رواية غرام الذئاب الفصل الثانى2 بقلم ولاء رفعت


 

 رواية غرام الذئاب الفصل الثانى بقلم ولاء رفعت


لكم في الذّكرى شجوني من أجلها تدمع عيوني، فإذا طال الزّمان ولم تروني، فابحثوا عنّي على من أحبّوني، وإذا زاد الفراق ولم تروني، فهذا كلامي فيه تذكروني
 

ها قد جاء اليوم الموعود... و لنذهب أولاً إلي مهبط الطائرات علي أرض مطار القاهرة الدولي فيدوي صوت المذيعة بالإعلان عن وصول الطائرة القادمة من فرنسا، و داخل المطار تقف جوار زوجها والسعادة تغمرها، عادت إلي أرض الوطن بعد رحلة سفر طويلة في عدة دول أوروبية، و ها قد أتت إلي وطنها بعد أن علمت بموعد زفاف ياسين علي رودينا و الذي كان مفاجأة غير متوقعة لها

 

"حمدالله علي السلامة" 

ألقاها عليهما قصي والذي كان ينتظرهما

"حمدالله علي السلامة يا عمي، حمدالله علي السلامة يا چيهان هانم" 

قام بمصافحتها بينما قام بعناق والد زوجته

الذي سأله

"أومال فين أخواتك و صبا؟" 

 

"صبا ما تعرفش غير أنها مع ملك و كارين و علياء بيحضروا نفسهم للفرح، و بالنسبة لأخواتي چيهان هانم طلبت مني ما قولش لحد منهم" 

 

عقبت چيهان

"أيوه، حبيت اعملها لهم مفاجأة، خصوصاً أن النهاردة يوم فرح ياسين اللي مش مصدقة إزاي وافق أخيراً يتجوز بعد ما كان رافض الجواز تماماً بعد موت ياسمين الله يرحمها" 

 

أخبرها قصي

"فيه مثل بيقول الزن علي الودان أمر من السحر، و ملك و آدم ما شاء الله قاموا بالواجب و زيادة" 

 

"طيب و هو يا قصي، قصدي دي كانت رغبته؟" 

 

"هو اللي يقدر يجاوبك علي السؤال ده" 

 

نظرت نحو الفراغ بتفكير

"أتمني تكون رغبته نابعة من جواه، لأن لو العكس هيبقي بيظلم نفسه و قبلها بيظلم رودينا معاه" 

❈-❈-❈ 

 

و داخل جناح كبير الخاص بتجهيز العروس، تقف أمام المرآة ترتدي ثوب الزفاف ذو الأكمام الدانتيل، من الخلف التول الشفاف الذي يكشف عن معظم ظهرها، ينتشر اللؤلؤ و الألماس الصغير علي جميع أنحاء الثوب، تتحرك يميناً و يساراً لترى كيف يبدو عليها الثوب الذي طالما حلمت به منذ سنوات و قد تحقق لها الأمر الذي ظنت أنه معجزة صعبة المنال. 

 

طرق علي الباب يتبعه أذناً منها للطارق بالدخول

"اتفضل" 

 

فتح الباب و كانت والدتها صاحبة الوجه ذو الملامح الصارمة

"ماما!، اتفضلي واقفة عندك ليه؟" 

 

دلفت وتتأمل هيئة ابنتها التي ابتسمت 

"شوفتي يا مامي، ده الفستان اللي كنت رسماه في خيالي، و أخيراً جه اليوم اللي عشت سنين أحلم بيه" 

 

هزت والدتها رأسها بنظرة تقييمية غير مرضية، تزمت شفتيها إلي الأسفل مما جعلت الأخرى تشعر بالاستياء 

"و أنا كمان كنت بحلم باليوم ده بس مع اللي يستاهلك و يقدرك، مع الوحيد اللي بيحبك و يخليكي ملكة فوق راسه، أنتي أول بخته و كذلك هو، مش واحد أرمل عايش علي أطلال المرحومة مراته اللي سابتله بنت محتاجة رعاية و بدل ما يجيبلها ناني تهتم بيها راح يتجوز و يجيب لها مرات أب" 

 

كلمات كالسموم أصابتها في مقتل، ضربة بآلاف الضربات سببت لها ألم جم في قلبها، فتلك الكلمات تخبرها به أقرب الناس لها فماذا عساه الغريب أن يخبرها هو أيضاً! 

