رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع عشر بقلم سهام صادق
ارتعشت يديها وهي تقوم بإلتقاط حبات البرتقال وقد خرج صوتها بهمس خافت وهي تبرر له سبب وجودها هُنا بدلًا عن زوجة عمها.
_ أنا هنا عشان اسخن الأكل واحضرهولك... هسخن الأكل وامشي.
سقطت حبات البرتقال التي جمعتها من يديها وعادت لتلتقطها بتوتر اجتذب عيناه إليها وجعله يقف صامتًا.
_ أنا هلمهم بسرعة وهسخن الأكل على طول.
داعبت شفتيّ "عزيز" ابتسامة خفيفة تلاشى معها جمودة ملامحه.
بدأت تقسيمات وجهه تسترخي وقد أطلق لعينيه حُرية النظر إلى تفاصيلها التي تجعل عقله يتوقف عن محاسبته.
ازدردت لُعابها من شدة حرجها وهربت بعينيها بعيدًا عندما انتصبت أخيرًا في وقفتها ثم أسرعت بوضع حبات البرتقال بوعاء الفاكهة.
_ أنا هسخن الأكل.
تمتمت بها وهي تحمل وعاء الطهي الذي ستقوم بتسخينه وقد وقف "عزيز" مكانه يحدق بها بنظرة ارتعشت معها أوصالها.
أخيرًا انتبه على وقوفه وصمته ثم أزاح عيناه عنها.
_ مكنش له لزوم إن "عايدة" تتعبك وتقعدي تستني ميعاد رجوعي في المطبخ.
قالها "عزيز" بنبرة خرجت منه جامدة وقد استشعرت "ليلى" منها أنه لا يريد وجودها.
قبضت على منشفة المطبخ التي تحملها بقوة تخفي خلفها حرجها ثم أسرعت بخفض عيناها.
_ أنا عارفة إنك مش عايزانى أعمل أي حاجه خاصه بيك...
رفعت عيناها إليه وهي تزدرد لعابها وواصلت كلامها بتعلثم.
_ أنا آسفه.
خفق قلبه بشدة عند سماع اسفها واتسعت حدقتاه في ذهول وهو يراها تتحرك من أمامه لتترك المطبخ وتُغادر.
_ "ليلى".
أسرع بهتاف اسمها بل وتحركت ساقيه ورائها وكاد أن يمدّ يده ليلتقط ذراعها إلا أنه تمالك حاله وقبض على كف يده بقوة.
_ مين اللي هيسخن ليا الأكل وهيحضره لما أنتِ تمشي ولا أنتِ عايزة تسبيني جعان.
ما الذي تفوه به للتوه؟
هكذا سأل "عزيز" نفسه وهو يغرز أصابع يده في خصلات شعره.
وقفت مكانها بعدما اجتذبها حديثه ثم استدارت جهته وقد احتلت وجنتيها حُمرة خفيفة.
تعلقت عيناها به وسُرعان ما كانت تتسع حدقتاها في ذهول وهي تجده يزيح أحد المقاعد التي تلتف حول الطاولة الصغيرة الموجودة في منتصف المطبخ ثم جلس عليه وكأنه هكذا يخبرها أنه ينتظر تناول وجبة طعامه.
ابتلعت "ليلى" لعابها بتوتر ثم تحركت تحت أنظاره لتسخن له الطعام.
استمرت عينين "عزيز" بالتنقل مع حركتها وقد نسى الليلة تأنيب فؤاده من الوقوع في المحظور.
عيناه دون إرادة منه التهمت تفاصيلها التي تخفيها خلف بلوزتها الواسعة الطويلة ورغمًا عنه كان عقله يأخذه نحو حُلمه المخزى الذي عراه أمام نفسه بحقيقة لا تفسير لها إلا أنه راغب بها.
اتسعت حدقتاه في صدمة ثم أطبق على جفنيه بقوة بعدما أطرق رأسه في خزي.
جسده يشتهي امرأة بعد هذا العمر وبعد عزوفه عن النساء.
_ "عزيز" بيه.
انتشله صوتها الخافت مع تكرارها بالنداء عليه وسرعان ما كان يفتح عيناه وقد تلاقت عيناهم.
