رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل العاشر10 بقلم سهام صادق


   رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل العاشر بقلم سهام صادق

 

نظرت "ليلى" إلى العم "سعيد" مدهوشة من عرضه.

أيُخبرها أن تقدم ما صنعته إلى السيد "عزيز" الذي صارت من مجرد سماع اسمه يخفق قلبها.

أخفضت "ليلى" عيناها نحو طبق الحلوى ثم عادت تنظر للعم "سعيد" وكأنها بحركتها تلك تُخبره أن يعفيها من تلك المهمة التي يرغبها ويرفضها قلبها في ذات الوقت.

_ يا "ليلى" يا بنتي دي فرصه تشكري "عزيز" بيه على الوظيفة. 

قالها العم "سعيد" ليُشجعها على تقديم طبق الحلوى الشهي لسيده ولم يكن بجبعة العم "سعيد" نوايا أخرى.

_ لكن أنا....

تمتمت "ليلى" بخجل ثم قطعت كلامها واطرقت رأسها أرضًا. 

فهي تخجل من تقديم طبق الحلوى له.

حدق بها العم "سعيد" لوهله ثم ابتسم بعدما فهم السبب، "ليلى" تخجل من سيده. 

التقط الطبق ثم وضعه على صينية التقديم تحت نظراتها التي فسرت أنه عفاها من هذا الأمر.

_ أنا هسبقك على الڤيلا وأنتِ تعالي ورايا... مش هقدم طبق الحلويات لـ "عزيز" بيع غير وأنتِ جنبي... لازم يتعرف على الشيف الجديد اللي انضم لعيلتنا. 

كلام العم "سعيد" وتحركه من أمامها جعل "ليلى" حائرة

أتذهب ورائه كما أخبرها؟؟. 

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ العم "سعيد" عندما وجدها تدلف من باب المطبخ. 

رمقها العم "سعيد" بنظرة راضية، فكل يوم يزيد تقديره لتلك العائلة التي قامت بتربيتها. 

تحرك ليغلق الموقد على وعاء الحساء الذي يقوم بتسخينه. 

_ جيتي في الوقت المظبوط، هقدم شوربة العدس لـ "عزيز" بيه وبعدين نقدمله طبق أم علي. 

_ هو أنا لازم أقدمه ليه عشان أشكره على الشغل. 

حروفها التي خرجت متعلثمة جعلته يبتسم ثم حرك رأسه إليها.

_ لاء مش لازم يا "ليلى" لكن أنا عايز البيه يتعرف عليكِ... أنتِ بقيتي فرد في عيلتنا.. "عزيز" بيه بيعتبرنا عيلته. 

كان العجوز فخور وهو يصف لها إكرام سيدهم لهم وترابطهم الأسري وكأنهم ليسوا خدم في منزله. 

زينت شفتيّ "ليلى" ابتسامة مرتعشة ثم انصرف العم "سعيد" من أمامها ليقوم بتقديم طعام العشاء إلى سيده. 

لم تنتظر طويلًا بالمطبخ الذي تأملت كل ركن به. 

_ "ليلى". 

هتف بها العم "سعيد" بعدما دلف المطبخ واقترب من طبق الحلوى ليحمله. 

_ يلا يا بنتي... تعالي ورايا. 

أسرعت "ليلى" إليه لتحمل طبق الحلوى رغم إرتعاش يديها من شدة خجلها لكن العم "سعيد" رفض الأمر.

_ لا يا بنتي ديه مهمتي أنا... 

اتبعته "ليلى" بصمت وكلما كانت خطواتها تقترب من غرفة الطعام الفسيحة كانت ساقيها ترتعش. 

_ طبق أم علي وصل. 

قالها العم "سعيد" عندما اتجهت أنظار "عزيز" عليه، ضاقت عينيّ "عزيز" وهو يراه يقترب بالطبق ثم تساءَل بدهشة. 

_ أم علي. 

على الفور قال العم "سعيد" بعدما التف برأسه ناحية "ليلى" وقد انتبه أخيرًا "عزيز" عليها. 

_ "ليلى" عملتوا ليك عشان تشكرك على الشغل. 

