رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن عشر بقلم سهام صادق
تنهيدة طويلة خرجت من شفتيها مع شبح ابتسامة ارتسمت على محياها وهي ممددة على فراشها ومحدقة بسقف الغرفة.
تقلبت في فراشها يمينًا ويسارًا إلى أن عاد جسدها واستقر كما كان وعادت تحدق بسقف غرفتها.
ارتفعت دقات قلبها بعدما شردت في صورته وكل ما قِيلَ في ذلك اللقاء العائلي.
_ معقول من لقاء واحد أكون مرتاحه كده.
سألت "زينب" حالها هذا السؤال ثم أسرعت بالإعتدال من رقدتها لتخرج زفرة طويلة منها تعبر عن حيرتها من هذا الإرتياح الغريب الذي يخترق روحها.
شهرًا واحدًا عليهم أن يتقربوا فيه من بعضهم، شهرًا واحدًا ثم سيتم بعده الزفاف.
وسيمًا ومهيبًا ذو شخصية جعلتها تشعر وكأنها ترى نسخة من جدها.
لا تعرف كم مر عليها من وقت وهي تجلس مكانها حائرة في أمرها.
نفضت رأسها والتقطت وسادتها من جانبها لتحتضنها ثم عادت لتسطحها لعلها تستطيع أن تغفو.
....
انتفض "عزيز" من على الفراش يلهث أنفاسه وقد امتدت يده نحو زجاجة الماء التي يضعها -قبل نومه- على الكومود الذي يجاور فراشه.
ارتشف الماء دفعة واحدة وانسابت قطرات من الماء على تفاحة آدم خاصته.
شَخَصَ ببصره نحو زجاجة الماء التي صارت فارغة وارتفعت وتيرة أنفاسه مرة أخرى.
نهض من على الفراش يمسح وجهه ثم أخذ لسانه يردد الإستغفار غير مصدقًا ما وصل له.
_ معقول يا "عزيز"، معقول تحلم بيها بالوضع ده..
أطبق فوق جفنيه بقوة لعله يستطيع طرد ما علق برأسه من حُلم راوده ليخبره بحقيقة مشاعره التي يُنكرها كلما وقعت عيناه عليها.
لقد أتته في حُلمه وهي بين ذراعيه وعلى فراشه ينظر إليها كما ينظر الرجل لـ امرأته.
استمر بتحريك يده على وجهه وقد أخذ يدور في الغرفة بدون هوادة.
لم يستطيع العودة إلى النوم هذه الليلة بعدما عرته الحقيقة أمام نفسه؛ فبعد هذا العمر صار راغبًا بفتاة بعمر أولاد شقيقه.
اندهش العم "سعيد" -عند دلوفه المطبخ- من وجوده وقد وقف "عزيز" قرب البراد يلتقط من داخله زجاجة ماء.
_ صباح الخير يا بيه.
قالها العم "سعيد" وهو يعقد حاجبيه في دهشة أشد عندما انتبه عليه مرتديًا ملابسه الرياضية التي يرتديها عند التريض، تلك الرياضه التي قلت ممارسته لها في الآونة الأخيرة.
استدار "عزيز" ناحيته بعدما ارتشف القليل من الماء.
_ صباح الخير يا راجل يا طيب.
تحرك "عزيز" إلى خارج المطبخ لكنه توقف مكانه بعد تساؤل العم "سعيد".
_ اجهز الفطار يا بيه.
_ ياريت فنجان قهوة لاني محتاجه أوي.
تمتم بها "عزيز" قبل استكمال خطواته إلى خارج المطبخ.
...
تغنت "عايدة" برائحة البيض الشهية التي وقفت "ليلى" تعده كما أعدت بقيت أطباق الإفطار.
_ صباح الخير على أحلى "لولو".
قالتها" عايدة" ثم لثمت خدها؛ فابتسمت "ليلى" ونظرت لها بعدما رفعت المقلاه.
_ عشر دقايق والفطار يكون جاهز، فاضل بس أعمل الشاي.
_ لا يا حببتي كفايه عليكي كده، أنا هعمل الشاي وهحط الأطباق على السفرة.
كادت أن تتحدث "ليلى" وتخبرها أنها من ستفعل ما تبقى لكن دلوف عمها إلى المطبخ وهتافه بهما جعلها تنظر لزوجة عمها وتبتسم.
_ أنا اللي هعمل الشاي.
_ عمك صاحي راضي عننا النهاردة يا "ليلى".
