رواية معشوقة الليث الـفـصـل الثالث عشر بقلم روان ياسين
كـان يجلس بـ غرفته يتطلع لصورتها بأعين حزينة ، حوريته الغالية التي فقدها للأبد..
أغمض عينيه بألم و هو يرجع رأسه للخلف مستنداً علي المقعد ، تنهد بحزن قائلاً :
- أنا ضايع من غيرك يا حورية ، لية روحتي بعيد و سيبتيني ؟ !
سقطت دمعة خائنة من عينه ليمسحها سريعاً ، قطب جبينه بذهول عندما وجد صوت جلبة في الخارج و أصوات موسيقي صاخبة ، نهض من علي مقعده ثم خطي تجاه الباب ، فتحه بقوة ليجد تلك الأصوات صادرة من غرفة أخيه الأصغر ، فتح باب غرفة عمار بهدوء ليفتح عيناه بصدمة عندما وجد عمار يرتدي ملابس غربية و يمسك بـ جيتار يعزف عليه بمهارة و أمامه رُسل ترتدي فستان أبيض بخطوط سوداء يصل لركبتيها يفصل جسدها الضئيل بدقة و له ذيل مليئ بالتموجات
و ترتب شعرها علي كتفها بتسريحة بسيطة ، فـ كان الذي يراها يجزم أنها راقصة فلامنجو !
كانت ترقص ببراعه رقصه الفلامنجو بيديها شئ يشبه الصاجات لكنه خاص بتلك الرقصه ، وارب الباب قليلاً و أخذ يشاهدهما بإعجاب واضح ، فـ مقوله " مـا جمع إلا ما وفق " تنطبق عليها ، فهما تقريباً يمتلكون نفس شعره الجنون !
ما أن أنتهوا حتي صاحا بمرح :
- Oleaaaaa
ضربت رُسل كتف عمار قائلة بمرح :
- لأ بتعزف حلو أوي يا عمار !
قال عمار بإعجاب واضح :
- و أنتي يا سولي بتعرفي ترقصي حلو أوي !
أجابت بغرور مصطنع :
- هه ، أوف كورس يا بيبي أنت بتتكلم مع واحدة كانت بتاخد كورسات رقص أكتر ما بتاخدها للتعليم !
= يعني بتعرفي ترقصي أية تاني ؟ !
- شرقي !
و تبعتها بهزة من خصرها و هي تضحك بمرح ، تابعت :
- صلصة
تبعتها بإحدي الحركات من رقصة الصلصة ، وقفت علي أطراف أصابعها قائلة و هي تلف حول نفسها :
- بالية !
توقفت في مكانها بخفة و هي تقول :
- و بس !
قال عمار بذهول :
- بجد ؟ !
= اه و الله !
صاح بحماس :
- أية رأيك ننزل نلعب شوية في الجنينة !
قالت بحماس هي الأخري :
- أشطا مش عندي مانع ، بس أروح أغير الفستان دا الأول !
توجهت للباب بخطوات متهادية لتشهق بعنف عندما وجدت ليث يقف أمام الباب ، قالت بتوتر :
- أنت أية اللي موقفك هنا !
= حاجة متخصكيش بس عموماً هريحك !
مال علي أذنها قائلة بنبرة ذات بحه مميزة :
- كنت بتفرج علي العرض الهايل دا ، بصراحة أرفع القبعة ليكي !
زمت شفتيها بغيظ ثم قالت بإستفزاز :
- أنت إزاي تسمح لنفسك يا أبيه أنك تقف تتفرج علي أختك كدا !
شدت علي كلاً من كلمتي " أبيه " و " أختك " حتي تستفزه و بـ الفعل نجخت إذ هو يقطب جبينه و هو يقول بحنق :
- أية حكاية أبيه دي ، مكانوش أربع سنين يعني !
أجابت ببرود :
- أنا اللي يشوفني مش يديني حتي 19 سنة الدور و الباقي علي أبو 30 سنة العجوز المكحكح اللي قريب سنانه هتخلع !
ثم ذهبت من أمامه و هي تتبختر بغره ، أحتدت عيناه و هو ينظر لطيفها و بداخله يتوعد بالكثير و الكثير لـ سليطة اللسان تلك..
رحل خلفها ليغلق عمار باب الغرفة و هو يقول بزعر :
- هتموت النهاردة ، أنا عارف !
