رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد و العشرون بقلم سهام صادق
تحولت ملامح وجهه إلى الوجوم بعدما سقط كلام العم "سعيد" علي مسامعه.
شعور سئ اقتحم فؤاده عندما علم أنها مَازالت تستمر بطهي الطعام وكأنها خادمة في منزله.
هو لا يعتبر عائله العم "سعيد" خدم لديه ولكن مساعدتها لـ " عايدة" بالمطبخ من وقت لأخر صارت تزعجه خاصةً مُنذ أن بدأت تغزو قلبه وأفكاره.
_ أنت مش قولت في واحده هتيجي تساعد "عايدة" يا عم "سعيد".
حلّ الصمت لوهلة على الجميع بعدما تساءَل "عزيز" بنبرة خرجت حادة.
ارتبك العم "سعيد" ونظر نحو "عايدة" التي طالعته بتوتر وقد اندهشوا من حدته.
_ هتيجي بعد يومين يا بيه.
تناول "سيف" قطعة من صنف الطعام الذي صنعته "ليلى" ثم أخذ يمضغه ببطئ.
_ تسلم ايدها بجد، البنت ديه نفسها فظيع... متخليها تساعدكم بدل ما تجيبوا خدامه.
ألقى "سيف" باقتراحه وهتفت "كارولين" مثله.
_ ستكون طاهية رائعة.
_ "ليلى" مش خدامه هنا.
ارتفع صوت "عزيز" وترك ملعقته التي أحدثت صوتًا بالطبق؛ فتوقف "سيف" عن مضغ الطعام ونظر نحو عمه الذي احتقنت ملامحه.
ابتسم العم "سعيد" بعدما استمع إلى رد سيده... أما "عايدة" شعرت بالحزن وأطرقت رأسها بعدما عرض "سيف" بأن تعمل "ليلى" بدلًا من الخادمة الجديدة.
_ أنا مكنش قصدي ... أنا قولت اقتراحي لأني عارف إنك مبتحبش ناس غريبة تدخل البيت والبنت شكلها شاطره في المطبخ وتعتبر قاعده معانا.
_ "ليلى" ضيفة عندنا يا بني، و "عزيز" بيه ربنا يكرمه وفر ليها شغل بشهادتها في المصنع.
قالتها "عايدة" وقد تخلت عن صمتها ونظرت نحو "عزيز" الذي رمق ابن شقيقه بنظرة ممتعضة أخجلته من حديثه.
جلى "عزيز" حنجرته قبل أن يتحدث وخرجت نبرة صوته بحشرجة.
_ "ليلى" مش ضيفه يا "عايدة"... "ليلى" فرد من البيت ده.
اعتلت الصدمة ملامح "عزيز" بعدما أدرك ما تفوه به وقد اتجهت جميع الأنظار عليه بدهشة؛ فتنحنح واستطرد قائلًا.
_ انتوا كلكم من العيلة يا "عايدة".
ابتهجت ملامح العم "سعيد" ونظر إلى "عايدة".
_ الله يكرم أصلك يا بيه.
_ هو البيت يكون ليه طعم من غير الراجل العجوز ده وأكل "عايدة" اللي يفتح النفس.
تحدث "سيف" مازحًا حتى ينهي الأمر الذي أحدثه بڪلامه الذي لم يقصد به الإهانة.
ابتسمت "عايدة" والعم "سعيد" الذي أردف حانقًا.
_ الراجل العجوز ده مكنتش بتفتكره وانت في بلاد بره... لكن "نيرة" فاكهة البيت كانت كل كام يوم تتصل تكلمني.
_ عشان تاخد منك التقرير عن اكلي وميعاد نومي وصحياني يا راجل يا عجوز.
قالها "عزيز" بمزاح وسُرعان ما كانت ترتفع قهقهته عاليًا بعدما تحدث العم "سعيد" باستياء.
_ الله يسامحك يا بيه سيبني موهوم شوية واني غالي عندهم.
ظَنَّ "عزيز" أن العم "سعيد" يمزح بكلامه كعادته لكن عندما أطرق رأسه... فهم شعوره.
