رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السادس عشر16 بقلم سهام صادق


    رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السادس عشر بقلم سهام صادق



وقف "عزيز" - العم - كالتائه وقد تدفقت الدموع من مقلتيه وفقد القدره على الحركة وثَقُل لسانه وبصعوبة خرج صوته بتحشرج. 

_ "ليلى". 

دارت عيناه بين الجموع ثم رفع يده ليضعها على موضع قلبه مُحاولًا إلتقاط أنفاسه. 

لحظات مرت عليه كالدهر وهو واقف مكانه ينظر هنا وهناك باحثًا عنها. 

لقد عاد به الزمن للوراء... عاد به لحظة هرولته في رواق المشفى وهو يسأل هنا وهناك عن الحادث الذي حدث على الطريق وتم نقل شقيقه وزوجته على اثره. 

ضاعت جميع الأصوات من حوله واخترقته ذكريات الماضي بقسوته ولم يعد يسمع شئ مما يدور ولم ينتبه حتى على صوت رجال الشرطة بأن يبتعدوا حتى تتمكن رجال الإطفاء والإسعاف من إتمام عملها. 

_ لو سمحتوا يا حضرات ارجعوا ورا شوية... خلينا نشوف شغلنا. 

قالها أحد رجال الشرطة ثم أطلق زفيرًا قويًا بعدما يأس من ذلك التجمهر الذي حدث. 

تراجع "عزيز" بخطواته بعدما تحامل على نفسه وقد عادت عيناه تدور هنا وهناك إلى أن خفق قلبه وانسابت دموعه على خديه ولسانه أخذ يُردد بالحمد. 

هرول نحو "ليلى" التي وقفت على بُعد منه وفي يدها زجاجة ماء وتُحاول مساعدة إحدى زميلاتها بارتشاف القليل من قطرات الماء. 

_"ليلى" 

صاح بها "عزيز" ثم اجتذبها إلى حضنه دون أن يمهلها لحظة لتستوعب شئ. 

أبعدها عنه حتى ينظر إلى ملامح وجهها الذي غطاه القليل من الرماد المتطاير. 

_ أنتِ كويسه ،فيكِ حاجه... حصلك حاجه. 

مسح على خديها وهو يتمتم بعبارات متقطعة وقد تجلى الخوف -الذي سيطر عليه منذ أن علم بحريق المصنع- فوق ملامحه. 

اشفقت "ليلى" على حال عمها، فهو لا يستطيع إلتقاط أنفاسه. 

_ عمو أنا كويسه... مفيش حاجه. 

عادت عيناه تفيض بالدمع وهو يتأمل كل إنش بها. 

_ يعني مش حاسه حاجة بتوجعك. 

تساءَل "عزيز" وعيناه تتجولان على ملامحها وقد ازدادت رعشة يديه التي أحاطت وجهها. 

أسرعت "ليلى" بإلتقاط يديه تحتويهما داخل كفيها الصغيرين وعلى محياها ارتسمت ابتسامة خفيفة. 

_ صدقني يا عمو أنا كويسه... المبنى بتاعنا كان بعيد عن مصدر الحريق. 

_ الحمدلله، الحمدلله... أنا أول ما "عزيز" بيه قالي الخبر جيت جري معاه. 

قالها "عزيز" وهو يلتفت حوله يبحث عنه. 

ارتفعت دقات قلب "ليلى" عندما علمت بوجوده وأخذت عيناها تدور بالمكان. 

في نفس اللحظة التي كانت عينيّ "ليلى" تبحث عنه... كان مثلها يبحث عن شئ ضائع منه لا يعترف به قلبه الذي شاخ من الوحدة. 

انتبه على أسئلة أحد أفراد الشرطة وقد عاد بتركيزه معهم. 

_ "عزيز" بيه هناك أهو... الله يعينه على مصيبته... هروح يا بنتي أقف معاه. 

تمتم بها "عزيز" وقد وقعت عيناها أخيرًا عليه بعدما أشار عمها ناحيته. 