قالتها "عايدة" في مزاح وهي تقترب منه محتضنه ذراعه.
_ تنكري إني بحاول دايمًا اساعدك وأنتِ اللي بترفضي...
على فكرة يا "لولو" عمك راجل متعاون أوي في شغل البيت لكن نقول إيه مرات عمك بتحب تعمل كل حاجة بنفسها.
نظرت "عايدة" إليه وهي عابسة الوجه وقد مطت شفتيها للأمام.
_ ده جزاتي في الآخر.
تركت ذراعه وابتعدت عنه لكنه أسرع في اجتذابها إليه واحتضانها حتى يدللها قليلًا.
انسحبت "ليلى" من بينهم بعدما ألقت نظرة سريعة عليهم وهي مبتسمة وقد أخذت في يدها زجاجة الحليب حتى تضع للقِطة طعامها.
اجتذب "عزيز" صوت مواء القِطة الذي ارتفع مرة واحدة، ثم اختفى وعلى ما يبدو أن القِطة وجدت أمامها ضالتها.
نهض من مقعده بعدما دفعه شئ خفي لرؤية القِطة التي يستطيع من وراء نافذة شرفة مكتبه رؤية مكانها.
خفق قلبه دون إرادته وقد عاد حُلم ليلة أمس يطرق حصونه وهو يراها جاثية على ركبتيها تطعم القِطه الصغيرة.
أغمض عيناه حتى يستطيع طرد ذلك الإحساس الذي بسببه ركض لوقت طويل هذا الصباح حتى يتخلص منه.
فتح عيناه وعاد ينظر إلى مكانها لكنها اختفت.
شعر بالضيق وأزاح سِتار النافذة كما كان وقد دخل للتو العم "سعيد" غرفة المكتب وهو يحمل فنجان القهوة.
_ برضوه يا بيه هتشرب قهوتك من غير فطار.
التقط "عزيز" منه فنجان القهوة وقد ارتشف منه على الفور دون أن ينتبه على سخونته.
أبعد فنجان القهوة عن شفتيه؛ فأسرع العم "سعيد" بإعطائه كأس الماء البارد ليرتشف منه.
_ شكرًا يا راجل يا طيب.
ابتسم العم "سعيد" وتناول منه كأس الماء ونظر إلى الشرفة التي كان واقف قُربها قبل دخوله.
_ لو مكان القطة مضايقك يا بيه... انقلها مكان تاني.. اعمل إيه في "شهد" و "ليلى" عايزنها تحت شباك اوضتهم.
تنهد "عزيز" ثم تحرك من أمام العم "سعيد" وعاد يرتشق من فنجان قهوته.
_ لا يا عم "سعيد" متغيرش مكانها... أنا سمحت ليهم بوجودها ووعدتهم
اتسعت ابتسامة العم "سعيد" ونظر إليه.
_ "ليلى" امبارح ساعدتني نعمل ليها بيت صغير.
ثم ضحك العجوز وأردف بعدما تذكر ما وجد "ليلى" تفعله في الصباح الباكر من أجل القِطة.
_ تخيل يا بيه... صحيت بدري النهاردة تدور على بكرة صوف عشان تعمل ليها فستان صغير.
رغمًا عن "عزيز" كانت ابتسامة صغيرة تداعب شفتيه وقد استمر العم "سعيد" في التحدث عن "ليلى".
شعر بأنه يجب عليه مغادرة المنزل الآن فلم يعد يتحمل سماع المزيد عنها خاصةً أن صباحه اليوم مختلف.
_ تسلم ايدك على القهوة يا عم "سعيد".
غادر "عزيز" المنزل في عُجالة وقد تعجب "عزيز" السائق من خروج سيده باكرًا على غير عادته.
....
شعرت "أميمة" بالسعادة وهي تستمع لحديث إحدى جارتها عن جمال الثوب الذي ترتديه اليوم وقد تخلت أخيرًا عن ملابسها غامقة اللون التي كانت تزيد من سنوات عمرها.
والمديح الذي سمعته اليوم من جارتها ومن معلمة ابنتها عند ذهابها بها لروضة الأطفال سمعته أيضًا من السيد "جابر" رئيسها بالعمل.
تخضبت وجنتاها بحمرة خفيفة وهي تدخل ببعض الأوراق لغرفة "عزيز".
_ الفواتير دي محتاجة امضتك يا فندم.
قالتها" أميمة" بصوت خفيض لا تتصنع نبرته؛ فرفع "عزيز" عيناه نحو الأوراق التي تمدها له.