 

"أنتي ليه بتعملي معايا كدة؟، حسسيني و لو مرة في حياتك إن أنا بنتك، جاية لي في يوم زي ده؟!، عارفة أنتي عملتي إيه كدة فيا؟!، كأنك جيبتي سكينة تلمة وقعدتي تغرزيها في جوه قلبي" 

 

أجهشت في البكاء، لم تتحمل تلك الطعنات القاتلة، اقتربت والدتها وتخرج من حقيبتها المحرمة الحريرية الخاصة بها

"أنا مش جاية أوجع قلبك، أنا جاية أحذرك لأخر مرة و إحنا لسه علي البر، فاكرة أن ما بحبكيش برغم لو قعدتي تفكري هتلاقيني خايفة عليكي، كلامي لو وجعك النهاردة، أحب أقولك جوازك من ياسين هيكون وجع هايقعد معاكي لأخر العمر"

 

صرخت بجنون

"كفاية، كفاية، مش عايزة اسمع كلمة تاني، و لعلمك أنا عمري ما هابعد عن ياسين حتي لو هاعيش في وجع، الوجع و أنا في قربه أرحم بكتير و هو بعيد عني، و هيحبني زي ما أنا بحبه، و مع الأيام هتتأكدي من كلامي"  

 

ابتسامة ساخرة يتبعها قذيفة أخرى مدمرة

"اللي أنتي فيه ما اسمهوش حب، اسمه مرض، أنتي مهوسة و مريضة بلعنة اسمه ياسين، و بكرة هتتمني أن الزمن يرجع بيكي للحظة اللي إحنا فيها دلوقتي و تتراجعي، يا خسارة يا رودينا" 

 

ألقت تلك الكلمات الحارقة وتركتها وغادرت المكان، وقفت أمام المرآة تنظر إلي هيئتها فأمسكت بزجاجة العطر و بكل قوة لديها قذفتها علي المرآة، تهشم الزجاج و تناثر في كل مكان حولها مثل حالتها الآن، جلست علي الأرض تبكي بضعف حتي سمعت إلي طرق علي الباب مرة أخرى يتبعه صوت أنثوي

"آنسة رودينا الميك أب آرتيست وصلت" 

 

مسحت دموعها سريعاً واستندت علي الأرض بيدها لتنهض و لم تنتبه إلي قطعة المرآة المكسورة، تأوهت بألم وألقت نظرة علي كفها المصاب فوجدت الدماء تدفق من جرحها النازف لكن الجرح الذي تركته لها والدتها أعمق بكثير من جرح يدها. 

 

❈-❈-❈ 

 

يغفو داخل غرفته في القصر و حوله صور زوجته الراحلة و صور أخرى تجمع بينهما، مطفأة السجائر الكريستال مليئة ببقايا لفافات التبغ المحترقة جوارها كأس شاغرة و زجاجة نبيذ فارغة أيضاً، يبدو أن ليلته بالأمس كانت حافلة بالدخان والشراب حتي الثمالة. 

يتمدد علي مضجعه يرتدي بنطال وقميص مفتوحة أزراره، لم يسمع الطرق المتكرر و المصاحب لصوت والدته

"ياسين، ياسين" 

 

فتحت الباب ودلفت لتري هذا المشهد المذكور سابقاً حينها علمت إجابة السؤال الذي كان يحيرها، اقتربت منه و جلست جواره، مالت بجذعها جواره، تداعب خصلات شعره كما كانت تفعل له ذلك وهو طفلاً صغيراً

 

"طول عمرك أكتر واحد قلبه حنين من و أنت صغير، لما بتحب، بتحب بقلبك وروحك، عمري ما انسي لما كان عندك عصفورة و سميتها چيچي علي اسم الدلع بتاعي، كنت متعلق بيها لدرجة كنت بتحط القفص جمبك و أنت نايم، و لما تعبت و ماتت قعدت تعيط عليها وفضلت مقاطع الأكل لحد ما تعبت وأخدتك علي المستشفي، من ساعتها عرفت أن الحب ليك زي اللعنة، فضلت أدعي و أقول يارب ما تجرحش قلبه و لا تعلقه غير مع اللي تحبه بجد و تستاهل حبك ليها، و برغم اللي حصل بينك و بين ياسمين ما وقفتش قدام حبكم، بالعكس كنت واقفة جمبك ومهمنيش موقف باباك ورفضه لجوازك من بنت الجنايني، مكنش يعرف أن الحب ما بيعترفش بالفروق، المهم يكون الحب متبادل ما بين الطرفين" 

 

يفتح عينيه ببطيء حتي تمكن من رؤيتها بوضوح، لم يصدق عينيه والدته تجلس جواره الآن!! 

