك بس عشان مصلحتك، مهما كانت معزة خالك عندك، الكلمة دي مايصحش تتقاله عشان بس ماحدش يسمعك و يفهمك غلط بعد كدة.

اومأت برأسها بعدم اقتناع، املًا في ذهابه الذي حدث بعد ذلك ولكنها اوقفته قبل أن يدلف لغرفته هاتفة: - على فكرة ياجاسر باشا، انا خلصت كل الملفات المتكومة، يعني النهاردة بقى يحقلي اَخد فرصتي زي بقية الموظفين في البريك بتاعي.


التفت برأسه لها بنظرة حانقة قبل ان يدلف لمكتبه صافقًا الباب بقوة أمامها.

بداخل دكانه الذي كان يعمل به بجهد وقد توفرت معه المواد الخام كي ينهي الأعمال القديمة والتي توقفت من منذ زمن، بيده احدى الوسادات التي يعمل عليها بتركيز، وبجواره من الناحية الأخرى العامل الصغير، المدعو عامري. يعمل هو الاَخر بقطعة أخرى، أرتفعت رأس الأثنان فجأة على صيحة جهورية أجفلتهم: - صباح الخير عليك ياعم يامحروس.


- فهمي! هو انت خرجت إمتى من السجن؟

تمتم بها محرس بعد أن انتفض وسقطت الوسادة منه على الأرض وهو يرى الظل الطويل أمامه بمدخل الدكان، يخطو ببطء وخطوات متمهلة، بوجهه الإجرامي وملابسه المتسخة بفعل السجن، قال مخاطبًا الفتى: - قوم ياعسل روح هاتلي حاجة ساقعة من البقال اللي في الشارع اللي ورانا.


تسمر عامري بجلسته بعد تركه ماكان يعمل به أيضًا فانتقلت عيناه باستفسار الى معلمه الذي هدر عليه فهمي: - في ايه ياجدع؟ ماتقول للواد يتحرك يجيبلي حلاوة خروجي من السجن ولا انت مش فرحان بخروجي من السجن يامحروس؟

استدرك نفسه محروس يستوعب الصدمه فهتف على صبيه: - روح ياعامري نفذ اللي قالك عليه عمك فهمي، قوم يابني اتحرك بسرعة، حمد الله عالسلامة، كفارة يا فهمي.

أومأ له الفتي وهو ينهض على مضض كي يخرج ويتركهم.


بعد مغادرته تناول فهمي أحد المقاعد ليجلس عليها بالعكس ليصبح مقابل محروس الذي كان يبتلع ريقه بصعوبة من الخوف.

- عامل ايه يامحروس من غيري؟ بتعرف تصرف نفسك من الكيف؟

سأله بنبره غريبة، أجابه محروس على تخوف: - لا ماهو الواد شمة اللي كان شغال معاك، مقصرش معايا بصراحة، كان بيديني اللي بطلبه منه وكله بحسابه.


ردد فهمي بتمهل وهو يتناول سيجارة من جيبه ليشعلها: - اه صح عندك حق، كله بحسابه، بس ياترى بقى دفعت انت حسابه؟

رد محروس بعدم فهم: - اه طبعًا، وحتى اسأله، انا مافيش مرة سحبت منه حاجة الا وتمنها في إيده الأول.

- والتمن بقى جايبه منين ياغالي؟

صاح فهمي فجأة وهو يباغت محروس بجذبه من قمصيه، جعل الخوف يزحف بأوردته: - الله الله يافهمي، ايه اللي حصل ياجدع؟ وانت بتعمل معايا كدة ليه؟


هدر فهمي وهو يجز على اسنانه بعد أن أوقع السيجارة من فمه، وأصبحت أنفه تنفث دخانا يلفح بشرة محروس: - بعمل كدة عشان انت جبان، خيخة، اعتبرتك راجل لما اديتك الفلوس مهر البت عشان تجوزهاني وفي الاَخر خدت انا على قفايا، خطيبة المحروس اتفقت مع اخوها الظابط وعملوا عليا رباطية عشان يدخلوني السجن وماخرجش منه تاني، لكن لا ياحبيبي، العيال هي اللي شالت الليلة عشان انا صفحتي بيضا والبوليس فتشني وملقاش في هدومي حاجة.


