رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و العشرون22 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و العشرون بقلم سهام صادق


نظرت "ليلى" إلى أكواب العصير بابتسامة راضية ثم حملتها وخرجت من المطبخ وقد ارتفعت أصوات ضحكاتهم عاليًا. 

تقدمت منهم وعلى محياها ارتسمت ابتسامتها الرقيقة... لتتجه "نيرة" بأنظارها نحوها. 

_ عرفتي منين إني بعشق عصير الفراوله.

ابتسمت "ليلى" وهي تمد لها يدها بكوب العصير ثم انتقلت بعينيها نحو زوجة عمها وسُرعان ما كانت تتجه "نيرة" هذه المرة بأنظارها نحو "عايدة" السعيدة بزيارتها لهم في مسكنهم. 

_ اكيد طبعًا "عايدة". 

قالتها "نيرة" التي تحب دومًا منادتها باسمها ثم مدَّت يدها نحو "عايدة" الجالسة جوارها لتلتقطها بحب. 

_ لا وكمان عملتلك كيكة الشيكولاته، شوفتي غلاوتك عندها.

قالتها "شهد" ثم مطت شفتيها بعبوس. 

_ لكن تيجي عند "شهد" وكل حاجه تتأجل.

ارتفعت ضحكاتهم على تذمرها الطفولي وقد نهرتها
"عايدة" التي صارت تيأس من أفعالها الطفولية. 

_ قولي بقى إنك غيرانه مني.

قالتها "نيرة" وهي تنظر نحو "ليلى" التي ابتسمت. 

_  دلوقتي مبقتش أنا بس اللي بشاركك في "عايدة" .. فيه "ليلى" كمان.

ازداد عبوس "شهد"؛ فارتفعت ضحكات "نيرة" على عبوسها... تركت "نيرة" مشروبها ونهضت من جوار "عايدة" واتجهت إليها لتخرج من جيب سترتها علبة صغيره بها سلسال من الذهب يشبه ما ترتديه حول عنقها. 

وقعت عينيّ "شهد" على السلسال الصغير  وسُرعان ما كانت تخرج شهقتها دون تصديق. 

_ ده شبه بتاعك. 

ابتسمت "نيرة" وهي ترى سعادتها وقد أسرعت "شهد" باحتضانها بعدما تمعنت بالنظر إلى السلسال بنظرة فرحة. 

_ هو إحنا عندنا أغلى منك يا "شوشو". 

_ أنا بحبك اوي يا "نيرة"، البيت ملهوش طعم من غيرك.

نظرت "نيرة" إلى "عايدة" و "ليلى" وقد أخذوا يتابعون المشهد بصمت ثم غمزت إليهم قبل أن تتمتم بمرح. 

_ مش من شوية كنتي مستكتره دلع "عايدة" ليا الكام يوم اللي قعداهم معاكم.

_ أنا قولت كده. 

أشارت "شهد" نحو حالها واصطنعت البراءة وسُرعان ما كانت ترتفع أصوت ضحكاتهم مرة أخرى. 

انضم إليهم العم "سعيد" الذي صارت ملامحه هذه الأيام مبتهجة لعودة البهجة للمنزل. 

_ هروح اقطع الكيكة.

قالتها "ليلى" بعدما تذكرت أمر الكعكة التي أعدتها
"عايدة" إلى "نيرة". 

ابتسم العم "سعيد" وهو ينظر نحو "ليلى" التي نهضت للتو واتجهت نحو المطبخ. 

_ اتعرفتي على "لولو" وحبتيها يا ست البنات.

قالها العم "سعيد"؛ فابتسمت "نيرة" ونظرت إليه. 

_ وبقينا صحاب كمان.

كانت السعادة تتجلى على ملامح "ليلى" وهي تقطع الكعكة وتستمع إلى حديثهم عنها. 

امتعضت ملامح العم "سعيد" عندما تذكر وجود "سمية" بالڤيلا وقد كَثُر تواجدها منذ عودة "سيف". 

_ مالك يا راجل يا عجوز كشرت فجأة ليه. 

تساءَلت وهي تنظر إلى "عايدة" التي انشغلت في حياكة أحد الأثواب وقد هزت لها رأسها بيأس من عدم فهمها لأحوال شقيقها. 

تنهيدة طويلة خرجت من شفتيّ العم "سعيد" ثم أخذ يضرب كفوفه ببعضهما. 

_ مش عجباني جوازة "سيف" بيه من الخوجاية...بقي يسيب بنات بلده ويروح يجبلنا واحده لا نعرف ليها اصل ولا فصل... كان عقله فين.

حدجته "نيرة" بعدم رضى؛ فهي لم يعجبها طريقة زواج شقيقها وقد أخفي زواجه عنهم لينكشف كل شئ فجأة. 

