![]() |
رواية متي تخضعين لقلبي الفصل الخامس 5 بقلم شيماء يوسفمتى تخضعين لقلبي الفصل الخامس... بعد انتهاء الفطور انسحب فريد مرة أخرى إلى غرفة مكتبه بينما قررت حياة استئناف اكتشافها للمنزل، فقبل مقابلة عزة المثيرة للأعصاب كانت تنتوي الدخول للمطبخ فهو يعد من إحدى هواياتها المفضلة، أما الآن فهى تعلم جيدًا أن وجودها بداخله غير مرحب به!... زفرت في ضيق ثم اكملت جولتها بداخل المنزل ولم تملك ألا الإعجاب به حقيقةً فكل ركن به مفروش بعناية وذوق رفيع، ولم يتبقِ لها سوى المطبخ لدخوله، وفي الحقيقة كان ينتابها الكثير من الفضول لرؤيته ورؤيه تأثيثه وتجهيزاته بعد كل ما ادهشها من زوايا المنزل، لذلك وقفت مترددة تحاول الوصول لقرار، ثم رفعت رأسها بكبرياء وقررت زيارته فهو في الأخير منزلها هي ولن يمنعها أحد عنه، وما أن خطت بداخله حتى رأت ثلاثة أزواج من العيون تناظرها ما بين مهتم ومستنكر ، زوج منهم أصبحت تعرفه جيدًا، أما الآخرين فغريبان كليًا عنها... تنحنحت حياة بحرج وهي تقف في مدخله مترددة، وعلى الفور تقدمت نحوها سيدة ممتلئة الجسد، في منتصف الخمسينات من عمرها تقريبًا، قصيرة القوام ذو ابتسامة دافئة آحبتها حياة على الفور فبادلتها ابتسامتها بأشراق.... تحدثت السيدة بنبرة أكثر دفئًا، بينما تمد يدها في اتجاه الواقفة كي تحتضن كلتا يديها بحب متسائلة : -اكيد أنتِ بنت آمنة حياة.. قصدى حياة هانم... هزت حياة رأسها لها بأيجاب ثم بالنفى وهي لازالت تحافظ على ابتسامتها الواسعة : -لا طبعًا أنا اسمى حياة بس.. وآه أنا بنت آمنة حضرتك تعرفيها؟!.. مسحت المرأة على شعر محدثتها بحنان ونظرات الإعجاب تملؤها قائلة : -ماشاء الله.. آمنة عرفت تربي.. ليه حق فريد.. جميلة خلقًا وخُلقًا.. أخفضت حياة رأسها بخجل والأحمرار يغزو وجنتها فأضافت السيدة متمتمة : -صحيح نسيت أعرفك بنفسي.. أنا عفاف المسئولة عن الطبخ والمطبخ هنا... ثم اشارت إلى رجل في مقتبل الستينات من عمره كان يجلس على الطاولة بهدوء يتناول طعامه ولكنه نهض بمجرد دخولها ورؤيتها : -وده بقي عمك رضا.. جوزى والجنايني بتاع الفيلا... أومأ الرجل الستيني برأسه لحياة يحييها باحترام ووقار متفاجئًا من رد فعلها، إذا تقدمت نحوه تمد يدها في اتجاهه متمتمة في حبور : -أزي حضرتك ياعم رضا... أجابها معجبًا بسلوكها الودود : -بقيت أحسن لما شفتك يابنتي.. ربنا يباركله فيكي... تمتمت حياة بخجل موجهه حديثها للسيدة عفاف : - لو حضرتك مش هتضايقي ممكن أقعد معاكم شوية؟!.. اجابتها عفاف بترحاب لم تعهده حتى من والدتها : -ياخبر أبيض!! أنتِ بتسأذنيني عشان تقعدى في بيتك!!.. ده المطبخ كله ينور... ثم سحبتها بحنان لتجلس على أحد المقاعد الموجودة به وللحق كان وثيرًا وناعمًا مثل مقاعد الاستقبال في الخارج، ولم تعلم كم شعرت حياة بالسعادة من ذلك الاستقبال الحميمي فعلى الأقل شعرت أنها فازت بصديق في ذلك المنزل الكبير الجاف... خرج عم رضا بعد قليل ولم يتبقِ سوى ثلاثتهم معًا، كانت السيدة عفاف تثرثر مع حياة دون توقف قبل أن تتوقف لتسألها بعبوس : -شوفى أنا