رواية غرام الذئاب الفصل السادس6 بقلم ولاء رفعت


 

 رواية غرام الذئاب الفصل السادس بقلم ولاء رفعت




 لم أعلم مَنْ أنا و أين أكون، يكفيني وجودك فأنت ذاتي و وطني

يخلع قميصه من المشجب ثم يطويه ليضعه داخل حقيبة السفر خاصته، دخلت إليه والدته تسأله بامتعاض

"مصمم برضو تسافر يا رحيم؟!" 

 

أجاب و مستمر في وضع بقية ملابسه

"معلشي يا ماما، محتاج أقعد مع نفسي بعيد فترة" 

 

"ما أنت كل مرة تقولي كدة، و فترة تجر فترة و تقعد بالشهور بعيد عني، كأنك بتعاقبني أنا، طب كان بإيدي إيه و معملتوش؟!، ده أنا طلبتهالك من خالتك من و أنتم لسه عيال في ثانوي، و البنت لما سمعتني عوجتلي بوقها، إيه اللي بتقوليه ده يا خالتو، رحيم زي أخويا" 

 

"خلاص يا ماما مالهوش لازمة الكلام، أنا أصلاً شيلت أي حاجة من دماغي، ربنا يسعدها مع جوزها" 

 

شهقت والدته ثم صاحت بتعجب

"و كمان بتدعيلها؟!، يا خيبتك القوية يا رجاء" 

 

حدق إليها بضيق ثم أغلق حقيبته و حملها تاركاً إياها تنعي حظها، لحقت به

"رحيم، استني يا حبيبي" 

 

توقف عن جر حقيبته

"نعم؟" 

 

وضعت يديها علي منكبيه

"متخليك قاعد هنا معايا و جمب عيادتك، أنت غاوي بهدلة و غربة ليه" 

 

"أنا مسافر لمحافظة تانية مش بره مصر" 

 

"في بلد إيه؟" 

 

أطلق زفرة بنفاذ صبر

"إسكندرية، و دي سفرية تبع عمل خيري" 

 

"طيب هاتقعد قد إيه هناك؟" 

 

"معرفش" 

همّ بالذهاب فأوقفته مرة أخرى

"خلاص أبقي أنزل علي الفيلا بتاعتنا اللي في كفر أبو عبده و أنا هاتصلك علي البواب هناك يخلي مراته تنضفهالك و تحضرلك الأكل عقبال ما تروح" 

 

"ماما كفاية بقي، أنا مش طفل صغير و لا هي أول مرة أسافر، كل اللي محتاجه منك تدعيلي ربنا يريح قلبي" 

 

"حبيبي يا ابني، يارب يا رحيم يا ابن رجاء يريح قلبك و تقابل بنت الحلال اللي تحبك و تحطك في عينيها"

ثم أردفت بصوت خافت

"و اللهي يا رودينا يا بنت شاهيناز ما تتهني و لا تنعمي براحة زي ما خليتي ابني مكسور القلب" 

 

انتبهت إلي ابنها الذي فتح باب المنزل و كاد يغادر، ركضت نحوه وصاحت 

"رحيم؟" 

 

رد بهدوء و أدب

"نعم؟" 

 

"خلي بالك من نفسك، و هاتصل بيك كل شوية أطمن عليك" 

 

"حاضر" 

 

"رحيم؟" 

 

"نعم؟"

 

"لا إله إلا الله" 

ابتسم لها وعقب 

"محمد رسول الله، سلام" 

 

❈-❈-❈ 

 "أميرة، يا أميرة، هي راحت فين؟" 

كان نداء السيدة خيرية و يبدو علي صوتها التعب، فُتح باب المنزل و ولجت أميرة تحمل كيساً بلاستيكياً، فوجدت الأخرى تقف و تستند علي مسند الظهر لمقعد المائدة

 

"إيه اللي قومك يا ماما، أنا خرجت كنت بجيب عيش لأن اللي هنا عيش بايت و أنتي بتحبي العيش الصابح، روحي إرتاحي و خمس دقايق و الغدا هايكون علي السفرة" 

 

"تعبت يا بنتي من الرقدة علي السرير، قولت أمشي رجلي شوية" 

 

"طيب تعالي افتحلك التليفزيون و مددي علي الكنبة هنا" 

أمسكت جهاز التحكم بالتلفاز قامت بتشغيل الشاشة، أمسكت بيد خيرية 

"المسلسل اللي أنتي بتحبيه شغال أهو، تعالي يلا نامي هنا" 

 

ذهبت لتعد أطباق الطعام و غرفها بشكل فني تعلمته من السيدة خيرية، قامت برصها فوق المائدة

"يلا يا ماما الغدا جاهز" 

 

جاءت وأخذت تنظر إلي الأطباق بابتسامة 

"الله، شكل الأكل يفتح النفس" 

 

"البركة فيكي يا ماما، أنتي اللي علمتيني إزاي اطبخ و أقدم الأكل بشكل حلو، و علي رأي المثل العين بتاكل قبل الفم" 

 

ربتت علي يدها بسعادة و حنان غادق

"ربنا يبارك لي فيكي يا بنتي" 