نهض "عزيز" علي الفور من مكانه وربت على كتفه قائلًا.
_ طبعًا غالي عندهم يا راجل يا طيب مش أنت اللي ربتهم برضو.
_ لا النهاردة في دراما تراجيدي.
تمتم بها "سيف" وهو ينهض من مقعده هو الآخر واحتضن العم "سعيد" الذي أسرع في مسح عيناه من الدموع.
كانت "كارولين" تتابع ما يحدث بتعجب ولم تكن تفهم معظم حديثهم لكن عيناها كانت منجذبة بجراءة نحو "عزيز".
...
وضعت "ليلى" كأس الشاي أمام العم "سعيد" وجلست قُبالته لتشاركة جلسته وتتناول معه مشروب النعناع الساخن خاصتها.
ابتسم العم "سعيد" بعد تناوله بضعة رشفات من كأس الشاي.
_ كوباية الشاي بتاعتك بتعدلي مزاجي يا "ليلى".
بابتسامة عريضة طالعت تمزجه بكأس الشاي.
_ تشرب من ايدي احلى كوباية شاي لكن قهوة مقولكش.
ارتفعت ضحكات العم "سعيد" وأكمل عنها بمزاح.
_ دايمًا من غير وش.
ضحكت ثم أطرقت رأسها بخجل عندما تذكرت المرات القليلة التي صنعت للسيد "عزيز" قهوته.
_"عزيز" بيه بيجاملني عشان ميحرجنيش كل مرة بسأله طعم القهوة حلو...
ضحك العم "سعيد" لمعرفته بخجل "ليلى" الشديد من سيده.
_ ما دام قالك طعمها حلو يبقى طعمها حلو يا "لولو" ... ده كفايه طاجن البامية ولا ام علي اللي بتعمليها.
وكاد أن يذكر لها بعض أصناف الطعام التي يعشقها هو من يدها لكن سُرعان ما كان يتذكر ما حدث اليوم على طاولة الطعام.
تلاشت ابتسامتها شيئًا فشئ بعدما بدأ العم "سعيد" يقص عليها الحديث الذي دار عنها.
_ اول مرة اشوف البيه متعصب كده خصوصًا قدام
"سيف"..."عزيز" بيه الله يكرمه دايمًا شايفنا أهله مش مجرد ناس بتخدمه.
تعمل بدل الخادمة !!
هذا كان اقتراح ابن شقيقه... توقف عقلها عند هذا الأمر ولا تعلم لِمَا شعرت بغصة اقتحمت حلقها.
_"لولو" سرحتي في إيه، اشربي النعناع بتاعك هيبرد.
نظرت إلى العم "سعيد" الذي لم يلاحظ انطفاء وهج عينيها، التقطت كوب مشروبها لتبتلع منه القليل لعلها تستطيع ابتلاع غصتها معه.
....
أغلقت "زينب" الباب بعدما وقعت على استلام الطرد من عامل التوصيل.
نظرت إلى العُلبة الضخمة التي تحملها وسارت بها نحو الطاولة لتضعها عليها.
_ مين كان على الباب يا "زينب".
تساءَل "نائل" وهو يقترب منها ببطئ، فالتفت إليها وقد ضجت عيناها بالفضول.
_ طرد باسم "صالح".
هز "نائل" رأسه بتفهم واستكمل خُطواته نحو الأريكة وجلس عليها.
_ طيب افتحي العلبه خلينا نشوف.
أسرعت "زينب" بإزاله الشريط المزين به العُلبة وسُرعان ما كان قلبها يخفق بقوة.... وهي ترى ثوب الزفاف.
أخرجته من العُلبة بسعادة أشرقت ملامح وجهها ورفعته لأعلى وبلهفة خرج صوتها.
_ ده الفستان.
التمعت عينين "نائل" بالدموع وهو يراها تحمل ثوب زفافها بسعادة تمني أن تظل دومًا مرسومه على محياها.
_ إيه رأيك يا جدو.
مسح "نائل" دموع الفرح سريعًا وحرك لها رأسه قائلًا بغبطة.
_ هتكوني عروسة زي القمر.