اكلت دماغك أزاي ونسيت أسألك!! تحبى أعملك حاجة مخصوص للغدا النهاردة؟!! .. اكيد مش هتحبي تأكلي أكل فريد بيه من أول يوم كده... ضمت حياة حاجبيها معًا بتركيز مستفسرة : -ليه مش هحب أكله؟!.. أجابتها عفاف مسترسلة في شرحها وهي تجعد أنفها وتهمس كأنه سر حربي خطير : -مانتِ أكيد عارفة.. فريد بيه بيحافظ على صحته أزاي مش بيأكل غير أنواع أكل محددة كله خضار ومفيهوش ملح وحاجات غريبة كده وبعدها بيدخل الجيم ويقفل على نفسه مبيطلعش قبل ساعتين تقريبًا كل يوم وممنوع حد يدخله.. تقريبًا الجيم والمكتب محظورين أى حد يدخلهم وهو فيهم إلا لو هو طلب.. صمتت قليلًا لتزدرد ريقها وهي تتفحص حياة قبل أن تضيف بابتسامة واسعة : -طبعًا الكلام ده مش ليكي أكيد فريد بيه هيحب تكوني جنبه على طول.. زمجرت مدبرة المنزل القابعة بهدوء على أحد المقاعد وتستمع لحديثهم دون المشاركة فيه : -ست عفاف بيتهيألي كفاية كلام كده وتخلصي اللي وراكي ميعاد الغدا قرب.. حدجتها عفاف بنظرة حانقة قبل أن تجيبها قائلة : -عزة.. أنا بتكلم أنا والهانم وأنا بشتغل وهي مش معطلاني.. روحي بس أنتِ شوفي وراكي إيه بدل مانتِ قاعدلنا كده!. ضربت الأخيرة الأرض بقدمها غيظًا قبل أن تحدج حياة بنظرة غل وتتجه نحو الخارج، بينما أعادت عفاف تركيزها نحو حياة متسائلة: -أحنا وقفنا لحد فين؟!. -آه كنت بقولك أن فريد بيه محبش في الدنيا دي حد قدك.. أنا من ساعة ما جيت هنا وأنا مش بسمع غير عن حبه ليكي.. أرادت حياة فتح فمها للاعتراض وقول ملاحظة لاذعة ولكنها عدلت عن ذلك ففي النهايج لن تتحدث عنه أمام موظفته،لذا آثرت الصمت. ************ في تلك الأثناء كان فريد يجلس خلف مكتبه وعروق وجهه بارزة من شدة الغضب إذ كان يتحدث فى الهاتف في عصبية، صائحًا بمساعده : -يعنى إيه يعلى علينا السعر هو لعب عياااااال... تعلثم المساعد في نبرته يحاول تبرير الموقف: -ما.. ما يا فندم..... قاطعه فريد بغلظة قائلًا في سخرية : -أنت لسه هتمئمئلى اخلللللص!... نطق كلمته الأخيرة بصراخ جعلت الرجل على الطرف الأخر ينتفض فزعًا قبل أن يقول مسرعًا : -يافريد بيه.. هو بيقول أن الشركة برة علت عليه وهو معندهوش استعداد يتحمل الخسارة... جحظت عيناه للخارج ملتمعة في قسوة قبل أن يصمت قليلًا مفكرًا بعمق وقائلًا بعدها في توعد : -الجنيدي بيلوى دراعى صح!!.. أنا عارف كويس أن مفيش حاجة من دي حصلت.. هو فاكر كده بيضربنى يعنى!!!!.. هو كده جاب آخره معايا.. بس ورحممممة أمممى أن ما كنت أفلسه مبقاش فريد!... حك ذقنه بيديه ثم تابع بصيغة الأمر : -أسمع.. قدامك أسبوع وتكون ظبطلى مع الشركة الألمانية اللى عطياه التوكيل وتبلغني... أجابه مساعده برعب : -بس يا فريد بيه أحنا كده بنعلن الحرب عليهم وعيلة الجنيدي مش قليلة في السوق... صاح به فريد غاضبًا : -نبيل!! اظبط معايا كده ولو بتخاف روح أقعد في بيتك... سارع نبيل يجيبه مبررًا توجساته : -يافندم أنا خايف على ساعتك مش أكتر... أجابه فريد بينما يصر على أسنانه في شراسة : -لسه متخلقش اللي يقف قدامي أو يلوي دراعي... حرك كفه داخل فروة رأسه