رواية تدابير القدر (كاملة الفصول)بقلم بسام غانم


 رواية تدابير القدر الفصل الاول بقلم باسم غانم



تفرك تلك الفتاة يديها بتوتر و هى تنظر حولها بقلق و ترقب !
تشعر ان قلبها يدمى خوفاً و ألماً ..
من يصدق أن الأمور سارت بتلك السرعة ؟ !
أغمضت عينيها بقوة تُنزل عبراتها الساخنة على وجنتيها ..
ظلّت تتذكر ما حدث معها حتى الأن لتشعر بالإختناق ..
لولا إنها مسلمة لكانت إنتحرت من كل ما عانته !
أزالت طرحتها البيضاء التى تستر شعرها ..
ليظهر شعرٌ أسود طويل مسترسل يتناسب مع لون عينيها الداكن يزين جمالها , و بشرتها البيضاء الناعمة ..
وقفت ببطئ تنظر حولها بحيرة و تتضح تفاصيل فستانها الأبيض الملكى ..
فستان ابيض واسع ذو أكمام خفيفة و طويلة ..
به تطريزات على شكل فروع شجر مُطعمة بنهايتها بحجر كريم احمر صغير !
كان قوامها ممشوق متناسب مع قامتها القصيرة
رفعت فستانها الأبيض ببعض الصعوبة أثراً لثقله ..
ظلّت تسير ذهاباً و إياباً فى توتر بالغ ..
أتلك حالة فتاة فى ليلة زفافها ؟ !
لم تكن تريد هذا البتة ..
بل كانت ترسم لنفسها فتى أحلامها فى أحلامها الوردية ..
و ينتهى الأمر بها بتلك الطريقة ..
هزّت رأسها بسرعة بغرض طرد تلك الفكرة عن بالها ..
كيف تعترض على شئ قدمه لها ربها ..
لا بد و أن هنالك خير به عقلها البشرى لا يعرفه !
و لكن هذا لا يمنعها عن التفكير فى مخفيات الأمور ..
ترى كيف ستسير حياتها الجديدة ؟ !
كيف ستتأقلم مع الوضع الجديد ؟ !
رجل كبير فى السن و يبدو الخبث على وجهه !
شعرت بقشعريرة تسرى فى جسدها ..
شعرت بنبضات قلبها تتسارع و أنفاسها تتباطئ !
توقف عقلها عن التفكير عندما شعرت بخطوات تتقدم نحو الغرفة ..
نظرت للباب بوجل و الرعب يعتلى قسمات وجهها !
تراجعت عدة خطوات للخلف و إرتجفت أوصالها خوفاً عند دخول هذا الرجل المولى وجهه عنها ..
أخيراً دخل المجهول الذى يثير فى نفسها الريبة ..
تراجعت للخلف ببطئ لتجد نفسها تقع على الفراش دون ان تدرى !
كان يقف متردداً أمام الباب ..
يفكر فى تلك الورطة التى وقع فيها عن طريق الصدفة ..
طيلة حياته لم يكن يقدس فكرة العائلة و لا يتمسك بها !
و ها هو يحكم على حياته بالغنهيار لأجل غنقاذ عائلته !
ضيق عينيه فى ضيق ناظراً للباب ..
و توعد لتلك الفتاة التى إستطاعت التلاعت و الإيقاع برب عائلته !
و تعهد على جعلها تندم !
و أخيراً ادار مقبض الباب ليدلف للداخل  أعطاها ظهره مسرعاً !
ظلّ يفكر ماذا سيقول لها الليلة و كيف سيتعامل معها !
إبتسم بتهكم و ثقة ؛ كونه يعرف يتعامل مع تلك النوعية جيداً !
تمهل قليلاً قبل أن يلتفت لها و يلقى عليها نظرة مستحقرة !
و لكنه لم يستطع إبعاد ناظريه عنها !
لقد لاحظ البراءة الذى يتمتع بها مظهرها !
فجسدها الصغير و عيناها النجلاواتان السوداوتان أكسباها براءة واضحة !
إبتسم ساخراً كون أن والده إنخدع فى مظهرها البرئ !
أبعد ناظريه عنها بعدما تفرس ملامحها لبرهة ..
و أخرج سيجارة ليشعلها و يضعها فى فمه بهدوء !
مشاعر كثيرة إجتاحتها فور أن ألتفت إليها !
و لكن الشعور الذى طغى و تملك حماسها هو الزهول !
كيف لهذا الرجل أن يكون بلغ الخمسين من عمره ؟!
شاب طويل فى حلته السوداء ذو شعر قصير بعض الشئ و له بنية قوية ! 
