رواية صرخات انثي (كاملة حتى الفصل الاخير )بقلم آيه محمد رفعت


 رواية صرخات انثي الفصل الاول بقلم آيه محمد رفعت

أمام أحد المنازل الفخمة الشبيهة للقصور على الطراز الغربي، فانهدل نافذتها القاتمة السوداء، ليبرز من خلفها ذراعًا صلبًا يضغط بقوةٍ على الريموت المتحكم بالبوابة الرئيسية، فاستجابت وتحررت عن مخضعها، فقاد سيارته للداخل، ثم تركها للخادم الذي أسرع باستقبال سيده الصغير.
ترنح بمشيته وبصعوبةٍ بالغة تفادى سقوطه، فهم الخادم ليساعده، أوقفه صائحًا:
_هل جُننت أيها المعتوه، أبعد ذراعيك اللعينة عني!
ابتعد الخادم للخلف، فوضع جاكيته على ذراعه واستكمل طريقه للداخل، قاصدًا باحة المنزل الفخم، وبالأخص تلك الأريكة البيضاء المريحة، فجلس عليها بإنهاكٍ وهو يتفحص ساعة يده التي تشير له بأنها الخامسة صباحًا، فردد بضيقٍ:
_بتمنى متكنش فريدة هانم مستنياني فوق زي كل يوم حقيقي مش ناقص!
ابتسم بخبث وعينيه الماكرة تراقب باب الغرفة الماسد بالطابق الأول، فجذب جاكيته وصعد للأول بخطواتٍ غير منتظمة، تفادى سقوطه على الدرج الرخامي أكثر من مرةٍ، حتى وصل للغرفة، ولج للداخل وألقى جاكيته على المقعد الموضوع جانبًا، وعينيه تراقب الغافلة على الفراش بتقززٍ، وبالرغم من انقباض ملامحه الا أنه حرر قميصه وتمدد جوارها.
كانت تغفو بعمقٍ حينما شعرت بيدٍ تمتد على خصرها بتملكٍ، انقبض قلبها وانتفضت بمنامتها بفزعٍ، فصعقت حينما وجدته يرمقها برومادية عينيه ببرودٍ، فرددت برعشة اعتلت لسانها الثقيل:
_عمران!
منحها نظرة جافة، وذراعه تمتد لتجذبها لاحضانه مجددًا، حاولت الابتعاد عنه خاصة بعد أن طالتها رائحته المنفرة، فقالت باستنكارٍ:
_إنت شارب! فريدة هانم لو عرفت هتعاقبك تاني.
أظلمت عينيه وقيد حركة يدها خلف خصرها، فتأوهت ألمًا، وترجته بهدوءٍ زائف:
_عمران إنت مش في وعيك، من فضلك إبعد والا وقسمًا بالله هصرخ وهلم عليك البيت كله.
ابتسم ساخرًا، وردد بخشونة:
_غريبة المفروض اللي بيحصل بينا دلوقتي يكون على مزاجك مش بردو كنتِ مقهورة وإنتِ بتشتكي لفريدة هانم إن من يوم ما اتجوزنا وأنا مقربتلكيش!
جحظت عينيها صدمة، وانسابت دمعاتها وهي تدافع عن نفسها:
_محصلش أنا مقولتش لخالتو حاجة!
ذم شفتيه بسخطٍ، وهو يشير لها:
_قولتلك قبل كده أنا مبتخدعش بوش التماسيح بتاعك ده يا بنت خالتي، وفري مجهودك بالكلام وركزي معايا، مع جوزك!
وأضاف وهو يمنحها نظرة منفرة:
_بصراحة ألكس زعلانه مني ورفضت تيجي معايا الاوتيل النهاردة، فأنتِ اللي هتشيلي الليلة.
صعقت مما استمعت إليه، تعلم جيدًا بأنه يرافق تلك الفتاة التي تدعو “ألكس”، يرافقها أمام الجميع وأولهم فريدة هانم العاجزة عن ردع ابنها الصغير عن لقاء تلك الشقراء، حتى بعد أن أجبرته على الزواج من ابنة شقيقتها التي تعتبرها ابنة لها، ومع ذلك رفض الاعتراف بها كزوجة فكانت ألكس وجهة ظهوره بكل مناسبة، وأحيانًا يصطحبها للمبيت بالمنزل دون حياء.
كم مرة انكسر قلبها وهي ترى زوجها يصعد لغرفته برفقة تلك الفتاة المبتذلة، كم مرة بكت خلسة وعلنًا أمام جميع الأسرة، كم مرة أهانها وقلل من شأنها كانثى قليلة الحيلة لا تملك ما قد يميل قلبه القاسٍ إليها، الا يكفيه ما فعله بها طوال أشهر زواجهما حتى يهينها الآن تلك الاهانة؟
تدفقت دمعاتها تباعًا، والغضب يثور داخلها فجعلها شرسة لا تغلب تحت ذراعيه الخبيرة، فركلته عنها حتى سقط أسفل الفراش وهي تصرخ بغضبٍ جعل من تنتظره بغرفته تعلم بمكان وجوده:
_أنت أيه معندكش دم يا أخي، أنا مش رخيصة عشان تقارني بالعاهرة اللي أنت ماشي معاها!
احتدت نظراته فنهض واتجه إليها ليجذبها من ذراعها وهو يصبح بانفعالٍ:
_لسانك ده لو نطق عليها حرف هقطعهولك يا***
_عمــران.