مفكرًا، ثم تابع بنفس صيغة الأمر التي نادرًا ما يتنازل عنها : - ظبطلي بس أنت الشركة وأنا هقولك بعدها هنعمل إيه... انتهى من إملاء أوامره ثم اغلق الهاتف بنفاذ صبر وألقاه بقوة فوق سطح مكتبه بينما فمه لا يتوقف عن التوعد لعائلة الجنيدي وخاصةً كبيرها. ************* مضى الوقت وجاء موعد وجبة الغذاء سريعًا على عكس رغبتها، وعليه دلفت حياة غرفة الطعام على مضض تقدم ساق وتؤخر الأخرى فوجدته يجلس على قائمة الطاولة باسترخاء ينتظر قدومها وكأنه لم يكن يسبُ ويلعن مُذ قليل!، نظر إليها بتمعن يتأمل ملامحها المتجهمة فانفرجت تقاسيم وجهه على الفور، حتى وهي في تلك الحالة المتحفزة تستطيع تبديل مزاجه بنظرة واحدة منها!، لقد أصبحت كالمخدر بالنسبة إليه، مخدر جديد فريد من نوعه وخاص به وحده، من ذلك النوع الذي يجعل الزمن يتوقف عن الحركة وينسى معها ماضيه وما يخشاه من حاضره ومستقبله، هذا ما فكر به في حب، بينما قررت هى تجاهله والتصرف بلامبالاة في وجوده مثله!... لذلك توجهت مباشرةً نحو أحد المقاعد البعيدة عنه نسبيًا لتجلس فوقه بهدوء متعمدة إثارة أعصابه، فنظر إليها مليًا نظرة خالية مطولة، قبل أن ينطق بجملته متشدقًا في سخرية : -بصى كده كويسة هتلاقي إنى الحمدلله معنديش مرض معدي.. ولا أحنا في نص الشهر والقمر بدر فخايفة روح المستئذب اللي جوايا تخرج فاتحول وأقوم أعضك!!.. نظرت إليه بصدمة ممزوجة بالكثير من تعبير البلاهة قبل استيعابها حديثه، بينما أنتظر هو رد أي فعل منها دون فائدة تُرجي لذلك تمتم بنفاذ صبر قائلًا بتهديد ونبرة صارمة لا تحمل التشكيك : -هتتفضلي تقعدي جنبي من نفسك ولا تحبي اجي اشيلك؟!... قفزت من مقعدها على الفور بمجرد سماع جملته فكلًا من نبرته الخشنة ونظرته المتأهبة كانت توحى بجديته التامة، لذا جلست في المقعد المجاور له دون تردد، متجنبة رفع عيناها نحوه حتى لا ترى نظراته الباردة التي يرمقها بها منذ الصباح... وفي تلك الأثناء دلفت السيدة عفاف داخل الغرفة تحمل الوعاء الخاص بالطعام بين يديها المجعدة، وبعدما وضعته فوق الطاولة وشرعت في بدء عملها وقتها تحركت حياة من مقعدها تتحدث إليها بود وتوقفها : -متتعبيش نفسك يا دادة أنا هكمل... قبض فريد على معصم يدها بقوة يمنعها من استئناف الحركة رافعًا نظره إليها بعدسات مشتعلة غاضبة أصابتها بالارتباك، ثم تحدث بنبرة خفيضة حادة، أقرب إلى فحيح الأفاعي : -اقعدي مكانك.. أنا مش جايبك هنا تشتغلي... فتحت فمها لتعارضه ونيران الغضب تستعر بداخل قسماتها تمردًا على تصرفه الفظ والوضع ككل، ولكن نظرته التحذيرية التالية التى رمقها بها مع زيادة ضغطه على معصمها جعلتها تتراجع، فعادت تجلس فوق مقعدها بغضب، قبل أن توجهه نظرة معتذرة في اتجاه السيدة عفاف، والتي بادلتها نظرتها بإيماءة خفيفة من رأسها وابتسامة متفهمة كأنها تطمأنها بطريقتها الخاصة، قبل أن تُشرع في استئناف عملها والخروج بهدوء من الغرفة بعد استئذان صاحبها... أمسكت حياة بملعقتها كي تبدأ في تناول طعامها قبل أن تعقد حاجبيها معًا باشمئزاز!!! إن الحساء يحتوي على جميع المكونات التي تكرهها فعلًا!