اخفضت "ليلى" رأسها وقبضت بيديها على قميصها حتى تخفي توترها وببطئ رفعت عيناها إليه.
_ احط الأكل هنا ولا بره على السفره؟
نظر لها "عزيز" بنظرة مشوشة؛ فصورتها بين ذراعيه وعلى فراشه وهو يقتطف من شفتيها شهدها المحرم لا تفارق عقله كلما وقعت عيناه عليها.
بنبرة صوت جلَّى به الحشرجة قال.
_ لا هاكل هنا في المطبخ يا "ليلى".
داعبت شفتيها ابتسامة صغيرة وهي تحرك له رأسها ثم اتجهت نحو الأطباق التي غرفت بها الطعام لتضعها أمامه.
اندهشت عندما وجدته ينهض من فوق المقعد وقد تراجعت بخطواتها للوراء وهي تحمل أحد الأطباق بين يديها.
_ مش هعرف أكل وأنا متقيد كده.
قالها "عزيز" بعدما لمح دهشتها من وقوفه ثم أخذ يطوي أكمام قميصه.
تخضبت وجنتيّ "ليلى" بحُمرة الخجل و أسرعت بوضع الطبق الذي تحمله على الطاوله.
_ شكرًا يا "ليلى".
خفق قلبها عندما استمعت لنبرة شكره وكادت أن تتحرك من أمامه وقد ظن أنها ستُغادر المطبخ ولكن سؤالها جعله يحدق بها بنظرة أربكتها.
_ اقطع الفاكهة ولا أعملها عصير.
تغلغل داخله شعور غريب عليه ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة عذبة وعاد ينظر نحو طبق طعامه.
_ ولا ده ولا ده محتاج فنجان قهوه يا "ليلى".
_ عم "سعيد" قالي لو شرب اكتر من 3 فناجين قهوة في اليوم متعمليش ليه...
تعلثمت الأحرف الأخيرة على طرف لسانها بعدما أدركت فداحة ما نطقت به.
حدجها "عزيز" وهو يرفع أحد حاجبيه والتمعت عيناه بنظرة عابثة وتساءَل بعدما انتهى من مضع الطعام داخل فمه وابتلعه ببطئ.
_ و عم "سعيد" قالك إيه تاني.
هربت بعينيها بعيدًا عنه ثم وضعت كف يدها على شفتيها لتكممه وعند هنا لم يتحمل رؤية كل هذا اللطف الذي تُمتعه به الليلة.
ارتفعت قهقهته عاليًا وهو يهز رأسه يائسًا من ذلك العجوز الذي يُحيطه برعايته وكأنه طفل صغير وليس رَجُلًا اقترب من بلوغ عامه الأربعين.
_ "ليلى" ممكن تبصيلي و تقوليلي قالك إيه عم "سعيد".
زمت شفتيها بندم على ما تفوهت به.
_ كان كاتبلي ورقة بالأكل اللي أنت بتحبه وإنك متشربش قهوة كتير وبدل القهوة تشرب لبن وقالي إنك بتحب الشاي بلبن قوي.
استمرت "ليلى" بإخباره بكُل ما أخبرها به العم "سعيد" ومع كل كلمة كانت تنطقها كانت عيناه تتعلق بشفتيها.
تحركت تفاحة آدم خاصته عندما إزدرد لُعابه وسرعان ما كان يدق ناقوس الخطر في رأسه.
أطرق رأسه نحو طبق الطعام يتمتم بنبرة جامده.
_ شكرًا يا "ليلى" تقدري تمشي دلوقتي.
نظرت له بأعين ذاهله وقد نهض "عزيز" من المقعد وغادر المطبخ تحت نظراتها التي ازدادت ذهولًا من تغيره المفاجئ.
....
رفع "عزيز" المنشفة الصغيرة التي كان يمسح بها الزجاج الأمامي للتو بعدما وجد سيده يتجه إليه.
_ صباح الخير يا "عزيز".
ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيّ "عزيز" السائق وهو يرد على تحيته.
_ صباح النور يا بيه، هنتحرك على المصنع يا بيه.