ابتلع ريقه بارتباكٍ قبل أن يستدير لمواجهة الصوت الصارم، ليجد والدته ذات الخمسة وأربعون عامًا، تربع يدها أمام صدرها وتحدجه بغضبٍ عارم، ترك عمران ذراعها ووقف قبالتها، ليجدها تدنو منه قائلة بعصبيةٍ بالغة:
_قولتلك ألف مرة صوتك ميعلاش على مايسان مراتك ولا تعاملها المعاملة المقرفة دي تاني وبالرغم من كده بتكسر كلامي.
تحكم بانفعالاته بصعوبة، وصاح بتريثٍ:
_هي اللي بتستفزني بكلامها.
منحته نظرة ساخطة قبل أن تجابهه بحدةٍ:
_بس هي مقالتش حاجة غلط، الحقيرة اللي أنت ماشي معاها ملهاش مسمى تاني.
قبض معصمه بغضبٍ جعل الدماء تفور بمقلتيه، فانخفضت نظراتها المتفحصة ليده ثم استرسلت بدون مبالاة لغضبه:
_بقالك سنين بتترجاها تتجوزك وهي رافضة، مش لانها متحررة يا حبيبي لا لإنها وقحة عايزة تعيش معاك في الحرام وتتمتع بفلوسك لحد ما تجيب نهايتك وبعدها هتدور على غيرك، بتلعبها صح ومش عايزة تدبس نفسها مع راجل واحد.
صرخ بتعصبٍ غاضب:
_ماماااا
_فريدة هانم.
رفضت منادته الصريحة، لتعيد له أصول تربيته، خشيت مايسان تدهور الأمور بينهما، فنهضت عن الفراش تجذب مئزرها الأبيض ثم دنت من خالتها تخبرها ببسمةٍ مصطنعة:
_فريدة هانم محصلش شيء لكل ده، عمران كان داخل يتكلم معايا بخصوص ملف الصفقة اللي بينا وبين “راكان المنذر” وكنت هديله الملف وهيخرج حالًا.
همهمت بتهكمٍ:
_ويخرج ليه المفروض يكون ده مكانه لكن هنقول أيه أخد إنه يأكل من الزبالة، وميبصش للنضافة.
كز على أسنانه حتى كاد باسقاطهما، وخاصة حينما قالت بحزنٍ:
_كنت فاكرة إني لما أجوزك بنت عثمان باشا هتفوق لنفسك وتقدر الجوهرة اللي معاك، بس للأسف إنت مفيش فايدة فيك.
وتطلعت لابنة شقيقتها، الابنة التي تقرب لقلبها كابنتها الصغيرة وقالت بنبرة مختنقة:
_حقك عليا، أنا اللي بليتك بابني.
احتضنتها مايسان وهي تردد ببكاءٍ:
_متقوليش كده يا خالتو أنا آ..
ابتلعت باقي كلماتها برعبٍ حينما استعادت فريدة ثباتها مرددة بغضب:
_فريدة هانم أيه خالتو دي!!
واشارت لها مسترسلة بضيق:
_ثم اني قولتلك ألف مرة بلاش تبكى، الدموع والحزن بيكرمشوا الوش!
كبتت مايسان ضحكاتها بصعوبةٍ، وهي تشير لها:
_حاضر، أنا أسفة يا فريدة هانم.
ابعدت عينيها عنها وعادت تجابه من يجذب قميصه وملابسه بمللٍ، ثم قالت بحزمٍ:
_دي أخر مرة ترجع فيها متأخر وسكران يا عمران والا تصرفي مش هيعجبك وسبق وجربت.
ابتلع ريقه بتوترٍ، فهز رأسه بهدوءٍ، ثم كاد بالمغادرة فأوقفته قائلة:
_قبل ما تخرج، اعتذر لمراتك على الكلام المتدني اللي قولته ليها.
ركل حافة الباب بقدميه بعصبيةٍ، وهو يجبر ذاته على نطق الكلمات دون أن يستدير لها:
_آسف.
وكاد بالخروج لغرفته، ولكنه توقف فور سماع صراخها الحازم:
_اعتذارك بالشكل ده مش مقبول، قرب من مراتك واعتذرلها باحترام.
رفع رأسه عاليًا وهو يسحب نفسًا مطولًا يزفره على مهلٍ، لينهي تلك المهزلة، فاستدار إليهما واتجه بخطواتٍ سريعة إليها، وقف قبالتها يرمقها بنظرة مشتعلة جعلتها تكاد تفر من أمامه لتختبئ خلف خالتها، فما أن رفع يده حتى احتوت وجهها بيدها، فوجدته يقرب رأسها إليه ليطبع قبلة مغتاظة كادت بتهشم جبينها وهو يهمس بأنفاسٍ لاهثة من فرط تعصبه:
_سامحيني يا حبيبتي أنا غلطت في حقك.
هزت رأسها وهي توزع نظراتها المرتبكة بينه وبين فريدة هانم، فرددت بخوفٍ:
_محصلش حاجة.
مال برأسه لوالدته مرددًا:
_أقدر أرجع أوضتي يا فريدة هانم ولا لسه في حاجة تانية؟
ابتسمت وهي تشير له بغرور:
_تقدر تروح، بس اعمل حسابك مايسان هتصحيك بدري عشان هتروح مع شمس الجامعة بكره، في مشكلة عندها وعايزاك تساعدها.
تفحص ساعته بصدمةٍ:
_بس صعب أنا مش هلحق أنام كده، خليها تأخد علي معاها.
أجابته بصرامةٍ:
_أنا قولت إنت اللي هتروح مع أختك، علي بره في المستشفى لسه مرجعش البيت.
واستطردت بسخريةٍ:
_وأهو بالمرة تروح معاها حفل افتتاح شركة راكان خطيبها ولا مش معزوم عليها!