_ نقول إيه يا عم "سعيد" ... النصيب.

_ هو صحيح هيعمل ليها فرح.

تساءَلت "شهد" وقد أصرفت نظرها أخيرًا عن السلسال الذي ارتدته. 

_ اه يا "شهد" ... مصمم إن الناس كلها تعرف بجوازه، ده غير الهانم عايزه تعمل الفرح اللي وعدها بيه.

تجهمت ملامح العم "سعيد" الذي لم يبتلع حتى اليوم تلك الزيجة وسُرعان ما كان يخرج منه الكلام دون ترتيب. 

_ مَا دام الباشمهندس اتجوز يبقى لازم تقنعي "عزيز" بيه يتجوز يا ست البنات .. أنا قلبي تعبني معاه.

توقفت "ليلى" مكانها وقد اختراق الكلام أذنيها، غادرت تلك السعادة التي كانت تحتل ملامحها مُنْذ لحظات وانحبست أنفاسها وهي تتخيل اليوم الذي سيتزوج فيه سيد هذا المنزل. 

_ بحاول أقنعه يا عم "سعيد" حتى إني اقترحت عليه عمة واحده من صحباتي .. دكتوره جامعيه ومن عيلة كبيره ومناسبه اجتماعيًا ليه. 

تهللت أسارير العم "سعيد" عندما استمع إلى مواصفات العروس التي وقع الإختيار عليها. 

_ أنتِ من جهة وانا من جهة و "نيهان" بيه كمان معانا لحد ما نقنعه... ده يوم المنى يوم ما اشوف البيه مع عروسته.

ابتسمت "عايدة" كما ابتسمت "شهد" وقد تمنوا هم أيضًا هذا اليوم لكن سُرعان ما تلاشت تلك السعادة التي احتلت ملامح "شهد" وهي تفكر في حالهم عند يصبح لهذا المنزل سيدة ... هل ستعاملهم مثلما يعاملهم السيد "عزيز" أم سيحدث مثلما تسمع وترى في المسلسلات. 

ارتعشت يدي "ليلى" وأغمضت عيناها بقوة حتى تستطيع طرد تلك الدموع التي علقت بأهدابها. 

_ مالك يا "لولو" واقفة عندك كده ليه. 

تساءَل عمها الذي دلف للتو إلى المسكن واندهش من وقوفها وقد اتجهت أعينهم نحوها بعدما انتبهوا على صوت "عزيز".
..... 

انتهى العُرس الذي حضره العديد من رجال المال والسلطة وقد تم إقامته في أفخم فنادق البلد.

اختفت تلك البهجة التي كانت تحتل مقلتيّ "زينب" عندما أتت لحظة وداع جدها وإدراكها أنها ستذهب لمنزل آخر تعيش فيه. 

حضنها "نائل" بقوة وقد سقطت دموعه وقد تأثر "شاكر" ووالديّ "صالح" بالأمر. 

_ يا "نائل".. "زينب" في عنينا. 

قالها "شاكر" الذي كانت السعادة تحتل ملامحه؛ فقد تحقق مراده أخيرًا. 

_ وكمان يا راجل يا شايب ده ربع ساعة بالعربيه تكون عندها أو هي عندك... يلا يا "صالح" خد مراتك.

ابتعد "نائل" عن حفيدته بعدما اجتذبه "هشام" ابنه البكر وقال مازحًا لعله يُداري حقده. 

_ هتخليها تعيط ومتروحش مع جوزها يا سيادة اللوا.

_ أنا عايزها تروح معايا. 

تمتم بها "نائل" بصدق وجذب يد "زينب" وقد وقف جميع أفراد العائلة مدهوشين من فعلته. 

اجتذب "صالح" ذراع "زينب" التي صارت محاصرة بينهم وكل منهم يجذبها نحوه. 

_ اعذرني يا "نائل" باشا خلاص بقت بتاعتي... 

توردت وجنتيّ "زينب" من شدة الحرج بعد تصريح "صالح" بملكيته لها وقد ابتسم "نائل" بعد حديثه. 

احتل المقت بعض الأوجه؛ فابنة "أسامة" ابتسم لها الحظ وحظت بزيجة تتمناها الكثير من العائلات. 

ربت "نائل" على كتف "صالح" بعدما نظر نحو حفيدته الغالية. 

_ حطها في عينك يا بني، دي امانتي ليك. 

ولم تكن الكلمة إلاّ جمر ملتهب وضِع على قلبه...
... 

تنهيدة عميقة حررتها "ليلى" من أسفل الغطاء الذي غطت به كامل جسدها حتى لا تنتبه "شهد" على بكائها الذي رثت به حالها بعد ما سمعته اليوم من حديث. 

