رواية غرام الذئاب الفصل الرابع4 بقلم ولاء رفعت


 

 رواية غرام الذئاب الفصل الرابع بقلم ولاء رفعت


#الفصل_الرابع
#غرام_الذئاب
#بقلم_ولاء_رفعت_علي

و خرت على الارض راياتي
وقطعت من آمالي الاعناق
سفني كلها ضاعت ..اغرقت
ضاع مينائي في الافاق
ملئت قصص الغدر هواجسي
و سودت افكاري للأعماق
وعانقت آهاتي حد الاحراق
قولي ما افعل في الاشواق
انتِ الداءِ و انتِ الترياق

«من أشعار سليم الخطابي» 

لقطات مزعجة تراوضه في أحلامه، ذلك اليوم الذي ظل يدفع ثمنه حتي فقدها للأبد، صرخاتها وهي تتوسل إليه ليبتعد عنها ويتوقف عن تمزيق ثيابها وهو يقوم بالاعتداء عليها
صرخاتها باسمه
«ياسين... ياسين... ياسين» 

استيقظ بفزع ويشهق كالعائد من الموت، ظل لثوان يدرك أين هو وما يحدث حوله، وجد سكون مريب، انتبه إلي جسده العاري ويغطيه الدثار إلي خصره، وقعت عينيه علي ثوب الزفاف الملقي فوق مقعد طاولة الزينة و ثيابه المبعثرة علي الأرض، جواره منشفة قطنية كبيرة، اتسعت عينيه عندما رأي بالقرب من طرفها بقعة دماء، داهمته ذاكرته بومضات من أحداث الأمس، باغته ألم الرأس و صفير في أذنيه، وضع كفيه علي مسامعه حتي توقف الصفير، دنا بجذعه من الأرض جوار السرير، ألتقط سرواله فارتداه أسفل الدثار ثم نهض اتجه نحو الحمام، دلف داخل كابينة الحمام الزجاجية وفتح صنبور المياه فتساقطت بغزارة علي رأسه وجسده، استند بكفيه علي الحائط الرخامي، ينكس رأسه محاولاً تذكر ما حدث أمس، عينيها تذرف الدموع وتوسلاتها له  برفضها إتمام زواجه منها و حالة الثمل التي كان عليها يصاحبها قوة مفرطة جعلته كالوحش الثائر عليها. 

هز رأسه برفض مرة أخرى كان وغداً و مغتصب حتي لو كانت الضحية في تلك المرة زوجته، فأخذ الحق عنوة من الطرف الأخر يصبح اغتصاباً و إذا كان مشروعاً، و شعور بذنب أكبر و هو خيانة الإنسانة التي عشقها بكل حواسه و لو كانت في حكم الأموات. 

انتهي من الاغتسال سريعاً، يجب أن يصلح ما أفسده قبل أن يعيد مرة أخرى المعاناة التي ظل يدفع ثمنها منذ سنوات مع زوجته الأولي. 

تبدل الوضع من الأمس، فبعد انتهائه منها حاولت النهوض برغم الألم الذي اجتاح جسدها، غارقة عينيها بدموع القهر، كانت تحلم بليلة العمر فأصبحت أسوء ليلة لن تنساها بتاً. 

اغتسلت وارتدت منامة قطنية فضفاضة ثم تناولت قرص من المهدأ الذي قلما لجأت له لتفر من التفكير المهلك للأعصاب و الألم النفسي، اليوم لجأت لتناوله فراراً من الألم الجسدي والنفسي معاً. 

و الآن قد استيقظت للتو وقامت بغسل وجهها وأخذت تتأمل وجهها الشاحب، لاحظت بقع الدماء المتجلطة المتفرقة علي شفتيها، عنقها لا يخلو من كدمات ناتجة عن قبلات عنيفة، رسغيها بهما آثار قبضتيه عندما قام بشل حركاتها أسفله. 

انتابتها حالة من البكاء يُرثي لها، وضعت كفها علي فمها حتي هدأت و خرجت، أبدلت المنامة بثوب ذو أكمام وأخذت تمشط خصلات شعرها المبعثرة، فُتح الباب فجأة و عندما ألتفت ورأته شهقت بذعر وتراجعت إلي الخلف، ألمه قلبه من رد فعلها الذى زاده شعور الازدراء من نفسه، اتجه نحوها ورفع كفيه
"ما تخافيش مش هعملك حاجة، أنا مكنتش في وعيي إمبارح و مش عارف حصل كده إزاي، أقسملك مكنتش في وعيي خالص"

نظرتها إليه مليئة بالغضب والازدراء 
"مهما كانت أعذارك عمري ما هنسالك اللي عملته فيىّ امبارح"

اغمض عينيه يعتصرها بندم
"أنا عارف الأسف مش كفاية، وماليش الحق أطلب أنك تسامحيني، بس قوليلي إيه اللي يرضيكي و أنا هاعمله؟!"   

"أنا كان نفسي إمبارح نبدأ أول ليلة في عمرنا زي أي أتنين متجوزين، كان اللي يرضيني هو أنك تفتح صفحة جديدة في حياتك معايا و تدي لقلبك فرصة يحب من جديد مع حد طول عمره بيحلم أنك تكون ليه" 

"و أنا محتاج لك تكوني جنبي و تساعديني عشان أبقي معاكي واحد تاني، ياسين اللي بيحب الحياة و البسمة ما بتفارقش وشه، مش مجرد واحد عايش بعقدة الذنب و علي الذكريات اللي بتاكل فيىّ و بتعذبني، أنا عارف ما ينفعش أقول اللي هاقوله قدامك، أنا عمري ما هنساها و لا هانسي حبي ليها، ياسمين بالنسبة لي كل الحياة و لما سابتني و حصلها اللي حصل خدت حياتي معاها و بقيت عايش حلاوة روح، تعبت من الحالة اللي مازالت عايش فيها، نفسي أفوق من غير ما أخسر نفسي و لا أخسر اللي حواليا، و لا أخسرك" 

تشعر بصدق حديثه وحالة الضعف التي بها و توسله لها لمساعدته أن يحيا من جديد، أصبحت في حيرة من أمرها، فما حدث بالأمس ولد لديها شعور بالنفور منه و هناك صوت آخر داخلها وهو صوت قلبها الأعمى، يخبرها أن تعطيه فرصة و تأخذ بيده ليبنيا معاً حياة جديدة خالية من المعاناة، و استقرار عاطفي ونفسي دون متاعب. 