 

جلست ثم كادت أميرة تجلس فوقفت 

"نسيت دورق الميه و العيش، هاروح أجيبهم من المطبخ" 

 

و في طريقها إلي المطبخ صدح رنين الجرس، صاحت خيرية

"شوفي مين اللي بيرن الجرس يا أميرة" 

 

قامت الأخرى بفتح الباب لتجد ثلاثة رجال اعمارهما تتراوح ما بين الثلاثين و الأربعين عاماً سألها

 

"أنتي مين؟" 

 

انتبهت إلي وشاحها المزحزح من فوق شعرها الناعم، قامت بضبطه سريعاً 

"أنا اللي المفروض أسالكم أنتم مين؟" 

 

"مين يا أميرة؟" 

سألتها خيرية من الداخل فدلف الثلاثة تراجعت أميرة بحرج و خجل، و أن رأتهما السيدة نهضت تحدق إليهما بصدمة، تقدم أكبرهم

"مش هتقوليلنا حمدالله علي السلامة يا ماه" 

 

هناك صراع المشاعر يجول داخلها، جزء يرفض وجودهم بعد أن تركوها لسنوات ما بين الآسي و الهجران، و جزء آخر و هي عاطفة الأم التي مهما تلقت من قسوة ابنائها أطناناً فهم ابنائها في النهاية و لم تستطع أن تكرههم فالغلبة لعاطفة الأمومة، ليت الابناء يدركون ذلك. 

 

اقتربت منهم و فتحت ذراعيها، ارتمي ثلاثتهم يعانقونها، كانت تتابع أميرة ذلك المشهد و ذرفت عينيها الدموع يتخللها ابتسامة. 

 

بعد قليل... 

يجلس جميعهم حول المائدة يتناولون الطعام بشهية، ماعدا أميرة التي طلبت من خيرية أنها ستتناول طعامها في المطبخ لأنها تشعر بالخجل و التوتر في وجود ابنائها.

 قال أوسطهم بتلذذ و استمتاع

"الله ياماه، طول عمرك عليكي طبق ملوخية ريحته تشميها من علي الإمة" 

 

"مش أنا اللي طبخة، دي أميرة ربنا يباركلها، بنتي اللي مخلفتهاش" 

 

توقف الكبير عن تناول الطعام و ابتسم بسخرية

"بنتك!، ده كلام الناس طلع صح بقي، جايبة لنا واحدة من الشارع مقعداها معاكي، و تقولي عليها بنتك، دي ناقص تورث معانا كمان" 

 

صاحت والدته بغضب

"أيوه بنتي، رزق ربنا بعتهولي من سنتين، عوضني عن ولادي التلاتة اللي هجروني و لا سألوا عليا و بقيت أعرف أخباركم من الجيران زي الغريبة و لا كأني كنت أمكم وتعبت و شقيت عليكم لحد ما بقيتوا رجالة" 

 

اقترب أوسطهم من شقيقه الكبير يهمس إليه

"ما تهدي يا كبيرنا لحد ما نخلصوا اللي جايين عشانه و بعد كدة نشوفوا إيه حكاية البت دي و نديها قرشين تغور من هنا"

 

قام أصغرهم بتهدئة الأجواء فأخبر والدته مبتسماً

"معلش يا ماه، أخويا ما يقصدش حاجة، هو بس كان قلقان عليكي برضو إحنا مانعرفش مين البنت دي و أصلها و فصلها" 

 

"ما تقلقش منك ليه، دي ملاك و بنت أصول، و شيلاني و مرعياني و عمرها ما رفضتلي طلب، أنا سميتها أميرة لأنها اسم علي مسمي، مش زي ولاد بطني اللي مطمرش فيهم تعبي و تربيتي ليهم" 

 

حمحم بحرج ابنها الأوسط

"ما تزعليش نفسك ياماه، إحنا غلطانين فعلاً و مهما قولنا لك من حجج ليكي حق تزعلي، بس أنا و أخواتي خلاص مش هنسافر تاني و قررنا نعيش معاكي، مأمون طلق الولية المجنونة اللي كان متجوزها، و أنا الحمدلله أتجوزت أخت واحد زميلي كان معايا في الغربة، و محمود أنتي بقي دوري له علي عروسة" 

 

صاح شقيقه محمود

"خليك في حالك أنت، أنا بحب أعيش حر، مش ناقص هم و نكد" 

 

انتهوا من تناول الطعام، قامت أميرة بتقديم أكواب الشاي، توقفت أمام الشقيق الأوسط، ظل ينظر إليها حتي جعلها تشعر بالخجل 

"اتفضل الشاي" 

 

لاحظت والدته نظرات ابنها

"خد الشاي منها يا وليد" 

 

تناول الكوب، تركت أميرة الصينية

"محتاجة حاجة يا ماما؟" 

 

"شكراً يا بنتي، أدخلي أوضتك أرتاحي" 

 

كان الثلاثة يتابعون حوار والدتهم مع تلك الغريبة، انتظروا ريثما دخلت للغرفة و أغلقت الباب، نهض مأمون و جلس جوار والدته

