رواية احفاد الجارحى اسياد العشق الفصل الثانى عشر بقلم آية محمد
…..أليس هناك ميثاقاً يسجل ذاك العشق المخلد بين النسمات المبتورة على سماع دقات القلب ..فربما لو علم المؤرخون به لمحو قصص عشق روميو وقيس وسجلوا بسرور قصتي ! ……
جعلته الصدمة فى حيرة من أمره فأخذ يتأمل من يقف أمامه طويلاٍ ،هو بذاته ..ذات الطالة ونفس ذلك الشموخ ولكن بعينان مزقت ثباتها فأصبحت تحوي الحزن والعتاب ..
كاد “يحيي” بالتحدث ولكنه صمت حينما أشار له “ياسين” بذلك ،كان الطبيب يتراقب ما يحدث بينهما بأهتمام فخشى أن يعلم “يحيي” بأكتشاف “ياسين الجارحي” بما يحدث معه بعد أن أتي للطبيب منذ ما يقرب لثلاث أيام فعلم منه بكل شيء ، ولج للداخل فلحق به “يحيي” كالظل والقلق يسكن بين قسمات وجهه ،جلس على المقعد المقابل للطبيب بهدوء حطم بصوته السائد بنبرة الثابت المصطنع
_النتيجة طلعت ؟ ..
أجابه بتردد من وجود “يحيي” بعدما كشف أمراً أرده سراً
_النهاردة الصبح والحمد لله فى تطابق والفحوصات كلها تمام …
أجابه دون تردد
_جهز للجراحه بأسرع وقت ..
صُدم “يحيي” مما يستمع إليه فقال بأستغراب
_أنت كنت تعرف ؟ ..
نقل نظراته المتعلقة بعين الطبيب إليه لتسود لحظات الصمت المكان فعلم الطبيب أنهم بحاجة للحديث ،أستاذن لمباشرة حالة أحد المرضى حتى يترك لهم مساحه من الوقت ،طالت نظراته المتغلفة بالصمت قائلاٍ بلهجة ساخرة
_ خدعتني وفضلت تخبي عليا تعبك واللي يهمك محدش يكشف الحقيقة ..حتى أنا يا “يحيي” !.
قالها “ياسين” بحدة وعيناه قد أشتعلت بفتيل من الغضب الجامح ،سحب نظراته بحزن .
_أقولك أيه أني شايف عمري بينتهي قدام عينيا …أقولك أني خلاص هقابل وجه ك..
قاطعه حينما وضع يديه أمام وجهه بألم
_متكملش .
الخوف لحق بلهجته كالبرق الذي مزق صفحات السماء ، تطلع له بثبات ألتمسه بصعوبة ليستكمل حديثه مجدداً
_هتعمل العملية وهتكون بخير بأذن الله ..
رفع “يحيي” عيناه بتمعن فعادت كلماته التى تفوه به منذ قليل للطبيب تتضح له شيئاً فشيء مصطحبة بيدها صدمة كبيرة ؛ فقال بصعوبة بالحديث
_اللي بتفكر فيه دا مش هيحصل يا “ياسين” ..
تطلع له طويلاٍ كأنه يسترجع ذكرياتٍ قضاها بصحوبته طوال تلك الأعوام فقال ببسمة ألم
_مكنتش هتتردد ثانية واحدة لو أنا اللي كنت مريت بنفس اللي أنت فيه ..
كاد بالحديث فقطعه سريعاً حتى لا يطول هذا النقاش المؤلم
_متحاولش لأنك واثق أني مش هغير رائي الجراحه هتتعمل بعد أربع أيام زي الدكتور ما حدد ولوقتها محدش هيعرف حاجه عن الموضوع ..
نهض عن مقعده بغضب
_مش هيحصل يا “ياسين” مستحيل أعرضك لخطر زي دا لأي سبب من الأسباب ..
نهض هو الاخر قائلاٍ بهدوء
_مش باخد رايك انا بعرفك باللي هيحصل ..
وتركه وغادر الغرفة فلحقه الأخر بحزن وضيق مكبوت بصدره ..
****************
بقصر “الجارحي”
ظل جوارها طوال الليل كأنه يحاول أشباع تلك العينان التى أقتحمتها الظلام طويلاٍ ، تارة بينها وتارة أخري للصغيرة التى تحتضنها بقوة كأنها تخشي أن يصبح ما تراه سراب ،تأن قلبها بآنين مزلزل كلما وقعت عيناه على تلك الكدمات الزرقاء التى تحيط بوجهها ،تأججت الدماء بعروقه فأخذ يجاهد فكرة تركها والذهاب للقصاص من ذلك اللعين ، مرر يديه على خصلات شعرها الحريري ثم طبع قبلة عميقة على جبينها ، إبتسم وهو يرى صغيرته تفتح عيناها بأنزعاج لتستقر نظراتها عليه …
أخرج هاتفه ثم ألتقط عدد من الصور لمعشوقته الغافلة وملاكه الصغير ، أحضر البيبرونة الصغيرة ليضعها بفمها مشيراً له ببسمته الجذابة
_ثواني وراجع
وتركها وولج لحمام الغرفة حتى يغتسل أستعداداً للذهاب لمبتغاه
ظلامٍ دامس ، أنفاس تتقطع ، رائحة كالموتى تحيطها ، أغلال تحاوطها مجدداً …تلك الغرفة بذكرياتها المخيفة ،الرجفة القاتلة من أقتراب
أحداً للداخل عادت لتستحوذ عليها من جديد …..لم تحتمل روحها البقاء لمدة أطول بذلك الحلم اللعين ،نهضت من كابوسها المروع مطلقة صرخة محتقنة بألم مرير ، رفعت يدها على صدرها تخفف من حدة أنفاسها المضطربة فتطلعت للغرفة بخوف من أن يصبح كابوسها حقيقة ، سرت الدموع بعيناها وهى تحمد الله على نجاتها مما مرت به …
خرج مسرعاً بعدما وضع المنشفة حول خصره ،أسرع إليها حينما وجدها هكذا ،جلس أمامها فأزاح يدها المحتضنه لوجهها قائلاٍ بقلق
_أنتِ كويسة ؟
أشارت له بأنكسار بأنها ليست بخير ثم أرتمت بأحضانه تبكي بضعف وأنهيار ،شدد من أحتضانها وبداخله جمرات من النيران يود أطفائها بقتله لذا عزم على ما سيفعله …
************
بالأسفل …
تألق ببذلته الأنيقة وتسريحة شعره الأسود بحرافية تاركاً رائحة البرفنيوم ترفرف بالأرجاء كأعلان لهبوطه للأسفل ، طاف بنظراته القاعة العملاقة فوجد “معتز” غافل على الأريكة ، أقترب منه “ياسين” بأستغراب من وجوده هنا ! ، حركه بلطف
_”معتز” …
بدت علامات الضيق على ملامحه فهمس بخفوت
_ نامي يا حبيبتي دا ألم عادي مش ولادة
كبت “ياسين” ضحكاته فهو يعيش مع تلك الظاهرة المؤلمة ..
