رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (بعنوان أنشودة الأقدار) الفصل التاسع 9 بقلم نورهان ال عشري



رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (بعنوان أنشودة الأقدار) الفصل التاسع 9 بقلم نورهان ال عشري




 بسم الله الرحمن الرحيم 

الأنشودة التاسعة 💗🎼

أكرم قلبك بالرحيل عن كل ما هو لا يليق به. وانأى بذاتك عن تُرهات القوم حتى و لو ألزمك الأمر المُضي في الإتجاه المُعاكِس ! فليس كُل دارِج حق و ليس كل مُغاير بغي …

نورهان العشري ✍️ 

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

نشيج صامت ، عبرات بكماء ، جسد ساكن و روحٍ مذبوحة تبغي النجاة و لكن اي نجاة حين ينشب الإنتقام مخالبه في أعماق النفوس ؟ فيتبدل قوس قزح إلى رمادي و ذلك الصفاء إلى غيوم تُهدد بإنفجارات مُروعة .

_ أنا نازل ورايا شغل في الشركة .. اتمنى لما ارجع تكوني هديتي ..

هكذا تحدث بنبرة رغم جفاءها إلا أن الحزن كان متشعبًا بداخلها على عكس نبرتها حين قالت ساخره
_ اتمنى ! 

زفرة قوية أحرقت جوفه كما احرق الحزن قلبه الذي بالرغم من كل شيء قاده إليها بخطٍ وئيده ليلثم جبينها الدافئ باعتذار صامت نثرته شفاهه كتعبير عن ذلك الحزن المرير الذي يجيش بداخله و كان اضعافه بداخلها لذا أغمضت عينيها تستشعر قربه الذي هو أحب ما يشتهي قلبها الذي يود الصراخ طالبًا منه عدم المغادرة و لكنها تفاجئت بعد لحظات بباب الغرفة يُغلق إعلانًا عن رحيله .

كظمت غيظ قلبها و ألمه و قامت لتتوجه إلى المرحاض كي تخلع عنها كل هذا الوجع فوقفت أسفل المِسحاح بملابسها لينهمر شلال المياة فوقها و تمتزج معه بحور الدمع المُنبثِق من عينيها لتتشكل صورة مُريعة لإمرأة خاضت مع الحياة معارك ضارية و حين أوشكت على الظفر بجولتها الأخيرة انتهى الوقت ! 

*************

_ طب انت كدا هتبقى متشتت يا حبيبي ما بين القاهرة و اسماعيليه ؟ 

هكذا تحدثت فرح وهي تساعد سالم في إرتداء معطفه فاستدار مُلثمًا خدها الأيمن وهو يقول بخشونة
_ موضوع الانتخابات دا مفيش في رجعة . مُضطرين نتحمل لحد ما نشوف هترسى على ايه ؟

كانت عينيها تتابعانه بفخر يتخلله إعجاب كبير  
_ هترسى اني هبقى مرات سيادة النائب أن شاء الله ..

سالم بتخابث

_ شامم ريحة استغلال نفوذ من دلوقتي .

تدللت وهي تقف على أطراف أصابعها لتحوي عنقه بين ذراعيها و تصبح على مقربة منه حتى تعانقت أنفاسهم 
_ تعرف من الحاجات اللي بتعجبني فيك انك لماح . 

عانقت ذراعيه خصرها بينما أخذت أنامله تعزف بعبث فوق ظهرها وهو يقول بصوت أجش 
_ لماح و بس ؟ 

لكم تهوى تلك النظرات الشغوفة التي تعِدها بجنته التي باتت إدمانها و ترياق الحياة بعينيها 
_ هو انا قولتلك قبل كدا انك اجمل راجل شافته عيني !

هالك لا محالة أمام إمرأة تحوي فتنة العالم أجمع بعينيها و نبيذ العشق بين شفتيها و دفء العالم بين طيات ذراعيها 

_ عايز اسمع كل اللي اتقال و اللي متقالش .

همست بخفوت 

_ طب و مشوار اسماعيليه ؟

_ يتأجل !

تدللت قائلة 

_ و الانتخابات ؟ 

تماوجت نظراته حتى دكنت وهي تتوقف أمام ضفتي التوت خاصتها ليقول بخفوت وهو يلامسهم بتمزز من فرط نعومتهما 

_ تتأجل . كل حاجه في الدنيا تتأجل إلا أنتِ ...
تغنجت قائلة بابتسامه مغوية
_ وهو دا المطلوب إثباته .

ما أن انهت كلماته حتى اقتنص تلك الثمار الشهية من فوق شفتيها الناعمتين و أخذ يتمزز بطعمهم الرائع بينما يديه تعزفان بشغف فوق ساحة جسدها البض وهي تبادله تأخذ و تعطي بنهم أفقده صوابه للحظات قطعها شعور بالخوف تسلل إلى قلبه الذي لازال يتذكر ليلتهم العاصفة و ما تلاها من دمار ليقطع قبلتهم وهو يحويها بضمه قوية اتبعها قائلًا بخشونة اذابتها

_ خلتيني بين نارين يا فرح . اعمل فيكِ ايه ؟

همست بحنو 
_ سلامتك يا قلب فرح ..

رفع رأسه يناظرها بحنق وهو يزمجر معترضًا
_ وبعدين يعني ؟ 

تعلم أنها تلهو فوق اوتار صبره الذي لا ينفذ سوى معها لذا ابتسمت قائلة بدلال 

_ لا بقولك ايه هتتعصب عليا هزعل و أنا الزعل خطر عليا 

هتف بتذمر 
_ والله أنتِ اللى خطر عليا ..

ابتسمت بحب وهي تعانق يديه ليتوجها للأسفل فإذا به يلحظ الخروج العاصف لسليم من باب المنزل وسط صيحات مروان 

_ اسلومه ؟ انت يا ابني ؟ 

لم يجيبه سليم فوجه حديثه إلى ريتال قائلًا باندهاش 
_ ماله دا مابيردش ليه ؟ يكونش عشان شعره طول شويه محدش مالي عينه ؟ 

ريتال باستنكار 
_ أو يمكن يكون مش فاضي أو متضايق مثلا ياعمو !

