رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل العشرون بقلم سهام صادق
عادت "ليلى" مع عمها وبقيت "عايدة" بالمشفي جوار "شهد" بعدما أصرت على عدم ترك صغيرتها تغفو بعيدًا عن أحضانها.
بأكتاف متهدله تحرك عمها نحو الصالة ثم تهاوى بجسده على الأريكة ليضع رأسه بين كفيه بوهن.
نظرت إليه "ليلى" ثم اقتربت منه وفي صمت جاورته.
شعرت بالتردد في وضع يدها على ظهره لتربت عليه لكن بالنهاية كانت تُحرك كفها على ظهره لتطمئنه.
_ عمي ،"شهد" الحمدلله كويسه الدكتور طمنا عليها وقال مجرد يومين تحت الملاحظة وبعدين يسمح لها بالخروج من المستشفى.
رفع "عزيز" عيناه إليها؛ فارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ثم اماءت برأسها تؤكد له أن كل شئ سيكون بخير.
ابتسم "عزيز" لها والتقط كفها الذي كانت تربت به على ظهره واحتضنه.
_ خوفت اوي يا "ليلي"، حسيت وأنا بسمع الخبر إن شريط الماضي بيتعاد من تاني وكأنه لسا في ودني وهما بيقولولي اخوك "محمود" في المستشفى.
أخفضت "ليلى" عيناها وابتلعت تلك المرارة التي اقتحمت حلقها بعدما أتى بذكر حادثة والديها.
ترقرقت الدموع في عينين "عزيز" وأخذ يربت على كفها وازدرد لعابه بصعوبه لعله يطرد غصته التي أحكمت قيدها بمرارتها على حَلقه.
_ سامحتي عمك يا "ليلى" ولا أنا استحق اعيش عمري كله في عذاب الضمير.
تدفقت الدموع من مقلتيه وهو ينظر إليها وسرعان ما كانت تباغته الدهشة من فعلتها وهو يجدها تحتضنه.
أطلق تنهيدة طويلة حملت مرارة صاحبها وهو يضمها إليه، مُقبلاً رأسها يخبرها كم هو نادم عما فعله بها بالماضي عندما تركها بدار أيتام لعدم استطاعته لكفالتها.
...
ألقى "عزيز" جسده على الفراش بعدما أنهى مكالمته مع "سمية" ومَازالت الصدمة تحتل ملامحه.
زفرة طويلة خرجت منه؛ فهو لا يستوعب ما أخبرته به "سمية".. "سيف" تزوج وينتظر طفلاً وهو آخر من يعلم بهذا.
تعلقت عيناه بإطار الصورة الموجوده على الكومود الذي يجاور فراشه...صورة كانت تجمعه بأولاد شقيقه وكل منهم يتأبط ذراعه وعلى وجوههم ارتسمت السعادة.
أغلق جفنيه لعله يستجدي الراحة بالنوم لكن بعد دقائق من استلقائه على فراشه استقام في وقفته وأخذ يمسح على وجهه ثم زفر أنفاسه بقوة.
دار بالغرفة بدون هوادة وقد ارتفع رنين هاتفه برقم ابن شقيقه.
...
تقلبت "ليلى" على الفراش إلى أن استقرت على جانبها الأيمن، تعلقت عيناها بـ فراش "شهد" الخالي بحزن على ما أصابها وسرعان ما كانت تخرج منها تنهيدة.
نهضت من فوق الفراش بعدما غادر النوم جفنيها.
ارتعش جسدها من برودة الهواء الخفيفة فور أنا خرجت من باب المنزل... أحكمت لف السترة الطويلة على جسدها ثم رفعت عيناها نحو السماء التي لمعت النجوم فيها واضاءت فضائها.
مواء ضعيف خرج من القطة عندما فتحت عيناها.
_ شكلك جعانة ،شوفتي أنا حاسة بيكي إزاي.
قالتها "ليلى" وهي تسكب الحليب في الصحن الصغير وقد أسرعت القطة بالخروج من بيتها الصغير.
اتسعت ابتسامة "ليلى" وهي ترى القطة تلتهم الحليب بجوع، جثت على ركبتيها قربها ولم تشعر بحالها إلا وهي تخبرها بذلك الشعور السئ الذي يقتحم فؤداها كلما ذكرها عمها بالماضي وطلب منها غفرانها.
تنهيدة قوية خرجت من شفتيها وهي تنظر إلى القطة التي تركت طبقها ورفعت عيناها إليها لتشاركها مشاعرها المتخبطة.
أطبقت "ليلى" على جفنيها لتستطيع ابتلاع تلك الغصة التي تقف كالعلقم في حلقها.
مواء القطة عاد ليرتفع؛ فرمقتها "ليلى" بدهشة... فـ الحليب مازال بالطبق.
_ مالك يا "بوسي" أنتِ جعانه ولا سقعانه.
اقتربت منها القطة لتتمسح بقدمها؛ فحملتها "ليلى" ومسحت على فرائها الذي غطاه تلك القطعة الصوفية الصغيرة التي قامت بحياكتها لها.
استمرت القطة في موائها والتشبث بها، فنظرت لها "ليلى" بحيرة.
_ قوليلي بس عايزة إيه.
زمت "ليلى" شفتيها ثم مطتهم للأمام وقد ازدادت حيرتها وأسئلتها.
_ أنتِ زعلانه على "شهد" مش كده، وأنا كمان زعلانه... بس الحمدلله الدكتور قالنا ربنا لطف والكسر مش خطير وكلها يومين وتخرج من المستشفى.
توقفت القطة عن المواء؛ فضمتها "ليلى" إلى حضنها ثم أطلقت تنهيدة طويلة بعدما طرق حصونها طيف صورته.
_ قوليلي يا "بوسي"، لما قلبي يدق جامد اول ما اشوفه قدامي... ده اسمه إيه.
اِزدردت لُعابها، فالجواب واضح لكن الإعتراف صعب ونهاية الحُلم أصعب.
_ أنا تايهه وضايعة يا "بوسي"... ومش عارفه اعمل إيه.
نظرت لها القطة بنظرة مواسية ثم خرج مواء خافت منها.
_ أنا فكرت أمشي من هنا وارجع مدينتي...أنا في حيرة يا "بوسي".
أزاح "عزيز" سِتار الشرفة عندما شعر بحاجته لإستنشاق الهواء بعدما وجد أن لا سبيل للنوم بعد مكالمة "سيف" له.
