رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن بقلم سهام صادق
بخطوات مترددة اتجهت "ليلى" نحو غرفة مكتب "عزيز الزهار" بعدما أشار إليها أحدهم بالدخول حيث يتواجد رئيس قسمها السيد "عادل".
شعرت "ليلى" بالحرج عندما وجدت أنظار الموجدين -من رؤساء الأقسام- تحركت نحوها.
أخفضت "ليلى" عيناها نحو الأوراق التي تحملها، فأسرع السيد "عادل" نحوها وعلى محياه ارتسمت ابتسامة لطيفة.
_ شكرًا يا "ليلى".
هزت "ليلى" رأسها إليه ثم استدارت بجسدها لتُغادر.
دقيقة واحده حبست أنفاسها فيها.
مجرد دقيقة جمعتها به بغرفة واحدة لكنها لم تستطع رفع عيناها والنظر إليها.
_ اتفضل يا "عزيز" بيه.
نظر "عزيز" نحو السيد "عادل" بعدما توقف عن مناقشته مع السيد "رفعت" الذي يتولى شئون المصنع.
أعطاه السيد "عادل" الأوراق وأردف.
_ ده جرد حسابات الست الشهور الأخيرة من السنه.
ألقى "عزيز" نظرة سريعة نحو الأوراق التي قدمها إليه السيد "عادل" الذي واصل كلامه مادحًا بـ "ليلى" التي تم توظيفها بأمر منه هو شخصيًا.
_ البنت اللي أمرت بتعينها يا فندم حقيقي كل يوم بتثبت إنها كانت محتاجه لفرصه، صحيح هي ينقصها الخبرة لكن ذكية وبتتعلم بسرعه.
استمر السيد "عادل" بمدح "ليلى" بمبالغة ظنًا منه أن "ليلى" تعد من أقارب السيد "عزيز".
ضاقت عينين "عزيز" وانتبه أخيرًا على ما يتحدث عنه السيد "عادل"
إنه لا يتذكر الأسماء بسهوله...
"ليلى" !! تمتم الاسم بخفوت.
"ليلى" هي ابنة شقيق "عزيز" سائقه.
أسرعت "ليلى" نحو المرحاض الخاص بقسمها وفور أن دلفت داخله أطلقت زفيرًا طويلًا.
اتجهت نحو المرآة المعلقة على الحائط تنظر إلى إنعكاس صورتها.
خديها متوردين، أنفاسها تعلو وتهبط بسبب سرعة خطواتها عندما غادرت مكتبه إلى أن وصلت الدور الذي تعمل به.
تعلقت عيناها بانعكاس صورتها بالمرآة وسُرعان ما كانت تنظر لحالها بنظرة مصدومة.
_ معقول يا "ليلى" بقيتي معجبه بشخص من مجرد كلام بتسمعيه عنه من "شهد" وعم "سعيد"، أوعي تكوني متخليه إنه في الدقيقة اللي وقفتي فيها في مكتبه بصلك أو لمحك حتى... لا مش معقول تكوني فكرتي كده.
اِزدَردت لُعابها وقد صدمتها حقيقة مشاعرها نحو "عزيز الزهار"...
لقد فُتِنَت بهذا الرَجُل من الأحاديث التي تسمعها عنه.
هزت رأسها بيأس من حالها ، تنهر نفسها بصوت مسموع.
_ أنتِ بس مبهوره بشخصيته عشان طول عمرك حياتك كانت مقفوله.
تمالكت "ليلى" أخيرًا نفسها وعادت لعملها لكن ظل عقلها منشغلًا بذلك اللقاء الخاطف.
تتساءَل داخلها هل رآها "عزيز الزهار" ؟؟؟
هل انتبه على اسمها عندما شكرها السيد "عادل" ؟؟؟
...
نظرت "ليلى" إلى كعكة الليمون لمرة أخيرة قبل أن تضعها داخل الفرن.
_ كده مش فاضل غير السلطة.
تمتمت بها واتجهت لتأخذ الطبق الذي وضعت به "عايدة" الخضروات ولكن قبل أن تمسه يداها.