ناظرها مروان بسخط تجلى في نبرته حين قال  
_ و أنتِ بقى عينوكي محامي عن كل اللي في البيت ؟ أنتِ مالك أنتِ اصلا ؟ 

_ عامل دوشه ليه عالصبح ؟ 

كان هذا صوت سالم الفظ وهو يتدلى من أعلى الدرج وبجانبه فرح تتأبط ذراعه فالتفت مروان يناظرهم وهو يقول بنبرة ساخطة خفيضة
_ شوف البت لازقة فيه ازاي ؟ عامله زي القُرادة بالظبط . 

ريتال بخفوت
_ و انت مالك يا عمو مش مراته ! 

_ طب اسكتي . اسكتي .

انطلق ليقابل سالم عند أسفل الدرج وهو يقول بتهليل 
_ الله اكبر ؟ دا صباح الفل و الورد و الياسمين على الكبير بتاعنا 

قام بنزع يد فرح من يده وهو يقول بفظاظة
_ ايدك بس من هنا معلش . 

تابع وهو ينظر إلى سالم بفخر تجلى بنبرته وهو يصيح
_ ايه يا ابني الحلاوة دي والله انت خسارة في البلد دي . تعالى أما ارقيك . 

سالم بامتعاض 
_ مروان قصر . 

مروان بصياح 
_ والله أبدا لازم ارقيك . هو احنا عندنا كام سالم الوزان و بصراحة العين وحشة و خصوصا الخضرة المدورة اللي لسه مستوتش دي ..

كان يتحدث وهو ينظر إلى فرح التي كان الغيظ يأكلها من أفعاله الغير مُبرره ولكنها فضلت الصمت و ارسال سهام نظراتها المستفزة ليتوجه الجميع إلى طاولة الإفطار فتابع مروان حديثه قائلًا
_ ايه الشياكة والحلاوة دي بس ؟ عليا النعمة برنس . حلوة البدلة دي . 

خرجت الكلمات مُحمله بفخر يتخلله العشق الذي اطل من عينيه حين قال 

_ ذوق فرح .

مروان بصراخ اجفلهم جميعًا
_ وحشة . الصراحة تقرف . عندك بدل أحلى . اتفضل غيرها 

سالم بحدة 
_ نعم ! 

تدخلت فرح تتغزل بسالم قاصدة اغاظة مروان 
_ البدلة حلوة عشان انت لابسها يا روحي . انت اللي محليها اصلا ..

لا تفلح ريتال في قمع ضحكاتها ثم قالت بتشفي
_ كدا انطي فرح واحد و عمو مروان صفر .

مروان بسخط 
_ ايوا اضحكي عليه . اضحكي عليه.

سالم بفظاظة
_ انا مش فاضي للعب العيال دا . 

التفت موجهًا حديثه لفرح 
_ فرح مش هوصيكِ . أنتِ عارفه هتعملي ايه ؟ 

فرح بحنو مطمأن لقلبه 
_ متقلقش يا حبيبي ..

استنكر مروان ما يحدث قائلًا 
_ ايه دا معلش ؟ هو في اسرار بينكوا انا معرفهاش؟ 

فرح بتشفي

_ طبعًا في . اومال هيبقى أسراره معاك انت مثلًا ! 

مروان بتهكم 
_ طبعًا أسراره معايا ..

فرح بسخرية 
_ كان زمان و جبر . 

مشاكساتهم اضفت جوًا مرحًا على المكان خاصةً و أن جميع الوجوه مُغبرة إلا من سما التي كانت تبتسم على مشاكساته فجاءها صوت همت المُمتعض
_ بقى دا المعتوه اللي عايزة تكملي حياتك معاه ؟!

أجابتها سما بخفوت و لهجه تحمل من الحب الكثير 
_ والله يا ماما دا عسل أوي ..

_ عسل أسود ..

هكذا تحدثت همت بحنق و نبرة مرتفعة قليلاً فجاءها صوت مروان الممتعض حين قال 
_ هو أنتِ كل حاجه عندك سودا ؟ حتى العسل ! دا حِزن ايه دا اللي حط عليك دا يا مروان ؟ 

همت بحدة 
_ بتقول حاجه يا مروان ؟ 

مروان بلهفة
_ لا يا حبيبتي دانا بقول أن اللون الاسود لون جميل . و ميحبهوش غير العظماء . اللي زيك كدا ! 

_ اه انا بحسب ! 

مروان بتملق
_ لا تحسبي ايه هو انا اقدر دا أنتِ لو بتحبي الاسود اسخمطلك وشي هباب عشان خاطرك ..

همت بسخرية
_ لا وعلى ايه ؟ هو أنت ناقص تشويه في منظرك ؟ 

تعالت الضحكات و من بينهم ضحكات شيرين المُجلجلة و قهقهات كُلًا من طارق وهمت المتشفية و شاركتهم أيضًا ريتال فناظرهم مروان بسخط وهو يقول
_ عجبتكوا اوي ؟ والله ما فيكوا صاحب يتصاحب ! ماليش غير البت جنة هي اللي حبيبتي. 

طافت أنظاره على الطاولة ولم يجدها فقال باستفهام 
_ اومال هي فين ؟ منزلتش ليه ؟ 

لم يُمهلهم الوقت للرد بل قال بسخط موجهًا حديثه لفرح 
_ ما تقومي تشوفي أختك بدل ما أنتِ لازقة فيه كدا ! 

زجره سالم قائلًا 
_ اظبط نفسك بدل ما اظبطك .

لا تعلم لما انتابها شعور قوي بالقلق على شقيقتها لذا التفتت تناظره قائلة بهدوء
_ هقوم اطمن على جنة و اشوفها اتأخرت ليه ؟ 

سالم بصرامة 
_ افطري الاول عشان تاخدي دواكِ . وبعد كدا اعملي اللي أنتِ عايزاه ..