 

نهض بجذعه مبتسماً

"ماما!، إيه المفاجأة الحلوة ديه، حمدالله علي السلامة" 

 

عانقها بقوة فأخبرته

"أنا رجعت مخصوص عشانك، أول ما عرفت بموضوع جوازك من رودينا" 

 

أمسك يدها وقام بتقبيل ظهر كفها

"حبيبتي ربنا يخليكي ليا" 

 

ربتت علي كتفه بحنان غادق و أمرته

"قوم خدلك دش، ريحة الخمرة و السجاير فايحين منك أوي و أنا هستناك في التراس" 

 

و بعد قليل... كانت ترتشف القهوة و تنتظره، رأته يخرج إليها ورائحة عطره تسبقه، تركت القدح بعد انتهائها من القهوة أعلي المنضدة. 

 

"تعالي أقعد جمبي" 

و أشارت إلي المقعد المجاور لها فجلس أعلاه 

"مش هعطلك عشان بعد شوية سيادتك المفروض تروح الأوتيل و تجهز هناك" 

 

كان يتهرب من النظر في عينين والدته، يتجنب السؤال الذي يتوقعه منها

 

"طولتي الغيبة يا ماما، كنت و لسه لحد دلوقتي محتاجلك أوي" 

 

نظرت إليه بابتسامة تمده بالأمل و التفاؤل

"أنت محتاج نفسك أكتر من احتياجك لأي حد حتي لو كان الحد ده أنا، أدي لنفسك فرصة تعيش من جديد، لكن لو أنت هاتتجوز عشان تنسي وجعك علي ياسمين الله يرحمها فأنا بقولك بلاش و إحنا فيها ممكن تنهي كل حاجة، بلاش تظلم رودينا معاك" 

 

"أنا مش هتجوزها عشان أنسي بيها ياسمين، ياسمين ماتت بس لسه عايشة جوايا، إنما جوازي من رودينا لأسباب خاصة مش حابب أتكلم فيها" 

 

أمسكت طرف ذقنه ونظرت صوب عينيه و كأنها تقرأ داخله

"مش محتاج تقولي الأسباب، أنا شايفاها في عينيك، عشان كدة بقولك يا ياسين لو ظلمت رودينا أو جيت عليها أنا أول واحدة هتلاقيني واقفة قدامك، اللي ما أقبلوش علي أختك عمري ما هقبله علي بنات الناس، فياريت تحط تحذيري ليك قدام عينيك ديماً" 

 

بشبه ابتسامة يخبرها

"اطمني، مش هظلمها" 

 

رفعت حاجبها بسخرية

"بأمارة الشقة اللي هتتجوزوا فيها قدام شقتك القديمة!" 

 

نظر إلي أسفل بحرج كالطفل الصغير أمام والدته 

"عموماً مكانكم موجود في القصر، ممكن تنقلوا حاجتكم هنا، و عقبال لما تقضوا الهني مون و ترجعوا أكون جهزتلكم الجناح اللي كان بتاعي أنا و باباك" 

 

نهض و الوجوم يعلو وجهه، اكتفي بردٍ مقتضب

"أنا مضطر أمشي عشان هاروح ألحق أجهز نفسي للفرح" 

و دنا من رأسها قام بتقبيل جبهتها وغادر في صمت، كانت تنظر في إثره 

"ماشي يا ياسين، اهرب براحتك، بس عمرك ما هاتقدر تهرب من نفسك" 

 

استقل سيارته وانطلق في طريقه نحو الفندق الذي سيقيم داخله العرس، انحرف عن الطريق و سلك آخر يتفرع منه منطقة خاصة بالمقابر و تقع بها المقابر الخاصة بعائلة البحيري، توقف بالسيارة ونظر من خلف نظارته الشمسية نحو المقابر، يتردد في النزول و الذهاب إليها لكن لم يملك الجرأة بأن يفعل ذلك، لديه شعور تجاه نفسه، شعور أقرب للكراهية، لا يرى نفسه سوى أنه خائن! 