تساءَل بها "عزيز" وعندما تلقى الرد منه، أسرع بالتقاط دلو الماء الذي كان ينظف به السيارة ووضعه جانبًا.
رتب "عزيز" السائق مظهره سريعًا وقد صعد "عزيز الزهار" السيارة منتظرًا له.
ضاقت حدقتيّ "عزيز" في دهشة عندما وجد "عزيز" سائقه يقف قرب نافذة السيارة التي يجلس جهتها وقد جلَّى الحرج على ملامحه.
_ فيه حاجة يا "عزيز"؟!
نظر له "عزيز" ثم خرج صوته بتوتر.
_ هو إحنا ممكن ناخد "ليلى" في طريقنا يا بيه.
عندما اخترق اسمها رأسه هرب بعينيه وعاد ليتصفح هاتفه.
_ مفيش مشكله يا "عزيز".
تهللت أسارير "عزيز" - العم - وأسرع بإخراج هاتفه حتى يخبرها أن تأتي إليه ليصطحبها معه إلى المصنع.
ليلًا تخترق حصونه التي يعيد بنائها بعد معركة بين قلبه وعقله وصباحًا عندما تقع عيناه عليها ينهدم كل شئ.
تنهيدة طويلة خرجت منه؛ فهل هذه الفتاة تعويذة سحرية ألقيت عليه لتجعله كالمراهق أمام نفسه.
_ اهي "ليلى" جات.
قالها "عزيز" - العم - بصوت يتخلله الدفئ عندما استقر بمقعد السائق.
لم يرفع "عزيز" عيناه لرؤيتها؛ فذلك الضجيج الذي يقتحمه أجبره على عدم النظر إليها والوقوع في شرك أخر ينقص -يومًا بعد يوم- من رجولته أمام نفسه.
_ صباح الخير.
تمتمت بها "ليلى" بصوت خفيض ونظرت إلى عمها.
_ يلا يا "لولو" اركبي عشان منأخرش "عزيز" بيه.
بخجل حركت "ليلى" رأسها جِهة "عزيز" الذي انشغل في مطالعة هاتفه.
ابتلعت كلمات تحيتها له التي كادت أن تنطقها بعدما وجدته لا يعيرها أدني إهتمام.
شقت السيّارة طريقها نحو المصنع وقد سيطر الصمت على رحلة ذهابهم.
كعادتها ضمت حقيبتها في حضنها وأخذت تطالع الطريق.
رمقها خلسة بطرف عينيه ولكن انكماشها على حالها بالمقعد الأمامي جعله لا يراها بوضوح.
عبرت السيّارة أخيرًا بوابة المصنع وقد ترجل "عزيز" السائق من السيّارة.
خرجت "ليلى" من السيارة وتعلقت عيناها بعمها الذي وقف احترامًا للسيد "عزيز الزهار" يسأله عن موعد مغادرته.
خفضت عيناها وقد تغلغل شعور سئ روحها وهي ترى الحقيقة تتضح أمام عينيها؛ عمها ليس إلاّ سائق لدى الرَجُل الذي تغرم به.
التعاسة كانت مرتسمة على ملامحها عندما دخلت المكتب التي تتشارك به مع زملائها بالعمل.
_ مالك يا "ليلى".
تساءَلت بها "سلوى" زميلتها عندما وجدتها تجلس خلف مكتبها دون حديث.
_ مفيش يا "سلوى".
رمقتها "سلوى" بنظرة ضيقة ورفعت كوب النسكافيه خاصتها لترتشف منه وتساءَلت بفضول لا يفارق شخصيتها.
_ غريبة النهاردة مركبتيش باص الشركة وجايه في ميعادك بالمظبوط.
_ جيت مع عمي و "عزيز" بيه.
قالتها "ليلى" ثم التقطت ملف الحسابات الذي عليها مراجعته اليوم.
_ بتقولي جاية مع مين، مع "عزيز" بيه.
صاحت بها "سلوى" ثم أسرعت بوضع كف يدها على شفتيها ومن حُسن حظ "ليلى" لم يكن إلاّ هما بالغرفة.
_ "سلوى" عمي سواق "عزيز" بيه.. و اخدوني في طريقهم بعد ما استأذنه.