منحها نظرة مغتاظة، قبل أن يهز رأسه وينسحب لغرفته، فتوقف بالخارج فجأة حينما استمع لزوجته تردد بفرحةٍ:
_براڤو يا فريدة هانم، عمران مكنش عمره هيروح حفل الافتتاح ده ومتتخيليش الحفلة دي مهمة لشركاتنا ازاي؟
أشارت لها بكبرياءٍ:
_أنا قولتلك هخليه يروح وكلمتي واحدة.
واسترسلت بحزمٍ:
_يالا هسيبك تريحي شوية وهروح أكلم علي أشوفه إتاخر ليه كده هو كمان وأول ما تصحي تفوقي شمس وتعالولي في الجناح، عشان تقيسوا الفساتين والكوليهات اللي اشتريتها ليكم.
وتابعت وهي تغادر للخارج:
_لازم تكونوا وجهة مشرفة لعيلة سالم عشان راكان المنذر يعرف هو ناسب مين!
******
ولج لغرفته بغضب من سماع خططتها الوضيعة، فألقى جاكيته على الفراش بعصبية، وجاب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يهتف:
_كده ماشي يا مايسان أنا هعرفك.
وابتسم بمكر وهو يجذب هاتفه ليحرر زر الاتصال بعشيقته متابعًا:
_هتحضري معايا الحفلة بس أوعدك هيبقى يوم متنسهوش أبدًا عشان بعد كده تحرمي تتذاكي على عمران سالم!
********
بين غيمة الليل المظلم المغدف، كانت تخطو بفستانها الأبيض بخطواتٍ بطيئةٍ ومن خلفها طرفه الطويل يلامس الأزهار الذابلة الملقاة أرضًا بإهمالٍ، فتشابكت بأطرافه واتبعتها كالظل الملازم لها، كأنها تزف لها بشرى سيئة لما ستجده الآن من مصيرًا بائسًا ينتظرها، استدارت للخلف وخصلات شعرها الفحمي يتمرد على كتفيها كالشلال المحاط بجوهرتها الثمينة.
شعرت بحركة خافتة تتبعها، فاستدارت صاحبة الفستان الأبيض بإِرْتِيَاع لمصدر الصوت المزعج، انقبض قلبها الخافق بين ضلوعها حينما وجدت ثلاثة ذئاب تلهث بشراسةٍ وأعينهم لا تحيل عنها.
تراجعت للخلف بخوفٍ وهي تراقب اقترابهم الخطير منها، تراجعت حتى احتجز جسدها بين ثلاثة حوائط، عقدت مستطيل حولها وأربع أضلاعه موجه بالذئاب التي بدأت تنهش عظامها.
وفجأة انقلبت الثلاثة ذئاب لأجساد بشرية، ذكورية، متحجرة، تستباح جسدها دون رحمة منهم أو شففة لبكائها وتوسلاتها.
صرخات مكبوتة لإنثى جُردت من كبريائها، وكأنها سلعة رخيصة استباحها اللعناء لينتزعوا شرفها، عفتها، لوثوا طاهرتها البريئة وأدموا بعذريتها.
برزت عروقها بقوةٍ، ورأسها يدور على وسادتها التي تحمل دمعاتها على سطحها الرقيق، تمردت حركة جسدها بعنفٍ، وصوتها مكبوت، عاجز عن الصراخ، فانتبهت الممرضة الغافلة على المقعد المجاور لفراشها لحالتها الغريبة، فنهضت عن مقعدها وركضت خارج الغرفة الطبية التابعة لمشفى من أهم المستشفيات التابعة لدولة انجلترا، تصيح بجنونٍ:
_دكتور علــــي!
*******
بأحد غرف المشفى المخصص لعلاج الطب النفسي، التي تحمل لافتها اسم “د. علي سالم”
كان يجلس على مكتبه يتابع حاسوبه باهتمامٍ، وبين يده نوته الخاص، يدون به ملاحظاته الهامه لعلاج الحالة المطروح من أمامه التسجيل الأخير من مناقشاته معها، ينصب تركيزه التام على اشارات يدها ويتمعن بقوةٍ بكل حرفٍ نطقت به، ويقارنه بما دونه مسبقًا وقت جلوسه معها، زفر علي بمللٍ، نزع عنه نظاراته الطبية واستكان بجسده الممشوق لخلف مقعده، يفرك عينيه بارهاقٍ، وعقله شارد بتلك التي آسرت قلبه ويقف هو بمؤهلاته وشهادت وسامه عاجزًا عن معالجتها، مر أكثر من ثمانية شهور منذ تركهما لمصر وقدومهما لانجلترا ولم يحرز أي تقدم بحالتها، صامتة كزخات الموت البارد، يود بكل ذرة بداخله أن يستمع لصوتها ولو لمرةٍ.
يرى رغبة الموت تنعكس جبريًا داخل حدقتيها، ومع ذلك مازال يبذل أقصى ما بوسعه، خاصة بأنه ليس طبيبًا عاديًا، وسعت شهورته لتمكنه وبراعته من علاج أكثر من حالة كان يستحيل علاجها، وأغلبها تابع للعائلات الهامة من انجلترا وغيرها من الدول الأخرى.
كان يُطلب بالإسم لعلاج الشخصيات الهامة من المشاهير وغيرهم، ومع ذلك يقف عاجزًا أمام حالة فطيمة التي تجعله حائرًا عما يصيب قلبه تجاهها، يرغب دائمًا بالبقاء جوارها لساعاتٍ طويلة مع إنها لا تشعر بوجوده أبدًا.