أسرعت "زينب" بوضع الثوب في عُلبته وركضت نحوه لترتمي بين ذراعيه قائلة.
_ أنا فرحانه أوي يا جدو.
...
ابتسامة عريضة احتلت شفتيّ "شاكر" بعدما أنهى مكالمته...بدأت ابتسامته تختفي شيئًا فشئ إلى أن غادرت محياه بعدما تذكر سؤال "نائل" له عن عودة "صالح"...فالعُرس بعد أيام والعريس في رحلة عمل.
هز رأسه بيأس من أفعال حفيده التي يحاول إصلاحها ببعض الهدايا التي تحمل اسم حفيده وكأنه هو من يبعثها.
عادت الابتسامة تشق شفتيّ "شاكر" مجددًا عندما تذكر سعادة "زينب" بثوب الزفاف التي ظنت أن "صالح" من أرسله لها.
_ ولما الحقيقة تظهر وتعرف إنك اللي جبت الفستان مش "صالح"...
هتفت بها "حورية" التي استمعت بالمصادفة لمكالمة حماها مع السيد "نائل" و "زينب".
رفع "شاكر" عيناه نحوها؛ فواصلت كلامها واقتربت من مكان جلوسه.
_ ليه يا عمي بتعمل كده وبتخدع البنت وسايبها ترسم أحلامها...
امتقعت ملامح "شاكر" من حديث زوجة ابنه وقد زاد ما تفوهت به للتو غضبه.
_ "صالح" هيظلم البنت معاه... "صالح" وافق على قرارك مش رضوخ واستسلام زي زمان... المرادي هو بيتحداك في لعبتك.
"لُـعـبـة"
حقيقة نطقت بها السيدة "حورية" التي لم تعد ترى "زينب" إلاّ لُعبة في اصبع حماها ووحيدها الذي قَبِلَ الزواج منها لحاجة في نفسه.
_ مش عيب تشبهي البنت باللعبة يا دكتوره.
قالها "شاكر" باستنكار ثم طرق عصاه أرضًا وقد احتل الوجوم ملامحه.
_ وهي إيه غير كده... انت بتوهمها باهتمام "صالح" بيها وهو بيخلق ليها حجج واعذار كل ما يحس إن خيوط اللعبة بتفلت من ايده.
احتقنت ملامح "شاكر" ونهض من مجلسه هاربًا من حديث يعلم حقيقته.
_ كلامك بقى ملهوش معنى وميتبلعش يا دكتوره...
ياريت تعقلي ابنك لأنه لو خسر البنت ديه مش هيلاقي واحده ترضى بيه و بأبنه.
تحرك "شاكر" من أمامها وصاح باسم خادمه.
_ يا "حسن" هاتلى دوا الضغط.
أغمضت "حورية" عيناها بيأس؛ فهذا الرَجُل لم يتغير ولن يعترف يومًا بأخطائه.
....
ظَنّ "عزيز" لوهلة أنه تخيل طيفها لكن عندما استدارت بجسدها ثم عادت لتستكمل خُطواتها نحو المتجر تأكد أنها هي.
شعر بالصدمة عندما أدرك الشعور الذي أصاب قلبه لرؤيتها.
اوقف سيارته جانب الطريق وسُرعان ما كانت تخرج زفرة طويله من شفتيه حملت معها يأسه وحيرته، لقد فقد زمام الأمور ولم يعد يسيطر على قلبه الذي أحب تلك الفتاة دونًا عن غيرها.
أطبق على جفنيه لعله يستطيع طرد ذلك الضجيج الذي يطرق رأسه وسُرعان ما كان يتخذ قراره.
غادر السيّارة وسار نحو المتجر الذي دخلت فيه منذ دقائق ليجدها تقف أمام البائع وتحاسب على ما ابتاعته.
تظاهر بالدهشة عندما رأها أمامه؛ فضاقت حدقتاها بذهول وتعجب من وجوده بالمتجر.
_ "عزيز" بيه.
تنحنح "عزيز" حتى يستطيع إخراج صوته بثبات وابتسم وهو ينظر إليها.
_ صدفة عجيبة إننا نتقابل هنا.