رغم شعورها بصعوبة قول الحقيقة التي تجعلها تفيق من حُلمها الوردي إلاّ أنها كان عليها إلجام "سلوى" عن الكلام.
توقفت "سلوى" عن الكلام بعدما دلف زميلهم الغرفة وألقى عليهم التحية ثم بعده أتى السيد "عادل" رئيس قسمهم.
شغلت "ليلى" تفكيرها بالعمل إلى أن آتى وقت استراحتهم.
كعادتها لا تختلط بالكثير ودائمًا لها مكان بعيد عن بقية زملائها تجلس به لتريح رأسها وتتناول وجبتها الخفيفة التي تصر "عايدة" على أخذها معها.
اقتربت منها "سلوى" بعدما أنهت ثرثرتها مع البعض والتقطت من يدها سندوتش الطعام الذي تتناوله لتقضم لقمة منه.
_ مفيش حاجة بتستخبى في المصنع.
حدجتها "ليلى" بنظرة تحمل التساؤل؛ فمضغت "سلوى" لقمة الطعام وواصلت كلامها.
_ لكن ولا يفرق معاكِ يا "ليلى"، أنا وضحت ليهم الحكاية.
اعتلت الحيرة ملامح "ليلى" وتساءَلت.
_ فيه إيه يا "سلوى"، أنتِ ليه بتتكلمي بالألغاز.
جاورتها "سلوى" ثم التقطت التفاحة التي كانت بعُلبة الطعام.
_ موضوع نزولك من عربية "عزيز" بيه النهاردة منتشر في المصنع بس خلاص الكل عرف إن عمك سواق "عزيز" بيه...
ثم استطردت "سلوى" كلامها بمزاح ثقيل.
_ هنياله يا عم اللي يكون عمه سواق البيه.
لم تنتظر "ليلى" أن تسمع كلام أخر منها وقد أسرعت بالنهوض من جوارها والتقطت عُلبة الطعام التي صارت فارغة.
_ كويس إنك قولتلهم إن عمي سواق "عزيز" بيه يا "سلوى"
...
_ ابعدي الفون شوية يا "زينب"... خليني أعرف أشوف شكل البلوزة كويس.
زمت "زينب" شفتيها حانقة؛ فذراعها آلمها بسبب تمديده وتحريك الهاتف هنا وهناك.
_ يا "سما" بقالنا ساعة بنختار حاجة كويسة ألبسها وكل شوية لا ده مش مناسب لحد ما قلبنا الدولاب كله.
ضاقت عينين "سما" بنظرة عابسة وبنبرة مستاءه تمتمت.
_ يعني أنتِ بتجيبي اللوم عليا يا ناكرة الجميل.
وضعت "زينب" يدها على شفتيها حتى تكتم صوت ضحكاتها وهي ترى "سما" تتقمص دور عمهم "هشام" بالكلام.
_ الواحد مهما يعمل معاكم مفيش شكر ولا مقابل.
قهقهت كلتاهما وقد دخل "نائل" الغرفة عندما وصله صوت ضحكاتهما.
_ هاتي التليفون خليني اكلم المشاكسة اللي وحشت جدها.
_ ده هما يومين بس يا جدو بعدتهم عنك لحقت اوحشك.
قالتها "سما" وهي تنظر إلى صورة جدها عبر شاشة الهاتف.
_ طبعًا يا بكاشة وحشتيني.
تحدث "نائل" قليلًا مع حفيدته ثم نظر نحو "زينب" التي أخذت تجمع ثيابها الملقاه على الفراش وابتسم وهو يرى حيرتها في اختيار ثوب أنيق لترتديه أثناء عشائها مع "صالح".
_ خدي يا "زينب" كملي كلامك مع "سما".
_ لا أنا خلاص زهقت منها، كفاية ضيعت ساعة معاها ومخرجتش من المطار اتفسح في البلد شوية.
هتفت بها "سما" بمشاكسة وقد التقطت "زينب" الهاتف من جدها الذي ضحك على كلام حفيدته.
_ افتكري إن كل واحد له يوم يا حضرت المضيفة.
