رواية بك أحيا الفصل الرابع و العشرون بقلم ناهد خالد
الفصل الرابع والعشرين "من أنتَ"
وصلت للبناية الساكنة فيها وصعدت درجاتها بارهاق بعد يوم طويل كالعادة، ولكنها شهقت بصرخة كُتب لها الكتم حين وُضع كف غليظ فوق فمها، مكبلة من الخلف بذراع قوية وكف يمنع خروج صوتها، وجسد بدى قويًا يصطدم بظهرها، كل هذا جعل جسدها ينتفض بقوة ودموعها تهوى بفزع، حاولت التملص أكثر من مرة لكنها لم تنجح، واستمعت لصوته الكريه يهتف بجوار أذنها:
_ بقى مراتي جاتلك عشان تحذرك أنتِ والواد ابن ال **** مني مش كده! هي بقى وخدتها جزتها، وجه وقتك تاخدي جزاتك عشان رفضتي تتعاوني معايا ووقفتِ في صف ننوس عين امه.
حاولت التملص وهي تتحرك بلا هواده والذعر تملكها أكثر، ولكن قبضته المحكمة عليها حالت دون ذلك، وفي اللحظة التالية كانت تتلقى عقابها كما أشار منذُ قليل، فوجدت رأسها تُصدم بالحائط المقابل لها بقوة طفيفة جعلتها تشعر بأن رأسها قد رُجت من الداخل، وانتابها دوار طفيف، جعلها تستند على الحائط بضعف بعدما تركها أخيرًا وهو يقول:
_ دي قرصة ودن بسيطة، المرة الجاية صدقيني هتندمي إنك وقفتِ مع واحد وقف في وش الوحش، وهعتبرك عدوتي زيه.
أنهى حديثه ونزل الدرج في ثواني تاركًا إياها وقد تهاوى جسدها أرضًا بتعب بعدما شعرت بسيل خفيف من الدماء يسير فوق جبهتها نزولاً لوجنتها اليمنى، ظلت هكذا لثواني حتى استطاعت أن تشعر بخفة الدوار فنهضت مستندة على الجدار لتصعد بعض الدرجات الفاصلة بينها وبين شقتها، وضعت المفتاح في الباب وفتحته ببطء كي لا توقظ شقيقها في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ويفزعه مظهرها هكذا، ونجحت في أن تدلف دون ضوضاء، حتى وصلت لحمام الشقة والتقطت علبة الاسعافات الأولية واتجهت بها لغرفتها كي تداوي جرحها.
وقفت أمام المرآة تعقم الجرح وتمسح الدماء المنسدله منه وهي تتأفأف بغيظ محدثة نفسها:
_ أنا ايه دخلني في الموضوع من أصله! حاجه غريبة بجد أنا لا اتكلمت ولا اتنيلت ودخلوني في الموضوع بالعافية.
استمعت لرنين هاتفها فاتجهت له لترى من المتصل، وجدته رقم غير مسجل، وهذا جعلها تحتار هل تجيب أم لا، ولكن ضرب في رأسها أن "زين" قد أخذ رقمها فلّعله هو المتصل! وهذا ما جعلها تفتح الخط مقررة القاء السلام ولكن قبل أن تقول أي شيء، وجدته يندفع كالاعصار وهو يسألها بهياج:
_ ابن ال**** ده كان بيعمل ايه في بيتك؟
ابتلعت ريقها مجفلة من اندفاعه الغير متوقع، وقد خشت نبرة صوته حقًا، فحاولت الرد بهدوء كي لا تخلق مجزرة على وشك الحدوث إن سمع "زين" منها ما لا يرضيه:
_ مفيش حاجه.. هو مجاش أصلاً.
استمعت لصياحه بها مرة أخرى:
_ متكدبيش، أنا متأكد انه كان عندك، هتخلصي وتقولي ولا اروح اسحله من بيته دلوقتي من غير حتى ماعرف عمل ايه.
حسناً هي ترى جانب في شخصيته لم تراه من قبل، ولم تتوقعه! ولكنها كانت محقة حين قررت عدم اخباره بما حدث، فأصرت على قرارها، واجابته ببعض الحقيقة وهي تخبره:
_ تمام، هو فعلاً كان هنا، كان مستنيني على السلم، وأول ما شافني هددني ان دي اخر مره هيحذرني فيها، وقالي انه عارف ان مراته جاتلي هنا، وانها جت تحذرني منه، وقالي لو اتدخلت في الموضوع تاني بأي شكل مش هيحصل كويس.. بس كده، ممكن تهدى بقى!