_”معتز” بيعمل أيه هنا ؟
قالها “رائد” وهو يقترب منه بذهول ، أجابه بسخرية
_واضح كدا أنه مطرود ..
_كالعادة يعني
لفظ بها ” جاسم” بشماته بعدما جذبه بقوة ، فتح “معتز” عيناه فبدء بأستعابة الأمور ، جلس كلا منهما على المقاعد المجاورة له ليبدأ الحفل الخاص .
“جاسم” بأبتسامة واسعة وعيناه تجوب “رائد” بتسلية
_طرد ولا أنسحاب
رمقه بنظرة نارية فتعالت ضحكات “رائد” قائلاٍ بمرح يتمثل بجدية زائفة
_عيب يا “جاسم” “معتز” بس بيحب يغير جو مش أكتر ..
كبت “ياسين” ضحكاته وأخذ يتراقبهم بصمت وعيناه تتفحص ذاك الملف الذي تركه “أحمد” مع الخادم ،علت الأجواء فيما بينهم فقال “جاسم” بسخرية بعدما وضع يديه على كتفي “معتز”
_فكرني يا ويزو أعملك خيمة صغيرة هنا أهو تتدفي فيها بدل الرعد اللي هنا دا ..
تأمله بغضبٍ جامح فأكمل “رائد” ببسمة واسعة
_والله فكرة وأهو يكون متخفي عن العيون بدل ما يكون مسخرة القصر ولا حديث الصحافة “معتز الجارحي” يتمدد خارج فراشه كل ثلاث أيام
فقد التحكم بذاته فلكمهم بقوة ولكن لاذوا بالفرار للعمل وضحكات المشاكسة تسود الوجوه بينما بقي “ياسين” بمحله وبسمة صغيرة تزين وجهه الوسيم ، جلس جواره بغضب وعيناه تجوب الفراغ ، مر بعض الوقت والصمت سيد الموقف فزفر “معتز” قائلاٍ ببعض الضيق
_أنا أستهل اللي بيحصل فيا دا وأكتر أيه اللي خلاني أربط بين الجواز و الجنون ؟! .. لا وبعد كل دا مضطر أستحمل هرمونات الحمل والا هكون زوج مش لطيف والموضوع ممكن يوصل لطلاق وقضايا ومصايب سودة وغير كل دا مضطر برضو أستحمل رخامة الحيوانات دول عليا كل يومين ..
أغلق “ياسين” الملف ثم تطلع بالأرجاء بنظرة متفحصة أثارت أستغراب “معتز” ، أقترب منه قائلاٍ بملامح غامضة
_الكلمتين دول مكبوتين عن ولاد عمك كلهم بس للأسف محدش عنده الشجاعة الكافية للأعتراف
تطلع له بذهول فأشار له بسخرية
_أسمع مني وبعدين لما تكون مطرود متفضحش نفسك كدا …
وتركه وتوجه للخروج ثم أستدار قائلاٍ بغضب
_بات فى الحمام أو على التراس أشرفلك
وتركه وغادر و”معتز” بصدمة من أمره فكاد فاهه أن يصل للأرض هكذا وجدوه “عمر وحازم” بعدما هبطوا للأسفل ، أقترب منه “عمر” قائلاٍ بأستغراب
_خير المرادي ؟
أكتفى بنظرة نارية له فجذب “عمر” حقيبته غامزاً بعيناه بمرح
_أشوفك فى ظروف أحسن من كدا ..
وغادر للمشفى سريعاً ، أعتدل “حازم” بوقفته والسرور يتربع بعيناه فقال بشماته _فينك يا “ياسين” يا “جارحي” تيجي تشوف الأملة اللى إبن أخوك فيها
أنتبه له “معتز” فأشار له بضيق
_هتحفل عليا أنت كمان هتشوف تصرف مش هيعجبك
إبتسم “حازم” بتسلية
_طب ياخويا كنت أعمل النمرة دي قبل ما يوصل بيك الحال لكرسي فى قصر “الجارحي” ..
أحمر وجهه من شدة الغضب فجذبه بقوة ليختل توازنهم معاً فأنقلبت الأريكة من فوقهم ..
تعالت الضحكات على الدرج فقال “عز” ببسمته الفتاكة
_لو تشوف يا “أدهم” شكله والمناقصة بتروح عليه وأسم “الجارحي” بيرفرف كدا ..
“رعد” _”ياسين” لعبها صح وكالعادة شركات “الجارحي” كسبت المناقصة
“أدهم” ببسمة هادئة _طول عمره ..والله كنت حابب أكلمه يأخد بريك شوية مش معقول الأجهاد اللي هو فيه دا لازم يعرف أننا معدناش زي الأول خلاص كبرنا ومحتاجين الراحه
“عز” بغضب _أتكلم عن نفسك يا حبيبي قال كبرنا قال .
تعالت ضحكات “رعد” قائلاٍ بعدم تصديق_ مفيش فايدة فيكم هتفضلوا زي مأنتم ..
قطع حديثهم صراخ “معتز” الغاضب
_هو اليوم االي بيبدأ بخلاقكم دا مش بتفائل بيه وأنت حسن الختام ..
حاول تحرير ذاته بضيق
_أهو أنت كدا مش بتشطر على حد غيري ياشيخ روح شوف برستيجك اللي بقا فى الأرض دانا لو مكانك مرفعش عيني من على الأرض ..
لكمه بقوة قائلاٍ بسخرية
_ورحمة جدك لأوريك السما أرض عشان تحرم تتدخل فى ما لا يعنيك ..
أسرع “رعد وأدهم وعز” للأسفل فجذبوا الأريكة ليتفاجأ كلاٍ منهم مما يحدث ، فصل “أدهم” بينهم فصاح “عز” بغضب
_أنا حاسس أنكم بقيتوا أطفال من أول وجديد ..
“معتز” بهدوء
_يا بابا الحيوان دا أ..