التقط "عزيز" الفواتير ثم قام بوضع توقيعه.
_ في حاجة تانية عايزه تتمضي يا "أميمة".
هزت رأسها ثم أطرقتها وبصوت خافت ردت.
_ لا يا فندم.
مد يده لها بالأوراق التي قام بتوقيعها دون النظر إليها وقد منيّت نفسها بأن تسمع منه رأيه عن ثوبها الجديد الذي لا يشبه أثوابها التي اعتادت ارتدائها.
تحركت من أمامه تجر ساقيها بخطوات بطيئة منتظرة كلمة منه.
_"عزيز" بيه.
صوب "عزيز" عيناه نحوها بعدما هتفت اسمه وقد ضاقت حدقتاه وهو ينتظر مواصلة كلامها.
انحبست أنفاس "أميمة" وشعرت بالحرج من حماقة فعلتها.
بصعوبة خرج صوتها.
_ أعمل لحضرتك قهوة.
_ لا يا "أميمة"، شكرًا.
غادرت" أميمة" الغرفة وقد تلاشت تلك الفرحة التي كانت تضج من عينيها قبل دخولها.
_ "أميمة" أنا رايح قسم الحسابات.
انتبهت على صوت السيد "جابر" وهو يغادر الغرفة ومن حسن حظها لم ينتبه على تغير ملامحها الذي كان جليًا بوضوح.
...
_ أخيرًا خلصت تنضيف ونضفت أنا كمان.
تمتمت بها "زينب" وهي تقترب من جدها برائحتها الجميلة بعدما حصلت على حمام دافئ.
تعلقت عينيّ "نائل" بها ثم ترك الجريدة التي كان يُطالعها جانبًا.
_ طلبت لينا الغدا من بره.
نظرت إلى جدها بشفتي مذمومتين فهو أصر على طلب الطعام عندما وجدها منهمكة في تنظيف المنزل.
_ ليه بس يا جدو أنا كنت متبله الفرخة وكنت هحطها في الفرن بس.
_ خلي الفرخة لبكره، أنتِ تعبتي النهاردة مش عارف إيه لزوم التنضيف الشاق ده النهاردة وأنتِ أصلاً منضفاه كويس من كام يوم.
هربت "زينب" بعينيها بعيدًا؛ فابتسم "نائل" بعدما فهم بفطنته السبب.
_ "شاكر" اتصل بيا الصبح عشان يعرف ردك لأنه عايزكم تنزلوا تجيبوا الشبكة ويعلن عن الخطوبة.
ضاقت حدقتيّ "زينب" ثم اتسعت لا تستوعب ما يحدث.
_ جدو بس لسا بفكر وماخدتش قرار.
_ ما أنا قولتله كده.
قالها "نائل" وهو يربت على يدها، فمهما كانت رغبته القوية في رؤيتها عروس فهو لن يجبرها على شئ.
_ قولتله إيه يا جدو.
انفلت سؤالها دون قصد منها وقد أدركت بعد فوات الأوان حماقتها.
تلاعبت بأصابع يدها بحرج وتحاشت النظر إلى عينين جدها؛ فرمقها "نائل" بنظرة دافئة.
_ قولتله إنك لسا بتفكري وإن حفيدتي مش شبه بنات اليومين دول ... حفيدتي عندها مواصفات خاصة لشريك حياتها.
داعبت شفتيّ "زينب" ابتسامة واسعه ثم أسرعت بالإرتماء بحضنه.
_ أنا عايزة اتجوز واحد شبهك يا جدو، في حنيتك وفي كل حاجة.
خرجت ضحكات "نائل" بعدما ضمها إليه وقبل رأسها.
_ طيب أنا كده هقعدك جنبي أنتِ و "سما" بنت عمك ومش هتتجوزوا خالص.
_ مش مشكله، أنا أصلاً مش عايزه اتجوز واسيبك.
تلاشت تلك الابتسامة التي كانت تحتل شفتيّ "نائل" وبرفق أبعدها عن حضنه ينظر إليها بنظرة أخفي خلفها مخاوفه من قسوة أولاده عليها بعد وفاته.
_ وأنا أمنية حياتي أجوزك واطمن عليكي يا "زينب".
صمت" نائل" للحظة ثم أطرق عيناه.
_ أنا شايفه إنك مرتاحة لـ "صالح" يا "زينب".
قالها" نائل" ثم رفع عيناه لينظر داخل مقلتين حفيدته وعندما رأها تهرب من النظر إليه مدَّ يده ومسح على خدها.