_ لا مش أنتِ اللي هتقطعيها يا "ليلى"، كفايه عليكِ كده يا حببتي..
ثم ارتفعت صوتها منادية.
_ "شــهــد"
أسرعت "ليلى" بالتقاط الطبق، بعدما ارتفع صوت "عايدة" مره أخرى تنادي على "شهد".
_ "شهد" شكلها جايه تعبانه من المدرسه النهاردة، خلينا أعملها أنا.
أصرت "ليلى" عليها، فزفرت السيدة "عايدة" أنفاسها بضجر من أفعال ابنتها.
_ أنا مش عارفه مالها النهاردة، من ساعة ما جات من المدرسه وقافله على نفسها أوضتها.
_ تلاقيها تعبانه من المدرسه والمذاكرة.
تمتمت بها "ليلى"، لكن داخلها كانت تشعر أن هناك أمرًا حدث لها بالمدرسه، فعندما عادت من عملها وجدتها تدفن رأسها أسفل وسادتها وتكتم صوت بكائها.
_ أنا خايفه أكون دلعت البنت دي يا "ليلى".
قالتها "عايدة" ثم أطلقت تنهيدة طويلة.
_ حاسه مش متأكده يا "عايدة"؟
تعلقت عينين "عايدة" بشقيقها "سعيد" الذي دلف المطبخ للتو وقد ألقى كلمته واتجه نحو البراد ليُخرج منه زجاجة المياة.
حركت "عايدة" رأسها بقلة حيله وأخذت تُقلب الطعام.
اكتفت "ليلى" بالنظر نحو "عايدة" بتعاطف، فدائمًا ما ينتقضها العم "سعيد" في تربية وحيدتها.
بعدما تناول العم "سعيد" دوائه نظر إليهم متسائلًا.
_ خلصتوا الأكل ، عايز اروح اسخن الأكل لـ "عزيز" بيه... شكلكم مش هتعشوني النهاردة.
وهكذا كان العم "سعيد" متذمرًا إذا اجتمع بينهم.
_ عشر دقايق يا "سعيد"... يكون "عزيز" رجع من بره.
قالتها "عايدة" في عُجالة ثم أسرعت برفع غطاء الإناء الأخر لتأكد من نضوج الطعام.
_ هي "شهد" فين، مش بتساعدكم ليه.
صاح العم "سعيد" بصوت عالي.
_ "شــهــد".
ضربت "شهد" رأسها بالوسادة بعدما استمعت لنداء خالها
إنها لا تستطيع الإختلاء بنفسها في هذا المنزل...
اجتمعت أفراد الأسرة حول طاولة الطعام الصغيرة وقد تلذذ العم "سعيد" بتناول وجبته المفضله.
_ تسلم ايدك يا "عايدة".
اتجهت أنظار "عايدة" نحو "ليلى" وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة عريضه.
_ تسلم ايد "ليلى"، حببتي هي اللي عامله طاجن البسلة باللحمة النهاردة.
تعلقت عينيّ "عزيز" بها وعلى وجهه هو الأخر ارتسمت ابتسامة واسعة.
_ تسلم ايدك يا "ليلى".
اتبعهم العم "سعيد" قائلًا.
_ تسلم ايدك يا بنتي.
ارتبكت "ليلى" من مديحهم إليها وشعرت بالسعادة لرؤيتهم يتناولون طبختها بشهية.
طالعت "عايدة" ابنتها خلسة وقد بدأت تشعر أن ابنتها بها شئ اليوم، فصمتها هذا ليس بسبب توعكها.
انتهوا من تناول طعام العشاء وعندما أرادت "شهد" الإنسحاب إلى غرفتها أسرعت "ليلى" بإلتقاط يدها قائله.
_ "شهد" أنا عملتلك كيكة الليمون اللي بتحبيها.
بملامح ظهر عليها الفتور تمتمت "شهد".
_ مليش نفس يا "ليلى".
ابتعدت "شهد" لكن "ليلى" التقطت يدها مجددًا.
_ لا لازم تدوقي طعمها وتقوليلي رأيك.
