رواية الصندوق الفصل الحادى عشر بقلم الهام عبده
#الصندوق
#الحادي_عشر
خرج سالم من غرفة الضيافة غاضباً متحدياً تلك المغرورة غير منتبهاً إلي أنه وضع بسمة بين المطرقة و السندان، تلك الحرب التي اشتعلت بينهما أصبحت هي تدفع ثمناً فيها، ادخلها في المعركة ووضعها في المواجهة و الآن يطلب منها إما تقف أمام الموج و تتخطاه و إما تعود و تلغي الرحلة..
وقفت في مكانها كالعامود لا تتحرك فليس أمامها سوي ثمانٍ و أربعون ساعة و هي لا ناقة لها و لا جمل فيما يحدث
فكرت قليلا هل تذهب عنده و تحاول استعطافه ليلغي تلك المواجهة؟؟ لا بالطبع لن يوافق أم هل عليها طلب المساعدة؟؟ نعم و لكن ممن ؟؟ من سيساعدها و كيف ؟؟ ..
تحركت أخيرا لتخرج من القاعة فوجدت أمامها كاريمان التي قالت لها في برودة واضحة : القهوة جاءت في وقتها .. طعمها ممتاز كالعادة .. سلمت يداكِ
وقفت بسمة تتنهد من حالها و ما يحدث ف سيدتها في الماضي تستكثر عليها نعمة الحاضر و زوجها في المستقبل يستنقص أدائها و يقسو عليها لكن حتما هناك حل لذلك المأزق، لن تقبل بالخسارة فبالرغم من انها تعلم جيدا أن السيد سالم لا يراها كزوجة حتي الآن و تعلم أيضا أنها مجرد دفاع عن كرامته لكنها ستتمسك جدا بما منحته لها الحياة، يكفيها ان تكون جزءا و لو ضئيلا من حياته، يكفيها ان تصبح سيدة بجانبه و في كنفه و رعايته و ربما الأيام تجعله يغير مكانتها في داخله ...
طرقت باب والدته السيدة بثينة، سيدة خمسينية غير متعلمة لكنها ليست بجاهلة فالحياة مدرسة كبيرة فإذا وضعنا السيدة بثينة في مقارنة صغيرة مع كاريمان هانم ذات العلم و المدارس الأجنبية مع تحييد فارق السن نجد ان السيدة بثينة تفهم في البشر جيداً، علمت ابنها كيف يكون شهما و شجاعا و كيف يؤسس لنفسه عملا و تجارة حتي أنه بعد وفاة والده أدار دفة الأمور جيدا و ضاعف ثروة أبيه و حافظ علي مكانة عائلته بينما كاريمان التي تعلمت في المدارس و أتقنت عدة لغات نجدها عاجزة عن فهم من حولها بداية من سالم مروراً ب إيفان و أخيرا بسمة فهي تحتقرها و تضغطها برغم انها فتاة بسيطة طيبة لا تحتاج فخا ليوقعها بل كتفا يساندها...
دخلت بسمة للسيدة بثينة و نظرت لها بعينين متوسلتين ففهمت ع الفور انها تريد شيئا فقالت لها
السيدة بثينة: تفضلي يا بسمة .. ماذا تريدين؟
بسمة : عفوا منكِ .. انا اعرف انك لا ترينني مناسبة للسيد سالم و لكنني واقعة في ورطة و اريدك أن تساعدينني ان امكن
السيدة بثينة : ورطة ماذا ؟ اشرحي لي الموضوع
بسمة : لن أطيل عليكِ، باختصار قد رآني السيد سالم اقدم القهوة ل كاريمان هانم و هذا اغضبه جدا مني و الآن امهلني يومين اما أن اجعلها تعد لي القهوة و إما تُلغي الخطبة و ينتهي كل شئ
ابتسمت السيدة بثينة و تأوهت في الوقت نفسه لما يحدث : مازالتِ لا تعرفين كيف تتصرفين كسيدة، بالطبع الوضع كله جديد عليكي .. تقولين عليها هانم و تنادين خطيبك بالسيد .. إن حالتك يرثي لها و إن استمريت علي هذا المنوال ستزداد متاعبك اكثر و لن تستطيعي كسب تلك الفرصة الذهبية التي أتت لك مثل الحلم ..