قرب العم "سعيد" منه الطبق ثم واصل كلامه. 

_ قربي يا "ليلى". 

هذا العجوز صار يفعل أمورًا ستُصيبه يومًا بالجنون، أي شكر يريده هو من فتاة قدم لها مساعدته إكرامًا لسائقه. 

حاول "عزيز" إخراج صوته بطريقة مهذبة رغم حنقه من الأمر بِرمَّته. 

_ مكنش فيه داعي إنك تتعبها. 

_ هو إحنا عندنا أغلى منك عشان نتعبله يا بيه. 

احتدت نظرات "عزيز" وضغط على شفتيه بقوة ثم اتجه بعينيه نحو "ليلى" التي أخفضت عينيها حرجًا. 

الفتاة تخجل من الوضع الذي وضعها فيه العجوز... 

مُنذ متى وهو يحب أن يشكره أحد على معروف يقدمه؟

بلُطف تمتم "عزيز" بعدما اجتذب الملعقه ببعض العنف ليتناول من الطبق قطعه حتى لا يزيد من حرج الفتاة التي تطرق رأسها أرضًا منذ أن وطئت قدماها الغرفة. 

_ تسلم ايدك. 

الكلمة اخترقت جميع حواسها، فرفعت أخيرًا عيناها تنظر نحوه وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة صغيرة سُرعان ما محتها حتى لا ينتبه عليها فيزداد حرجها. 

اِزدردت "ليلى" لُعابها ثم هزت رأسها له بإماءة وكأنه منتبه على فعلتها. 

_ مش قولتلك يا بيه "ليلى" نفسها حلو... دي هتنافس "عايدة" خلاص. 

_ منقدرش نستغنى عن الست "عايدة" يا عم "سعيد". 

قالها "عزيز" ثم نهض عن مقعده بعدما مسح شفتيه بِمحرمة الطعام.

_ لسا مخلصتش الطبق يا بيه. 

حاول "عزيز" ضبط نفسه ورسم ابتسامة مصطنعة على شفتيه. 

_ معدتي للأسف مليانه، أعمل إيه يا راجل يا طيب... شوربة العدس بتاعتك فتحت نفسي على الأكل. 

تعلقت عينيها بنظرة خاطفة نحو مائدة الطعام التي لم يكن عليها إلا وعاء به سلطة خضراء ووعاء أخر به حساء عدس بالشعرية وخُبز. 

_ تسلم ايدك. 

كررها "عزيز" مره أخرى بعد أن تخطى مكان وقوفها ثم اِتجه نحو غرفة مكتبه يزفر أنفاسه بقوة، فالعجوز لن يكف عن مواقفه التي لا داعي لها. 
... 

لقاء انحبست فيه أنفاسها، وها هي أخيرًا داخل المرحاض بالمنزل الذي تسكن به مع عائلة عمها. 

نظرت إلى صورتها عبر المرآة الصغيرة المعلقه وقد اشتعلت وجنتاها بحمرة الخجل، زفرت أنفاسها ببطئ لعلا صوت دقات قلبها تهدأ... إنها مشاعر جديدة تختبرها. 

أغمضت عيناها لتعيد صورته وصوته داخل رأسها. 

_ "ليلى". 

أفاقتها طرقات "شهد" على الباب، فاسرعت بفتح عيناها ثم ازدردت لعابها بتوتر.

أردفت "شهد" بعدما توقفت عن طرق الباب. 

_ ماما بتقولك هتشربي معانا شاي. 

حاولت "ليلى" إخراج صوتها بثبات حتى لا تفضحها نبرة صوتها ثم فتحت صنبور الماء. 

_ لاء يا "شهد"، أنا هدخل أنام عشان الشغل بكره. 

ابتعدت "شهد" عن باب المرحاض وعادت إلى غرفة الجلوس حيث جلس والديها. 

غادرت "ليلى" المرحاض بعدما غسلت وجهها بالماء مرات عدة... اتجهت للغرفة التي تقيم فيها مع "شهد" وسُرعان ما كانت تندس أسفل الغطاء وتضعه على رأسها. 
... 

