رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الحادى عشر 11بقلم سهام صادق


   رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الحادى عشر بقلم سهام صادق

 

شق ثغر "ليلى" ابتسامة واسعة عندما استمعت لحديثه المشاكس لابنة عمها.

امتقعت ملامح "شهد" وهي ترى الجميع يتحدث عن طفولتها وحبها الدائم لـ لعق إصبعها بعدما حاولوا بصعوبة أن يجعلوها تقلع عن قارورة الرضاعة. 

ارتفعت قهقهة "عزيز" عاليًا عندما تذكر تخريبها الدائم لألعاب "سيف" ابن شقيقه. 

الجميع أخذ يضحك بعدما جعلوها أُضحوكة في أفواههم. 

_ فيه حد تاني عايز يفتكرلي حاجه عشان تكملوا فقرة الضحك عليا. 

قالتها "شهد" بملامح عابسه ثم اتجهت بعينيها نحو "ليلى" التي كانت مثلهم تضحك على ما يقصوه. 

_ حتى أنتِ يا "ليلى" بقيتي معاهم. 

قالتها "شهد" بعتاب مصطنع، فتحولت جميع الأنظار نحو "ليلى" التي ارتبكت على الفور وأسرعت بخفض عيناها. 

_ اشمعنا يعني "ليلى" اللي عايزاها متضحكش. 

تمتمت بها السيدة "عايدة" بحزم بعدما وجدت "ليلى" بالفعل توقفت عن الضحك وجلي الارتباك على ملامحها وسُرعان ما كانت تنهض عن المقعد قائلة. 

_ أنا هقوم أعمل شاي. 

رمقت "عايدة" ابنتها بنظرة لائمة ثم أشارت إليها. 

_ روحي ورا بنت عمك حالاً. 

نهضت "شهد" من مكانها متأففه، فلم تكن تقصد إحراج "ليلى" ومعاتبتها بل كان الأمر كمزاح منها. 

_ يا ماما أنا كنت بهزر. 

نظرة "عايدة" الحازمة جعلت "شهد" تغلق فمها وتتجه نحو المنزل.

_ مكنش ليه لزوم تعنفيها بالطريقة دي يا ست "عايدة". 

تمتم بها "عزيز" بعدما اعتدل في جلسته وقد كان يتابع الأمر في صمت دون تدخل. 

_ "ليلى" خجوله أوي يا "عزيز" بيه وحساسة..

خرج صوت "عزيز" عمها بتحشرج ثم أطرق رأسه وواصل كلامه. 

_ بسببي عاشت من حضن لحضن ومن بيت لبيت. 

أغمض "عزيز" عيناه لوهله بعدما اخترق كلام سائقه فؤاده، أولاد شقيقه كانوا محظوظين لوجوده هو وأبيه رحمه الله. 

هز العم "سعيد" رأسه بأسف على حال "ليلى" التي صارت لها مكانه بقلبه.

أما "عايدة" اقتربت من زوجها وربتت على كتفه. 

_ تعالي يا "لولو" قوليلهم إنك كنتِ عارفه إني بهزر. 

ارتفع صوت "شهد" عاليًا وهي تحمل صَنية الشاي التي وضعت الأكواب عليها. 

ارتبكت "ليلى" وهي تسير ورائها وعندما صوبت عيناها نحوهم؛ ارتعشت أهدابها ثم أسرعت بخفض عيناها. 

قطب "عزيز" حاجبيه في حيرة، فقد بدأت ردود أفعالها تجذب عيناه. 

أشاح عيناه عنها ،فمنذ متى وهو يركز في تفاصيل النساء. 

وضعت "شهد" صَنية الشاي على الطاولة ثم صاحت بمشاكسة. 

_ مين اللي هيصب لينا الشاي. 

زمت شفتيها للأمام في حركة طفولية ثم نظرت صوب الأكواب. 

_ صمتكم يعني أنا...قولوا كده من الأول... 

ارتفعت قهقهتم جميعًا على مطها لشفتيها وعبوس ملامحها، "شهد" كما ينعتها خالها "سعيد"... الطفله 
المدلله. 