ضاقت حدقتاه عندما خرج إلى الشرفة التي تطل على الحديقة خاصةً الجزء المخصص لمسكن العم "سعيد" وعائلة سائقه "عزيز".
تعلقت عيناه بها بلهفة وقلق وهو يراها تجلس أرضًا بالحديقة بهذا الوقت وسُرعان ما كانت تتلاشى تلك التقطيبة التي تحتل ما بين حاجبيه وهو ينتبه على القطة التي وضعتها داخل مسكنها الخشبي الصغير.
استند على سياج الشرفة وترك عيناه تترصدها ليسقط وشاح رأسها الذي كانت تضعه بأهمال على خصلات شعرها.
أغمض عيناه وتراجع بخُطواته؛ فيكفيه أول صورة طُبعت بذاكرته.
أسرعت "ليلى" بسحب وشاح رأسها الذي سقط على كتفيها لتلفه بإحكام على خصلات شعرها.
التقطت عُلبة الحليب الفارغة ونظرت إلى القطة التي أغمضت عيناها بنُعاس قائلة.
_ تصبحي على خير يا "بوسي".
عادت أدراجها للمنزل دون أن تلتف إلى الوراء.
فتح "عزيز" عيناه ليسمح لأنفاسه التي حبسها أن تخرج.
أخذ صدره يعلو ويهبط لا يستوعب ما صار يحدث له كلما وقعت عيناه عليها.
_ معقول يا "عزيز"، معقول مبقتش تسيطر على نفسك كل ما تشوفها... وجودها في بيتك وقدام عينك بقى خطر...بعد العمر ده كله هتقع في حب بنت من عمر ولادك أخوك.
أولاد شقيقه، عندما أتى بذكرهم على لسانه عاد ما فعله "سيف" من ورائه يطرق رأسه.
في الصباح الباكر
استيقظت "ليلى" وهي تتثاءب، فلم تغفو إلا سويعات قليلة.
أسرعت بالنهوض من الفراش بعدما استمعت إلى صوت حركة عمها بالخارج.
ابتسم عمها لها عندما وقعت عيناه عليها.
_ صباح الخير.
تعلقت عينين "ليلى" بالحقيبة الصغيرة التي يضعها عمها جواره وقد شرع في ارتداء حذائه.
_ صباح الخير، أنت رايح المستشفى.
هز "عزيز" رأسه لها واستقام في وقفته.
_ اه يا بنتي.
بلهفة تساءَلت وقد ارتسم الذعر على ملامحها.
_ هي "شهد" كويسه.
اقترب "عزيز" منها وعلى شفتيه انشقت ابتسامة صغيرة.
_ الحمدلله، الدكتور قال بكره هتخرج إن شاء الله.
انشرحت أساريرها بعدما طمئنها عمها وأسرعت بالتحرك من أمامه.
_ أنا هلبس بسرعه واجي معاك المستشفى وبعدين اطلع على الشغل...
كادت أن تستكمل سيرها نحو الغرفة لتبدل ثيابها.
_ لا يا بنتي أنتِ روحي شغلك عشان متتأخريش وأنا هطمنك عليهم في التليفون.
وسرعان ما كان يتذكر ما تغافل عنه.
_ معلش يا "ليلى" ممكن تروحي تحضري الفطار لـ "عزيز" بيه، أنتِ عارفة عدم وجود "سعيد" لخبط الدنيا معانا.
ثم تنهد بإرهاق والتقط الحقيبة التي وضع بها متعلقات صغيرته.
_ "عزيز" بيه ملهوش علاقة بظروفنا، كفايه عليه إنه كرمنا بأصله الطيب ومقعدنا في بيته حتى مصاريف المستشفى دفعها امبارح والله الواحد ما عارف يرد جمايله الكتير إزاي.
اخترق حديث عمها قلبها الذي صار متيم بحب السيد "عزيز"، لا سبيل أمامها إلا حب هذا الرَجُل.
تفاجأ "عزيز" بدخولها المطبخ بعدما استدار بجسده بعد أن التقط فنجان قهوته من أسفل ماكينة القهوة.
محاولتها لإلتقاط لأنفاسها اجتذبت عيناه إليها؛ فارتبكت وأخفضت رأسها أرضًا.
_ صباح الخير.
رمقها "عزيز" ثم أشاح عيناه عنها وأخذ يرتشف من فنجان القهوة.
_ صباح الخير يا "ليلي".
تحرك من أمامها ليُغادر المطبخ؛ فأسرعت بالهتاف.
_ أنا هحضر الفطار بسرعه... مينفعش تشرب قهوة على معدة فاضية.
قطب "عزيز" حاجبيه ثم استدار نحوها بنصف استدارة وارتفع حاجبه الأيسر.
ارتبكت من نظرته لها وعادت تخفض رأسها بتوتر.
_ عم "سعيد" هيزعل مني لو عرف إن سيبتك تمشي من غير فطار.
قالتها بتلقائية تسللت إلى قلبه العطش لمشاعر جديدة عليه.. عيناه عادت تلتهم كل انش بملامحها الجميلة.
ولم يفيق من صمته إلا حينما رفعت رأسها وتلاقت عيناه بخاصتها.
تنحنح بخشونة بعدما هرب بعينيه بعيدًا عنها.
_ شكرًا يا "ليلى"، أنا حقيقي مليش نفس.
_ نفسك هتتفتح لما اعملك فطار يفتح النفس... عم
"سعيد" كان بيحب يفطر أوي من ايدي.
خرج الكلام منها دفعة واحدة ثم تحركت نحو البراد لتخرج منه ما ستحتاجه وقد توقف مكانه مدهوشًا من نفسه ومنها.
أراد التحرك ومغادرة المطبخ لكن عندما وجدها تلتف إليه وتسأله هل يرغب بتناول البيض بالزيت أم الزبدة كان يظن أن لسانه سيخونه ويخبرها بأنه لا يريد لكن لا يعلم كيف انفلت الكلام منه.
_ بالزبدة.
صعقه ما تفوه به وقد ابتسمت بعدما تلقت منه الجواب وأسرعت بإلتقاط أحد الأطباق والمقلاه.
زفر أنفاسه ثم اتجه ليسحب أحد المقاعد وجلس أمام الطاولة الصغيرة الموجودة بمنتصف المطبخ.
استدارت "ليلى" جهته ولم يدهشها الأمر؛ فهو من قبل تناول طعامه أمامها بالمطبخ.