نهض علي عن مقعده ودنى من شرفة مكتبه، ليحرر ستائره البيضاء وهو يلتقط نفسًا مطولاً ويده تمشط خصلات شعره البني المتناثر على جبينه، ملامسة عينيه الرمادية، ويده مربعة أمام صدره مخاطبًا ذاته
«وبعدين يا علي، بقالك ٨ شهور بتحاول بس إنك تخليها تتكلم!
معقولة يكون كلام الدكتور أبراهام صح، وحالتها ميؤوس منها وملهاش علاج!
لا مش معقول الكلام ده، أكيد حالتها ليها علاج، إنت عمرك ما استسلمت يا علي عشان تعملها دلوقتي، ابذل كل مجهودك معاها وأكيد هتلاقي تحسن»
وأغلق عينيه وهو يحاول تذكر أي تحسن بسيط قد حاز به بعد رحلة علاجه الشاقة، فتجعد جبينه حينما طاف إليه ملاحظته الطفيفة، فركض لمكتبه يجذب النوت الخاص بحالة “فطيمة” ودون
«بعد ثمانية أشهر من بدء جلسات العلاج لم أتمكن من ارغامها على الحديث، مازالت صامتة ترفض الحديث عن ماضيها ولكن ما تمكنت من فعله الأهم من دوري كطبيب.
الآمان.
بالبداية كانت تنزعج كليًا من وجودي لجوارها بمكان واحد، جسدها يتشنج وترفض سماع أي كلمة تنبثق على لساني، ولكن الآن تتقبل وجودي لجوارها، تستمع لمحاولاتي البائسة بحثها على الحديث باسترخاء حتى وإن لم تتحدث لي ولكن بالنهاية لم تنفر من وجودي مثلما تفعل مع أي طبيب يحمل لقب ذكر بهويته!»
ترك علي القلم عن يده حينما استمع لرنين هاتفه الذي يلمع بإسم “فريدة هانم”، ضم علي شفتيه معًا وسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب بحماسٍ:
_فريدة هانم، موبيلي المتواضع بيرقص في حالة من عدم الاستيعاب.
وصلت ضحكاتها لمسمعه، وأجابته:
_دكتور علي البكاش اللي مش هيبطل يغلبني بكلامه.
وتابعت بضيق:
_وبعدهالك يا علي كل ليلة هتقضيها عندك بالمستشفى ولا أيه؟ وبعدين مش كان بينا وعد؟
رد عليها بحرجٍ:
_أنا عارف إني وعدت حضرتك بإني هرجع كل يوم بدري بس غصب عني حالة فطيمة اللي كلمت حضرتك عنها قبل كده صعبة ومازلت بحاول معاها، ابنك الدكتور المحترف عاجز عن علاجها.
صوتها الغاضب أتاه يحذره:
_هو إنت مبقاش على لسانك غير اللي إسمها فطيمة دي، ما قولتلك قبل كده سلم ملفها لأي دكتور تاني، أنا كنت واثقة إنك مبقتش ترجع البيت بسبب الحالة دي وهضطر أكلم دكتور” ألبرت” يشوف حل للموضوع ده.
ردد متلهفًا:
_لأ من فضلك بلاش تكلمي المدير يا ماما.. أأقصد يا فريدة هانم، هتضيعيلي خطة العلاج والمجهود اللي بذلته طول الشهور اللي فاتت من فضلك.
رق قلبها إليه، فقالت:
_تمام بس توعدني إنك مش هتبات بره البيت تاني، عمران أخوك مبقتش قادرة له لوحدي يا علي عايزاك جانبي تفوقه من اللي هو فيه.
اعتلى الضيق معالمه، وتساءل بضجرٍ:
_عمل أيه تاني الاستاذ؟
أجابته بضيقٍ:
_كل يوم بيرجع وش الفجر وهو سكران.
جحظت عينيه صدمة، فقال بعدم تصديق:
_حصلت أنه يشرب خمرة!
ردت بسخط:
_ومستني أيه منه طول مهو متلم على السنكوحة اللي إسمها ألكس هي والشلة الحقيرة اللي معاها، المشكلة إنه مش قادر يستوعب إنها لا تليق باسمه ولا تنفعه ومع ذلك لسه بيقابلها ومش مدي اهتمام خالص لبنت خالتك.
كان حذرًا باختيار رده:
_يا فريدة هانم حضرتك عارفه من البداية إن عمران مهووس بألكس حضرتك اللي صممتي تجوزيه مايسان وهو مش بيحبها فكل ده كان متوقع من البداية.
أجابته باعتراض:
_ده لمصلحته ولو أخر يوم في عمره مش هسمحله يدخل الحقيرة دي وسطينا.
ونهت حديثهما الغير مستحب لها حينما قالت:
_المهم، إرجع البيت عشان حفلة افتتاح الشركة الجديدة لراكان خطيب أختك.
وتابعت:
_أنا جبتلك بدلة فخمة، هتلاقيها متعلقة في أوضتك.
ضم منخاره بتأففٍ من عاداتها الغير مجدية للتغير،قائلًا:
_مكنش له داعي،أنا كنت هلبس أي بدلة رسمية من عندي.
اعترضت لما قال، وكأنه تفوه بحماقاتٍ، فصاحت:
_علي من فضلك حافظ على شكل العيلة، وسبق وإتكلمت معاك قبل كده.
ردد بعدم تصديق:
_وهي يعني البدالة اللي هترفع من مكانة العيلة!
واستطرد بيأسٍ:
_حاضر يا فريدة هانم، هكون في الحفل بالمعاد وبالبدالة اللي حضرتك اختارتيها.
أجابته بإعجابٍ:
_عفارم عليك يا دكتور.