قاطعه بحدة _وأنت بتتكلم تحترم إبن عمك فرق السن مش تصريح لقلة الذوق يا بشمهندس
همس “أدهم” بصوت منخفض “لرعد”_الله يرحم ..
رمقه “رعد” بنظرة تحذيرية ليتابع ما يحدث ، صاح “حازم” بسعادة _يا عمي يا مروشني أنت والله طول عمري أقوله أتعلم من أبوك ..
نقل نظراته الغاضبة له فصحح حديثه بخوف _أقصد باباك ..
إبتسم “أدهم” قائلاٍ بغموض_عملت اللي طلبته منك يا “حازم” ..
عدل من ملابسه بجدية _كنت رايح والله يا عمي بس هنعمل أيه بقا أعترض الشيطان طريقي …
حاول “معتز” الوصول له قائلاٍ بغضب _لا دانت مصمم بقى
جذبه “رعد” بلطف _خلاص يا “معتز” بلاش هيافة وأطلع غير عشان شغلك “أحمد” هناك من بدري لوحده ..
أخفض يداه بأحترام _حاضر يا عمي ..
وصعد للأعلى سريعاً فأبتسم “حازم” قائلاٍ بغرور _خدتوا بالكم وأنا بطربق الكرسي على دماغه
“عز” بسخرية_جداً
“رعد” بأبتسامة مرتفعه _عاش يا وحش
رفع “أدهم” يديه على كتفيه ببسمة مكبوتة بصعوبة _أنا بقول تروح عشان تلحق المشوار ..
أشار له وغادر على الفور تاركاً البسمة تطوف بهم ..
**************
بالمقر الرئيسي لشركات “الجارحي” …
زفر بغضب بعدما ألقي بالملفات أرضاً_دي مش طريقة شغل المقر هنا ملزوم مني …لو عمي شاف الشغل دا موقفي هيكون ايه ؟
أجابه المسؤول بخوف يتابعه
_هراجع عليهم يا فندم ..
شدد “أحمد” على شعره الغزير كمحاولة للتحكم بغضبه الجامح وبالفعل تمكن من ذلك فقال بهدوء تشبث به
_كم مرة هتراجع يا “أيمن” ؟! ..المراجعه والتنسيق غلط من البداية …
ثم أستند بجسده على المقعد ليتمكن من التفكير الذي أنتهي بفكرته فأفصح عنها _أجمعلي كل التيم فى غرفة الميتج أنا هكون معاهم الفترة دي
تطلع له الرجل ببلاهة فلم يشرف أحداً من الشركة على العمال بذاته من قبل ربما لا يعلم “أحمد” بأنه فتح باب خفي ورا آنينٍ مجهول …
***********
بالمعتقل
على صراخه المكان بأكمله فلم يرأف له وسدد له عدد من اللكمات ،كيف يشفق عليه ولم يشفق على معشوقته ؟!! ..
يرى أمامه الكدمات المتفرقة على جسدها حتى قدمياها فكان كالوحش المتحرر من طواف النيران فأخذ يطوف هنا وهناك …
وقع أرضاً أسفل قدماه فأنحنى “عدي” أمامه عيناه قائلاٍ بصوتٍ شرخ حوائط المعتقل كأنه يضمه كالخيوط العريضة ليذكره بتلك الكلمات القاتلة
_وعدتك أن الموت هيكون أهون من اللي هعمله فيك وأديني بنفذ وعدي ليك
جاهد لخروج الكلمات ببسمة يرسمها عن تعمد _طول عمرك راجل وأد كلمتك يا باشا
تلونت عين “عدي” بالبني القاتم فجذبه ليقف أمام عيناه الفتاكة
_كويس أنك عارف أن الراجل بيكون أد كلمته أما أنت بقى فمتذكرش فى سوق الرجال بتلاته تعريفة
سعل بقوة لأنقباض أنفاسه بين يديه قائلاٍ بصعوبة بالحديث _بس علمت عليك ودي كبيرة …لو تعرف كنت فرحان أد أيه وأنا ماسك حياتك فى أيدي وبخلص كل اللي فات منها …
لم يحتمل “عدي” كلماته فلكمه لكمة أطاحت به أرضاً ، توجه للخروج بعدما طرق على الباب الحديدي الأسود ففتح الشرطي الباب سريعاً ، كاد بالخروج ولكنه توقف على كلماته المتقطعه
_هتندم …خاليك فاكر كلامي ..
إبتسم بسخرية وأكمل طريقه لمكتبه فبعدما عادت إليه معشوقته مما سيندم ؟! ..لا يعلم أن هناك قطعة تحمل روح من ذاك العشق النقي لتغلفها الحرمان على يد هذا الظالم فأصبح يعاني منذ الوهلة الأولى ! ….
بمكتب “مازن” …
كان يستند برأسه على المقعد ، محتضن يديه الملتفة بشاش أبيض بعدما تعرض للكسر على أثر دفعة “عدي” حينما كان يحاول تخليص كبير حرس “ياسين الجارحي” ، كان هائماً بسقف الغرفة ، يرى تلك العينان السوداء الذي وقع أسيرها منذ اللقاء الأول ، صورتها ترسم ببطء بكل حرافية ، دقات القلب تتصل بعيناه فتتغمدها الأشواق والحنين لها ،زفر بخفوت وألم فما الذنب أن أدى مهامه على أكمل وجه ؟ …
قطع شروده ولوج “عدي” للداخل فأعتدل بجلسته والهدوء يشن على ملامحه ، جلس أمامه بصمت طال قليلاٍ ثم قال بضيق وعيناه مركزة علي يديه_مكنتش اقصد
إبتسم “مازن” بخفة
_متأخدش في بالك أخدت منك على التذكار الدائم فى كل مهمة
أكتفى ببسمة هادئة بها سكن الألم وتربع
_بس دي مكنتش مهمة يا “مازن” دي كانت حياة وأستردتها ..
نهض عن مقعده ليجلس على المقعد المقابل له قائلاٍ بجدية _كنت بأستغرب من الحالة اللي وصلتلها دي بس لما شوفت “رحمة” عايشة حسيت أني ضايع بجد أزاي قدرت تحس أنها عايشة ؟!
إبتسم “عدي” قائلاٍ والحنين يقذفه حينما يتذكرها بمعسول ألحانها _لما تعشق حد أكتر من روحك نفسها هتحس بكل شيء بيحس بيه من قبل ما يتكلم أو يشتكى ..
إبتسم قائلاٍ بهيام _اه منه العشق يبهدل النفوس ويفضل زي الكنوز صعب الوصول
أنتبه له “عدي” فوقف يعدل من ثيابه قائلاٍ بثبات _هنسيب شغلنا بقى ونفتحها كلام عن الحب ! ..