وهل سيهدأ وهو يسمع منها قدومه لها في دارها وتهديده السخيف ذاك! هل سيهدأ وهو يعلم أن أحدهم يطاردها وبث بعض الخوف في نفسها! لا لن يهدأ حتى يلقنه درسًا يجعله يتجنب رؤية ظلها حتى..
_ تمام.
فقط! فقط هذا ما قاله قبل أن يغلق الخط في وجهها! ولكنها لم تهتم كثيرًا وهي تفكر فقط، في سبب انفعاله الزائد هذا! ومن أين علم وجود الوحش في منزلها؟ هل يراقبها؟ ولِمَ يفعل؟ بدت تشعر بتصرفات غير مفهومة من جهته، تصرفات لا تصدر سوى من شخص مهتم! ولِمَ يهتم لها؟ هل تعجبه أم تراوده مشاعر تجاهها؟!
زفرت أنفاسها بقوة وهي تستشعر ارتفاع وجيب قلبها وقالت:
_ وبعدين بقى، بلاش افكر كده ليكون بيتعامل معايا عادي واكون وهمت نفسي على الفاضي.
وهكذا قررت بالفعل كي تنهي افكارها الغريبة التي بدأت تراودها..
-------------------
فتحت عيناها للدنيا مرة أخرى وهي تشعر أنها حقًا قد عادت من الموت، التقطت أنفاسها المختنقة، واعتدلت في نومتها جالسة بعدما أبصرت "باهر" أمامها، نظرت له بتيه في بادئ الأمر حتى تذكرت ذلك الدخان الكثيف الذي قابلها فجأة حين فتحت باب غرفتها، كان كثيفًا لدرجة انها لم ترى أمامها وثواني ووجدت ذاتها غير قادرة على التقاط أنفاسها، شعرت بالاختناق، وكأن أحدهم يطبق على عنقها، مما جعلها تسقط فاقدة للوعي، وهي تشعر بأنها نهايتها..
تساقطت دموعها بخوف حقيقي حين عاد ذلك الشعور ليراودها مرة أخرى، وثواني وكانت تنساق لبكاء قوي أخرجت فيه كافة مشاعرها السلبية، وهو تركها لأنه يعلم حالتها الآن... حتى بدأت تهدأ فهتف برفق:
_ هديتي شوية؟
هزت رأسها بايجاب وهي تمسح دموعها، فسمعته يسألها باستفسار:
_ ايه الي حصل؟
ضمت شفتيها بأسف وهي تكبح بكاءها بينما تخبره:
_ مخبراش.. انا فجأة شميت ريحة دخان، افتكرت اني كنت سايبة الطاسة على النار وفيها زيت بيسخن عشان اجلي بطاطس، جريت افتح الباب لجيت دخانه رهيبة جابلتني معرفتش اوصل للمطبخ اصلاً، واتخنجت فوجعت على الأرض.
هز رأسه بيأس منها وهو يردف:
_ وبعدين يا فريال، انتِ مش ناوية تركزي شوية، من وأنتِ صغيرة وموضوع النسيان ده عندك مش طبيعي، مجرد ما بتنشغلي بحاجة تانية بتنسي الي كنتِ بتعمليه.
- اعمل ايه طيب هو بمزاجي!
_ ما أنتِ كده خطر تقعدي لوحدك.
أردف بجملته التقريريه وهو يفكر في حل لتلك المعضلة، حتى وجده أخيرًا، حين ضربت فكرة ما برأسه، فقال:
_ تحبي تروحي تقعدي مع خديجة؟
رفعت رأسها له على الفور تسأله بلهفة حقيقية:
_ هو ينفع؟
اومئ برأسه وهو يخبرها:
_ ينفع، بس هيكون بعيد شوية عن الجامعة.
- مش مشكلة، بس انا هكون مرتاحة اكتر.