، دفعت الوعاء بعيدًا عنها قليلًا فهي لن تتناول ذلك الطعام تحت أي ظرفً كان، بينما ظل فريد يراقب ما تقوم به بتركيز تام وقد توقع رد فعلها ذلك، وعندما دفعت الوعاء من أمامها حدثها بنبره آمرة : -حياة كملي أكلك أنتِ مش طفلة!!!!.. حدجته بنظرة غاضبة قبل أن تجيبه بحنق قائلة وهى تقلد نبرته : -كويس أنك عارف إنى مش طفلة!.. ولا أقولك تعالى أكلني غصب عني زي ما اتجوزتني غصب... شعرت بالانتصار عندما رأت أثر الصدمة واضحًا على ملامحه واهتزاز حدقتيه، ولكن سرعان ما تحولت نظرة انتصارها إلى قلق عندما وجدته يرفع إحدى حاجبيه بتحدي ويضع معلقته فوق الطاولة بترو شديد يستعد بفعلته تلك للتحرك وتنفيذ مقترحها، فشهقت برعب رافعة كفها في اتجاهه باستسلام لتوقف تحركه وهى تتمتم برعب : -أوعى تقرب منى أنا مش هاكل أكل الناس العيانة ده... اتسع فمه بابتسامة انتصار، ثم إلى تسلية وهو ينظر إلى ملامحها الغاضبة، فهو يعلم جيدًا أن مذاق الطعام لم يعجبها ولكنها أرادت اللعب معه وعدم الاعتراف، وعليه كل ما احتاجه هو الضغط عليها لسحب الاعتراف من فمها عنوة، بينما زمت هى شفتيها بحنق تشعر بالدماء تغلى داخل عروقها من شدة الغيظ، فقد خدعها ذلك المتحجر القاسي، إذًا عليها تجاوز خطأها وأن تكون أكثر يقظة عند التعامل معه في المستقبل، أعادها من أفكارها صوته العميق يسألها باهتمام ونبرة حانية : -ليه مطلبتيش من المطبخ حاجة أنتِ بتحبيها؟!... إجابته في حنق مهاجمة : -وأنا أعرف منين يعني!!.. كنت بحسبك بتاكل زي الناس... رمقها بنظره خالية قبل أن تعود إليه نظرته الباردة مرة أخرى، هاتفًا في سخرية لاذعة : -الناس هي اللي مش بتاكل زيي!!!... تمتمت في خفوت وصل إلى مسامعه الحادة بوضوح : -مغرور... -سمعتك!... عقبت متشدقة في عدم اهتمام، بينما جبينها المجعد دلالة على عمق عبوسها ونفورها منه : -ميهمنيش.. أنا كده كده بكرهك... اهتزت نظرته قليلًا للمرة الثانية قبل أن يجيبها بصوت هادئ ونبرة تملؤها التهكم المرير : -مسمعتهاش من امبارح... ثم وضع المحرمة فوق الطاولة بعد أن مسح بها فمه وتركها خارجًا من الغرفة ككل. ************** وبعد الغداء قررت حياة قضاء ما تبقى من يومها داخل غرفتها حتى تتجنب لقائه، وفى المساء أي وقت حلول موعد العشاء رفضت النزول بحجة إنها ليست جائعة حتى تجاوزت الساعة العاشرة بقليل، وقتها أعلنت معدتها العصيان الكامل عليها فهى لم تتناول شيئًا يُذكر منذ صباح البارحة، لذلك قررت التسلل إلى المطبخ بهدوء لعلها تُهدء من احتجاج معدتها قليلًا أو تتوصل معها لحل مُرضي، وأثناء تسللها لداخله صادفت السيدة عفاف التي كانت على وشك إنهاء عملها والذهاب لمخدعها، وعندما رأتها فهمت على الفور سبب هبوطها فابتسمت لها بتفهم، بينما تمتمت حياة بخجل تقول : -دادة.. أنا جعانة... استجابت السيدة لطلبها على الفور وقامت بوضع مائدة كاملة أمامها من كافة الأصناف الشهية، غير تلك التي يتناولها الإنسان الألي.. ذلك الذي تزوجته، هذا ما فكرت به وهي تتناول طعامها بهدوء، ثم بعدها جلست تتسامر قليلًا مع