إبتسم بألم _هو فين الحب دا ؟
رفع يديه على كتفيه بتفهم _هتتحل يا صاحبي
أشار له ببسمة صغيرة فأشار له “عدي” قائلاٍ بجدية
_أشوفك بليل بقى
أجابه بأستغراب
_هتمشي بدري كدا ؟!
إبتسم بغرور
_أنا جيت النهاردة عشان أخد أجازة وأطفي ناري مع الكلب اللي جوا دا
تطلع له “مازن” بأهتمام _والعميد وافق يديك اجازة بالسهولة دي ؟! ..
أرتدى نظارته السوداء بغرور كأشارة له بأنه أجاب على كلماته ثم غادر على الفور …
*********
سعادة تتغمدها كلياً حينما تذهب لذلك المكان المحبب لقلبها ، رغم تباعدها الفترة الأخيرة لظروفها الطارئة الا أنها تعود إليه كالأم التى تشتاق لرؤية أطفالها ! ،فذلك المكان أغلي شيئاً لديها ليس لانه هدية معشوقها المميزة لأنه حلمها الغالي منذ الصغر ..
خطت بداخل الغرف المحتضنه لأكثر من عشرون طفلاٍ يأوهم هذا الميتم بكافة وسائل الحياة سواء بالمأكل أو بالملبس أو بالتعليم فكان “ياسين” يحرص على أتمام جميع الأمور ، كانت “آية” بقمة سعادتها حينما أخبرتها المشرفة بأن “ياسين ” كان يأتي طوال المدة الماضية بدلا عنها لأنشغالها بما يحدث بالعائلة منذ أخر فترة ، داثرت الغطاء على أحد الأطفال ثم مسدت على شعره بحنان فالأطفال يحبونها كثيراً ولكنها أتت بوقتٍ خلد معظمهم للنوم ، خرجت للحديقة الواسعة التى أنشائها “ياسين” ليلهو بها الأطفال فجلست على الأريكة بشرود بزوجها الحبيب ، كيف يتمكن من تسديد تلك المواقف ؟…كيف يتمكن من أن يكون بمثل ذاك الثبات وبداخله حنان يكفي عالم بأكمله ؟ ..كيف وكيف وكيف مائة سؤال ومازالت لا تعلم أجابة واضحة ، بسمتها العاشقة كان تخطو وجهها المندثر ببعض التجعيد البسيطة ، كونها كبرت بالعمر لا يعني أن يكف قلبها عن العشق …
نهصت عن الأريكة بقلبٍ يخفق بشدة قائلة ببسمة خجلة بعدما تسلل لها رائحته المميزة _ “ياسين”
أستدارت لتجده يستند على أحد الأشجار بطالته الثابتة وعيناه الممزوجة بين الذهب والعسل الصافي ، بسمته الصغيرة تلك التى تضاهيه وسامة …
رفع حاجبيه بأعجاب _بدأت أمن بأحساس القلب يمكن “عدي” طالعلك ؟
علت بسمتها فأقتربت منه قائلة بضيق طفولي _محدش بيحب زيي على فكرة
رفع يديه يجذب طرف حجابها الذي رفرف بفعل الهواء ، أغلقت عيناها لشعورها بنسمه عليلة حينما يقترب منها ، طوفها بذراعيه بمكر _كنتِ بتفكري فيا ..
ازدادت حمرة وجهها فأبتعدت عنه بغضب _بتعرف أزاي ؟
إبتسم قائلاٍ بصوتٍ هامس لها بعدما رأى المشرفة تقترب منهم _زي مأنتِ بتحسي بوجودي
وغمز لها فأبتسمت بعشق حاولت اخفائه ففشلت ، أقتربت المشرفة وبيدها طفلاٍ صغير والحزن يتقمص وجهها
_”ياسين” بيه الطفل دا لقناه أدام باب الملجئ من كام يوم أهتمينا بيه جداً بس مش مبطل عياط والدكاترة مش قادرين يتوصلوا لسبب مقنع لكل دا ..
حملته “آية” ببسمة أشفاق تحاولت لحزن حينما وجدت الصغير يبكي بقوة دون توقف ، تطلع له “ياسين” ثم قال بحذم _يعني أيه الدكاترة اللي هنا مش عارفين يشخصوا حالته؟ ..
أسرعت بالحديث _ بيقولوا كويس بس زي ما حضرتك شوفته كدا ..
تطلع لمعشوقته فوجدها تتطلع له بحزن وهى تحاول إيقافه ، أشار لها بيديه _هاتيه
تطلعت له “آية” بصدمة فرفع يديه لها لتقدمه له بصدمة ، حمله “ياسين” ببسمة هادئة فسكن الصغير بشكل مفاجأ للجميع فقالت المشرفة بصدمة_مش معقول ! ..
إبتسمت “آية” بفرحة _الحمد لله سكت أهو
جلس على الأريكة والطفل بين ذراعيه ، رأى أطفال كثيرة ولكن هذا الطفل أسره بشكلاٍ كبير ، غفل الصغير بين يديه فحملته المشرفة للداخل ونظرات “ياسين” تلحق بها ، نقل نظراته بصعوبة عليها فنهض قائلاٍ ببسمة ساحرة _يلا نرجع القصر ..
لحقت به بخطي بطيئة ثم وقفت قائلة بغصب _”ياسين” .
أستدار ليجدها خلفه أقتربت منه بغضب والشك يحاورها _الولد مسكوتش غير معاك أنت
ضيق عيناه بثبات _والمعني ؟
أجابته بغضب طفولي _اوعى تكوز بتخوني ودا إبنك ؟! ..
صمت لوهلة يتأملها بصدمة من تفكيرها المجنون لذلك العمر ثم أنفجر ضاحكاً بمحاولات عديدة لأستيعاب ما تفوه به ..
زفرت بغضب _بتضحك على أيه؟؟
وضع يديه حول كتفيها وتوجه السيارة معاً قائلاٍ بهدوء _هي غريبة فعلا أني أضحك لكن كلامك أغرب ميت مرة فبقول نكمل كلامنا لما نرجع أفضل لأنه هيحتاج أثباتات كتيرة متنفعش هنا ..
رمقته بنظرة نارية فأشار لها بالصعود وبسمة المكر تحتل ثغره ، لا يعلم بأنها لامست جزء خفي فربما ما فعله من خير عظيم ببناء هذا المكان كان سبباً فى أحتواء حفيد “ياسين الجارحي” !!!!! ….