لم تسأله هذه المرة هل سيبقى بالمطبخ أم سينتظرها بغرفة الطعام.
رائحة البيض اجتذبت أنفه وفي دقائق معدودة كانت تضع أمامه عدت أطباق ثم أسرعت في تسخين الحليب وصنع الشاي.
_ هعمل الشاي بلبن بسرعة.
نظر "عزيز" إليها وقد ألجمت الدهشة لسانه مما صنعته وكأنه سيأكل كل هذا.
_ "لـيـلـى".
التفت إليه بعدما نداها وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة خفيفة تمنى أن لا تبتسمها حين تنظر إليه.
خرج صوته ببحه رجولية ثم عاد يسلط عيناه نحو الأطباق التي أمامه.
_ أنا مش هاكل كل ده.
اقتربت منه ونظرت للأطباق.
_ هو الأكل مش عجبك.
عبست ملامحها وهي تسأله؛ فهز رأسه بيأس.
_ الأكل يفتح النفس يا "ليلى" بس أنا مليش نفس حقيقي.
حركت شفتيها بعبوس كطفل صغير غاضب ولم تكن تعلم أن تلك الحركة خرجت منها بتلقائية.
ابتلع عزيز لُعابه؛ فبحركتها تلك حركت داخله شعورًا غريزي لا يعرف أيرغبه القلب أم جسده ما يطالبه بهذا.
انتفض كالملسوع من على المقعد بعدما ذهب عقله لنقطة لا يتحمل تخيلها.
وفي نفس اللحظة التي أدرك بها ما ذهبت إليه أفكاره الخائنة كانت تخرج شهقة منها.
_ الـلـبـن.
صرخة خرجت منها بعدما لسعها الإناء الساخن الذي أسرعت بإلتقاطه متناسيه سخونته.
انخلع قلب "عزيز" من الفزع عليها وقد انسكب ما بداخل الإناء على سطح الموقد الذي أغلقت شعلته.
_ "ليلى" هاتي ايدك، وريني حصلها إيه.
التقط يدها التي كانت تنفخ عليها بقوة ووضعها أسفل صنبور المياة.
_ بتوجعك.
رفرفت بأهدابها وحركت رأسها له، مما جعله يهز رأسه بقلة حيلة منها.
_ أنا حاسس إني معايا "نيرة" جديده، متهوره... بتعملوا الحاجة من غير تركيز.
دمعت عيناها بعدما وبخها وقد أغلق صنبور المياة ورفع يدها لأعلى قليلًا ليرى موضع الحرق.
_ أنا مأخدتش بالي، مكنش قصدي اعمل الفوضى ديه كلها.
_ ممكن تسكتي يا "ليلى".
نهرها بصوت حازم وترك يدها قائلًا بتحذير.
_ استنيني هنا،راجعلك على طول.
نظرت" ليلى" إلى حرق يدها الذي يؤلمها ثم إلى أطباق الطعام التي لم يمسها بحزن.
التقطت المنشفة لتنظف ما سكب من الحليب وقد تجهمت ملامحه عندما رأها تنظف موقِد الطبخ.
_ أنتِ في دمك بيجري تنضيف وطبخ.
ظنته يُهينها بكلامه، فأخفضت رأسها أرضًا.
أدرك قسوة كلامه بعدما انتبه على ما نطقه؛ فتنهد بصوت مسموع.
_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، هاتي ايدك يا "ليلى".
رفعت رأسها ، لتتعلق عيناها بانبوبة المرهم الذي أتى به.
اقترب منها وكاد أن يلتقط يدها ليضع لها المرهم لكن تيبس جسده من الصدمة بعدما أدرك ما تغافل عنه.
ابتعد عنها زافرًا أنفاسه بقوة لا يُصدق إنه استباح لنفسه لمس يدها واقترابه منها بهذا الشكل... وضع انبوبة المرهم بأول مكان صادفه وأسرع بمغادرة المطبخ وهو يتمتم.
_ متنسيش تحطي من المرهم على الحرق.
اندهشت "ليلى" من تصرفه وما تغافلت عنه هي.. لم يتغافل هو عنه.
طيلة يومه بأحد معارض الأثاث المملوكة له وهو لا يفعل شئ سوى الإستغفار كلما لاحت صورتها أمامه ونظر إلى يده التي لمست يدها.
أغمض عيناه بعدما استرخي على مقعده خلف مكتبه ووضع له العامل كأس الشاي وانصرف.
_ وجودها في بيتي مبقاش ينفع..
خرجت منه تنهيدة متقطعة وفتح عيناه وقد ارتسمت الحيرة على وجهه؛ فالقرار صار صعب.
_ البنت يتيمة يا "عزيز" وملهاش غير عمها... هتقوله مش عايز بنت أخوك في بيتي... ولما يسألك عن السبب هتقوله إيه.. إن بنت اخوك اللي سمحت ليها تعيش في بيتي لأني شوفت فيها بنت أخويا دلوقتي مبقتش شايفها كده وبقيت راغب فيها.
اقتحمت الأفكار رأسه التي يراها فيها بيقظته وأحلامه وسرعان ما كان ينفض رأسه وينهض من مقعده متجهًا للأسفل حيث المكان المخصص للبيع ليقف وسط عماله منشغلًا في تجارته.
.....
نظرت السيدة "حورية" بدهشة لتلك الحقيبة التي يضعها "صالح" على فراشه ويضع داخلها ملابسه.
_ أنت مسافر يا "صالح".
نظر "صالح" نحو والدته ثم تحرك من أمامها صائحًا باسم السيدة "نعمات" مدبرة المنزل.
_ دادة "نعمات".
أسرعت" نعمات" إليه بعدما أتاها صوته وتركت الصغير بعدما أبدلت له ثيابه.
_ محتاج مني حاجه يا بني.
_ جهزتي شنطة "يزيد" وكل حاجة هيحتاجها.
هزت "نعمات" برأسها ونظرت نحو السيدة "حورية" التي أخذت تنظر إليهم دون فهم.
_ ايوة يا بني، كل حاجة هيحتاجها حطتها ليه في الشنطة بتاعته.
_ لاء أنا مش فاهمه حاجة، أنت جايبني عشان تخليني واقفة ما بينكم في حيرة كده.
_ روحي أنتِ يا دادة شوفي يا "يزيد".
تحركت "نعمات" من أمامهم؛ فغرز "صالح" يده في خصلات شعره.