 

انسدلت دمعة من عينه انزلقت علي خده و تتخلل شعيرات ذقنه النامية، لم يتحمل أكثر من ذلك وانطلق بالسيارة نحو وجهته الأولى. 

 

❈-❈-❈ 

 

بعد مرور ساعات معدودة، امتلأت القاعة بالحضور الذين جاءوا من أجل العروسين حيث الأقارب والمعارف والأصدقاء، يقف قصي و يليه آدم ثم يوسف في استقبال المدعويين و علي الجهة الأخرى والد رودينا وجواره رحيم ابن شقيقة زوجته التي اكتفت بالجلوس جوار شقيقتها في أحدى الأركان كالغرباء. 

 

"ألا قوليلي يا شاهيناز، هو عريس بنتك رودينا أرمل و عنده بنت، أنا عرفت من أصحابي اللي في النادي، أصل عيلة البحيري ماشاء الله سمعتهم مسابقاهم" 

 

شعرت الأخرى بالحنق لكن أظهرت نقيض ذلك علي وجهها بابتسامة صفراء

"اه يا رجاء، أرمل أو مطلق أهو في النهاية راجل و مش أي راجل، ده ياسين البحيري، و أخته و بنتي أصحاب من و هم لسه في الـ KG" 

 

رفعت رجاء زاوية فمها 

"اه ما أنا عارفة، بس بنتك برضو مش قليلة، إحنا عيلتنا كبيرة، و رودينا كانت تستاهل واحد تكون هي أول زوجة ليه زي ما هو أول زوج ليها" 

 

نهضت و قد فاض بها الكيل من حديث شقيقتها 

"عن إذنك يا رجاء، هاروح أشوف رودي تكون محتاجة حاجة" 

 

وذهبت بعيداً، فقامت الأخرى بالاتصال بابنها الذي عندما رأي اتصالها نظر نحوها، أشارت إليه بأن يأتي إليها، استأذن زوج خالته وذهب إلي والدته

"فيه حاجة يا ماما؟" 

 

"اه فيه، سيادتك جايلك نفس وواقف تستقبل معازيم فرح بنت خالتك اللي سيادتك لحد دلوقتي بتحبها ورافض الجواز بسببها" 

 

"أقولها لك تاني يا ماما، رودينا قبل ما تكون الإنسانة اللي بحبها هي تبقي بنت خالتي و سبب وجودي هنا لأن جوز خالتي عازمني بنفسه، و مش معني أن مفيش نصيب يبقي اقاطعهم إحنا أهل في الأول و الأخر، و اللي بيحب حد بيتمني له السعادة حتي لو كانت هتبقي لغيري" 

 

"طبعاً ما أنت طالع زي باباك، بسبب طيبته الزيادة عن اللزوم ما أقدرش يعيش و خلع من الدنيا بدري" 

 

نظر بامتعاض وسأم

"أنا رايح أقف مع عمي أحسن" 

 

وفي الأعلى تنتهي الفتاة من وضع اللمسات الأخيرة من مستحضرات التجميل علي وجه العروس

"تقدري فتحي عينيكي" 

 

فتحت عينيها وأخذت تتأمل جمالها التي تبرزه بعض اللمسات البسيطة، هكذا كان طلبها عدم الإفراط من تلك المساحيق. 

 

طرق علي الباب ثم فتحت ملك 

"ها، ندخل و لا لسه؟" 

 

"اتفضلي يا مدام ملك، أنا خلصت" 

 

ولجت ملك و برفقتها ياسمينا الصغيرة، تنظر إلي زوجة والدها

"زي القمر يا مامي رودي" 

 

ابتسمت الأخرى بسعادة و دنت من الصغيرة لتقبل خدها

"قلب مامي رودي أنتي اللي قمر وسكر كمان"

 

نظرت إلي صديقتها وبنبرة يتخللها التوتر سألتها

"بجد يا ملك، شكلي حلو؟" 

 

"يا حبيبتي أنتي مش محتاجة رأيي، و مالك متوترة كدة ليه، لاء أجمدي كدة يا عروسة، ده الليلة ليلة فرحك أنتي و ياسو" 

غمزت بعينها لها، جاءت كلا من صبا و كارين و علياء وخديجة، يهنئن العروس. 