أوشكت على الاعتراض فاوقفتها نظرته الصارمة فلجأت للصمت إلى أن انتهى وقت الإفطار و توجه سالم برفقة كُلًا من مروان و طارق إلى غرفة المكتب و توجهت هي رأسًا إلى غرفة جنة التي كانت تجلس أمام المرآة ترتدي ثوب الإستحمام و خصلاتها تتناثر منها قطرات المياة كما تناثرت قطرات الألم من عينيها التي كان احمرارها يوازي جمرات مُشتعلة بنيران الجحيم التي أُلقيت به ! 

_ الجميل سرحان في ايه كدا ؟ 
استفاقت من شرودها على كلمات فرح المداعبة فحاولت محو معالم حزنها قبل أغتصاب ابتسامة واهنة على ملامحها الشاحبة و هي تقول 
_ فرح . صباح الخير .

_ صباح الورد و الفل و الياسمين . عامله ايه النهارده ؟ 

هكذا استفهمت فرح بحنو و قد شعرت بخطب ما في نظرات شقيقتها ولكنها لم تفصح عن مكنوناتها 
_ الحمد لله تمام . أنتِ عامله ايه ؟ منزلتيش الفطار ولا ايه ؟ 

_ لا نزلت و فطرت و خدت دوايا و جيت اشوفك منزلتيش تفطري ليه ؟ 

اجابتها وهي تعيد لملمة خصلاتها 
_ لسه صاحية ويدوب خدت شاور و كنت هنزل . 

هربت من أسر نظرات شقيقتها متوجهة إلى داخل غرفة لملابس وهي تقول 
_ ثواني هغير هدومي و اجي ننزل سوى ..

استراحت فرح على الفراش خلفها وهي تحاول نفض تلك الأحاسيس المُخيفة التي تنتابها من حين لآخر و تحاول قمع رغبتها بفتح ذلك الأمر الشائك مع شقيقتها التي خرجت بعد وقت ليس بكثير مُرتديه فستان قطني باللون الأزرق القاتم و هو ليس من ضمن قائمة ألوانها المفضلة لطالما كانت تحب الألوان المُبهجة التي تُشعرها بالحياة . 

_ مزاجك مش حلو ولا ايه ؟ 

هكذا استفهمت فرح فغزى الأضطراب قلب جنة التي لم تكُن تُريد الخوض في أي حديث قد يودي بها إلى إنهيار آخر 
_ لا ليه بتقولي كدا ؟ 

فرح بنبرة ذات مغزى 

_ اصل اللون الكحلي مش أحسن حاجه بالنسبالك ؟ 

ابتسمت جنة بمرارة خالطت نبرتها حين قالت 
_ أنتِ لسه فاكرة يا فرح ؟ خلاص بقت كل الألوان شبه بعضها . 

خطت فرح إلى حيث تقف و قامت بامساك رسغها لتُديرها إليها وهي تقول بحنو
_ بتهربي من ايه يا جنة؟ و بتداري عيونك مني ليه ؟ 

بشق الأنفس استطاعت اغتصاب تلك البسمة و استجداء بعضّا من ثباتها وهي تقول 
_ بهرب ايه بس ؟ أنتِ مالك النهاردة ؟ 

_ انتِ اللي مالك يا جنة؟ عنيكِ فيها دموع كتير على الرغم أن الحمار دا معناه انك عيطتي كتير أوي . حصل ايه لكل دا ؟ 

هل تجروء على الحديث دون أن تصرخ حتى تهتز أرجاء هذا المكان ؟ هل تستطيع احتمال ثقل كلماتها و ذرف وجعها و قلة حيلتها أمام رغبتها العاتية في الإنتقام مِن مَن قام بتدمير حياتها ؟ 

_ مفيش حاجه يا فرح. انا بس شديت مع سليم شويه . 

باغتها استفهام فرح الصادم 
_ بخصوص حازم ؟ 

امتقع لونها جراء استفهام فرح التي تكهنت بما حدث ولكنها لم تُدرِك مدى فداحته ولا تأثيره على جنة التي استدارت تحاول انتزاع أنفاسها الغاضبة قبل أن تقول مغلولة 
_ متجبيش سيرة الحيوان دا قدامي .. 

_ ينفع نقعد نتكلم شويه ؟ 

عاندت قائلة 
_ مفيش كلام نقوله يا فرح ..  

فرح بإصرار
_ لا في يا جنة . و في كتير لازم يتقال ..

التفتت بحدة اجفلت فرح التي هالها حديث شقيقتها حين صرخت بحدة

_ مش عايز اتكلم عن الزفت دا . مش عايزة اسمع اسمه . و لا حاجه تفكرني بيه ..

فرح بتعقل
_ ياريت تكوني نسياه فعلًا يا جنة وقتها مش هيكون في كلام يتقال فعلاً .

جنة بسخرية مريرة 
_ هو النسيان سهل اوي كدا ؟ 

فرح بهدوء
_ لا . بالعكس دا صعب . بس مش مستحيل. دي نعمة ربنا انعم علينا بيها عشان بيحبنا ..

جنة بانكسار 
_ واللي مش عارف ينسى يبقى ربنا مابيحبوش ! 

اقتربت فرح خطوتين تحاول احتواء ذلك الألم الهائل الذي يقطر من عيني شقيقتها 

_ لا طبعًا . ربنا نعمه كتيره علينا يا جنة. و نبقى وحشين لو معترفناش بنعم ربنا علينا . عشان وقتها ربنا هيغضب علينا ..

تاهت الاحرف من من شفتيها واحتارت كيف تصيغ مُعانتها فادارت رأسها إلى الجهة الأخرى بيأس احتضنته كفوف فرح الحانية التي حوت وجهها لتُديرها إليها وهي تقول  

_ راميه نفسك في بحور نار و مستنيه منها تعوم يا جنة ! 