_ متخبيش عينك مني يا "زينب"... مشاعرك دي طبيعيه إنك تقبلي شخص من أول لقاء. ده اسمه ارتياح يا بنتي.
صحيح منقدرش نحكم على الأشخاص من أول مرة لكن ما دام في قبول وارتياح ليه منديش لنفسنا والطرف التاني فرصة نعرف بعض كويس وبعدين نقرر.
نظرت "زينب" إلى أعين جدها التي تفيض حنانًا ثم أسرعت بخفض عيناها.
_ أنا حساه إنه شبهك يا جدو.
ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتي "نائل" حملت معها مشاغبته.
_ هو فيه شوية، كويس مطلعش زي "شاكر" كنت رفضته على طول.
ارتفعت ضحكات "زينب" بعدما سمعت تعليق جدها على صديقه.
_ ليه يا جدو، ده جدو "شاكر" راجل لطيف وجنتل مان.
نظر إليها "نائل" ثم قرص خدها متسائلًا بمزاح.
_ ارسيلك على بر يا بنت "أسامة" عايزه زي جدك ولا عايزه الراجل اللطيف اللي يضحك عليكي بكلمتين.
ازدادت وجنتيها إحمرارًا، فقهقه "نائل" عاليًا.
_ مع إنى أشك إن "صالح الزيني" مش وارث شوية طباع من "شاكر" لكن ده ميمنعش إن الولد عجبني وبسبب شخصيته اتغضيت عن إنه أرمل وعنده ولد.
تبدلت ملامح "زينب" عندما ذكر جدها هذا الأمر الذي يشعرها بالحيرة وقد انتبه "نائل" على تغير ملامحها.
_ لو رفضتي ارتباطك من "صالح" عشان أرمل وعنده ولد مش هلومك... كفايه فرق العمر ما بينكم.
_ فرق العمر مش كتير اوي، عشر سنين.
أنفلت الكلام منها كعادتها؛ فأسرعت بإشاحة وجهها بعيدًا عن نظرات جدها الثاقبة.
_ كمان عرفتي عمره يا بنت "أسامة".
كادت أن تفر من أمام جدها لكن "نائل" أسرع بجذبها لحضنه.
_ أنا موافق على "صالح" يا "زينب"، اوعي تفتكري إن جدك هيديكي لأي حد.
....
استدار "عزيز" برأسه للخلف حتى يشير للنادل بأن يقترب من الطاولة وقد تهرب من سؤال "نيهان" عن "ليلى" التي صار يُسميها بفتاة القِطة.
اقترب النادل منهم و أخذ "عزيز" يُملي عليه بعض من أصناف الأسماك.
_ المطعم ده صديق ليا شكرلي فيه، قولت نجرب اكله سوا.
تجولت عينين "نيهان" بالمكان ثم نظر إليه.
_ لقد تحمست يا رَجُل لكن لن أنكر أن طعام "عايدة" لا يوصف، خاصةً طعام أمس وذلك الشئ الذي لا اتذكر اسمه كلما أكلته هنا بمصر.
أخذ "نيهان" يصف له صنف الطعام؛ فضحك "عزيز" بعدما فهم مقصده.
_ قصدك الممبار.
أغمض "نيهان" عيناه وقد عاد يستشعر بحاسة التذوق خاصته طعمه مرة أخرى.
_أرغب بتناوله مرة أخرى قبل رحيلي، لأول مرة يعجبني طعمه بشدة.
_ منكرش بصراحه إن المرادي "عايدة" كانت عملاه بطريقة أطعم وأخف.
ارتفع رنين هاتف "عزيز"؛ فنهض معتذرًا من "نيهان" ليجيب على المتصل.
بعد دقائق معدودة عاد "عزيز" بعد أن أنهى مكالمته التي تخص العمل الذي لا ينتهي.
_ تعلم "عزيز" رغم ما حدث لنا معًا من خسارة بسبب حريق المصنع إلا إنني مشفق عليك يا رَجُل.
اندهش "عزيز" من كلامه فواصل "نيهان" حديثه.
_ لقد هونت عليا زوجتي مصابي في كل مكالمه بيننا فنسيت أمر خسارتي للمال لكن أنت "عزيز" كل الأعباء تحملها وحدك ولا أحد بجانبك ولا تخبرني أن أولاد شقيقك معك.
خرجت نبرة "نيهان" هذه المرة بحزم، فتعنت صديقه في أمر الزواج صار يُبغضه... فلما لا يتزوج وهو رَجُل مقتدر بلا عيب يعيبه.