 

و جاء والدها بعد أن حمحم 

"عروستي الحلوة جاهزة؟" 

 

ظهرت ابنته من بينهن تتقدم علي استحياء نحو والدها، فتح ذراعيه ليأخذها بينهما في عناق حنون 

"و جه اليوم اللي بحلم و أشوفك أحلي عروسة" 

 

"حبيبي يا بابي، ربنا يخليك ليا أنت و مامي" 

 

مد ساعده و يخبرها

"يلا بقي حطي إيدك علي دراعي الزفة بدأت و المفروض أنزل أسلمك لعريسك" 

 

و في الأسفل بدأت الموسيقي بصوت دوي في ارجاء القاعة كانت الموسيقي الشهيرة لظهور العروس، تمسك بساعد والدها و يسير بها نحو عريسها الذي ينتظرها أمام المقاعد الخاص بهما. 

 

مد ياسين يده فوضعت خاصتها، شعر ببرودة يدها و الرجفة التي تسري بها، مال نحوه والدها يلقي علي أذنه وصيته

"أنا أديتلك روحي فحافظ عليها" 

 

أومأ له الأخر و أخبره

"ما تقلقش يا عمي، رودينا في عينيا" 

 

تقف السيدات جوار بعضهن فوقف خلفهن أزواجهن، همس آدم إلي خديجة

"فاكرة يوم فرحنا يا حبيبتي" 

 

أجابت بسخرية

"و ده كان يوم يتنسي برضو، ده في قائمة الذكريات السودة يا حبيبي" 

تذكر سريعاً هذا اليوم و كأنه حينها كان مجبوراً علي الزواج وظهر في ذاكرته ومضات من مشاهد ليلة الزفاف، كان قاسياً معها، عاد من الذاكرة ينظر بامتعاض

"كان عندك حق والله، عشان كدة أنا بفكر نعمل فرح من أول و جديد" 

 

لكزته بمرفقها فأصابت بطنه وتأوه بألم، ألتفت له

"لو رجع بيا الزمن ليوم فرحنا كنت فكرت ألف مرة ومكملتش، أنا موافقة نعمل فرح من أول و جديد بس تطلقني و بعدين أفكر نرجع و نعمله و لا لاء" 

 

"علي جثتي موضوع الطلاق، و مش عايز فرح" 

 

"يعني أنا اللي عايزة؟!، أوعي من طريقي هاروح أشوف يوسف ابني حبيبي بيعمل إيه"

 

دفعته من أمامها فعقب بوعيد

"ماشي يا خديجة، ما بقاش آدم البحيري غير لما هاطلع عليكي كل اللي بتعمليه فيا، بس بعد ما نتصالح" 

 

بينما طه يقف جوار شيماء التي تتمتم 

"معقول ده ياسين اللي كان بيموت بقاله سنتين علي فراق مراته؟!، أقول إيه بس، كلهم صنف واحد ما بيطمرش فيهم حاجة"  

كان طه منشغلاً في التصفح علي هاتفه أو تحديداً يشاهد البث المباشر لجارته الحسناء و يستمع إلي صوتها عبر سماعة الأذن اللاسلكية، انتبه علي وكز زوجته له بمرفقها في عضده

"سيب المخروب اللي في إيدك و جاوب علي سؤالي" 

 

أغلق الهاتف سريعاً و خلع السماعة من أذنه

"إيه يا شوشو، فيه حاجة يا حبيبتي؟" 

 

"بقولك هو أنا يعني ألف مليون بعد الشر عليا لو جرالي حاجة هاتروح تتجوز بعدي؟" 

 

ردد بهمس خافت

"اعمليها أنتي بس الأول" 

 

"نعم؟" 

 

"يا وقعتي السودة، بقولك بعد الشر عليكي يا حياتي، ده أنا مقدرش أعيش لحظة من غيرك، و خير دليل اليومين اللي سيبتيني فيهم و روحتي قعدتي مع أختي، مدوقتش النوم و لا الأكل غير لما رجعتي بيتك بالسلامة" 