"لاء كده الحوار يقلق ياماه، هي البت دي هاتفضل عايشة معاكي و لا إيه؟" 

 

"أنا نفسي تفضل تعيش معايا، بس بالتأكيد ليها أهل بيدوروا عليها" 

 

نظر الثلاثة لبعضهما البعض ثم نظروا إلي والدتهم و في صوت واحد 

"أنتي خطفاها ياماه؟" 

 

"خطف إيه يا مجنون منك ليه، دي كانت في المستشفي اللي كنت شغالة فيها، كانت جاية بعيد عنكم في حادثة كبيرة، فضلوا يعالجوها و عملية ورا عملية لحد ما قامت بالسلامة لكن يا عيني عليها فقدت الذاكرة و مكنش معاها أي أوراق تثبت مين هي و لا أهلها مين، كتر خير الدكتور اللي كان متابعها و خلاها لحد ما اتحسنت لاقيتها مش عارفة تروح فين و لا لمين، خدتها عندي و قولت ربنا بعتهالي تاخد بإيدي و تاخد بالها مني بدل ما أنا عايشة لوحدي بين أربع حيطان لو تعبت محدش بيسأل عليا، علي الأقل لو مت هلاقي اللي تقف علي غُسلي و تدفني" 

 

"بعد الشر عليكي ياماه، و إحنا روحنا فين، إحنا جينالك أهو و قولنا بدل الغربة و التعب برة في بلاد الخواجات خلينا نفتح مشروع أنا و أخواتي نكسب منه و منها نبقي جنبك و ناخد بالنا منك" 

 

"لو كلامك صح يبقي ربنا يوفقكم و يعينكم" 

 

اقترب محمود منها بابتسامة خبيثة

"ربنا يوفقنا و يعينا بمساعدتك يا أمي" 

 

أدركت خيرية مُراد ولدها

"والله يا ابني لو بأيدي حاجة مكنتش أتأخرت عليك أنت و أخواتك، كل اللي أملكه سيباه للزمن علي الأقل تلاقوا فلوس عشان الدفنة و الإجراءات وقتها" 

 

تدخل أكبرهم بعد أن نظر إلي شقيقيه

"بصراحة ياماه إحنا جينا بعد ما كلمنا محامي ثروت بيه، قالنا مستعد يدفع اللي هنقوله عليه، و أنا و أخواتي سألنا واحد سمسمار معرفة و قدر لنا سعر البيت لاقيناه هايجيبلنا 50 مليون جنيه، لأن منطقتنا هتاخدها شركة مقاولات كبيرة تبع جماعة خلايجة و أجانب مستثمرين هيدفعوا مليارات الدولارات" 

 

عقب أوسطهم

"و إحنا ياماه لو اشتغلنا أنا و أخواتي طول عمرنا بره عمرنا ما هنجيب عشر المبلغ ده، و بعد البيع هنقسم الفلوس زي ما قال شرع ربنا، ليكي نصيبك و كل واحد فينا ليه نصيبه بالعدل" 

 

نهضت خيرية بوجه متجهم تخبرهم بحسم منقطع النظير

"و أنا مش هبيع، حتي لو اتباعت كل البيوت اللي حواليا و مافضلش غير بيت أبوكم، برضو مش هبيع" 

 

"اسمعينا ياماه بـ... 

 

قاطعته بصرامة

"اسمعوني أنتم يا ولاد بطني، البيت ده مش مجرد جدران تتهد و يتبني بدالها جديد، ده عمر و ذكريات، روحي و عمري كله فيه، لما أموت أبقوا أتصرفوا فيه براحتكم"

 

صاح ابنها الأكبر الغاضب دائماً

"معناه إيه الكلام ده ياماه؟" 

 

"معناه أنك تاخد أخواتك و تتكلوا علي الله و ترجعوا مطرح ما جيتوا، و أنا اللي كنت فاكرة أنكم ندمانين و راجعين تعوضوني عن فراقكم السنين اللي فاتت، زي ما قلبي كان حاسس اللي هايجيبكم المصلحة و الفلوس" 

 

وقف الثلاثة فقال أوسطهم

"أنتي بتطردينا من بيت أبونا ياماه؟" 

 

نهرتهم بقسوة وليدة سنوات هجران

"دلوقتي بقي بيت أبوكم؟!، كنتم فين من سنين فاتوا؟!، اسمعني ياض أنت و هو، ملكمش حاجة عندي" 

 

اندفع نحوها أوسطهم

"يعني إيه الكلام ده؟" 

 

"زي ما فهمت كدة بالظبط، الجحود بيولد جحود و الجفا بيولد جفا، فما تنتظروش الحنية، أمكم بتاعت زمان ماتت" 

 

اقترب أصغرهم من شقيقه

"يلا بينا دلوقتي و نبقي نجيلها في وقت تاني" 

 

ثم أخبر والدته بصوت مسموع 

"هنسيبك دلوقتي يا أمي و هانبقي نرجعلك تاني تكوني فكرتي في كلامنا، نصيبك هيجيبلك شقة واتنين و تلاتة، فكري قبل ما تردي، يلا يا مأمون أنت و محمود" 

 

ألقي كلا من شقيقيه نظرة سخط علي والدته قبل أن يغادرا، ذهبت خلفهم و أغلقت الباب بعنف، أخذت تبكي فخرجت لها أميرة، تعانقها

"ما تزعليش منهم هم بيحبوكي، هم بالتأكيد خدوا علي خاطرهم لما قولتلهم مالكمش حاجة، مهما كان ده بيتهم و ليهم فيه" 

 

"من قهرتي يا أميرة و قسوة قلوبهم خلوني أقولهم كدة، أنا عمري ما هخالف شرع ربنا، بس من حقي أعيش آخر أيامي في البيت اللي أتجوزت و عشت فيه، حتي دي كمان مستخسرينها فيىّ؟!" 