منذ فترة طويلة لم تضحك "ليلى" من قلبها هكذا...

ابتسامة عريضة ارتسمت على ملامحها الجميلة وكشفت عن غمازتها المحفورة بخدها الأيمن. 

نظر "عزيز" إليها بطرف عينيه التي خانته مرة أخرى واتجهت نحوها بعدما رنت ضحكتها الناعمة داخل أذنيه. 

أسرع في طرق رأسه ينظر نحو هاتفه الذي بدأ بالإهتزاز.

نظر لاسم المتصل بضيق ثم أعاد وضعه بإهمال على الطاوله.

تعلقت عينيّ العم "سعيد" بـ "عزيز" الذي جلس مسترخيًا ومستمتعًا بالأجواء حوله حتى الطعام اليوم تناوله بشهية مفتوحة.

لم تكن نظرات العم "سعيد" لـ "عزيز" إلا نظرات تحمل الحب والتمني بأن يحظى يومًا بذرية من صلبه. 

بنظرات مختلسة كانت "ليلى" تسترقي النظر نحو "عزيز"، يؤنبها عقلها على فعلتها لكن قلبها كان مفتون بكل ردة فعل منه. 

انقلبت ملامح "عزيز" المسترخية لأخرى ممتقعه ثم نهض من فوق مقعده. 

الكل نهض من مقاعده عندما توقفت تلك السيّارة التي عبرت البوابة. 

_ مدام "سمية". 

تمتم بها "عزيز" عم "ليلى" وقد جذبت تمتمته انتباه "ليلى".

يبدو أن الجميع هنا يعرف هوية تلك المرأة التي ترجلت للتو من سيارتها حديثة الطراز. 

لم ينتظر "عزيز" بأن تقترب من مكان جلوسهم، فهو يعلم صَفاقة "سمية" وتعديها بالكلام دون مراعاه وهو لن يصمت لها إذا أحرجت أحدًا من أفراد منزله حتى لو كانوا مجرد عاملين لديه.
... 

_ خير يا "سمية". 

قالها "عزيز" بوجه متجهم عندما دلف غرفة مكتبه واتبعته هي. 

امتقعت ملامح "سمية" من نبرة صوته والتوت شفتيها في سخرية. 

_ طيب كنت عاملتني كويس قدام الخدم، ده أنا حتى ضيفة في بيتك يا "عزيز". 

ثم واصلت كلامها بسخرية عندما تذكرت مشهد وجوده معهم على طاولة واحدة وفي حديقة منزله. 

_ أول ما شوفتني صدرتلي الوش الخشب لكن هما قاعد تضحك وفي منتهي الإنسجام معاهم... شكلي هحسد الخدم على معاملتك ليهم. 

_ انا معنديش خدم يا "سميه"... حاسبي على كلامك... أنتِ عارفه كويس مكانه الناس دي عندي... عيلة عم "سعيد" أصحاب مكان وهيفضلوا طول عمرهم معززين في بيتي وكرامتهم من كرامتي. 

انفرجت شفتي "سمية" للحديث لكن ابتلعت كلامها عندما استطرد "عزيز" قائلًا بحدة. 

_ الناس دي ربت ولادك يا "سمية" وكلمه زيادة هقولك برا. 

ألجمتها قسوة حديثه ولأنها تعرف أن ما يقوله سينفذه، تمتمت بنبرة ناعمة وهي تقترب منه. 

_ "عزيز" فيه إيه، هتطردني عشان مجرد كلام بقوله من حرقت دمي، ما أنت فعلاً بتعامل الخدم أحسن مني. 

تلك النظرة التي رمقها بها جعلتها تتراجع خطوة للوراء تتمتم بأسف يخرج منها بصعوبة.. 

_ مقصدش إهانتهم يا "عزيز"، الكلمة بتخرج مني كده...

_ سبب زيارتك إيه يا "سمية" لو جاية عشان نفس الحوار اللي عماله تلحي عليه.... فـ أنا قولتلك القرار قرار "سيف". 

أسدلت "سمية" أهدابها ثم أطلقت زفرة طويلة. 