*************
بعدما أبدلت ملابسها بأخري مريحة مكونه من بنطال قطني ملتصق علي الساق بـ اللون الأبيض و به خطوط رمادية علي جانبه و كنزة رمادية اللون فوقها سترة قطنية من نفس تصميم البنطال ، أنتعلت حذاء رياضي مريح ثم فتحت الباب حتي تخرج لكنها ما لبست حتي شهقت بخوف عندما دفعها ليث لداخل الغرفة مغلقاً الباب خلفه بعنف ، تقدم منها ببطئ و علي وجهه جميع إمارات الشر لتقول هي بشكل مضحك :
- أقسم بالله كنت بهزر ، أية مبتهزرش يا رمضان ؟ !
ردد بخبث :
- لا مبهزرش يا قطة !
سارع بالإمساك بها لتركض هي سريعاً تجاه الشرفه فاتحه إياها ، ركضت في الحديقة الواسعة و هو خلفها إلي أن وصلت لنهايتها ، أستدارت ناظره إليه بخوف ، قال بمكر :
- كنتي بتقولي أية بقاا يا عكس رُسل !
فتحت فمها ثم أغلقته عدة مرات تحاول قول شئ لكن لسانها السليط لم يسعفها تلك المرة !
نظرت خلف ليث قائلة بصدمة :
- أنت مين ؟ !
ألتفت ليث ليري مع من تتحدث ليجدها تقهقه و هي تركض مبتعده عنه ، ضيق عينيه بتوعد فـ تلك المشاكسة أستطاعت أن تخدعه ، ما لبس حتي أبتسم بضعف و هو يهمس :
- يا تري هتعود علي غياب جنانك دا بسرعة يا رُسل لما ترجعي مصر ؟ !
**************
/// بـعـد مـرور يـومـيـن
- متخافيش يا بت منك ليها ، أحنا نسقطها و نمشي كدا كدا أنا مفهمة أخوكوا أننا في دسوق عند أختي فـ حتي لو أتكلمت المضروبة دي لو عاشت من أساسه نبقي أحنا في السليم !
تشدقت بتلك الكلمات راوية و هي تصعد علي السلم و هي تستند بيدها علي الدرابزون حتي يساعدها في جر جسدها المكتنز ، هتفت سُمية بغل واضح :
- عالله تموت و تريحنا كلنا !
بينما أردفت سهير بغيظ :
- أنا اللي مخليني أعمل كدا أن المحروس مرضاش يساعد جوزي و يسدله ديونه ، عجبه كدا لما دخل السجن ؟ !
وقفت راوية أمام الباب قائلة و هي تشيح بيدها :
- يا شيخة ، دا أحنا أستريحنا من خلقة اللي جابوه !
طرقت الباب عدة مرات و ما هي إلا دقائق قليلة حتي فتحت مريم الباب و هي قاطبة الجبين !
أبتسمت راوية بشر صائحه :
- أهلاً أهلاً بـ الغالية !
كادت مريم أن ترد لكن سهير سبقتها بدفعها بعنف للداخل لتصرخ هي بخوف ، أغلقت راوية الباب خلفها جيداً ثم قالت لـ سهير و سُمية بحقد شديد :
- كتفوها !
تراجعت مريم للخلف قائلة بزعر حقيقي و هي تحيط بطنها :
- أنتوا عايزين مني أية ، أطلعوا بره !
جذبتها سُمية من خصلاتها قائلة بغضب :
- تعالي بقاا !
قاموا بتكبيلها جيداً لتصرخ مريم بأقوي صوت لديها ، وضعت راوية قطعة قماشية بفمها حتي تمنع صوت صراخها ثم أخذت تضربه بعنف علي بطنها بقدمها الثقيلة ، بعد عدة ضربات وجدت بركة من الدماء أسفل مريم و قد أصبحت أنفاسها ثقيلة تناثرت حبات العرق الباردة علي جبينها و وجهها !
أبتسمت بظفر هي و زوج العقارب اللتان معها لكنهم ما لبسوا حتي إمتقعت وجوههم حين سمعوا صراخ رامي و هو يقول بفزع حقيقي :
- مـــــريـــــم !
**************
كانت تجلس بغرفتها و هي تبكي بقهر ، فـ صهيب لن يتركها بحالها أبداً !