نظرت "ليلى" حولها بغرابه، فهذا المتجر خاص يبيع الحلويات والتسالي التي تؤكل.
توترت "ليلى" من نظرة عيناه إليها وسُرعان ما كانت تهرب بعينيها بعيدًا عنه تتساءَل.
_ حضرتك محتاج حاجه من هنا...يعني اقدر اجبهالك.
أدرك للتو نتيجة فعلته الحمقاء.. ها هي تسأله عن الغرض الذي يريد شرائه وقد تحركت عينين البائع عليهم بفضول...
_ أصل كنت عايز..
خرجت أحرف كلماته ببطئ شديد، فهو لا يعرف ماذا يريد...عيناه دارت بسرعه بالمكان ليجد أخيرًا ما يستطيع إخبارها به.
_ كنت عايز اشتري شويه شيكولاتات وحلويات عشان...
لسانه توقف عن الكلام وسُرعان ما كان يواصل كلامه.
_ مدام "أميمة" بتجيب ساعات بنتها معها... وانا عارف الأطفال بتحب الحاجات اللي زي دي.
أخيرًا انتهى من كذبته وقد رأى تساؤل وحيره في عينيها وسُرعان ما كان يُخبرها عن هوية "أميمة".
_ مدام "أميمة" موظفة عندي.
غادروا المتجر بعد دقائق وقد ابتاع العديد من الأشياء لتلك الطفله التي لم يراها إلا مرتين لا غير.
_ ده ليكِ.
ضاقت عيناها عندما مد يده لها بالكيس الذي يحمل بعض من الحلوى والتسالي.
_ ليا أنا !!
ابتسم "عزيز" وهو مَازال يمد يده لها بالكيس.
_ أيوه ليكِ أنتِ.
ردت سريعًا وهي ترفرف بأهدابها.
_ بس أنا اشتريت، خليه للبنت الصغيرة.
_ أنا اشتريت ليها حاجات كتير وده نصيبك.
نظرت نحو الكيس ثم له وسُرعان ما كان يهتف اسمها.
_ "لـيـلـى"
التقطت منه الكيس وأسرعت في طرق رأسها حتى لا تفضحها لمعة عيناها.
_ شكرًا.
خرج صوتها بخفوت؛ فابتسم وأشار ناحية الأكياس الخفيفة التي تحملها.
_ هاتي اشيل عنك.
رفعت عيناها نحوه لتخونها دقات قلبها.
هربت بعينيها بعيدًا عنه بعدما شعرت أنها لو استمرت قُربه سيعود قلبها لخيانتها بعدما ظلت بضعة ليالي تخبر حالها ألاّ تحلم بالمستحيل.
_ الأكياس خفيفة، عن اذنك.
اندهش "عزيز" عندما رأها تتحرك من أمامه؛ فتساءَل على الفور.
_ أنتِ رايحة فين؟!
أوقفها حديثه؛ فاستدارت إليه.
_ هكمل طريقي على البيت.
عقد حاجبيه بذهول وسُرعان ما كان يرد عليها مازحًا.
_ عارف إنك مروحه على البيت يا "ليلى"...يعني طريقنا واحد..
سار أمامها متجهًا نحو سيارته.
_ يلا تعالي اركبي.
_ الڤيلا قريبه، هكمل طريقي مشي.
ضاقت حدقتاه واستدار نحوها.
_ معلش النهاردة اركبي العربيه بما إن طريقنا واحد.
نظرت له بتردد فواصل كلامه.
_ لو عايزانى اكلم "عزيز" اقوله إني قابلتك في طريقي وهوصلك...
كاد أن يلتقط هاتفه من سترته بالفعل لكن تحركها نحو السيارة جعله يعلم قرارها.
زفر "عزيز" أنفاسه بقوة؛ فالحيرة أصابته في أمرها.
صعدت السيارة التي كانت معبئة برائحة عطره المميزة، فابتسم على طريقة ضمها لحقيبتها كعادتها.
_ مبسوطة في شغلك في المصنع؟
خرج سؤاله حتى يكسر ذلك الصمت؛ فتعجبت من سؤاله وسُرعان ما كانت تزدرد غصتها بعدما تذكرت ما اقترحه ابن شقيقه منذ أيام لتعمل بالمنزل.