- طططب ماهو دا كويس يافهمي، مدام ربنا نصرك عليهم وخدت براءة

قال محروس بتلجلج من الخوف، جز الاَخر على أسنانه أكثر في قوله: - لا مش كويس ياعنيا، عشان الزفت اخو المحروسة حطني في دماغه وحلف انه هايسود عيشتي لو قربت من الكونتيسا بنتك، يعني لبست غضب الحكومة بسببك.

دافع محروس يومئ بكفه نحو صدره: - أنا يافهمي؟! وانا ذنبي ايه بس في الليلة دي؟


شدد فهمي من قبضته على تلابيب قميص محروس يهزهزه بعنف هادرًا: - ماهو انت لو راجل وبتعرف تحكم اهل بيتك، مكانش أي حاجة من دي حصلت، اسمع اما اقولك ياض، قدامك فرصة اسبوع بالكتير، ياتردلي الفلوس اللي اخدتها على داير مليم، والكيف اللي كنت بتبلبعه على حسابي، ياتجوزني البت وبرضاها تمنع الرباطية دول عني. فاهم ياخيخة.

صمت محروس بصدمة فدفعه فهمي للخلف بقوة حتى اصطدم ظهره بالحائط حتى اَلمه بشدة

- ومن غير سلام.


اردف بكلماته الاَخيرة وهو ينهض بعنف عن كرسيه الذي ارتمي على الأرض، تاركًا محروس يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يشتكي من اَلام ظهره، مصعوقًا مما حدث وما ينتظره من أيام سوداء بعد تهديد فهمي الصريح له.

في الموقع الجديد لها وهي جالسة على مكتبها تعمل بكل طاقة ونشاط، سمعت طرق مهذب على باب غرفتها، رفعت عيناها فتفاجأت بمن يطل برأسه اليها مستئذنًا بدماثة ولطف: - صباح الخير، ممكن ادخل؟


- كارم! اهلًا بيك اتفضل طبعًا ودا برضوا كلام.

قالت وهي تنهض عن مقعدها لترحب، تقدم هو ليصافحها قبل أن تشير اليه ليجلس أمامها.

- المكتب نور.

قالت بابتسامة ودودة، بادلها ابتسامتها مرددًا: - المكتب منور بصحابه ياستي، بس ايه الجمال ده، دا انتِ طورتيه وحطيتي فيه من روحك.

ازداد اتساع ابتسامتها وهي ترد: - الله يخليك يارب، اشكرك على زوقك.


أومأ لها برأسه قائلًا بإعجاب: - حقيقي تستاهلي الترقية ياكاميليا، انا بباركلك من قلبي فعلًا.

- الله يبارك فيك، بس انت كنت مختفي يعني طول الفترة اللي فاتت، دا حتى اجتماع المجموعة محضرتهوش؟

ابتسم بداخله على ملاحظتها لغيابه، وأجاب: - لا ما انا كنت برا البلد بظبط الدنيا للباشا الكبير وحرمه، ولما اطمنت على كل حاجة رجعت.

- واوو دا انت بتسد مع جاسر باشا بقى برا وجوا كمان، صدق الا قال عليك إيده اليمين.


تبسم بانتشاء وقد أطربه تعبيرها وقال: - الحمد لله انا ببذل المجهود في الشغل من قلبي وحمد لله ربنا بيوفقني والاَقي التقدير، متهيألي انك شبهي.

اومأت بسبابتها نحوها تردد: - انا شبهك انت معقول؟

- مين شبه مين؟

اتت فجأة من هذا الذي دلف اليهم دون استئذان، نهض كارم يرحب به مصافحًا: - طارق بيه اهلًا بيك.

بادله المصافحة بأطراف أصابعه مرددًا: - اهلا بيك ياسيدي؟ انت جيت من أمتى؟


اجاب كارم وهو يعاود الجلوس: - انا وصلت من السفر امبارح، عديت على مكتبك، قالولي انك تحت مع العمال، قولت اَجي ابارك للزميلة كاميليا على المنصب الجديد، بس الحمد لله اني شوفتك عشان يدوبك بقى أمشى.

- اومأ له برأسه ليخرج؛ مشمئزًا من أدبه الزيادة كما يصنفه دائمًا، ولكنه تفاجأ بردها هي من خلفه: - طب استنى اشرب شاي حتى، هو انت لحقت تقعد.

- ربنا يحفظك يارب، ملحوقة ان شاء الله الجيات كتير، سلام ياطارق باشا.