اقتربت منه ووقفت أمامه، لاحظ كل آثار العنف التي تركها لها، مد يده وحاول أن يمسك يدها، يخشي رفضها أن يلمسها لكنه وجدها ترضخ للمسة يده و في عينيها نظرة الغفران 

"و أنا ممكن أغفرلك كل كلمة أو فعل جرحتني بيه بس توعدني أنك ما تتخلاش عني في يوم من الأيام و تدي لقلبك فرصة يحبني زي ما أنا بحبك، و كل واحد فينا يساعد التاني أننا نتجاوز أي محنة أو عقبة سواء من الماضي أو الحاضر عشان نقدر نعيش المستقبل في سلام"

لم يجد مفر من الوعد، لعله يكفر عن جزء بسيط من خطأه، ابتسم إليها وأومأ بالموافقة
"أوعدك"

اقترب بشفتيه فأغمضت عينيها، تظن أنه سيقبل خاصتها، لكنه يحاول إدراك ما هو مقبل عليه فاكتفي بقبلة علي جبهتها و ابتعد خطوة إلي الوراء
"أنا، أنا نازل رايح مشوار وراجع تاني، عندك كل حاجة في المطبخ، افطري براحتك و لو محتاجة أي حاجة كلمي البواب و هو هيجبهالك" 

زفرت بحنق ها هو قد عاد من جديد، الهروب وسيلته الدفاعية كلما اقترب منها. 

بينما هو غادر الشقة و توقف أمام الباب في الخارج، ينظر نحو باب الشقة المقابلة بحنين وشوق، لم يشعر بقدميه وهو يسير نحو الباب، يخرج مفتاح من جيب بنطاله، فتح الباب و دخل ثم أغلقه خلفه، أضاء كل المصابيح فانكشفت كل تفاصيل المنزل من أثاث و أركان في كل ركن و زاوية لهما ذكريات لن تنسي، ذهب إلي غرفة النوم وفتح الخزانة، أخذ ألبوم الصور و جلس علي الأرض، يتأمل كل صورة سواء لها أو لهما معاً و صور أخيرة تجمعهما مع ابنتهما. 

لمس بأطراف أنامله وجهها و ملامحها في الصورة، تجمعت دموع الحزن في عينيه فانسدلت رغماً عنه علي وجنتيه 
"سامحيني، سامحيني يا ياسمين، سامحيني يا حبيبتي، عمري ما هنساكي و لا هانسي حبنا، قلبي عمره ما هايعشق و لا هايحب غيرك أنتي و بس" 

أخرج صورتها وأسقط ثوبها من فوق المشجب و احتضن كليهما، اجهش في البكاء بنحيب و كأنه قد تلقي خبر وفاتها للتو، تمدد علي الأرض و مازال يحتضن الصورة و الثوب، ظل علي هذا الوضع دون أن يشعر بالوقت حتي غلبه النوم. 

❈-❈-❈ 

يتقلب و لم يفتح عينيه بعد، يمد ذراعه ليحتضنها فلم يجد سوي الفراغ و الفراش بارد الملمس، فتح عينيه بانزعاج ونهض بجذعه يبحث بعينيه عنها فوجدها تجلس أمام مرآة الزينة تطلي شفتيها بقلم الحمرة، انتهت للتو ورأته عبر المرآة
"مارضتش أصحيك و سيبتك نايم براحتك، هاتصل عليهم هخليهم يطلعولك الفطار عقبال ما احضرلك الإسبريسو" 

نهض بجذعه العاري، يرتدي بنطال قطني، اقترب منها ووقف خلفها، وضع كفيه أعلي منكبيها
"و أنتي لابسة و بتجهزي كدة رايحة علي فين؟" 

رفعت وجهها تنظر له عبر المرآة و تخبره
"رايحة علي الشركة، بقالي يومين مش متابعة الشغل عشان كنا مشغولين في تجهيزات فرح ياسين ورودي، فما ينفعش أغيب أكتر من كدة لأن عندنا أوردرات لازم تتسلم قبل آخر الأسبوع" 

داهمه شعور بالضيق كلما وجدها تهتم بعملها أكثر و انشغالها مؤخراً عنه، و أصبح يستغل كل فرصة لينفرد بها قبل أن تغرق في عملها كصاحبة دار أزياء محلية شهيرة. 

"مالك يا قصي، سرحت في إيه يا حبيبي؟" 

شبه ابتسامة علي شفتيه، يجيب عليها
"مفيش يا حبيبتي، أنا هاروح أخد لي shower يكون طلعوا الأكل و نفطر مع بعض"

نهضت و ألتفت إليه 
"معلش يا روحي، أنا للأسف مش هلحق أفطر، و كمان مليش نفس، أفطر أنت و أنا هابقي علي تواصل معاك و مع داده زينات هاطمن علي الأولاد"  

لم تنتظر تعقيبه علي حديثها سواء بالقبول أو الرفض، اعطته قبلة سريعة علي ذقنه و غادرت الجناح علي الفور. 

جز علي أسنانه غضباً، زفر بقوة و لم يستطع التحمل فركل مقعد الزينة من أمامه. 

❈-❈-❈ 

كان صباحاً غير معتاداً لخديجة التي استيقظت للتو علي رائحة الطعام، نظرت في شاشة الهاتف لتجد الساعة العاشرة صباحاً و إشعار رسالة تنبيه قد سجلتها من قبل فحواها كالآتي
«ماتنسيش ميعاد النيابة النهاردة» 

رنين وارد من المحامي التابع لعائلة فجر، نهضت و ذهبت لتتأكد أن زوجها لم يسمعها إذا أجابت علي الاتصال، قامت بفتح الباب فوجدته أمامها مما سبب لها الفزع، رددت بسم الله بصوت خافت، صاحت بحنق في وجهه
"مش تخبط علي الباب الأول و لا لازم تخضني علي الصبح؟!" 

"هو أنا لحقت أخبط، كنت لسه هارفع إيدي و هاخبط عشان أصحيكي لاقيتك فتحتي علي طول،  و بعدين هو أنا محتاج أستأذن أو أخبط علي مراتي؟!" 

رفعت أحد حاجبيها وأجابت لتجعله يستشيط من الغيظ
"اه محتاج تستأذن يا حضرة الباشمهندس و لا نسيت اتفاق و شروط قعادك هنا معايا؟!" 