أغمضت عيناها وضمت شفتيها حتى تمنع تلك الشهقة التي كادت أن تخونها وتخرج منها. 

الأمر كان صعبًا عليها ولكن إتخاذ قرار الرحيل والعودة لمدينتها -بعدما استأنست بوجودها مع عائله عمها- أصعب بمراحل. 

ليتها تستطيع إخراج "عزيز الزهار" من قلبها الذي لم يَعُد يتحمل حُب رَجُلًا مثله. 

_ لازم تحاولي يا "ليلى"، قريب هيتجوز... يعني هتشوفيه مع مراته... عايزه عينك تفضحك؟؟
لازم تنسي حبك ليه.

هزت رأسها في قناعة لما قررته ولكن سُرعان ما كانت تخبر حالها بضعف. 

_ بس أنا مش هقدر أنساه. 
... 

وصلت السيّارة -التي قادها "صالح" بنفسه- إلى مسكن الزوجية وقد شعرت "زينب" بشعور غريب اقتحم فؤادها. 

تحدث "صالح" أخيرًا قبل أن يترجل من السيّارة. 

_ وصلنا.

نظرت إليه "زينب" بعدما غادر السيّارة وقد أصابتها الدهشة عندما رأته يتجه نحو البناية دون أن يلتفت إليها. 

هرول نحوه "سعد" حارس البناية وهتف بتهليل.

_ مبروك يا سعادة البيه. 

_ حط العربية في الجراچ.

قالها "صالح" بملامح جامدة أدهشت الواقف الذي ألقى بنظرة سريعة خاطفة نحو العروس التي مَازالت قابعة داخل السيّارة. 

خرجت "زينب" من السيّارة بعدما زالت دهشتها،بصعوبة جرت ساقيها خلفه وقد أرجفت برودة الهواء جسدها. 

دقائق معدودة ووقف المصعد بهم ثم انفتح... أشار بيده لها بأن تتحرك أمامه هذه المرة. 

تعلقت عيناها به وتيبست مكانها. 

_ "زينب". 

أخرجها صوته من حالة السكون التي صارت فيها ونظرت إليه ثم تحركت أمامه وقد احتل الهلع وجهها. 

ارتعشت أوصالها بعدما دلفوا الشقة التي أتت إليها من قبل لتفرش أثاثها وتعيد طلاء جدرانها. 

عندما انغلق باب الشقة تراجعت إلى الخلف وأطبقت على جفنيها بقوة حتى تستطيع التقاط أنفاسها. 

_ بيتهيألي كل واحد فينا تعبان ومحتاجين نرتاح... 

ثم أردف بعدما تحرر من رابطة عنقه. 

_ أنتِ بقيتي عارفه كل مكان في الشقة، تصبحي على خير. 

فتحت عيناها ونظرت إليه في ذهول بعد حديثه الذي جعلها تدرك أنها لا تفهم شئ. 

زفر أنفاسه بقوة ثم أشار لها نحو الغرفة التي ستكون لها منذ اليوم. 

_ دي أوضتك من النهاردة.

اتجهت عيناها نحو الغرفة التي فرشتها ورتبتها لتكون غرفة للضيوف إذا أتوا إليهم. 

رمشت بأهدابها وهي تحاول أن تستوعب ما نطقه، بالتأكيد هي أخطأت السمع.

بصعوبة خرج صوتها. 

_ بس دي أوضة الضيوف... 

كادت أن تشير بأصبعها جهة غرفة النوم التي جعلها تختار أثاثها مثل باقي أثاث الشقة لأنها العروس. 

_ لو مش عجباكي الأوضه... مفيش مشكله نقدر نبدل. 

اتسعت حدقتاها في صدمة؛ إذا ما استوعبته صحيح ولم تخطئ الفهم . 

ازدردت لُعابها ونظرت إليه في حيرة وسُرعان ما كان يخرجها من حيرتها ويصيبها بصدمة ألجمت لسانها. 

_ أنا نقلت حاجتك فيها لكن ما دام مش عجباكي بكره انقل أنا حاجتي  وانتِ تقدري تاخدي الاوضة التانية. 

تحرك من أمامها وتركها في صدمتها... ارتعشت يديها التي تحمل بها فستان زفافها ووقفت تحدق بالفراغ... 

لا تعرف كم مر من الوقت وهي تقف جامدة الجسد، شاخصة البصر. 

دارت بعينيها في أرجاء الشقة هي بالتأكيد تحلم. 

خفضت عيناها نحو ثوب زفافها،تتذكر لحظات سعادتها منذ ساعات وهي تزف له وحين راقصها واحتضنها بين ذراعيه. 