_ أنا مسافر شهر عندي مهمة تدريب في تركيا.
_ شهر!
نطقتها السيدة "حورية" لتتسع بعدها حدقتاها وقد علت الدهشة وجهها.
_ شهر إزاي يا "صالح" وأنت فرحك بعد شهر.... المفروض الفترة دي أنت و "زينب" تتعرفوا على بعض.
ابتعد "صالح" عن والدته ليستكمل وضع متعلقاته الشخصية.
_ ظروف شغلي كده وهي لازم تفهم ده من الأول.
طالعته السيدة "حورية" في صدمة، فأمس أخبرهم أنه سيُتم هذه الزيجة واليوم يخبرها برحلة سفره التي ستستمر شهرًا حتى موعد عُرسه.
_ "صالح" أنت مش عاوز البنت صح.
اقتربت منه السيدة "حورية"؛ فرمقها بنظرة هادئة.
_ لا عايزها، هي مناسبة للدور ده كويس.
_ دور؟ دور إيه اللي هتكون مناسبة ليه... البنت هتكون مراتك.
إتجه نحو طاولة الزينة ليلتقط من عليها إحدى زجاجات عطره المفضلة.
_ ما أنا عارف إنها هتكون مراتي... ماما "يزيد" أمانة معاكي لحد ما ارجع ودادة "نعمات" هتكون معاكي وهتراعيه...
كادت أن تتحدث السيدة "حورية" لكن الكلام توقف على طرفي شفتيها وهي تراه يغلق حقيبة سفره.
_ الشقة هتكون فاضية، خليها تفرشها زي ما هي عايزه وتختار كل حاجة بنفسها...
أخرج إحدى بطاقاته البنكية ووضعه في كف والدته.
_ مش عايز "شاكر" بيه يصرف حاجة عليها... أي حاجة تختارها وخاصه بيها تصرفيها من فلوسي.
وقفت السيدة "حورية" تنظر إليه وقد احتل القلق فؤادها.
_ "صالح" لو هتتجوز "زينب" عِند ف جدك، فبلاش يا بني... البنت ملهاش ذنب.
تعلقت عيناه بعينيها التي حملت الرجاء بألا يفعل ذلك من أجل العِناد بجده؛ فارتسمت ابتسامة خفيفة على محياه سرعان ما تلاشت.
_ متقلقيش يا دكتورة، المرادي هستمتع بمميزات جوازة "شاكر" بيه وهجيبله الحفيد السليم اللي هو مستنيه
رفعت "شهد" عيناها عن الكتاب الذي تدرس به بعدما دلفت "ليلى" الغرفة.
_ الطريق كان زحمة أوي، الواحد راجع هلكان.
رمقت "شهد" ساقها -التي مَازالت بالجبيرة- ببؤس، فهي تعيق حركتها رغم مرور أكثر من اسبوعين على خروجها من المشفى.
_ وماما كمان زمانها هلكانه في الخدمة هناك وأهو استاذ "سيف" ومراته الأجنبيه رجعوا.
قالتها "شهد" بحزن، فتعلقت عينين "ليلى" بها وقد اعتلت الحيرة وجهها.
_ "سيف" مين؟
وسُرعان ما كانت الحيرة تغادر ملامح "ليلى" وتحتلها الدهشة.
_ باشمهندس "سيف" ابن أخو "عزيز" بيه.
امتقعت ملامح "شهد" وعادت تنظر في سطور كتابها.
_ شكل وجودنا هنا قرب ينتهي... اكيد العروسة هتكون سيدة القصر.
نظرت إليها "ليلى" وجلست على الفراش وهي تزيل وشاح رأسها ثم خرجت من شفتيها زفرة طويلة.
أغلقت "شهد" كتابها وقذفته جوارها وقالت بضجر وهي تحاول النهوض من الفراش.
_ أنا زهقت من القاعده دي.
أسرعت "ليلى" صوبها بعدما نفضت رأسها من الأفكار التي طرقت رأسها والتقطتها من ذراعيها لتسندها.
_ فاضل اسبوع وتفكي الجبس.
_ أنا زهقت يا "ليلي"، كل يوم تقولولي فاضل ايام وتفكي الجبس والايام بتاعتكم مش راضيه تيجي.
ابتسمت "ليلى" على تذمرها الذي اعتادت عليه وتحركت بها ببطئ نحو الصاله لتُجلسها على الأريكة برفق.
_ الأيام بتعدي بسرعة يا متذمرة ويلا قوليلي هنعمل غدا إيه النهاردة... أنا شوفت طنط "عايدة" الصبح كانت بتبل البانيه.
مطت "شهد" شفتيها؛ فضحكت "ليلى" عليها.
_ هغير هدومي وأصلي الفرض اللي ضاع مني واجهز الغدا بسرعة.. اكيد هيرجعوا من شغلهم في الڤيلا هلكانين.
....
نظرت "عايدة" نحو "سعيد" الذي وقف ينفخ خديه بغضب وقد ارتسم الوجوم على ملامحه منذ أن رأى تلك الفتاة التي تزوجها "سيف" أثناء رحلة دراسته بالخارج.
_ الشوربة ملحها زايد يا "عايدة".
تمتم بها العم "سعيد" بعدما تذوق القليل منها؛ فأسرعت "عايدة" نحو وعاء الطعام الساخن -الذي تصاعدت أبخرته- لتتذوق منه.
امتعضت ملامح "عايدة" بعدما تذوقت مذاق شوربة اللحم لتنظر نحو "سعيد".
_ الشوربة ملحها مظبوط يا "سعيد".
زجرها "سعيد" ثم أشاح عيناه عنها قائلاً وهو يتحرك ليغادر المطبخ.
_ سايبلك المطبخ خالص وخارج.
دلف "عزيز" من باب المطبخ وهو يقطب حاجبيه مندهشًا من مظهر شقيق زوجته الحانق.
_ ماله "سعيد" يا "عايدة"، ده أنا قولت النهاردة الدنيا مش هتكون سيعاه عشان رجوع الباشمهندس.
هزت "عايدة" رأسها بيأس من أفعال شقيقها.
_ من ساعة ما شاف عروسة الباشمهندس وهو قالب وشه...
_ وإحنا مالنا.
قالها "عزيز" بعدما جلس على أحد المقاعد الموجودة بالمطبخ والتقط حبة التفاح ليأكلها.
_ ما أنت عارف يا "عزيز" دماغ "سعيد".