_ أنا حطيتلك طبق أم علي في التلاجة يا بيه، يمكن شويه و تجوع. 

هز "عزيز" رأسه بيأس منه، فمنذ لحظات كان يُعاتبه على فعلته ووضع الفتاة بموقف محرج كهذا؛ لكن العم "سعيد" كان يتعامل مع الأمر بعقل رَجُل عجوز سلب العمر منه حنكته فصار يرى الأمور بمنظور أخر. 

لم تكن هناك أي نية خبيثة منه و "عزيز" يعلم تمامًا هذا لكنه لا يحب أن يوضع بمواقف كتلك.

غادر العم "سعيد" الڤيلا بعدما اطمئن على كل شيء. 

هذه الليلة نسجت "ليلى" لنفسها حُلمًا جميلًا وعلى محياها ارتسمت ابتسامة ناعمة. 

وقف "عزيز" قُرب البراد وقد تغلبت عليه معدته ليتناول من طبق الحلوى التي صنعتها تلك الفتاة. 

التقط الطبق من البراد ثم الملعقة ثم جلس على المقعد المقابل لطاولة المطبخ.

_ طعمها جميل. 

أغمض "عزيز" عيناه وهو يستمتع بمذاق الحلوى إلى أن فرغ من تناول الطبق بأكمله.

نظر إلى الطبق بنظرة مدهوشة لا يصدق أنه التهم الطبق.

_ معقول أكلت الطبق كله. 

رفع إصبعه يلعقه ومَازالت عيناه عالقة بالطبق الفارغ. 

_ البنت دي شكلها فعلاً نفسها حلو في الأكل، لو كان قدامي طبق تاني كنت أكلته. 

في الصباح

كان أول شئ يلفت انتباه العم "سعيد" الطبق الذي صار فارغًا، ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتي العم "سعيد"... فقد أعجبه طبق أم علي. 

لم يستطع العم "سعيد" كتمان هذا وغادر المطبخ سريعًا ليلحق بـ "ليلى" قبل مغادرتها لعملها ويزف لها هذا الأمر. 

في الساعة الخامسة مساءً

كانت "ليلى" تسير في طريقها عائدة من عملها.

لقد صارت تعود وتذهب بمفردها بعدما شعرت بمشقة عمها في توصيلها للعمل يوميًا. 

فالمصنع يوفر لهم حافلة تأخذهم عند مكان ما بالمدينة وبنفس المكان تأتي بهم وبعدها يتفرق كل منهم نحو واجهته. 

ابتسامة حُلوه داعبت شفتيها عندما وقعت عيناها على القطة الوديعة التي أسرعت نحوها والتهمت قطعة الخبز. 

الطعام المتبقي في حقيبتها كانت تعرف كيف ستتخلص منه جيدًا. 

_ شكلك جعانه أوي. 

ثم نظرت إلى قط أخرى، فوجدته مَازال ينظر إلى قطعة الخبز بوجه ممتعض وكأنه يُخبرها أن طعامها لا يُعجبه. 

واصلت "ليلى" حديثها مع القِطط. 

_ لما الجوع هيقرصك هتاكلها. 

ثم أردفت بعدما استمعت لمواءه. 

_ على فكره العيش كان في بيض بالبسطرمة... أنت اللي بتدلع. 

اعتدلت "ليلى" في وقفتها بعدما أدركت أنها تأخرت في طريق عودتها. 

أكملت سيرها، فالمنزل لم يكن بعيدًا... ربع ساعة فقط تحتاجها للسير حتى تكون داخل المجمع السكني الراقي الذي تسكن به. 

التصقت بالرصيف عندما استمعت إلى صوت بوق سيّارة قادمة. 

تعلقت عيناها بالسيّارة التي مرت بجانبها ولم تكن إلاّ سيّارة "عزيز". 

عندما تباطأت سرعة السيّارة، ظنّت أنه انتبه عليها.

توقفت عن سيرها لكن السيّارة استمرت بتحركها إلى أن انحرفت بطريقها نحو بوابة الڤيلا. 