جز علي شفته السفلي و يكور قبضته ثم ضربها في الباب الخشبي
"لاء مانستش يا خديجة، بس ياريت أنتي ما تنسيش طباع جوزك، و إن أنا مفيش بيني و بين الصبر عمار" 

ابتسمت بسخرية 
"و تيجي علي نفسك ليه و تتحمل، ما قولتلك نفضها سيرة من الأول و نتطلق" 

أخذ شهيقاً ثم أطلقه زفيراً عدة مرات ليهدأ
"شكلك بتنسي كتير يا ديجا يا حبيبتي، و زي ما بيقولوا في التكرار إفادة، مفيش طلاق يا بيبي" 

و ربت علي وجنتها، أبعدت يده عنها 
"بلاش تستفزني لأكلم المحامي و أخليه يبدأ في إجراءات الخلع" 

تحول هدوئه الزائف إلي النقيض مما جعلها تهرب من أمامه، صاح بصوت أخافها
"خلع مين يا أم خلع، ده أنا أحبسك مكانك و أمنع عنك التليفون و أي وسيلة تواصل و أخليكي تترجيني عشان نرجع علي القصر" 

رفعت سبابتها بتحذير
"لو سمحت ألتزم أدبك معايا في الكلام، إيه أسلوب سواقين التوكتوك اللي بتكلمني بيه ده؟!" 

ضحك بسخرية معقباً
"هو أنت لسه شوفتي حاجة؟!، البركة فيكي يا هانم، بعد ما كنا عايشين في القصر خلتيني كل يوم اصطبح بوش حموكشة و زرجينة و الخناقات اللي كل يوم بتحصل في قلب الحارة ووصلة الشتايم و الردح و لا كل ما أمشي خطوة ألاقي واحد من الشمامين اللي بيبيعوا مخدرات يوقفوني بيسألوني أن كنت عايز اشتري حشيش و لا هباب أزرق علي دماغهم" 

ضحكت رغماً عنها 
"اضحكي، اضحكي، يبقي أنا سايب شغلي و حالي و مالي و قاعد معاكي عشان ما ينفعش اسيبك لوحدك و كل شوية علي بوقك كلمة نتطلق، نتطلق" 

انتبهت إلي وميض شاشة الهاتف و تذكرها لموعد شهادتها في سراي النيابة، اقتربت منه و فاجأته بعناق قوي
"حبيبي يا دومي، أنا بحب أستفزك، أنا ما أقدرش استغني عنك يا جوزي يا حبيبي يا أبو ابني" 

كانت تدفعه إلي الخارج و تعجب من رد فعلها، وجد نفسه خارج الغرفة وابتعدت عنه لتصبح هي بالداخل
"عن أذنك بقي يا حبيبي عشان ألحق أغير هدومي لأن ورايا مشوار مهم و ما ينفعش أتأخر" 

أغلقت الباب في وجهه وأوصدت القفل
"مشوار إيه و النهاردة أجازة من الجامعة" 

أجابت وتعد ثيابها علي عجلة من أمرها
"هقابل واحدة صاحبتي كنت قايلة لها تصور لي المحاضرات عشان عندنا امتحانات ميدترم"

"مفيش نزول غير لما تفطري الأول"  

صاحت تخبره كذباً
"أنا صايمة، افطر أنت" 

" ده النهاردة السبت و لا هو اتنين و لا خميس و لا حتي رمضان و لا الستة البييض، أنتي غيرتي الملة و لا إيه يا شيخة ديجا؟!" 

"إحنا في التلات أيام القمرية يا باشمهندس والنهاردة أول يوم" 

زفر بحنق و أدرك أنها تتهرب منه فأراد أن يضيق عليها الخناق
"خلاص أنا كمان هغير هدومي و أجي أوصلك" 

كانت قد انتهت من تبديل ثيابها سريعاً، فتحت الباب و خرجت
"لاء، قصدي مفيش داعي أصلي طلبت أوبر، خليك أنت هنا أفطر و أنا هارجع علي طول و عشان نروح نزور ماما چيهان و uncle عابد" 

ضيق عينيه بعد أن لاحظ تفرك يديها معاً، و تلك الحركة تفعلها كلما تشعر بالتوتر و القلق
"فيه حاجة مخبياها عليا؟" 

ولت ظهرها إليه لتخفي نظرة القلق علي وجهها
"هاكون مخبية عنك إيه يا حبيبي، مفيش حاجة، ده أثر الصيام ما تاخدش بالك" 

"تمام يا خديجة، روحي و خلصي مشوارك بسرعة و ياريت ما تتأخريش" 

ألتفت لتنظر إليه بابتسامة حتي لا يشك في أمرها
"تسلم يا دومي يا حبيبي" 

ركضت من أمامه لترتدي حجابها تحت نظرات تعجبه واندهاشه، فتحدث مع ذاته
"يا تري مخبية إيه عليىّ يا خديجة؟!" 

بعد قليل... 
قد غادرت هي و هو جلس ليتناول الفطور، صدح رنين هاتفه فنهض قائلاً
"شكلها نسيت حاجة" 

وجد المتصل المحامي الخاص به الذي وكله لمتابعة قضية فجر و باسم حرصاً علي سلامة زوجته و حماية لها من شر و تهديد عائلة باسم إذا قامت بأدلاء شهادتها 

أجاب في الحال
"فيه جديد في القضية؟" 

أخبره المحامي 
"مش عارف أقول لحضرتك إيه، التحقيق اتفتح و النيابة طلبت شهادة مدام خديجة، و لسه جايلي خبر أن محامي أهل فجر مستنيها قدام سراي النيابة عشان تحكي عن اللي شافته بحكم إنها شاهد عيان علي محاولة القتل" 
اتسعت عينيه فها هو اتضحت له كل الأمور التي اخفته عنه

"تسلم يا متر معلش مضطر أقفل معاك و ألحقها بسرعة قبل ما توصل" 

أنهي المكالمة و قبل أن يتحرك لتبديل ثيابه فوجد كل ثانية تأخير خطر علي زوجته، تناول مفتاح سيارته و هاتفه
"بتكذبي عليىّ يا خديجة و رايحة تنفذي برضو اللي حذرتك منه، صبرك عليا لما أشوفك" 

❈-❈-❈ 

"إينما أنا عاملة لكم صينية بسبوسة بالقشطة، من اللي كنتي بتخليني أصحالك نص الليل عشان أعملهالك" 
وضعت الجدة طبق حلوي البسبوسة أمام دنيا الشاردة و يبدو علي وجهها علامات الإرهاق و التعب

لم تتحمل الأخرى رؤية أو شم رائحة الحلوى وتفوح منها رائحة السمن و القطر، أبعدت الطبق من أمامها
"بالله عليكي يا تيتا، ابعدي الطبق ده عن وشي، مش طايقه ريحته" 

فطنت جدتها الأمر في الحال، هللت بسعادة
"يا ألف نهار أبيض، عملتيها رابع؟!، يا ماشاء الله، ألف مبروك و ربنا يزيد و يبارك" 

كان علي وجهها ملامح الحزن وردها المقتضب علي تهنئة الجدة التي شعرت بالقلق لصمت و حزن حفيدتها
"بت يا دنيا، مالك مش فرحانة ليه؟، هو جوزك مزعلك و لا يكون نكد عليكي لما عرف أنك حامل؟" 

"أنا اللي مش عايزة الحمل ده" 

ضربت الجدة بكفها علي صدرها
"يا نهارك اللي مش فايت، بت يا دنيا، أنتي اتجننتي؟!، ربنا بعتلك رزق و نعمة و أنتي تقولي مش عايزاها؟!" 