 

أخذت الأخرى تربت عليها و لا تعلم ماذا عساها أن تفعل لها. 

"إهدي يا ماما و كفاية عياط عشان ضغطك ما يعلاش" 

 

كانت قد كفت عن البكاء بالفعل، لكن هناك ما أثار قلق و خوفها علي السيدة خيرية عندما شعرت بثقل جسدها بين ذراعيها، ألقت نظرة علي وجهها لتجدها فاقدة للوعي

"ماما خيرية، ماما خيرية، ردي عليا عشان خاطري، ماما، يا ماما" 

صرخت في آخر نداء لها مما جعل الجيران يهرعون إليها و قاموا بمهاتفة خدمة طوارئ الإسعاف و التي جاءت في غضون دقائق لقرب المشفى من السكن. 

 

❈-❈-❈ 

 

 

كانت تقف بجوارها في الغرفة و الممرضات و الطبيب يسعفونها و يوصلون بها أجهزة تنشيط و متابعة الأجهزة الحيوية، كانت تتابع ما يفعلونه بجنون

"طمني يا دكتور ماما مالها، هي مغمي عليها بس؟، حضرتك ما بتردش عليىّ ليه، طمني عليها بالله عليك" 

 

نظر إليها بأسف وأخبرها بحزن

"واضح إن والدتك اتعرضت لضغط نفسي و عصبي خلي الضغط ارتفع عندها و عملها جلطة علي المخ وخلاها دخلت في غيبوبة الله أعلم هاتقوم منها امتي، إدعيلها" 

 

تراجعت إلي الوراء في زاوية وجلست علي الأرض تبكي و تدعو الله بأن يشفي تلك السيدة التي لم ترَ منها سوي الخير و الحنان. 

 

"معلشي يا آنسة ما ينفعش تقعدي هنا، و كمان محتاجين تشتري لوالدتك أدوية ضروري تجيبيها لأنها مش متوافرة عندنا في صيدلية المستشفي" 

 

نهضت أميرة و أخذت منها الورقة 

"حاضر، هاروح أشتريها لها بسرعة و راجعة تاني، بس ممكن تاخدي رقم تليفوني عشان لو حصل أي حاجة أو فاقت تقوليلي؟" 

 

"خدي سجليه" 

اعطتها هاتفها لتسجل رقمها سريعاً، قامت بتجفيف دموعها و غادرت الغرفة ثم المشفى و لم تنتبه إلي ابناء السيدة خيرية الثلاث اللذين يهرولون بحثاً عن والدتهم، أوقف احدهم الممرضة

"فين حالة الست الكبيرة اللي كان مغمي عليها؟" 

 

أشارت إليه نحو الدرج

"لو قصدك علي الحجة خيرية، في الدور التاني، غرفة رقم 22 بس ممنوع الدخول" 

 

سألها الأخر

"هي حصلها إيه؟" 

 

"أنتم تقربولها إيه؟" 

 

"إحنا ولادها" 

 

"ادعوا لها جالها جلطة علي المخ خلاها دخلت في غيبوبة و طلبنا من أختكم تروح تجيب الأدوية المطلوبة" 

 

"أختنا؟!" 

 

همس شقيقه الأخر له

"البت اللي إسمها أميرة" 

 

فتهامس الثالث

"إحنا سايبين أمكم سليمة و البت شكلها سمعت كلامنا إحنا و أمنا و الله أعلم عملت فيها إيه" 

 

رد الثاني

"تصدق عندك حق، خافت لأمنا توافق و هي هاتروح فين،  و الله أعلم ممكن مضتها علي ورق و لا حاجة" 

 

قال أصغرهم

"اتقوا الله حرام عليكم، دي شكلها بت غلبانة و لو كانت زي ما بتقولوا كان زمانها عملت كده من زمان و إحنا سايبين أمنا" 

 

عقب كبيرهم

"بقولكم إيه تعالوا نطلع نطمن علي أمنا و واحد مننا يروح البيت و ياخد باله من الأوراق و أي حاجة هناك، و خصوصاً حجة ملكية البيت" 

 

"أنا هاروح، خليك أنت يا مأمون مع وليد و أنا لو فيه حاجة هاكلمكم" 

 

كانت قد وصلت المنزل و قد نست إغلاق الباب خلفها، فما يشغلها الآن هو تدبير المال لشراء الأدوية، أخذت محفظة النقود خاصتها من حقيبتها فوجدت كل ما لديها لا يكفي سوي لشراء علبة واحدة، ففي طريقها إلي المنزل سألت في الصيدلية عن ثمن الأدوية المطلوبة. 