لا تعرف لِما عبست ملامحها، وسؤال واحد صار يتردد داخل رأسها 

" ما الذي كنتي تنتظريه؟" 

تهدل كتفيها وأطرقت رأسها بخزي من حماقتها ثم استكملت خطواتها إلى أن توقفت أمام البوابة وطرقت على الباب الصغير الذي تستخدمه عند دخولها وخروجها. 
.... 

تأبطت ذراع جدها الذي لم يتوقف عن إغداقها بكلمات الغزل منذ أن صعدت جواره السيّارة التي يخصصها عمها "هشام" له. 

_ شايفه الكل عينيه عليا إزاي عشان طبعاً القمر ماشي جنبي. 

توردت وجنتيّ "زينب" وأطرقت رأسها أرضًا، فالجميع اتجهت أنظارهم نحوهم. 

أسرع السيد "هشام" وشقيقه "مصطفى" وزوجاتهم نحوه وقد تخلفت عن الحضور شقيقتهم الوحيدة "رحاب" التي تعيش بالخارج، فظروف عمل زوجها لم تسمح لها بالمجئ وحضور حفل خِطبة ابن شقيقها. 

_ عيني عليك باردة يا سيادة اللواء. 

قالتها السيدة "يسرا" زوجة ابنه "مصطفى" التي دائمًا ذو لسان معسول على عكس "لبنى" زوجة "هشام" التي دائمًا قليلة الكلام لكن لا ينكر طيبه قلبها.

هو كان محظوظ بزوجات أولاده اللاتي اختارهم لأولاده بعناية.

_ أخبارك إيه يا عمي وأخبار صحتك إيه. 

تساءَلت "لبنى" التي مهما تقدمت بالعمر تظل فاتنة.

_ الحمدلله بخير يا ولاد. 

ثم أردف بسعاده وهو يربت على ذراع "زينب". 

_ شايفين القمر اللي معايا. 

ابتسمت "لبنى" و "يسرا" وأشادوا بجمالها وأطروا على فستانها بكلمات لطيفة.

لم تكن "يسرا" و "لبنى" بزوجات الأعمام الحقودات ولكنهم أيضًا ليسوا بمنصفين.

_ عامله إيه يا "زينب". 

تساءَل "هشام" وهو ينظر إليها بنظرة دائمًا تسبب لها الخوف.

أسرعت بخفض عيناها تتمتم بصوت خفيض. 

_ الحمدلله يا عمي. 

اتبعه "مصطفى" بسؤاله عن أحوالها، فما دَام "هشام" يتساءَل ويمنح وده هو يفعل المثل.

بعدها اِجتمع أحفاد الجد "نائل" جميعهم ليحتضونه.

الجد كان له مكانه عظيمة في قلوب أحفاده لحنانه عليهم.

مع أبناء اخوته جلس "نائل" وجواره جلست "زينب"، هذه هي الأوامر التي لا بُد أن تسير عليها كلما كانت مع الجد بالخارج... وجودها لرعاية الجد والإهتمام به.. 

اقتربت منها "سما" ابنة عمها "مصطفى" لتجذبها من على المقعد الذي لم تتحرك من عليه منذ أن وطئت قدماها قاعة الحفل. 

_ أنتِ هتفضلي قاعده جنب جدو يا "زينب"، ما تقول حاجه يا جدو. 

ابتسم الجد وهو ينظر إلى "سما" حفيدته الغالية التي واصلت كلامها تُشاكس جدها الرجل العسكري الذي لم تكن طِباعه يومًا خَشنه بسبب طبيعة عمله. 

_ ولا شكلك عايزاها تفضل جنبك ومحدش يخطفها منك. 

_ طبعًا القمر ده مش هفرط فيه بسهوله. 

قالها الجد "نائل" وهو ينظر لها وقد  ابتسمت "زينب" بخجل.

_ روحي مع بنت عمك وارقصي مع البنات... بدل ما بنت "مصطفى" تفضل واقفه فوق راسي. 

نهضت "زينب" بعد إلحاح جدها و "سما" عليها، رمقتها "أشرقت" ابنة عمها "هشام" بضيق... فهي كوالدها ترى "زينب" دخيله عليهم.