مطت "سما" شفتيها بعبوس ثم أخذت تحرك يدها على خصلات شعرها المعقودة.
_ قلبك أبيض أنتِ يا "زوزو" وبتنسي بسرعه.
وقبل أن تنهي "سما" مكالمتها، رفعت اصبعيها ثم غمزت لها.
_ هتخطفي النهاردة قلب وعقل "صالح الزيني" اللي عامل نفسه تقيل علينا.
آتى المساء، وفي تمام الساعة الثامنة مساءً...
كانت "زينب" تترجل من سيارة جدها وقد أخبرها أن تذهب بها.
بتوتر تحركت نحو المطعم الذي دعاها له "صالح" من أجل تناول وجبة العشاء والتحدث قليلًا عن حياتهم القادمة التي ستجمعهم سويًا.
فور دخولها ،أرشدها النادل على مكان طاولته التي اتخذها في إحدى الزوايا المنعزله بالمطعم.
بخطوات بطيئة تحركت "زينب" وقد استدار "صالح" هذه اللحظة ناحيتها.
تعلقت عيناه بها..؛ فلن ينكر أنها تحمل جمال هادئ وجسد رشيق وعينين واسعتين بهما براءة قلّما رأها في أعيُن النساء.
شعرت بنظراته -التي يمسح بها جسدها- كأنها تُجردها من ثيابها وسرعان ما كانت تقبض بتوتر على حقيبة يدها وتخفض رأسها في حرج.
نهض من مقعده وقد ظهر أخيرًا الضيف الذي أخبرها أنه سيعرفها عليه الليلة.
بلباقة يمتاز بها هتف بإعتذار ثم نظر نحو صغيره وعاد ينظر إليها.
_ المفروض كنت جيت أخدك بنفسي واسلم على "نائل" بيه لكن الاستاذ "يزيد" كان مصمم يقضي اليوم النهاردة مع جده وجدته ويدوب روحت جبته واستعدينا عشان نوصل في الميعاد مظبوط.
ابتسامتها الخجوله جعلته يدُرك أنه استطاع تمليق حجته.
بصوت خفيض ناعم خرج صوتها.
_ جدو بخير وبيسلم عليك.
_ قريب إن شاء الله هاجي ازوره واطمن عليه.
قالها ثم تحرك نحو المقعد المقابل له ليحركه لها حتى تجلس.
_ شكرًا.
حرك رأسه لها وكادت أن تجلس إلاّ أنها تذكرت أمر الصغير الذي تغافل "صالح" عن تعريفه لها.
مدّت "زينب" يدها له وهي ترسم على شفتيها ابتسامة واسعة.
_ أنا أسمي "زينب".
نظر لها الصغير بنظرة عدائية ثم أشاح عيناه بعيدًا وانكمش على حاله.
توترت "زينب" ثم سحبت يدها تحت نظرات "صالح" الذي لم يعلق على الأمر واكتفى بسؤالها هل ترغب بطلب الطعام الآن أم الإنتظار قليلًا؟
صب "صالح" تركيزه بالكامل على صغيره بعدما آتى الطعام وشرعوا في تناوله.
تعلقت عينين "زينب" بهما وهي تبتلع قطعة اللحمة الصغيرة بصعوبة من شدة حرجها؛ فهي وكأنها ليست مرئية بالنسبة له.
شعر "صالح" بنظراتها المنصبّة نحوه ونحو صغيره ؛ فاستدار برأسه جهتها متمتمًا بإعتذار آخر.
_ ابني "يزيد" حالته خاصه شويه فى التعامل، اكيد هشرحلك كل ده لما نكون لوحدنا.
حركت له رأسها بتفهم وأكملت مضغ طعامها لكن بعد فترة شعرت بأن عليها عرض المساعدة لتطعم الصغير.
_ خليني أكله بدالك أنت مأكلتش حاجة من طبقك.
توقفت يد "صالح" عن وضع ملعقة الأرز في فم صغيره ونظر إليها بنظرة غامضة وسرعان ما كان يبتسم لها.
_ مش هيتقبل ده منك في الوقت الحالي، "يزيد" للأسف عدائي مع الناس الغريبة عليه.