 

زفرت بضيق 

"أدبر باقي المبلغ منين ياربي" 

 

نظرت نحو غرفة السيدة خيرية و ترددت، و بعد تفكير و حيرة، دلفت إلي الغرفة واتجهت نحو الخزانة لتبحث عن محفظة نقود الخاصة بخيرية، فتحت الضلفة و مدت يدها إلي الرف العلوي

 

"أنا كان عندي حق لما حذرت أمي و أخواتي منك يا حرامية" 

 

شهقت و ألتفت لتجد المدعو محمود، هزت رأسها بالنفي و أخبرته بدفاع

"أنا كنت عايزة أخد فلوس عشان أجيبلها الدواء، أنا أخدت كل اللي معايا و لاقتهم مش هيكفوا، فحاولت أخد من عند ماما و هقولها أول لما تفوق بالسلامة" 

 

اقترب منها حتي أصبحت محاصرة بينه و بين الخزانة، يرمقها بنظرات ذئب يتمعن فريسته قبل الانقضاض عليها

"ما تخافيش مش هقول لأخواتي حاجة، و هاسيبك تعيشي مع أمي حتي بعد ما نبيع البيت، بس علي شرط" 

 

ابتلعت ريقها بخوف فغريزتها الأنثوية تدرك تلك النظرة المخيفة و ما يليها

"لو سمحت يا أستاذ، عيب كدة وابعد عني" 

 

"ما تبطلي تعيشي عليا يا بت دور الشرف ده لإنه مش لايق عليكي، هتلاقيكي كنتي هربانة من أهلك و جيتي علي إسكندرية و حصلتلك الحادثة و بتمثلي أنك فاقدة الذاكرة بعد ما لاقيتي أمي بتحن و بتشفق عليكي، قولتي ست كبيرة و عايشة لوحدها و لا هتعرف أصلي و لا بنت مين وكنتي هربانة ليه" 

 

دفعته بقوة من أمامها وخرجت من الغرفة، صدح رنين هاتفها و قبل أن تمد يدها عليه وجدت من يجذبها من ذراعها ويلقي بها علي الأريكة 

"الظاهر ما بتحبيش الذوق، لما نجرب معاكي العافية" 

 

حاول تقيد يديها و كانت تقاومه بكل قوة، ضرب ذاكرتها المصابة ومضات من مشاهد من الماضي حدث مثل تمر به الآن لكن المعتدي وجهه مبهم، أخذت تصرخ و تخمشه بأظافرها، و جمعت قواها فقامت بركله بركبتها بين ساقيه، انتفض و صرخ بألم، ألقي عليها سبة بذيئة، بينما هي التقطت حقيبتها و هاتفها و نجت بنفسها راكضة إلي خارج المنزل، تلقت اتصالا مرة أخرى فوجدت رقم غير مسجل 

فتذكرت أمر الممرضة، أجابت في الحال

"ألو" 

 

"أنا بتصل عشان اقولك ما تجبيش حاجة خلاص" 

 

ابتسمت من بين دموعها وسألتها

"ماما فاقت؟" 

 

"البقاء لله يا حبيبتي" 

 

و في نفس الوقت تلقي محمود من شقيقيه مكالمة بوفاة والدته، اتسعت عينيه بصدمة وأخذ يبكي، فما نفع البكاء و الندم الآن! 

 

نعود لأميرة التي ركضت بكل قواها إلي المشفى حتي وصلت أمام الغرفة و ترى الممرضات تخلع أسلاك الأجهزة عن السيدة خيرية ثم تغطي وجهها بالدثار، لم تصدق أميرة ما تراه عينيها ارتمت جوار الجثمان وأخذت تصرخ

"ماما، يا ماما، ردي عليىّ، ما تسيبنيش يا ماما، أنا ماليش غيرك" 

 

حاولت الممرضة جذبها لتبعدها

"ما ينفعش يا آنسة، اللي بتعمليه ده، معلش اطلعي استني برة و هنندهلك وقت غُسلها" 

 

خرجت من الغرفة رغماً عنها، فوجدت مأمون ووليد يجلسان علي المقاعد و يبكيان علي والدتهما، جاء محمود من نهاية الرواق، يصيح ببكاء

"ماتت و هي زعلانة مننا، إحنا السبب" 

 

وضع مأمون كفه علي فم شقيقه 

"بس اسكت، هاتفضحنا" 

 

انتبه محمود إلي وجود أميرة ويخشي أن تخبر شقيقيه و لم يبالي إلي وفاة والدته وحزنهم عليها، اقترب من تلك المسكينة التي تبكي بحرقة حزناً علي أمها التي لم تلدها

 

"انتي واقفة عندك بتعملي إيه؟!، ليكي عين و عمالة تعيطي عليها؟!، أنتي السبب، هتلاقيكي أديتلها دوا غلط هو اللي عملها الجلطة وموتها"

 

نهض وليد و جذب شقيقه يبعده عن الأخرى

"عيب  يا محمود مش وقته اللي بتعمله ده، خلينا نشوف هانعمل إيه و نجيب تصريح الدفن" 

 

ثم وجه حديثه إلي أميرة

"و أنتي يا بنت الناس روحي دوري لك علي مكان تعيشي فيه، اللي كنتي قاعدة معاها ماتت، و إحنا تلات رجالة و الوضع مش حلو لا ليكي و لا لينا" 

 

نظرت إليه بانكسار لم يكن لديها رد أو إجابة فلديه حق لاسيما بعد محاولة اعتداء شقيقه عليها. 