لقاء وحنين ….خيانة وأنكسار …شروخ وعتاب …أنشودة وعشق ….تضحيات وعشق …..
جعلته الصدمة فى حيرة من أمره فأخذ يتأمل من يقف أمامه طويلاٍ ،هو بذاته ..ذات الطالة ونفس ذلك الشموخ ولكن بعينان مزقت ثباتها فأصبحت تحوي الحزن والعتاب ..
كاد “يحيي” بالتحدث ولكنه صمت حينما أشار له “ياسين” بذلك ،كان الطبيب يتراقب ما يحدث بينهما بأهتمام فخشى أن يعلم “يحيي” بأكتشاف “ياسين الجارحي” بما يحدث معه بعد أن أتي للطبيب منذ ما يقرب لثلاث أيام فعلم منه بكل شيء ، ولج للداخل فلحق به “يحيي” كالظل والقلق يسكن بين قسمات وجهه ،جلس على المقعد المقابل للطبيب بهدوء حطم بصوته السائد بنبرة الثابت المصطنع
_النتيجة طلعت ؟ ..
أجابه بتردد من وجود “يحيي” بعدما كشف أمراً أرده سراً
_النهاردة الصبح والحمد لله فى تطابق والفحوصات كلها تمام …
أجابه دون تردد
_جهز للجراحه بأسرع وقت ..
صُدم “يحيي” مما يستمع إليه فقال بأستغراب
_أنت كنت تعرف ؟ ..
نقل نظراته المتعلقة بعين الطبيب إليه لتسود لحظات الصمت المكان فعلم الطبيب أنهم بحاجة للحديث ،أستاذن لمباشرة حالة أحد المرضى حتى يترك لهم مساحه من الوقت ،طالت نظراته المتغلفة بالصمت قائلاٍ بلهجة ساخرة
_ خدعتني وفضلت تخبي عليا تعبك واللي يهمك محدش يكشف الحقيقة ..حتى أنا يا “يحيي” !.
قالها “ياسين” بحدة وعيناه قد أشتعلت بفتيل من الغضب الجامح ،سحب نظراته بحزن .
_أقولك أيه أني شايف عمري بينتهي قدام عينيا …أقولك أني خلاص هقابل وجه ك..
قاطعه حينما وضع يديه أمام وجهه بألم
_متكملش .
الخوف لحق بلهجته كالبرق الذي مزق صفحات السماء ، تطلع له بثبات ألتمسه بصعوبة ليستكمل حديثه مجدداً
_هتعمل العملية وهتكون بخير بأذن الله ..
رفع “يحيي” عيناه بتمعن فعادت كلماته التى تفوه به منذ قليل للطبيب تتضح له شيئاً فشيء مصطحبة بيدها صدمة كبيرة ؛ فقال بصعوبة بالحديث
_اللي بتفكر فيه دا مش هيحصل يا “ياسين” ..
تطلع له طويلاٍ كأنه يسترجع ذكرياتٍ قضاها بصحوبته طوال تلك الأعوام فقال ببسمة ألم
_مكنتش هتتردد ثانية واحدة لو أنا اللي كنت مريت بنفس اللي أنت فيه ..
كاد بالحديث فقطعه سريعاً حتى لا يطول هذا النقاش المؤلم
_متحاولش لأنك واثق أني مش هغير رائي الجراحه هتتعمل بعد أربع أيام زي الدكتور ما حدد ولوقتها محدش هيعرف حاجه عن الموضوع ..
نهض عن مقعده بغضب
_مش هيحصل يا “ياسين” مستحيل أعرضك لخطر زي دا لأي سبب من الأسباب ..
نهض هو الاخر قائلاٍ بهدوء
_مش باخد رايك انا بعرفك باللي هيحصل ..
وتركه وغادر الغرفة فلحقه الأخر بحزن وضيق مكبوت بصدره ..
****************
بقصر “الجارحي”
ظل جوارها طوال الليل كأنه يحاول أشباع تلك العينان التى أقتحمتها الظلام طويلاٍ ، تارة بينها وتارة أخري للصغيرة التى تحتضنها بقوة كأنها تخشي أن يصبح ما تراه سراب ،تأن قلبها بآنين مزلزل كلما وقعت عيناه على تلك الكدمات الزرقاء التى تحيط بوجهها ،تأججت الدماء بعروقه فأخذ يجاهد فكرة تركها والذهاب للقصاص من ذلك اللعين ، مرر يديه على خصلات شعرها الحريري ثم طبع قبلة عميقة على جبينها ، إبتسم وهو يرى صغيرته تفتح عيناها بأنزعاج لتستقر نظراتها عليه …
أخرج هاتفه ثم ألتقط عدد من الصور لمعشوقته الغافلة وملاكه الصغير ، أحضر البيبرونة الصغيرة ليضعها بفمها مشيراً له ببسمته الجذابة
_ثواني وراجع
وتركها وولج لحمام الغرفة حتى يغتسل أستعداداً للذهاب لمبتغاه
ظلامٍ دامس ، أنفاس تتقطع ، رائحة كالموتى تحيطها ، أغلال تحاوطها مجدداً …تلك الغرفة بذكرياتها المخيفة ،الرجفة القاتلة من أقتراب
أحداً للداخل عادت لتستحوذ عليها من جديد …..لم تحتمل روحها البقاء لمدة أطول بذلك الحلم اللعين ،نهضت من كابوسها المروع مطلقة صرخة محتقنة بألم مرير ، رفعت يدها على صدرها تخفف من حدة أنفاسها المضطربة فتطلعت للغرفة بخوف من أن يصبح كابوسها حقيقة ، سرت الدموع بعيناها وهى تحمد الله على نجاتها مما مرت به …
خرج مسرعاً بعدما وضع المنشفة حول خصره ،أسرع إليها حينما وجدها هكذا ،جلس أمامها فأزاح يدها المحتضنه لوجهها قائلاٍ بقلق
_أنتِ كويسة ؟
أشارت له بأنكسار بأنها ليست بخير ثم أرتمت بأحضانه تبكي بضعف وأنهيار ،شدد من أحتضانها وبداخله جمرات من النيران يود أطفائها بقتله لذا عزم على ما سيفعله …
************
بالأسفل …
تألق ببذلته الأنيقة وتسريحة شعره الأسود بحرافية تاركاً رائحة البرفنيوم ترفرف بالأرجاء كأعلان لهبوطه للأسفل ، طاف بنظراته القاعة العملاقة فوجد “معتز” غافل على الأريكة ، أقترب منه “ياسين” بأستغراب من وجوده هنا ! ، حركه بلطف
_”معتز” …
بدت علامات الضيق على ملامحه فهمس بخفوت
_ نامي يا حبيبتي دا ألم عادي مش ولادة
كبت “ياسين” ضحكاته فهو يعيش مع تلك الظاهرة المؤلمة ..