_ موضوع "سيف" و "بيسان" مش هيّأس منه يا "عزيز" لأن مصلحة "سيف" إنه يتجوز "بيسان" لكن مش ده الموضوع اللي جيالك عشانه. 

بخطوات متمهله اقتربت من مكانه وقوفه وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة واسعة. 

_ أنا عزماك على حفلة الشراكة الجديدة اللي دخلت فيها شركتنا مع شركة قطريه. 

_ كنتِ تقدري تقولي دعوتك في مكالمة يا "سمية" أو تبعتي دعوتك مع حد من الموظفين عندك. 

امتعضت ملامح "سمية" من اسلوبه الفظ، فهزت رأسها بيأس. 

_ سنين طويله ولسا بتعاملني بنفس الأسلوب يا "عزيز" ... نفسي افهم لحد أمتى؟ 

أدار ظهره وابتعدت عنها، يزفر أنفاسه بقوة... فلو كفت هي عن محاولة التقرب منه لسهلت الأمر عليهم. 

تعلقت عينين "سمية" به تقبض على يديها بقوة حتى لا تتهور وتمد ذراعيها نحوه. 

أغلقت جفنيها لعلها تستطيع السيطرة على قلبها الخاضع الذي مازال يهواه لتنتبه أخيرًا على وضعها وتفتح عيناها تتساءَل بصوت مضطرب. 

_ هتيجي الحفله يا "عزيز". 

استدار "عزيز" جهتها لتتعلق عيناها المكحلة به. 

_ العصير يا "عزيز" بيه. 

تجهمت ملامح "سمية" عندما سمعت صوت ذلك العجوز الماكر كما تنعته. 

_ العصير يا "سمية" هانم. 

ابتسامة سمجة احتلت شفتيّ "سمية" عندما استدارت جِهة العم "سعيد". 

_ وقت تاني، اوعى متجيش الحفله يا "عزيز"..." هارون" هيكون مبسوط أوي بحضورك. 

غادرت "سمية" تحت نظرات العم "سعيد" الممتقعة وبصوت خافت تمتم. 

_ إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين. 

انفجر "عزيز" ضاحكًا عندما التقطت أذنيه ما قاله العم "سعيد".

.... 

لم تنتبه "ليلى" على حرف من ثرثرة "شهد"، فلم يكن تركيزها منصبًا إلا مع تلك المرأة الحسناء. 

اختارت ضب الأغراض من الحديقة وترتيبها رغم إعتراض "عايدة" وعمها... فهي ليست هنا لتقوم بمهامهم لكنها رفضت متعلله أن الأمر ممتع بالنسبة لها.  

_ "ليلى". 

هتفت بها "شهد" للمرة الثانية لتنتبه عليها "ليلى" أخيرًا وقد ظهر التخبط جليًا على ملامحها. 

تعلقت عينيّ "ليلى" بغطاء الطاولة الذي تحمله "شهد" وعلى الفور فهمت ما أرادته منها. 

مدَّت لها "ليلى" يديها حتى يقوموا بطي غطاء الطاولة وعلى وجه "شهد" ارتسمت الحيرة. 

_ "ليلى" ،أنتِ سرحانه في إيه... ؟ 

عقلك مش معايا خالص... طيب قوليلي كنت بتكلم معاكِ في إيه. 

ارتفع حاجبي "شهد" في مكر طفولي ثم واصلت كلامها بعدما صفقت كلتا يديها معًا. 

_ شوفتي أهو أنتِ مكنتيش مركزه معايا خالص، عقلك فين يا "لولو"... أوعي تكوني بتحبي. 

شحب وجه "ليلى" ذعرًا وقد اتجهت عيناها نحو المنزل الضخم الذي وقع قلبها في غرام صاحبه. 

ارتفعت قهقهة "شهد" عاليًا عندما وجدت حدقتيّ "ليلى" اتسعوا واحتل الشحوب ملامحها. 

_ شكل في حب جديد في المصنع. 

اقتربت "شهد" من "ليلى" لتلتقط ذراعها وتتأبطه وكادت أن تسترسل في مشاكستها لكن توقف الكلام على طرف شفتيها عندما وجدت "سمية" تخرج من باب المنزل وخلفها "عزيز". 