اردف بكلماته قبل أن يغادر، فنهض طارق خلفه يغمغم بحنق وصوت خفيض: - يقولها شبهي والجيات كتير وهي تعزم عليه بالشاي، اللي ما عملتها في مرة حتى معايا.

-انت بتقول حاجة ياطارق بيه؟

- لا ياستي مافيش، عن إذنك.

رد على سؤالها وهو يخرج بأناقة رغم غضبه: ...

في وقت لاحق من اليوم.


حينما أتى وقت استراحة الموظفين، خرجت سريعًا وكأنها طفلة وهذا موعد خروجها، فاأخيرًا سمح لها هذا المتجبر لتأخذ فرصتها كالاَخرين، كانت تهرول بخطواتها وكأنها تخشى منه إيقافها، لا تعلم أنها مراقبة من شاشته كالعادة، دوى هاتفها باتصال دولي فبطئت من خطواتها لتجيبه: - الوو، ايوة ياخالي بتتصل ليه تاني؟

- هو انا لحقت اتكلم معاكي أصلًا يابت ال، نسيتي انك ناهيتي وقفلتي في وشي من غير استئذان.


خبئت بكفها ضحكتها قبل أن ترد على سبته: - مافيش فايدة فيك، مهما وصلت ولا اتعلمت ولا حتى سافرت، برضوا واخد طبع رقية في الشتيمة.

- ايوة ياختي انا واخد طبع امي في الشتيمة خليكي انت المؤدبة فينا.

اردف خالد قبل أن يضحكها مرة أخرى ثم أكمل: - المهم بقى عشان انا مش فاضي دلوقتي، بكرة ان شاء الله هايوصلك عالبنك بالمصري كدة يجي خمسة وخمسين الف جنيه.

- خمسة وخمسين.


- ايوة يابنتي، هاتدفعي منهم لسمسار الغبرة قسط خمس اتشهر الشقة على الشهور اللي فاتت والخمسة مصاريف ليكِ انتِ وستك.

رددت زهرة على تخوف من المسؤلية: .

- ربنا يسهل ياخالي ان شاء الله.

شدد خالد بكلماته: - خلي بالك من نفسك يازهرة وحرسي من الحرامية ياعين خالك، انا سالف نصهم، يعني قدامي كام شهر تاني على مااقدر ابعت غيرهم.

- تمام ياخالي ربنا هو المعين.

- ونعم بالله.


بعد انتهائها من المكالمة مع خالها نزلت بالمصعد سريعًا الى كافتريا الشركة وهي تطلب غادة كي تصاحبها الى هناك، وقبل أن تصل الى هناك، كادت أن تصطدم به خارجًا من إحدى الغرف، رفع كفيه يتراجع ضاحكًا بقهقهة حتى اخجلها فابتسمت له بخجل، ردد بغير تصديق: - اقسم بالله انا لو حلفتلك اني كنت بفكر فيكِ، اكيد مش هاتصدقي صح.

تسائلت بابتسامة مستترة تدعي الجدية: - ليه يعني؟


- عشان غيبتي كتير قوي المرة دي، وانا كل يوم ادخل الكافتيريا مخصوص عشان اشوفك وانتِ مابتجيش.

قال مباشرةً بدون مواربة أجفلها حتى انعقد لسانها عن الرد واخفضت عيناها كالعادة، هم ليتابع هو ولكن ظهور غادة اوقف كل شئ.

- واقفين مكانكم ليه؟ ماتكملوا طريقكم عالكافتيريا.

قالت غادة وهي تقترب منهم، رد عماد: - لا وحاجة، انا بس كنت بحكي لزهرة عن فرح اختي اللي تم امبارح.

- ايه دا؟ انت اختك اتجوزت صح امبارح؟


سألته غادة وارتفعت انظار زهرة اليه لتتبين صدقه، اجاب هو بكل ثقة: - حمد لله ربنا تم على خير وسترناها، عشان افضى بقى لنفسي وادور انا كمان على صاحبة النصيب.

قال وعيناه على زهرة التي وصلها تلميحه، فتابع يخاطبهم: - تعالوا معايا جوا اجيبلكم حاجة تشربوها، وبالمرة افرجكم عالصور.


وافقت غادة بحماس حتى سحبت معها زهرة المترددة، ليجلسن الثلاثة على طاولة وحدهم، يريهم صور شقيقته والعائلة واجواء الفرح، وهن يعلقن على مايرونه بتركيز، غافلين عن أعينٍ تراقبهم من خلف الشاشة بغيظ، حتى فاض به وخرج من الغرفة نهائيًا.