أغلق الهاتف وهو يلقيه على مضضٍ، ليتفاجئ بالممرضة تقتحم غرفته وهي تردد بنبرتها الانجليزية:
_دكتور علي، على ما يبدو بأن المريضة فطيمة تواجه مشكلة ما، أرجو أن تسرع لغرفتها في الحال.
فور نطقها بإسمها حمل حقيبته الطبية وركض إلى غرفتها بهلعٍ، جعل المحاطين به يتأملونه وهو يتخلى عن مكانته ومظهره المعتاد ويركض كالأحمق، ولج علي لغرفتها سريعًا وإتجه للفراش، فتيقن إليه عودة تلك الاحلام المنفرة إليها.
سبق له العلم بمختصر ملفها الطبي بما خاضته مسبقًا، لذا كان يعلم ماذا يزورها بكوابيسها، فحاول أن يجعلها تسترد وعيها حينما ناداها بلهفةٍ:
_فطيمة، سامعاني؟
وهز جسدها وهو يردد:
_ده كابوس ولازم تفوقي منه.
وحينما لم يجد أي ردة فعل، جذب جسدها إلى صدرها ليرغمها على الجلوس وهو يناديها:
_فطيمــــــــــة.. افتحي عيـــــــــونك.
رفعت أهدابها بتثاقل عن بنيتها الدامعة، فتقوست معالم وجهها بشراسة وجسدها ينقبض بين ذراعيه دون توقف، ارتعب علي من حالتها الغير مبشرة بالمرة، فصاح بالممرضة التي تراقب الوضع من أمامها:
_أشلي احضري لي إبرة ال## في الحال.
أومأت برأسها واتجهت للحقيبة التي تركها، فملأت الأبرة الطبية بمحتويات العُلبة التي أخبرها بها، وناولتها له، فقيد علي حركة جسدها المنفعلة بحرافيةٍ، وزرع الأبرة داخل عرق رقبتها المنتفض، وبسهولة تمكن من بث محتويات الأبرة الطبية داخلها، فاستكانت حركة جسدها في نفس لحظة خروج المحقن من جلد رقبتها.
مالت فطيمة برأسها على ذراعه، وعينيها الباكية تتأمل عينيه القريبة منه بسكونٍ رغم اندمال دمعاتها دون توقف، وكأنها تشكو إليه بنظراتها الصامتة قسوة ما تتعرض له، تألم قلبه وذُبح فؤاده، لا يعلم ما يصيبه حقًا وهو لجوارها!
ظل يتأملها لدقيقةٍ ونظرات الممرضة لا تفارقهما بدهشة اعتادتها تجاه علاقته الغريبة بتلك المريضة المغربية.
تهدل ذراع علي الحامل لرأسها على الوسادة وظل لجوارها يبعد عنها خصلات شعرها المتمردة على عينيها وهو يهز رأسه مرددًا وعينيه لا تفارق نظراتها المستكينة عليه:
_ده كابوس وانتهى يا فطيمة، إنتِ بخير ومفيش حد يقدر يمسك بسوء تاني.
اهتزت الصورة من أمامها، وأغلقت جفنيها الثقيل استسلامًا لفعل المنوم السريع لتهدئة أعصابها، ومازال علي لجوارها، نظراته منصوبة عليها بتأثرٍ، وكأن نظراتها نفذت داخل أضلعه مستهدفة قلبه المسكين، ضعيف القوة أمام وجهها الملائكي، ومشاعره التي حملها لها منذ لقائهما الأول بمشفى القاهرة!
******
تململت بنومتها بانزعاجٍ حينما قبضت ذراع مايسان على ذراعها وهي تحاول افاقتها مرددة:
_يوه بقى يا شمس، كل يوم تطلعي عيوني لما تقومي!
واسترسلت بمكرٍ وهي تتجه للباب:
_أنا كده هروح أنادي فريدة هانم تيجي هي تقومك بنفسها.
فتحت بنيتها بصدمةٍ، وتخلت عن غطاءها وعروستها اللعبة التي لا تتركها، وهي تصيح برعبٍ:
_لا تفعليها مايا، انظري لقد استيقظت.
ضحكت وهي تراقبها تركض لحمام الغرفة، فلحقت بها تقف على باب الحمام، فرأتها تغسل وجهها بسرعةٍ، هزت رأسها باعجابٍ:
_شكلي كده عرفت كلمة السر اللي هستخدمها معاكِ كل يوم.
وأشارت لها قبل أن تبتعد:
_متلبسيش هدومك، فريدة هانم بنفسها جابتلك فستان وشوية والخدم هيوصلوهولك.
تهدلت معالمها بضيقٍ ملحوظ:
_بس مامي ذوقها مش بيعجبني يا مايسان.
وقفت أمام المرآة تعدل من حجابها الفضي، وكنزتها السوداء لتجيبها ومازالت ترتب حجابها:
_لو عندك الجرأة روحي وبلغي فريدة هانم بكلامك غير كده فأنا مش هقدر.
ازاحت شمس عن شعرها الأسود المنشفة، وهي تجيبها بسخرية:
_لن أفعلها بالتأكيد، على أي حال سأرتديه مرغمة مثل ذهابي للحفل الممل الذي لا أرغب بالذهاب إليه.
واسترسلت ببعض الألم الذي تسلل لزوجة أخيها:
_ومثل الزوج المثالي الذي إختارته لي فريدة هانم، كل شيء هنا يحدث دون رغبة مني.
تحركت مايسان بعيدة عن المرآة، فجلست جوارها واضعة يدها على ساقيها وبحنان قالت:
_شمس حبيبتي، عايزة أقولك حاجة وإفهميها كويس، فريدة هانم مش أنانية هي بتختارلك الأصلح والأفضل ليكي راكان شخص محترم وبيحبك ولو عايزة رأيي هقولك إنتِ كده كده مفيش حد في حياتك فخلاص اديله فرصة وأكيد هتحبيه.