نظر "عزيز" لها ولصديقتها التي استردت أنفاسها أخيرًا. 

شعر "عزيز" بالتردد لتركها لكن "ليلى" أسرعت قائلة. 

_ متخافش عليا أنا كويسه. 

ابتعد "عزيز" - العم - متجهًا نحو سيده الذي وقف يدلك جبينه وعيناه مسلطه على بوابة المصنع وقد خرج أخر عامل بسلام. 

لم يكن يهمه الخسائر التي تكبدها بقدر سلامة كل عامل لديه. 

_ "عزيز" بيه الموضوع في شُبهة جنائيه... مش معقول قضاء وقدر. 

نظر "عزيز" نحو ضابط الشرطه ثم تحرك من أمامه قائلًا. 

_ اعذرني يا حضرت الظابط.. دلوقتي العمال عندي أهم. 

_ "ليلى" تفتكري هيقللوا عددنا بعد اللي حصل في المصنع. 

قالتها "سلوى" وقد عادت الدماء لوجهها واستطاعت تجاوز مشهد النيران التي كانت قريبة منها والتي اندلعت بعدما دوى صوت انفجار شئ بداخل مصنع الإنتاج. 

لم تنتبه "ليلى" على كلام "سلوى"، فلم يكن عقلها إلاّ منشغلًا مع ذلك الذي اختفى عن أنظارها. 

_ "ليلى" ،أنتِ سمعاني. 

أغمضت "ليلى" جفنيها لثواني ثم فتحتهما واستدارت بجسدها نحو "سلوى" التي أردفت بعدما انتهت من سُعالها. 

_ خلينا نمشي وجودنا مبقاش ليه داعي. 

وسُرعان ما أدركت "سلوى" ما غفلت عنه وواصلت كلامها. 

_ هو عمك هيوصلك يا "ليلى" ولا هيفضل موجود مع "عزيز" بيه. 

انتبه "عزيز" على صوت "عزيز" سائقه بعدما صار على مقربة منه. 

استدار "عزيز" جهته وقد ضاقت عيناه في حيرة وقلق وهو لا يرى "ليلى" معه. 

_ بنت أخوك كويسه يا "عزيز"، اطمنت عليها.

حرص باختيار الكلمات بعناية عند سؤاله وقد خشيَّ أن تفضحه نبرة صوته القلقة. 

_ الحمدلله يا "عزيز" بيه... اهي هناك واقفه مع زميلتها... أنا قولت أجي اطمن عليك وأشوفك لو محتاج مني حاجة.

تحركت عينين "عزيز" بلهفة نحو الجهة التي أشار ناحيتها "عزيز" سائقه. 

زفرة ارتياح خرجت منه دون أن يُدرك وحتى يُخفي هذا الشعور الذي تجلى بوضوح على ملامحه...وضع يده على كتف "عزيز" سائقه وربت عليه قائلًا بنبرة رجولية خشنه. 

_ روح ليها يا "عزيز" وشوفها لو محتاجه دكتور.. 

اتجهت أنظار "عزيز" - العم - نحوها في قلق لم يُغادر عيناه. 

_ طيب وأنت يا بيه... هسيبك لوحدك. 

_ متقلقش عليا...بنت أخوك محتاجاك أكتر مني.

ولم يكن أمام "عزيز" - العم - إلا الرضوخ إلى ما يحثه عليه سيده وقد أتى مُدراء المعارض التي يمتلكها "عزيز" والتجار الذين يتعامل معهم ليساندوه في مُصابه. 
... 

تلقفتها ذراعيّ "عايدة" فور أن دلفت من باب المنزل وقد نهش القلق قلبها منذ أن علمت بالحريق. 

_ الحمدلله إنك كويسه... متعرفيش كنت عامله إزاي من ساعة ما سمعت الخبر. 

ابتعدت "ليلى" عنها حتى تُطمئنها أنها بخير ولكن "شهد" وقفت بينهم واحتضنتها. 

_ كده يا "لولو" تخضينا عليكي. 

_ والله أنا كويسه... مفيش حاجه. 