_”معتز” بيعمل أيه هنا ؟
قالها “رائد” وهو يقترب منه بذهول ، أجابه بسخرية
_واضح كدا أنه مطرود ..
_كالعادة يعني
لفظ بها ” جاسم” بشماته بعدما جذبه بقوة ، فتح “معتز” عيناه فبدء بأستعابة الأمور ، جلس كلا منهما على المقاعد المجاورة له ليبدأ الحفل الخاص .
“جاسم” بأبتسامة واسعة وعيناه تجوب “رائد” بتسلية
_طرد ولا أنسحاب
رمقه بنظرة نارية فتعالت ضحكات “رائد” قائلاٍ بمرح يتمثل بجدية زائفة
_عيب يا “جاسم” “معتز” بس بيحب يغير جو مش أكتر ..
كبت “ياسين” ضحكاته وأخذ يتراقبهم بصمت وعيناه تتفحص ذاك الملف الذي تركه “أحمد” مع الخادم ،علت الأجواء فيما بينهم فقال “جاسم” بسخرية بعدما وضع يديه على كتفي “معتز”
_فكرني يا ويزو أعملك خيمة صغيرة هنا أهو تتدفي فيها بدل الرعد اللي هنا دا ..
تأمله بغضبٍ جامح فأكمل “رائد” ببسمة واسعة
_والله فكرة وأهو يكون متخفي عن العيون بدل ما يكون مسخرة القصر ولا حديث الصحافة “معتز الجارحي” يتمدد خارج فراشه كل ثلاث أيام
فقد التحكم بذاته فلكمهم بقوة ولكن لاذوا بالفرار للعمل وضحكات المشاكسة تسود الوجوه بينما بقي “ياسين” بمحله وبسمة صغيرة تزين وجهه الوسيم ، جلس جواره بغضب وعيناه تجوب الفراغ ، مر بعض الوقت والصمت سيد الموقف فزفر “معتز” قائلاٍ ببعض الضيق
_أنا أستهل اللي بيحصل فيا دا وأكتر أيه اللي خلاني أربط بين الجواز و الجنون ؟! .. لا وبعد كل دا مضطر أستحمل هرمونات الحمل والا هكون زوج مش لطيف والموضوع ممكن يوصل لطلاق وقضايا ومصايب سودة وغير كل دا مضطر برضو أستحمل رخامة الحيوانات دول عليا كل يومين ..
أغلق “ياسين” الملف ثم تطلع بالأرجاء بنظرة متفحصة أثارت أستغراب “معتز” ، أقترب منه قائلاٍ بملامح غامضة
_الكلمتين دول مكبوتين عن ولاد عمك كلهم بس للأسف محدش عنده الشجاعة الكافية للأعتراف
تطلع له بذهول فأشار له بسخرية
_أسمع مني وبعدين لما تكون مطرود متفضحش نفسك كدا …
وتركه وتوجه للخروج ثم أستدار قائلاٍ بغضب
_بات فى الحمام أو على التراس أشرفلك
وتركه وغادر و”معتز” بصدمة من أمره فكاد فاهه أن يصل للأرض هكذا وجدوه “عمر وحازم” بعدما هبطوا للأسفل ، أقترب منه “عمر” قائلاٍ بأستغراب
_خير المرادي ؟
أكتفى بنظرة نارية له فجذب “عمر” حقيبته غامزاً بعيناه بمرح
_أشوفك فى ظروف أحسن من كدا ..
وغادر للمشفى سريعاً ، أعتدل “حازم” بوقفته والسرور يتربع بعيناه فقال بشماته _فينك يا “ياسين” يا “جارحي” تيجي تشوف الأملة اللى إبن أخوك فيها
أنتبه له “معتز” فأشار له بضيق
_هتحفل عليا أنت كمان هتشوف تصرف مش هيعجبك
إبتسم “حازم” بتسلية
_طب ياخويا كنت أعمل النمرة دي قبل ما يوصل بيك الحال لكرسي فى قصر “الجارحي” ..
أحمر وجهه من شدة الغضب فجذبه بقوة ليختل توازنهم معاً فأنقلبت الأريكة من فوقهم ..
تعالت الضحكات على الدرج فقال “عز” ببسمته الفتاكة
_لو تشوف يا “أدهم” شكله والمناقصة بتروح عليه وأسم “الجارحي” بيرفرف كدا ..
“رعد” _”ياسين” لعبها صح وكالعادة شركات “الجارحي” كسبت المناقصة
“أدهم” ببسمة هادئة _طول عمره ..والله كنت حابب أكلمه يأخد بريك شوية مش معقول الأجهاد اللي هو فيه دا لازم يعرف أننا معدناش زي الأول خلاص كبرنا ومحتاجين الراحه
“عز” بغضب _أتكلم عن نفسك يا حبيبي قال كبرنا قال .
تعالت ضحكات “رعد” قائلاٍ بعدم تصديق_ مفيش فايدة فيكم هتفضلوا زي مأنتم ..
قطع حديثهم صراخ “معتز” الغاضب
_هو اليوم االي بيبدأ بخلاقكم دا مش بتفائل بيه وأنت حسن الختام ..
حاول تحرير ذاته بضيق
_أهو أنت كدا مش بتشطر على حد غيري ياشيخ روح شوف برستيجك اللي بقا فى الأرض دانا لو مكانك مرفعش عيني من على الأرض ..
لكمه بقوة قائلاٍ بسخرية
_ورحمة جدك لأوريك السما أرض عشان تحرم تتدخل فى ما لا يعنيك ..
أسرع “رعد وأدهم وعز” للأسفل فجذبوا الأريكة ليتفاجأ كلاٍ منهم مما يحدث ، فصل “أدهم” بينهم فصاح “عز” بغضب
_أنا حاسس أنكم بقيتوا أطفال من أول وجديد ..
“معتز” بهدوء
_يا بابا الحيوان دا أ..
قاطعه بحدة _وأنت بتتكلم تحترم إبن عمك فرق السن مش تصريح لقلة الذوق يا بشمهندس
همس “أدهم” بصوت منخفض “لرعد”_الله يرحم ..