زفرت بضيقٍ وقالت:
_هحاول أديله فرصة مع إني مش طايقاه!
*********
انتهى علي من عمله، فوضع الحاسوب الصغير بحقيبته السوداء ثم جمع دفتره والأوراق، نزع عنه البلطو الطبي واستعد للمغادرة فإتجه للدرج، وتوقف فجأة والبسمة تطوف به، أراد أن يودعها قبل مغادرته المشفى، لقائه المستمر بها لا يشبع عينيه التي ترغب بالتطلع لوجهها الهادئ، برائتها الطاغية عليها.
طرق علي الباب فانتبهت الممرضة التي تهم للمغادرة إليه، هز رأسه بتحية مختصرة إليها وهو يستكمل طريقه للمقعد المقابل لفطيمة الجالسة على الفراش وعينيها تهيم بالفراغ بشرودٍ، أوقف علي الممرضة قبل خروجها حينما قال بعصبية وهو يجذب الحجاب الملقي جوارها بإهمالٍ:
_أخبرتك كثيرًا بإن فطيمة مسلمة، من فضلك لا تتركيها دون حجابًا مجددًا.
زمت الطبيبة الانجليزية فمها بسخطٍ، ومع ذلك ردت ببسمة سخيفة:
_حسنًا.
قالتها باقتضابٍ وغادرت، فجلس علي مجددًا وعلى وجهه ابتسامة ساحرة، يراقب تلك التي تهيم بالفراغ بجمال عينيها وانتظام أنفاسها، فقال وقلبه يخقق إليها:
_تعبتيني معاكي يا فطيمة، بقالي ٨شهور بحاول معاكِ وبردو مفيش أي نتيجة.
زوى حاجبيه باستغراب لحق نبرته:
_أنا كنت فاكر إنك لما تيجي هنا هتتحسني، اللي مستغربه بجد إني وأنا في مصر سمعتك بتغني قبل كده في المستشفى، وكنتي بتتكلمي مع الدكتورة يارا وحالتك كانت بتستجيب ليها.
واسترسل وهو يتساءل بحزنٍ:
_معقول حالتك اتدهورت لما أنا اللي مسكت ملفك!
لم يرمش لها جفنًا وكأنها لم تسمعه من الأساس، فابتسم وهو يقول بصوته الرخيم المحبب لها:
_متقلقيش أنا مش جايلك دلوقتي عشان نبدأ جلستنا أنا كنت راجع البيت وحبيت أعدي عليكي.
وتابع وعينيه لا تتركها:
_أقولك سر.
خطف نظرة متفحصة حوله قبل أن يقترب بمقعده لها وهو يتابع بهمس:
_أنا برتاح أوي لما بشوفك، بحب الهدوء والسكينة اللي بحس بيهم وأنا جانبك.
وردد بمرحٍ:
_مش عارف مين فينا الدكتور المعالج هنا أنا ولا إنتِ!
ضحك بصوته الرجولي الجذاب، ورفع يده يتابع ساعة يده، فأسرع بالنهوض وهو يشير لها:
_يا خبر إتاخرت جدًا، فريدة هانم هتعلقني على سور البيت، ده لو بوابته اتفتحت ليا أساسًا.
واسترسل بمزحٍ:
_فريدة هانم دي تبقى والدتي.
واتجه للخروج ثم عاد يميل للفراش وهو يغمز لها:
_سر تاني هقولهولك فريدة هانم مبتحبش حد يقولها ماما لازم فريدة هانم عشان حياتنا تستمر مع إن إسمها مكتوب في شهادة الميلاد إنها أمي بس هي مش مقتنعة بده.
وغادر على الفور، ليته انتظر دقيقة واحدة ليرى البسمة التي تركها على وجه تلك البائسة التي مازالت تحارب الذئاب التي تنهش لحمها المهتري!
********
فور خروجهما من الجامعة، تحرك بهما عمران للحفل وهو يراقب هاتفه ببسمة ماكرة، أقسم على رد الصاع إليها، وجودها بالشركات لجواره لا يرغب به لإنه يعلم بأنها تصل كل شاردة وواردة لوالدته، عدل عمران المرآة ليتمكن من رؤيتها جيدًا، فوجدها تتحدث مع شقيقته شمس الجالسة لجوارها، فاستكمل طريقه حتى وصل بهما لمقر الحفل الصباحي، هبط برفقتهما، جاذبًا بوكيه الورد من صندوق السيارة، ثم أشار لشقيقته:
_يلا يا شمس، ادخلي.
هزت رأسها وتركتهما وولجت للداخل تبحث عن راكان لتكن لجواره بمناسبته، بينما انتظرته مايسان لتدخل معه فوجدته مازال يقف بالخارج، تساءلت بدهشة:
_مش هندخل ولا أيه يا عمران؟
منحها نظرة كراهية، قبل أن يُحقر من شأنها:
_إنتِ فاكرة إني هدخل الحفلة معاكي إنتِ!
جحظت عينيها بصدمةٍ وهي تحاول تحليل حديثه المبطن، فدنت منه وهي تردد بذهولٍ:
_أوعى تقولي إنك هتجيب الحيوانة دي وتظهرها قدام الصحافة والتلفيزيون، دي كانت خالتي راحت فيها!
وضع يده بجيب جاكيته وجذب العلبة الزرقاء القطيفة وهو يجيبها:
_ومش بس كده، جايبلها خاتم ألماظ تمنه فوق ال٣٠مليون دولار.