بصعوبة خرج صوتها وقد ظنت أنه رُبما يعرض عليها العمل بمنزله بعدما فكر بالأمر.
_ الحمدلله.
هز رأسه وهو يركز عيناه على الطريق الذي يتمنى أن يكون طويلًا ليتمتع بقُربها الذي يفيق من سحره بعد ابتعادها عنه.
نظر لها "عزيز" بطرف عينه وأراد اختلاق حديث أخر لكنه شعر بحماقته بعدما رأها تشيح عيناها جهة الطريق الذي انتهى أخيرًا.
غادرت السيارة بعُجالة بعدما التقطت الأكياس.
_ شكرًا يا "عزيز" بيه.
خرج من سيارته مدهوشًا من خروجها من السيارة بتلك السرعة وكأنها تهرب من شئ.
عيناه تعلقت بها ورفع يده إلى خصلات شعره ليخللها فيه.
توقفت "كارولين" عن السير بالحديقة بعدما اجتذبها المشهد... لتضيق حدقتاها بشك وهي ترى أعيُن "عزيز" عالقة بها.... إنها تعرف تلك النظرة تمامًا.
....
وضع العُلبة الضخمة بالمقعد الخلفي لسيارته ثم نظر ورائه بعدما ألقى عليه أحد كباتن الطائرات التحية.
استقل سيارته التي يتركها في جراچ المطار كلما كان في رحلة عمل ثم انطلق بها وقد أصدرت إطاراتها صريرًا.
التقط هاتفه ليشغله وقد وجد منها مكالمات ورسائل عديدة... فأخر مكالمه له معها منذ يومين... مكالمة جاهد نفسه فيها كثيراً بأن يكون أمامها الرَجُل الرائع ومن حظه أن عروسه بريئة وقد أحبته.
تنهيدة عميقة خرجت منه وقد احتل الضيق ملامحه...
لقد جعله "شاكر" نسخة منه... يتجمل ويتلاعب حتى يصل إلى هدفه.. و للأسف عروسه تؤكد له يومًا بعد يوم بأنها العروس المناسبة له.
نظر إلى الهاتف وانتظر ردها على مكالمته حتى يبلغها بوصله وأنه سيأتي إليها أولًا حتى يعطيها فستان الزفاف الذي أخبرها في إحدى مكالماتهم القليلة أنه سيجلبه لها عندما سألته في إحدى المرات متى سيشتروا ثوب الزفاف.
أتاه صوتها اللاهث وكأنها كانت آتيه ركضًا.
_ "صالح" أنت وصلت بالسلامة.
ابتسم دون أن يشعر ولكن سُرعان ما اختفت ابتسامته بعدما أخذت تخبره عن إعجابها الشديد بثوب الزفاف الذي أرسله لها.
_ أنا كنت فكراك نسيت واول ما هترجع من رحلتك هننزل نشتري أي حاجه وخلاص...
وبصوت خافت وخجل وقد وقفت "سما" ابنه عمها أمامها ترمقها بنظرة ضيقة.
_ أنا فرحانه أوي يا "صالح" بالفستان... ذوقك جميل.
تجمدت عيناه على الطريق، لقد فعلها السيد "شاكر"... أكمل رسم الدور ببراعه ليجمل صورته أمام عروسه.
تمالك نفسه حتى يستطيع إخراج صوته بنبرة هادئة.
_ المهم يكون الفستان فعلاً عجبك.
أخذت تخبره عن مدى إعجابها بالثوب وسُرعان ما تداركت ثرثرتها الكثيرة عن الثوب دون أن تسأله عن حاله ورحلته.
_ أنا اسفة إن الكلام اخدني ومقولتكش حمدلله على السلامة.
_ الله يسلمك يا "زينب".
بكلمات مقتضبة سريعة أنهى مكالمته معها ليلتف برأسه نحو عُلبة ثوب الزفاف يرمقه بسخرية...
....
انتبهت "ليلى" على جزدان عمها الذي نساه على الطاولة، ارتدت حذائها سريعًا حتى تستطيع اللحاق به ثم تغادر بعد ذلك إلى عملها.