قالتها وهي تربت على ظهر "شهد" التي رفعت عيناها إليها وتساءَلت. 

_ هو فعلاً فيه عمال ماتوا وإصابات كتير زي ما شوفت على النت.

كادت أن تتحدث لكن دلوف العم "سعيد" إلى المنزل وصياحه بحنق من الأقوال الكاذبة التي تشوه سمعة سيده جعلهم ينفجرون من شدة الضحك. 

_ هو من امتى الخرفان بتاعكم دا بيقول حاجة صح. 

التقط ذراع "شهد" ودفعها نحو والدها الذي ضمها إليه ثم واصل كلامه وتساءَل بإهتمام. 

_ أنتِ كويسة يا بنتي... مال وشك أصفر كده... لا أنا لازم اعملك شوية مية بسكر.

لم ينتظر العم "سعيد" أن يسمع شئ وأسرع نحو المطبخ لينفذ ما قاله. 

عناية وإهتمام حظت بهما هذه الليلة.

لكن هو هل سيجد أحدًا يرعاه حينَّ عودته !!.

هذا ما كانت تتساءَل به "ليلى" داخلها كلما وجدت العم "سعيد" يتجه من منزلهم الصغير إلى منزله الصخم. 

في الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل 

اتجهت زوجة عمها إلى غرفتها لتنام بعدما اشتد النُعاس عليها ومثلها فعلت "شهد" حتى تستطيع الإستيقاظ باكرًا ومراجعة أحد دروسها قبل الذهاب إلى المدرسة. 

لم يبقى سوى عمها الذي جلس بالصاله يتابع إحدى
القنوات الإخبارية وينتظر مجئ سيده ليطمئن عليه... 

أما العم "سعيد" استمر حاله بين هنا وهناك. 

تقلبت "ليلى" على فراشها وهي تنظر إلى الساعة المعلقة على الجدار، فلم يتبقى سوا عشر دقائق ويُصبح عقرب الساعة عند الواحدة صباحًا. 

أغمضت عيناها لعلَّ النوم يرحم أجفانها ولكنها لا تستطيع النوم والقلق ينهش فؤادها نحوه. 

انتفضت فجأة من على الفراش بعدما استمعت لصوت بوق السيّارة وسُرعان ما كانت تُغادر فراشها وتتجه نحو النافذة. 

ألقت بنظرة سريعة نحو "شهد" التي تضع رأسها كعادتها أسفل الوسادة عند نومها. 

سمعت صوته وهو يخبر عمها أنه بخير ولكنها لم تتمكن من رؤيته؛  انتظرت على أمل أنه سيتجه نحو غرفة مكتبه لكن مع مرور الوقت ضاع أملها ووجدت العم "سعيد" يغادر المنزل ويتجه نحو مسكنهم. 

عيناها ارتفعت للأعلى فور أن انتبهت على إضاءة غرفته. 

استمرت عيناها في تحديقها نحو شرفة غرفته إلى أن غلبها اليأس وأغلقت النافذة ببطئ وأزاحة السِتَار. 

صوت عمها والعم "سعيد" بالخارج جذب سمعها... 

فأسرعت بالتحرك نحو باب الغرفة تسترق السمع على حديثهم. 

_ ما أنت عارف "عزيز" بيه يا "عزيز" مش بيحمّل حد همومه... مقالش ليا غير دعواتك يا راجل يا طيب. 

_ الخساير جامدة.. الأقمشة أغلبها اتحرق. 

قالها "عزيز" لشقيق زوجته - العم "سعيد" - ، فهذا ما سمعه عندما كان يقف بين عمال المصنع أثناء وجوده. 

_ دي عين وصابته... ما هو ما شاء الله كل يوم في الطالع. 

ألقى العم "سعيد" كلامه ثم أردف بتحسر بعدما ابتلع حبة دوائه التي يتناولها قبل نومه. 

_ نفسي يسمع كلامي ويتجوز... لو كان متجوز دلوقتي كان لقى ست مستنياه وخففت عنه.