اومئ برأسه متفهمًا، فهو يعلم ارتباطها بخديجة، واشتياقها لها منذُ غابت عنهم، وبالأخير هي فتاة مثلها فسيكون التعامل بينهما اسهل على أي حال، وستستطيع المكوث معها بنفس المنزل:
_ تمام، هكلمها اعرفها واشوف هتقول ايه؟
_ هي ممكن ترفض؟
سألت بها "فريال" بجبين مقطب استغرابًا، واكملت حديثها متسائلة:
_ هي زعلانة مني يا باهر؟ الي حوصل مكنش ليا دخل فيه، بس يمكن زعلانة مني عشان الي أمي سوته!
نفى برأسه وهو يجيبها:
_ لأ، ليه بتقولي كده! خديجة مبتاخدش حد بذنب حد، هي بس يمكن خافت تتواصل معاكِ ليعرفوا، وبقول هعرفها عشان طبيعي اعرفها الأول، اكيد مش هتطبي عليها فجأة كده.
لم تقتنع كليًا بحديثه لكنها قررت تمريره، فأومأت له برأسها بارهاق، فنهض هو قائلاً:
_ هروح انام بقى، وبكره هجيب حد يدهن المطبخ الي باظ ده عشان صحاب الشقة ميكتشوفش الي حصل، تصبحي على خير.
_ وأنتَ من أهل الخير.
رددتها وهي تنهض مغلقة الباب خلفه، ولم تعلم لِمَ لكنها شعرت برغبة ملحة لتحدثه.. هو زوجها، من لم يعاود مهاتفتها كما أخبرها! لكنها لم تهتم الآن، والتمست له ألف عذر، ورغم تخطي الساعة الثانية صباحًا، لكن رغبتها الملحة دفعتها لمهاتفته غير عابئة بالتوقيت، امسكت هاتفها وبتردد طفيف كانت تطلب رقمه، وفي الرنة الأخيرة بعد ان تملكها اليأس كان يجيب مكالمتها، ليشرق وجهها وهي تستمع لصوته، كان واضحًا من نبرته أنه كان نائمًا، فكان أول ما هتفت بهِ:
_ أنا أسفة إني صحيتك.
اتاها صوته الاجش وهو يسألها:
_ في حاچة حوصلت!؟
شعرت انها قد تسرعت حقًا، فكان عليها الإنتظار للصباح حتى! لم يكن عليها الاتصال بمثل هذا الوقت، فقالت بارتباك:
_ لا، خلاص كمل نومك.
انتفصت فجأة على نبرته الهادرة بها وهو يقول:
_ ايه الهزار الماسخ ده! بتتصلي جرب الفجر وبعدين تجولي كمل نومك!
ادمعت عيناها من حديثه وهي بالأساس لا تحتمل أي غضب منه، فيكفي ما عانته منذ قليل، وكي تتجنب غضبه قررت اخباره بالسبب الحقيقي لاتصالها، فقالت بنبرة مختنقة:
_ أنا... أنا الشجة كانت بتولع بيا من شوية، ولولا باهر كسر الباب ودخلي مخبراش كان جرالي ايه، خصوصًا ان اغمى عليا من ريحة الدخان.
وياليتها لم تخبره فبكل برود كان يعقب على حديثها:
_ زين، بتتصلي بيا دلوجتي ليه؟ مش هو لحجك وبجيتي زينة! هسوى ايه اني زيادة!
_ أسفة إني جلجتك.
واغلقت المكالمة، ليس لشيء، سوى لكي تنهار في البكاء، اوجعها رده، جعلها تشعر ان حياتها لا تفرق معاه في شيء، رده الذي لم تتوقع أن يكون قاسيًا هكذا! لجأت له لأنها شعرت أنها تريد طبطبته عليها بشكل او بآخر، شعرت أن مجرد الحديث معه سيبثها الأمان، لانها وللأسف ليس لديها أم كباقي الأمهات تخشى عليها ويهمها أمرها لتحدثها، بالعكس هي موقنة أن رد والدتها كان سيكون أقسى، لهذا لم تحاول محادثتها حتى.. وبين قسوة وأخرى تُدهس هي وسط إناس قاسية قلوبهم كقسوة الحجارة وأشد قسوة.. لم تمر عليهم المشاعر الإنسانية بكافة معانيها..