السيدة عفاف عندما شعرت بخيال شخص ما يقف عند مدخل المطبخ... بالطبع علمت من هو من رائحة عطره المميزة، فالتفت على مضض تطالعه بهيئته الفوضوية، إذ كان يرتدى زى رياضي أسود يتناسب تمامًا مع عضلات جسده، ويضع منشفة صغيرة حول عنقه وتبدو على ملامحه الارهاق فعلمت إنه قد انتهى للتو من تمارينه الرياضية كما أخبرتها مساعدة المنزل في الصباح، قاطعًا هو الصمت الذي أطبق على المكان فور ظهوره يسأل بلهجته اللاذعة الحادة : -بيتهيألى مش ناوية تقضي الليل كمان في المطبخ.. ولا إيه؟!.. لم ينتظر إجابتها التي علمها من تمرد نظرتها عليه، بل تحرك في اتجاهها بعد انتهاء جملته يُمسك بذراعها يجذبها نحوه ويتحرك بها للخارج دون كلمة أخرى، نفضت يدها من قبضته فور خروجهم من المطبخ ورفعت رأسها بكبرياء تسبقه للأعلى ترفض الاقتراب منه أو حتى السير بجواره، وعندما كانت على وشك دخول غرفتها أوقفها صوته يقول بأستهزاء : -مكنتش أعرف أن القاعدة مع الخدامين والحرس حلوة كده!!.. الصبح حاولتي تحمي واحد وباقي اليوم قاعدة مع التانية!!... التفتت وعادت بخطواتها للوراء قاطعة المسافة التي ابتعدتها عنه،حتى توقفت أمامه مباشرةً مرةً ثانية، ثم وضعت سبابتها فوق فمها بتفكير قبل أن تميل برأسها نحوه بطريقة درامية وكأنها تتفحصه، قائلة بثبات بينما عيونها تطلق شررًا نحوه : -الخدامين دول أمي وأمك منهم يا فريد بيه يا أبن رحاب هانم... شعرت بذلك العرق بجانب صدغه قد بدء فى البروز من كثره ضغطه فوق أسنانه، لذلك قررت الانسحاب على الفور ولكنه سرعان ما تدارك غضبه فأجابها بسخرية وصلت إلى مسامعها وهى تدير مقبض باب غرفتها حيث كانت تبغى فتحه والاختباء خلفه : -حياة هانم طلعت عن شعورها وبتقول أمي وأمك!!.. واضح أن تعب رحاب هانم معاكي مجبش نتيجة للأسف!... انهى جملته الأخيرة وهو يضغط علي كلماته بقوة وترو وكأنه يتلذذ بنطق كل حرف منها ويتذوقه، وقد فهمت هي مغزاها جيدًا، حتى أن يدها توقفت عن تدوير المقبض، ثم التفتت تحدجه بنظرات حانقة قائلة له بغيظ، إذ عجزت عن مجابهته في الرد فنطقت بأول شيء يخطر على تفكيرها : -بكرهك... لوى فمه بسخريه مجيبًا لها وهو مازال يقف أمام باب غرفته : -عارفة إيه الناحية التانية للكره؟!.. خلى بالك تلاقي نفسك واقفة عندها من غير ما تحسى... انهى جملته الأخيرة ثم دلف غرفته وأغلق الباب خلفه بهدوء، تاركها تشعر بالرعب مما هو قادم... *************** دلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها برفق، ثم استندت بثقل جسدها فوقه قبل أن تُغلق جفونها بحزن وتضع كلتا كفيها فوق وجهها لتخفى ملامحها من شدة الخزي، تُفكر بضيق يالله!! ماهذا الذى تفوهت به منذ قليل!!... آيعقل إنها أقحمت أحب إنسانة إلى قلبها في صراعهم العقيم ونقاشهم الملغم!!