تركت "شهد" ذراع "ليلى" بعدما ألقت "سمية" بنظرة نحوهم.
... 

يوم الجمعه

هذا اليوم الذي اعتادت فيه "أميمة" منذ وفاة والديها أن تقضيه برفقة شقيقتها الكبرى وعائلتها. 

لم تفتقد "أميمة" ولا طفلتها ألفة العائلة يومًا، فـ "هويدا" شقيقتها وزوجها الحاج "عبدالرحمن" كانوا خير سند ودعم لها. 

_ فيه عريس متقدملك يا "أميمة". 

قالها الحاج "عبدالرحمن" بعدما هدأ المنزل أخيرًا من صخب أحفاده الصِغار. 

ابتهجت ملامح السيدة "هويدا" وتعلقت عيناها بزوجها منتظره أن تسمع بقية كلامه. 

_ مش عايزة تعرفي مين العريس. 

تساءَل الحاج "عبدالرحمن" عندما رفع عيناه نحو شقيقة زوجته التي يعتبرها كأبنة له وليست أخت لزوجته وحسب. 

_ أنت عارف رأيي يا حاج في الموضوع ده. 

قالتها "أميمة" وقد تلاشت بهجة ملامحها. 

استدارت السيدة "هويدا" برأسها ناحيتها وقد عبست ملامحها من رد شقيقتها. 

_ وأنتِ عرفتي مين العريس الأول عشان ترفضي... قول يا حاج مين العريس. 

كاد أن يتحدث الحاج "عبدالرحمن" لكنه تمهل عندما رأي "أميمة" تنهض من مكانها وقد فُزعت صغيرتها الغافية على حجرها من علو صوتها. 

_ أنا مش هتجوز يا "هويدا" ...أنا مكتفيه بـ بنتي. 

_ هتعيشي بطولك طول عمرك... ده أنتِ لسا مكملتيش التلاتين يا بنت أمي وأبويا. 

هز الحاج "عبدالرحمن" رأسه بيأس من زوجته التي كعادتها تفسد أي نقاش بتهورها. 

_ استهدوا بالله يا جماعه... أم "عمار" ممكن تقومي تعملينا كوبايتين شاي وسبيني اتكلم مع "أميمة". 

_ كوبايتين شاي إيه دلوقتي يا حاج... سيبني اعقل اللي عايزة تضيع شبابها وكل عريس يتقدملها تقولنا بنتي. 

_ أم "عمار". 

صاح الحاج "عبدالرحمن" بها ومن نظرة منه كانت تنهض على الفور دون جدال.

تنهد الحاج "عبدالرحمن" وهو يُحرك رأسه بقلة حيلة ثم نظر إلى "أميمة" التي احتضنت طفلتها.

_ أنتِ عارفه يا "أميمة" غلاوتك عندي، أنا مش يعتبرك أخت مراتي... أنتِ بنتي. 

دمعت عينين "أميمة" وأطرقت رأسها ثم أخذت تداعب شعر صغيرتها التي عادت إلى نومتَها الهنيئة. 

_ الراجل يا بنتي شاريكي وموافق إن بنتك تعيش معاكِ ... هو مطلق وحالته الإجتماعيه كويسه. 

توقف الحاج "عبدالرحمن" عن الكلام وأخذ يحرك إصبعه على سبحته ثم أطلق زفيرًا عميقًا واستطرد. 

_ أنا لولا إني عارف إنه هيتقي الله فيكِ وفـ بنتك مكنتش يا بنتي عرضتي عليكِ الأمر. 

هزت "أميمة" رأسها رافضة وأشاحت عيناها عنه تتمتم بنبرة قاطعة. 

_ الله يخليك يا حاج ممكن تقفل سيرة العريس، قوله أنا عرضت عليها الأمر ورفضت. 

....

نظر السيد "نائل" بنظرة ثاقبة نحو حارس العقار الذي يقطن بِه.

ضاقت عيناه وهو يستمع إلى نبرته المتعلثمة عندما سأله أين هي الخادمة التي طلب منه إحضارها. 