---------------
دلفت للمطعم بقلب يخفق وجلًا مما على وشك الحدوث، تعلم أن ذلك الهائج في مهاتفته معها أمس حين يرى جرح جبينها والملصق الذي وضعته لتخفيه، ستثور ثائرته، ربما السبب الرئيسي سيكون كونها كذبت عليه ولم تخبره بكل ما حدث، لم تخبره أن ذلك الحقير قد رفع يده عليها مثلاً! هل يجب أن تخشى رد فعله؟ لِمَ؟ هو لا يخصها بشيء! لكنها تفعل!!
بدلت ملابسها وخرجت من الغرفة الخاصة بالتبديل متجهة لمحلها كالسارقة تمامًا، تخشى أن يراها رغم معرفتها لحدوث ذلك بالتأكيد، وقفت تجهز لعملها، كانت مستديرة حين سمعت صوته من خلف ظهرها يهتف بنبرته المميزة:
_ مساء الخير يا خديجة.
ارتفع وجيب قلبها، وشعرت بالدماء تموج في رأسها وهي تجيبه بتوتر دون أن تستدير:
_ مساء النور.
عقد حاجبيهِ باستغراب لعدم استدارتها له، هل هي مشغولة فيما تفعله لهذه الدرجة!؟
_ عاملة ايه دلوقتي؟
وللمرة الثانية كانت تجيبه بنفس الوضعية:
_ الحمد لله.
تحركت بخطواته مجتازًا القطعة الرخامية الكبيرة وقد تأكد بوجود خطب ما بها، وبعدما أصبح خلفها تمامًا كان يسألها:
_ أنتِ بتكلميني بضهرك ليه؟
توترت أكثر حين شعرت بهِ خلفها وسمعت صوته القريب، إذًا لا مفر، هكذا قالت لذاتها وهي تستسلم لتستدير له بثبات واهي:
_ مفيش انا بس كنت....
ارتدت للوراء بأعين متسعة حين رأت نظرته تلك... كانت نظرة سوداوية بحتة، لا يتخللها أدنى شعاع نور، نظرة تعبر عن كثير من الغضب والشر الذي انتباه فور وقعت عيناه على ضمادة جرحها، اصطدام ظهرها بالقطعة الرخامية خلفها هو ما اوقفها...
_________________
استيقظت "هاجر" من نومها على صوت رنين الهاتف، لتتأفأف بنزق فقد انهت عملها صباحًا وكانت تريد النوم حتى المساء دون أن يوقظها أحد، مدت ذراعها تلتقط الهاتف وقد نوت اغلاق المكالمة، لكن سرعان ما أفتر ثغرها عن ابتسامة محبة حين قرأت اسم المتصل والذي لم يكن سوى حرفان "Sh"، اجابت المكالمة وهي تردف بصوتٍ ناعم:
_ صباح الخير.
اتاها الصوت على الجهة الأخرى:
_ صباح الورد على عيون أجمل جوجو... بس احنا بقينا العصر.
اجابته مبتسمة:
_ خلصت شغل الصبح، فنمت محستش بنفسي.
همهمة بسيطة ظهرت منه ثم سمعت صوته يقول بنبرته التي تذوب بها:
_ وحشتيني.
اغمضت عيناها تستشعر حلاوة كلمته مع نبرته التي تدلف لاعماقها دون حاجز:
_ وأنتَ كمان وحشتني اوي.
_ هنتقابل امتى طيب؟ أنا مبقتش متحمل كل البُعد ده، احنا بقالنا ٣ شهور متقابلناش.
بدت نبرته نزِقة، وغير محتمل بُعد أكثر حقًا، مما جعلها تنصاع لرغبته وهي تخبره:
_ خلاص يا حبيبي ايه رأيك نتقابل على ١ بليل كده.
_ تمام، بس متتأخريش عشان مفتاح الشقة ضايع مني على ما اطلع نسخة.
ابتسمت بلطف وهي تخبره:
_ عيوني، يلا بقى سبني اكمل نوم.
استمعت لرده العابث وهو يخبرها:
_ هسيبك طبعًا، عشان تفوقيلي بليل، بقولك بقالنا ٣ شهور متقابلناش!
ضحكت بدلال انثوي ازاد من اشتياقه وهي تقول:
_ خلاص بقى.. فهمت على فكرة، يلا باي.
تنهيدة قوية صدرة منه تبعها بقوله:
_ باي يا حبيبي.
اغلقت الهاتف لتتسطح بظهرها فوق الفراش وابتسامة واسعة تزين ثغرها وهي لا تصدق أنها ستجتمع بهِ أخيراً اليوم بعد ثلاثة أشهر من الاشتياق!