اقتربت من زوجها وجلست أمامه تتساءَل.
_ هي "ليلى" رجعت من الشغل؟!
ابتسم "عزيز" وابتلع ما قضمه من حبة التفاح قائلًا.
_ رجعت وبتجهز الغدا و "شهد" هانم قرفاها بطلباتها الكتير.
امتقعت ملامح "عايدة" وتنهدت بضيق من دلع ابنتها الزائد.
_ البنت دي محتاجه مني تقويم بس تقوم بالسلامة لأن شكل "سعيد" كان عنده حق دلعنا الزايد ليها مش هيخليها تحس بغيرها...
وبتمني واصلت "عايدة" كلامها.
_ ياريت تطلع زي "ليلى".
اندهشت" ليلى" من تلك المعركة التي نشبت من العم
"سعيد" مع البراد بعدما أخرج منه زجاجة ماء.
رمقت تحركه بالمطبخ خلسة وقد أخذ يضرب كفيه ببعضهما.
_ ليه يا "سيف" تتجوز واحدة مش شبهك يا بني... ليه تجيب "سمية" تانيه في حياتك... قلبي بيقولي قدمها هيكون قدم خراب على البيت.
توقفت "ليلى" عن تقليب المعكرونة بالصلصة عندما بدأ العم "سعيد" بالكلام مع نفسه بصوت مسموع.
نظر إليها وهو يعلم أنها تنظر له بتعجب من حالته.
_ الله يرحمك يا "سالم" بيه، لو كنت عايش مكنتش هتكون مبسوط بالجوازة دي.
غادر العم "سعيد" المطبخ وقد ابتلعت "ليلى" أحرف كلماتها التي حملت فضولها لتعرف منه سبب عدم رضاه عن تلك العروس.
...
انسحبت "عايدة" من غرفة الطعام وبقى العم "سعيد" واقفًا كعادته قُرب "عزيز".
نظرت "سمية" نحو "عزيز" الذي شرع بتناول طعامه في صمت.
_ الباشمهندس من اولها هو والهانم اللي جايبها لينا في ايده مش محترم وجودنا.
اكتفي "عزيز" برمق "سمية" بنظرة أخرستها لتزفر أنفاسها حانقة من تقبل "عزيز" لزواج "سيف".
نظر نحوه العم "سعيد" بنظرة مشفقة؛ فهو أكثر من يعلم ما وراء صمت سيده... هو لم يتقبل هذا الزواج ولكنه مُرغم على الصمت بعد حمل الفتاة.
ابتسامة واسعة ارتسمت على محيا "سيف" عندما دخل غرفة الطعام وقد فاحت الرائحة الشهية وداعبت أنفه.
_ كان وحشني أكل "عايدة" اووي والكشك اللي أنت بتعمله يا راجل يا عجوز.
داعب "سيف" العم "سعيد" الذي ابتسم على الفور وأسرع قائلاً بحبور.
_ أنا عاملته ليك مخصوص النهاردة.
ربت "سيف" على كتف العم سعيد بحب ثم نظر نحو عمه و والدته التي أخذت تأكل بغيظ.
_ مساء الخير.
رد "عزيز" عليه تحيته لكن "سمية" لم ترفع عيناها عن طبقها إلاّ عندما جلس قُبالتها.
رفعت شفتيها مستنكرة من عدم هبوط تلك التي لن تعترف يومًا بأنها كنتها.
_ فين الغندورة بتاعت بلاد بره.
تعلقت عينيّ "سيف" بها بنظرة يائسة ثم أشاح عيناه عنها وبدأ يتناول طعامه.
_ تعبانه يا ماما من السفر، الرحلة كانت طويله علينا ومتنسيش إنها حامل.
عندما أتى بذكر هذا الأمر، فارت دماء "سمية" من الغضب وألقت بشوكتها على الطبق بوجة محتقن.
_ وأنت لحد دلوقتي مصدق إن الطفل ده منك.
احتقنت ملامح "سيف" وقبض على الملعقة التي لم تمسها شفتيه بعد.
_ ماما لو سمحتي، متنسيش إن اللي بتسئ في سمعتها دلوقتي مراتي وحامل في ابني... ابن "سيف سالم الزهار".
_"سمية".
صاح بها "عزيز" بعدما ترك ملعقته؛ فلم يعد يتحمل أي حديث بهذا الأمر بعدما ألقى بقراره عليهم بالظهيرة.
تجاهلت "سمية" صياح "عزيز" بها، فهي مَازالت لا تستوعب أنه تزوج من فتاة أخرى غير "بيسان" ابنة زوجها.
_ ابنك اللي جايبه منها في الحرام... "سالم" لو كان عايش كان طب ساكت لحظتها يابن "سالم الزهار".
_ "سمية" كفاية.
انتفخت أوداج "عزيز" من الغضب بعد ذكرها لاسم شقيقه الذي كان لا يستحق زوجة مثلها ولا يستحق أن يأتي ذكره في حديث كهذا.
رمقته "سمية" بنظرة ساخرة واقتربت منه بعدما نهض من مقعده وترك طعامه.
_ ابن اخوك المبجل اللي أنت وافقت يسافر بره ويكمل دراسته هناك...
توقفت "سمية" عن الكلام إلى أن صارت أمامه وجهًا لوجه.
_ عمل علاقه في الحرام ولما الهانم اللي انت سمحت النهاردة تقعدها في بيتك حملت قرر يتجوزها... شايفه تربيتك يا "عزيز" بيه.
_ ما بلاش تتكلمي عن الفضيله يا "سمية" هانم.
قالها "سيف" ونظر نحو عمه الذي أخرسته هي هذه المرة بكلامها السام.
أطبق "عزيز" على جفنيه بعدما اشتد صداع رأسه وقد تحرك "سيف" من أمامهم بعد رمق والدته بنظرة اشتعل فيها غضب أخمدته السنين.
_ بعد إذنك يا عمي.
احتدت نظرات "سمية" وهي تتبع خُطواته بعينيها التي ضجت بالغضب.
_ شايف الولد يا "عزيز"، شايف تربيتك يا "عزيز" بيه.
لم يتحمل "عزيز" سماع المزيد؛ فصاح بعلو صوته.
_ عـم "سـعـيـد".
أتى إليه العم" سعيد" مُهرولًا بعدما استمع إلى ندائه وقد اتجهت عيناه نحو "سمية" بغضب... فما الذي فعله سيده بحياته ليحمل كل هذا الهم وحده.