فهمت "شهد" أخيرًا سبب إصرار "ليلى" عليها بتذوق الكعكة.
فوالدتها تسلط عيناها عليها بشك.
اجتمعت العائلة أمام التلفاز ما عدا العم "سعيد" الذي إتجه نحو الڤيلا.
صنعت "عايدة" الشاي وقطعت "ليلى" الكعكة التي فاحت رائحتها الطيبة بأرجاء المنزل.
...
طعام العشاء اليوم كان خفيفًا كما طلب "عزيز" من خادمة العجوز لكن الأمر لم يكن يسعد العم "سعيد" عندما وضع له أطباق الطعام.
_ هو ده برضوه عشا يملا البطن يا بني.
قالها العم "سعيد"، فابتسم "عزيز" بعدما التقط شريحة الخيار ليضعها على قطعة الخبز.
_ يا راجل يا طيب أنا مقدرش على أكلك وأكل "عايده" الدسم كل يوم.
_ أكلنا دسم برضوه يا بيه... ده أكل يرم العضم.
هز "عزيز" رأسه يائسًا من خادمة
فأمس أعد له شوربة الكوارع التي لم يُقاومها "عزيز" والتهم الطبق وقضى ليلته متخم لا يستطيع النوم.
_ كفاية كارثه إمبارح، تغريني أنت بأكلك وأنا افضل طول الليل مش عارف أنام.
_ لو كانت معاك واحده ست.. كانت سهرت على راحتك يا بيه..
قالها العم "سعيد" بعدما وجد أن الحديث بينهم يسمح ليدس به الكلام الذي ربما يجعله يتزوج لكنه لا يعلم أن "عزيز" يفهمه تمامًا.
_ أحوال "عزيز" إيه مع بنت أخوه.
تساءَل "عزيز"
وبدهاء استطاع تغيير دفه الحوار الذي لا يكف العم "سعيد" عن ذكره .
_ البنت بدأت تتأقلم على حياتها معانا وخصوصًا لما اشتغلت في المصنع، الله يكرمك يا بيه.
ابتسم "عزيز" ثم عاد ليقضم قطعة الخبز بعدما غمسها بطبق الجبن القريش.
_ النهاردة "ليلى" كانت طبخالنا طاجن لحمه بالبسلة .
رفع "عزيز" عيناه نحو العم "سعيد" الذي أخذ يمدح طعام "ليلى".
_ هي "عايدة" لحقت تعلمها أسرار أكلها.
_ البنت ما شاء الله يا بيه... ست بيت تشيل مسئولية... يا بخت اللي هيتجوزها...
أدب وتربية وعلام وجمال وبنت تعرف المسئولية... الله يرحم الناس اللي ربوها... ولاد حلال أحسنوا تربيتها.
استمر العم "سعيد" بسرد خِصال "ليلى" الحميدة التي أدهشت "عزيز" وجعلتهُ مبهورًا.
غير مصدقًا أن فتاة بعمرها هكذا تكون.
انتهى "عزيز" من تناول عشائه واتجه إلى غرفة مكتبه.
...
حدقت "شهد" بقطعة الكعك التي لم تتناول منها إلا القليل لتتظاهر أمام والديها أنها بخير.
لكن الوجوم المرتسم على وجهها كان يلفت نظر "ليلى" ولم تكن السيدة "عايدة" بغافله عنه.
_ أبيه "عزيز" بيحب كيكة الليمون.
قالتها "شهد" بعدما انتفضت من فوق المقعد الجالسة عليه وقد انتقلت انظارهم عليها بدهشة.
لم تنتظر سماع رد منهم وأسرعت نحو المطبخ لترى كم تبقى من قطع.
دخلت والدتها خلفها المطبخ تتعجب من فعلتها التي أثارت دهشتهم واستنكارها.
_ أنتِ رايحه فين دلوقتي؟
_ رايحه الڤيلا يا ماما عند أبيه "عزيز"، خالي هناك.
قالتها "شهد" ببساطه وتحركت لتُغادر المنزل متجهه نحو الڤيلا.
_ "شهد"، إحنا لينا حدود هنا مع "عزيز" بيه...