غرس سهمًا قاتل بصدرها، فكادت دمعاتها بالانسدال على وجهها، ومع ذلك قالت بثبات:
_عمران الحفلة كلها رجال أعمال مينفعش تبان قدامهم بالشكل ده، صدقني أنا خايفة عليك وعلى مكانتك وسطهم أ..
أعاد العُلبة بجيب جاكيته، وقال ساخرًا:
_والله مكانة شركاتي دي تخصني لوحدي، ولا تكونيش فاكرة إن العشرة في المية اللي كاتبتهملك فريدة هانم بعد الجواز هيدوكي الحق إنك تشوفي نفسك من ملاك الشركات.
قبضت على حقيبتها الفضية بقوةٍ، ومازالت تحاول التحكم بانفعالاتها، فقالت:
_سبق وقولتلك ألف مرة إني مش عايزة حاجة، ومستعدة أتنازلك عنهم حالًا.
وتابعت بقسوة لتسترد حق كرامتها المهانة:
_إنت الظاهر اللي بتنسى ونسيت أنا أبقى مين وبنت مين؟
دنى منها فتراجعت للخلف حتى اصطدم جسدها بالسيارة فباتت محاصرة به، تطلعت لعينيه الرمادية بارتباكٍ وحبًا تجاهد بدفنه داخلها، واتجهت لشفتيه التي تردد بحنقٍ:
_فلقتيني بابوكي وبنسبك العظيم يا بنت الأكابر.
ومال لرقبتها يهمس باستحقارٍ:
_ما كنتِ اتجوزتي واحد من شركاء أبوكي ورحمتيني من البلاء ده.
تهاوت دمعتها رغمًا عنها، فابعدتها عن وجهها، وهي تردد بثبات:
_عمران لما نرجع بيتنا هني براحتك، دلوقتي خلينا ندخل قدام الصحافة وبلاش تنفذ اللي في دماغك، فريدة هانم ممكن تعاقبك لو اتسربلك خبر مع البنت دي.
وتابعت وهي تبتلع خصتها المؤلمة:
_جوه إبقى أقف مع الهانم بتاعتك براحتك.
راقب ثباتها الغريب بدهشةٍ، ومع ذلك ردد بسخرية:
_خايفة عليا من عقاب فريدة هانم ولا خايفة الصور توصل لعثمان بيه أبوكي!
منحته نظرة شملت الألم بين طياتها، فتجاهلته واستقامت بوقفتها متجهة للداخل، لحق بها عمران ومازال يحاول العثور على عشيقته.
*****
وجدته يقف برفقة رجال الأعمال، فتصنعت بسمتها الرقيقة ودنت منه تناديه على استحياءٍ:
_راكان.
استدار لها بقامته الطويلة، وهو يعدل من جاكيت بذلته الزرقاء، ليردد ببسمةٍ هادئة:
_أووه بيبي!
وضمها إليه وهو يشير للرجال المحاطين به:
_أحب أعرفكم، شمس هانم خطيبتي.
قابلتهم ببسمةٍ مجاملة وايماءة رأسها، مرت الدقائق عليها ومازالت تقف جواره، تجده مشغول بالحديث برفقة رجال الاعمال عن المشروعات والصفقات القادمة، مثلما اعتادت منه حينما يزور قصرهم، يقضي الوقت برمته برفقة أخيها عمران بالحديث عن الأعمال، شعرت شمس بالملل، فمررت أعينها على مراسم الحفل بنفورٍ، فلمحت سلم رفيعًا جذب انتباهها، لاحت على شفتيه ابتسامة تسلية، فتسللت للبوفيه الموضوع، ثم جذبت منه طبقًا به خبز التوست، والتقطت النوتيلا الصغير الموضوعة جانبًا، وتسللت للدرج الصغير المؤدي للأعلى، لا تعلم بأنه يسوقها لقدرها المحتوم!
******
ترك راكان الجمع فور رؤيته لعمران وزوجته، فاتجه إليهما يرحب باحترامٍ:
_عمران باشا منور الحفلة.
احتضنه عمران وهو يهنئه قائلًا:
_مبارك يا وحش السوق.
رفع حاجبيه باستنكارٍ:
_هنيجي فين جانبك.
وتابع بمزحٍ:
_بنحاول نتعلم منك احنا لسه بنبتدي على الهادي.
تعالت ضحكاتهما، ليقطعها صوت مايسان الرقيق:
_ألف مبروك يا استاذ راكان وأن شاء الله تكون فتحة الخير لحضرتك.
منحها ابتسامة واسعة، وهو يشير لها بامتنانٍ:
_مايسان هانم أشكرك، حقيقي تشريفك هنا النهاردة ده شرف ليا.
رد على استحياء:
_الشرف ليا أنا.
وتساءلت باستغراب وهي تتفحص القاعة:
_أمال فين شمس؟
استدار حوله وقد تذكر أمرها:
_كانت هنا من شوية.
بزغت عينيها صدمة، حينما أحاطت تلك الأفعى بزوجها، تضع القبلات الجريئة على خده وعنقه وهي تردد بمياعةٍ:
_افتقدتك عزيزي.
لف ذراعه حولها بفرحةٍ وهو يردد:
_كنت واثق أنكِ ستأتين.
رمش راكان بعينيه بدهشةٍ، من رؤيته لتلك الفتاة تحتضن عمران بتلك الطريقة الفاضحة أمام زوجته، وعلى ما يبدو له ادراكها للأمر مسبقًا، لم يعنيه الأمر كثيرًا فتلك الامور المعتادة بين طبقة رجال الأعمال، فانسحب من بينهما حينما وجد علي يدلف من باب القاعة، أسرع إليه يرحب به:
_دكتور علي مش معقول إنك أخيرًا خرجت من قوقعتك الطبية وجاي تحضر معانا الحفلة!