عاد العم "سعيد" لنفس الحديث الذي كلما كف عن التكلم عنه وجد شئ يفتحه. 

أغلق "عزيز" التلفاز ثم تثاءب قائلًا. 

_ تصبح على خير يا "سعيد".

أسرعت" ليلى" بالإبتعاد عن باب الغرفة وسُرعان ما كانت تضع يدها على موضع قلبها الذي أخذ يخفق بقوة. 
.... 

أصر "نائل" اليوم على عدم تناوله وجبات طعامه وهو راقد على الفراش ومهما حاولت "زينب" إقناعه لكن لم تجد منه إلاّ الرفض. 

وضعت "زينب" الأطباق على الطاولة وقد أعدت له وجبته الخاصة التي وصفها الطبيب وأعدت لنفسها صنف طعام أخر. 

كانت عيناه معها كلما تحركت إلى أن أتت بالخبز وجلست على يمينه تهتف بمرح تخفي خلفه وجع يراه في عينيها التي تفضحها. 

_ كده الأكل هيكون ليه طعم عشان سيادة اللوا رجع ينور السفره. 

ابتسم "نائل" بعدما نظر إلى طعامه الذي لم يلقى إستحسانه. 

_ دلوقتي الاكل هيكون ليه طعم على السفرة ومن شوية لا يا جدو أنت تعبان...كنت عايزانى أكل وجبتي اللي بتضحكي بيها عليا على السرير. 

_ أنا يا جدو. 

تساءَلت ببراءة بعدما أسبلت جفنيها؛ فأردف "نائل" بعدما حرك طبقه أمامه. 

_ إيه ده أكل مسلوق تاني. 

كادت أن تتحدث لكن وجدته يبعد طبقه من أمامه ثم جذب طبقها الذي وضعت داخله أصابع من ورق العنب وقطعه لحم تم تحميرها بالزيت. 

_ هو ده الأكل اللي يفتح النفس مش الأكل اللي بتضحكي بيه عليا كل يوم وأنا عشان راجل مطيع بقبل كل اللي بتقدميه ليا.

_ دي تعليمات الدكتور يا جدو. 

_ أنا قررت أكل طبقك وأنتِ تاكلي طبقي.

قالها "نائل" بعدما التهم صابع ورق العنب الملفوف ويدعو من أمامه لإلتهامه. 

_ يا جدو ورق العنب عاملاه بشوربه دسمه ده غير الصلصة الكتير ... الدكتور قايل ده غلط عليك. 

_ ينفع تاكلي وأنتِ ساكته.

وهل أحد يستطيع أن يجعل "نائل الرفاعي" يستثنى عن قراره. 

نظرت "زينب" إلى صنف الطعام الذي جهزته لجدها وقد طمع بطعامها وبالنهاية كان عليها العودة إلى المطبخ لجلب وعاء الطعام الذي طهت به ورق العنب. 

انتهى طعام الغذاء واتجه بعدها "نائل" نحو الشرفة للجلوس بها؛ فاليوم كانت حرارة الشمس دافئه. 

اقتربت منه "زينب" وهي تحمل كأس العصير له وصنعت لها مشروب الشوكولاته الساخن. 

_ قاعدة السرير مبتجيبش غير المرض.

قالها "نائل" ثم اطلق زفيرًا طويلًا. 

ناولته "زينب" كأس العصير وعلى محياها ارتسمت ابتسامة دافئة. 

_ النهاردة الجو جميل.

حرك لها "نائل" رأسه تأكيدًا على كلامها بعدما ارتشف من كأس العصير ثم وضعه على الطاوله الصغيره وتراجع بجسده للوراء ليسند ظهره على ظهر المقعد. 

_ في عريس متقدملك يا "زينب". 

دون مقدمات ألقى عليها "نائل" الأمر. 

اتسعت حدقتيّ "زينب" في دهشة وكادت أن تخبره أنها لن تتزوج وتتركه لكنه قال. 