التقطت "عايدة" ذراع ابنتها، فابتسمت "شهد" ثم أسرعت بتقبيل خدها.
_ مش هتأخر يا ماما، هديله الكيكه وامشي علطول.
_ خالك مش هيعجبه تصرفك.
لكن "شهد" كانت غادرت بالفعل.
رأي "عزيز" الضجر مرتسم على ملامح زوجته التي اقتربت وجلست جواره على الأريكة.
_ مالك بس يا "عايدة".
_ عجبك تصرف بنتك.
ارتفعت ضحكات "عزيز" من إستياء زوجته الذي يراه لا داعي له.
_ وفيها إيه يا "عايدة"، أنتِ عارفه "شهد" بتحب "عزيز" بيه قد إيه... ده هو اللي مسميها ومربيها.
_ البنت كبرت يا "عزيز".
ضاقت عينين "عزيز" وقد صرف عيناه عن التلفاز كما صرفت "ليلى" أذنيها عن أي حديث يدور بالتلفاز وركزت أذنيها معهم.
_ اوعي تقوليلي إنك خايفة على "شهد" من "عزيز" بيه.
قالها "عزيز" بصدمة، مما جعل قلب "ليلى" يخفق بقوة دون سبب.
أسرعت "عايدة" بنفي ما قاله ووصل له عقله من كلامها.
_ أنا اخاف من "عزيز" بيه على بنتي، أنا خايفه عليها هي... البنت متعلقه بيه أوي، مفيش على لسانها غير أبيه "عزيز".
_ أنتِ قولتي بنفسك أهو بنتك شايفه "عزيز" بيه إزاي.
_ أنت مش واخد بالك إزاي كانت قاعده مسهمه وفجأة قامت من وسطينا.
نهض "عزيز" من جوارها يهز رأسه مستنكرًا.
_ شكلنا هنبطل نتفرج على المسلسل اللي مش هيجي من وراه غير خراب عقولنا، بقى تشكي في ابنتك.
تعلقت عينيّ "ليلى" بالتلفاز الذي يعرض حكاية تمثل واقع.
غادرت "ليلى" غرفة الجلوس بوجه جَلَّى عليه الصدمة.
تسطحت على فراشها واندست تحت الغطاء تحملق بسقف الغرفة.
...
اندهش العم "سعيد" من وجود "شهد" أمامه وقد ضاقت عيناه في تساؤل قبل أن يلتقط بعينيه ذلك الطبق الذي وضِع به قطعتين من الكعك.
_ أبيه "عزيز" في المكتب ولا طلع أوضته يا خالي.
تساءَلت "شهد" وهي تنظر حولها حتى تهرب من نظرات خالها.
بنظرة متشككة رمقها العم "سعيد" ثم قال.
_ البيه لسا صاحي لكن من أمتى "عزيز" بيه بياكل حلويات في الوقت ده.
توترت "شهد"، فهذا الرد ما كانت تتوقعه من خالها.
_ "ليلى" مظبطه السكر كويس... أنت حتى دوقتها وعجبتك.
_ هاتي يا "شهد" الطبق وارجعي البيت.
قالها العم "سعيد" واقترب منها ليتلقط الطبق.
أسرعت "شهد" بإزاحة الطبق عنه مما جعل "سعيد" ينظر إليها بنظرة مندهشة من ردة فعلها.
توترت "شهد" من نظرت "سعيد" لها وطأطأت رأسها نحو الطبق.
_ أنا عايزه اديهاله بنفسي.
التقط "عزيز" ما نطقته "شهد" أثناء دلوفه للمطبخ، اتسعت ابتسامته عندما نظر إلى "شهد" التي أسرعت بالإقتراب منه.
_ عملت أنا و "ليلى" كيكة الليمون... أنا عارفه إنك بتحبها يا أبيه.
امتقعت ملامح العم "سعيد" من كذبة ابنة شقيقته، فـ "ليلى" وحدها من صنعت الكعكة.
_ خالي مكنش عايز يخليني أدهالك بنفسي.
رفع العم "سعيد" أحد حاجبيه ونظر إليها باستياء لكن فضل الصمت.