توقفت قدماها عن السير عندما التقطته عيناها وهو يقف أمام السيارة وفي حضنه ابنة شقيقه التي رأت صورتها من قبل وعلمت بوصلها ليلة أمس.
نظرت نحو عمها الذي كان يسرع في مسح زجاج السيارة الأمامي..
الحقيقة كل يوم تتجلى أمام عينيها بوضوح...
أين هي وأين هذا الرَجُل الذي تعيش داخل أسوار منزله لأن عمها سائقه.
إنها تفتخر بعائلتها الصغيرة التي أتت عليهم كضيفة وراضيه بوضعهم ووضعها لكنها تعلم كيف تسير الحياة.
ابتسم عمها لها عندما انتبه على قدومها؛ فأسرعت إليه لتعطيه جزدانه.
_ تعالي يا "لولو".
هتف بها عمها، فقالت.
_ نسيت المحفظة على الترابيزة، قولت الحقك قبل ما تخرج.
قالتها ثم ألقت التحية عليهم.
_ صباح الخير.
التمعت عينين "عزيز" وضجت عيناه بلهفة عند رؤيتها.
_ صباح الخير.
رد "عزيز" عليها تحيتها ثم نظر لابنة شقيقه التي أخذت ترمق "ليلى" بنظرة فاحصة.
_ دي "ليلى" يا "نيرة"... بنت اخو عمك "عزيز".
رفعت "ليلى" عيناها نحو "نيرة" التي هزت رأسها وخرج ترحيبها بإقتضاب لم تقصده.
_ اهلاً يا "ليلى".
تلاشت ابتسامة "ليلى" بعدما شعرت بالإهانة من حديثها المقتضب.
_ دي بقى "نيرة" هانم يا "لولو".
قالها عمها وهو ينظر لها، فعادت "ليلى" ترسم ابتسامتها بصعوبة على محياها.
لاحظ "عزيز" الأمر، وقد شعر بالضيق من عدم ود ابنة شقيقه مع "ليلى" رغم أنها ودودة ولطيفة بطبعها.
_ أنا متأكد إنكم لما تتعرفوا على بعض هتكونوا صحاب يا "نيرو".
قالها "عزيز"؛ فاماءت برأسها.
_ اكيد يا عمو.
وسُرعان ما كانت تخرج شهقتها وأسرعت نحو الداخل وهي تتمتم.
_ شوف عمال تتكلم وخلتني انسى علبة السندوتشات بتاعتك.
هز رأسه بيأس ونظر نحو "ليلى" و "عزيز" سائقه.
_ شايفين بعد العمر ده كله اروح الشغل بعلبة سندوتشات.
ألقاها بدعابة حتى يرى ابتسامتها لكنها استدارت بجسدها ورحلت بعدما هتفت بخفوت.
_ عن إذنكم عشان الحق الشغل.
_ تعالى يا عم "سعيد" شوف البيه كان عايز ينسى السندوتشات اللي احنا جهزناها ليه.
هتفت بها "نيرة" وقد آتى ورائها العم "سعيد"...
وقف يبتسم على أفعال ابنة شقيقه والعم "سعيد" لكن عقله كان مشغولًا مع تلك التي ابتعدت.
....
رفع عيناه لأعلى بعدما استمع إلى تمتمت والدته.
_ ما شاء الله، طالعه زي القمر.
عيناه تعلقت به وقد تأبطت ذراع جدها ونزل بها بخطوات متمهلة من أعلى الدرج.
شعور غريب شعر به وقد انحبست أنفاسه وهو يتأمل تفاصيلها.
التهمها بنظراته ولن ينكر أنه راضي تمامًا هذه المرة على أمر زواجه لكن عناده مع جده هو المسيطر في هذا الزواج.
غامت عيناه بذكريات الماضي الموحشة لتعود له الحقيقة مجددًا...
إنها العروس التي اختارها له جده لإنجاب طفل سليم ليحمل اسم عائلة "الزيني" كما اختار له "سارة" ابنة عمه من قبل ليحصل على نسل ممتد من دمائه.