_ "نيهان" وضعي عاجبني بلاش تبقى شبه عم "سعيد" في إلحاحك.
تنهد "نيهان" بيأس ولكنه اليوم قرر ألا يصمت ويقعنه بأمر الزواج.
_ "نيرة" تزوجت وتعيش مع زوجها خارج البلاد و "سيف" منشغل بدراسته بأمريكا... أخبرني أين نفسك يا "عزيز"، ألا ترغب بزوجة تدفئ فراشك؟! لن أقول لك أن تكون أبًا لـ طفل لكن أنت ألا يحق لك أن تجد من تزيل عنك أعباء يومك.
لو أخبره "نيهان" بهذا الكلام من قبل لكان مر عليه مرور الكِرام ولكن اليوم وبعد ليلة أمس وحُلمه المخزي في اشتهائه لجسد فتاة تعيش داخل منزله وتصغره بسنوات عديدة... "نيهان" يزيد الأمر عليه بكلامه ويتعاون معه جسده في خيانته.
"جـسـده"
كلمة تردد صداها داخله... وكأنه وجد المهرب من مبرر أخر مزيف.. هو لا يحب تلك الفتاة... هو يشتهيها منذ رؤيته لها دون غطاء رأسها؛ إذا ما يعيشه هو شهوة تحركها غريزته كرَجُل.
_ أعلم أنك لن تأخذ حديثي بجدية "عزيز" لكني سأستمر دومًا بحثك على الزواج.
قالها "نيهان" بعدما زفر أنفاسه وقد أتى النادل بالطعام أخيرًا وانغلق الحديث الذي وجد له "عزيز" مبررًا.
....
قطبت "ليلى" حاجبيها في دهشة وهي تجد قائمة من الأطعمة يضعها العم "سعيد" على الوسادة التي تضعها على ساقيها.
_ إيه ده يا عم "سعيد".
نظرت "عايدة" لشقيقها كما نظر "عزيز" له بعدما أصرف نظره عن متابعة التلفاز.
_ أنا هسيب مسؤلية "عزيز" بيه عليكي يا "ليلى"، مش ضامن أكل "عايدة" له.
خرجت شهقة "عايدة" في صدمة ونظرت إلى زوجها.
_ شايف يا "عزيز"، سامع بيقول إيه عني.
التوت شفتي "سعيد" وهو ينظر لشقيقته وزوجها ثم أشاح عيناه عنهم.
_ امسكي يا "لولو" الورقة مالكيش دعوه بيهم... أنا عامل ليكي جدول بالوقت والأكل... اهم حاجه الملح ولو قالك اعملي قهوة أكتر من تلت مرات متعمليش له.
_ أنتِ هتخلي بنت أخويا تقوم بدورك يا راجل يا عجوز... دي كلها كام يوم وراجعه شغلها في المصنع.
امتعضت ملامح "سعيد" ونظر إلى "ليلى" التي تعلقت عيناها بالورقة.
_ "لولو" موافقة تقوم بدوري، مش كده يا "لولو".
رفعت "ليلى" عيناها نحو العم "سعيد" ثم وجهتها جِهة عمها و "عايدة" التي هزت رأسها بيأس من أفعال شقيقها.
_ أنا هقوم بدورك يا "سعيد" ومتخافش مش هلغبط في نظام الأكل، سيب بقى "ليلى" في حالها... البنت راجعه شغلها.
نظر إليهم العم "سعيد" باستياء وسحب الورقة من يد "ليلى" لكنها أسرعت بالتقاطها منه.
شعرت بالحرج من فعلتها بعدما اتجهت أنظار "عايده" وعمها عليها.
_ متقلقش يا عم "سعيد" أنا هقوم بدورك بس أنت ادعيلي يا راجل يا عجوز.
ابتهجت ملامح العم "سعيد" ثم رفع يداه عاليًا داعيًا لها.
_ يارب يا "لولو" تتجوزي واحد ابن حلال يخليكي أميرة.
خفق قلب "ليلى" مع دعوته التي لامست قلبها الذي صار يحلم بحُلم يراه بعيداً.
....
تجهمت ملامحه عندما اقترب من بوابة المنزل ووجدها تقف مع الحارس وعلى ما يبدو من ملامحها أنه يمازحها.
لولا زجاج السيّارة المعتم المغلق لكانت ملامح وجهه المتجهمة فضحته.