أخرج من جيبه عدة ورقات من المال مطوية، مد يده بها إليها

"خلي دول معاكي و لو احتاجتي أي حاجة هاديكي أرقامنا كلمي أي واحد فينا وهتلاقينا واقفين جمبك" 

 

"كتر خيرك يا أستاذ، شكراً مش عايزة حاجة منكم" 

لم تتحمل سماع كلمة تزيدها وجعاً فوق أوجاعها، غادرت المشفى بقلب ملتاع، تبكي علي فراق السيدة التي كانت بمثابة والدتها، تبكي علي حالها حيث أصبحت بلا مأوي، شريدة لا تملك مكان يأويها. 

 

❈-❈-❈ 

 

عبر بسيارته للتو من مدخل محافظة الإسكندرية، عينيه صوب الطريق وذهنه شارد مقتطفات من ذكريات ومواقف قد جمعته بها، كان يخاف عليها دائماً فحينما كانا في رحلة صيفية عائلية، كانت تريد تعلم الصيد، أخذ يشرح لها كيف تمسك بالخطاف وتضع في نهاية الخيط الطعم المفضل للأسماك..... 

 

"إيه الملل ده بقالي ساعة و لا سمكة واحدة قربت من الطُعم" 

 

ضحك فألتفت إليه بحنق

"هو أنا بقول حاجة تضحك يا دكتور رحيم؟" 

 

"لاء، بس بضحك عليكي، لأن قايلك أهم حاجة في الصيد الصبر، ممكن تقعدي اليوم كله عشان تصطادي سمكة" 

 

"نعم!، بلاها صيد أصلاً، أنا إيه اللي يجبرني أقعد كل الوقت ده" 

 

نظر نحو مياه البحر وأمواجها المتلاطمة يخبرها

"مش إجبار و لا حاجة، الموضوع بيبقي نابع من جواكي، أنتي نفسك في حاجة و عشان تبقي ليكي عارفة هاتقعدي وقت كبير عقبال ما توصلي لها، الدافع اللي عندك هيخليكي تصبري لحد ما توصلي لهدفك" 

 

تأملت ملامح وجهه وعينيه داخلهما آلاف الكلمات، فهي تدرك جيداً ما بين سطور حديثه، قاطع تأملها صوته ويشير إليها نحو نهاية الخيط

"شدي الصنارة بسرعة"  

 

"مش عارفة، فيه حاجة بتشدها مني جامد" 

 

اقترب منها ووقف خلفها، وضع يديه فوق يديها 

"خليكي ماسكة جامد واسحبي لفوق و شدي عليكي" 

 

شعر بجسدها الذي انتفض بين ذراعيه، تظاهر بالانشغال في مساعدتها لتحصل علي صيدها، لاحظ بطرف عينه دون أن ينظر إليها تحدق بتيه، الأمر كان لديه فوق الوصف، يشعر وكأنه يملك دنياه وتمني لو امتلك قلبها الذي ينبض بقوة ويصل صوت دقاته إلي مسامعه. 

 

جذب الخطاف فجأة فوجد الصيد سمكة كبيرة لكن تمكنت تلك السمكة من التحرر من الخيط وقفزت في البحر. 

ابتعدت من بين ذراعيه فوقفت أمامه تشعر بسخط

"يعني بعد ما صبرت كل ده عشان اصطادها تقوم هي هربانة مني، أنا عارفة حظي، عمري ما تمنيت حاجة وبقت ليا، بالعكس بلاقيها تبعد وتبعد أوي كمان" 

 

رمقها مبتسماً وعقب بهدوء 

"مش كل اللي بنتمناه بناخده، أحياناً بيكون شر و ربنا مش كتبه لينا، المفروض نعيد حسابتنا و نبص للأمور صح، هتلاقي نفسك أمنية لحد تاني" 

 

"كلامك صح، بس ملناش حكم علي قلوبنا، فساعات بنتعلق بالشخص الغلط" 

 

"و ليه ما نفكرش بالعقل مع القلب، عشان نختار صح؟" 

 

"لأن في الغالب القلب و العقل ما بيتفقوش" 

 

"لو التفكير سليم هيتفقوا، ما ينفعش ندي السلطة للعقل لوحده أو للقلب و المشاعر لوحدهم، لازم يبقي فيه توازن عشان ما نندمش في الأخر ونقعد نقول ياريت" 

 

ضحكت وأرادت تغير دفة الحديث، أدرك ذلك سريعاً عندما عقبت قائلة بمزاح

"أنت سيبت الطب واشتغلت فيلسوف و لا إيه يا دكتور؟" 