استنكرت بقهر 
_ انا اللي رميت نفسي يا فرح ؟ 

فرح بتصحيح 
_ ربنا اختبرك يا جنة . و لما صبرتي كافئك . يبقى تيجي تعترضي و تسيبي نفسك للشيطان يشوه كل الحلو اللي حواليكِ ؟ 

اندفعت بلهفة 
_ لا طبعًا أنا والله بحمد ربنا كتير على كل حاجه حصلتلي خير او شر . حتى مرضي انا راضيه بيه و بكل اللي يجيني منه . بس ... 

صمتت لثوان غير قادرة على سرد ما بجوفها من أوجاع ثم قالت بلهجة محشوة بالألم 
_ مش قادرة اتخيل أنه ممكن يعيش و يتهنى بحياته بعد كل اللي عمله فيا و في غيري ؟ مش قادرة اتخيل أنه ممكن يشوف ابني عادي كدا و يقوله يا بابا ؟ مش قادرة اتقبل فكرة أن نفسه يكون موجود في مكان انا فيه ..

قالت جملتها الأخيرة بصراخ ارتج له قلب فرح التي احتوتها بعناق قوي علها تقذف بعض الطمأنينة في قلبها قبل أن تقول بحنو
_ اهدي يا حبيبتي . مفيش حاجه من دي هتحصل .

انتزعت نفسها من بين أحضانه فرح وهي تقول بحنق من بين الدمع المتدفق بغزارة من مقلتيها

_ لا هيحصل يا فرح و هتشوفي . أنتِ مفكراهم هيعملوا في ايه ؟ دا اخوهم . آخرهم هيبهدلوه شويه و خلاص. عمرهم ما يقدروا يأذوه ولا يعاقبوه العقاب اللي يستحقه . 

فرح باستفهام
_ و ايه العقاب اللي يستحقه في نظرك ؟ 

صرخت بكل ما يعتمل بداخلها من قهر 

_ الموووت ! 

هالها مظهر شقيقتها و مدى القهر و الحقد الذي يتساقط من بين كلماتها و تبرزه نظراتها بقوة فحاولت امتصاص وجعها قدر الإمكان حين قالت 
_ و هو النفي مش موت يا جنة ؟ في طرق كتير للموت . غير اللي في دماغك. و على فكرة أنا اللي بأكدلك أن حازم مش هيرجع البيت دا تاني . ولا هيعيش فيه زي اي حد هنا . 

صرخت بقهر 
_ و ايه اللي يضمن كلامك دا ؟ 

فرح بقوة
_ انا يا جنة اضمنهولك . انا مبقولش كلام و خلاص . انا عارفه بقولك ايه؟ 

جنة بسخرية 
_ طبعا سالم قالك كدا عشان يثبتك ! 

فرح بحدة اخرستها 
_ جنة . بلاش تغلطي عشان مترجعيش تندمي . سالم مش عيل صغير ولا عمره هيقولي كدا . بس انا عارفه جوزي كويس . سالم راجل و راجل عارف ربنا و مُنصف . و مُستحيل يضيع حق حد . و أنتِ بالنسباله مش حد . 

استمهلت نفسها لثوان قبل أن تُضيف 
_ أنتِ مرات اخوه و أنتِ عارفه سليم بالنسباله ايه ؟ و بنت اتظلمت و أنتِ شفتي بعينيك عمل ايه عشانك قبل اي حاجه و في المقام الأول أنتِ أختي و بنتي و هو عارف ان اي حاجه تمسك تمسني . 

أعادت كلمات فرح بعض النور إلى ظلمة قلبها ولكن أبت شيطاين الجحيم الصمت فإذا بها تقول جفاء
_ و تفتكري يا فرح لو خيروا سالم بينك وبين حازم بكل أخطاءه هيختار مين فيكوا ؟ 

إلى هنا و فطنت فرح إن هناك أشياء خفية تحدُث مع شقيقتها لتجعلها تصل إلى الكل المنعطفات الخطرة ولكنها اجابتها ببراعة
_ ومين قالك اني ممكن احط نفسي في مقارنة زي دي ؟ 

صمتت لثوان قبل أن يصل إلى عقلها هاجس خطير جعل وميض الغضب يتراقص في مُقلتيها فجاءت نبرتها قوية حين قالت 
_ اللي سالم و سليم فيه دا ابتلاء ربنا يكفينا شره . انا دوقت ناره لما عرفت في المستشفى انك مدام مش آنسه يوم الحادث . و عارفه قد ايه طعمه مُر . و بشفق عليهم منه . 

حاولت مقاطعتها فاوقفتها يد فرح الحازمة و كذلك كلماتها حين قالت بجفاء
_ وبعدين لما ابقى عارفه نقطة ضعف جوزي و ادوس عليه ابقى انا كدا ظالمه . و ربنا ميرضاش بالظلم يا جنة. 

جنة بقهر
_ واللي حصل معايا يافرح مش ظُلم 

فرح بقوة
_ ظُلم . يتحاسب عليه اللي اتسبب فيه . مش ناس ملهاش ذنب ! ناس وقفت جنبنا و احتوتنا و طبطبت على وجعنا. ناس ربنا بعتها لينا عشان يقولنا أن بعد الصبر جبر . و بعد الضلمة نور .. 

كانت تعلم أن الحديث لا يدور حول سالم من الأساس وقد تكالبت عليها اوجاعها للحد الذي جعلها تتراجع لتسقط فوق السرير بتعب تجلى في زفرة حادة مزقت جوفها كما فعلت كلماتها حين قالت 
_ انا وجعته أوي يا فرح . قولت كلام صعب مكنتش اتخيل أقوله . ضغطت على نقطة ضعفه بكل قوتي . انا حسيت عينيه بتترجاني اسكت و مسكتتش . 