حرك السيد "نائل" رأسه بتفهم، فالحارس مغلوب على أمره... إنه ينفذ أوامر نجله. 

_ عشان هو اللي أمرك متدورش على خدامة يا "منصور"... 

نظر له الحارس بذعر وهز رأسه ثم تمتم بتعلثم. 

_ لا يا "نائل" بيه.. ده "هشام" بيه الله يباركله كل شوية يسألني لقيت خدامة بنت حلال لسيادة اللواء ولا لسا... 

_ بتكذب عليا يا "منصور". 

قالها السيد "نائل" ثم زفر أنفاسه بيأس من أفعال "هشام". 

_ أبداً يا بيه... 

كاد أن يقسم "منصور" كذبًا وقد هرب بعينيه بعيدًا. 

_ إياك تحلف بـ ربنا كذب... إمشي يا "منصور" من قدامي 

لوح له السيد "نائل" بيده لينصرف من أمامه ثم هز رأسه بفتور وتابع خطواته نحو المصعد. 

ارتسم الهم على ملامحه عندما دخل الشقة وسار نحو المطبخ... فوجد "زينب" منهمكة في إعداد الطعام. 

أطرق رأسه بحزن وتحرك نحو غرفته.
.... 

_ مالك يا "شاكر"، مهموم فـ إيه. 

تعلقت عينيّ "شاكر" بصديقه "نجيب" ثم زفر أنفاسه بقوة وعاد يخفض عيناه نحو عصاه الانبوسية. 

_ شكل الموضوع كبير يا "شاكر". 

اتكأ "شاكر" بذقنه على عصاه ثم أطلق زفرة طويلة. 

_ محدش تعبني غير "صالح"...الولد بقى يعاندني كأني عدوي. 

تنهد "نجيب" ثم مال للأمام ليتلقط فنجان قهوته وارتشف منه. 

_ ماهو اللي عملته معاه ميتنسيش يا "شاكر".. ده غير حادثة "سارة" اللي شافها قدام عينيه... ولا ابنه اللي شاف امه وهي مرمية على الأرض وغرقانه في دمها. 

_ اسكت يا "نجيب" متكملش. 

أشاح "شاكر" عيناه عن صديقه بعدما سرد تفاصيل ذكرى تلك الحادثة التي تداولتها الصحف لأيام. 

شعر "نجيب" بالضيق من نفسه عندما وجد الدموع تترقرق في عينيّ صديقه. 

_ شوفت قبلت مين إمبارح بالصدفة. 

أراد "نجيب" تغير دفة الحديث لعله يخرج صديقه من وطئ الذكريات التي أشعلها دون قصد. 

اتجه "شاكر" بنظره نحوه وتساءَل. 

_ شوفت مين؟ 

اتسعت ابتسامة "نجيب" شيئًا فشئ ثم عاد وارتشف أخر رشفة من فنجان قهوته. 

_ "نائل الرفاعي". 

ابتهجت ملامح "شاكر" لسماع اسمه، فقد صار يشعر بالشوق لرفاق الصبا. 

_ طول عمركم كنت اقطاب متنافره. 

أردف بها "نجيب" ثم ضحك، فهز "شاكر" رأسه وابتسم. 

_ ده كان أيام الشباب يا "نجيب" لكن دلوقتي الواحد ما بيصدق يسمع حاجه عن صحاب وجيران زمان. 

أماء له "نجيب" برأسه، فالعمر مضى بهم وقد رحلت صراعات الشباب ولم يبقى إلا أيام قليلة لهم يريدون عيشها بسلام وسط أحفادهم. 

_ الزمن غيرنا يا راجل يا شايب. 

قهقه "شاكر" عاليًا من مداعبة صديقه له. 

_ قولي أخبار "نائل" إيه، سمعت إنه عنده ولد مستشار. 

سرد له "نجيب" ما دار بينهم في هذا اللقاء ثم تمتم بأسف. 

_ بنت ابنه عايشه معاه وخايف عليها من ولاده...

ضاقت عينين "شاكر" في حيره ثم تساءَل عندما تذكر زواج "نائل" قديمًا من امرأة أخرى فقيرة. 