_ امرك يا "عزيز" بيه.
نظر إليه "عزيز" بعدما أخذ يدلك جبينه من شدة صداع رأسه.
_ محتاج مسكن للصداع يا راجل يا طيب.
قالها "عزيز" وهو يتحرك نحو غرفة مكتبه؛ فأسرعت "سمية" ورائه بعدما خمدت ثورتها.
_ مالك يا "عزيز" فيك إيه؟
امتقعت ملامح العم "سعيد" وهو يراها كيف تتبع سيده.
_ الله يرحمك يا "سالم" بيه.
تهاوى "عزيز" بجسده على الأريكة الموجوده بغرفة مكتبه ثم أغمض عيناه بقوة وأرخى رأسه إلى الوراء.
_ "عزيز" أنت كويس.
تساءَلت "سمية" وهي تقترب منه ثم جاورته، كادت أن تمد يدها نحو رأسه لكنه قبض على يدها بقوة...
دلف العم "سعيد" الغرفة وهو يحمل حبة المسكن وكأس الماء ولم يروقه جلوس "سمية" قرب سيده الذي أغلق عيناه من شدة التعب.
_ حبة المسكن يا بيه.
تمتم بها العم "سعيد" وهو يمد يده له بالحبة وكأس الماء؛ ففتح "عزيز" عينه ونظر إليه ثم التقط منه الحبة ليبتلعها مع رشفة من الماء.
_ شكرًا يا راجل يا طيب.
_ بقيت أحسن دلوقتي يا "عزيز".
رمقها العم "سعيد" شَزْرًا بعد نحنحتها وسؤالها الناعم وأخذ يردد داخله.
"ست بمليون وش صحيح، ليه بس يا "سيف" يا بني تجيب لينا "سمية" تانيه..."
نهض "عزيز" من فوق الأريكة وتحرك نحو شرفة مكتبه التي كانت مفتوحه.
_ "سمية" روحي بيتك.
شعرت "سمية" وكأن دلوًا من الماء انسكب على رأسها؛ فنظرت نحو العم "سعيد" الذي حدجها بنظرة شامته.
اندفعت "سمية" من مكانها ونظرت إليه بنظرة حملت وعيد يُخمد بعد وقت.
_ ماشي يا "عزيز".
غادرت "سمية" المنزل وهي تتوعد له... لكن وعيدها كان يتبخر مع كل لقاء آخر يجمعهم.
تنهيدة طويلة وبطيئة خرجت منه وهو واقف مكانه شاخص البصر.
_ متفكرش كتير ولا تشيّل نفسك فوق طاقتك يا بني.
قالها العم "سعيد" واقترب منه ليقف قُربه.
_ اللي حصل حصل خلاص.
رغم عدم رضى العم "سعيد" بما حدث إلا أنه أراد أن يهون على سيده الأمر.
_ ده اختياره يا عم "سعيد" وأنا عمري ما وقفت قدام اختيار حد فيهم...وزي ما أنت قولت يا راجل يا طيب اللي حصل حصل خلاص.
هز العم "سعيد" برأسه وكاد أن يتحدث إلا أنه ابتلع حديثه الذي لن يجدي بنفع هذه الليلة.
لانت ملامح "عزيز" وخفق قلبه عندما رأها تتجه نحو المنزل الخشبي الصغير الذي يواجه شرفة مكتبه.
ضاقت عينين العم "سعيد" وتقدم بخُطواته للأمام وقد تفاجأ اليوم أن منزل القِطه الذي صنعه كان يقابل شرفة مكتب سيده.
_ أنا إزاي مأخدتش بالي وأنا بعمل قفص القطه، الله يسامحك يا "سعيد"... بقى تعمل قفص القطة قدام مكتب البيه.
تمتم بها العم "سعيد" بحنق من حاله، فانتبه "عزيز" على نفسه واستدار ناحيته.
_ مفيش مشكله يا راجل يا طيب.. أنا مش متضرر من ده... الجنينه واسعه.
_ لا، لا... انا بكره هغير مكان القطه.
انتفض قلب "عزيز" وتلاشى اللين الذي احتل ملامحه عند رؤياها وقال بلهفة أخفاها سريعًا.
_ قولتلك يا راجل يا طيب أنا مش متضرر من ده، القطه خلاص اتعودت على المكان بتاعها.
أراد العم "سعيد" الإعتراض مُجددًا لكنه قاطعه قائلًا.
_ روح ارتاح يا عم "سعيد"، أنت النهاردة طول اليوم واقف على رجليك ولا أنت مبتتعبش يا راجل يا عجوز.
نطقها "عزيز" بمِزاح؛ فانشقت ابتسامة واسعة على شفتيّ العم "سعيد".
...
نظرة نارية رمق بها "عزيز" تلك التي اقتربت منه لتلقي عليه تحية الصباح بلغتها.
تجاهلها "عزيز" واتجه نحو غرفة مكتبه؛ فاستدارت "كارولين" نحو "سيف" الذي دلف للتو من باب المنزل وقد شاهد الأمر.
_ ما الأمر "سيف".
_ قولتلك اطلعي غيري هدومك... هنا مش زي أمريكا.
امتعضت ملامحها؛ فلم يمر يوم على قدومها هُنَا وكل شىء تتلقاه يحمل كلمة ممنوع.
تأففت بصوت مسموع وتحركت من أمامه نحو الأعلى؛ فرمقها وهو يظفر أنفاسه بقوة ثم تحرك نحو غرفة مكتب عمه.
_ صباح الخير.
هتف بها "سيف" وهو يغرز أصابعه في خصلات شعره وقد شعر بالحرج مما حدث.
بصوت تخلله الجمود تمتم "عزيز":
_ صباح النور.
حاول ترتيب كلامه لكن "عزيز" قطع عليه الأمر.
_ فهم مراتك قوانين بيتنا يا ابن "الزهار" ولا عيشتك بره نستك الأصول وعوايدنا.
أخفض "سيف" رأسه بحرج شديد، فملابس "كارولين" كانت بالفعل غير لائقة لترتديها أمام عمه.
_ أنا آسف يا عمي ومعلش اعذرها هي لسا متفهمش نظام حياتنا ومع الوقت هتتأقلم.
لم يعجب "عزيز" رد ابن شقيقه؛ فأشاح عيناه عنه.
_ اتمنى تقدر تعلمها بسرعه نظام حياتنا.