حينما قارب انتهاء فترة استراحتها، ذهبت زهرة الى موقعها على الفور، حتى لا تترك له فرصة لمعاقبته بتأخرها، ولكنها اصطدمت به فور عودتها جالسًا على طرف مكتبها، واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ينظر أمامه في الفراغ، ظنته شاردًا فتمتت داخلها بقلق: - استر يارب، ودا ايه اللي مقعده هنا؟ دا البريك حتى مخلصش.










التفت اليها فجأة وكأنه شعر بحضورها، فاعتدل بحسده مخاطبًا إياها بأمر: - البسي شنطتك عشان انتِ خارجة معايا دلوقتِ حالًا، عندنا ميعاد مع عميل مهم.

رددت بعدم استيعاب: - اخرج فين حضرتك؟ ثم ان جدول مواعيدك النهاردة مافيهوش مواعيد مع عملة أساسًا.


أردف لها بحزم: - دا ميعاد ظهر فجأة، فبلاش تجادلي معايا واخلصي ياللا انا مستنيكي في العربية تحت، تحرك ليذهب ولكنها أوقفته هاتفة: - بس يافندم انا مابخرجش معاك في المواعيد اللي زي دي، كارم هو اللي بيقوم بالمهمة.

التفت برأسه اليها ناظرًا من طرف عيناه يجيبها بغموض: - لا ماهو الوضع اتغير، زي مافي حاجات كتير هاتتغير بعد كدة!

بعد قليل.


بداخل المطعم الفاخر، والجديد عليها بديكوراته الغريبة، والوانه الهادئة، إضائته الخافته وموسيقى بالكاد تسمع، وزعت الطاولات فيه بشكل متباعد، يناسب خصوصية زبائنه القلائل والواصخ من ملابسهم ومايرتدونه، حجم الغناء الفاحش، عكس ماترى دائمًا في المطاعم التي تعرفها، أو حتى التي دخلتها مع كاميليا. بدء القلق يسري بداخلها وهي ترى نفسها وكأنها من كوكب اَخر بينهم، بالإضافة الى نظراته المسلطة عليها مباشرةً والتي تشعرها بعدم الأرتياح، تتملل في جلستها، تتهرب بعيناها بالنظر حولها في أرجاء المكان حيث تذهب كل دقيقة نحو المدخل، مع دخول كل فرد من الرجال وكأنها ستعلم بهوية العميل الذي لا تعرفه.


- إيه مالك متوترة ليه؟

سألها بصوته الأجش، قالت هي بارتباك وهي تنظر حولها بطرف عيناها: - ولا حاجة يافندم، بس حاسة نفسي غريبة بلبسي عن الناس اللي هنا.

- انتِ مش غريبة يازهرة، بالعكس انتِ أحلى منهم كلهم.

- نعم!

أردفت بها وهي ترفع عيناها اليه ولا تدري ان كانت سمعت جيدًا أم لا، ليجفلها بقوله الاَخر: - تعرفي تفرقي بين الرغبة والحب الحقيقي يازهرة؟


سهمت وهي تنظر اليه وقد ارتسم على ملامح وجهها عدم الفهم مع بوادر الغضب، فتابع: - انا مش بسألك بنية وحشة بالعكس انا عايزك تفهمي اللي عايز أقوله.

- وإيه هو اللي انت عايز تقوله؟

قالت بحدة لم تؤثر فيه، اردف بسؤال: - قوليلي يازهرة انتِ اتخطبتي قبل كدة؟

- لا.


نفت بقوة فابتسم بزاوية فمه بارتياح واومأ لها: - اشربي اللي قدامك يازهرة، انا طلبتك قهوة باللبن زي مابتحبي، بس هي مختلفة شوية عشان هنا بيعمولها بشكل يجنن، انا قاصد اجيبك هنا أساسًا عشان كدة.

نظرت الى الفنجان الذي يقصده فتفاجأت بحجم الرغوة التي تشكلت أمامها وكأنها قلوب، رفعت رأسها ناظرة اليه بقوة تسأله

- هو انت عايز توصل لإيه بالظبط ساعدتك؟

- أوصلك انتِ

- إيه؟


خرجت منها بخوف حقيقي وأكمل هو: - انا عايز اتجوزك يازهرة،. 

            الفصل الثالث عشر من هنا 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-