ارتبكت "ليلى" عندما أطلق بوق سيّارته ثم أنزل زجاج السيّارة جهة الحارس "مسعد" قائلًا بنبرة آمره.
_ شوف شغلك يا "مسعد".
تعجب "مسعد" من نبرة صوته ولكنه فسر الأمر بسبب ضغط سيده في مشاكل العمل مؤخرًا.
مرت سيّارة "عزيز" من أمامهم ثم بدأت البوابة تنغلق ببطئ.
_ الله يعين "عزيز" بيه، حريق المصنع كان كارثه بالنسبه ليه.
قالها "مسعد" ثم نظر إلى "ليلى" التي قبضت على ذراع حقيبتها بعدما أصابها مرارة تعلم سببها.
التقط "مسعد" ذلك الطبق الذي كان يضعه جانبًا.
_ شكرًا يا أستاذه على طبق الرز بلبن.
تمتم بها ثم شرع في التهامه تحت نظراتها التي عادت تتوهج.
_ محتاج مني حاجة اجبهالك من أول الشارع يا عم "مسعد".
تساءَلت" ليلى" وهي تتجه نحو الباب الصغير الذي يُغادرون منه.
_ الله يكرمك يا استاذة.
أطلقت "ليلى" زفيرًا طويلًا عندما وقفت أمام بوابة المنزل بالخارج.
التفت برأسها لتنظر للمنزل الضخم الذي تسكن فيه مع عائلة عمها كمجرد عاملين لصاحبه.
تحركت جهة المتجر الذي يقع على أول طريق المجمع السكني المعروف بطبقة ساكنيه.
تعلقت عينين "عزيز" بها وقد وقف بالجهة الأخرى من الطريق.
لقد اخترق فؤاده اليوم شعور لا يستطيع الإعتراف به.
أغمض عيناه ثم أخذ يتنفس ببطئ.
....
ابتسامة واسعة احتلت شفتيّ "عايدة" عندما سمعت مديح السيد "نيهان" للطعام الذي رغب بتناوله قبل عودته إلى تركيا.
_ ألذ ممبار تذوقته حتى الآن "عايدة".
_ بالهنا والشفا يا "نيهان" بيه.
ابتسم "عزيز" وقد صرفت "عايدة" عيناها عنهم وهم يتناولون الطعام.
_ بصراحه خلطت الممبار "ليلى" هي اللي عملاها.
قالتها "عايدة" ثم نظرت نحو "عزيز" الذي ترك ما بيده وأخذ يسعل بشدة.
أسرع بالتقاط كأس الماء مشيرًا لهم ألا يقلقوا.
_ اممممم ، "ليلى" فتاة القطة أليس كذلك.
ابتسمت "عايدة" من تشبيه "نيهان" لها بهذا الاسم ثم ألقت نظرة خاطفة متوترة نحو "عزيز" الذي أخذ يمسح شفتيه بالمحرمة الورقية.
_ "ليلى" بنت اخو "عزيز" يا "نيهان".
تمتم بها "عزيز" ثم نظر نحو "عايدة" التي اندهشت من ردة فعله عندما علم أن "ليلى" هي من صنعت صنف الطعام الذي أعجبهم.
_ تقدري تروحي المطبخ "عايدة"
حاول "عزيز" إخراج صوته بنبرة هادئة وقد رمقه "نيهان" بنظرة احتلها المكر.
_ لماذا تغضب كلما أتى ذكر هذه الفتاة يا راجل؟ هل يكره أحد ذكر اسم فتاة جميلة؟
_ "نيهان" .. "ليلى" بنت اخو "عزيز" السواق بتاعي... البنت عايشه هنا عشان ملهاش حد.
حدجه "نيهان" بعبوس مصطنع ثم التقط الطبق الذي امتلئ بالصنف الذي يعجبه.
_ أرى من الأفضل أن التهم هذا الطبق!! أريد أن أشكر هذه الفتاة على طعامها الجيد.
رفع "نيهان" طرف عينيه بعدما ألقى بكلماته ليبتسم بخبث عندما رأي الوجوم يحتل ملامح "عزيز".
...
ألقى "هشام" الجريدة التي تم فيها ذكر خِطبة الطيار "صالح الزيني" على حفيدة اللواء "نائل الرفاعي".
التقطت" لبنى" زوجته الجريدة لتنظر نحو الصورة التي جمعت العائلتين ليلة أمس.
_ هو فعلاً عنده طفل يا "هشام".
تجهمت ملامح "هشام" من سؤال زوجته؛ فرمقها بنظرة ممتعضة.