"لأن لا ده و قته و أنا نفسياً مابقاش عندي طاقة أتحمل حمل وولادة، أنا لسه ما فوقتش من يزيد" 

لكزتها الجدة في كتفها و قامت بتوبيخها
"معلشي يا قلب ستك أتحملي و تعالي علي نفسك التسع شهور و قومي بالسلامة و أنا اللي هربيه و أخد بالي منه زي ما ربيتلك أخواته" 

نهضت من جوارها ووقفت تخبرها بإصرار
"لو سمحت يا تيتا، دي حياتي و أنا حرة" 

أمسكت الجدة العصا المعدنية التي تتكأ عليها و نهضت
"قولتيلي بقي يا عين ستك دي حياتك و أنتي حرة فيها، الكلام ده لمين يا بت" 

و قامت بضربها علي أسفل ظهرها بالعصا،  صاحت الأخرى
"اه يا تيتا، العصاية بتوجع،  حرام عليكي" 

كفت الجدة عن ضربها
"و هاكسرلك بيها دماغك الناشفة دي لو ما أتعدلتيش يا بنت ابني، قال مش عايزة الحمل قال، ده جوزك لو سمعك هينفخك" 

كانت تضع يدها علي أثر الضربة و تخبر جدتها بتردد
"ما أنا قولتله مش عايزاه" 

شهقت الجدة وجحظت عينيها
"يخربيت عقلك، و عمل إيه لما قولتي له؟" 

"ماردش عليا و ما بيكلمنيش ورجع يتجاهلني تاني" 

"طبعاً عنده حق، و محدش يقدر يغلطه المرة دي، ما أنا معرفتش أربيكي" 

"يا تيتا افهميني، أنا الضغط النفسي اللي مريت بيه طول السنين اللي فاتت عمل تراكمات جوايا، ما بقاش عندي قدرة لإحتمال أي شىء، محتاجة فترة راحة نفسية و خايفة أظلم اللي في بطني" 

"بصي يا بنت ابني، لو كنتي فاكراني أكمني جاهلة و مش ههفهم من كل اللي قولتيه ده حاجة تبقي غلطانة، أنا الزمن علمني اللي دكتور الجامعة نفسه ما اتعلمهوش، نفسيتك التعبانة دي دواها تقربي من ربنا و تقربي من جوزك اللي عمال يعملك البدع عشان ترضي عنه وتسامحيه علي اللي فات، لكن دماغك اللي زي حجر الصوان دي مخلياكي تقلانه علي الراجل و مزعلاه، ربنا غضبان عليكي عشان كدة هاتفضلي في عدم راحة و مش هطيقي اي حاجة و أولهم نفسك" 

عقبت بدفاع و قلب ملتاع
"ربنا يعلم يا تيتا أنا مش مقصرة في أي حق من حقوقه، و بعامله بما يرضي الله" 

"أيوه بتعامليه بما يرضي الله بس من غير نفس يا قلب تيتا، و دي ما تبقاش عيشة" 

"و قلبي مش زرار يا تيتا عشان أدوس عليه يقوم ناسي في يوم و ليلة اللي عمله معايا طول السنين اللي فاتت، أنا قولتله أن سامحته و فتحنا صفحة جديدة مع بعض، لكن لسه جوايا غصة في قلبي مش عايزة تروح، كل ما افتكر اللي فات أتقهر" 

اقتربت منها جدتها وربتت علي كتفها بحنان
"بعد الشر عليكي يا ضنايا من القهرة، ربنا يريح قلبك و يهدي سرك، حاسة بيكي و عارفة ما أنتي طالعة لي ما بتنسيش بسرعة، بس أوقات مضطرين نتعايش مع الوضع المفروض علينا لحد ما النفسية تهدي، و ده مش عشان إحنا، ده عشان الولاد و البيت اللي بنحافظ عليه، و الحمدلله ربنا هدالك العاصي و خلاه نفسه يجيبلك حتة من السما و يحطها ما بين إيديكي و يشوف في عينيكي نظرة الرضا" 

انتابها البكاء فشهقت و أخذت تبكي بين ذراعي جدتها
"تعبت يا تيتا، تعبت أوي" 

"عيطي يا حبيبتي عيطي، دي هرمونات الحمل قالبة معاكي بنكد، شكلك حامل في بت، الله يرحمها أمك فضلت شهور الوحم و هي حامل فيكي تعيط و تنكد علي أبوكي لحد ما هو كمان بقي يعيط و أنا لما شوفتهم كده قعدت جمبهم أعيط، الله يرحمهم ماتوا وارتاحوا و سابولي بومة عمالة تنوح" 

ضحكت رغماً عنها من بين دموعها
"أنا بومة يا تيتا؟!، الله يسامحك" 

"أيوه بومة، هخاف منك يعني و لا إيه، و قومي يلا اغسلي وشك و حطي لك شوية أحمر وأخضر داري بيهم وشك اللي بقي شبه الكركم ده، و روحي لجوزك صالحيه و فهميه أنك ما تقصديش حاجة" 

"هو أنا زعلته عشان أصالحه؟" 

"اه زعلتيه و هتصالحيه، و لا معملتيش كده يبقي ما اشوفش وشك هنا تاني و انسي إن ليكي تيتا" 

"حاضر يا تيتا، هاسمع كلامك، و عشان أنفذه  بضمير مضطرة أسيبلك الولاد، عن إذنك بقي يا دوب أروح أجهز حالي و شقتي" 

قامت بتقبيل يد جدتها و ذهبت، ابتسمت الأخرى
"ربنا يهديلك الحال يا دنيا و يهدي سرك أنت و جوزك قادر يا كريم" 

❈-❈-❈ 

تشاهد فيديو بعنوان كيف تصبغين شعرك في المنزل، تتبع الخطوات وتقوم بتطبيقها، ضغطت علي علامة إيقاف التشغيل، نظرت إلي المرآة لتكمل وضع بقية الصبغة علي خصلات شعرها الكثيف. 