بالتأكيد هي فـي حُلم وستستيقظ... هزت رأسها بقوة لتفيق أخيرًا مما ظنته حُلم. 

جرت ثوب زفافها ورائها وتحركت نحو الغرفة التي أخبرها أنها صارت لها. 

عيناها وقعت على باب الغرفة الأخر المغلق في ألم ممزوج بالصدمة والحيرة. 

والسؤال الذي أخذ يدور بخلدها ما الذي حدث له فجأة وتحول لرَجُل أخر غريب لا تعرفه. 

تنهيدة طويلة أخرجها "صالح" بعدما استمع لباب غرفتها يُغلق، أغمض عيناه بقوة ثم تحرك صوب الفراش. 

أطرق رأسه وأغمض عيناه بقوة لعله يستطيع انتشال نفسه من ذكريات الماضي. 

والماضي هذه الليلة يعود ليطرق أبواب قد أوصدها الزمن.

استيقظ على أنين خافت جعله يفيق من تلك الظُلمة التي سقط بها...استمر في غلق وفتح عيناه حتى يتمكن من الرؤية بوضوح وقد استقرت عيناه عليها. 

نظر إليها ثم هتف اسمها بفزع. 

_ "سارة". 

انكمشت على نفسها والتصقت بالحائط عند سماع صوته وقد ارتفعت صوت شهقاتها عاليًا. 

_" صالح" عور "سارة"،" صالح" وحش. 

طالعها بضياع ثم لطم جبينه ليستطيع تذكر ما حدث أمس. 

الصدمة احتلت ملامحه وهو يرى بقعة الدماء التي لوثت غطاء الفراش. 

عاد ينظر إليها وقد ازدادت في انكماشها وازداد بكائها المتقطع. 

_ "صالح" وحش، انا بكرهه. 

فاق على صوت ارتطام شئ بالأرض؛ فانتفض من على الفراش وغادر الغرفة بفزع واتجه نحو غرفتها. 

_ "زينب" ،مالك حصلك إيه... 

تعلقت عيناه بها وقد كانت تقف قُرب تلك الطاولة الصغيرة تنظر إلى المزهرية التي سقطت دون قصد منها عندما ارتطمت ساقها بالطاولة. 

_ الفازة وقعت من غير ما اقصد. 

قالتها بصوت مهزوز؛ فاقترب منها. 

_ حصل خير، ابعدي عشان متتعوريش. 

نظرت إليه ثم خفضت عيناها التي سال كحلها على وجنتيها. 

تحركت من أمامه لتجلب المكنسة وتلملم تلك الفوضى لكنه أسرع في التقاط ذراعها... 

_ لا خليكي أنتِ، انا هنضف المكان.

هرب من أمامها، فهل لديه قدرة أنا يرى ما أحدثه في نظرة عينيها التي انطفت لمعتها واستوطنتها الحيرة ... 

لقد جعلها عروس منبوذة من عريسها في ليلة الزفاف. 
.... 

أغمضت عيناها بقوة بعدما استمعت إلى صوت بوق السيّارة التي اقتربت من بوابة الڤيلا لتعبرها. 

أسرعت بخُطواتها نحو الباب المخصص للدلوف والخروج وتمنت داخلها ألاّ يلمحها عمها وهي تسير فيعرض عليها توصيلها معهم. 

انبت نفسها لأنها تأخرت اليوم في المغادرة ولكنها رغمًا عنها استيقظت من نومها متأخرة بعدما قضت ليلتها ساهدة. 

_ أقف يا عم "عزيز"، خلينا ناخد "ليلى" معانا. 

قالتها "نيرة" التي تجلس جوار عمها بالخلف وقد انشغل "عزيز" في مكالمة هاتفيه لكن عندما اخترق اسمها أذنيه... تشتت انتباهه واتجه بعينيه نحوها. 

توقف "عزيز" بالسيّارة بعدما أعطي سيده الأمر بأن يقف. 

_ يلا يا "ليلى" يا حببتي، تعالي نوصلك عند موقف الباص.

قالها عمها وقد وقف قُربها بالسيّارة ثم واصل كلامه بمزاح. 

_ أنتِ اصلاً بنت حلال عشان تلحقينا. 

_ اركبي يا "ليلى". 

هتفت بها "نيرة" ببشاشة ثم قالت.

_ عارفة لو مكنتيش رايحة الشغل كنت قولتلك تعالي النادي معايا اعرفك على صحباتي.

تابع "عزيز" الحديث في صمت لكن عيناه كانت عليها وقد أنهى مكالمته الهاتفيه. 

نظرت "ليلى" نحو عمها ثم نحو "نيرة" دون أن تتجه بعينيها نحوه وقد اتخذت قرارها... إنها ستوجع قلبها بإرادتها قبل أن يتمزق من الألم عندما يصبح أمر زواجه حقيقة. 