_ بس أنا مبقتش غريبة دلوقتي، ممكن تخليني أجرب أكله.
نهضت "زينب" من مقعدها وحركت المقعد القريب من الصغير لتكون جواره لكن كما أخبرها منذ لحظات صغيره عدائي في أفعاله مع الغرباء وقد حدث ما توقعه.
انتفضت "زينب" من المقعد الذي جلست عليه للتو بعدما قذف على ساقيها طبق الشوربة التي هدأت سخونته قليلًا.
انتقلت أنظار الجالسين بالمطعم عليها بعدما استمعوا لصوت شهقتها وانكسار الطبق.
_ "يزيد" ،إيه اللي أنت عملته ده.
صاح "صالح" بصغيره بغضب ثم أسرع بالتحرك نحو "زينب" وانحنى بجزعه العلوي قليلًا يسألها بلهفة.
_ أنتِ كويسه ،الشوربة كانت سخنه.
_ متقلقش أنا كويسه.
التقط "صالح" محارم الطاولة وأخذ يمسح على تنورتها.
_ بيتهيألي محتاجين نروح الحمام أفضل.
أهتم بها وتحرك نحوها بلهفة.... هكذا أخبرت "زينب" قلبها العطش لمشاعر كتلك.
نظرة الصغير لها جعلتها تفيق من تخدرها اللذيذ وتراجعت للوراء وهي تتمتم.
_ أنا هروح الحمام وهاخد "يزيد" معايا عشان هو كمان اتأذى من الشوربة.
لم ينتبه "صالح" أن صغيره هو الأخر أصابه ما تناثر من الطبق... نظر إلى صغيره الذي دفن رأسه داخل كفيه الصغيرين.
_ "يزيد".
هتفت "زينب" اسمه بصوت لطيف قرب أذنه؛ فـ أزال أحد كفيه عن وجهه.
انصدم "صالح" عندما وجد صغيره يَقبل عرضها ويتحرك معها نحو المرحاض الخاص بالمطعم.
دلفت غرفتها بعدما اطمئنت على تناول جدها لدوائه.
تسطحت على فراشها والتقطت هاتفها وسُرعان ما كان القلق يرتسم على ملامحها.
عشرون مكالمة واردة منه!!
هاتفته والكثير من الأمور تقتحم عقلها.
_ مبترديش ليه يا "زينب"؟
صدمها سؤاله وقد تحرك ليغادر غرفة صغيره بعدما غفا.
استمع إلى صوت أنفاسها ثم خرج صوتها بهمس خافت.
_ كنت مع جدو لحد ما اطمنت عليه ونام.
ابتسامة خفيفة اعتلت شفتيه بعدما استمع إلى ردها وقد كانت نقطه أخرى تؤكد له الليلة أنها العروس المناسبة رغم مقته لأنها من إختيار جده.
_ ودلوقتي بتعملي إيه؟
تساءَل "صالح" وهو يجلس على فراشه وأخذ يفك أزرار قميصه منتظرًا سماعها.
_ كنت هنام.
ابتسم عندما شعر بتعلثمها ثم تمدد بجسده على الفراش وقد ترك لها الأمر الليلة لتحادثه بكل شئ ترغب به.
بعد ساعة كاملة...
كانت تحتضن الهاتف وتطلق تنهيدة طويلة من شفتيها وقد توهجت عيناها بوميض تغلغل إلى ثنايا روحها.
تلاشت مخاوفها التي كانت عائدة بها بعد عشائهم سويًا لتغرق بعدها في أحلامها التي رسمتها.
والقرار الذي انتظر والديه أن يسمعه منه كان يمنحه لهم في الصباح بنبرة جامدة، هو سيُكمل هذا الزواج.
....
سقط الكيس -الذي كانت تحمله- ومعه حقيبة يدها أرضًا وتيبست مكانها وارتسم الذعر على ملامحها.
وبصعوبة خرج صوتها وقد أصاب قلبها الهلع.
_ "شهد" كويسه يا عم "مسعد"... طيب اسم المستشفى إيه... الله يخليك طمني.
نظر لها "مسعد" وقد ظهر القلق على ملامحه هو الأخر.