 

"اه ما أنا عارفة، حتي بدليل السفرة اللي كانت مليانة شنط الوجبات و علب البيتزا و الحلويات و لا أزايز البيبسي، ده و لا كأنك صدقت أن سيبتلك البيت" 

 

"يعني يرضيكي أموت من الجوع يعني و ما أكلش عشان اثبتلك أن أنا زعلان علي بُعدك؟"

 

"لاء يا حبيبي ما يرضنيش، أموت أنا أحسن من القهر يا بتاع روميساء"  

صاحت في أخر جملة، وضع كفه علي فمها

"وطي صوتك فضحتيني" 

 

أزاحت يده وأمسكت عضده 

"هوطي صوتي و مش هاتكلم بس خدني يلا نرقص سلو" 

 

"يارب أنا عارف أنه ابتلاء و عقاب علي الذنوب اللي ارتكبتها في حياتي" 

 

جذبته من ذراعه و دفعته نحو ساحة الرقص

"كفاية برطمة و يلا قدامي، عدي ليلتك أحسنلك" 

 

و في مكان قريب تتابع لوچي هاتفها والرسائل الواردة من عمر الذي جاء بعد أن أخبرها إنه يريدها في أمر هام و سيرحل، أرسلت إليه رسالة نصية

«استناني في الجراچ تحت و أنا جاية لك» 

 لم تنتبه إلي أسر الذي كان يقف خلفها جوار زوجته ولاحظ ما تفعله ابنة صديقه و انتابه الفضول أو ربما القلق نحو تلك المراهقة. 

بينما علياء تجلس بجوار يوسف الذي يتابع عمله عبر الهاتف

"حتي في فرح أخوك بتابع شغلك؟!" 

 

"والله المفروض لأنك دكتورة تكوني أكتر واحدة مقدرة ظروفي" 

 

كظمت الغيظ، فهو في الآونة الأخيرة أصبح يتعمد الرد الجاف و أحياناً القاسي، نهضت من جواره 

"أنا رايحة التويليت و راجعة"  

 

ذهبت فتبعتها لوچي لكن تعلم الوجهة التي تريد الذهاب إليها، ألتفت من حولها لتجد والدها الذي تظاهر بالتصفح علي هاتفه و إلي زوجته التي اختفت بين الناس، وجدت تلك هي الفرصة، و تذهب إلي المنتظر في المرآب. 

 

"رايحة فين يا أسر؟" 

 

أجاب علي زوجته

"رايح اشوف حاجة وراجع بسرعة، خلي عينك علي كارما و أمجد" 

 

ذهب وكانت عينين صديقه كعيون الصقر، نهض وذهب خلفه، و في طريقه والشك يجول صدره أوقفته والدته

"چو، تعالي معلش قيس الضغط لعابد، تعب فجأة و طلع يرتاح فوق في السويت" 

 

أطلق زفرة و كاد يجن جنونه، لكن طلب والدته لن يمكن رفضه أو تأجيله فهذا واجبه. 

 

و في الأسفل حيث المرآب، تسير بين صفين من السيارات، تبحث عنه فوجدت يد تجذبها ويدفعها نحو العمود الخرساني، شهقت بفزع

"ينفع كدة يعني؟" 

 

"آسف علي الخضة يا حبيبتي" 

و أخذ يتأمل مظهرها الجذاب والفاتن، ترتدي ثوب أسود لامع دون أكمام و يصل طوله إلي ركبتيها، بعض خصلاتها تتجمع خلف رأسها علي شكل زهرة و بقية شعرها ينسدل خلف ظهرها، كم هي جميلة و ساحرة! 