تناثر الألم من مقلتيها حد التدافع لتتحول موجة بكائها إلى نحيب فعلا صوتها وهي تقول من بين عويلها

_ انا دوست على نقطة ضعفه بكل قوتي . مرحمتوش . ولا رحمت قلبي اللي كان بيترجاني اجري اترمي في حضنه ...

لن ينج الغريق ما لم يجد تلك القشة التي تنقذه والتي تمثلت في عناق فرح القوي وهي تحاول تهدئة جنة التي تنتفض حزنًا و قهرًا تساقط من بين حروفها وهي تُضيف 
_ غصب عني يا فرح . جوايا نار قايده . كل ما اتخيل السنين تمر و يجمعني بيه أو بابني مكان احس بنار جوايا . مقدرش يشاركني في ابني بعد ما كان عايز يقتله وهو في بطني . مقدرش أحس أن سليم بيحبه أو شايله اي مشاعر جواه.

حاولت فرح تهدئتها قائلة 
_ اهدي يا جنة و بطلي عياط . كل حاجه هتتحل و اللي بتفكري فيه دي مش هيحصل .. 

صاحت بقهر 
_ دا كلب يا فرح . ميستاهلش يعيش . انا بكرهه . بكرهه . ربنا يحرق قلبه زي ما حرق حياتي و حولها لجحيم . يارب يدوق كل وجع اتوجعته و كل قهره اتقهرتها .  

كانت كلماتها أسهم ناريه تخرج من عمق قلبًا أصبح الجحيم مسكنه فأخذت فرح تربت على ظهرها بلطف وهي تقول بلوعة 
_ اصبري و احتسبي يا جنة . كله عند ربنا و اللي عند ربنا مبيروحش صدقيني .

رددت جنة بأسى

_ حسبي الله ونعم الوكيل. 

★★★★★★★★

_ الصفقة دي هنسبها لمعتز الهلالي .

هكذا تحدث سالم فهب مروان مُعارضًا
_ بتقول ايه يا كبير ؟ ليه نسبهالهم ؟ 

شاطره اعتراضه طارق ولكن على طريقته 
_ متقوليش ان دي قصاد موضوع الانتخابات عشان احنا مش محتاجين نعمل دا !

سالم بفظاظة
_ احنا فعلا مش مضطرين نعمل دا . بس في حاجه اسمها ذكاء في التعامل مع الناس . 

صمت لثوان قبل أن يقوم بفك شيفرات حديثه 
_ تقدر تقولي الصفقة دي هتجبلنا كام ؟ ولا الفلوس اللي هتيجي منها هتغنينا ؟ 

طارق بتفكير  
_ يعني . بس الموضوع مش موضوع فلوس 

سالم بجفاء
_ كويس انك قلت كدا . الناس دي مش محتاجه الصفقة دي ولا احنا محتاجينها بس محتاجين نكسب بعض أو على الأقل منبقاش أعداء . 

مروان بتفكير 
_ هو انا حاسس اني فاهمك بس مش مترجم 

سالم بفظاظة
_ احنا دخلنا الانتخابات من غير ما تقول لحد و دي كانت في ملعبهم ، و الناس طلعوا محترمين و ولاد اصول . يبقى لما هما ييجيوا يدخلوا المناقصة دي قدامنا نطلع احنا بردو زيهم ولاد اصول و نسبهالهم و نبقى كدا كسبنا بدل الفلوس عيلة زي الهلالية لو مش هنحتاجهم هنأمن مكرهم .. 

مروان بتهليل 
_ اللهم صلي عالنبي . دماغ الماظ عليا النعمة . انا موافق عالموضوع دا 

طارق بسخرية

_ على أساس انك بتفهم اوي ؟ 

تجاهل مروان كلماته و أردف بسخرية

_ و ياحبذا بقى لو وطدنا علاقتنا معاهم بالنسب في عندهم حتة بت عبيطة و بكدش كدا كنت بشوفها بتجري ورا عربية الرش ممكن نجوزها لطارق . 

ألم يفلح سالم في قمع ضحكاته من حديث مروان اما عن طارق فلون السخط معالمه وتجلى في نبرته حين قال 
_ و متتجوزهاش انت ليه ؟ 

مروان بشماتة لم يُخفيها 
_ لا يا غالي انا متجوز الدور و الباقي عليك سنجل بائس ولا اقول هيمان في بحر العشق المالح لما جتتك هتنشف أن شاء الله . 

تراقصت أبخرة الغضب أمام عيني طارق ولكن فجأة لمع عقله بفكرة رائعة جعلته يلتفت إلى سالم قائلًا باندفاع

_ بقولك ايه يا سالم انا قررت اتجوز ! 

لم تتغير معالم سالم بل تشابهت مع جمود لهجته حين قال 

_ و ايه كمان ؟ 

طارق بجديه 
_ مابهزرش . انا فعلا عايز اتجوز .

سالم بفظاظة
_ فين الهزار في كلامي . مش مفروض كلامك له كماله ؟ ولا عايز اتجوز و اقطم عار كدا ..

تحمحم طارق بخفوت قبل أن يقول بخشونة
_ اه طبعاً له كماله . انا عايز اتجوز شيرين .

تدخل مروان بسخرية 
_ شيرين عبد الوهاب ؟ لا رجعت لحسام حبيب معلش . خدلك لفة و ارجع تاني تكون خلعته ولا حاجه ..

طارق بحدة 
_ اتلم ياد بدل ما الخبطلك معالم وشك ..

مروان ببراءة 
_ يا ابني مش بعرفك . اومال أسيبك على عماك..
طارق بسخط 
_ عمايا ايه يا متخلف انت ؟ عايز اتجوز شيرين بمن عمتك ..
مروان بتحسر 
_ لا انت اكرملك تستنى لما شيرين تخلع حسام عشان عمتك قافله على بناتها زي الكماشة و مش هتطول صوباع من واحدة فيهم . 

صمت لثوان قبل ان يندفع في الحديث دون أن يعي ما يقوله 
_ و كمان أنا ضارب بينكوا إسفين ميخرش المية يعني استحالة هتبص في خلقتك تاني ..