_____________
ابتلعت ريقها بوجل، وهي تتابع نظراته، ذكرتها بأحدهم! وهذا ما جعلها تغمض عيناها لوهلة لتزيل من ذاكرتها شبح تلك النظرات المماثلة التي تأتي لها من ماضي بعيد، وفي أثناء هذا وقبل أن تفتح عيناها كانت تشهق بخضه حين شعرت بأصابعه فوق جبهتها، فتحت عيناها وهي تحاول التراجع بنصف جسدها العلوي قدر الإمكان وتحرك رأسها بعيدًا عن مرمى يده بأعين متسعة، لكنه فاجئها حقًا بخطوته التالية حين أمسك بفكها بقوة ليثبتها وهو يهتف بنبرة خشتها:
_ اثبتِ.
ولا تعلم كيف، لكنها ثبتت! ثبتت محلها كالتمثال تمامًا، وكأن كلمته اعطت الأمر لجسدها فورًا دون الرجوع لها.
خفتت انفاسها، بل في الثانية التالية كانت تحبس نفسها تمامًا، حين كان بهذا القرب، الفاصل بين وجهه ووجهها لا يتعدى العشر سنتيمترات! حتى كادت تشعر بقرب ملامسة أنفه لأنفها.
يتملكه طاقة غضب إن أذن لها بالخروج ستحرقها هي أولاً، فقط لانها كذبت عليهِ بالأمس حيال حقيقة ما حدث، لم تخبره أن ذلك اللعين قد ضربها، لو أخبرته لضاعف ما تلقاه على يده أمس، وهذا ما يشعره بضرورة زيارة أخرى له! بأصبعيهِ كان يزيل اللاصق الطبي الذي وضعته برفق ليتفحص جرحها، يعلم اهمالها جيدًا فأراد أن يطمئن على حالة الجرح لعلّه يستدعى رؤية طبيب، أزال اللاصق لتتجعد ملامحها قليلاً أثر نزعه، وظهر جرحها الذي لم يكن يستدعي رؤية طبيب لكنه لم يكن هين أيضًا فقد تورم المكان حول جرحها، ولم يأخذ الجرح مكانًا هينًا، حبس أنفاسه الحارقة في صدره وهو يسألها بخبرة:
- خبطك في الحيطة؟
اتسعت عيناها ذهولاً فكيف تبين الأمر! تجاهلت ذهولها وهي تحاول شرح الأمر له:
_ هو مكانش...
ابتلعت باقي حديثها بشهقة حين تحرك كفه القابض على فكها ليقبض على كتفها بقوة آلمتها وهو يردد محذرًا:
_ خديجة!
وجدت ذاتها تومئ برأسها وقد خشت شره! خشت ما تراه في عينيهِ وقوته المباغته التي بدأ في استخدامها عليها! زفرة حارقة خرجت منهُ اصطدمت بوجهها قبل أن يسألها ثانيًة:
_ عمل ايه تاني؟
هزت رأسها بسرعة وهي تخبره بصدق:
- معملش والله...
ثبت نظراته لنظراتها للحظات استشف فيها صدقها، ليخفف قبضته من عليها وتحتل عيناه نظرات غامضة، قبل أن يربط بكفه على كتفها برفق وهو يخبرها:
- اهدي.
وقد قالها بعد أن أصبحت أنفاسها متسارعة من كثرة الضغط الذي وضعها بهِ، رفع كفه الممسك باللاصق الطبي ووضعه على جبينها باهتمام ورفق، قبل أن يرحمها أخيرًا ويبتعد..!!!
سُلطت نظراتها على ظهره بينما يسير مبتعدًا، نظراته وقربه وحديثه واهتمامه، كل ما حدث منذُ قليل جعل شكها يبلغ العنان فوجدت ذاتها تقترب خطوتان قبل أن تهتف بصوت مرتفع بهِ اهتزاز واضح:
- مرااد..
والزلة قد أتت منهُ حين توقفت خطواته عن السير وتجمد محله، لتتسع عيناها بفزع، ويغمض هو عيناه لاعنًا ذاته من بين أسنانه.. فكيف له أن يخطأ خطأ كهذا؟! هل كشف عن ذاته للتو بغبائه!!!!
#هيتبع