 

"آسف علي إيه و لا إيه، أصلاً مكنتش هجيلك و لا ناسي أخر مرة لما كنا في الكوخ كنت هاتعمل إيه معايا" 

 

"ما أنا جاي عشان اعتذرلك و أقولك حقك عليا مش هاكررها تاني، أنا ضعفت قدام رغبتي و مكنتش قادر أمسك نفسي عنك، لولا إزازة المية اللي كسرتيها فوق دماغي مكنتش عارف كان ممكن يحصل إيه" 

 

"أنا اللي غلطانة عشان وافقت أروح معاك من الأول، و هتبقي أول و أخر مرة هخرج معاك، و لو عايز تشوفني يبقي نتقابل في النادي" 

 

كان هناك من يستمع و يراقب الموقف من مسافة قريبة 

 

"خلاص هاعملك اللي أنتي عايزاه، المهم ما تكونيش زعلانة مني" 

 

"يعني أنت جاي من أخر الدنيا عشان تقولي الكلمتين دول؟" 

 

اقترب منها وحاصرها بينه و بين العمود

"أنا فعلاً جيت أقولك الكلمتين دول و أصالحك" 

 

دنا بشفتيه نحو خاصتها فدفعته في صدره قبل أن ينال غايته

"تاني يا عمر؟!" 

 

"أنا كنت هبوس راسك، خلاص بقي ما تكشريش، و لا أقولك خليكي كدة شكلك بيبقي حلو أوي" 

صدح رنين هاتفها وجدت المتصل علياء

"دي طنط علياء، شكلها بتدور عليا، أنا مضطرة أسيبك، باي" 

 ركضت تاركة إياه، ظهر أسر له و تعمد أن يفعل ذلك و ينظر له من طرف عينيه، حمحم الأخر بحرج و ذهب نحو باب الخروج، شعر باهتزاز هاتفه فأجاب

"ألو؟" 

 

"إيه يا سي روميو مش قولت هاتبعت الفيلم اللي صورته وأنت مع البت بنت الدكتور؟" 

 

"الفون وقع مني ومكنش عايز يفتح اضطريت أعمله سوفت و اتمسح كل حاجة من عليه بالفيلم" 

 

صاح الشاب بصوته المزعج

"سوفت يا روح خالتك!، بقولك إيه يالاه أنت أخرك معانا يومين مالهمش تالت اتصرف إلا وفيديوهاتك الحلوة مع البنات التانية هنوديها للحاجة تشوف بطولات ابنها ده غير الأفلام دي هاتنزل علي كل المواقع إياها و أهل البنات دي هايجبوك من قفاك يا هيشرحوا جتتك يا هيسلموك للبوليس وهاتبقي ترند بعنوان عنتيل شبرا، ها هاتنفذ المطلوب منك و لا نذيع يا حلو؟" 

 

نعود إلي حفل الزفاف، ترقص بين ذراعيه وتنظر إلي عينيه كل حين و الأخر، تستمع إلي الموسيقي وتتحرك علي إيقاعها كالفراشة بين يديه، بينما كان ذهنه في ملكوت خارج نطاق ما يحدث من حوله، يرى مَنْ استحوذت علي لبه تقف في زاوية بعيدة عن الأضواء، ترتدي ثوب أبيض تبتسم إليه و كأنها تهنئه، ردد اسمها حتي تلاشت الصورة و عاد إلي الواقع علي صوت عروسه

"أنا رودينا مش ياسمين" 

 

أثر الصمت بالتزامن مع توقف الموسيقي. 

 

و في أحد الأروقة صوت ضحكاتها وهي تسرع خطواتها لتلحق به

"استني يا قصي، مش عارفة أجري معاك كعب الشوز عالي و هاقع علي وشي" 

 

توقف وألقي نظرة عليها

"يبقي مفيش غير حل واحد" 

قام بحملها علي ذراعيه 

"نزلني يا مجنون، هو كل ما نحضر فرح لواحد من أخواتك تروح حاجز سويت لينا، أخوك اللي هايتجوز و لا إحنا" 

 

أنزلها أمام باب الجناح وأخرج البطاقة الإلكترونية وقام بفتح القفل من خلالها، سحب زوجته خلفه وأغلق الباب ثم دفعها نحو الحائط

"أيوه إحنا هانفضل عريس و عروسة و لا أنتي شايفة إيه؟" 

 

ينتظر إجابتها ويده تتسلل إلي سحاب ثوبها ويقوم بفتحه رويداً رويداً

"أنا شايفة كل ما بنبقي مع بعض ببقي حاسة إن أنا عروسة" 

 

"طب يلا تعالي أعيشك الإحساس ده للمرة اللي معرفلهاش رقم" 

وجدت أكمام الثوب تسقط من كتفيها ويحملها من جديد متجهاً إلي الغرفة. 