_ حفيد "شاكر الزيني"... كابتن طيار سابق ودلوقتي المدير التنفيذي لشركة طيران" عيلة الزيني" ليها أسهم فيها.

نظر لها "نائل" بعدما أنهى كلامه منتظرًا سماع ردها. 

_ بس أنا مش هتجوز واسيبك يا جدو. 

_ دي سنة الحياة يا حببتي، كل بنت مسيرها لبيت جوزها. 

حركت "زينب" رأسها رافضة الأمر وكادت أن تعبر عن رفضها مرة أخرى لكن "نائل" سبقها قائلًا. 

_ اقعدي مع العريس الأول وبعدين قولي رأيك. 

وبنبرة حكيمة استطرد قائلًا.

_ "زينب" أنا مش هعيش ليكي طول العمر... خليني اطمن عليكي قبل ما اقابل وجه كريم.

رفرفت بأهدابها لتمنع سقوط الدموع ونهضت من مقعدها لتحتضن جدها قائله بنبرة مرتعشة. 

_ متقولش كده يا جدو... ربنا ما يحرمني منك.

ضمها "نائل" لحضنه وقد غامت عيناه بالحزن. 

_ عايز اطمن عليكي يا "زينب" ... عايز اسيبك في الدنيا وأنا مرتاح. 
.... 

لقد مر يومان على حادث الحريق الذي أثبتت فيه الأدله أن الواقعة قضاء وقدر. 

حاولت "ليلى" بشتى الطرق أن يتقاطع طريقها مع "عزيز" لكنها لم تكن تملك الجراءة لتستطيع فعل هذا. 

لكن اليوم أصرت بشدة على مساعدة "عايدة" بالمطبخ متحججه بأنها ضجرت من المكوث بالمنزل دون فعل شئ كما أن اليوم صديق السيد "عزيز" في ضيافته وقد جاء ليلة أمس من تركيا وعليهم إعداد الأطعمة التي يحبها السيد "نيهان" شَريك "عزيز" بمصنع الملابس. 

_ "سمية" هانم عزمة نفسها النهاردة هي وجوزها على الغدا. 

قالها العم "سعيد" بنبرة ممتقعه وقد أخبره "عزيز" منذ دقائق بأمر قدومها. 

نظرت له "عايدة" ثم ضحكت وقد انتبهت "ليلى" على تجهم ملامح العم "سعيد" بسبب قدوم هذه المرأة التي صارت تعلم هويتها تمامًا لكن مَا زال هناك أمر مجهول عنها لا تعرفه... زواجها من "عزيز" في فترة ما. 

_ هو ليه بيكرهها كده.

أشارت لها "عايدة" بالصمت ثم قالت بعدما مسحت يدها بمنشفة المطبخ. 

_ متقلقش يا "سعيد" الأكل يكفي عشر أفراد.

تجول "سعيد" بالمطبخ ينظر إلى الأصناف التي جهزتها "عايدة" بمساعدة "ليلى". 

_" لولو" كفاية عليكي كده وارجعي البيت... 

توقفت "ليلى" عن إلتقاط حبات الفاكهة التي كانت ستغسلها للتو أسفل صُنبور المياة. 

_ فاضل العصير هعمله وهروح البيت أشوف ناقص إيه من الاكل اعمله. 

_ لا متعمليش حاجة... خلي "شهد" تقوم تعمل المكرونه والكفته.

قالتها "عايدة" بحزم، فهي لا تعيش معهم لتقوم بأعمال المنزل. 

_ بس "شهد" بتذاكر.

استاءت ملامح العم "سعيد" وقطب حاجبيه في عبوس. 

_ لا دلوقتي قاعده بتتفرج على المسلسل... خليها تقوم بدل ما أنا اروح اقومها.

هزت "عايدة" رأسها لها بأن تتحرك وتنفذ ما أمرتها به، فهي تريد أن تكون صغيرتها متعاونه تشعر بالغير. 

_ يلا يا "لولو" اسمعي الكلام... ده في مصلحتها... عايزاها تفهم معنى المشاركة والإحساس بالغير وزي ما "سعيد" قالك اهي قاعده تتفرج على التلفزيون. 