_ هو ده اللي شاغل بالك.
جلست "لبني" على الأريكة والتقطت هاتفها لتتصفحه.
_ ما هو ما دام أرمل وعنده طفل مش العريس الهايل يعني اللي اتمناه لبنتي.. هو أه عيلة "الزيني" عيلة كبيرة والراجل ليه مكانته بس برضو.. بنتِ "أشرقت" متتجوزش أي حد.
حدجها "هشام" بنظرة قاتمة لتشيح عيناها عنه وسُرعان ما كانت تبتسم.
_ شوف "يسرا" مرات اخوك "مصطفى" منزله بوست على صفحتها وحاطه فيه صورة العيلة... اللي يشوفها دلوقتي ميشوفهاش إمبارح وهي متكاده إن ابن عيلة "الزيني" كان من نصيب "زينب".
رفعت "لبنى" عيناها نحو زوجها لترى ردة فعله وقد ابتعد عنها عدة خطوات يسب ويلعن؛ فلم تهتم وواصلت كلامها.
_ قال إيه فاكراني زيها... أنا بنتِ ألف مين يتمناها.
مسح "هشام" على وجهه بضيق يتمتم بنبرة ماقتة.
_ ستات عقولها فارغة...
عاد ليحرك يده على وجهه بعدما دلف غرفته بغضب مازال يسيطر عليه منذ اللحظة التي أبلغه فيها والده عن خِطبة ابنة شقيقه.
_ كده يا سيادة اللواء تبلغني بعد ما كل حاجه تمت.
...
دلف "صالح" غرفة مكتبه بوجه محتقن بعدما تلقى التهاني من الجميع عن خِطبته التي تمت أمس.
أشار إلى مساعده بأن يتركه بمفرده وقد نفذ ما أمره به في صمت؛ فهو مُنذ عمله تحت إدارته وصار يعلم طباعه.
ألقى بالجريدة التي ظهر في صفحتها الأولى أمر خِطبته ولم تكن تلك الفعلة إلا فعلت جده.
أخذ يدور بالغرفة إلى أن صدح رنين هاتفه.
أخرج الهاتف من سترته وقد ظنه جده لكن اسم المتصل عندما ظهر على شاشة هاتفه جعله يقطب حاجبيه في دهشة ممتزجة بضيقه وغضبه.
_ صباح الخير.
همست بها "زينب" بصوت خفيض وهي تنظر نحو باقة الأزهار التي أتتها هذا الصباح.
عدم رده عليها جعلها تزدرد لُعابها بحرج؛ فأول مكالمة بينهم كان من المفترض أن تكون منه وليست منها ولكنها أرادت شكره على باقة الازهار التي أرسلها إليها.
_ حبيت أشكرك على الورد.
تمتمت بها ثم قضمت طرفي شفتيها من شدة توترها.
_ آسف يا "زينب" ممكن نتكلم وقت تاني.
شعرت "زينب" بالحرج من كلامه وأدمت شفتيها من شدة ضغطها على طرفهما ولكن صوت أحدهم الذي وصلها وهو يخبره بأن هناك أمر عاجل جعلها تُدرك أنها اختارت الوقت الخطأ لمهاتفته.
أنهت المكالمة ثم تهاوت على الفراش جوار باقة الأزهار... لحظات مرت وهي شاردة بالنظر إلى باقة الأزهار لتخرج بعدها تنهيدة طويلة ثم التقطت البطاقة الصغيرة المدون عليها بضعة كلمات لطيفة يعبر فيها عن سعادته لدخولها حياته.
ارتسم الحنق على ملامح "صالح" وهو يسير بخُطوات واثقة عائدًا إلى غرفة مكتبه بعدما حل أحد الأمور العالقة.
التقط هاتفه وانتظر بجبين مقطب رد جده عليه.
تأفف بضيق وهو يعيد الإتصال بجده لكن "شاكر" جلس ينظر لهاتفه وهو يرتشف قهوته ببطئ.
ألقى "صالح" هاتفه على طاولة مكتبه بغضب ثم غرز أصابعه في خصلات شعره.
_ افتكر إن أنت اللي اختارت تدخلها حياتي.
قالها "صالح" بوعيد وهو ينظر أمامه بنظرة قاتمة وقد لاحت صورتها أمامه.
_ ذنبك هيكون عند "شاكر" بيه.
....
ارتسمت السعادة على شفتيّ "ليلى" وهي ترى حماس عمها بعدما أخبرهم عن مفاجأته التي يعدها الليلة لـ "عايدة" احتفالًا بذكرى زواجهم.