لم يكفيه كسرتها عندما تخلي عنها قبل فرحهم بأسبوع واحد بل عاد مهدداً سعادتها التي علي وشك أن توأد بسببه ، لاح بذاكرتها ذلك اليوم التي رأته فيه عندما عادت من عند خيرية..!
(( فـلـاش بـاك ))
همس بنبرة خطيرة و هو يدقق بملامح وجهها :
- أيوة صهيب يا مرام !
صاحت بإنفعال و هي تحاول إبعاده عنها :
- أنت عايز أية مني ، أبعد بقاا أبعد !
ضغط عليها بجسده معيقاً حركتها ثم قال بأعين مشتعلة :
- عايزك أنتي يا مرام !
أرتجفت بخوف ليتابع و هو يمرر كف يده علي وجهها لتقلصه بنفور من لمسته :
- سمعت أنك هتتخطبي بس مش مشكلة خطيبك أصلاً بتاع ***** و أي واحدة هتاخده منك و مش هيبقالك غيري يا مرام !
هتفت بغضب :
- ملكش دعوة بيا أنت أية معندكش دم ؟ !
= أنا بحبك يا مرام !
كادت أن ترد لكنها شهقت بجزع عندما وجدت إياد يجذب صهيب بعنف من ياقته ليبعده عنها ، قال ببرود و هو مازال يقبض علي ياقته :
- تؤتؤتؤ الحاجة الي تخصني يا أستاذ مينفعش حد يحبها غيري فاهم ؟ !
و تبع قوله بـ لكمة قوية لوجهه تبعها الكثير و الكثير من الركلات و اللكمات ، صرخت مرام بخوف :
- سيبه يا إياد دا واحد ميستاهلش !
نظر لها إياد للحظات بأعين حمراء من شدة غضبه ثم أبتعد عن صهيب قائلاً بصوت متحشرج :
- مرام خط أحمر لو قربت بس منه بعد كدا هتبقي بـ مــوتك !
تحامل صهيب علي نفسه و نهض بضعف ، قال و هو يمسح الدماء التي تسيل من فمه و أنفه :
- ماشي كسبت أنت المرة دي ، بس بعد كدا لأ مش هيحصل !
تحرك تجاه سيارته يستقلها ثم أنطلق بها ، ظل إياد يتنفس بغضب لدقائق ثم أخذ نفس عميق حتي يهدأ نفسه ، أستدار لـ مرام ليجدها تستند علي باب السيارة و هي تحيط نفسها بذراعيها و تبكي بصمت ، أقترب منها ببطئ حتي وقف قبالتها ، مسح دموعها بأصبعيه و هو يقول بإبتسامة واهيه :
- نكدية يخربيتك !
نظرت له قليلاً ثم أنفجرت بـ البكاء مرة أخري ليجذبها له معانقاً أياها بقوة ، ربت علي ظهرها قائلاً بحنان :
- أنا عمري ما هسيبك يا مرام ما تسمعيش لكلام ال **** دا !
أحاطت خصره بضعف ، تشدقت :
- أنا خايفة أوي يا إياد !
ضمها أكثر إليه بحب و حماية ، قال :
- طول ما أنا معاكي متخافيش ، تمام ؟ !
هزت رأسها و قد لاحت إبتسامة صغيرة علي شفتيها...!
(( بـاك ))
أمسكت بهاتفها حتي تتصل بـ مريم كي تطمئن عليها ، أتصلت بها مرة..إثنتان..ثلاثة لكن لا رد !
دق قلبها قلقاً علي شقيقتها لتهمس بقلق :
- مش بترد لية ؟ !
لمست عدة لمسات علي شاشة هاتفها و من ثم وضعته علي أذنها ، ثواني و هتفت بلهفه :
- رامي هي مريم مش بترد لية ؟ !
لحظات لم يرد لتقلق أكثر ، صاحت بإنفعال :
- مريم فين يا رامي ؟ !
همس رامي بتعب :
- مريم في المستشفي يا مرام !
شهقت بصدمة واضعة يدها فوق فمها ، قالت و هي علي وشك البكاء :
- لية أية اللي حصل ؟ !
= سقطت..و النزيف مش راضي يقف ، الدكاترة بيقولوا أنها بين الحياة و الموت !
و أنفجر بعدها باكياً كـ الطفل الصغير ، هتفت مرام و هي تبكي بعنف :
- مرام سقطت و بين الحياة و الموت لية يا رامي أية اللي حصلها !