هز "سيف" رأسه ثم أخذ يحرك يده على عنقه بتوتر متمتمًا بصوت خافت.
_ حاضر.
...
أسرع "عزيز" السائق بصعود السيارة بعدما أشار له "عزيز" بالتحرك نحو عملهم.
الوجوم الذي اِحتل ملامح "عزيز" كان واضحًا هذا الصباح، فتنحنح "عزيز" السائق حرجًا وسأله.
_ أنت كويس يا "عزيز" بيه.
رفع "عزيز" عيناه عن هاتفه ونظر له.
_ بخير يا "عزيز"، طمني على "شهد" بقت أحسن دلوقتي.
ابتسم "عزيز" وهو يتحرك بالسيارة ببطئ نحو البوابة.
_ بخير يا "عزيز" بيه وقريب هتفك الجبس.
عبرت السيارة بوابة المنزل وانغلقت البوابة بعد خروجها.
عاد "عزيز" لتصفح هاتفه لكنه رفع عيناه بعدما تمتم "عزيز" سائقه بالكلام.
_ شكل "ليلى" متأخرة على شغلها.
قالها "عزيز" السائق وهو ينظر نحو ابنة شقيقه التي تُسرع بخُطواتها نحو الطريق الرئيسي لتجد مواصلة تأخذها إلى الحافله التي تقلها للمصنع.
_ أقف ليها يا "عزيز"... أنا رايح المصنع.
أوقف "عزيز" السيارة وقد ابتعدت قليلًا عن مكان "ليلى" واستدار برأسه متسائلًا بدهشة.
_ أنت كانت قايل إننا هنروح معرض الزهراء النهاردة.
هرب "عزيز" بعينيه بعيدًا عنه حتى لا يرى تلك اللهفة التي تضج بعينيه عند سماع اسمها أو رؤيتها.
_ افتكرت إني عندي اجتماع مع مهندس الإنتاج في المصنع.
حرك "عزيز" رأسه بتفهم وابتسم وهو يطلق بوق السيارة حتى تتوقف "ليلى" عن سيرها.
اقتربت "ليلى" منهم وقد علت الدهشة ملامحها من وقوف السيارة جانب الطريق.
فتح "عزيز" زجاج السيارة ونظر لابنه شقيقه وقد أخذت تزفر أنفاسها بقوة بسبب سيرها بخُطوات سريعة.
_ تعالي يا "ليلى" نوصلك في طريقنا.. "عزيز" بيه رايح المصنع.
ارتبكت "ليلى" ونظرت إلى عمها وهي لا تعرف بما تجيبه؛ فتلك المرة التي ذهبت فيها إلى المصنع معهم...انتشر الحديث ولم يرحمها البعض من اسئلته عن مدى تقارب عمها من السيد "عزيز".
_ أنا هاخد مواصله من على أول الشارع وإن شاء الله هلحق باص الشركة.
اخترق حديثها سمع "عزيز" وتوقفت يده على شاشة هاتفه، وأخذ يتساءَل داخله هل رفضت بالفعل عرض توصيلها؟
_ يا بنتي وليه تتعبي نفسك في المواصلات وإحنا رايحين المصنع.
قطب "عزيز" حاجبيه وارتكزت عيناه عليها.
نظرت نحوه بنظرة خاطفة التقطتها عيناه وكادت أن تتحدث؛ فقاطعها قائلاً بعدما عاد يصطنع الإنشغال بهاتفه.
_ عمك كلامه صح، أنتِ في طريقنا وممكن متلحقيش الباص.
نظرت له ثم إلى عمها بقله حيله.
_ يلا يا "ليلى" عشان منأخرش "عزيز" بيه.
صعدت السيارة بعدما لم تجد ما تخبر به عمها دون حرج.
خفق قلبه الخائن لوجودها قُربه ولم يجد إلاّ اصطناع العبوس حتى لا ينفضح أمره وتظهر مشاعره.
وفي حضورها كانت أنفاسه تُسلب وفي حضوره كانت الحقيقة تتجلى بوضوح أمام عينيها..
أين هي و أين هو؟
....
وضعت "زينب" الحقائب الكثيرة التي تحملها جانبًا وجلست على أحد المقاعد تزفر أنفاسها بتعب.
كانت السيدة "حورية" مثلها تضع ما تحمله جوار مقعدها..
_ برضوه مصصمه منتغداش سوا.
شعرت "زينب" بالحرج منها؛ فهي لا تستطيع تناول الطعام دون جدها وقد وعدته أنها ستأتي قبل الرابعة عصرًا ليتناولوا طعامهم سويًا.
_ سامحيني يا طنط، وعدت جدو نتغدا سوا.
ابتسمت "حورية" بحبور وربتت على يدها بمحبة حقيقية.
_ ولا يهمك يا "زينب"، أنا مش عارفه هتعملي إيه لما تبعدي عنه.
ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيً "زينب" عندما تذكرت ما أخبرها به "صالح" في إحدى مكالمتهم القليلة.
_ "صالح" قالي تقدري تروحي ليه على طول لأنه اغلب الوقت بيكون في شغله.
لا تعلم لما عندما نطقت هذا الكلام، شعرت بشعور سئ عكس وقتما أخبرها .. فعمله يأخذ كل وقته وهذا ما حدث عندما ذهب لمهمة التدريب التي يرأسها هو.
_ هو الشغل دايمًا واخد كل وقته...
تساءَلت بها بخجل؛ فنظرت لها "حورية" وهي لا تعرف بما تخبرها.
_ للأسف شغل "صالح" متعب وهو بيحب شغله اووي، فـ دايمًا حاطه في المرتبة الأولى في حياته.
نظرت إليها "زينب" ثم فركت يديها معًا وقد تحرر أخيرًا الكلام من شفتيها.
_ حتى مكالمتنا قليله ومبعرفش اوصل ليه لما بكون عايزه اكلمه واسأله عن حاجة.
لم تعرف السيدة "حورية" كيف تجيبها ولم يخلصها من هذا الحرج إلاّ قدوم النادل.
استطاعت السيدة "حورية" رسم ابتسامتها الجميله وقد أخفت داخلها غضبها من تصرف ابنها، فحتى المكالمات الهاتفيه يحرم الفتاة منها.
_ خلينا نشرب حاجة ترجع لينا نشاطنا ونلحق نخلص قبل الساعه تلاته عشان متتأخريش على "نائل" بيه.