دخلت ابنتها إليها تسألها
"ماما، مش لاقيه الفستان الأحمر بتاعي في الدولاب و أنا المفروض عندي درس بعد ساعة" 

كانت منشغلة بوضع الصبغة و تردد التعليمات بصوت خافت
"كدة حطيت صبغة التفتيح، يبقي ناقص كدة صبغة اللون اللي أنا عايزاه" 

"يا ماما، ردي عليا" 
سألتها ابنتها بصياح، ألتفت الأخرى و صرخت في وجهها
"سمعتك خلاص، ماما،  ماما، ماما، إيه بغبغان! " 
رمقتها ابنتها بامتعاض و كادت تذهب، اوقفتها 
"تعالي هنا، فستانك متعلق في الدولاب" 

"دورت عليه مش موجود في الدولاب و لامتعلق" 

"و لو جيت يا ريتاچ و طلعته لك بنفسي هخليكي تغسلي كل يوم المواعين؟" 

تراجعت علي الفور تعلم أن والدتها لا تمزح و تعاقبها بأعمال البيت رغم صغر سنها 
"خلاص يا ماما، هاروح أدور تاني عليه كويس، شكلي ما أخدتش بالي" 

ذهبت ابنتها و جاء ابنها يسألها
"ماما ممكن ألعب بموبايلك شوية؟" 

"لاء يا سالم، عشان بعد كدة تسمع الكلام و تخلص الواجب أول بأول و الميس بتقعد تشتكي لي منك، لما تتعدل و ألاقيك شاطر هخلي بابا يشتريلك موبايل" 

"طيب هتخلي بابا يشتريه لي امتي؟" 

"لما تبقي شاطر" 

"اعتبريني بقيت شاطر و قوليلي امتي؟" 

صاحت في وجهه
"ولاه، امشي من وشي ألاقيها منك أنت و لا أختك و لا من أبوكم، خلوني أخلص العك اللي بعمله ده، يكش نعجب أبوك في الأخر و يبطل بص علي المزغودة اللي ساكنة جنبنا" 

حدق ابنها إلي شعرها فانطلق في الضحك 
"بتضحك علي إيه يا أهبل؟" 

وضع سالم كفه علي فمه و بيده الأخرى أشار لها نحو شعرها، ألتفت نحو المرآة، صرخت 
"يالهوي، شكلي تقلت في بودرة الأكسجين، ده أنا بقيت شبه العجوز الشمطاء، لهتوني و نستوني أغسل شعري يا ولاد الـ.... " 

ركضت إلي الحمام و دنت برأسها أسفل صنبور مياه الحوض، كلما تدلك خصلاتها لتزيل الصبغة تجد شعرها يتساقط بغزارة، رفعت رأسها فوجدت الحوض امتلأ بشعرها نظرت سريعاً إلي المرآة فأطلقت صرخة جعلت ابنها و ابنتها يهرعا إليها ليرى كليهما ماذا حدث لوالدتهما و كانت الصدمة! 

وصل طه بعد قليل من الخارج منادياً 
"سالم، يا ريتاچ، شوشو" 

ركضت ريتاچ نحوه و قامت بعناقه و كذلك صغيره سالم
"حمدالله علي السلامة يا بابا" 

"حبايب بابا، أومال فين ماما؟" 

نظر الصغيرين إلي بعضهما فابتسما ثم ألتفت كليهما إلي والدهما، فأخبره ابنه
"بص يا بابا هنقولك علي حاجة بس أوعي تقول لماما إن إحنا اللي قولنالك، اتفقنا؟" 

أُثير فضوله فأومأ إليه
"ربنا يستر، يارب ما تكنش عملت مصيبة، و لا تكون قتلت روميساء و حطتها في أكياس!، دي قادرة و تعملها" 

انتهي من همهمته مع نفسه فسأل ابنه: 
"قول يا سولي" 

مال الصغير إلي أذن والده و أخذ يروى له ما حدث مع والدته، كبت الأخر ضحكته حتي لا تسمعه زوجته التي مكثت في غرفة النوم تلف وشاحاً علي رأسها وتعقصه إلي أعلي، تبكي علي شعرها الذي احترق و تساقط بسبب سوء الاستخدام، سمعت صوت باب الغرفة يُفتح و دخل زوجها، كان يكبت ضحكته عنوة حتي لا تظن أنه يسخر منها. 

"شوشو، نايمة و لا صاحية يا حبيبتي؟" 

نهضت بجذعها وانفجرت في البكاء
"شعري باظ يا طه، كنت عايزه أصبغه و أعمل مفاجأة عشانك" 

قام بمعانقتها فبالرغم من المشاكل التي لا تنتهي بينهما بين شد و جذب لكن هناك حب ووصال، لن يتحمل دموعها حقاً، أخذ يربت عليها
"حبيبتي اهدي مفيش حاجة تستاهل أنك تعيطي و تعملي في نفسك كدة" 

رفعت رأسها عن صدره وأخبرته من بين عبراتها
"أنا بعيط علي شعري اللي باظ، ده كان أحلي حاجه فيا شعري، كان الكل بيحسدوني علي تقله و نعومته، و أنا بغبائي روحت دمرته"

"يا شيماء مش أنا قولتلك يا حبيبتي روحي لأكبر بيوتي سنتر و ملكيش دعوة بأي فلوس، إحنا الحمدلله ربنا كرمنا من وسع و عاملك فيزا سايبلك فيها مبلغ محترم عشان تشتري و تعملي اللي أنتي عايزاه؟" 

أومأت إليه وأخذت محرمة ورقية من العلبة فوق الكمود وقامت بتجفيف سيل أنفها بصوت مقزز، رمقها بامتعاض 
"لا مؤاخذة يا أخويا" 

"أخوكي؟!، و لا يهمك يا حبيبتي" 

"أنا فعلاً روحت سألت في بيوتي سنتر كانت قايله لي عليه كارين دخلت أسأل عن صبغة الشعر بكام، لاقيت بت شبه السحلية قعدت ترتطم بالإنجليزي و مفهمتش منها حاجة و في الأخر إديتلي زي كتالوج صغير شبه منيو المطعم، قعدت خليت البت ريتاج تترجم لي لاقيت أرقام عجيبة و غاليين أوي، دي البت توحة اللي في الحارة بتعمل صبغة و بروتين و بطلع الواحدة عروسة و هما 500 جنيه اللي بتاخدهم" 