ابتسم "نائل" عندما وقعت عيناه على "زينب" التي وقفت قُرب الفتيات ترقص بخجل.

أسبل جفنيه بحنين وقد اقحمت الذكريات رأسه. 

فلاش باك... 

_ أنت واعي على طلبك يا سيادة الرائد. 

طالعها "نائل" بلهفة، فمهما حاول الهرب من التفكير بها والإبتعاد عنها يجد نفسه ضعيف كلما وقعت عيناه عليها أو ذكرت زوجته اسمها أمامه. 

_ واعي ومصمم يا "زينب"، صدقيني حاولت اطردك من عقلي لكن... 

_ متكملش يا سيادة الرائد، طلبك مرفوض...أنا عمري ما أخون الست "هدى". 

جن جنونه بعد رفضها له ، فعيناها تفيض بحبه... كل شئ منها يجعله متأكدًا أنها مثله لم تعد قادرة على قتل ذلك الشعور الذي نبت داخلهم دون إرادة. 

اِجتذبها نحوه يهزها بين ذراعيه بعنف. 

_ وإعترافك ليا... أنتِ كنتي مستعده تسلميلي نفسك ليلتها. 

سقطت دموعها من شدة خزيها بعدما ذكرها بتلك الليلة.

أطرقت رأسها أرضًا واستمرت دموعها بالهطول على خديها. 

_ كان غصب عني. 

كررتها لمرات بصوت يائس، إنها مثله تحاول ألا تسقط في بئر الخطيئة والذنب. 

أغمضت عيناها لعلها تنفض من رأسها ذلك اللقاء الذي كانت فيه ستمنحه طهارة جسدها مرحبة.

اقترب منها "نائل" يكوب وجهها بين كفيه وينظر إلى عينيها. 

_ خلينا نتجوز يا "زينب"، أنا وأنتِ عايزين ده... عايزة تعيشي عمرك كله بتعذبي نفسك وتعذبيني بنار الفراق. 

باك... 

أطبق "نائل" جفنيه وأطرق رأسه بوهن بعدما اِقتحمت الذكريات عقله يهمس اسم تلك الحبيبة التي اضطر لهجرها سنوات تاركًا لها نبته منه ومنها لتعتني بها، "أسامة" ابنه العزيز الذي حرمه من حنانه واسمه بالعلن. 

رفع "نائل" عيناه بحثًا عن حفيدته التي تحمل اسم "زينب" جدتها المرأة التي أحبها وتزوجها سرًا وقد فاضت عيناه بالحنين. 

نهض "نائل" عن مقعده بعدما استند بكلتا يديه على سطح الطاولة. 

أسرع "هشام" نحو والده وقد ترك المعارف و الأصدقاء. 

_ رايح فين يا سيادة اللواء. 

_ أنت عارفني يا "هشام" مبحبش الدوشة، شوف السواق كده لسا واقف بره. 

نفذ "هشام" على الفور أمر والده وقد ظهر التعب بالفعل على ملامحه. 

بإشارة من "هشام" انتبهت "زينب" عليه و أسرعت جهته وقد ابتعد "هشام" عن والده بعدما ترك ابنه الأكبر "قصي" يسند جده. 

_ جهزي نفسك عشان تمشي مع سيادة اللواء... بكره الصبح هاجي اطمن عليه. 

ثم أردف بنبرة حازمة أرجفت أوصالها. 

_ أول ما تروحي تديله أدويته على طول وأنا هتصل اطمن عليه مفهوم. 
.... 

حفل شواء ؟؟! 

لم يخرج هذا الإقتراح إلا من فم "شهد" التي فور أن قالت إقتراحها صفقت يديها بسعادة. 

تحولت أنظارهم عليها بعدما كان كلًا من والدها وخالها يتسامرا بلُعبة طاولة الزهر. 

نظرت "عايدة" إليها ورفعت "ليلى" عيناها عن هاتفها الذي تتصفحه وقد ارتسمت الدهشة على ملامحهم. 

_ أنتوا بتبصولي كده ليه وكأني قولت حاجه غريبه. 

تساءَلت "شهد" التي أدهشتها ردة فعلهم. 