_ والله يا بنتي عمك و الست "عايدة" خرجوا يجروا ومعرفتش منه غير إن "شهد" خبطتها عربية.
ثم واصل "مسعد" كلامه وهو يُحرك رأسه بقلة حيله.
_ حتى مش معايا رصيد أتصل بيه واطمن.
_ ده حصل الساعه كام.
ضاقت حدقتيّ "مسعد" وهو يُحاول تذكر الوقت.
_ حوالي الساعه تلاته العصر.
التقطت "ليلى" حقيقة يدها التي سقطت أرضًا بيدين مرتعشتين ثم أخذت تبحث عن هاتفها لتهاتف عمها.
نظرت إلى الهاتف بصدمة فقد فرغ شحنه، كادت أن تتحرك للداخل لتقوم بشحنه لكن صوت بوق السيارة جعلها تتوقف وقد ظنت أن عمها قد عاد.
أسرعت بالإلتفاف بجسدها ثم أغلقت جفنيها لتتفادى ضوء السيارة الذي تسلط جهتها.
ضاقت حدقتيّ "عزيز" عندما رأها واقفه عند البوابة ثم خرج من سيارته.
أسرع "مسعد" جهته يخبره بما حدث مع عائلة "عزيز".
التمعت عينين "عزيز" بفزع بعدما عرف ما حدث لـ "شهد" ثم تحركت عيناه نحو "ليلى" التي ارتعشت أهدابها.
نظراتها إليه حملت الرجاء وحملت معنى أخر لا يستطيع الإنصياع له... هرب بعينيه بعيدًا عنها وأخرج هاتفه من جيب سترته ليحادث "عزيز" سائقه.
....
اتسعت عينين "سمية" وهي ترى إحداهن تفتح لها الباب وقد ارتفع صوت "سيف" من ورائها.
_ هل عامل التوصيل آتى "كارولين" ؟
اعتلت الدهشة ملامح "سيف" وقد غادرت الدماء وجهه وهو يرى والدته أمامه.
تخطت "سمية" تلك الواقفة أمامها بعدما رمقتها بنظرة مزدرءة.
_ مالك مصدوم من وجودي.
خرج صوت "سيف" بعدما تمالك صدمة وجودها.
_ ماما بتعملي إيه هنا في أمريكا؟
لم ترد "سمية" على سؤاله بل التفت جِهة "كارولين" التي مَا زالت واقفه مكانها.
_ مين دي؟
نظرة إزدراء "سمية" لم تغفل عنها "كارولين" التي لم تنتظر أن يعطي "سيف" الجواب إلى والدته.
_ أنا زوجته.
سقطت الكلمة على "سمية" كالصاعقة؛ واستدارت ببطئ نحو "سيف" الذي وقف ينظر إليها بتوتر.
_ ماما أنا و "كارولين" متجوزين...
كاد أن يواصل كلامه إلاّ أن "كارولين" ألقت بصاعقة أخرى على "سميه" التي تجمدت ملامحها.
_ وننتظر طفل.
....
الراحة ارتسمت على محياه عندما استمع إلى صوت "عزيز" سائقه وقد اقتربت منه "ليلى" وتعلقت عيناها به.
_ أنا جاي المستشفى يا "عزيز" اطمن على "شهد".
نظرت له "ليلى" بنظرة راجية أن يعطيها الهاتف وفور أن مدَّ لها يده به التقطته منه على الفور وتحدثت بلهفة.
_ عمي، قولي إن "شهد" كويسه.
حدجها "عزيز" بنظرة لو رأها أحد لـ افتُضِح أمره وقد اِجْتَاحَه شعور لا يمكنه إنكاره هذه الليلة.
طمئنها عمها على "شهد" وقد ألحت عليه أن يخبرها اسم المشفى لتأتي إليهم.
أعطت الهاتف لـ "عزيز" وبنبرة خرجت متوسلة قالت.
_ خليه يوافق إني اروح ليهم المستشفى.
لم يستطيع "عزيز" أن يرى نظراتها المتوسلة له بأن يأخذها إلى عمها.
لم يَقُل شئ بل تحرك نحو سيارته في دعوة منه أن تتبعه.