_ "سلوى" هتاخدني معاها في طريقها بعربية أخوها... أنا بس هطلع ليها على أول الشارع.

كذبت لكن لا سبيل أمامها سوى الكذب. 

تجمدت ملامح "عزيز" عندما سمع ما قالته وقد ابتسم كلا من عمها و "نيرة" لها. 

_ خلاص يا "لولو" ما دام صاحبتك مستنياكي مفيش مشكله. 

قالها عمها؛ فاحتدت نظرات الجالس بالخلف وقد غامت عيناه بالغيرة... فهل "عزيز" سائقه سلس للغاية حتى يقبل ركوبها سيّارة رَجُل غريب حتى لو كانت معه شقيقته. 
تلملمت في نومتها وقد عاقها ثقل ثوب زفافها الذي غفت به... ببطئ أخذت تفتح عيناها لتنصدم بتلك الحقيقة التي ظنتها كابوسًا ستفيق منه عندما تستيقظ. 

ثوب الزفاف الذي مَازالت ترتديه أكد لها ما عاشته ليلة أمس. 

دمعت عيناها؛ فهي لا تفهم سبب لتصرفه ولم تستطيع سؤاله عن سبب ابتعاده عنها... 

وهل يترك رَجُلًا زوجته في أول ليلة لهم معًا ويُخبرها أن لكلّ منهما غرفة منفصلة !! 

_ لا، ده حلم أنتِ عايشه جواه يا "زينب"... 

لقد أرهقها عقلها من كثرة التفكير...نهضت من على الفراش تجر ثوب زفافها الذي أسقطته أخيرًا أسفل قدميها واقتربت من المرآة تنظر إلى مظهرها المشعث. 

لا تعرف كم بقت في المرحاض الملحق بغرفتها لتقف متيبسة عند خروجها. 

تراجعت بخُطواتها عندما رأته يقف في منتصف الغرفة. 

تعلقت عينين "صالح" بها ببطئ وقد استقرت عيناه على شعرها النديّ الذي تتقطر منه المياة. 

عضت على شفتيها عندما شعرت بأن نظراته تلتهمها وقد استمر بتحريك عيناه على جسدها الذي التف في ثوب قطني قصير عاري الأكتاف. 

أشاح عيناه عنها وازدرد لُعابه بعدما أدرك أن نظراته قد طالت ليخرج صوته بخشونة. 

_ الفطار جاهز. 

قالها وغادر دون كلمة أخرى... وقد انفلتت أنفاسها أخيرًا بعد مغادرته. 

.... 

حالة من الشرود اِنتابتها منذ أن وصلت إلى مكان عملها، الإرهاق كان يحتل ملامحها الحزينة... 

تنهيدة طويلة خرجت من شفتيها بعدما أغلقت الملف الذي طالت مراجعتها له ولم يكن هذا من عادتها. 

_ التنهيدة دي أنا عارفاها. 

قالتها "سلوى" التي استندت بذقنها على كف يدها وتنهدت هي الأخرى وقد رفع زميلهم "بسام" -الذي استلم وظيفته منذ أيام- رأسه وابتسم. 

ازدردت "ليلى" لُعابها وحاولت السيطرة على نبرة صوتها. 

_ تقصدي إيه يا "سلوى"؟ 

_ تنهيدة الحب يا "لولو". 

ألقت "سلوى" كلامها ثم أسبلت أهدابها ورفرفتها واستطردت قائلة بعدما تذكرت أخر قصة حب لها. 

_ هو فيه حد بيخلينا من غير عقل غيره.

تجمدت ملامح "ليلى" بعد كلام "سلوى" وقد خرجت ضحكات "بسام". 

_ حب إيه يا "سلوى" اللي هفكر فيه في الشغل. 

قالتها "ليلى" بضيق ثم نهضت والتقطت الملف الذي كانت تقوم بمراجعته. 

_ هو أي حد يكون سرحان يبقى بيحب. 

_ مثلاً يعني. 

تمتم بها "بسام" الذي شاركهم الحديث ثم عاد ليضحك. 

رمقت "ليلى" بنظرة ماقته "سلوى" التي نهضت هي الأخرى من مقعدها وقالت وهي تتجه خارج الغرفة. 

_ هروح أشوف عم "شعبان" مجبش ليه الشاي بتاعي. 

تنهدت "ليلى" بقوة وقد لفتت فعلتها انتباه "بسام" الذي رمقها بحيره.. اتجهت بالملف الذي قامت بمراجعته إلى غرفة مكتب السيد "عادل" رئيسها بالعمل.
.... 