_ تسلم ايدك يا دكتورة.
هذه الكلمة كانت تجعل قلب "شهد" يتوق لتحقيقها.
ثم أردف بمزاح لطيف يليق به.
_ خالك بيحب يضيع مني الحاجات الحلوه.
اتسعت حدقتيّ العم "سعيد" وأشار نحو نفسه.
_ أنا يا بيه، ده انا إمبارح عملتلك طاجن كوارع من اللي يسعد القلب ويرم العضم.
_ كان هيجيب أجلي.
قالها "عزيز" ثم ارتفعت صوت ضحكاته وشاركته "شهد" بالضحك..
_ امتى أشوفك دكتوره عشان تعالجيني من أكله.
أردف "عزيز" بمشاكسه ثم نظر إليه، فوجده عابس الوجه.
_ عايز كوباية شاي من ايدك يا راجل يا طيب... وأنت يا "شهد" تعالي معايا عشان أدوق الكيكة واحكم بنفسي.
عندما دلفت "شهد" وراء "عزيز" غرفة مكتبه، حملت ملامحه الجديه وتساءَل.
_ عينك فضحاكي ،فمن غير مقدمات كتير... قوليلي إيه اللي مضايقك.
أخفضت "شهد" رأسها وأخذت تقص عليه ما حدث معها بالمدرسة.
احتدت ملامح "عزيز" وهو يستمع إليها إلى أن توقفت "شهد" عن الكلام ورفعت عيناها إليه.
شعر بالألم وهو يرى دموعها العالقة بأهدابها.
لا يصدق أن هناك فتيات بلا تربية هڪذا، فكيف يُعاير أحدًا غيره بفقره بل ومديرة المدرسة تقوم بالتفرقة بين طالباتها من أجل مكانة الأهل.
أخرج "عزيز" محارم ورقيه من جيبه واقترب منها ليُعطيها لها.
_ امسحي دموعك يا "شهد"، مش عايز اشوفك بتعيطي على حاجه زي دي تاني... أنا ليا كلام مع مديرة المدرسة... المهزلة دي مش هسكت عليها.
_ أبيه "عزيز" أنا ضربتها بالقلم.
نظر "عزيز" إليها ثم ابتسم.
_ تستاهل، ما دام هي فعلا بنت متربتش وبدون أخلاق.
ظنت أن "عزيز" سيعنفها لكن "عزيز" كعادته داعم لها منذ أن كانت طفله صغيره...
_ يعني أنت مش زعلان مني...
تلك النظرة التي رأها في عينيها جعلته يُخفف من حدة عتابه لها.
_ أنا لو هزعل منك... فهزعل لأنك مجتيش وحكتيلي من الأول.
طأطات "شهد" رأسها بخجل وسُرعان ما كانت ترفع عيناها إليه عندما قال.
_ فين جواب استدعاء ولي الأمر.
نظرت إليه ثم أسرعت بإخراج جواب الإستدعاء من جيب بنطالها.
التقط منها "عزيز" الجواب ثم وضعه وراء ظهره عندما استمع إلى خُطوات العم "سعيد" تقترب من الغرفة.
_ الشاي يا بيه.
تعلقت عينين "عزيز" بالعم "سعيد" الذي أخذ ينظر لابنة شقيقته وقد شعر أن وراء قدومها الليلة شئ تخفيه عنهم.
ارتبكت "شهد" من نظرات خالها لها.
_ شكرًا يا راجل يا طيب.
ثم نظر إلى "شهد" بنظرة فهمتها وأردف.
_ عشان اكفأك على طعم الكيكة اللذيذة دي... بكرة يا ستِي أنا اللي هوصلك للمدرسة.
التمعت عينيّ "شهد" وحركت له رأسها بابتسامة واسعه.
انصرفت "شهد" تحت أنظار العم "سعيد"، الذي رمقها ثم رمق سيده بفضول.
أراد أن يسأل عما تحدثت به ابنة شقيقته لكن "عزيز" قطع عليه الأمر بعدما تناول قطعه من الكعكة وتلذذ بمذاقها قائلًا.