_ إحنا كنا بنعمل كده كل فتره أيام ما كانت "نيرة" و "سيف" هنا، كنا بنتجمع كلنا يوم الجمعه وناكل سوا. 

ابتسم العم "سعيد" ابتسامة حزينة عبرت عن شوقه لهؤلاء الصِغار الذين كبروا وتركوا المنزل وصار المنزل خالي من دونهم. 

_ الولاد وحشوني أوي. 

تمتم بها العم "سعيد" بشوق و ارتسم الحنين على شفتيّ "عايدة"... فهم من اعتنوا بهم بعدما تركتهم والدتهم.

_ تصدقوا صح بقالنا كتير متجمعناش وقعدنا قاعدة حلوه في الجنينة. 

تعلقت عينين "شهد" بعينين والدها بحماس بعد مَا قاله وعلى ما يبدو أن إقتراحها نال إستحسانه. 

_ شكلك موافقني يا بابا. 

التمعت عينين "عزيز" بحب لصغيرته وقد أسرعت "شهد" إليه ترتمي داخل أحضانه وتقبل خديه. 

ضحكت "عايده" على فعلة ابنتها أما العم "سعيد" كعادته كان ينظر لهما وهو يلوي شفتيه مستاءً. 

تحرك العم "سعيد" برأسه جهة "ليلى" التي تعلقت عيناها بالمشهد. 

_ أنا مش موافق بقى، بيقولوا الجو هيكون وحش بكره. 

قالها العم "سعيد" باعتراض ثم رمى مكعب النرد داخل الصندوق الخشبي. 

ابتعدت "شهد" عن حضن والدها وقد انتبه "عزيز" أخيرًا على عينيّ "ليلى" تجاه.

الألم لا يغادر قلبه كلما رأي تلك النظرة في عينيها، وكأنها تخبره عندما ترى "شهد" تتدلل عليه. 

” أين كانت عاطفتك عندما تركتني بدار الأيتام أواجه مصير غامض“. 

_ هو أنت كل حاجه تعترض عليها يا خالي. 

تساءَلت "شهد" بوجه عابس وبعناد طفل أجابها. 

_ أيوة. 

وكالعاده لا يمر يومًا دون أن يشب عراك مضحك بين "شهد" وخالها. 

بالنهاية كانت "عايدة" تحسم الأمر بحنكتها، فلما لا يقوموا بحفل الشواء من أجل التجمع العائلي الذي افتقده سيد المنزل. 

_ حفل شواء في حديقة البيت ؟ 

تساءَل "عزيز" وهو يقلب ملعقته بكأس الشاي بالحليب بعدما أخبره العجوز باقتراح "شهد". 

_ اقتراح "شهد" وطبعًا "عايده" و "عزيز" لازم يأيدوها في أي حاجه. 

ثم استطرد العم "سعيد" كلامه بوجه ممتعض. 

_ دلع ماسخ. 

ارتفعت قهقهت "عزيز" عندما رأي التذمر بانَ على ملامحه. 

_ مش عارف هتفضل لحد امتى نقرك من نقرها. 

التوت شفتي العم "سعيد" ثم قال بعدما أشار على نفسه. 

_ أنا بحط نقري من نقر المفعوصة ديه. 

ارتفعت ضحكات "عزيز" مرة أخرى ثم هز رأسه يائسًا. 

_ خلاص يا راجل يا عجوز لو على موافقتي فأنا موافق... الجو النهاردة حلو وأنا بقالي كتير مقعدتش معاكم، وحشني مناكفتك أنت و "شهد". 

بمجرد أن صرح "عزيز" بموافقته، أخذ الجميع يعد كل شئ... فبعد صلاة الجمعه سيجتمعون بحديقة الڤيلا. 

_ "ليلى" طلعي تتبيلة اللحمه من التلاجه... عمك ولّع الفحم. 

أسرعت "ليلى" بإخراج طبق اللحم من البراد واتجهت إلى زوجة عمها لتعطيها الطبق. 

طالعتها "عايدة" بابتسامتها الجميلة. 

_ اطلعي ليهم بالطبق يا حببتي وأنا هجيب باقي الحاجه واحصلك. 