الوجوم الذي ارتسم على ملامحه كان واضحًا للأعين وقد أرادوا اليوم تفادي لحظة غضب منه؛ فبعد حريق المصنع صار "عزيز" حازمًا بالكثير من الأمور حتى يضمن سير العمل بشكل جيد دون إهمال. 

جميع رؤساء الأقسام علموا بوجوده اليوم بالمصنع وقد كان مجيئة مفاجأة لهم. 

جولته كانت بالبداية داخل مبني التصنيع ثم تعبئة الملابس.. وقد أتى أخيرًا وقت مروره بالأقسام الإدارية بالمصنع. 

_ "عزيز" بيه موجود بالمصنع وبيلف بنفسه على الأقسام. 

قالها السيد "عادل" بنبرة حازمة ثم اتجه إلى الخارج. 

تهللت أسارير "سلوى" التي كان لديها أملًا أن تحصل على عريس ذو مكانه ولديه المال ولا بأس أن تأمل بالطرق المشروعة... وقد التقطت حقيبتها واتجهت نحو الحمام الخاص بالموظفين لتعدل من زينتها وترتب مظهرها. 

نظر "بسام" نحو "ليلى" التي تعلقت عيناها بـ "سلوى" في صمت. 

طرقت رأسها مرة أخرى نحو أحد الملفات لتشغل عقلها بالعمل الذي تنجزه بعقل شارد. 

_ "ليلى"، ممكن تقوليلي إيه الغلط في ميزانية الشهر اللي فات.

قالها "بسام" ثم تقدم منها بالأوراق؛ فرفعت عيناها نحوه. 

اقترب منها حتى يفهم الخطأ الذي تغافل عنه ثم لطم جبينه وابتسم.

_ الواحد ساعات عقله بيقف.

إبتسمت له ثم أعطته الأوراق قائلة. 

_ أي حد فينا معرض إنه يغلط أو مينتبهش لحاجه حلها سهل.

اتسعت ابتسامة "بسام" ونظر لها بنظرة تقدير.

_ شكرًا يا "ليلى". 

تجمدت ملامح "عزيز" عند سماع اسمها من فم ذلك الواقف قربها وقد كانت الغرفة فارغة إلاّ منهم... دارت عيناه بينهم وقد تنحنح السيد "عادل" قائلًا. 

_ فين "سلوى" يا شباب؟ 

أتت "سلوى" من ورائه وقالت بصوت خفيض. 

_ أنا اهو يا استاذ "عادل"، كنت بخلص ورق في الشئون الإدارية.

لم تتحرك عينيّ "عزيز" من عليها وقد اشتعلت نيران قلبه التي لم تنطفأ منذ الصباح حين أخبرت عمها أمام عينيه أنها ستذهب للعمل مع صديقتها وشقيقها. 

_ زي ما أنت شايف يا "عزيز" بيه في تعاون دايمًا بينا.. 

ثم أشار نحو "بسام" قائلًا. 

_ "بسام" لسا جديد في القسم.

وابتسم السيد "عادل" وهو ينظر نحو "ليلى". 

_ و "ليلى" الصراحه من اشطر الموظفين اللي اتوليت إدارتهم. 

امتقعت ملامح "سلوى"؛ فـ بالتأكيد سيمدحها السيد "عادل" أمامه. 

تحولت نظرت "سلوى" للسخرية وهي تخبر نفسها أن الصلة التي تربط "ليلى" بالسيد "عزيز" أن عمها سائقه. 

هربت "ليلى" بعينيها عن نظراته التي كانت تتفرسها بطريقة أربكتها وقد خرج صوت "عزيز" أخيرًا. 

_ اتمنى تكون كل حاجه ماشيه بانضباط ودون تقصير يا استاذ "عادل" لأن الشغل شغل. 

قالها "عزيز" وهو ينظر نحو "بسام" الذي شعر بأن نظراته تخترقه. 

_ متقلقش يا "عزيز" بيه، استاذ "عادل" عنده الشغل شغل... كل حاجه معاه ماشيه بدقة.

ثم استطردت بمِـزاح جعلت ملامح "عزيز" تتحول للإستنكار. 

_ بيعاملنا بقواعد عسكرية.

احتدت ملامح السيد "عادل" بعدما رأي نظرات رئيسه وتمتم بنبرة سريعة.

_ يلا يا شباب شوفوا شغلكم. 

غادر "عزيز" المكتب بوجة مكفهر؛ فرؤيته لذلك الشاب الذي يقاربها بالعمر قربها جعلت الغيرة -التي لم يعرفها يومًا- تسيطر عليه... 
.... 

سارت بجانبه داخل ردهة الفندق وقد تقدمهم العامل وهو يحمل الحقائب. 

ابتسم موظف الاستقبال وهو يرحب بهم وفور أن التقط منه الهوية ورأى الحجز المؤكد باسم "صالح الزيني". 