ضحك وهو يضمه ليهمس له بحنق:
_مجبور والله يا ابو نسب، دي أوامر فريدة هانم ولازم تتنفذ ما أنت عارف.
تعالت ضحكاته بعدم تصديق لما تفوه به، فتابع علي وهو يتفحص الجمع:
_أمال فين عمران وشمس؟
أشار له على الطاولة التي جمعت أسرته، فتركه وولج للداخل ليتفاجئ بمايسان تجلس على الطاولة بمفردها وعينيها تجوب من يقف بالبعد عنها يحتضن عشيقته ويضمها لجسده بطريقة مخجلة، دنى منها فما أن رأته حتى أزاحت دموعها وهي ترسم بسمة صغيرة مرددة:
_علي!
جلس قبالتها يتأملها بحزنٍ، فقال وهو يقدم لها علبة من المناديل:
_امسحي دموعك يا مايسان، الكلب ده ميستهلكيش.
وردد وهو يتابع أخيه:
_بس متقلقيش أنا هعرف ازاي أوقفه عند حده هو والزبالة اللي معاه دي!
*******
بأعلى سطح الشركة.
جلست على السور الخارجي، تضع النوتيلا على الخيز وتتناولها بتلذذٍ، قدميها ترفرف بحرية واستمتاع، خصلات شعرها المموج تتطاير من خلفها وضحكاتها تتناثر دون توقف وهي تقص موقفها المضحك لرفيقتها، فقالت وهي تقضم قطعه من الخبز:
_اهدائي قليلًا جومانه، ماذا عساني أفعل بالأسفل، راكان الأحمق لا يجيد سوى الحديث بما يخص الشركات، ليته يعلم بأنني لا أطيق رؤية وجهه الساذج.
انكمشت تعابيرها بغضب لحق نبرتها:
_بربكِ يا فتاة، تعودين لاسطوانة رجل الاعمال الناجح الوسيم أنا لا أراه وسيمًا!!
وأغلقت الهاتف وألقته جوارها وهي تردد:
_هحجزلك كرسي جنب فريدة هانم، عشان تحكوا طول النهار عن الطبقة الآرستقراطية!
_أيه ده إنتي بتتكلمي عربي!
صعقت حينما اقتحم صوتًا ذكوريًا عالمها المثالي، فاستدارت للخلف تراقب من يقف خلفها، لتجده شابًا جذابًا يرتدي حلى سوداء اللون، شعره بني غزير مصفوف بحرافيةٍ وكأنه قضى نهاره بتصفيفه، عينيه سوداء قاتمة كسواد الليل المخيف، اقترب منها وهو يحاول منع ضحكاته بالوصول إليها، وخاصة وهو يتفحص ما بيدها، فقال وهو يشير بعينيه:
_في نوتيلا على وشك!
حاولت ازاحتها بيدها فسقط الطبق منها، رفعت يدها الاخرى تزيح بها فسقطت عنها النوتيلا، انفجر ضاحكًا على هيئتها، فاقترب منها وهو يشير:
_خليني أساعدك.
وانحنى يجمع ما سقط عنها ومازالت تراقبه عن كثبٍ، فقالت بارتباك:
_أنت سمعت كلامي كله؟
رفع عينيه إليها وهز رأسه مبتسمًا، ابتلعت ريقها بتوتر وتساءلت بحماقة :
_هتقول لحد؟
قدم لها النوتيلا وصمته يطول به ويقلقها، إلى أن قال بثبات:
_إنتِ عندك حق الجو تحت ممل، خليكي هنا مع النوتيلا.
وتركها وكاد بالمغادرة، فاوقفته قائلة:
_استنى عندك، مقولتليش إنت مين؟
استدار إليها ليطوفها ببسمةٍ هادئة، قبل أن ينطق:
_أنا آدهم الحارس الخاص براكان باشا ودراعه اللمين.
انفلت فمها أرضًا، فتعالت ضحكاته مجددًا، فدنى إليها وهو يتفحص ملامحها الملائكية بنظرة خاطفة، قبل أن يهمس لها باحترامٍ:
_أنا مشوفتكيش ومسمعتش حاجة، متقلقيش يا شمس هانم.
منحته ابتسامة رقيقة، ورددت بتشتتٍ:
_أنا بشكرك.. بس أنا فعلا بشوف راكان ده شخص بارد ومعقد.
اصابته نوبة ضحك مجددًا، تخلى عنها فور سماعه رنين هاتفه، فرفعه وهو يحاول جاهدًا السيطرة على ضحكاته مرددًا:
_أيوه يا باشا، دقايق وهكون عندك.
وتركها وكاد بالمغادرة ولكنه استدار ليخبرها:
_أنا كمان نظرتي ليه شبه نظرتك.
وغادر تاركًا بسمة ساحرة مرسومة على شفتيها، فضمت النوتيلا إليها وهي تردد بعينين ترمشان دون تصديق:
_معقول أكون لقيت فارس أحلامي!
******
بالأسفل.
تعلقت عينيها بالخاتم الالماسي بعدم تصديق، فتعلقت برقبته وهي تردد بعدم تصديق:
_أووه حبيبي.. شكرًا لك.
ابتسم وهو يهمس لها بجراءة:
_لا.. اشكريني حينما نصبح بمفردنا بغرفتنا، أشتاق لكِ ألكس.
أمسكت يده وغمزت له:
_فلنذهب اذًا.
توقف عن تتبعها حينما أوقفه علي، ليصبح في مواجهته، لعق عمران شفتيه بارتباك وهو يردد:
_علي!

تعليقات



×