اغمض عينيه و ظل يردد كلمات لم تتمكن من سماعها، زفر بنفاذ صبر 
"أنا و لا هتخانق معاكي و لا هلومك و لا هعاتبك، كفاية اللي حصل لشعرك ده أكبر عقاب ليكي، و أبقي خلي توحة تعالج لك شعرك بالجاز اللي بتحطه ليكم و تفهمكم إنه بروتين، و أنا مني لله لو قولتلك تعملي حاجة تاني" 

نهض من أمامها فأجهشت في البكاء مجدداً
"شمتان فيىّ ليه ده أنا قولت أوفرلك " 

"اسكتي يا شيماء لأنك كل ما تتكلمي بتعكيها أكتر و بتخليني أقعد أدعي علي نفسي" 

نهضت واقتربت منه
"بعد الشر عليك يا حبيبي، ده أنا ماليش غيرك، أنا خلاص مش هاتصرف من دماغي تاني، وهاعمل اللي هاتقولي عليه" 

رفع أحد حاجبيه وسألها 
"و لو حصل عكس كدة، اعمل معاكي إيه؟" 

ابتسمت بدهاء أنثى بلهاء
"أنت قلبك طيب و بتحبني و بالتأكيد مش ههون عليك تزعلني" 

"ماشي يا شيماء" 

احتضنت عنقه بين يديها، تسأله بدلال
"ماشي يا شيماء كدة حاف؟" 

تظاهر بعدم الفهم
"حاف إزاي يعني؟" 

"و أنا اللي بقول عليك بتفهم من النظرة، أخص عليك" 

عقب وهو يتأمل ربطة الوشاح العجيبة
"لاء فاهم، بس ربطة الإيشارب العجيبة دي مخلياني شايفك شخصية ظريفة اللي كانت في المسلسل اللي بيجي زمان" 

شهقت بصدمة ولكزته في صدره
"نهارك مطين، أنا ظريفة؟!، لاء كدة أقلبلك علي الوش التاني" 

رفع كفيه 
"بس لا تاني و لا تالت، أنا أصلاً كنت جاي أخد حاجة و نازل" 

"استني هنا، رايح فين؟" 

"و من امتي و أنتي بتسأليني رايح فين" 
ظن أن سبب سؤالها بدافع الغيرة، فأجابت لتقلب كل توقعاته رأساً علي عقب 
"خد شنطة الزبالة معاك و أنت نازل" 

جز علي أسنانه بحنق شديد و تركها، أخذ يردد في طريقه
"يارب، صبرني علي ما ابتلتني بيها يارب" 
و أغلق الباب خلفه بعنف

"بقي أنا بلوه يا طه، ماشي لما ترجع، حسابك معايا لما تيجي" 

❈-❈-❈ 

أصوات تنبيه السيارات يصدح هنا و هناك، و أصوات صاخبة ما بين السائقين و أصوات أغاني و موسيقي، و من بين كل هؤلاء، تجلس في حالة قلق، تنظر كل فينة و الأخرى إلي الساعة، تخشي التأخير، تتجاهل اتصال زوجها المتكرر، لا تريد الكذب أكثر من ذلك عليه، ستؤدي واجبها و تعود سريعاً، لا تدرك أنها بما ستفعله تلقي بنفسها في عش الدبابير. 

و علي مقربة مسافة أمتار قليلة، تقف سيارة زوجها في وسط هذا الزحام الخانق، يكاد يجن جنونه
"ردي عليا يا خديجة، يا غبية هتودي نفسك في داهية" 

لا رد منها، ألقي هاتفه علي المقعد المجاور بغضب، انتبه إلي سيارة سوداء لا تحمل لوحة أرقام داخلها رجال غريبون الهيئة، الإجرام والشر سيماهم علي وجوههم، ازداد خوفه أكثر و أكثر علي زوجته
"لازم ألحقها" 

تحركت السيارات و بدأ يقل الازدحام شيئاً فشيئاً، لم يجد مفراً سوي أن يكسر الإشارة و يعبر سريعاً ليلحق بسيارة الأجرة حتي وصل إليها و سار بمحاذاتها، أخذ يضغط علي الزمور، فانتبه السائق و هي أيضاً، انتفضت حين تلاقت عينيها بعينيه، صاح في السائق
"اقف علي جمب و نزلها بسرعة" 

صاحت خديجة بأمر
"ما تسمعش كلامه و كمل طريقك، مفيش وقت" 

سألها السائق
"هو قريبك يا مدام؟" 

نظرت إلي زوجها ويصيح بغضب مشيراً إليها بيده
"قوليله يوقف و ينزلك بسرعة يا غبية" 

استشاطت من الغيظ لأنه نعتها بالحمقاء 
"و عشان طول لسانك ده مش نازلة، سيبك منه يا سطي ده لا قريبي و لا أعرفه" 

تعمدت قول ذلك بصوت مرتفع فكان آدم في حالة غضب عارم، ود لو قفز من سيارته ليقبض علي نحرها

"يا مدام الراجل ده عمال يقفل علييّ في الطريق و العربية دي أكل عيش و عليها أقساط لو حصلها حاجة و لا أنتي و لا هو هاتنفعوني" 

توقف فجأة بجوار الرصيف فأردف
"اتفضلي أنزلي يا مدام" 

"أنزل إيه مفيش وقت" 

"و أنا مش عايز مشاكل، لو عندك مشاكل مع البيه حلوها بعيد عني" 

"بقي كدة طب و.... 
لم تكمل وعيدها حيث وجدت باب السيارة يُفتح، و يجذبها آدم من ذراعها
"أنزلي يلا و تعالي معايا، و لو سمعت صوتك هوريكي وشي التاني هخليكي تكرهي حياتك"

جزت علي أسنانها بحنق، رضخت لأمره و نزلت من السيارة فانطلق السائق، فتح زوجها باب سيارته
"يلا أطلعي اركبي بسرعة" 

وقفت بتحدي ورفض
"مش طالعة و لا رايحة معاك، و روح قول للي قالك أنا رايحة فين، أنا ما بخافش و هاشهد بالحق و هاجيب حق فجر" 

"مش هاتروحي يا خديجة، و كلامي هو اللي هايمشي، و إن كنتي مش خايفة علي نفسك أنا هاتصرف" 

"ما تزعقليش، و أوامرك دي علي نفسك مش عليا" 

و إذا بصوت طلقات نارية عشوائية أطلقت صوبهما، هبطت و اختبأت بين ذراعيه صارخة باسمه، و كان يحاوطها بجسده، و في لحظات فرت السيارة 

نظر إليها آدم بقلق و خوف، يلتقط أنفاسه من هول الموقف
"أنتي كويسة؟" 

أومأت خديجة و الدموع في عينيها، سألته بقلق 
"و أنت؟" 

شعرت بسائل دافئ علي ذراعه المتشبثة به، رفعت كفها لتجد دمائه المتدفقة حيث أُصيب برصاصة في عضده. 