تصنمت حميدة عند باب الغرفة هامسة بصدمة :
- مريم ، بنتي !
ثم تهاوي جسدها علي الأرض محدثاً صوت قوي ، ألتفتت مرام للباب و ما أن رأت جسد والدتها الملقي علي الأرض حتي صرخت بلوعه :
- مــامــا !
**************
- أنتي مش عندك صحاب يا سولي ؟ !
تنهدت بأشتياق قائلة :
- لأ عندي واحدة بس..أسمها ريهام !
ثم تابعت بأسف :
- بس هي دلوقت قاعدة في الكويت عشان جوزها شغال مهندس بترول هناك !
قال و هو يصب بعض العصير الطازج لها و له :
- مش بتكلمك يعني ؟ !
أجابت و هي تمسك بـ كوبها :
- لأ بنكلم بعض من فترة للتانية !
أرتشفت بعضاً من كوبها ثم كادت أن تتحدث لينطلق رنين هاتفها بـ لحظتها ، وضعت الكوب جانباً ثم ألتقطت هاتفها لتجد إسم مرام يضئ شاشته ، ردت قائلة بهدوء :
- أيوة يا مرام ؟ !
= رُسل ألحقيني أنا مش عارفة أعمل أية ؟ !
دق قليها بعنف لتقول بقلق :
- أية اللي حصل !
أجابت مرام ببكاء :
- مريم..مريم في المستشفي بين الحياة و الموت و ماما معاها !
شهقت بـ رعب ، توجهت خارج المطبخ و هي تقول بهلع :
- أية اللي حصل يا مرام ؟ !
قصت عليها مرام ما حدث وسط أنهيارها لتنهار الأخري مثلها من البكاء علي ما آلت إليه الأمور مع والدتها و شقيقتها ، قالت ببكاء و هي تذهب لـ غرفتها :
- تروحي يا مرام للدكتور اللي ماسك حالة مريم و تطلبي منه إثبات حالة أن مريم تعرضت للإجهاض بفعل فاعل و أنا هاجي دلوقت علي أول طيارة !
قالت مرام بتعب :
- ماشي يا رُسل !
أغلقت معها المكالمة ليسأل عمار بقلق و هو يقترب منها :
- رُسل أنتي بتعيطي ؟ !
أجابت بنبرة متحشرجة و هي تمسح دموعها :
- لأ يا عمار مش بعيط !
= طب أية اللي حصل ؟ !
- مفيش وقت أحكي لو سمحت يا عمار ممكن تخرج عشان ألبس ؟ !
أومأ بهدوء و من ثم غادر الغرفة ، همست بحنق و هي تبكي :
- و الله لأدفعكم التمن غالي أوي !
بعدما أنتهت من إرتداء ملابسها أخذت حقيبتها و خرجت لتجدهم يقفون أمام غرفتها و هم يتطلعون لها بقلق !
وقفت أمام ليث و قالت بجمود :
- هات الباسبور !
وضع كفيه في جيب بنطاله قائلاً :
- لأ !
صرخت بإنفعال :
- هات الباسبور يا ليث مش وقت عند ، في مصايب بتحصل في مصر !
هتف عزت بقلق :
- في أية يا رُسل ؟ !
نظرت له قليلاً بعتاب ثم تشدقت بضعف :
- مريم في المستشفي عندها نزيف بسبب أن أهل جوزها أجهضوها و ماما مستحملتش خبر أن بنتها بين الحياة و الموت فـ وقعت و مش عارفين فيها اية !
شهقت ناريمان بجزع و هي تنظر لعزت المصدوم ، قالت رُسل برجاء :
- أرجوك يا ليث هات الباسبور ، مرام هناك لوحدها مش هتعرف تتصرف !
أردف عزت بنبرة شابها الكثير من الحزن :
- أنا جاي معاكي !
صاح ليث بقوة :
- مينفعش يا عمي ، حضرتك هتقعد هنا مع ماما و أنا و عمار هنروح مع رُسل !
كادت أن تتحدث هي و عزت لينطق بصرامة :
- و مش عايز إعتراض ، أجهز يا عمار !
أومأ له عمار سريعاً ، ليستدير متجههاً للدرج و منه لغرفته بوجه جامد غير مدرك للتغير الجذري الذي سيحدث لحياته في تلك السفره !