_ مبروك يا فندم... الجناح الملكي بتاع حضراتكم.. وده افخم جناح عندنا حقيقي.

ابتسم "صالح" بمجاملة والتقط منه بطاقة الغرفة بعدما أنهى الإجراءات المطلوبة منه. 

عندما دلفت الغرفة اتجهت عيناها نحو كل ركن بها... 

أغلق "صالح" الباب بعدما منح العامل البقشيش. 

نظرت إليه تتنظر أن يخبرها أين ستنأى بنفسها بعيدًا عنه... فقد وصلتها الرساله وصارت تتبع الأمر في صمت. 

_ أنا هدخل اخد شاور وبعدين هنزل اشرب قهوة تحت. 

تنهد وهو يتحرك من أمامها. 

_ تقدري تاخدي راحتك بعد ما انزل.

أغمضت عيناها بقوة بعد ابتعاده عنها، فكلما أرادت أن تسأله لماذا يعاملها بتلك الطريقة تجمدت الأحرف على طرف لسانها. 

اتجهت نحو الغرفة التي اتجه إليها فقد كانت الغرفة الوحيدة بالجناح. 

تعلقت عيناها بالفراش الواسع الذي توسط الغرفة وقد تناثرت عليه بتلات الورود؛ فالفراش مجهز لاستقبال عروسين ينعمان بأفضل لياليهم. 

استدارت برأسها جهة باب الحمام المغلق ثم عادت تنظر إلى الفراش. 

تنهيدة طويلة خرجت منها، فما الذي فعلته له حتى يجعلها لا تفهم شئ وتتساءَل لما هجرها. 

استمعت إلى باب الحمام يُفتح ثم خروجه منه. 

_ تقدري تدخلي تغيري هدومك... 

يعاملها ببرود كالصقيع.... استدارت جهته لتواجهه فقد كلت من عدم فهمها للأمر.

ازدردت لُعابها وهي تراه هكذا ويُحرك المنشفة الصغيرة بخفة على خصلات شعره. 

اشتعلت وجنتيها خجلًا وأشاحت عيناها بعيدًا عنه وقد التقط فعلتها؛ فابتسم. 

_ إحنا مضطرين نتشارك الغرفة والسرير لأن زي ما أنتِ شايفه.

تحرك أمامها بتلك المنشفة التي تحيط خصره.. لتغمض عيناها بقوة. 

_ "زينب". 

هتف اسمها واقترب منها بعدما لاحظ هروبها بعينيها بعيدًا عنه... تلك النظرة التي تنظر له بها يعلمها تمامًا، نظره تمنى داخله ألاّ تنظر له بها... 

فتحت عينيها على وسعهما عندما شعرت بكفيه يمسح بهما على وجنتيها. 

_ اللي بيحصل بينا محدش يعرفه، تمام.

ارتفعت أنفاسها وهي ترفع عيناها إليه وقد جف حلقها وبصعوبة خرج صوتها. 

_ وليه ده بيحصل؟

ابتسم؛ فأخيرًا تساءَلت بما أراد أن يسمعه منها.

_ جوازنا جيه بسرعة يا" زينب" وأنا متعودتش على ست في حياتي... فلازم ناخد وقتنا. 

اقتحمت الغصة حلقها وأسرعت بإشاحة وجهها عنه. 

_ بس أنت كنت مستعجل لما حددت ميعاد الفرح، جدو مكنش مواقف على كده في الأول. 

ابتسم وهو يراها تبتعد عنه. 

_ لو عايزة نتمم جوازنا معنديش مشكله، بس متجيش بعد كده تقولي ليه علاقتنا علاقة باردة مبتحركهاش غير غريزتنا.

قاسي هو، ولا يخرج منه الحديث إلاّ بقصد... لكن قسوة كلامه لها اليوم لن تكون مثل قسوة الحقيقة عندما تعلم سبب اختيار جده لها كعروس. 

سقطت دموعها ،فهي وقعت في غرامه... لأنه ببساطة ظنته يُشبه جدها ووجدت فيه الملجأ من قسوة عمها "هشام". 

زفر أنفاسه بقوة ثم غرز أصابعه في خصلات شعره الرطبة. 

_ ممكن تقوليلي بتعيطي ليه دلوقتي، قولتلك لو عايزه نتمم جوازنا أنا معنديش مشكله ومش هكذب عليكِ واقولك إنك مش عجباني كست... بالعكس لو على الرغبة فهي موجوده لكن مش هتكوني زوجة غير للسرير وبس. 

صعقتها جرائته وقد ازداد بكائها. 

_ ياريتني كنت سمعت لعقلي. 

غادر الغرفة بعدما التقط ثيابه وتركها ترثي حالها.... 
.... 