_ طعمها لذيذ.
تناسى العم "سعيد" سؤاله وعلى الفور قال.
_ "ليلى" هي اللي عملاها لوحدها.
حرك "عزيز" جانب شفتيه بنصف ابتسامة ثم التقط قطعه أخرى يلتهمها.
_ شكل نفسها في الأكل حلو.
والعم "سعيد" لم يترك رد "عزيز" هكذا بل استرسل مُجددًا هذه الليلة بمدح "ليلى".
...
استشاط "هشام" غضبًا بعدما أنهى مكالمته مع حارس البناية التي يسكن بها والده.
نظرت له زوجته التي تُجاوره وتساءَلت.
_ مين اللي عايز خدامه.
تجهمت ملامح "هشام" ثم نهض من جوارها.
_ بابا يا ستي، شكل الهانم اشتكت من شغل البيت فحب يريحها... هي فاكره نفسها معيشنها معاه عشان تتبغدد.
رمقته "لبنى" بنظرة لامباليه.
فـ بالنهاية "زينب" ابنة أخيهم الغير شقيق الذي لم يتقبلوا وجوده بحياتهم يومًا...
فهذا ما زرعته السيدة "هدى" والدتهم داخل قلوبهم حتى وفاتها.
اتجه "هشام" نحو غرفته ليهاتف شقيقه "مصطفى" وشقيقته "رحاب" التي تعيش بالخارج مع زوجها.
استطاع "هشام" إقلابهم عليها بعدما أوصل لهم الصورة التي أرادها.
وقفت "زينب" أمام مرآة غرفتها تتأمل عليها الثوب الذي اشتراه لها جدها والذي سترتديه بعد غد في حفل خطبة ابن عمها "مصطفى".
ابتسامة واسعة ارتسمت على محياها وهي تدور به، إنها سعيدة للغاية... فجدها الحبيب لا يتوانى في تدليلها وإغداقها بحنانه.
ارتفع رنين هاتفها، فأسرعت نحو الهاتف لتلتقطه.
وقعت عيناها على اسم عمها "هشام" الذي فور أن أجابت عليه.
_ إحنا وافقنا تعيشي ليه مع سيادة اللواء، مش عشان تخدميه وتراعيه.. ولا خلاص افتكرتي نفسك بقيتي صاحبة بيت.
_ أنا مش فاهمه حاجه يا عمو.
قالتها "زينب" بصوت متقطع لكن "هشام" استمر بتوبيخها.
_ اوعي تنسي إننا مستحملين وجودك وسطينا بس عشان خاطر سيادة اللواء... غلطة واحده منك وأنتِ عارفه أنا ممكن اعمل فيكي إيه يا بنت "أسامة".
انسابت دموع "زينب" على خديها تستمع إلى ما يُخبرها به في صمت.
_ بكره تقولي لسيادة اللواء إنكم مش محتاجين خدامة تدخل البيت...
_ حاضر.
أنهى "هشام" المكالمة ثم زفر أنفاسه بقوة...
فلولا والده الذي جلبها لهم منذ خمس سنوات بعدما مات والدها ما كان وافق على أن تعيش بينهم ..
يكفي أن جدتها خانت والدتهم رحمها الله -التي مدت لها يدها بالعون- وتزوجت من والدهم.
حكاية مضى عليها أكثر من أربعين عامًا.
لم يعنفها "هشام" وحده على أمر ليس لها به علم.
بل اسمعها كل من عمها "مصطفى" وعمتها "رحاب" كلام قاسي.
كتمت صوت بكائها حتى لا يسمعها جدها.
استمرت بالبكاء حتى تورم جفنيها.
_ "زينب".
ارتفاع صوت جدها باسمها، جعلها تنتفض من فوق فراشها..
لم تكد تتحرك نحو المرحاض حتى تتمكن من سكب الماء على وجهها.
حتي وجدت جدها أمامها يتفرس ملامحها وينظر إليها بنظرة ثاقبة
وما يخاف منه صار يراه يومًا بعد يوم.... أولاده لن يرحموا حفيدته إذا فارق الحياة وتركها وحيده.