رمقه “رعد” بنظرة تحذيرية ليتابع ما يحدث ، صاح “حازم” بسعادة _يا عمي يا مروشني أنت والله طول عمري أقوله أتعلم من أبوك ..
نقل نظراته الغاضبة له فصحح حديثه بخوف _أقصد باباك ..
إبتسم “أدهم” قائلاٍ بغموض_عملت اللي طلبته منك يا “حازم” ..
عدل من ملابسه بجدية _كنت رايح والله يا عمي بس هنعمل أيه بقا أعترض الشيطان طريقي …
حاول “معتز” الوصول له قائلاٍ بغضب _لا دانت مصمم بقى
جذبه “رعد” بلطف _خلاص يا “معتز” بلاش هيافة وأطلع غير عشان شغلك “أحمد” هناك من بدري لوحده ..
أخفض يداه بأحترام _حاضر يا عمي ..
وصعد للأعلى سريعاً فأبتسم “حازم” قائلاٍ بغرور _خدتوا بالكم وأنا بطربق الكرسي على دماغه
“عز” بسخرية_جداً
“رعد” بأبتسامة مرتفعه _عاش يا وحش
رفع “أدهم” يديه على كتفيه ببسمة مكبوتة بصعوبة _أنا بقول تروح عشان تلحق المشوار ..
أشار له وغادر على الفور تاركاً البسمة تطوف بهم ..
**************
بالمقر الرئيسي لشركات “الجارحي” …
زفر بغضب بعدما ألقي بالملفات أرضاً_دي مش طريقة شغل المقر هنا ملزوم مني …لو عمي شاف الشغل دا موقفي هيكون ايه ؟
أجابه المسؤول بخوف يتابعه
_هراجع عليهم يا فندم ..
شدد “أحمد” على شعره الغزير كمحاولة للتحكم بغضبه الجامح وبالفعل تمكن من ذلك فقال بهدوء تشبث به
_كم مرة هتراجع يا “أيمن” ؟! ..المراجعه والتنسيق غلط من البداية …
ثم أستند بجسده على المقعد ليتمكن من التفكير الذي أنتهي بفكرته فأفصح عنها _أجمعلي كل التيم فى غرفة الميتج أنا هكون معاهم الفترة دي
تطلع له الرجل ببلاهة فلم يشرف أحداً من الشركة على العمال بذاته من قبل ربما لا يعلم “أحمد” بأنه فتح باب خفي ورا آنينٍ مجهول …
***********
بالمعتقل
على صراخه المكان بأكمله فلم يرأف له وسدد له عدد من اللكمات ،كيف يشفق عليه ولم يشفق على معشوقته ؟!! ..
يرى أمامه الكدمات المتفرقة على جسدها حتى قدمياها فكان كالوحش المتحرر من طواف النيران فأخذ يطوف هنا وهناك …
وقع أرضاً أسفل قدماه فأنحنى “عدي” أمامه عيناه قائلاٍ بصوتٍ شرخ حوائط المعتقل كأنه يضمه كالخيوط العريضة ليذكره بتلك الكلمات القاتلة
_وعدتك أن الموت هيكون أهون من اللي هعمله فيك وأديني بنفذ وعدي ليك
جاهد لخروج الكلمات ببسمة يرسمها عن تعمد _طول عمرك راجل وأد كلمتك يا باشا
تلونت عين “عدي” بالبني القاتم فجذبه ليقف أمام عيناه الفتاكة
_كويس أنك عارف أن الراجل بيكون أد كلمته أما أنت بقى فمتذكرش فى سوق الرجال بتلاته تعريفة
سعل بقوة لأنقباض أنفاسه بين يديه قائلاٍ بصعوبة بالحديث _بس علمت عليك ودي كبيرة …لو تعرف كنت فرحان أد أيه وأنا ماسك حياتك فى أيدي وبخلص كل اللي فات منها …
لم يحتمل “عدي” كلماته فلكمه لكمة أطاحت به أرضاً ، توجه للخروج بعدما طرق على الباب الحديدي الأسود ففتح الشرطي الباب سريعاً ، كاد بالخروج ولكنه توقف على كلماته المتقطعه
_هتندم …خاليك فاكر كلامي ..
إبتسم بسخرية وأكمل طريقه لمكتبه فبعدما عادت إليه معشوقته مما سيندم ؟! ..لا يعلم أن هناك قطعة تحمل روح من ذاك العشق النقي لتغلفها الحرمان على يد هذا الظالم فأصبح يعاني منذ الوهلة الأولى ! ….
بمكتب “مازن” …
كان يستند برأسه على المقعد ، محتضن يديه الملتفة بشاش أبيض بعدما تعرض للكسر على أثر دفعة “عدي” حينما كان يحاول تخليص كبير حرس “ياسين الجارحي” ، كان هائماً بسقف الغرفة ، يرى تلك العينان السوداء الذي وقع أسيرها منذ اللقاء الأول ، صورتها ترسم ببطء بكل حرافية ، دقات القلب تتصل بعيناه فتتغمدها الأشواق والحنين لها ،زفر بخفوت وألم فما الذنب أن أدى مهامه على أكمل وجه ؟ …
قطع شروده ولوج “عدي” للداخل فأعتدل بجلسته والهدوء يشن على ملامحه ، جلس أمامه بصمت طال قليلاٍ ثم قال بضيق وعيناه مركزة علي يديه_مكنتش اقصد
إبتسم “مازن” بخفة
_متأخدش في بالك أخدت منك على التذكار الدائم فى كل مهمة
أكتفى ببسمة هادئة بها سكن الألم وتربع
_بس دي مكنتش مهمة يا “مازن” دي كانت حياة وأستردتها ..
نهض عن مقعده ليجلس على المقعد المقابل له قائلاٍ بجدية _كنت بأستغرب من الحالة اللي وصلتلها دي بس لما شوفت “رحمة” عايشة حسيت أني ضايع بجد أزاي قدرت تحس أنها عايشة ؟!
إبتسم “عدي” قائلاٍ والحنين يقذفه حينما يتذكرها بمعسول ألحانها _لما تعشق حد أكتر من روحك نفسها هتحس بكل شيء بيحس بيه من قبل ما يتكلم أو يشتكى ..
إبتسم قائلاٍ بهيام _اه منه العشق يبهدل النفوس ويفضل زي الكنوز صعب الوصول
أنتبه له “عدي” فوقف يعدل من ثيابه قائلاٍ بثبات _هنسيب شغلنا بقى ونفتحها كلام عن الحب ! ..