، شعرت بوخز الدموع داخل مقلتيها بسبب شعورها المتزايد بالذنب، اللعنة على ذلك الفريد، كيف يستطيع إثارة غضبها وإخراجها عن شعورها بكلمة واحدة منه!.... انزلقت بجسدها إلى الارضية الخشبية تجلس فوقها وهي تضم ركبتيها إلى قفصها الصدرى وتحاوطهم بذراعيها بينما تستند بذقنها عليهم مُطلقة لدموعها الندمة العنان، فكرت بحزن أن كل ما وصلت إليه حتى الآن يعود فضله بعد الله إلى والدتها الثانية "رحاب" التي سخرت منها منذ قليل!.. فـفي الحقيقة كانت تعاملها بحنان أكثر من طفلها الوحيد، حتى عندما قرر السيد غريب زوجها ووالد فريد أن يعهد بتربيته إلى معلمة خاصة لتعليمه كافة أصول الاتيكيت متعللًا بأنه لايثق في خادمة لتنشئتة ولى عهده، أصرت أمامه السيدة رحاب أن تتلقى حياة نفس التنشئة كمقايضة، بل وتحضر معه كافة الدروس حتى تتعلم كيفية التصرف كسيدة مجتمع منذ صغرها كي لا تُلاقي نفس مصيرها ومصير والدتها في المستقبل، وبالطبع لم يكن فريد ليتركها فوافق والده مجبرًا... وعندما حان موعد دراستها الأكاديمية أصرت على صديقة عمرها ووالد حياة إدخالها مدارس الراهبات لتتلقى أفضل تعليم للفتيات في ذلك الوقت، وقد تكفلت بكافة مصاريفها في مراحل تعليمها الأبتدائي، وحتى بعد وفاتها علمت حياة إنها أودعت مصاريف دراستها في وديعة خاصة بها حتى تتجاوز المرحلة الإعدادية بسلام... وبعدها عندما انتقلت إلى المدارس الحكومية في المرحلة الثانوية كان قد حُفر داخل ذاكرتها كل ما تعلمته منذ صغرها فكان يُعجب بأخلاقها ورقتها وفطنتها في التعامل والتعاطي مع الأمور كل من يراها، باختصار.. كل ما تملكه كانت مُدينة لتلك الملاك به بعد خالقها سبحانه... والآن هل هكذا يكون رد الجميل لها؟!، السخرية من ذكراها؟!، زفرت في ضيق فهي منذ وصولها إلى ذلك المنزل وهى تشعر بالغضب على الدوام، حتى إنها أصبحت لا تعرف نفسها عند النظر في المرآة فالطالما كانت هادئة ذات نفسية متوازنة لاتسمح لأحد بالتأثير على سلوكها حتى والدها، إذا متى تحولت إلى ذلك الحجر القاسي!... حركت رأسها في عزيمة فهي أبدًا لن تسمح لفريد الآن بأن يحولها إلى شخص فظ مشابهه له!، هذا ما قررته وهى تجفف دموعها وتنطلق نحو الباب المشترك بينهم تنتوي بذلك تصحيح خطأها. طرقت الباب عدة طرقات متتالية دون إجابة تصدر منه، فقررت فعلها للمرة الأخيرة كفرصة غير قابلة للتكرار قبل أن تعود بأدراجها وتتوجه نحو الحمام كي تبدل ملابسها، وقبل استدارتها وجدت الباب يفُتح ويقف هو قبالتها ولا يرتدى ما يستر جسده سوى منشفة بيضاء كبيرة على خصره واُخرى صغيرة فوق عنقه وشعره يبدو مبلللًا بالكامل، فشهقت خجلة من مظهره بينما الاحمرار يزحف نحو وجنتيها قبل أن تبدأ في مهاجمته متناسية كل ما ذكرت به نفسها منذ قليل : -إيه ده!!!.. إيه قلة الأدب دي!.. أنت إزاى تفتحلي وأنت كده؟!.. نظر لها بحاجب مرفوع متعجبًا من هجومها الغير مبرر، دون تخليه عن استرخاء ملامحه قبل أن يجيبها متشدقًا : -حياة.. أنتِ أكيد مخبطيش على الباب كل ده عشان تقوليلي إنى قليل الأدب!!... ارتبكت من نبرته ومظهره العارى وعضلاته البارزة ففي كل الأحوال تلك هي مرتها الأولى التي تري أمامها رجل نصف عارى ولديه كل ذلك الكم من العضلات المصقولة، حسنة أخرها يمتلكها ذلك اللعين!.. انتظرها لتُفصح عن سبب زيارتها ولكن دون فائدة، لذلك أردف يُضيف بعد أن تبدلت ملامحه للاستمتاع وهو يرى