خرجت "ليلى" من المطبخ وقد تأكدت أنها اليوم فقدت فرصتها في رؤيته... فحدودها لا تتجاوز المطبخ لكن يكفيها أنها استمعت لصوته اليوم. 

أخبرت "شهد" التي وجدتها بالفعل تجلس أمام التلفاز بأمر والدتها بأن تقوم بتحضير الطعام... فالكفته متبلة بالبراد.

مطت "شهد" شفتيها بتذمر ثم ألقت جهاز التحكم عن بُعد الخاص بالتلفاز جانبًا ونهضت بوجه عبوس لتنفذ أوامر والدتها. 

ضحكت "ليلى" على ردة فعلها ثم اتجهت للغرفة لتخرج بعض الثياب وتذهب إلي المرحاض لتنعش جسدها بالماء حتى تضيع رائحة الطعام من جسدها. 

ضاقت عيناها ثم اتسعت وهي تستمع لصوت مواء قطة أتي من الحديقة. 

_ معقول تكون القطه رجعت... ده عم "سعيد" اخدها. وحطها قدام البوابه بره وبقالها مدة غايبة. 

أسرعت "ليلى" بترك ثيابها على الفراش ثم اتجهت للمكان الذي أتى منه الصوت بعدما ارتفع صوتها باسم "شهد". 

_ القطه شكلها رجعت يا "شهد". 

اتبعتها "شهد" التي حزنت كثيرًا على القطة عندما علمت بفعلة خالها. 

_ "بـوسـي". 

قالتها "ليلى" بفرحة بعدما التقطت القطه من وراء الشجرة . 

اتسعت ابتسامة "شهد" عندما تعرفت على القطه التي قسى قلب خالها عليها لأنه لا يُحب القطط. 

_ خلينا نلحق نحميها ونأكلها قبل ما خالي يجي ويشوفنا. 

تحركت "ليلى" وخلفها "شهد" لكن وجود "عزيز" بالحديقة ورؤيته لهم استوقفتهم. 

ازدردت "ليلى" لُعابها وأسرعت بتخبأة القطة ورائها. 

_ أبيه "عزيز". 

خرج صوت "شهد" بتوتر ووقفت أمام "ليلى" حتى لا ينتبه "عزيز" على القطة ويُفضح أمرهم، فهو مثل خالها يكره القطط. 

تفرستهم أعيُن "عزيز" ولم يكن يخفي عنه أمر القطة التي خبأتها تلك التي أخفضت رأسها عند رؤيته كعادتها. 

_ بتعملوا إيه في الجنينة؟؟

_ كنا... 

تمتمت بها "شهد" بتعلثم ثم استدارت ونظرت نحو "ليلى" التي حركت لها رأسها بأن لا تتكلم عنها. 

_ كنا بنشوف الورد اللي زرعته "ليلى" كبر ولا لاء. 

اتجهت عينين "عزيز" نحو الجهة التي أتوا منها وقد خلت من زراعة الزهور وسُرعان ما كان مواء القطة يرتفع. 

_ في صوت قطه.

قالها "عزيز" بتلاعب وهو ينظر إليهم وقد أخفى ابتسامته عنهم.

تحركت "شهد" من أمام "ليلى" وكأنها تخبرها بفعلتها أن تكذب هي هذه المرة. 

_ بيتهيألي إن صوت القطه جاي من هنا.

قالها "عزيز" وعلى محياه ارتسمت ابتسامة ماكرة وقد خانته عيناه -للمرة التي لم يعد يُحصيها- بالنظر نحو "ليلى" التي اِحمر خديها بسبب توترها. 

_ مفيش حاجة ورايا. 

همست "ليلى" بصوت خفيض وقد انسحبت "شهد" هاربة بعدما لمحت قدوم خالها نحوهم.

_ بتكذبي يا "ليلى".