يعلم تمامًا الوقت الذي تذهب فيه للقِطه ليلًا لتُطعمها... 

وها هو يسير بالحديقة ويتحدث مع "نيهان" شَريكه. 

ابتسم عندما رأها تحمل عُلبة الحليب وكيس صغير به طعام. 

لم تنتبه على وجوده، فقد استطاع إخفاء نفسه وخفض صوته. 

_ لماذا انخفض صوتك يا رَجُل. 

تساءَل "نيهان" الذي استعجب من إنخفاض صوت "عزيز" فجأة. 

_ بتقول ايه يا "نيهان". 

هتف بها "عزيز" وقد أخرج صوته بقوة قَصدًا..فأبعد
"نيهان" الهاتف عن أذنه قائلًا. 

_ لقد خرمت طبلة أذني يا رَجُل. 

_ نتقابل بعد كام يوم يا صديقي.

قالها "عزيز" ليُنهي مكالمتهم دون أن ينتظر أي رد من "نيهان" الذي نظر إلى الهاتف وتساءَل. 

_ ما الذي حدث لهذا الرَجُل؟! 

تجمدت يَدّ "ليلى" على عُلبة الحليب عندما استمعت إلى صوته، أسرعت بسكب الحليب بالطبق ثم انتصبت في وقفتها. 

_ مساء الخير.

تمتم بها "عزيز" واقترب منها، وعلى محياه ارتسمت ابتسامة عريضة لكن سُرعان ما أخفاها حتى لا ينفضح أمره وتضيع هيبته. 

بتوتر استدارت "ليلى" جهته وتمتمت بصوت خفيض. 

_ مساء النور. 

تحركت لتبتعد عنه لكنه قال عندما علم نيتها. 

_ أنا شايف إن أنتِ بس اللي بتهتمي بالقطة. 

ألجمه ما تفوه به، فكأنه يريد إخبارها أنه يتابعها يوميًا من وراء سِتار الشرفة. 

شعر بالغضب من حاله لحماقة حديثه وسُرعان ما تساءَل بسؤال آخر أشد حماقة. 

_ "شهد" فكت جبس رجليها؟ 

كان يعلم أن "شهد" مُنذ أيام أزالت جبيرة ساقها لكنه لا يعرف كيف يخرج الحديث منه بتلك الحماقة. 

هربت بعينيها حتى لا تضعف أمامه ويخونها قلبها ويعود لأحلامه. 

_ اه، من يومين.

ابتسم؛ فأكثر ما يحبه فيها توترها وتلك الحالة التي تكون عليها حين يُحادثها. 

أصبحت عيناه تعرف طريقها نحو كل إنش بها... تلك الخصلة الشاردة التي خرجت من حجابها تمنى لو كان لديه الحق في لمسها بل في الحقيقة أراد تحرير شعرها من أسفل غطاء رأسها والتمتع باستنشاق عبيره. 

كل شئ بها صار راغبًا في تملكه ... وقد حركت داخله ما لم تستطيع امرأة تحريكه. 

عينه صارت خائنه وجسده تعاون معها... وأصبح الأمر هلاك بالنسبه له. 

_ شكلها كانت جعانه. 

لم يجد ما يقوله؛ فخرج صوتها بهمس. 

_ مين هي اللي جعانه؟ 

وسُرعان ما كانت تنتبه على غبائها في السؤال وقالت. 

_ تقصد "بوسي". 

ضحك.. فرغمًا عنها ضحكت هي الأخري. 

تلاقت عيناهم بنظرة خاطفة؛ فعاد قلبها يخفق بقوة... 

لتتحرك من أمامه بسرعه تتمتم بهمس انفلت منها. 

_ لا، لا مينفعش. 

تحركت عيناه نحوها، يتساءَل داخله ما الذي لا ينفع. 

لم يفيق من حيرته إلاّ عندما اقتربت منه "كارولين" التي كانت تتابع المشهد من بعيد. 

_ سيد "عزيز". 

امتقعت ملامح "عزيز" عندما استمع إلى صوتها، فاستدار جهتها دون النظر إليها. 

_ أردت أن اعتذر منك عما حدث بالصباح ، انا لا اعلم لماذا أنت تبغضني... أنا أحب "سيف".

وأسرعت بوضع يدها على بطنها وأردفت. 

_ وسيأتي لنا طفلًا بعد أشهر. 

_ لو احترمتي قوانين هذا المنزل وأهله سنرتاح جميعنا "كارولين".

قالها "عزيز" وانسحب من أمامها... لتنظر له ثم استدارت بجسدها لتنظر نحو القِطة. 

_ اظن أنه يُحب صاحبة تلك القِطة. 

تعليقات



×