زمجر طارق بشراسة 
_ ما انت عشان حيوان و لسانك عايز قطعه ..

أوشك مروان على الحديث فتدخل سالم قائلًا بصرامة
_ بطل هري يا مروان . ركز معايا يا طارق . شيرين موافقه عاللي انت بتقوله دا ؟ 

اجاب مروان بدلًا عنه 
_ ولا عارفه ولا عايزة تعرف شكله اصلًا 

زفر طارق بحدة قبل أن يقول بغلظة
_ متعرفش . لسه مفاتحتهاش . 

سالم بحزم ليُنهي النقاش في الأمر 
_ يبقى تأجل الكلام في الموضوع دا لحد ما تعرف رأيها و بالمناسبة خليك حذر في التعامُل معاها عشان هتلاقيني في وشك . 

لم يعجبه الحديث فزمجر غاضبًا 
_ سالم انت كدا بتقطع عليا كل الطرق .
سالم بغلظة
_ لا بختصرهالك في طريق واحد مفيش غيره و انت مُجبر تلتزم بيه . 

زفر بحنق فهو يعلم بأنه مُحِق في حديثه ولكن ما حيلته أمام كل تلك العوائق التي تضعها في طريقهم ! 

★★★★★★★★

_ طب انا تحمل ازاي تكوني قدامي كدا من غير ما احضنك كل شويه ؟ 

هكذا تحدث ياسين وهو يحويها بنظراته العاشقة فتململت في مقعدها بجانبه في السيارة وهي تقول بتذمر 
_ ياسين عشان خاطري . نفسي اعمل ليا أصحاب بجد . انا هنا لوحدي خالص . 

ياسين بلوم 
_ لوحدك ! و انا مش مالي عينك ولا حاجه ؟ 

اقتربت تلامس وجنته بدلال تجلى في نبرتها حين قالت هامسة
_ يا سينو يا حبيبي انت مالي عيني و قلبي . و مفيش حد يتقارن بيك اصلًا 

ارتج قلبه لحديثها و دلالها ولكنه استنكر ذلك اللقي الذي أطلقته عليه لذا قال بتبرم 
_ شوفي مش انا كنت معترض انك تعملي نفسك متعرفينيش . بعد سينو دي إياكِ تقولي لحد انك مراتي . هتجرسينا في البلد .

تعالت قهقهاتها من حديثه و قالت بمزاح
_ ليه هو سينو وحش ؟ 
ياسين بتهكم 
_ وحش ! طب جربي تقولي سينو دي قدام جدي احتمال يجيله زبحة صدرية لو سمعها . يالا قدامي . قال سينو قال ..

تدلى من السيارة وهي بجانبه على اتفاق بأن يفترقا على مشارف بوابات الجامعة فتركها على مضض بعد إلحاح كبير منها فزفر بحنق تجلى في نبرته حين قال 
_ أنتِ غير منطقية وانا موافق بس عشان مزعلكيش بس الوضع دا مش هيستمر كتير . اعملي حسابك . 

حلا بلهفة 
_ حاضر . والله أوعدك ..

لم تفلح لهفتها ولا لهجتها الرقيقة من التخفيف من غضبه ولكنه تركها على مضض بعد أن شدد عليها قائلًا 

_ متخرجيش من الجامعه غير لما اكلمك اقولك اني مستنيكِ بره . اتفقنا ولا لا ؟ 
_ حاضر اتفقنا .

واصل تنبيهاته إذ قال آمرًا 
_ و مفيش اي اختلاط بأي شباب . اللي ييجي يقولك نتعرف تخرمي عينيه و تناديني اخرم العين التانيه .. سامعه 

حلا بلهفه 
_ حاضر سامعه . والله سامعه .

ياسين بوقاحة
_ طب فرصة وأنتِ مُسالمة كدا ما تجيبي بوسه . 

شهقت من وقاحته وقالت تؤنبه 
_ ياسين . انت اتجننت احنا في الشارع ! 

ياسين بامتعاض 
_ مانا معذور بردو . مسمعتش منك حاضر دي من يوم ما اتجوزتك . جايه تقوليها في نص الشارع ! يالا ياختي ..

حلا بيأس من أفعاله 

_ مجنون والله مجنون .

★★★★★★★★

_ جهزت العربية ؟ 

صحح مروان جملة سالم قائلًا 

_جهزت العربيات ! احنا مش هنروح معاك يا كبير ولا ايه ؟ 

سالم بملل 
_ هتروحوا معايا تعملوا ايه يا مروان ؟ هجيب الحاجه واجي على هنا . مش مستاهله زحمة في الفاضي ..

مروان باستنكار 
_ ايه زحمة في الفاضي ! ليه هي اي حد ؟ دي الحاجة أمينة على سن و رمح . قليل لو ما جبنالها زفة من المستشفى لحد هنا .

تدخل طارق بسخط 
_ انت متخلف يا ابني ؟ 

مروان بنفاذ صبر 
_ دا تقدير يا جاهل . روح اجري شوف شادية الهبلة بتسأل عليك ... قصدي شادية الهلالي .

_ اللهم طولك يا روح .

لم يكُن ينتبه لحديثهم فكانت عينيه تُراقب فرح التي كانت ملامحها لا تُفسر وتتنافى مع بريقها قبل الصعود لرؤية جنة و هاهي قد بدأت أحدى الأزمات المؤجلة في الصعود على السطح . 
زفر بقوة قبل أن يُرسِل أليها غمزة فحواها ماذا يحدُث فتلقى إيماءة من رأسها بمعنى لا مجال للحديث فزفر بتعب قبل أن يقول بجفاء 
_ سليم زمانه سبقني على المستشفى هحصله على هناك و انتوا استنونا هنا ..

مروان بصياح 
_ طب والزفة ؟ دانا كنت ناوي اجيب مزمار ! 