إبتسم بألم _هو فين الحب دا ؟
رفع يديه على كتفيه بتفهم _هتتحل يا صاحبي
أشار له ببسمة صغيرة فأشار له “عدي” قائلاٍ بجدية
_أشوفك بليل بقى
أجابه بأستغراب
_هتمشي بدري كدا ؟!
إبتسم بغرور
_أنا جيت النهاردة عشان أخد أجازة وأطفي ناري مع الكلب اللي جوا دا
تطلع له “مازن” بأهتمام _والعميد وافق يديك اجازة بالسهولة دي ؟! ..
أرتدى نظارته السوداء بغرور كأشارة له بأنه أجاب على كلماته ثم غادر على الفور …
*********
سعادة تتغمدها كلياً حينما تذهب لذلك المكان المحبب لقلبها ، رغم تباعدها الفترة الأخيرة لظروفها الطارئة الا أنها تعود إليه كالأم التى تشتاق لرؤية أطفالها ! ،فذلك المكان أغلي شيئاً لديها ليس لانه هدية معشوقها المميزة لأنه حلمها الغالي منذ الصغر ..
خطت بداخل الغرف المحتضنه لأكثر من عشرون طفلاٍ يأوهم هذا الميتم بكافة وسائل الحياة سواء بالمأكل أو بالملبس أو بالتعليم فكان “ياسين” يحرص على أتمام جميع الأمور ، كانت “آية” بقمة سعادتها حينما أخبرتها المشرفة بأن “ياسين ” كان يأتي طوال المدة الماضية بدلا عنها لأنشغالها بما يحدث بالعائلة منذ أخر فترة ، داثرت الغطاء على أحد الأطفال ثم مسدت على شعره بحنان فالأطفال يحبونها كثيراً ولكنها أتت بوقتٍ خلد معظمهم للنوم ، خرجت للحديقة الواسعة التى أنشائها “ياسين” ليلهو بها الأطفال فجلست على الأريكة بشرود بزوجها الحبيب ، كيف يتمكن من تسديد تلك المواقف ؟…كيف يتمكن من أن يكون بمثل ذاك الثبات وبداخله حنان يكفي عالم بأكمله ؟ ..كيف وكيف وكيف مائة سؤال ومازالت لا تعلم أجابة واضحة ، بسمتها العاشقة كان تخطو وجهها المندثر ببعض التجعيد البسيطة ، كونها كبرت بالعمر لا يعني أن يكف قلبها عن العشق …
نهصت عن الأريكة بقلبٍ يخفق بشدة قائلة ببسمة خجلة بعدما تسلل لها رائحته المميزة _ “ياسين”
أستدارت لتجده يستند على أحد الأشجار بطالته الثابتة وعيناه الممزوجة بين الذهب والعسل الصافي ، بسمته الصغيرة تلك التى تضاهيه وسامة …
رفع حاجبيه بأعجاب _بدأت أمن بأحساس القلب يمكن “عدي” طالعلك ؟
علت بسمتها فأقتربت منه قائلة بضيق طفولي _محدش بيحب زيي على فكرة
رفع يديه يجذب طرف حجابها الذي رفرف بفعل الهواء ، أغلقت عيناها لشعورها بنسمه عليلة حينما يقترب منها ، طوفها بذراعيه بمكر _كنتِ بتفكري فيا ..
ازدادت حمرة وجهها فأبتعدت عنه بغضب _بتعرف أزاي ؟
إبتسم قائلاٍ بصوتٍ هامس لها بعدما رأى المشرفة تقترب منهم _زي مأنتِ بتحسي بوجودي
وغمز لها فأبتسمت بعشق حاولت اخفائه ففشلت ، أقتربت المشرفة وبيدها طفلاٍ صغير والحزن يتقمص وجهها
_”ياسين” بيه الطفل دا لقناه أدام باب الملجئ من كام يوم أهتمينا بيه جداً بس مش مبطل عياط والدكاترة مش قادرين يتوصلوا لسبب مقنع لكل دا ..
حملته “آية” ببسمة أشفاق تحاولت لحزن حينما وجدت الصغير يبكي بقوة دون توقف ، تطلع له “ياسين” ثم قال بحذم _يعني أيه الدكاترة اللي هنا مش عارفين يشخصوا حالته؟ ..
أسرعت بالحديث _ بيقولوا كويس بس زي ما حضرتك شوفته كدا ..
تطلع لمعشوقته فوجدها تتطلع له بحزن وهى تحاول إيقافه ، أشار لها بيديه _هاتيه
تطلعت له “آية” بصدمة فرفع يديه لها لتقدمه له بصدمة ، حمله “ياسين” ببسمة هادئة فسكن الصغير بشكل مفاجأ للجميع فقالت المشرفة بصدمة_مش معقول ! ..
إبتسمت “آية” بفرحة _الحمد لله سكت أهو
جلس على الأريكة والطفل بين ذراعيه ، رأى أطفال كثيرة ولكن هذا الطفل أسره بشكلاٍ كبير ، غفل الصغير بين يديه فحملته المشرفة للداخل ونظرات “ياسين” تلحق بها ، نقل نظراته بصعوبة عليها فنهض قائلاٍ ببسمة ساحرة _يلا نرجع القصر ..
لحقت به بخطي بطيئة ثم وقفت قائلة بغصب _”ياسين” .
أستدار ليجدها خلفه أقتربت منه بغضب والشك يحاورها _الولد مسكوتش غير معاك أنت
ضيق عيناه بثبات _والمعني ؟
أجابته بغضب طفولي _اوعى تكوز بتخوني ودا إبنك ؟! ..
صمت لوهلة يتأملها بصدمة من تفكيرها المجنون لذلك العمر ثم أنفجر ضاحكاً بمحاولات عديدة لأستيعاب ما تفوه به ..
زفرت بغضب _بتضحك على أيه؟؟
وضع يديه حول كتفيها وتوجه السيارة معاً قائلاٍ بهدوء _هي غريبة فعلا أني أضحك لكن كلامك أغرب ميت مرة فبقول نكمل كلامنا لما نرجع أفضل لأنه هيحتاج أثباتات كتيرة متنفعش هنا ..
رمقته بنظرة نارية فأشار لها بالصعود وبسمة المكر تحتل ثغره ، لا يعلم بأنها لامست جزء خفي فربما ما فعله من خير عظيم ببناء هذا المكان كان سبباً فى أحتواء حفيد “ياسين الجارحي” !!!!! ….
لقاء وحنين ….خيانة وأنكسار …شروخ وعتاب …أنشودة وعشق ….تضحيات وعشق …..