 

"كلامي مالهوش علاقة بالفلسفة دي دراستي لعلم النفس بحكم تخصصي في علاج المخ و الأعصاب" 

أطلق تنهيده وتردد فيما هو مقبل علي التصريح به مردفاً

"رودينا، أنا كنت فيه حاجة عايز أقولهالك و مأجلها للوقت المناسب، و شايف أنه جه الوقت ده، أنا بحبك وعايزك تكوني شريكة حياتي، تتجوزيني؟" 

 

نظراتها أقرب للصدمة لكن جوابها وكأنه أُعد من قبل

"أنا مقدرة و محترمة شعورك، بس أنا اللي جوايا ليك مخليني مش قادرة أشوفك غير ابن خالتي وأخويا" 

 

"بس أنا مش أخوكي يا رودينا و لا عمري شوفتك زي أختي، أنا فاهم سبب رفضك، بس أنا المعلومات اللي عرفتها أن اللي كنتي مستنياه يكون ليكي أتجوز خلاص" 

 

أخفت ما شعرت به من ضيق و غيره خلف ابتسامة ساخرة

"و يا تري مصدر معلوماتك تبقي شاهيناز هانم اللي متفقة معاك أنت و خالتو رجاء أننا نيجي نقضي الأجازة هنا عشان نقرب أكتر أنا و أنت من بعض وتقولي بحبك و عايز أتجوزك، و أنا المفروض أوافق عشان أنسي حبي اللي من طرف واحد" 

 

"و ليه حسبتيها كده، كان ممكن جيتلكم لحد البيت و طلبتك بشكل رسمي و يبقي كده حطيتك قدام الأمر الواقع" 

 

"و لو عملت كده كنت هقولك نفس اللي هقوله لك دلوقتي، لاء يا رحيم، مش موافقة، أنا مش هاتجوز غير اللي بحبه حتي لو هافضل طول عمري single" 

 

عاد من ذكري تلك الرحلة و لقطات من حفل زفافها وهي بين ترقص بين يدي زوجها، كم يكره حالة الضعف التي جعلت عينيه تذرف دموعاً، يأبى أن يظل أسير هذا الحب، يكفيه عذاباً وألماً، لذا لجأ للفرار إلي عمله و شغل نفسه علي قدر ما يستطع حتي لا يترك لفؤاده فرصة للتفكير بها مرة أخرى. 

 

 

و في ذات الوقت كانت تلك المسكينة تركض في الشوارع و الممرات حتي وصلت إلي الطريق الرئيسي للسيارات،  تعبر الطريق وتغرق الدموع عينيها، لم تنتبه إلي السيارة التي علي وشك أن تصدمها. 

 

كان ينظر إلي هاتفه الذي يرن، كاد يجيب علي اتصال والدته التي تريد الاطمئنان عليه، رفع عينيه نحو الطريق فإذا بالتي ظهرت أمامه فجأة واصطدمت بمقدمة سيارته فخرت علي الأرض دون حراك! 

 

❈-❈-❈ 

 

يهبط ويرتفع بجسده مستنداً علي ذراعيه، يفرغ غضبه في ممارسة التمارين الصعبة بدلاً من الانفجار، علي وشك أن يفقد عقله لا يعلم أين هربت إلي الآن، لم يترك مكاناً إلا وبحث عنها وكانت مجهوداته تذهب سدي.

سمع صوت خطوات حذاء تقترب منه حتي توقفت أمامه، رفع وجهه ونظر إليها فسألته 

"و معني أنك مالقتهاش لحد دلوقت يبقي كده خلاص هاتبطل تدور عليها؟" 

 

نهض وألتقط منشفة قطنية يجفف عرقه، نظر بسخرية إلي والدته 

"و شيري هانم بنفوذها و علاقاتها مش قادرة تعرف حفيدها و مرات ابنها فين؟!، معلش بقي حكم السن بيخلي الواحد جهده علي قده" 

 

سخريته الصريحة أثارت حنقها 

"اخرس، أنا لسه زي ما أنا، شيريهان الشريف اللي بإشارة من صباعها هتلاقيني جيبالك مراتك تحت رجلي، بس سبب سكوتي لحد دلوقتي لأن أنا لو وصلتلها هخليها تبكي بدل الدموع دم" 

 

جز علي أسنانه بغضب، تهديد والدته يحمل إهانة لزوجته لذا قام بتحذيرها

"لأخر مرة يا شيريهان اتكلمي عنها باحترام، لأنها في الأول و الأخر مراتي" 

 

"مش لما أنت الأول تحترم نفسك و انت بتتكلم مع مامتك؟!، يا فرحتي بيك وأنت فخور أوي و تقولي مراتي، أومال لو مكنتش خدامة أخوك قبل ما تضحك عليه و تلبسه في الولد اللي بلتنا بيه" 

 

ركل بكل قوته كرسي من المعدن أصدر صوتاً جعلها انتفضت ذعراً و ابتعدت، تنظر له بصدمة فأخبرها

"عيدي كلامك ده تاني وهتلاقي الفيلا بقت عاليها واطيها ده غير مش هخليكي تشوفي وشي تاني" 

 

ألقي المنشفة بقوة علي الأرض ثم تركها وذهب خارج صالة الرياضة الخاصة به، و في طريقه إلي غرفته أوقفه أحد الحراس

"أحمد بيه" 

 

ألتفت إليه فاقترب الحارس منه وهمس في أذنه بأمر كان ينتظره الأخر

"روح أنت وشوية و أنا جاي وراك" 

 

بعد قليل... 