 

❈-❈-❈ 

 

كان الزفاف علي وشك الانتهاء، سألت ياسمينا الصغيرة جدتها

"نناه هو بابي و مامي رودي هيمشوا و مش هاروح معاهم؟" 

 

ربتت جدتها علي يدها فسبقتها ملك التي دنت منها وأخبرتها

"بابي و رودي هيروحوا لوحدهم و إحنا هانبقي نروح نزورهم" 

 

سألتها ببراءة

"و أنا هاروح فين؟" 

 

أجابت ملك

"هاتروحي معايا، إيه مش وحشوكي مليكة و نور؟" 

 

فتدخلت چيهان

"لاء ياسمينا هاتيجي معايا و هتبات في حضن نناه، صح يا ياسمينا؟" 

 

عانقت الصغيرة جدتها

"صح نناه" 

 

"حبيبة قلب نناه ياروحي أنتي" 

 

 

و لدي العروسين، اقتربت السيدة شاهيناز من ابنتها قامت بمعانقتها قبل أن تغادر القاعة مع زوجها

"خدي بالك من نفسك" 

 

لم تبادلها ابنتها العناق فيكفي ما قد سمعته منها اليوم و تأتي أمام الجمع و تعانقها و تمثل دور الأم الحنون، هكذا كان يدور في رأس رودينا التي وجدت يد مدت إليها، رفعت عينيها تري صاحبها فما هو سوي رحيم، و قبل أن تمد يدها سبقتها يد زوجها يصافحه بقبضة عنيفة

"الله يبارك فيك يا دكتور رحيم، معلش أصل العروسة من هنا ورايح ما ينفعش تسلم بإيدها علي حد غير محارمها" 

 

نظرت رودينا إليه ثم إلي رحيم وتخشي أن يحدث شجار، فأجاب الأخر علي زوجها

"ألف مبروك يا أستاذ ياسين، رودينا تبقي بنت خالتي و زي أختي" 

 

لم يرد المباركة فأجابت الأخرى بدلاً من زوجها

"الله يبارك فيك يا رحيم عقبالك" 

 

أومأ لها بشبه ابتسامة و ذهب بعيداً قبل أن تفضحه نظرات عينيه أكثر من ذلك، لكن تلك النظرات أدركها جيداً ياسين والذي جز علي أسنانه، لم يعط لها أن تلتقط أنفاسها فجذبها أمام عائلته و عائلتها

"يلا نروح" 

 

"ياسين، استني بس أخواتك لـ...

توقف فجأة وحدق إليها بنظرة نارية جعلتها تبتلع بقية الكلمات

 

"مش عايز اسمع و لا كلمة لحد ما نوصل لشقتنا، فاهمة؟"

 

هزت رأسها دون أن تتفوه بكلمة وسارت معه إلي خارج الفندق، تشعر بقبضته التي تعتصر أناملها، وجد السائق في انتظاره يفتح لهما باب السيارة الخلفي، ولجت إلي داخلها ثم فعل المثل. 

 

تقف چيهان تتابع ما يحدث، قالت ملك

"مامي أنتي إزاي سيبتيه ياخدها كدة و هو في الحالة دي، أنا خايفة علي رودينا ليعمل فيها حاجة" 

 

كانت تمسك هاتفها وتجري الاتصال بنجلها

"بطلي قلق يا ملك، أخوكي ما يقدرش يعملها حاجة" 

 

وضعت الهاتف علي أذنها تنتظر إجابته

"ألو يا ياسين، خد بالك من عروستك و ماتنساش وعدك ليا و ماتنساش تحذيري ليك"

 

أجاب بعد أن ألقي نظرة عبر المرآة الأمامية فوجد رودينا خائفة

"اطمني يا ماما، مفيش حاجة أنا بس مكنتش قادر أقعد أكتر من كدة، مع السلامة"  

 

أنهي المكالمة وظل ينظر إليها، في غضون دقائق توقفت السيارة فكان المنزل قريباً من الفندق. 

رفعت رأسها تنظر لما توقف السائق، ألتفت إلي ياسين فأجاب سؤال عينيها

"وصلنا" 

 

يتبع.....

تعليقات



×