❈-❈-❈ 

هبط علي الدرج حتي وصل إلي بهو الفناء، وجد جارته تقف جانباً وجوارها حقائب عديدة، تمسك بالهاتف تجري اتصالا، تزفر بضيق
"راح فين ده بس دلوقتي" 

اقترب طه نحوها مبتسماً
"أي خدمة؟" 

"لاء، شكراً يا أستاذ طه" 

انتبه إلي لقب أستاذ، و حديثها يخلو من ابتسامة نقيض ما كانت تتحدث معه قبل ذلك، تدخل بذكاء لمعرفة سبب معاملتها الجافة
"لو بتتصلي علي البواب، مش هتلاقيه لأنه مسافر و راجع بالليل، لو عايزاه عشان الشنط أنا هشيلهالك وأطلعهالك لحد شقتك" 

ألقت هاتفها داخل حقيبتها
"بلاش أحسن ما أسبب لحضرتك مشاكل مع مدام شيماء" 

"مفيش مشاكل خالص، لو قصدك لما كنا في المستشفى ده كان سوء تفاهم و المدام ماكنتش تقصد تضايقك" 

"تمام، حصل خير" 
و دنت من الحقائب لتحملها بيدها و الأخرى مازالت في الجص الطبي، سبقها و حملها عنها
"عنك، مش هاتقدري تشيلي كل ده بإيد واحدة" 

ابتسمت وسلبت ابتسامتها عقله، ابتلع ريقه وتقدمها
"أنا هاسبقك" 

"استني، هانطلع مع بعض" 

ذهب كليهما ودخلا إلي المصعد، ضغط علي رقم الطابق، تحرك المصعد لأعلي طابق واحد ثم توقف فجأة وقُطع التيار، صرخت 
"إيه ده، هم رجعوا يقطعوا الكهربا تاني؟!" 

أخرج هاتفه وقام بتشغيل ضوء الفلاش، نظر إلي الساعة 
"اه كانوا نبهوا امبارح الكهربا هاترجع تقطع ساعة كل يوم" 

"ساعة!!، ساعة هانفضل محبوسين في الأسانسير و النور قاطع، أنا عندي فوبيا من الضلمة و الأماكن الضيقة" 

ابتسم الأخر بمكر 
"أنتي تخافي و تتخنقي لو كنتي لوحدك، لكن بالتأكيد الموضوع هيبقي أهون و أنا معاكي، و لا أنتي شايفه إيه؟" 

"عندك حق، بس الجو حر أوي" 

باغتها باقتراح فج وسافر
"اقلعي" 

اتسعت عينيها و كادت تعقب قاطعها بعد أن حمحم فأصلح حديثه سريعاً 
"قصدي ممكن تقلعي البليزر اللي أنتي لابساه لأنه هو اللي مخليكي حرانة" 

"تصدق فعلاً، أنا كنت لبساه عشان كان عندي      meeting  مع شركة إعلانات عقارات، كانوا عايزين موديل" 
خلعت السترة من ذراع وليتها ما قامت بخلعها، ترتدي أسفله كنزة بحمالات رفيعة وضيقة للغاية تحدد و تظهر تفاصيل جذعها وتفاصيل أخرى جعلته يبتلع ريقه ويشعر بارتفاع في حرارة الطقس! 

"معلش ممكن تساعدني، مش أعرف أخلع الكوم التاني" 
انتبه إلي طلبها فأومأ إليها، و كانت المساعدة جعلته علي مقربة شديدة منها، لم يتحمل هذا القرب المهلك له، انتفض بعيداً وحاول أن لا ينظر إليها. 
"مالك يا طـ... 
قاطعها عودة التيار سريعاً، ضغط علي زر الصعود للطابق الذي يقطن كليهما به، حمل الحقائب وتوقف أمام باب الشقة دون أن يتكلم أو يلتفت إليها. 

"معلش عطلتك معايا، thank you "

"أبداً و لا تعب و لا حاجة، عن إذنك" 

ذهب إلي المصعد لينزل فانتبه إلي سوار ذهبي رفيع، يبدو قد وقع من رسغها دون أن تنتبه، أخذه وعاد إليها، وجد الباب غير مغلق وصوت لرجل يتطاول عليها بحديث فظ و لا أخلاقي
"ما أنتي عايشة علي كيفك و دايرة علي حل شعرك و لا كأن ليكي أهل" 

"لأخر مرة بقولك أطلع برة و مش عايزة أشوف وشك تاني، إحمد ربنا ما بلغتش فيك لما ضربتني و كسرتلي دراعي، و ده مش عشان خاطرك ده عشان خاطر ماما" 

"مش طالع غير لما تديني الفلوس اللي قولتلك عليها لإما أكسرلك دراعك التاني" 

"يا أخي حرام عليك، بتستقوي عليىّ و عايز مني فلوس كل ده عشان الهباب اللي بتشربه؟!" 