صاح طارق بنفاذ صبر 
_ انت واثق في الحيوان دا ازاي يمسكلك الحملة الإنتخابية بتاعتك ؟ 

سالم بجفاء 
_ والله انا خايف ألاقيه بيلف بحمار في البلد و بيقولهم انتخبوا سالم الوزان ! 

★★★★★★★★

_ فيك ايه يا سليم ؟ عنيك مطفيه ليه ؟

هكذا استفهمت أمينة بهدوء وهي ترى ذلك الظلام الذي يُغلف نظراته و يعكس ذلك الحزن الدفين بأعماق قلبه والذي تجاهله وهو يقول بمزاح 
_ الحاجه أمينة بتفوق عليا ولا ايه ؟ مالها عنيا ؟ 

اكتفت بكلمه واحدة تحوي الكثير بداخلها 
_ مبتلمعش . 

مع كل هذا الألم الذي تستشعره روحه هل يمكِن لعينيه ألا تنطفئ ! 

_ قرب مني يا سليم ..

هكذا تحدثت قبل أن تُتيح له الفرصة للحديث فتقدم منها بخطٍ وئيدة و كأنه يحارب الانهزام بين ذراعي والدته التي احتوت كفوفه بين يديها وهي تقول بحنو

_ طول عمرك حقاني يا سليم و اللي بيختار طريق الحق لازم بيتعب .

احتار من مغزى كلماتها فتبلورت حيرته فر نظراته فانتزعته من بئر هواجسه قائلة 
_ انا عارفه كل حاجه مخبيها في قلبك يا سليم . و حاسه بالنار اللي جواك . 

لا يقوى على الهرب ولا يستطِع اطلاق العنان لكلماته شفقةً و رأفة بحال تلك الأم المكلومة والتي لا تفلح في أخفاء وجعها عن أعينهم و حتى لو اخفته جسدها لا يتحمله 

_ نار ايه يا أمي ! مفيش اي حاجه من اللي بتقوليه دا. انا بس قلقان بسبب أن جلسة علاج جنة قربت و أنتِ عارفه هي بتتعب قد ايه فيها .

تأثر قلبها بمحاولته للهرب من هذا الحديث الشائك رأفةً بها ولكن لم يكُن هناك مفر من المواجهة لذا قالت بهدوء
_ اللي تاعب جنة مش جلساتها . سبب تعب جنة كلنا عارفينه . عشان كدا بقولك اللي بيختار طريق الحق بيتعب .

ألى هُنا لم يعُد يستطيع التحمُل فصاح كنمر جريح 
_ و الحل ؟ هفضل اتعب لحد امتى؟ هفضل اشيل ذنب مش ذنبي لحد امتى ؟ 

أمينة بأسى 
_ دا ابتلاء يا ابني و منملكش إلا الصبر عليه . 

_ صابر . صابر و بقول يارب . و مش معترض . بس مش قادر اعمل حاجه . حاسس اني متكتف . حاسس اني عاجز يا أمي قصاد وجعها و وجعي واجبي تجاه عيلتي . 

صمت لثوان قبل أن يقول بقهر لم يفلح في إخفاءه 

_ انا مش مطفي و بس . انا بموت بالبطيء.

كان الألم ابلغ من أن تُعبِر عنه لذا اختارت تجاوزه و بشق الأنفس استطاعت اخراج حديثها بتلك النبرة القوية 
_ و ليه تسمح لنفسك أنها توصل بيك لكدا ؟ 

_ و مطلوب مني اعمل ايه ؟ 

_ تصبر . و تدي لنفسك و ليها وقت تستوعبوا اللي حصل . و خليك عارف و متأكد أن جنة اللي هي فيه دا شيء عابر جاي نتيجة صدمتها . 

سليم بغضب مُروع
_ اشمعنى دلوقتي ؟ ليه ساكته كل دا ؟ 

أمينة بتفكير 
_ يمكن كانت بتقاوم ؟ 

صمتت لثوان قبل أن تُضيف بغموض 
_ أو يمكن يكون حصل حاجه حركت النار اللي جواها دي و خلتها تشعلل تاني ! 
توقف سليم لبرهه يزن كلمات والدته والتي جعلت حوافر القلق تنشب مخالبها في عقله ولكنه تداركها وقال باستفهام 
_ هي جنة كلمتك ؟ يعني اقصد بتتكلمي بناءً على ايه ؟ 

أمينة بصدق
_ مش محتاجه أن جنة تكلمني يا سليم . بس انا كنت متوقعه أن رد فعلها هيظهر في أي وقت . ولما شوفتك النهاردة عرفت انها بدأت تعبر عن اللي جواها . 

زفر بيأس تجلى في نبرته حين قال
_ والحل يا أمي ؟ 

أمينة بتعقل يُنافي لوعتها من الداخل
_ بالهداوة يا سليم . كل شئ بييجي بالهداوة . وانت بتحبها وهي روحها فيك يبقى نصبر على بعض واوعى تسمع لكلامها هي أصلًا مش عارفه بتقول ايه ؟ متاخدش كل حاجه على قلبك . طاطي للريح يا سليم . دا مش ضعف منك بالعكس دا ذكاء . عدي بحياتك لبر الأمان معاها و صدقني مش هتندم ..

لا يعلم كيف يُجيبها حتى أنه لأول مرة بحياته يتمنى الهرب . الهرب من كل ذلك الشعور المقيت الذي يتآمر على روحه فيُمزقها إلى أشلاء ..