_ هي البنت دي مش حفيدة من مراته الأولى. 

هز "نجيب" له رأسه بنفي ثم واصل كلامه. 

_ حفيدته من مراته التانية اللي كان متجوزها في السر وبعدين طلقها. 

حرك "شاكر" رأسه متفهمًا وتساءَل. 

_ هي حفيدته عندها كام سنه يا "نجيب". 
.... 

ودعت "ليلى" زميلاتها بالعمل أمام المطعم الذي يتردد عليه معظم موظفي المصنع في نهاية كل شهر بعدما يحصلون على رواتبهم.

هذا ثاني راتب لها من وظيفتها التي حصلت عليها بعدما توسط لها عمها عند السيد "عزيز".

كلمة السيد التي ترفق اسمه دائمًا ما تذكرها بوهمها الذي زرعته داخلها وصارت تسقيه كل يوم في أحلامها وتلصصها عليه من نافذة "شهد" التي تقابل شرفة غرفة مكتبه وغرفته بالطابق العلوي.

ترجلت أخيرًا من السيارة التي تستقلها يوميًا في طريق عودتها لتكمل سيرها حتى تصبح داخل الحي الراقي الذي تقطنه.

رفعت الأكياس البلاستيكية التي تحملها، فهي هذا الشهر قررت ألا تعيد خطأ الشهر الماضي وتعطي المال لزوجة عمها التي نهرتها على فعلتها بل قررت أن تأتي إليهم ببعض البقالة التي يحتاجها المنزل. 

داعبت شفتيها ابتسامة راضية، فقد صار لديها عمل وراتب في مدينة غير مدينتها التي تربت بها وعاشت فيها أجمل ذكرياتها مع والديها. 

ترقرقت عيناها بالدموع عندما تذكرت من أحسنوا تربيتها.

انفلت تأوه خافت من شفتيها بعدما تعركلت قدمها وكادت أن تسقط أرضًا.

نظرت لحذائها بأمل ألا يكون ما ظنته حدث. 

اتسعت عيناها لوهلة وهي ترى النتيجة التي تركها تعركلها. 

وضعت يدها على شفتيها، لقد انكسر كعب حذائها الذي تعشقه لأنه كان أخر هدية لها من والدتها الحبيبة.

سقطت الأكياس من يدها وخارت ساقيها وجلست على الرصيف لتخلع عن قدميها فردتي حذائها الحبيب.

لا تعرف كم مضى من الوقت وهي تجلس هكذا... عيناها كانت شاخصة نحو حذائها. 

التقطت الحذاء ثم قربته منها.

لم تعبأ بنظرات أحد إليها، كل ما كانت تحملق به هو حذائها. 

انتفض جسدها فزعًا من ارتفاع صوت بوق السيّارة التي وقفت على مقربة منها. 

لم تتحرك عيناها نحو السيّارة رغم ارتفاع بوقها لتنبيهها. 

ترجل "عزيز" من سيّارته بعدما تأكد أنها لم تنتبه عليه.

اِنتابه القلق وهو يراها تجلس على الرصيف وأكياس البقالة ملقاه بإهمال جوارها. 

_ إيه اللي مقعدك على الرصيف كده. 

خرج صوت "عزيز" وعيناه ثابته عليها.

صمتها أصابه بالريبة والتساؤل فهتف اسمها بنبرة ملئها القلق.

_ "ليلى". 

أغلقت جفنيها ثم فتحتهما ورفعت عيناها بعدما انتبهت على صوت ظنته وهم ينسجه قلبها. 

_ "ليلى" 

ردد اسمها وقد زاد قلقه ثم مال ناحيتها وفرقع أصابعه أمام عينيها. 

رفعت عيناها أخيرًا إليه وقد زفر أنفاسه ثم تساءَل. 

_ "ليلى" أنتِ سمعاني. 

هزت رأسها لتُخبره أنها بالفعل تسمعه ثم خرج صوتها بخفوت مع تلاقي عيناها بخاصته. 

_ "عزيز" بيه. 

تعليقات



×