حدثت نفسها بإنه لم يتعدى الثلاثين بعد !
أخذ الإنزعاج حقه من ملامح وجهه ..
أغلق الباب و تريث قليلاً قبل أن يلتفت إليها .
نظرت له بإستنكار غير مصدقة لما رأت !
و كان المركز الثانى من نصيب الخوف !
نظرة السخرية و الإستحقار التى ألقاها عليها , و الشر فى عينيه , و بنيته القوية التى هى بالنسبة لها .. طفلة !
كانو كافلين بأن يلقوا فى قلبها الخوف !
إزدرأت ريقها بخوف و هى تحاول تجميع ما ستقوله له !
كيف تتراجه بأن يرحمها ؟ !
كيف سيرحمها فى الأساس و هو أقدم على هذا الفعل من البداية ؟ !
حسمت أمرها و قررت أن تتحدث ..
فهى لن تلقى بنفسها إلى التهلكة دون محاولة على الأقل !
خلع ربطة عنقه بعدما ألقى على تلك الفتاة نظرة باردة لاذعة ..
لم يدقق حتى فى معالم وجهها ..
و الأعجب إنه حتى لا يعرف إسمها ..
كان يتحرك كالنمر الحبيس فى أرجاء الغرفة ..
يحاول البحث عن حل فى الورطة التى وقع بها ..
سمع صوتاً مهزوزاً خائفاً :
سيد أحمد أرجوك إرفق بى !
أحمد ؟ !
نظر لها بإستنكار يحاول سمع ما قالته بوضوح ..
إنها حتى لا تنظر له ..
إبتسم بسخرية و هو يراها تمثل الحياء !
لم يفهم كلامها على الوجه الاكمل !
ما ان نظر لها حتى أنزلت رأسها أرضاً من حدة عيناه !
فضّلأ الصمت ليسمع كلامها المتبذل !
ضغطت على فستانها بقوة و هى تشعر بالإختناق ..
أكملت هى برجاء و ظهر البكاء فى صوتها :
أنا مثل إبنتك دعنى و شأنى أرجوك !
بالرغم من إنه لم يفهم مغزى كلامها إلا إنه إنتفض ضاحكاً ..
نظرت له بترقب و خوف و حيرة !
توقف عن ضحكاته و قال بإستنكار يشوبه الشك :
أحقاً لا تعرفين إننى لست بأحمد ؟ !
ليس بأحمد ؟ !
إذاً من هذا ؟ !
تهجمت ملامحها بسرعة و هى تقف قائلة بغضب هادئ :
كيف تتجرأ أن تدخل الغرفة ما دمت لست السيد أحمد ؟ !
ما زاده هذا إلا إستنكاراً !
لم يهتم لما قالته بل أخرج سيجارة من علبة السجائر الخاصة به و أشعلها ..
إلتفت عنها و هو يضعها فى فمه قائلاً :
لم تتزوجى بأحمد بل تزوجتى بإبنه !
بالرغم من توضيحه لها إلا إنه كان واثقاً تمام الثقة إنها مخادعة !
جلست على الفراش مجدداً و هى تنظر له بعدم تصديق !
لم تتزوج بالسيد أحمد ؟ !
كيف حدث هذا ؟ !
لقد كان مُصراً !
لم يشبع فضولها بل نظر لها بحدة و هو يبعد السيجارة عن فمه و قال بوعيد :
أنا لست مثل أبى مفهوم !
أكمل موضحاً و هو يتقدم نحوها :
لست ذلك الرجل المرح الهادئ و الأحمق أحياناً !
لم تتعجب من نبرته على قدر ما تعجبت من طريقته فى الحديث عن والده ..
إنتبهت إنه يقترب منها لتنظر للأرض بسرعة تتحاشى النظر له !
اكمل هو بسخرية لاذعة :
و إن كنتى تظنى إنكى إنتقلتى للرفاهية فأنتى مخطئة !
نظرت له بحيرة ليكمل موضحاً :
سأريكى العذاب بأم عينه !
لم تستطع إنكار إن كلامه قد أخافتها ..
و أهان كرماتها و حرك مشاعرها لترد عليه ..
و لكن ..
كيف ترد عليه بسوء و قد أصبح زوجها الأن ؟ !
ليس تلك بتعاليم دينها ..
و لكن إن صمتت سيعلم إنها خافت و أستسلمت ..
لذا وقفت قائلة بثبات أصطنعته :
سأكون طوعاً لك طالما شئ لا يغضب الله !
صمتت لبرهة تنظر للارض و أكملت لترد إهانته بهدوء :
و ليس من حقى محاسبتك على أى شئ ستفعله .. و لكن كن على ثقة بأن الله سيفعل !