★★★★★★★★

كانت السماء صافية مزينة بنجومها المُتلئلئه التي تُحاكي في روعتها عينيها الجميلة و خصلاتها السوداء كليل طويل حالك السواد الذي كانت ترى به مُستقبلها على الرغم من أنها تحيا في كنف والداها الحقيقيين ولكن هناك الكثير من التخبطات بداخلها تجعلها فريسة للكآبة المُضنية التي تحجب عنها رؤية كل ما يُحيط بها من جمال و فجأة أطلت صورته من قرص القمر الذي يتوسط السماء الآن فأخذت تتذكر ما حدث منذ يومين حين كان مع والدها بمكتبه 

عودة لوقت سابق 

_ انت عتچول ايه يا صفوت بيه ؟ 

صفوت بجمود 
_ اللي سمعته يا عمار ؟ 

هب عمار من مكانه وهو يقول بغضب 
_ دا انت جاصد اللي بتجوله ! بجى أنا عمار عمران حفيد الحاچ عبد الحميد عمران اشتغل حداكوا في بيت الحمير ! 

صحح صفوت كلماته بهدوء مُثير للأعصاب 
_ اسمه اسطبل خيل . 

عمار بصراخ 
_ وهي تفرج ! 

صفوت بتحذير
_ صوتك يا عمار ! و بعدين ماهي بنت الوزان وانت شغلتها في الزريبة عندكوا ! 

عمار بحدة 
_ مكنتش بجت بنت الوزان . ولا كنت حبيتها ، وبعدين انت لو مفكر انك أكده بتنجم مني فلاه . مش هيحوصول و خليني افكرك أن لولاي مكنتش عرفت انها بتك من الأساس ..

كانت محاولة جيدة منه بتذكيره بأن له اليد العليا في اكتشاف هذا السر ولكنه أبى الاعتراف بذلك و قال بجفاء
_ صح انت عندك حق . بس انا بقى حر في شروطي للي هيتجوز بنتي . لازم اتأكد أنه شاريها 

تبدلت نظراته إلى أخرى غامضة وهي يقول بتحذير
_ يعني ده آخر حديت عندِك ؟ 

صفوت باختصار 
_ ايوا..

صاح عمار بزئير ارعد الجميع 
_ يبقى متلومش غير نفسك ..

صفوت بحدة 
_ انت بتهددني ؟ 
عمار مُصححًا 
_ لا بعرفك .

صفوت بسخرية
_ بتعرفني ايه أن شاء الله ؟ ناوي تعمل ايه 

_ هخطوفها . اني هخطوفها.

لم يُمهله الوقت للحديث بل اندفع للخارج أمامهم جميعًا وهو يصيح كالثور
_ بصي يا بت الحلال اني دخلت البيت من بابه و الباب اتجفل في وشي . انا اكده عداني العيب يا وزانين . عداني العيب يا سالم يا وزان . لما ابجى أخطوفها ميبجاش حد يلومني . 

كان سالم يقمع ضحكاته بصعوبة على مظهر عمار و كلماته و قد فطن ألى أن صفوت قد أثقل العيار قليلاً لذا قال بتسلية 
_ وماله يا عمار و انت بردو متلومناش على رد فعلنا ..

كلماته كانت وقودًا لنيران عمار الهوجاء فصاح الأخير بجنون 
_ وماله وخليها حرب عالكل . و مبجاش عمار عمران أن ما خدتك يا نچمة من خشم السبع . 

داخليًا تراقص قلبها فرحًا إثر كلماته التي توحي بمدى عشقه لها ولكنها شعرب بالخجل يغمرها وهي ترى نظراتهم المستمتعة بما يحدُث حولهم فصاحت بتلعثم 
_ ايه الحديت الماسِخ ده . خشم ايه و سبع أيه فاكرني جطة ولا اي ؟ 

عمار باستنكار 
_ جطة فرخة ولا حتى بجرة هتجوزك يعني هتچوزك .

اغتاظت من تشبيهاته النكراء فهتفت باستنكار 
_ بجرة ! بيجول ايه البغل ده ؟ 

همست فرح بجانب أذن سالم 
_ سالم أنا هولد قبل اواني مش قادرة امسك نفسي هموت من الضحك . 

سالم مُحذرً  
_ اظبطي نفسك و إياكِ تضحكي ..

جاءهم صوت صفوت من الخارج و الذي بدا مُستمتعًا بمظهر عمار الأقرب للجنون 
_ بقرة؟ اهي عشان بقرة دي في اختبار تاني لازم تمر بيه اومال تقول على بنتي بقرة و اسكتلك ! 

عمار بسخرية 
_ اختبار تاني ؟ اه و ماله ! و المرة دي ايه بجى يكونش عايزني اوكلك الطير ولا حاچة ؟ 

صفوت بتسلية 
_ لا الطيور دي انت هتجبها جاهزة عالطبخ على طول مش فاضيين نربي .. 

_ كَمان ! و ايه بجى الاختبار اللي اني اساسًا مش ناوي اعمله دا ! 

صفوت بهدوء مستفز قاصدًا تذكيره بمعاناتها السابقة بسببه 
_ عايز ابني اوضتين ورا البيت نربي فيهم معزتين و بصراحة مستخسر أجيب بنى و انت موجود . ايه رأيك تيجي تبدأ فيهم من بكرة ؟ 

تذكر حين كانت تعمل في البناء بعد ذلك الاتهام المُروع الذي قذفها به لذلك تجاهل ما يحدُث و اقترب من صفوت قائلًا بتصميم و نبرة جافه 
_ انا واعي للي بتعمله زين . بس أكده انت مش بتاخد تارك ولا بتعوض بتك عاللي حوصول .فكر في حديتي زين و اعرف اني مبسبش حاچة رايدها لو على جثتي ..

التفت يُناظرها بعشق يتنافى مع لهجته القويه حين قال 
_ و اني رايدها . 

عودة للوقت الحالي 

كلما تذكرت تلك الكلمة يرتج قلبها تأثرًا بها و يضرب
 بتحذيرات عقلها عرض الحائط فتجد نفسها أمام حقيقة قوية لا غبار عليها انها واقعه بعشقه حد النخاع .

كانت تستند على الحاجز الحديدي لشرفة الغرفة تعطي ظهرها للخلف و فجأة شعرت بشيء مُدبب يخترق جسدها من الخلف ووووو

الفصل العاشر من هنا

تعليقات



×