بسمة : أعلم أنني ينقصني الكثير، لكنني سأتعلم و سأحاول بذل قصاري جهدي لكنني بحاجه لمساعدة فهل ستساعدينني ؟؟
السيدة بثينة: نعم .. سأساعدك لكي أمنحك فرصة أخري اخيرة
ابتسمت بسمة بسعادة و قالت : ماذا علي أن أفعل ؟؟
السيدة بثينة : لن تفعلي شئ الآن حتي أقول لكِ .. سأدبر الأمر أولا و لكن لا تتحركي الا مثلما أقول
بسمة : هل سأنتظر فقط ؟
السيدة بثينة : حتي الآن... نعم
بسمة : حسنا .. لساني عاجز عن الشكر
السيدة بثينة : أجلي الشكر حتي نتمم المهمة
انصرفت بسمة و قد تبدل حزنها و كآبتها بعد أن طمأنتها السيدة بثينة
مع الغروب خرجت السيدة بثينة لاحتساء الشاي كالعادة و دعت كاريمان للجلوس معها ليبدأ حوارهما
السيدة بثينة : كاريمان .. وصيفتك هذه أصبح لها جناح خاص و أصبحت تأتي و تذهب امام عيني كثيرا و هذا لا يريحني
كاريمان : و انا مثلك تماما و لكن السيد سالم ابنك هو من تسبب في كل هذه الفوضي فماذا نفعل ؟
السيدة بثينة : أنا بإمكاني أن اطلب منه أن يأخذ لها بيتا آخر و لكنني لا أود احزانه فلو جعلناها هي من تطلب منه سيكون أفضل بكثير
راقت لكاريمان الفكرة فتبسمت و قالت : نعم .. فكرة جيدة لكن كيف؟؟
السيدة بثينة: إنها وصيفتك و تعرفينها جيدا .. الا تعرفين كيف تساومينها؟؟
كاريمان تذكرت الاسورة و اومأت بالموافقة و قالت : بلي أعرف ... و سأصل معها لصفقة جيدة
السيدة بثينة: اذن اسرعي فغدا يسافر سالم و غيابه قد يطول و لا أود رؤيتها تحوم حولي كثيرا و انت أيضا ... أليس كذلك ؟
كاريمان : نعم .. انتِ محقة
انسحبت السيدة بثينة بعد أن انهت شايها و ذهبت لجناحها ثم اوصل الخادمة بأن تحضر بسمة سراً إليها، عندما دخلت بسمة قالت لها
السيدة بثينة: ستأتي لك أميرة الذكاء تلك بعد قليل لتساومك لكي تطلبي من سالم مغادرة القصر ... بذكاء اطلبي منها كوب من القهوة تقدمه لكي أمام سالم ليتأكد أن اعدادك للقهوة كان ع سبيل الصداقة فحسب و يسامحك لانه غضب كثيرا و بالطبع لن تقولي شيئا عن المهلة ... قولي لها بالحرف " أن أعددت لي كوب من القهوة أمامه ففي اليوم ذاته لن نكون معا بنفس المنزل " لا تزيدي أكثر من هذا .. أفهمت ؟
بسمة : نعم فهمت و لكن هل سأترك البيت حقا ؟
ضحكت السيدة بثينة: لا .. اطمئني و اتركي الباقي لي
دخلت كاريمان مساءاً إلي جناح بسمة بعدما تأكدت ان سالم خرج من البيت، قابلتها بوجه بشوش و جلست بالقرب منها و حاولت اقناعها أن وجودها في بيت خاص سيبعدها عن المشكلات و الاحتكاكات فقبلت بسمة طالبةً كوب القهوة بدون أن تزيد حرفاً ع كلام السيدة بثينة
تفاجئت كاريمان بالطلب فهي أميرة و لم تدخل المطبخ ابدا الا لتعطي تعليمات لمن به و لكنها لا تحتمل وجود تلك السمراء هنا و في جناح أكبر و أفخم من جناحها كأنها السيدة و هي الضيفة، بعد تفكير لعدة دقائق قبلت و اختارت ميعاد الصباح ليكون في حضور سالم ...
بعد خروجها من جناح بسمة، صعدت فوق المهد و فوق كل قطع الأثاث و هي ترقص بسعادة حتي انها لم تسمع صوت خطوات سالم او طرقه ع الباب فرأته فجأة ينظر مبتسماً و قال : يبدو أنكِ حققتي تقدما سريعا
بسمة : نعم .. موعدنا غدا صباحا
سالم : جيدا جدا يا بسمة .. لأول مرة تفشلين توقعاتي و لكنه من دواعي سروري .. تصبحين ع خير
_____________________________
جاء الصباح و بسمة مستيقظة منذ الفجر تنتظر كوب القهوة المنقذ، بعد قليل تناولوا طعام الإفطار و حان موعد القهوة، جلست السيدة بثينة و سالم و بسمة في الخارج أمام القصر فيما اعد احد الخدم القهوة و اخذتها كاريمان لتقدمها للجميع في تفاخر بينما داخلها يأكل بعضه أكلا فقد أتي عليهم يوم تقدم به خدمة الضيافة و السبب هو وصيفتها، جلست و ناولت نفسها كوب قهوتها و جلست في صمت ثم نظرت لبسمة و كأنها تقول الآن حان دورك، رأتها السيدة بثينة فقالت لها : ألم يخبرك سالم يا أميرة؟
كاريمان : بم ؟
السيدة بثينة: سنقيم تعديلات في المنزل و سنحتاج جناحك و لكن مكانتك محفوظة بالطبع فقد أعددنا لكي منزل الضيوف في الجهة الاخري.. عذرا يا أميرة و لكنها ظروف طارئة ...
امتعضت الأميرة و أدركت اللعبة و لكن بعد فوات الأوان فقد حسم أمر تلك الجولة لصالح بسمة بفضل السيدة بثينة
عندما حاولت كاريمان حشر بسمة في الزاوية قالت لها كما اوصتها السيدة بثينة : قد وعدتك أننا لن نبقي في ذات البيت و ها قد تحقق الوعد 😆😆 ....