هزت لها "ليلى" رأسها وغادرت المطبخ متجها نحو الحديقه. 

كانت تظن أن عمها والعم "سعيد" و "شهد" وحدهم بالحديقة لكنها وجدته معهم يقف بطوله المهيب. 

تراجعت بضعة خطوات للوراء وارتفعت دقات قلبها...هل تعود أدراجها لداخل المطبخ وترفض الخروج أم تذهب نحوهم. 

دقيقة .. دقيقتين 

وقفت فيهم حائرة... وكلما وقعت عيناها عليه وهو يضحك ويمازح العم "سعيد" وعمها كانت دقات قلبها تقرع كالطبول. 

_ "ليلى". 

ارتفع صوت "شهد" تناديها وهي تلوح لها بيدها لتتقدم نحوهم. 

بارتباك اقتربت منهم "ليلى" وقد أطرقت رأسها أرضًا.

أسرع عمها نحوها يأخذ منها الطبق. 

_ هاتي يا بنتي. 

ثم أردف حتى يزيل عنها الحرج بينهم. 

_تعالي يلا شوفي عمك وهو بيبدع في الشوي. 

جلست على أحد المقاعد الملتفة حول الطاولة التي وُضِعٕ عليها الأطباق وقد جاورتها "شهد" بالجلوس ومن وقت لأخر كانت تقوم بمشاكتهم. 

خانتها عيناها بالنظر جهته، فكان يقف بجانب عمها ويتولى مهمه تحريك قطع اللحم والتهوية.

هذا الرَجُل به شئ عجيب يجذبها إليه... رَجُل تراه فريد من نوعه.  

_ "شهد". 

هتفت بها السيدة "عايدة" بعدما اقتربت منهم وهي تحمل أغراض أخرى. 

انتبهت "ليلى" عليها أولًا وأسرعت بالتقاط الأغراض منها. 

ارتفع كف السيدة "عايدة" نحو خد "ليلى" تلمسه بحنو. 

_ كان عندي بنت واحده دلوقتي بقى عندي اتنين. 

ترقرقت الدموع بعينين "ليلى" بعدما استمعت لعبارتها ولكي تخفي دموعها أسرعت قائلة. 

_ هروح أحضر السلطة واعمل العصير. 

تحركت "ليلى" واتجهت نحو المطبخ حتى تتمكن من البكاء دون أن يشهد أحد على دموعها العزيزة. 

حملت الطبق الذي به قطع الخضار ثم وضعته أسفل صنبور المياة. 

نافذة المطبخ كانت تطل على الحديقة وبالاخص نحو الجزء الذي يتم الشواء به. 

لا تعلم أهو من حظها أم سوء حظها لتقف هكذا وراء نافذة المطبخ وتراقبه خلسة.

” توقفي "ليلى"، توقفي عن النظر إليه “ 

عقلها أخذ ينهرها لحماقتها وقلبها كان يخفق دون إرادة منه، الأمر جديد على ذلك الذي يخفق بقوة بين أضلعها. 

أتى وقت التفاف الجميع حول الطاوله منتظرين هبوط "عزيز" من غرفته بعدما استأذنهم ليستبدل ملابسه بأخرى نظيفة. 

وزعت "ليلى" أطباق السلطه والطحينة وقامت "شهد" بصب مشروب الصودا بالأكواب. 

_ أهو "عزيز" بيه جيه. 

قالها "مسعد" حارس البوابه الذي انضم إليهم. 

ارتفعت عينيّ "ليلى" جهته ثم أسرعت بخفضها تتمنى لو انتهى هذا الغداء سريعًا حتى لا تفضحها عيناها. 

مظهره لقلبها الضعيف -بعدما أبدل ملابسه بأخرى-  كان مهلك، فألا يكفيها تعلقها به من كلام "شهد" والعم "سعيد" عنه حتى يسقط قلبها في وسامته. 

نفضت رأسها وركزت عيناها نحو طبقها ولم تنتبه إلاّ على صوت عمها وهو يناديها. 

_ "ليلى" ناولي الطحينة لـ "عزيز" بيه. 

تعليقات



×