ارتباكها فهتف باسمها يستجديها لاستئناف حديثها، أو ربما لزيادة الضغط على أعصابها المتذبذبة : -حــيــاة.. إجابته مغيظة وهى ترفع رأسها نحوه بتحدي وثبات : -فرييييييد!!... التوى جانب فمه بابتسامة صغيرة قبل أن يُعقب بنبرة مشاكسة : -عيون فريد!! أنا معنديش مشكلة أفضل واقف كده للصبح.. بس أنتِ اللي شويه وهيغمي عليكي من الكسوف.. فقولي عايزة إيه من غير كل التوتر ده!... فركت باطن كفيها بتوتر قبل أن تقول بتعلثم شاعرة بحرارة جسدها تزاد تلقائيًا من فرط الإنفعال وكثرة الضغط : -أنا بس كنت عايزة أقولك إني... صمتت قليلًا محاولة استجماع شجاعتها فأخر ما كانت تتوقعه هو أن تقف أمامه هكذا كطالبة مُذنبة كي تطلب منه السماح، فسألها بنفاذ صبر يحثها على تكملة جملتها : -ها كنتي عايزة تقولي إنك... ؟!.. رفعت نظرها إليه ثم تمتمت في خجل، بينما رأسها منكس للأسفل : -كنت عايزة أقولك إنى أسفة على الكلام اللي قلته من شوية.. وأسفة إنى جبت سيرة ماما رحاب في كلامنا.. أنت أكتر حد عارف أنا بحبها قد إيه ومكنش ينفع أقول كده ابدًا... هل لمعت عيونه للتو أم تخيلت ذلك؟!، لم تتلقي منه أى رد ولكنها رأت تبدل ملامحه تمامًا فقد تحولت من التجهم إلى شيء آخر لم تفهمه، ثم سريعًا ما عادت إلى الاسترخاء الأولي، حتى أنه في تلك اللحظات بدا لها أصغر سنًا، بينما وقف هو يناظرها مليًا يحاول تفسير ما حدث أمامه وما تفوهت به للتو، وقد أربكت باعتذارها حساباته وخالفت توقعاته!.. هل لذلك السبب يبدو عليها أثار البكاء؟!!.. يالله كم تبدو شهية بأنفها الأحمر ووجنتيها وعيونها الدامعة، إنها تثيره إلى أقصى درجة ممكنة دون أن تعلم ذلك حتى ودون أى جهد يُذكر منها، انتظرت حياة أي رد فعل منه ولكن دون جدوى لذلك قالت بتحدي وهى تعاود رفع رأسها في كبرياء، وقد تبدل مزاجها تمامًا : -دورك على فكرة... إعاده صوتها الرقيق من تأملاته بها فسألها بعدم فهم بصوته المتحشرج : -دوري في إيه بالظبط... إجابته في كبرياء، بينما عدستيها تلمع بإصرار : -إنك تعتذر مني على اللي قلتهولي من شويه... نظر إليها بصدمة كأنها تطلب منه المستحيل، لوت فمها بأحباط قبل أن تتحول نظرتها إلى خيبه الأمل، حسناً ما الذى كانت تنتظره منه؟!، أن يتخلي عن غروره ويعترف لها بخطئه، لو كانت تلك شخصيته ما كان أجبرها من الأساس على الزواج منه، التفتت تعود إلى غرفتها تجر معها ذيول خيباتها وإحباطها عندما اوقفها صوته العميق يقول بصوت ملئ بالعاطفة : -حياة.. أنتِ أغلى عندي بكتير من أني أزعل على اللي قلتيه من شويه... تنهد بحرارة قبل أن يكمل حديثه بصوته الأجش : - وصدقيني أنتِ في عيني أكبر من إنك تعتذري لحد حتى لو ليا.. وحتى لو غلطتي أنا أعتذر عن غلطي وغلطك بدالك... فاجأها اعتذاره وحديثه فالتفت تنظر إليه ودون وعى منها بابتسامة واسعة مشرقة وعيون تلمع بالرضا، بادلها ابتسامتها بواحدة حقيقية واسعة لم تزر شفتيه منذ زمن بعيد ولم تعلم أن بابتسامتها تلك قد اضاءت له ليلته المظلمة... الفصل السادس من هنا |
رواية متي تخضعين لقلبي الفصل الخامس 5 بقلم شيماء يوسف
تعليقات