إتسعت بسمته الساخرة و هو يسمع ردها ..
و كيف تريد أن تقنعه بأن يلين لها ..
لم يجيبها بل أمسك بوسادة و ألقاها على الأريكة قائلاً ببرود :
ستنامين هنا مفهوم !
أردف محذراً : و إياكى أن تخالفى ما أقول !
يعرف جيداً كيف يتعامل مع انواعها ..
لم تعترض او حتى تتفوه ببنت شفة ..
بل وقفت بتوتر بالغ لا تدرى ماذا تفعل ..
إنتبه هو لوقفها متصنمة ليقول بضجر و هو يخلع حذائه :
هل ستظلين واقفة هكذا ؟ !
قالت ببلاهة و عفوية : ماذا أفعل ؟ !
زفر بنفاذ صبر و هو يكتم غيظه :
أى شئ و لكن لا تقفى هكذا !
أومأت مجيبة و قد عاد ليدب الخوف فى قلبها ..
نظرت للخزانة و رفعت فستانها عن الأرض أثراً لتدليه ..
فتحت الخزانة ببطئ و هى تمتم داعية لربها أن يكون هنالك ما يناسب لترتديه ..
ظلّت تبحث بناظريها عن شئ مناسب لتتنهد براحة عندما وجدت بيجامة حمراء داكنة ناعمة الملمس طويلة ..
لم تكن بواسعة كثيراً و لكنها أفضل من لا شئ !
أخذتها و إلتفتت خلفها لتجده يجلس على الفراش بفيضوية و يدخن بصمت ..
إتجهت بخطوات بطيئة أثراً للفستان للمرحاض ليوقفها صوته الآمر قائلاً :
ما اسمك ؟ !
ألجمها سؤاله المباغت ..
أيعقل لا يعرف إسمها ..
ظلّت تنظر له لبرهة إلى أن نظر لها بحدة قائلاً بنفاذ صبر :
لقد سألتك ما اسمك ألم تسمعى ؟ !
قالت بسرعة و تعثرت و كإنها لمرتها الاولى تنطق إسمها :
نـ .. نور .. اسمى نور !
لم يأتى منه رد مما دفعها على إكمال طريقها للمرحاض ..
بدلّت ملابسها ببطئ و هى تشعر بأوصالها تتجمد ..
لا يبدو بالشخص السهل !
هى لا تعرف لمَ يشعر ناحيتها بهذا الغضب ؟ !
خرجت و هى تدعو ربها بأن يحنن قلبه عليها ..
ما أن خرجت حتى وقف من فوره عابراً من جوارها بصمت ..
نظرت له متأملة إلى أن أغلقت عينيها بقوة من قوة صفقه للباب ..
تنهدت بقلة حيلة و إتجهت للأريكة تجلس عليها و هى تفرك أصابعها بتوتر ..
تفكر كيف ستنقضى حياتها مع هذ الشخص الذى لا تعرفه ؟ !
تذكرت تواً إنها حتى لا تعرف إسمه ..
نظرت ناحية المرحاض بسرعة عندما سمعت صوت فتح الباب ..
وجدته يخرج و لم يعطى لها بالاً ليستلقى على الفراش و هو يتدثر جيداً ..
إستغربت فعلته و لم تدرى ماذا تفعل ..
و لكنها أصرت ان تخبره ..
خرج صوتها هادئاً متزناً قائلة :
ستنام ؟ !
نظر لها بترقب و هو يقول بحدة : لديكى مانع ؟ !
حركت رأسها نافية و لكنها سريعاً ما عادت لتومئ بالإيجاب ..
قالت معللة و هى تشعر بالتوتر : ألن نصلى ؟ !
إعتدل فى جلسته مسرعاً و هو يقول بإستنكار : نصلى ؟ !
نظرت لملامحه المستغربة لتومئ بالإيجاب ..
و قالت مبتسمة بلطف : من السُنة أن نصلى ركعتين فى ليلتنا الأولى !
لم تعرف ما الذى قالته يضحكه ؟ !
و لكن قد بدأ صبرها أن ينفد و هى تراه يسخر منها بتلك الطريقة ..
وقفت قائلة بحنق و هى تحاول التماسك : ما الذى يضحكك ؟ !
شعر بنبرتها الحانقة لينظر لها نظرة ثاقبة ..
نظرة أعادت الخوف لقلبها و قد توقف عن الضحك ..
لم يجيبها على أى من تساؤلاتها و عاد ليستلقى بصمت بل و أغلق الضوء !
شعرت بالدم يفور فى جسمها من كثرة الغضب و الإحراج !
و تنهدت بقلة حيلة ..

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-