هتف بها "عزيز" وهو يرسم الجدية على ملامحه التي كساها الإرهاق ولكنه لا يعلم لما رغب بمناكفتهم.. خاصةً تلك التي وقفت أمامه مثل القطة التي تخبأها ورائها. 

طأطأت "ليلى" رأسها وسُرعان ما كانت تخرج القطة من ورائها ثم رفعت عيناها إليه. 

هل ضاع يومًا بالنظر في عينين امرأة تقوده إلى الهلاك نحو ما عفا عنه نفسه. 

إنه يقع بالمحظور ورغم صافرة الإنذار التي يطلقها عقله إلا أنه أدرك بضعف ذلك القابع بين أضلعه. 

_ في حاجة يا "عزيز" بيه... 

وسُرعان ما خرجت شهقة من فم العم "سعيد" وهو يلمح القطة التي بين يديّ "ليلى". 

_ أنا مش حطيت القطة دي قدام البوابه... مين اللي جابها هنا.

تحركت عينين" ليلى" تبحث عن "شهد" التي وقفت بعيدًا تطالع المشهد. 

انفلتت القطة من يديّ "ليلى" بعدما أدركت أن مصيرها
سيكون الشارع -على يد هذا العجوز- مرة أخرى. 

_ "بــوســي" 

صاحت بها "ليلى" وركضت ورائها تحت أنظار "عزيز" الذي سُرعان ما تحرك ورائها حتى يلتقط القطة. 

ألجم المشهد العم "سعيد" الذي يعلم تمامًا بكره سيده للقِطط. 

ولم يكن العم "سعيد" و "شهد" وحدهم من يشاهدون ما يحدث، فالسيد "نيهان" قد خرج من سيارته ووقف هو الأخر يُطالع "عزيز" وهو يركض وراء القطة. 
...... 

ضاقت عينيّ "صالح" بعدما وصل جده بحديثه الطويل إلى ما يرغب باِخباره به. 

_ اتجوز !  ،لا وكمان اخترت ليا العروسه. 

ابتسم الجد وهو يتذكر الفتاة التي اختارها لحفيده وقد وافق "نائل" أخيرًا على طلب الزواج. 

_ البنت هادية وجميلة وكفايه إنها حفيدة عمك "نائل".. البنت أول ما شوفتها قولت...

_ كفاية اخترت مره ليا، كفايه بسببك مكبَّل بذنب موتها.

صاح بها "صالح" وقد فاض به الكيل ثم نهض من مقعده وتحرك ليغادر المنزل الذي تخنقه جدرانه كلما أتى. 

_ ليه محمل نفسك ذنب موتها، "سارة" ممتتش بسببك... ده قضاء الله وقدره. 

قالها السيد "شاكر" بصوت متحشرج تخنقه العبرات ثم طأطأ رأسه واسند ذقنه فوق عكازه بعدما عادت ذكرى وفاة حفيدته تخترق فؤاده المكلوم. 

_ وانا بقولك لاء يا "شاكر" بيه... أجبرتني مره لكن المرادي لاء. 

ثم أردف ساخرًا.. 

_ لو عايز المرادي ترفدني من شغلي مفيش مشكله..."صالح" بتاع زمان مبقاش موجود... أنا بقيت نسخة منك يا "شاكر" باشا. 

تجمدت ملامح "شاكر" وهو يجد "صالح" يتحرك من أمامه. 

_ ابنك محتاج أخ ولا أنت مش واخد بالك من حالته. 

توقف "صالح" مكانه وأغمض عيناه ثم فتحهما بعدما ذَكْره بحالة صغيره التي تزداد سوءً. 

زفر أنفاسه وتابع سيره ليُغادر بعدما استعاد رابطة جأشه. 

_ فكر في "يزيد" وبلاش رفضك يكون عناد فيا يا "صالح"... ابنك هتسيبوا لمين...ذنب" يزيد" في رقابتك... ذنبه في رقابتك.

رددها "شاكر" ووقف "صالح" شاخص البصر لا يقوى على الحركة وقد عاد كلام الطبيب في أخر زيارة له بصغيره يتردد داخل رأسه. 

تعليقات



×