"الهباب ده اللي حايشني عنك، كان زماني دفنك و اغسل عارك، بدل ما أنتي مجرسانا في كل حتة و عملالنا فيها بلوجر و بتتصوري مع الرجالة" 

"اخرس يا سافل" 
صياحها تزامن مع صفعة هبطت بها علي وجهه، زمجر الأخر كالوحش 
"بتمدي إيدك عليىّ يا بنت الـ.... " 

أطلقت صرخة مدوية، ركض طه سريعاً ليجد الرجل الغريب يعتدي عليها بالضرب والسباب

"ماتمدش إيدك عليها يا حيوان" 
لكمه بقوة في وجهه، نظر الأخر له بشرٍ
"و أنت مين أنت كمان يا..... " 
و نهض فلكمه في عينه، صرخت روميساء واقتربت من طه
"طه معلش حقك عليىّ أنا، ملكش دعوة بيه، ده حاتم أخويا" 

حدقه طه بازدراء فسألها شقيقها بسخرية لاذعة
"و مين سي طه؟، زبون من زباينك إياهم؟" 

"زباين إيه الله يخربيتك، ده جارنا وراجل محترم، أقسم بالله لو ما ممشيتش من هنا يا حاتم لهتصل بالبوليس وأقولهم أنك جاي تتهجم عليىّ و هخلي الجيران يشهدوا عليك"

يخشى تهديدها لكنه تظاهر عكس ذلك، جز علي شفته السفلى بحقد فأخبرها بوعيد
"أنا ماشي، بس يكون في علمك مش هاتقدري تخلصي مني و هاتلاقيني طلعلك زي القدر المستعجل و أنتي وحظك بقي، سلام يا بلوجر" 

لوح بيده ساخراً و ذهب، ركضت تغلق الباب خلفه ثم عادت إلي طه الذي يتحسس أثر الضربة علي عينه وعظمة وجنته
"آسفة مرة تانية يا طه، مكنتش حابة تشوف البني آدم ده و لا يحصل اللي حصل" 

"هو بيعمل معاكي كده ليه؟" 

أجابت بخجل وحرج
"أصله، أصله مدمن، و كل ما أروح في مكان يعرفه و يجي عشان ياخد مني فلوس، يا إما يضربني، و عشان أخلص منه و أذيته بضطر أرميله قرشين" 

"ما تودوه مصحة أحسن، كده خطر عليكي و علي اللي حواليه" 

"وديناه و هرب منها، هو خلاص ضيع نفسه وضيعنا معاه" 

"بس أنتي غلطانة لما تنازلتي عن حقك لما كسرلك دراعك" 

"مكنش ينفع أحبسه، عشان خاطر ماما، أنا حبسته قبل كده وهي تعبت واتحجزت في المستشفى، كانت هاتضيع مني" 

"ربنا يهديه" 

"يارب، يوه شوفت خدنا الكلام و نسيت أجيبلك تلج تحطه علي خدك، ثواني" 

ذهبت لتجلب قطعة ثلج وضعتها داخل قطعة قماش خفيفة، عادت إليه واقترب منه للغاية
"معلش هي هتلسعك في الأول، استحملها" 

كان لا يشعر بألم اللكمة أو برودة الثلج قدر ما يشعره من نيران مشتعلة في قربها، تزيح خصلاتها عن وجهها وترجعها خلف ظهرها، فتعطي له مساحة من رؤية ما كانت تغطيه الخصلات. 

أمسك يدها فجأة
"كفاية" 

"عشان حوالين عينك ما يورمش، مش كفاية إنه حصلك بسببي، بجد يا طه أنا عمري ما قابلت حد في جدعنتك و لا شهمتك، بجد يا بختها بيك مراتك" 

"مفيش داعي للشكر، ده واجب عليىّ" 

تركت قطعة الثلج علي منضدة مجاورة لها ثم وضعت يدها علي وجنته تسأله
"و يا ترى الواجب ده بتعمله مع كل الناس و لا مع اللي بتحبهم؟" 

ابتلع ريقه وأنزل يدها برفق
"مع أي حد في محنة أو محتاج مساعدة" 

"بس اللي شايفاه في عينيك ما يقولش إن أنا أي حد، قصدي يعني إن ليا معزة أو مكانة خاصة" 

"و أنا شايف إن لازم أمشي، عن إذنك" 

اعترضت طريقه وأمسكت يده
"ليه بتهرب؟، أنا و أنت فاهمين بعض كويس، من أول يوم شوفتني فيه و بالك مشغول بيا، و أنا كمان حسيت بنفس الشعور" 

"روميساء أنتي فاهمة غلـ... 
وضعت أطراف أناملها علي شفتيه
"بلاش تنكر مشاعرك، اهتمامك بيا و متابع كل أخباري علي السوشيال ميديا، سواء نزلت صور أو ريلز، كل ده معناه حاجة واحدة بس" 

لا يعلم بماذا يجيب أو يعقب، كان لا يتوقع تلك المواجهة وتصريحاتها الصادمة، هو لم يعرف الحب سوي مع زوجته، لكنه كمعظم ابناء آدم يقودهم الهوى إلي كل أنثى مختلفة وجذابة ومثيرة للاهتمام. 

"أنا مش هانكر، بس اللي حسه مجرد إعجاب، زي الفانز بتوعك علي حسابك، شايفين واحدة جميلة، فيها مواصفات فتاة أحلامهم" 

"أيوه معجب، بس إعجابك بيا غيرهم، إعجاب من نوع تاني، و كل ما بتقرب مني حاجة جواك بتبعدك، لأنك بتحب الأصول وبتخاف تغضب ربنا، نقدر نقول عايز اللي نفسك فيه بس بالحلال" 

احاطت وجهه بين كفيها واستطردت أمام شفتيه
"و أنا نفسي أعيش مع اللي بحبه في الحلال، من الأخر يا طه أنا موافقة أكون الزوجة التانية و أي شروط هتقولها أنا موافقة عليها من قبل ما أعرفها، أنا بحبك" 
وكادت تقبله فاوقفها رنين هاتفه الذي كان نجدة له قبل أن يقع في المحظور، وجد المتصل شقيقته فاجاب
"ألو يا خديجة" 
.......... 
"إيه!!، أنا جايلك حالاً، سلام" 

"فيه حاجة يا طه و مين خديجة دي؟" 

نظر لثوان إليها ثم أخبرها ويهم بالذهاب
"دي أختي اللي كنا معاها في المستشفي، جوزها حد ضرب عليه رصاص، جاتله طلقة في دراعه، عن إذنك مضطر أمشي" 

ذهب سريعاً فخرجت هي إلي الشرفة ولم تنتبه إلي شيماء التي كانت تقف وتراقب المارة في الشارع، وجدت زوجها يخرج للتو من البناء
"هو كان نازل من بدري، أومال كان فين كل ده؟!، هادخل أجيب موبايلي و أتصل عليه، يا ويلك يا طه لو كنت بتلعب بديلك من ورايا و.... 
قبل أن تدخل رأت روميساء تقف بدلال و علي محياها ابتسامة كيدية وعادت إلي داخل منزلها، تاركة خيال شيماء قد بلغ العنان، فلم تملك تفسيراً سوي أن زوجها كان مع تلك الجارة الحية. 
"هي وصلت لكده يا طه!، مابقاش شيماء بنت سهير و بنت الحاج فتحي الله يرحمهم غير إما وريتك النجوم في عز الضهر"

يتبع......
تعليقات



×