دخل غرفة تقع خلف المنزل يجلس في الوسط هذا الرجل الطيب و علي يمينه و يساره حارسين، علي ملامحه الخوف من تلك المواجهة، ابتلع ريقه حينما رأي أحمد يجذب مقعد ويجلس عكسه مستنداً بذراعيه علي مسند الظهر، أشار إلي أحد الحارسين، جاء إليه مسرعاً يعطيه علبة لفائف التبغ، سحب لفافة ويسأل الرجل الطيب

"ها يا عم صابر، لسه مصمم أنك ما تعرفش مكانها؟" 

 

أشعل الحارس له اللفافة فنفث الدخان في الهواء، يستمع إلي إجابة العم الصابر المغلوب علي أمره

"حضرتك ليه مش مصدقني يا أحمد بيه، أنا آخر مرة شوفتها لما حضرتك أخدتها من الفيلا و معرفش عنها و لا عن ابنها أي حاجة" 

 

نفث دخان اللفافة مرة أخرى وينظر نحو هذا الرجل بإمعان 

"و لو قولتلك مش مصدقك و أنك راجل كداب" 

 

نظر إلي أسفل بحزن

"الله يسامحك يا بني" 

 

نهض من علي الكرسي وركله بعيداً، قبض علي تلابيب قميص العم صابر بعنف

"اسمع يا راجل أنت، جو المسكنة و يا بني و يا ضنايا ده مش هياكل معايا، أقسم بالله لو ما قولت مراتي وابن أخويا راحوا فين لأبعت رجالتي يجيبوا مراتك و بناتك هنا، خليهم يشوفوك و أنا بقل منك قدامهم" 

 

رأى صابر الشر في عينين أحمد، لكن ليس هذا الشر الذي كان عليه سابقاً، فهذا الغضب الذي عليه غضب عاشق يكاد يجن جنونه إذا لم يصل إلي من التي امتلكت قلبه. 

 

مرت دقيقتان دون إجابة، فصاح هذا الأحمد بصوت جهوري مخيف

"مش عايز تنطق، فاكرني بهدد وخلاص؟!، ماشي هخليك تسمع و تشوف، متولي، لم الرجالة و تروحوا علي بيت الراجل ده، تجيب لي مراته و بناته" 

 

صاح صابر متوسلاً

"بالله عليك يا أحمد بيه، بلاش اهل بيتي أبوس أيدك، هقولك علي اللي أنت عايزه" 

 

أشار الأخر إلي الحارس بأن لا ينفذ أمره، دنا من العم صابر الذي أخبره

"هقولك، بس بالله عليك بلاش تأذيها، دي غلبانة و بنت حلال" 

 

"أنت هاتوصيني علي مراتي، أنا حر أعمل اللي اعمله معاها، أنجز وقول يلا" 

 

و في مكان آخر، كانت تغفو وولدها يغفو أيضاً بين ذراعيها، يصل إلي أذنها صوت خرير مياه تنهمر بقوة تخرج من صنبور تالف، ضيقت ما بين حاجبيها وتنصت جيداً إلي مصدر الصوت، انسحبت من جوار ابنها بهدوء كي لا يستيقظ، و ما أن وضعت قدميها علي الأرض، غمرتهما المياه، شهقت وركضت إلي المطبخ لم تجد شيء، ذهبت إلي الحمام فوجدت المياه تتدفق من صنبور الحوض الذي امتلأ وفاضت منه المياه التي اغرقت الممر و الغرف و الردهة، بحثت سريعاً عن المحبس الرئيسي وقامت بغلقه فتوقفت المياه، قامت بشد غطاء مصرف المياه الصغير داخل الحمام فبدأت المياه تُصرف من خلاله. 

 

لملمت السجاد المبتل سريعاً و ألقت به علي سور الشرفة ثم عادت إلي الداخل، قامت بخلع العباءة القطنية المبتلة من حملها للسجاد وأصبحت بالقميص القطني القصير ذو الحمالات، ظلت  تزيح المياه بالممسحة وتجفف الأرض خلفها بقطعة قماش من القطن، قاربت علي الانتهاء و لم يتبق سوي الردهة، كانت تجثو علي ركبتيها وتجفف وتزيح خصلاتها الحرة إلي الوراء بظهر يدها، لم تشعر بمرور الوقت أو الانتباه إلي صاحب الحذاء الأسود، قد دخل بعد أن فتح باب الشقة بالمفتاح الذي أخذ نسخته من صاحب العقار. 

 

سار بخطى واثقة حتي توقف أمامها، انتفضت لدى رؤيتها للحذاء، رفعت رأسها فشهقت عندما رأته يقف أمامها

تعليقات



×