_ متخافش يا عمي أنا و "شهد" مش هنخليها تحس بحاجة.
احتضنهم "عزيز" ثم وضع قبلته على رأس كلتاهما.
وضعت "شهد" رأسها على صدر والدها تتنعم بدفئ حضنه وحنانه ثم رفعت عيناها إليه تتساءَل بشقاوة.
_ هتجبلنا بقى إيه وأنت جاي يا سي بابا.
ابتسم "عزيز" كما ابتسمت "ليلى" ليقرص وجنتها.
_ هجبلكم كباب وكفته.
قفرت "شهد" أمام والدها ثم عادت لتتعلق بعنقه.
_ اسرارك في بير ومش هنخلي "عايدة" تحس بحاجة...
في الساعة التاسعة مساءً
كانت "عايدة" تُسرع في ارتداء حذائها بعُجالة.
_ أنا مش عارفة عمك مستعجل ليه، هو لازم نحضر فرح ابن صاحبه... كان ممكن يروح من غيري أو ياخدك أنتِ و "شهد" بدالي.
ارتفع صوت "شهد" من المطبخ وقد وقفت تصنع لنفسها كوب من النسكافيه.
_ هو عايزك أنتِ معاه يا "فوزيه".
وضعت "ليلى" كفها على شفتيها بعدما انفلتت ضحكتها رغمًا عنها.
_ ذاكري يا أم لسان طويل.
قالتها "عايدة" واتجهت "ليلى" نحوها لتهندم لها حجابها.
_ "لولو" أكل "عزيز" بيه على التسخين بس، أنا مش عارفه اتأخر ليه النهاردة عن ميعاد رجوعه...لو كان "سعيد" هنا مكنتش شيلت هم خروجي.
أسرعت "ليلى" بالتقاط كفيها لطمئنتها.
_ أنتِ قولت مجرد تسخين للأكل.
هزت "عايدة" رأسها غير مُرحبة بقيام "ليلى" بمهامها؛ فهي ليست إلا عاملة لدي السيد "عزيز" ولا ترغب أن تكون ابنتها أو "ليلى" بمكانها يومًا يخدمون الأخرين لأن هذه وظيفتهم.
_ يا حببتي أنتِ راجعه من شغلك تعبانه، وكفايه إنك بترجعي تساعديني في شغل البيت.
ارتفع رنين هاتف "عايدة" لتنظر إلى "ليلى".
_ متقلقيش أنا و "شهد" موجدين بدالك و "عزيز" بيه طلباته مش كتير.
مدَّت "عايدة" يدها ومسحت على خدها.
_ مش هنتأخر أنا وعمك.
غادرت "عايدة" و عمها المنزل بأحدى سيارات "عزيز الزهار".
خفق قلب" ليلى" وهي تتحرك صوب الڤيلا لتنتظر قدومه.
جلست بالمطبخ وقد مرت ساعه على جلوسها بانتظاره.
نظرت إلى الوقت بهاتفها ثم أطلقت تنهيدة طويلة لتلوم نفسها على مشاعرها التي تنجرف يومًا بعد يوم لطريق مجهول.
دمعت عيناها عندما تذكرت تجاهله لها الأيام الماضية حتى أنه رفض أن تتولى خدمته بدلًا عن العم "سعيد" إلى أن يعود... فيكفيه خدمة "عايدة" له.
لم يخبرها أحد برفضه حتى لا يجرحوها لكنها استمعت للعم "سعيد" -قبل ذهابه لقضاء مناسك العمرة- عندما أخبر زوجة عمها بقراره وقد أقنعه لأنه رَجُل أعزب ولا يصح أن تخدمه فتاة شابه بعمر "ليلى"؛ وكان رأي زوجة عمها مماثل له.
انتفضت من المقعد الذي تجلس عليه وشعرت بالتخبط عندما استمعت لصوت سيّارته.
اندهش"عزيز" من سماع صوت آتي من المطبخ عند دلوفه للمنزل والتحرك لأعلى.
لقد أخبره "عزيز" سائقه أنه سيأخذ" عايدة" اليوم لقضاء بعض الوقت خارج المنزل للإحتفال بذكرى زواجهم.
هبط "عزيز" درجة السُلم التي صعدها ثم انعرج بخُطواته نحو المطبخ.
وقعت عيناه عليها وهي جاثية على الأرض حتى تجمع حبات فاكهة البرتقال التي سقطت دون قصد منها.