في الوقت الذي تعلم فيه محادثة ابنها لصغيره كانت تقف قرب الصغير منتظرة إنهاء محادثتهم.
التقط السيدة "حورية" الهاتف من يد "نعمات" بعدما أنهى "صالح" حديثه مع صغيره وأخبره أنه يحبه بشده وسيعود قريبًا.
اندهشت "نعمات" من تحرك السيدة "حورية" بالهاتف للخارج واتجهت نحو غرفتها.
_ قولي اخر مرة كلمة فيها خطيبتك كان امتى...
لم ينطق "صالح" بكلمة لأنه بالفعل لا يتذكر أخر مكالمه كانت لهم... ربما كانت بالأسبوع الماضي.
_ البنت بعد اسبوع هتكون مراتك... عارف يعني إيه مراتك.
_ مساء الخير يا دكتورة "حورية".
ببرود ألقى "صالح" عليها السلام؛ فامتقعت ملامحها بغضب.
_ والله خسارة فيك البنت ديه...للأسف المرادي في عنادك مع جدك أنت الخسران يا "صالح".
_ رسالتك وصلت يا دكتورة.
زفرت "حورية" أنفاسها بقوة، وهتفت بيأس منه.
_ هترجع امتى ؟ فرحك بعد اسبوع يا استاذ.
تحرك "صالح" بالغرفة التي يقيم بها وأخذ يفك أزرار قميصه ثم جلس على الفراش بإرهاق.
_ هنزل بعد يومين.
_ "صالح" لآخر مرة بسألك، لو مش عايز "زينب" قول...حرام تظلم البنت معاك...
نظر لها "صالح" طويلًا لتقطع صمته قائله بدهاء.
_ أنا شايفه إن البنت بقت متردده في موضوع جوازكم وأنت اللي هتكون خسران.
تلك النيران التي رأتها السيدة "حورية" في أعين ابنها قبل إنهاء المكالمه جعلتها تتأكد أن ما يفعله ما هو سوى عناد مع جده تتمنى أن يفيق منه قبل فوات الأوان.
.....
ضحك "نائل" من قلبه وهو يضمها لأحضانه بعد مزاحها له بأنه دومًا سيظل الرَجُل الأول الذي امتلك قلبها.
_ طيب و "صالح" هيكون إيه يا بنت "أسامة".
توقفت "زينب" عن الضحك بعد سؤال جدها، فضاقت حدقتيّ "نائل" بحيرة عندما رأي صمتها وقد انتابه الشك.
_ مالك يا "زينب"، اوعي يكون حفيد "شاكر" زعلك في حاجه... أنا أصلا عايز افركش الجوازة ديه...البيه بدل ما تتعرفوا على بعض الشهر ده قام سافر مهمة تدريب... كان أجلها او وكل المهمة ديه لغيره...
ابتعدت "زينب" عن أحضان جدها وكادت أن تتحدث لكنه أشار إليها بالصمت.
_ هاتي التليفون بتاعي خليني اكلم جده.
_ يا جدو اسمعني.
_ قولت هاتي تليفوني.
قطع نقاشهم ارتفاع رنين هاتفها... نظر لها جدها بعدما التقطت الهاتف وقد التمعت عيناها باللهفة لرؤيتها اسمه.
_ مالك يا بنت "أسامة".
أخفضت "زينب" عيناها بخجل من نظرات جدها ونهضت من جانبه وتحركت.
_ ده "صالح" يا جدو، هدخل اكلمه.
رمقها "نائل" بنظرة طويلة بعدما ابتعدت عنه وزفر أنفاسه بقوة... حفيدته وقعت في غرام هذا الرَجُل رغم افتقار لقائاتهم.
_ ما انت مجرب الحب يا "نائل"...بيجي من غير ميعاد... ياريت يا "زينب" حظك يكون احسن من اللي اتسميتي على اسمها ويعرف ابن "الزيني" قيمتك.
...
نظرت لها "عايدة" بأسف وهي تراها منهمكة في تحضير صنف الطعام الذي طلبه السيد "سيف" منهم.
_ سامحيني يا "ليلى" حتى يوم اجازتك مش سيباكي ترتاحي فيه ولا تخرجي زي البنات.
التفت "ليلى" نحوها بعدما انتهت من سكب محتوى الصنف الغربي في وعاء الطهي و ارتسم العبوس على ملامحها.
_ هو ليه مش مصدقين إني بكون مبسوطه وأنا بساعدكم.
_ بنت أصول يا بنتي... الله يرحم اللي احسن تربيتك واللي جيتي من صلبهم.
قالها العم "سعيد" بعدما دلف المطبخ واستمع إلى ردها الذي أبهج قلبه.
_ "سعيد"... أمتى هتيجي البنت اللي هتساعدني.
_ يومين وهتيجي يا "عايدة"... اختيار خدامة أمينة في الزمن ده بقى صعب اووي.
واصلت "عايدة" تحريك الملعقة في إناء الطعام وردت قائلة.
_ أفراد البيت رجعوا يزيدوا تاني يا "سعيد" وانا وأنت الصحة مبقتش زي زمان.
هز "سعيد" برأسه؛ فقد عاد الغائب لهم بعروس لا يرى فيها خيرًا.
مر الوقت الي أن جاء وقت تقديم الطعام وقد انسحبت "ليلى" وعادت إلى المسكن لتسرع في تحضير الطعام لهم.
عندما تعلقت عينين "كارولين" بصنف الطعام الذي اشتهته هللت بسعادة.
_ رائحته شهية حبيبي... اشتقت لهذا الطعام.
طبعت قبلة خفيفة وسريعة على شفتيه أتى عليها "عزيز" الذي لم يعجبه الأمر.
امتعضت ملامح العم "سعيد" أما "عايده" أشاحت عيناها واستكملت مهمتها في وضع أطباق الطعام.
_ اكل "عايدة" كله يفتح النفس، تسلم ايديكم.
قالها "عزيز" بعدما جلس على مقعده؛ فابتسم "سيف" واقترب من "عايدة" ليقبل رأسها.
_ تسلم ايدك.
ابتهجت ملامح "عايدة"؛ وربتت على خده بحب.
_ بالهنا والشفا.. بس صنف الطعام اللي طلبته مني مخصوص مش أنا اللي عملاه.
لم ينتظر العم "سعيد" إكمالها لكلامها وقال بفخر وهو ينظر لهم.
_ "ليلى" هي اللي عملته.